الصكوك الدوليـةلحقوق الإنسـان

وثيقة أساسية تشكل الجزء الأول من تقارير الدول الأطراف

جمهورية أفريقيا الوسطى

[الأصل بالفرنسية]

[15 نيسان/أبريل 1998]

المحتويات

الفقرات الصفحة

أولاً- بيانات جغرافية وسكانية واقتصادية 1-12 3

ألف- الإطار الطبيعي 1-2 3

باء- الإحصاءات السكانية 3-10 3

جيم- الاقتصاد 11-12 5

ثانياً- الهيكل السياسي العام 13-36 6

ألف- التاريخ السياسي 13-24 6

باء- تنظيم السلطات 25-36 9

(A) GE.99-40978

المحتويات (تابع)

الفقرات الصفحة

ثالثاً- الإطار القانوني وحماية حقوق الإنسان 37-49 11

ألف- النظام القضائي 40-43 12

باء- نظم التعويض ورد الاعتبار التي يمكن أن يستفيد منها الضحايا 44-49 14

رابعاً- الإعلام والدعاية 50-59 15

ألف- نشر النصوص 51 15

باء- ترجمة النصوص إلى اللغة الوطنية 52 15

جيم- الهيئات الحكومية المكلفة بوضع التقارير 53-54 15

دال- المناقشة العامة 55-59 16

أولاً - بيانات جغرافية وسكانية واقتصادية

ألف - الإطار الطبيعي

1- تقع جمهورية أفريقيا الوسطى في قلب القارة الأفريقية. وتبلغ مساحتها 000 623 كم 2 ، وتحدها من الشمال تشاد، ومـن الشرق السودان، ومن الغرب الكاميرون، ومن الجنوب جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية الكونغو - برازافيل. ويسود الجزء الشمالي من البلد مناخ شبه صحراوي، بينما يسود الجزء الجنوبي مناخ استوائي. وتشهد جمهورية أفريقيا الوسطى فصلين هما: فصل الجفاف وفصل الأمطار. والمياه غزيرة في البلد، ولكن يلاحظ أن الأمطار غير كافية خلال فصل الجفاف في منطقة السهول العشبية. وتوجد في البلد غابات كثيرة كما توجد بها مناجم عديدة.

2- وعلى الصعيد الإداري تنقسم جمهورية أفريقيا الوسطى إلى محافظات ومحافظات فرعية، ومراكز إدارية وبلديات. ولكن ينص الدستور الصادر في 14 كانون الثاني/يناير 1995 على تقسيم البلد إلى سبع مناطق في إطار عملية تطبيق اللامركزية والحكم المحلي (المادة 99).

باء - الاحصاءات السكانية

1- وضع السكان

3- يقدّر عدد السكان وفقاً للتعداد السكاني العام الذي أجري في عام 1988، بما يعادل 428 688 2 نسمة في شهر كانون الأول/ديسمبر 1998، أي أن الكثافة السكانية تبلغ في المتوسط 4.3 نسمة في الكيلومتر المربع. وكان من المتوقع أن يبلغ عدد السكان زهاء 3 ملايين نسمة في عام 1995. والتوزيع السكاني متفاوت في مختلف أرجاء جمهورية أفريقيا الوسطى. ففي المنطقة الشرقية القليلة السكان التي تبلغ مساحتها 53 في المائة من أراضي الدولة، يقيم 20 في المائة من العدد الإجمالي من السكان، بينما يعيش 80 في المائة من السكان في المنطقة الغربية من البلد. ويشكل القرويون أغلبية السكان (307 706 1 نسمة في عام 1988) أي ما يعادل 63.5 في المائة من السكان مقابل 110 982 نسمة في المناطق الحضرية، أي ما يعادل 36.6 في المائة.

4- ويبين تحليل بيانات التعداد السكاني لعام 1988 أن أغلبية سكان جمهورية أفريقيا الوسطى من الشباب: إذ يشكل الأشخاص دون سن 15 عاماً من العمر نسبة 43.3 في المائة من إجمالي عدد السكان، بينما يشكل الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و59 عاماً 51.7 في المائة من السكان، ويشكل الذين تتجاوز أعمارهم سن الستين نسبة 5 في المائة من السكان.

5- ولقد تبين من تعداد عام 1988 وجود 314 59 رب أسرة، 81.2 في المائة من بينهم من الرجال، و18.8 في المائة من النساء؛ ويقيم 32.8 في المائة من أرباب الأسر في المناطق الحضرية لقاء 67.2 في المائة في المناطق الريفية. أما في المناطق الريفية فتضطلع امرأة من بين كل ست نساء بمهام رب الأسرة مقابل امرأة من بين كل أربع نساء في المناطق الحضرية.

2- التغيرات الطبيعية

6- الخصوبة : المعدل الإجمالي للمواليد في الفترة بين عامي 1975 و1988، من 41.6 في الألف، إلى 44 في الألف وما زالت نسبة الخصوبة مرتفعة في جمهورية أفريقيا الوسطى حيث بلغ متوسط عدد الأطفال لكل امرأة 6.1 طفلاً في عام 1988 بعد أن كان 5.9 طفلاً في عام 1975. وتبدأ الخصوبة في سن مبكرة وتدوم إلى سن متقدمة. ويبين التعداد الأخير أن 72 في المائة من الولادات تحصل عندما تكون المرأة دون سن 30 عاماً من العمر. وجدير بالذكر، من جهة أخرى، أن مسألة العقم مسألة تثير القلق في البلد. ففي عام 1988، قُدِّر أن 26 في المائة من النساء اللواتي بلغن سن 50 عاماً كن مصابات بالعقم.

