الأمم المتحدة

CCPR/C/112/D/2098/2011

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

Distr.: General

15 December 2015

Arabic

Original: French

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

البلاغ رقم 2098/2011

آراء اعتمدتها اللجنة في دورتها 112 (7-31 تشرين الأول / أكتوبر 2014)

المقدم من : الطاهر عماري (تمثله نصيرة دوتور من تجمع عائلات المفقودين في الجزائر )  

الشخصان المدعى أنهما ضحيتان : توفيق عماري (ابن صاحب البلاغ) وصاحب البلاغ

الدولة الطرف: الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ: 8 حزيران / يونيه 2011 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية: قرار المقرر الخاص المتخذ بموجب المادة 97 من النظام الداخلي، الذي أحيل إلى الدولة الطرف في 13 أيلول/سبتمبر 2011 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء : 30 تشرين الأول / أكتوبر 2014

الموضوع: اختفاء قسري

المسائل الموضوعية: الحق في سبيل انتصاف فعال ؛ حظر التعذيب و ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ حق الفرد في الحرية وفي الأمان على شخصه؛ احترام كرامة الشخص الإنساني الأصيلة؛ الاعتراف بالشخصية القانونية؛ والحق في عرض قضيته أمام محكمة نزيهة

المسائل الإجرائية: استنفاد سبل الانتصاف المحلية

مواد العهد: الم واد 2 (الفقرة 3) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و14 و16

مواد البروتوكول الاختياري: الماد ة 5 (الفقرة 2(ب))

المرفق

آراء اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (الدورة 11 2 )

بشأن

البلاغ رقم 2098 / 2011 *

المقدم من: الطاهر عماري (تمثله نصيرة د و تور من تجمع عائلات المفقودين في الجزائر )  

الشخصان المدعى أنهم ا ضحيتان : توفيق عماري (ابن صاحب البلاغ) وصاحب البلاغ

الدولة الطرف: الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ: 8 حزيران / يونيه 2011 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

إن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، المنشأة بموجب المادة 28 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد اجتمعت في 30 تشرين الأول / أكتوبر 2014،

وقد فرغت من النظر في البلاغ رقم 2098 /2011 الذي قدم ه الطاهر عماري بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد وضعت في اعتبارها جم يع المعلومات المكتوبة التي أتاحها لها صاحب البلاغ والدولة الطرف،

تعتمد ما يلي:

الآراء بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري

1-1 صاحب البلاغ، المؤرخ 8 حزيران / يونيه 2011، هو الطاهر عماري ، كاتب عمومي ، من مواليد 22 كانون الأول/ديسمبر 193 2 في برج بوعريريج، بالجزائر. يدعى أن ابنه توفيق عماري وقع ضحية اختفاء قسري يُنسب إلى الدولة الطرف، في انتهاك للمواد 2 (الفقرة 3) و7 و9 و10 و14 و16 من العهد. ويدعي، فيما يخصه هو ، أنه وقع ضحية انتهاكات ل لمواد 2 (الفقرة 3) و7 و 14 من العهد. وت مث له نصيرة د و تور من تجمع عائلات المفقودين في الجزائر .

1-2 وفي 26 تشرين الأول / أكتوبر 2011 ، قررت اللجنة، عن طريق مقررها الخاص المعني بالبلاغات الجديدة والتدابير المؤقتة، عدم فصل النظر في مقبولية البلاغ عن النظر في الأسس الموضوعية.