7- معدل الوفيات : ما انفك هذا المعدل ينخفض في الآونة الأخيرة: فبلغ معدل الوفيات الإجمالي 16.7 حالة وفاة لكل ألف نسمة بعد أن كان 19 حالة وفاة لكل ألف نسمة. ومعدل الوفيات أعلى بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين وقت الميلاد وسن 5 سنوات وبين الذين تجاوزوا سن 70 عاماً من العمر. ويؤدي هذا الانخفاض في معدل الوفيات إلى زيادة طول العمر المتوقع عند الولادة. وبذلك يكون طول العمر المتوقع لدى الولادة قد زاد بنسبة 0.45 عاماً في السنة. ولقد اختلفت زيادة طول العمر المتوقع لدى الولادة حسب الجنس: فأصبحت لدى الرجال 47.2 عاماً في سنة 1988 بعد أن كانت 41 عاماً في سنة 1975، وأصبحت لدى النساء 50.6 عاماً بعد أن كانت 45 عاماً.

3- التنوع الإثني

816- إن الإثنيات الموجودة في جمهورية أفريقيا الوسطى متنوعة للغاية حسب البيئات الطبيعية. ولكن توجد بينها سمات ثقافية مشتركة مثل السانغو وهي اللغة الوطنية التي يتكلم بها الجميع.

9- أما الإثنيات الرئيسية فهي:

(أ) جماعة غبايا في المنطقة الغربية من البلد؛

(ب) وجماعة باندا في المنطقة المتوسطة - الغربية من البلد؛

(ج) وجماعة البانتو في المنطقة الجنوبية - الغربية من البلد، وهي تتألف من الجماعات الفرعية المؤلفة من الملبيمو، ونغباكا - ماندجا، وباندي، وبانغاندو، ومباتي، والبيغمي، وهم يعيشون جميعاً في منطقة الغابات؛

(د) وجماعة الأوبانغيين القادمة في الأصل من منطقة السهول العشبية ووادي نهر النيل، وهي تتألف من الجماعات الفرعية التالية: نغباكا، ومونزومبو، غبانزيري، وبوراكا؛

(ه‍) وجماعة نغباندي المؤلفة من الجماعتين الفرعيتين التاليتين: السانغو، والياكوما، ويعيش هؤلاء على ضفاف نهر أوبانغي؛

(و) وجماعة النزكارا - زاندي المقيمة في المنطقة الشرقية من البلد؛

(ز) وأخيراً جماعة سارا ومبوم في المنطقة الشمالية من البلد.

4- مستوى التعليم

10- ما زالت نسبة الأميين مرتفعة في البلد: فكان عدد الذين لا يعرفون القراءة والكتابة 460 478 1 شخصاً في عام 1988، أي ما يعادل 63 في المائة من السكان مقابل 77 في المائة في عام 1975. ونسبة النساء الأميات أعلى (76 في المائة) مقارنة بالذكور (49.1 في المائة). وتبين نفس الدراسة الاستقصائية أن 30 في المائة من الأشخاص في سن العاشرة من العمر فما فوق حصلوا على التعليم الابتدائي، و11 في المائة فقط من بينهم واصلوا تعليمهم بعد إنهاء المرحلة الابتدائية. ومن بين الأشخاص البالغ عددهم 564 358 الذين ذكروا أنهم يترددون على مؤسسة مدرسية في 1988 بلغ عدد الذكور 802 221 ذكراً في مقابل 762 137 أنثى، أي أن نسبة الذكور كانت 161 ذكراً لكل 100 أنثى. ويبين هذا التفاوت الكبير، انخفاض نسبة التحاق الفتيات بالمدارس.

جيم - الاقتصاد

11- إن الحالة الاقتصادية في جمهورية أفريقيا الوسطى مثيرة للقلق. وقد تميزت في السنوات القليلة الماضية بأزمة اجتماعية - سياسية مستمرة أدت إلى تدمير جزء كبير من النسيج الصناعي والتجاري، الأمر الذي أدى إلى تسجيل تباطؤ عام في الأنشطة الاقتصادية. فأصبح معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي محسوباً بالقيمة الحقيقية، دون الصفر بنسبة 2 في المائة في عام 1996 بعد أن كان 2.9 في المائة في عام 1995، أي أن الفرق بلغ 4.9 في المائة.

12- ويعتمد اقتصاد جمهورية أفريقيا الوسطى على القطاع الزراعي بصفة رئيسية، ويمثل القطاع الأولي (الزراعة وصناعة التعدين) نحو 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وأهم الصادرات الزراعية هي: البن، والقطن، والتبغ. أما المواد الزراعية الغذائية فهي الذرة الصفراء، والفول السوداني، والذرة البيضاء، والسمسم، والمنيهوت. وتسهم تربية الحيوانات كما يسهم صيد الأسماك مساهمة لا بأس بها في النشاط الاقتصادي. أما الحراجة فلقد سجلت تراجعاً بين عامي 1995 و1996: فانخفض انتاج الخشب بنسبة 11.7 في المائة وبلغ 810 278 متراً مكعباً بعد أن كان 895 325 متراً مكعباً. وكذلك سجل تباطؤ في ميدان التعدين بين عامي 1995 و1996.

ثانياً - الهيكل السياسي العام

ألف - التاريخ السياسي

13- حصلت جمهورية أفريقيا الوسطى على سيادتها الدولية في 13 آب/أغسطس 1960، بعد أن كانت تابعة، في الفترة بين 27 تشرين الأول/أكتوبر 1946 و1 كانون الأول/ديسمبر 1958، لإقليم أوبانغي - شاري الخاضع للنظام الاستعماري الفرنسي المفروض على الأقاليم الموجودة عبر البحار. وبدأ التطور السياسي للبلد أول ما بدأ في عام 1946 لدى اصدار الدستور الفرنسي الرابع: وقد نص هذا الصك على إنشاء نظام المجالس الذي سمح للنواب المنتخبين في الأقاليم الفرنسية الواقعة عبر البحار بحضور جلسات المجلس الثاني من مجلسي البرلمان في العاصمة.

14- ولكن التحول الحاسم في تطور الهياكل السياسية الإدارية للبلد تم في عام 1956 على وجه الخصوص عندما دخل قانــون "دوفير" حيز النفاذ ومنح الاستقلال الذاتي الإداري لتلك الأقاليم. وبفضل هذا القانون أسس اقليم أوبانغي - شاري مجلسه الإقليمي بعد انتخابات تنازعت فيها وتنافست تشكيلات سياسية مختلفة في عام 1957. وبعد هذه الانتخابات حصلت حركة التطور الاجتماعي في أفريقيا السوداء "ميسان"، وهي حزب، السيد بارتيليمي بوغاندا، محافظ بانغي و ممثلها في مجلس النواب، على كافة المقاعد فأصبح بالتالي الحزب المهيمن تماماً. ولقد كان للقس برتيليمي بوغاندا مؤسس "ميسان" أثر عميق بنشاطه في الحياة السياسية الأوبانغية في الفترة من عام 1946 حتى عام 1959 سنة وفاته.

15- وهو الذي أعطى في 16 شباط/فبراير 1959 جمهورية أفريقيا الوسطى دستورها الأول الذي اعتمده المجلس التشريعي. وقد كرس إصدار رئيس الجمهورية لهذا الدستور بصورة نهائية مركز جمهورية أفريقيا الوسطى في إطار الرابطة الفرنسية. وعهدت هذه الرابطة القائمة على نظام شبه اتحادي مرن للغاية من حيث الهيكل، إلى فرنسا باختصاصات هامة في الميادين المتعلقة بسيادة الدولة، ولا سيما العملة، والشؤون الخارجية، والجيش، والعدالة، وموارد الطاقة. ولكن الدستور الصادر في عام 1959 مستوحى إلى حد كبير من الدستور الفرنسي الصادر في 4 تشرين الأول/أكتوبر 1958 ومن نظام جمهورية ألمانيا الاتحادية من حيث تأسيس نظام برلماني راشد. والبرلمان في هذا النظام مؤلف من مجلس واحد والسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية مستقلة تماماً وإن كان لرئيس الجمهورية مركز مهيمن في علاقاته مع البرلمان والحكومة.

16- ولكن للأسف حالت وفاة الرئيس بوغاندا فجأة في 29 آذار/مارس 1959 دون التمكن من تعزيز المؤسسات الجديدة وتوطيدها. فقد لجأ خلفه، الرئيس دافيد داكو، فور توليه الحكم وبدافع الظروف السائدة، إلى إعادة النظر في أحكام الدستور الهامة التي غيرت طبيعة النظام البرلماني تغييراً نهائياً. وقد أدى ذلك في الفترة بين عامي 1960 و1964 إلى تأسيس نظام دستوري جديد والقيام، بادئ ذي بدء، بتكريس وجود "ميسان" كحزب وحيد، ومن ثم القيام بتركيز السلطات بين يدي شخص واحد وتقويض نظام التعاون بين السلطات.

17- وبناء عليه، اعتمدت الجمعية الوطنية في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1964 دستوراً ثانياً. وأدرج حزب "ميسان" الوحيد أسماء المرشحين للانتخابات الرئاسية والتشريعية في قائمة واحدة. أما النظام السياسي المؤسس في عام 1964 فهو نظام رئاسي ألغيت فيه سلطة سحب الثقة وأعطي فيه رئيس الجمهورية حق حل البرلمان. ولا يتمتع الوزراء بسلطات مستقلة وهم تابعون تماماً لرئيس الدولة الذي يعينهم ويقيلهم.

18- ولم يستمر هذا النظام أكثر من سنة واحدة، ففي 31 كانون الأول/ديسمبر 1965 أطاح العقيد جان - بديل بوكاسا بحكم الرئيس دافيد داكو. وبموجب القوانين الدستورية التي أصدرها في اليوم التالي لتوليه الحكم، حكم العقيد بوكاسا البلد حتى 4 كانون الأول/ديسمبر 1976 تاريخ إعلان الدستور الامبراطوري.

19- ويكرس هذا الدستور الثالث النظام الملكي الدستوري ويخوّل الامبراطور سلطات هائلة كتلك التي تمنح في الأنظمة السياسية الرئاسية. وهو ينص على تأسيس برلمان مؤلف من مجلس واحد يُعهد إليه بالسلطات المتبقية، كما ينص على إنشاء محكمة دستورية وحكومة يترأسها رئيس الوزراء. وجدير بالذكر أن هذا البرلمان وهذه المحكمة الدستورية لم ير أحدهما النور أيام الامبراطورية. وينص دستور الامبراطورية، بالإضافة إلى ذلك، على أن "ميسان" هو الحزب الوحيد، وهو يعترف له بسلطة مراقبة عمل الحكومة، وتحديد اتجاهات السياسات العامة، وإسداء المشورة إلى الامبراطور في جميع المسائل التي يعرضها الامبراطور عليه. وأطاح انقلاب الحادي والعشرين من أيلول/سبتمبر 1979 الذي قام به الرئيس دافيد داكو في إطار عملية باراكودا، بحكم الامبراطور بوكاسا الأول بصورة نهائية.

20- وفي 5 شباط/فبراير 1981 أعلن دافيد باكو الدستور الرابع الذي أعدته حلقة التدارس الوطنية. وفاز الاتحاد الديمقراطي لجمهورية أفريقيا الوسطى، وهو حزب السيد داكو، بالانتخابات الرئاسية التي أجريت في آذار/مارس 1981، فانتخب السيد داكو، بناء على ذلك، رئيساً للجمهورية. ولكن لم تنشأ الهيئات المنصوص عليها في هذا القانون الأساسي لأن الجيش استولى على السلطة من جديد في 1 أيلول/سبتمبر 1981.