الوقائع كما عرضها صاحب البلاغ

2-1 توفيق عماري، من مواليد 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1966 في ولاية برج بوعريريج، كان متزوج اً، وهو أب لطفل، وكان يعمل أستاذ اً في إعدادية بلدية حسناوة . في حدود الساعة الثامنة والنصف من صبيحة يوم الأحد 27 آب/أغسطس 1995، خرج من بيته، ولم تره أسرته منذئذ. وبعد ذلك ب ساعات قليلة، دخل عناصر يرتدون زي الشرطة القضائية لولاية برج بوعريريج بيت أسرة عماري. و بعد تفتيش جميع غرف البيت، صادر عناصر الشرطة القضائية شهادة عمل توفيق عماري، وصور اً ووثائق أخرى تخصه، ودفتره العائلي، الذي أُرجع إلى زوجته بعد أربعة أشهر. ولم يحاول عناصر الشرطة تعليل أفعالهم، و لم يكن معهم أمر بالتفتيش. وجرى هذا التفتيش غير القانوني بينما كان صاحب البلاغ في محل عمله في السوق المغطاة بمركز المدينة. وفي تلك الأثناء ، تقدم أمام صاحب البلاغ عنصران من الشرطة القضائية وهما يحملان سلاحيهما واصطحباه إلى بيته بينما كان التفتيش متواصل اً. ورأى عندئذ نحو عشرين من رجال الشرطة يطوقون بيت الأسرة. وعندما هموا بالانصراف ، طلب أحد العناصر من صاحب البلاغ أن يوقع محضر التفتيش الذي و رد ت فيه عبارة "أبحاث غير مجدية: لا شيء".

2-2 وفي اليوم التالي، ذهب صاحب البلاغ إلى مفوضية الشرطة في برج بوعريريج لكي يحاول معرفة المكان الذي يوجد فيه ابنه، لكنه لم يحصل على أي معلومات. وفي 11 كانون الأول/ديسمبر 1995، استُدعي صاحب البلاغ إلى مكتب الشرطة القضائية التابع لأمن ولاية برج بوعريريج، وطلب، بلا جدوى، معلومات عن مصير ابنه. ومنذ اختفاء توفيق عماري، حاولت أسرته مراراً أن تحصل على معلومات عمّا جرى يوم 27 آب/أغسطس 1995. وبعد بضع سنوات، سرت شائعات مفادها أن توفيق عماري احتُجز وسُجن في ولاية سطيف في حدود أيلول/سبتمبر 1998.

2-3 و اتخذ صاحب البلاغ العديد من الخطوات : فقد أودع في 1 أيلول/سبتمبر 1999 شكوى أولى لدى وكيل الجمهورية في محكمة عين ولمان بولاية سطيف. ثم أودع عشر شكاوى أخر لدى وكلاء الجمهورية في جميع ولايات المناطق المجاورة. وأشعرت بعض السلطات باستلامها هذه الشكاوى، لكن دوائر وكيل الجمهورية في كل من محكمتي برج بوعريريج وبرج زمورة كانت وحدها من فتح تحقيقات لم تسفر عن شيء. واستُدعي صاحب البلاغ واستمع إليه من قبل وكيل مدينة المنصورة الذي أصدر حكماً بإغلاق ملف الدعوى، وأيضاً من قبل درك برج بوعريريج الذي أكد له أن أبحاثاً ستُجرى، بيد أنه لم يفعل شيئ اً. وفي الفترة من عام 1998 إلى عام 2001، كاتب صاحب البلاغ أيضاً مقر ولاية برج بوعريريج وأعلى هيئات الدولة الطرف، أي رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة ووزارة العدل ( ) . وطلب صاحب البلاغ في هذه الرسائل الاطلاع على معلومات يمكن أن تكشف له عن مصير ابنه، ولا سيما لمعرفة إن كان قد احتجز، ومكان احتجازه إن كان الأمر كذلك. وطلب صاحب البلاغ أيضاً فتح تحقيق. ولم يتلق جواب اً قط.

2-4 وعُرضت قضية توفيق عماري على الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوع ي في أيلول/سبتمبر 2007.

الشكوى

3-1 يعتقد صاحب البلاغ أن اختفاء ابنه قسر اً منذ 27 آب/ أغسطس 1995 يمكن عزوه إلى سلطات الدولة الطرف ويشكل انتهاكاً للمواد 7 و9 و10 و14 و16 مقروءة على حدة وبالاقتران مع المادة 2 (الفقرة 3) من العهد بإزاء توفيق عماري، وانتهاكاً للمادتين 7 و14، مقروءتين على حدة وبالاقتران مع المادة 2 (الفقرة 3) من العهد بإزاء صاحب البلاغ.