21- وقام اللواء أندريه كولينغبا قائد القوات المسلحة على الفور بوقف العمل بالدستور ومنع نشاط الأحزاب السياسية، وحكم بالتعاون مع لجنة عسكرية للاصلاح الوطني. وفي 26 تشرين الثاني/نوفمبر 1986 اعتمد، بناء على استفتاء، دستور جديد نص على إقامة نظام رئاسي معزز والاعتراف بحزب و احد هو التجمع الديمقراطي لجمهورية أفريقيا الوسطى، كما نص على إنشاء برلمان مؤلف من مجلسين هما (الجمعية الوطنية، وهو المجلس الأدنى؛ والمجلس الاقتصادي والإقليمي وهو المجلس الأعلى). وعملت هذه المؤسسات بصورة طبيعية حتى بعد انتهاء فترة الولاية المحددة لها عادة في الدستور. ولكنه تم بفضل حركات توسيع مجال الديمقراطية التي حدثت في التسعينات، تنقيح دستور عام 1986 عملاً بالقوانين 91-001، و91-003، و91-013 الصادرة على التوالي في 8 آذار/مارس 1991، و4 تموز/يوليه 1991، و28 آب/أغسطس 1992. وأجازت هذه الاصلاحات الدستورية تعدد الأحزاب، والنظام البرلماني، أي أنها أقرت، بإيجاز، تحرير الحياة السياسية.

22- ومرت جمهورية أفريقيا الوسطى في الفترة من شهر تشرين الأول/أكتوبر 1992 حتى شهر أيلول/سبتمبر 1993، بمرحلة انتقالية طويلة للغاية حيث ألغى الرئيس كولينغبا انتخابات 25 تشرين الأول/أكتوبر 1992 لأنه وجد أنها جاءت مشوبة بمخالفات عديدة. وخلال هذه الفترة الانتقالية، تم تمديد ولاية رئيس الجمهورية بتوافق الآراء بين زعماء الأحزاب السياسية الرئيسية المعترف بها. وهكذا تم إنشاء مجلس وطني سياسي مؤقت للجمهورية وهو هيئة مؤلفة من الحكماء الذين يحتمل أن يرشحوا أنفسهم لانتخابات رئاسة الجمهورية؛ ولا تتمتع هذه الهيئة إلاَّ بدور استشاري ولا تتمتع بسلطة اتخاذ القرار.

23- وبغية اجتياز هذه المرحلة الانتقالية السلمية بنجاح وتأسيس نظام سياسي شرعي، أنشئت، من جهة أخرى، لجنة انتخابية مختلطة كلفت بتعداد الناخبين والاشراف على العمليات الانتخابية. وكانت هذه اللجنة تتألف من ممثلي الحزب الحاكم وممثلي الأحزاب السياسية المعارضة. وتمكنت هذه اللجنة التي أعطيت الوسائل البشرية والمالية والمادية الكافية من إنجاز مهامها بنجاح في انتخابات شهري آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر 1993 التي حملت إلى السلطة مرشح حركة تحرير شعب جمهورية أفريقيا الوسطى، الرئيس آنج فيليكس باتاسي، رئيس الدولة الحالي لجمهورية أفريقيا الوسطى.

24- ووعد السيد باتاسي في برنامجه السياسي الشعب بدستور جديد اعتمد بموجب استفتاء أجري في 28 كانون الأول/ديسمبر 1994 وأصدره في 14 كانون الثاني/يناير 1995. وبين فقهاء القانون الدستوري في جمهورية أفريقيا الوسطى أن هذا الدستور يتسم بنوع من التوفيق بين دستوري عام 1959 وعام 1981. وكانت أهم أوجه التجديد فيه هي ما يأتي:

(أ) تحديد فترة الولاية الرئاسية؛

(ب) وإنشاء نظام برلماني حقيقي وبرلمان مؤلف من مجلس واحد؛

(ج) وإنشاء محكمة دستورية مكلفة بالتحقق من دستورية القوانين، والسهر على توزيع الاختصاصات بين السلطات العامة، وضمان حماية حريات المواطنين؛

(د) إيجاد سلطة قضائية مؤلفة من النظام القضائي العادي والقضاء الإداري؛

(و) وإنشاء الأقاليم.

باء - تنظيم السلطات

25- نصت المادة 17 من الدستور على أن نظام الدولة هو النظام الجمهوري. ودولة أفريقيا الوسطى هي دولة تقوم على مبدأ سيادة القانون، وهي دولة ذات سيادة لا يمكن تجزئتها وهي دولة علمانية تؤكد على الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات كما سيتبين لنا فيما بعد.

1- السلطة التنفيذية

26- السلطة التنفيذية ذات رأسين فهي تتألف من رئيس الجمهورية ومن الحكومة التي يديرها رئيس الوزراء.

27- وينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام المباشر لمدة ست سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وهو يجسد الوحدة الوطنية ويضمن استمرار بقاء الدولة. أما المهام المنوطة به بموجب الدستور فهي عديدة وسنكتفي بسرد أهمها:

(أ) فهو يعين رئيس الوزراء ويقيله؛

(ب) ويعين باقي أعضاء الحكومة بناء على اقتراح رئيس الوزراء ويقيلهم بموجب نفس الشروط؛

(ج) وهو رئيس السلطة التنفيذية؛ وبهذه الصفة يرأس مجلس الوزراء ويصدر القوانين والأوامر ويوقع على المراسيم؛

(د) وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة؛ وبهذه الصفة يرأس مجلس الدفاع الوطني؛

(ه‍) وهو رئيس مجلس القضاء الأعلى؛

(و) وهو الذي يتفاوض على المعاهدات والاتفاقات الدولية ويصدّق عليها، ويعتمد السفراء والمبعوثين؛

(ز) ويمارس حق منح العفو؛

(ح) وأخيراً يمارس رئيس الجمهورية سلطات استثنائية في حالة الأزمات الحادة التي تؤثر على حياة البلد أو على مؤسسات الدولة (المادة 26 من الدستور).

28- أما رئيس الوزراء الذي هو رئيس الحكومة، فيختاره رئيس الجمهورية من بين الشخصيات التي تتمتع بالنفوذ في حزب الأغلبية البرلمانية. وهو مسؤول عن تطبيق السياسة التي يحددها رئيس الجمهورية (المادة 37). ويقوم على الصعيدين السياسي والإداري بتوجيه عمل الحكومة وتنسيقه. ويدير رئيس الوزراء السلطة الإدارية ويقوم بتعيين الموظفين في المناصب المدنية بموجب تفويض من رئيس الدولة.

29- ويرأس، بالإضافة إلى ذلك، مجلس الوزراء واللجان المشتركة بين الوزارات والمكلفة بالنظر في مسائل يكون قد وافق عليها رئيس الدولة أولاً (في نهاية المادة 37 من الدستور). وأخيراً يكون رئيس الحكومة مسؤولاً أمام رئيس الدولة وأمام الجمعية الوطنية أيضاً. ويجوز له، لدى تأدية مهامه، أن يفوض بعض سلطاته للوزراء (المادة 40 من الدستور).

30- ويحدد دستور الدولة الحالي في مواده 41 و42 و43 اختصاصات أعضاء الحكومة بدقة. وتنطوي بعض الاختصاصات المسندة إلى الحكومة بموجب الدستور على قيام الحكومة بالنظر مقدماً، في إطار مجلس الوزراء، في المسائل التالية: (أ) السياسة العامة للجمهورية؛ و(ب) مشروع الخطة؛ و(ج) مشروع تنقيح الدستور؛ و(د) تعيين الموظفين لشغل بعض المناصب المدنية والعسكرية. وبناء عليه، ينبغي لأعضاء الحكومة أن يحضروا أمام البرلمان خلال جلسة استثنائية تعقدها الجمعية الوطنية كي يردوا على الأسئلة الكتابية والشفوية التي يطرحها النواب في مجالات اختصاصهم.

2- البرلمان

31- يتألف البرلمان من مجلس واحد، وهو يتمتع بالسلطات التي يعترف له بها بصورة تقليدية في النظام البرلماني. وينتخب النواب بالاقتراع العام المباشر لمدة 5 أعوام. ويقوم أعضاء الجمعية الوطنية بانتخاب رئيسهم لمدة مساوية لمدة تفويض الهيئة التشريعية. ويتمتع النواب أثناء ممارسة مهامهم وخارج فترة الدورات بالحصانات البرلمانية المنصوص عليها في المادة 49 من الدستور.

32- أما السلطات المنوطة بالجمعية الوطنية فهي تلك التي يقرها النظام البرلماني المألوف. ويمكن أن تجمع في إطار أربع فئات رئيسية هي: (أ) التصويت على مشاريع القوانين؛ و(ب) ممارسة الرقابة على عمل الحكومة بالتصويت على الثقة والتصويت على سحب الثقة؛ و(ج) بحث المسائل المطروحة كتابياً وشفوياً وممارسة العمل في لجان التحقيق؛ و(د) الترخيص للحكومة بإعلان الحرب.

33- إن مجال القانون مجال واسع للغاية ولكن المادة 58 من الدستور تعين حدوده. ولا يمكن، من جهة أخرى، لرئيس الجمهورية أن يصدِّق على الاتفاقات والمعاهدات الدولية أو يلغيها إلا بترخيص من الجمعية الوطنية (المادة 66 من الدستور).

3- السلطة القضائية

34- قبل إصدار دستور عام 1995 كانت المحكمة العليا هي التي تمارس السلطة القضائية وكانت المحكمة تتألف من المجلس الدستوري، والمجلس الإداري، والمحكمة القضائية، ومجلس المالية.

35- ولكن عُدِل عن نظام المحكمة العليا وأنشئ كما هو الحال في فرنسا، نوعان من النظام القضائي وهما:

(أ) نظام المحاكم القضائية (محكمة النقض، ومحكمة الاستئناف، والمحاكم الابتدائية، ومحاكم العمال)؛

(ب) ونظام المحاكم الإدارية (مجلس الدولة، ومحكمة تنازع الاختصاص، وديوان المحاسبة).

وجدير بالتذكير هنا أنه يوجد قضاء استثنائي مثل محكمة العدل العليا والمحكمة العسكرية الدائمة.

4- أجهزة أخرى منصوص عليها في الدستور

36- تنص المادة 97 من الباب التاسع من الدستور على إنشاء مجلس اقتصادي واجتماعي. ويتمتع هذا الجهاز بسلطة استشارية إذ يجب على الحكومة أن تستشيره بخصوص أي خطة أو مشروع برنامج عمل له طابع اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي. ويطلب إليه، بالإضافة إلى ذلك، أن يبدي رأيه في كل اقتراح أو مشروع قانون أو أمر أو مرسوم أو في غير ذلك من التدابير اللازمة التي تعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في جمهورية أفريقيا الوسطى. ويتألف هذا المجلس من أعضاء يمثلون كافة الفئات الاجتماعية - المهنية الموجودة في البلد. ومن جهة أخرى نصت المادة 13 من الدستور الصادر في 14 كانون الثاني/يناير 1995 على إنشاء هيئة مستقلة تسمى المجلس الأعلى للوسائل السمعية البصرية وهو مجلس مكلف بتنظيم حرية التعبير في جمهورية أفريقيا الوسطى.

ثالثا- الإطار القانوني وحماية حقوق الإنسان

37- ينص الدستور الصادر في 14 كانون الثاني/يناير 1995 في مادته الأولى وفيما يتعلق بالسلطات القضائية والإدارية أو غيرها من السلطات التي لها اختصاص في ميدان حقوق الإنسان، على: "أن الإنسان مقدس. وأن جميع موظفي السلطة العامة عليهم واجب مطلق يلزمهم باحترام الإنسان وحمايته". وفي ضوء هذا الحكم يختص "جميع موظفي السلطة العامة" بدون استثناء وبصورة مطلقة بالعمل على تحقيق هذا الهدف.