3-2 ويرى صاحب البلاغ أن اختفاء توفيق عماري ناتج عن اعتقاله من قبل الشرطة القضائية في بُرج بوعريريج. ويستند فيما ذهب إليه إلى نشر عدد كبير من الشرطة لتفتيش بيت أسرة عماري ساعات بعد اختفاء ابنه، دون تقديم تفسير ولا أمر بالتفتيش. وعلاوة على ذلك، فقد أخذ عناصر الشرطة الدفتر العائلي لتوفيق عماري واحتفظوا به طيلة أربعة أشهر، فضل اً عن وثائق وأغراض أخرى تخصه. وأخيراً، سمع صاحب البلاغ شائعة مفادها أن توفيق عماري شوهد بعد بضع سنوات وهو قيد الاحتجاز في ولاية سطيف.

3-3 ويشير صاحب البلاغ إلى اجتهاد اللجنة ( ) ويرى أن اختفاء ابنه قسر اً يشكل انتهاكاً للمادة 7 من العهد، حيث إن ملابسات اختفائه والإبقاء طي الكتمان على سر مكان احتجازه وحالته الصحية يشكلان بحد ذاتهما، بحسب ما هو معترف به، ضرب اً من ضروب المعاملة اللاإنسانية أو المهينة. ويؤكد صاحب البلاغ أيضاً أن تمديد الاحتجاز السري يفسح المجال لممارسة التعذيب وضروب المعاملة اللاإنسانية أو المهينة على شخص احتجز سراً، وأن اختفاء أحد الأقارب يشكل، وفق اجتهاد اللجنة، انتهاكاً للمادة 7 من العهد في حق أسرته.

3-4 وصاحب البلاغ، الذي انقطعت عنه أخبار ابنه منذ 27 آب/أغسطس 1995، مقتنع بأن ابنه اعتُقل تعسفاً في ذلك اليوم من قبل عناصر الشرطة القضائية، دون أن تبلغ أسرته ولا هو حتى بلا شك، بأسباب اعتقاله. وقد جرى اعتقاله بدون سند قانوني ولم تسو وضعية احتجازه ولم يسجل في سجلات الحبس الاحتياطي. ولا يوجد أي أثر رسمي يدل على هذا الاعتقال والاحتجاز السري الذي نتج عنه. وبذلك فقد حُرم توفيق عماري من جميع الضمانات الأساسية التي نصت عليها المادة 9 من العهد فيما يتعلق بالحرمان من الحرية.

3-5 ويحيل صاحب البلاغ كذلك إلى اجتهاد اللجنة ( ) ، ويشير إلى أن اختفاء ابنه قسر اً واحتجازه السري بعد ذلك يشكلان انتهاك اً لحقه في أن يعامل بإنسانية واحترام خلال حرمانه من الحرية، كما نصت على ذلك الفقرة 1 من المادة 10 من العهد.

3-6 ويدع ي صاحب البلاغ أيض اً أن المادة 14 من العهد قد انتُهكت لأنه يرى أن توفيق عماري لم يتمكن من عرض قضيته على محكمة مختصة مستقلة نزيهة منشأة بحكم القانون. ولم يُبلغ قط بالاتهام الموجه إليه في أجل معقول. وبما أن سلطات الدولة الطرف لم تعترف باعتقاله قط، فقد حُرم من جميع الحقوق التي نصت عليها المادة 14 من العهد التي كان لها أن تتيح له إثبات براءته وإطلاق سراحه. ويرى صاحب البلاغ كذلك أنه قد حرم هو أيض اً من إمكانية المطالبة بحقوقه المدنية فيما يتعلق باعتقال ابنه، أمام محكمة مستقلة نزيهة تكون منشأة بموجب القانون.

3-7 ويدفع صاحب البلاغ أيض اً بأن الحق في الاعتراف لابنه بالشخصية القانونية قد انتُهك، على نحو ما أقرت به اللجنة في ظروف مماثلة ( ) ، إذ إ نه، بوصفه شخص اً مختفي اً، سُلب القدرة على ممارسة الحقوق التي يكفلها القانون والحصول على سبيل للانتصاف، وهو ما يشكل انتهاك اً للمادة 16 من العهد.

3-8 ويذكّر صاحب البلاغ بأنه سلك جميع سبل الانتصاف القضائية المتاحة فقدم شكاوى لمكاتب وكلاء الجمهورية في جميع الولايات المجاورة، غير أنه لم يفتح أي تحقيق فعلي. أما التحقيقان اللذان فتحهما وكيلان للجمهورية، فلم يسفرا عن أي نتائج. وكاتب صاحب البلاغ أيضاً وزارتي الداخلية والعدل ومكتب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، دون أن يحصل على رد بشأن مصير ابنه. ويرى صاحب البلاغ أن الدولة الطرف انتهكت التزاماتها الفعلية بموجب العهد الذي يقضي بالتعامل مع كل شكوى تتعلق بانتهاكات جسيمة للحقوق التي يضمنها العهد وإجراء تحقيقات سريعة، ومحايدة، ومعمقة، وفعالة، وإبلاغ صاحب البلاغ بنتائج الأبحاث. ويرى صاحب البلاغ أنه لم يستفد من سبيل انتصاف فعال لدى سلطات الدولة الطرف، في انتهاك للمادة 2 (الفقرة 3)، مقروءة بالاقتران مع المواد 7 و9 و10 (الفقرة 1)، و14 و16 من العهد. وبعد إصدار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بمقتضى الأمر 06-01 المؤرخ 27 شباط/فبراير 2006، لم يعد من الجائز تحريك أي دعوى في القانون المحلي. وعلى أن سبل الانتصاف كانت غير فعالة ، فإنها لم تعد متاحة منذ إصدار هذا الأمر.

3-9 ويطلب صاحب البلاغ إلى اللجنة أن تأمر الدولة الطرف بما يلي : ( أ) أن تفرج عن توفيق عماري إذا كان لا يزال على قيد الحياة؛ ( ب) أن تجري تحقيق اً فوري اً ومستفيض اً وفعال اً في اختفائه؛ ( ج) أن تبلغ صاحب البلاغ وأسرته بنتائج هذا التحقيق؛ ( د) أن تقيم دعاوى ضد الأشخاص المسؤولين عن اختفاء توفيق عماري، وتقدمهم أمام العدالة وتعاقبهم وفقاً للالتزامات الدولية للدولة الطرف؛ ( ه) أن تمنح ذوي حقوق توفيق عماري تعويض اً مناسب اً عن الأضرار المعنوية والمادية الفادحة التي كابدوها منذ اختفائه. وبهذا يطلب صاحب البلاغ تعويض اً ملائم اً يتناسب مع جسامة الانتهاك ويشمل الضرر المعنوي والأذى البدني والنفسي، ويطلب كذلك تدابير لإعادة التأهيل تشمل الرعاية الطبية والنفسية وتقديم ضمانات بعدم التكرار.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية

4-1 في 4 تشرين الأول/أكتوبر 2011، طعنت الدولة الطرف في مقبولية البلاغ مقدمةً نسخة من مذكرتها المرجعية التي ترى فيها أن هذا البلاغ الذي يُتّهم فيه موظفون حكوميون أو أشخاص آخرون تابعون للسلطات العمومية بالمسؤولية عن حالات اختفاء قسري وقعت خلال الفترة من 1993 إلى 1998، يجب أن يُنظر فيه "حسب نهج عام"، وينبغي التصريح بعدم مقبوليته. وترى الدولة الطرف أنه ينبغي أن توضع البلاغات من هذا النوع في السياق الأوسع لحالة البلد الاجتماعية - السياسية وظروفه الأمنية في تلك الفترة التي جهدت الحكومة خلالها لمكافحة شكل من الإرهاب هدفه " انهيار الدولة الجمهورية". فف ي ذاك السياق بالذات، وعمل اً بالمادتين 87 و91 من الدستور، اتخذت الحكومة الجزائرية تدابير وقائية وأخطرت الأمانة العامة للأمم المتحدة بإعلان حالة الطوارئ، وفق اً للفقرة 3 من المادة 4 من العهد.