38- وإلى جانب هؤلاء الموظفين التابعين للسلطة العامة يوجد العديد من المنظمات غير الحكومية التي لها اختصاص في ميدان حقوق الإنسان أيضاً. أما هذه المنظمات فهي:

(أ) رابطة النساء القانونيات في جمهورية أفريقيا الوسطى: المكلفة بصفة رئيسية بمهمة إيجاد حلول ملائمة للمشاكل القانونية التي تواجه المرأة في جمهورية أفريقيا الوسطى خاصة وفي أفريقيا عامة؛

(ب) ورابطة جمهورية أفريقيا الوسطى لحقوق الإنسان: التي تهدف بصفة أساسية إلى تعزيز حقوق الإنسان الأساسية وحرياته الفردية والجماعية؛

(ج) ولجنة العدل والسلم الأسقفية التابعة للكنيسة الكاثوليكية: وتتمثل مهمتها الرئيسية في التقليل من المظالم وأوجه عدم الاستقرار الاجتماعية؛

(د) وحركة المسيحيين للقضاء على التعذيب وإلغاء عقوبة الإعدام: وهدفها التوعية ضد فضيحة ممارسة التعذيب وغيره من العقوبات أو ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والتوعية كذلك ضد عقوبة الإعدام، دون تمييز بين النظم السياسية؛

(ه‍) ونقابة المحامين في جمهورية أفريقيا الوسطى المكلفة بالسهر على مراعاة آداب مهنة المحاماة؛

(و) والفرع الوطني لرابطة القانونيين الأفارقة في بانغي: الذي تتمثل مهمته الرئيسية في تهيئة الرأي العام للعمل على تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية، وهو الشرط الأساسي الذي ينبغي توافره قبل تحقيق التنمية الذاتية والشاملة للشعوب الأفريقية.

39- وثمة مؤسستين أخريين ينبغي ذكرهما وهما:

(أ) اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، وهي مؤسسة وطنية أنشئت بموجب القانون 009-91 الصادر في 25 أيلول/سبتمبر 1991؛ وتنطوي مهمتها الرئيسية على السهر على مراعاة حقوق الإنسان الأساسية في جميع أرجاء البلد (انظر أيضاً الفقرات 49 و53 و55 و56 أدناه)؛

(ب) واللجنة الوطنية لمتابعة اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل: وهي تراقب إعمال أحكام هذا الصك وتضع تقارير عن وضع الأطفال، تقدمها إلى لجنة حقوق الطفل في جنيف (انظر الفقرتين 49 و54 أدناه).

ألف- النظام القضائي

40- فيما يتعلق بوسائل التظلم المتاحة للشخص الذي يعتقد أن حقوقه قد انتهكت، وفيما يتعلق بوسائل التعويض ورد الاعتبار المتاحة للضحايا، يجب، قبل تناول هذه المسألة الحساسة، شرح النظام القضائي للتعرف بصورة أفضل على طرق الطعن المتاحة. والواقع أن النظام القضائي في جمهورية أفريقيا الوسطى يرتكز على القانون 65/75 الصادر في 23 كانون الأول/ديسمبر 1965. ويتألف الهيكل القضائي: (أ) من محاكم الدرجة الأولى أو محاكم الشرطة؛ و(ب) من المحاكم الابتدائية؛ و(ج) من محكمة الاستئناف، والمحكمة العليا. وجدير بالذكر أن القانون 010-95 الصادر في 22 كانون الأول/ديسمبر 1995 قد ألغى، في الوقت الحالي، القانون المشار إليه أعلاه.

41- ويقام العدل الآن في جميع أرجاء أفريقيا الوسطى عن طريق محكمة النقض، ومجلس الدولة، وديوان المحاسبات، ومحكمة تنازع الاختصاص، والمحاكم الأخرى. ومن ضمن التجديدات الهامة التي أدخلها قانون عام 1995، نذكر إنشاء دوائر متخصصة في إطار محكمة الاستئناف الوحيدة ومحكمة النقض. فقد أنشئت في محكمة الاستئناف دائرة مدنية وتجارية، ودائرة جنائية ودائرة اجتماعية. وأنشئت في محكمة النقض: دائرة مدنية وتجارية، ودائرة جنائية ودائرة اجتماعية.

42- ويوجد إلى جانب المحاكم العادية، المحاكم الاستثنائية التي تتمثل في:

(أ) محكمة العمال؛

(ب) والمحكمة العسكرية الدائمة التي ينظم أحكامها المرسوم رقم 015-87 الصادر في 19 نيسان/أبريل 1985 ويجوز الطعن في أحكامها أمام محكمة النقض؛

(ج) ومحكمة العدل العليا التي ينظم أحكامها المرسوم رقم 052-87 الصادر في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 1987 والذي تم تعديل أحكامه بموجب مرسوم آخر صدر في عام 1996. وتعتبر هذه المحكمة مختصة بمحاكمة رئيس الدولة في حال ارتكابه لجريمة الخيانة فقط، وهي مؤهلة لمحاكمة الوزراء والنواب بناء على طلب يقدمه المجلس الوطني بأغلبية الثلثين. والأحكام الصادرة عن هذه المحكمة غير قابلة للطعن. وأخيراً جدير بالذكر أن المحامين يتمتعون بحرية المرافعة أمام جميع المحاكم بكافة أنواعها.

43- وفي المسائــل الإدارية يتــم الطعن أمام مجلس الدولة (المادتان 24 و25 والمواد التالية من القانون رقم 012-95 الصادر في 23 كانون الأول/ديسمبر 1995). وجدير بالذكر أن المحاكم الإدارية بدأت تعمل من جديد. وترفع الطعون أمام محكمة النقض في القضايا الجنائية والمدنية والتجارية والاجتماعية. أما في القضايا الجنائية، فينص القانون رقم 61/265 بإصدار قانون الإجراءات الجنائية لجمهورية أفريقيا الوسطى، كما ينص القانون رقم 011-95 الخاص بتنظيم وعمل محكمة النقض على الأحكام الخاصة برفع الطعن. وفي القضايا الاجتماعية تنص المادة 86 والمواد التالية لها من الباب الثالث من القانون المذكور على الأحكام الخاصة بإجراءات رفع الدعاوى. أما في القضايا المدنية فينص القانون 016-91 الصادر في 27 كانون الأول/ديسمبر 1991 (المادة 491 والمواد التالية لها من الباب 14 من قانون الإجراءات المدنية) على الأحكام الخاصة بإجراءات رفع الدعاوى.

باء- نظم التعويض ورد الاعتبار التي يمكن أن يستفيد منها الضحايا

1- التعويض

44- لا ينص القانون في جمهورية أفريقيا الوسطى على إجراءات التعويض كما في فرنسا حيث يعترف لمحكمة النقض بالاختصاص بالفصل في القضية. ولكن يلجأ المتقاضون عموماً إلى استغلال القبض التعسفي للحصول على التعويض عن الأضرار المتكبدة.

2- رد الاعتبار

45- يجوز للمدعي أن يسترد اعتباره وذلك لأن رد الاعتبار يلغي آثار الإدانة ويلغي جميع صور انعدام الأهلية المترتبة عليها (المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية لجمهورية أفريقيا الوسطى).

46- ويحمي الدستور كافة الحقوق المنصوص عليها في مختلف الصكوك المتصلة بحقوق الإنسان. ولا تخالف القوانين واللوائح الأخرى المعمول بها أحكام تلك الصكوك الدولية. ولقد وقعت جمهورية أفريقيا الوسطى وصدَّقت على أغلبية هذه الصكوك الدولية ولكن ما زالت مسألة إدماجها في القانون الوطني مسألة تحتاج إلى وعي. فما زالت هذه الصكوك الهامة مستقلة عن القانون الوطني. وتثير إمكانية التمسك بها أمام المحاكم ردود فعل عديدة لدى بعض القضاة. إذ لا يطبق هؤلاء سوى المبدأين المعترف بهما على الصعيد الدولي وهما مبدأ أن لا جريمة إلا بناء على نص قانوني ومبدأ أنه لا عقاب إلا بناء على نص قانوني.

47- وسيظل هذا الوضع بدون حل طالما ظلت الآراء مختلفة. فيعتقد البعض أن صكوك حقوق الإنسان تصبح سارية المفعول تلقائياً بمجرد التوقيع والتصديق عليها. ويرى آخرون أن هذه الصكوك يجب أن تُدمج أولاً في القانون الداخلي حتى تصبح سارية المفعول بالرغم من التوقيع والتصديق عليها، وذلك تطبيقاً لمبدإ الإدماج عن طريق الإحالة. فيعتقد هؤلاء بأن إعادة النظر في الصكوك الدولية أمر أساسي لجعلها مطابقة لقوانيننا ولوائحنا قبل تطبيقها.

48- وأمام هذا الاختلاف في الرأي، بت الدستور الصادر في 14 كانون الثاني/يناير 1995 في الأمر فنص على أن "المعاهدات أو الاتفاقيات المصدَّق أو الموافق عليها قانوناً، تتمتع بمكانة أعلى من القوانين الوطنية بمجرد نشرها". وبناء عليه يجب على السلطات الإدارية والقضائية أن تطبقها كما يجوز للمتقاضين أن يستندوا إليها أو يتمسكوا بها مباشرة أمام المحاكم.

49- وتوجد هيئات وطنية مكلفة بالسهر على مراعاة حقوق الإنسان مثل: اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان واللجنة الوطنية لمتابعة إعمال اتفاقية حقوق الطفل. ولكن هذه الهيئات لم تباشر عملها، وذلك هو حال اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان على وجه الخصوص حيث نشر مرسوم بشأنها ولكنها لم تزاول عملها حتى الآن.

رابعاً- الإعلام والدعاية

50- يتعلق الأمر في هذا المجال بتحديد ما إذا كان قد تم بذل جهود خاصة لتعريف السكان والسلطات المختصة بالحقوق المنصوص عليها في مختلف صكوك الأمم المتحدة المتصلة بحقوق الإنسان.

ألف- نشر النصوص

51- تنشر النصوص القانونية الوطنية والدولية بصفة رئيسية عن طريق وسائط الإعلام الوطنية: كالبث الإذاعي والتلفزيون، والصحافة المطبوعة. وما زالت الإذاعة هي الوسيلة الرئيسية المستخدمة منذ عد الاستقلال وحتى يومنا هذا، إذ إن وسائل الإعلام الأخرى القليلة والضعيفة الفعالية لا تصل إلى كافة السكان. ولقد بينت الدراسات الاستقصائية التي أجريت لدى الطبقات الاجتماعية المختلفة في المدن أن العدد القليل من مواطني جمهورية أفريقيا الوسطى الذين لديهم نصوص مختلف الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان لا يعرفون مضمون هذه الصكوك. في حين تجهل الأغلبية وجود هذه الصكوك كلياً. ولقد أكد بعض أعضاء المنظمات غير الحكومية العاملة في ميدان حقوق الإنسان أنهم انتسبوا إلى هذه المنظمات فقط لكي يدافع عنهم زملاؤهم في حالة تعرضهم لانتهاك حقوقهم.

باء- ترجمة النصوص إلى اللغة الوطنية

52- تعتبر السانغو اللغة الوطنية التي يتكلم بها المواطنون في جميع أرجاء الأراضي الوطنية. ومنذ استقلال البلاد تبذل جهود لترجمة بعض الوثائق إلى لغة السانغو. ولكنه لم يترجم حتى الآن أي صك من صكوك حقوق الإنسان إلى اللغة الوطنية. والوضع شبيه بذلك تقريباً فيما يتعلق بجميع الصكوك القانونية الأخرى للبلد التي ما زالت تكتب باللغة الفرنسية. وذلك يبين أن ترجمة النصوص إلى السانغو تعتبر مشكلة كبيرة في جمهورية أفريقيا الوسطى، ولم تجد السلطات حتى الآن حلاً لها. وإذا كان قد تم التفكير في بذل جهود للقيام بهذه الترجمة، إلا أن هذه الجهود ما زالت مجرد مشاريع حتى الآن.