4-2 وتؤكد الدولة الطرف أنه كان يستعصي على المدنيين في بعض المناطق التي ينتشر فيها السكن العشوائي أن يميزوا عمليات الجماعات الإرهابية من عمليات قوات حفظ النظام التي عزوا إليها حالات الاختفاء القسري في معظم الأحيان . وبحسب الدولة الطرف ، يجب أن يراعى هذا السياق عند النظر في كثير من حالات الاختف اء القسري. والواقع أن الاختفاء في الجزائر خلال الفترة المعنية يشمل بمفهومه الهام ست حالات مختلفة. أما الحالة الأولى، فتتعلق ب أشخاص أعلن أقاربهم عن اختفائهم والحال أنهم هم من قرروا من تلقاء أنفسهم أن يتواروا عن الأنظار تسترا ً على انضمام هم إلى جماعات مسلحة وطلبوا من أسرهم أن تعلن أن دوائر الأمن اعتقلتهم ، وذلك من أجل " طمس أثرهم " وتجنب "مضايقات" الشرطة. والحالة الثانية تتعلق ب أشخاص أُبلغ عن اختفائهم بعد أن اعتقلهم دوائر الأمن ، ثم أخلت سبيلهم فاستغلوا ذلك للتواري عن ال أنظار. وتتعلق الحالة الثالثة ب أشخاص اختطفتهم مجموعات مسلحة اعتُبرت خطأً بأنها تابعة للقوات المسلحة أو دوائر الأمن ، إما بسبب أنها لم تكشف عن هويتها أو لأنها انتحلت صفة أفراد الشرطة أو الجيش بارتداء زيهم أو استخدام وثائق هويتهم. وتتعلق الحالة الرابعة بأشخاص تبحث أسرهم عنهم، في حين أن هؤلاء أنفسهم هم من قرروا هجر ان أقاربهم بل حتى مغادرة البلد بسبب مشاكل شخصية أو نزاعات أسرية. وتتعلق الحالة الخامسة بأشخاص أبلغت أسرهم عن فقدانهم وهم في واقع الأمر إرهابيون مبحوث عنهم قُتلوا ودفنوا في الأدغال إثر اقتتال بين الفصائل أو صراع ات مذهبية أو تنازع على الغنائم بين الجماعات المسلحة. والحالة السادسة التي تذكرها الدولة الطرف تتعلق بأشخاص مفقودين لكنهم يعيشون إما داخل الإقليم الوطني أو خارجه بهويات مزورة حصلوا عليها بواسطة من شبكة لتزوير الوثائق.

4-3 وتؤكد الدولة الطرف كذلك أن ه نظرا ً لتنوع الحالات التي يشملها المفهوم العام للاختفاء وما اتسمت به من تعقيد، فقد أوصى المشرع الجزائري بعد الاستفتاء الشعبي على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بالتعاطي مع مسألة المختفين في إطار عام من خلال التكفل بجميع الأشخاص المخت فين في سياق "المأساة الوطنية" و تقديم الدعم لجميع الضحايا حتى يتسنى لهم تجاوز هذه المحنة، ومنح جميع ضحايا الاختفاء وذوي الحقوق من أهلهم الحق في ال تعويض. و وفقاً ل إحصاءات دوائر وزارة الداخلية ، فقد أُبلغ عن 023 8 حالة اختفاء بُحث 774 6 ملفاً منها، وقُبل دفع تعويض لأصحاب 704 5 ملفات منها، في حين رُفض 934 ملفاً ولا يزال 136 ملفاً آخر قيد البحث. وقد دُفعت تعويضات بمبلغ إجمالي قدره 390 459 371 ديناراً جزائرياً لجميع الضحايا المعنيين، ويضاف إلى ذلك مبلغ 683 824 320 1 ديناراً جزائرياً يدفع في شكل معاشات شهرية.

4-4 وت عتبر الدولة الطرف أن صاحب البلاغ لم ي ستنفد جميع سبل الانتصاف المحلية. وتشدد على أهمية التفريق بين المساعي البسيطة التي تبذل لدى السلطات السياسية أو الإدارية ، وسبل الانتصاف غير القضائية أمام الهيئات الاستشارية أو هيئات الوساطة، و سبل الانتصاف القضائية أمام مختلف الهيئات القضائية المختصة. وتلاحظ الدولة الطرف أنه يتبين من شكوى صاحب البلاغ أنه وجه رسائل إلى سلطات سياسية أو إدارية ، وعرض شكواه على هيئا ت استشارية أو هيئات وساطة، وأرسل عريضة إلى ممثلي النيابة العامة (المدعون العامون أو وكلاء الجمهورية) لكنه لم يلتمس سبل الانتصاف القضائي ة بمعناه ا الدقيق و يتابعها حتى النهاية باستخدام جميع سبل الانتصاف المتاحة في الاستئناف والنقض . ومن بين هذه الهيئات جميعها، لا يحق بموجب القانون فتح تحقيق أولي أو عرض مسألة على قاضي التحقيق إلا لممثلي النيابة العامة. ففي النظام القضائي الجزائري، وكيل الجمهورية هو من يتلقى الشكاوى و يحرك الدعوى العامة عند الاقتضاء. ولكن لحماية حقوق الضحية أو أصحاب الحقوق من أهله ، يُجيز قانون الإجراءات الج ز ائية لهؤلاء تقديم شكوى والادعاء بالحق المدني مباشرة أمام قاضي التحقيق . وفي هذه الحالة، تكون الضحية وليس المدعي العام هي من يحرك الدعوى العامة بعرض الحالة على قاضي التحقيق. ولم يُستخدم سبيل ا لانتصاف هذا الذي نصت عليه المادت ا ن 72 و73 من قانون الإجراءات الج ز ائية مع أنه كان سيتيح لصاحب البلاغ تحريك الدعوى العامة و إلزام قاضي التحقيق بإجراء التحقيق، حتى لو كانت النيابة العامة قد قررت خلاف ذلك.

4-5 وتلاحظ الدولة الطرف كذلك أن صاحب البلاغ يرى أن اعتماد ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ونصوصه تطبيقه عن طريق الاستفتاء، وبخاصة المادة 45 من الأمر رقم 06- 01، يستبعد إمكانية وجود سبل انتصاف محلية في الجزائر تكون فعالة ومجدية ومتاحة لأسر ضحاي ا الاختفاء. وعلى هذا الأساس، ظن صاحب البلاغ أ نه في حل من واجب عرض قضيته على الهيئات القضائية المختصة فأصدر حكماً مسبقاً على موقف هذه الهيئات وتقديره ا في تطبيق هذا الأمر المذكور. والحال أنه لا يمكن لصاحب البلاغ أن يتذرع ب هذا الأمر و نصوص تطبيقه للتنصل من مسؤوليته عن عدم اتخاذ الإجراءات القضائية المتاحة. وتذكّر الدولة الطرف باجتهاد اللجنة الذي يفيد أن "اعتقاد شخص ما عدم جدوى سبيل انتصاف أو افتراض ذلك من تلقاء نفسه لا يعفيه من استنفاد سبل الانتصاف المحلية جميعها " ( ) .

4-6 ثم تتناول الدولة الطرف طبيعة و أسس و فحوى م يثاق السلم والمصالحة الوطنية ونصوص تطبيقه. وتؤكد أنه ينبغي للجنة ، بموجب مبدأ عدم قابلية السلم للتصرف فيه ، الذي أص بح حقاً دولياً في السلم، أن تواكب هذا السلم وتدعمه وأن ت شجع المصالحة الوطنية حتى تتمكن الدول التي ألمت بها أزمات داخلية من تعزيز قدراتها. وفي سياق هذا الجهد الرامي إلى تحقيق المصالحة الوطنية ، اعتمدت الدولة الطرف الميثاق الذي ينص أمر تطبيقه على تدابير قانونية تقضي بانقضاء الدعوى العمومية واستبدال العقوب ة أو تخفيفها بالنسبة إلى كل شخص أدين بارتكاب أعمال إرهابية أو استفاد من الأحكام المتعلقة باستعادة الوئام المدني ، ويستثنى من ذلك الأشخاص الذين ارتكبوا أفعال ال مجازر ال جماعية أو انتهاك الحرمات أو استعمال ا لمتفجرات في الأماكن العمومية ، أو شاركوا فيها . وينص هذا الأمر أيضاً على إجراء يتعلق بالتصريح بالوفاة بموجب حكم قضائي ، وهو إجراء يمنح ذوي حقوق المختفين من ضحايا "المأساة الوطنية" الحق في الحصول على تعويض. وبال إضافة إلى ذلك، ينص الأمر على تدابير ذات طابع اجتماعي - اقتصادي، من بينها المساعدة على إعادة الإدماج في عالم الشغل و ت عويض جميع الأشخاص الذين يحملون صفة ضحايا "المأساة الوطنية". وأخيراً، يتضمن الأمر تدابير سياسية، مثل منع ممارسة أي نشاط سياسي على كل شخص مسؤول عن الاستعمال المغرض للدين الذي أفضى إلى المأساة الوطنيّة ، كما ينص الأمر على أنه لا يجوز الشروع في أي متابعة، بصورة فردية أو جماعية ، في حق أفراد قو ى الدفاع والأمن للجمهورية، بجميع أسلاكها ، بسبب أعمال نُفذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات ، ونجدة الأمة والحفاظ على مؤسسات الجمهورية.