جيم- الهيئات الحكومية المكلفة بوضع التقارير

53- من الصعب معرفة ما إذا كان قد تم، منذ الحصول على الاستقلال، إنشاء هيئات حكومية لوضع التقارير، وما إذا كانت هذه الهيئات قد تلقت معلومات وبيانات أخرى من مصادر خارجية. ولكن في عام 1991 اضطرت الظروف الحكومة إلى إنشاء اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان (القانون رقم 009-91 الصادر في 25 أيلول/سبتمبر 1991). وكانت هذه الهيئة تشكل إلى وقت غير بعيد الهيئة الحكومية الوحيدة المؤهلة لوضع التقارير. وبالرغم من أن الهيئة الوطنية ألحقت حينذاك برئاسة الجمهورية، إلا أنها واجهت الكثير من المشاكل ولا سيما المشاكل المالية والسياسية التي لم تسمح لها بالعمل بصورة طبيعية. وفي ظل الصعوبات التي أعاقت حسن سير العمل في هذه الهيئة الحكومية يصعب تحديد ما إذا كانت قد حصلت أم لم تحصل على معلومات أو بيانات أخرى من مصادر خارجية.

54- ومع تصديق جمهورية أفريقيا الوسطى على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل في عام 1992، والحاجة إلى إنشاء آلية على الصعيد الوطني لمتابعة وإعمال الاتفاقية المعنية، فقد تم، في شهر نيسان/أبريل 1993، إنشاء لجنة وطنية لمتابعة تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل. وأنشأت هذه اللجنة هيئة تحرير قامت بوضع التقرير الأوَّلي لجمهورية أفريقيا الوسطى الذي قدم في 15 نيسان/أبريل 1998 عن التدابير التي اعتُمِدت لإعمال الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية (CRC/C/11/Add.1).

دال- المناقشة العامة

55- يصعب الرد على السؤال المتعلق بمعرفة ما إذا كان مضمون التقارير يُطرح على المناقشة العامة في البلد أم لا. فأولاً، لم تتمكن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان من القيام بالدور الذي عُهِد إليها به في الأصل بخصوص صياغة التقارير كما أشرنا إلى ذلك أعلاه. وبالإضافة إلى ذلك فإنه حتى لو كانت هذه اللجنة قد تمكنت من وضع تقرير لكان من الصعب أن يتقبل نظام الحزب الواحد الذي كان يحكم وقتذاك تنظيم مناقشة عامة بشأنه؛ خاصةً وأن المادة 14 من القانون 009-91 الخاص بإنشاء اللجنة الوطنية، كانت تحظر نشر مختلف الحالات التي وقعت فيها انتهاكات لحقوق الإنسان.

56- وقد وُضِعت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان حالياً تحت إشراف وزارة العدل. ويجيز القانون الجديد للجنة الوطنية، نشر الحالات التي وقعت فيها انتهاكات ثابتة ومؤكدة لحقوق الإنسان. ولكن، مع الأسف، ما زالت اللجنة الجديدة غير مهيأة للعمل. وعلى عكس الوضع بالنسبة إلى اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، فإنه من المتوقع أن تنظم اللجنة الوطنية لمتابعة اتفاقية حقوق الطفل مناقشة عامة بشأن التقرير الأوَّلي وأن تقوم بتوزيعه على نطاق واسع.

57- وأخيراً يمكن أن نقول إنه لم يبدأ بذل جهود خاصة لتعريف الجماهير في جمهورية أفريقيا الوسطى وتعريف السلطات المختصة فيها بالحقوق المنصوص عليها في صكوك حقوق الإنسان، إلا منذ بضع سنوات فقط. وتقوم المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والمشار إليها في البند السابق ببذل هذه الجهود عن طريق تنظيم حلقات دراسية وبث بعض البرامج في الإذاعة والتلفزيون.

58- ولكن يجب التأكيد على أن هذه الجهود التي بذلت ما زالت غير كافية، وذلك بسبب المصاعب المادية وعلى الأخص المالية التي تواجهها البلاد. وهذه المصاعب تجعل من العسير إعلام الجمهور على نطاق واسع، وعلى الأخص تجعل من العسير إعلام ذلك الجزء الأشد فقراً والأشد حرماناً والأكثر ضعفاً من الجمهور والذي يعيش في المناطق الريفية، بكيفية الدفاع عن الحقوق الأساسية. فما زال هذا الجزء الكبير من الجمهور يجهل مختلف الصكوك المتعلقة بحقوق الإنسان. ويشكل إعلام المواطن في جمهورية أفريقيا الوسطى كما يشكل نشر مختلف الصكوك المتعلقة بحقوق الإنسان في الوقت الراهن ضرورة ملحة سواء بالنسبة للسلطات المختصة في البلاد أو بالنسبة للجمهور الذي يجب عليه أن يبذل جهداً لمعرفة حقوقه.

59- وقُصارى القول، إنه ما زالت هناك جهود وتضحيات ضخمة ينبغي بذلها لتحديد أشد الوسائل فعالية لإعلام وتثقيف وتدريب مواطني أفريقيا الوسطى على استيعاب مفهوم حقوق الإنسان على أفضل نحو، لأننا لو قمنا بمقارنة تأثير الجهود التي بذلت لتوعية الرأي العام بخصوص مرض متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، لتبين لنا أن مواطني أفريقيا الوسطى أصبحوا أكثر وعياً فيما يتعلق بمشاكل مرض متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، عنه فيما يتعلق بمشاكل حقوق الإنسان.

- - - - -