4-7 وإلى جانب استحداث صناديق لتعويض جميع ضحايا "المأساة الوطنية"، ترى الدولة الطرف أن شعب الجزائر، صاحب السيادة، قبل بالانخراط في عملية مصالحة وطنية باعتبارها السبيل الوحيد لاندمال جر و حه. وتؤكد الدولة الطرف أن إصدار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية يندرج في إطار الرغبة في تجنب المواجه ات القضائية والتشهير الإعلامي وتصفية الحسابات السياسية. وترى الدولة الطرف من ثم أن الوقائع التي ي دعيها صاحب البلاغ مشمولة بالآلية الداخلية الجامعة للتسوية التي تنص عليها أحكام الميثاق.

4-8 وتطلب الدولة الطرف إلى اللجنة أن تلاحظ التشابه بين الوقائع والأوضاع التي وصف ها صاحب البلاغ وتلك التي وصفها أصحاب بلاغات سابقة وتناولتها المذكرة المرجعية المؤرخة 3 آذار/مارس 2009 وأن تراعي السياق الاجتماعي - السياسي والأمني لتلك الوقائع والأوضاع . وتطلب أيضاً إلى اللجنة أن تخلص إلى أن صاحب البلاغ لم ي ستنفد جميع سبل الانتصاف المحلية وأن تعترف بأن سلطات الدولة الطرف أنشأت آلية داخلية لمعالجة الحالات التي تتناولها البلاغات المعنية وتسويتها تسوية شاملة، وذلك حسب آلية سلم ومصالحة وطنية تتفق ومبا دئ ميثاق الأمم المتحدة والعهود والاتفاقيات التي جاءت بعده ، وأن ت صرح بعدم مقبولية البلاغ وأن تدعو صاحب البلاغ إلى التماس سبل انتصاف أنسب .

ملاحظات إضافية من الدولة الطرف على المقبولية

5-1 في 4 تشرين الأول/أكتوبر 2011 ، أحالت الدولة الطرف أيضاً إلى اللجنة مذكرة أخرى تضيف إلى المذكرة الأصلية، تساءلت فيها عن الغرض من تقديم سلسلة من البلاغات الفردية ضد الدولة الطرف إلى اللجنة منذ عام 2009 ، ورأت في ذلك إساءة استخدام للإجراءات، الهدف منها أن تعرض على اللجنة مسألة تاريخية واسعة تغيب عنها أسبابها وظروفها . وتلاحظ الدولة الطرف أن جميع هذه البلاغات "الفردية" تستغرق في الحديث عن السياق العام الذي وقعت فيه حالات الاختفاء . وتلاحظ الدولة الطرف أن الشكاوى تقتصر على التعرض ل أعمال قوات النظام ولم تشر قط إلى أعمال مختلف الجماعات المسلحة التي اعتمدت تقنيات تمويه إجرامية لتحمّل وزر أفعالها ل لقوات المسلحة.

5-2 وت شير الدولة الطرف إلى أنها لن تبدي رأيها بشأن الأسس الموضوعية لل بلاغات المذكرة إلى أن يُبت في مسألة م قبولي تها. وتضيف أن ه من واجب كل هيئة قضائية أو شبه قضائية أن تعالج المسائل التمهيدية قبل النظر في الأسس الموضوعية. وترى أن القرار المتعلق بالنظر في المقبولية و في الأسس الموضوعية معاً وبالتزامن - فضل اً عن أنه لم يتوافق بشأنه - فيه مساس بالمعالجة السليمة ل لبلاغات المقدمة سواء من حيث طابعها العام أو من حيث خصوصياتها الأصيلة . و بالإحالة إلى النظام الداخلي للجنة، تلاحظ الدولة الطرف أن الأجزاء المتعلقة بنظر اللجنة في مقبولية البلاغ منفصلة عن الأجزاء المتعلقة بنظر ها في الأسس الموضوعية، و يمكن بالتالي النظر في تلك المسائل بشكل منفصل. أما عن استنفاد سبل الانتصاف المحلية بوجه خاص، فتؤكد الدولة الطرف أن شكاوى صاحب البلاغ أو طلباته من أجل الحصول معلومات لم تقدم عبر قنوات كان من شأنها أن تسمح ل لسلطات القضائية المحلية بالنظر فيها .

5-3 وت ذكّر الدولة الطرف ب اجتهاد اللجنة المتعلق بوجوب استنفاد سبل الانتصاف المحلية، وتؤكد أن مجرد وجود شك وك في احتمال النجاح أو مخاوف بشأن تأخير الإجراءات لا يعفي صاحب ال بلاغ من استنفاد سبل الانتصاف هذه . وفيما يتعلق بمسألة ما إذا كان إصدار الميثاق قد استبعد إمكانية اللجوء إلى أي سبيل من سبل الانتصاف في هذا المجال، ترد الدولة الطرف بأ ن عدم اتخاذ صاحب البلاغ لأ ي خطوات لتقديم ادعاءاته من أجل النظر فيها قد منع السلطات الجزائرية من اتخاذ موقف بشأن نطاق وحدود انطباق الميثاق. وعلاوة على ذلك، ينص الأمر على أن الدعاوى التي يجب التصريح بعدم قبولها لا تشمل سوى الدعاوى الموجهة ضد "أفراد قو ى الدفاع والأمن للجمهورية " بسبب أفعال تصرفوا فيها في إطار ممارسة مهامهم الجمهورية، وهي تحديداً حماية الأشخاص والممتلكات و نجدة الأمة والحفاظ على المؤسسات. وفي المقابل، فإن كل ادعاء بارتكاب فعل خارج ذلك الإطار ينسب إلى قوى الدفاع والأمن ويمكن إثباته، يخضع للتحقيق لدى تحقق الهيئات القضائي ة المختصة .

تعليقات صاحب البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف

6-1 في 7 آذار/مارس 2012، قدم صاحب البلاغ تعليقاته ع لى ملاحظات الدولة الطرف بشأن م قبولية البلاغ .

6-2 ويشير صاحب البلاغ إلى أن الدولة الطرف اكتفت بتقديم ملاحظات عامة ونمطية للاعتراض على مقبولية البلاغ. ويُذكر بجميع الخطوات التي اتخذها بلا جدوى لكي يفتح تحقيق في اختفاء ابنه. ويؤكد ما ذهب إليه وفصله في رسالته الأولى بأنه استنفد جميع سبل الانتصاف المحلية المتاحة وأنه تبين أن سبل الانتصاف الأخرى غير متاحة أو غير فعالة، ولا سيّما منذ بدء سريان ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. ويضيف أن إيداع الشكوى والادعاء بالحق المدني كما تنص عليه المادتان 72 و73 من قانون الإجراءات الجزائية لا يمثل سبيل انتصاف مناسب اً ما دام أنه يؤول إلى السلطات أن تحقق في مزاعم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مثل حالة اختفاء ابنه قسر اً، التي أبلغها بها صاحب البلاغ في مرات متعددة.

6-3 ويذكّر صاحب البلاغ أيضاً بأن تنفيذ أحكام الميثاق المذكور لا يجعل هذا غير مقبول. ويحيل إلى اجتهاد اللجنة الذي ذكرت فيه الدولة الطرف بأنه لا ينبغي أن تستشهد بأحكام الميثاق ضد أشخاص يحتجون بأحكام العهد أو قدموا بلاغات أو سيقدمونها إلى اللجنة ( ) .

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

7-1 تذك ّ ر اللجنة بدايةً بأن قرار المقرر الخاص عدم الفصل بين المقبولية والأسس الموضوعية (انظر الفقرة 1-2 أعلاه ) لا يستبعد إمكانية نظر اللجنة في كل منهما على حدة. وقبل النظر في أية شكوى ترد في بلاغ ما، يتعين على اللجنة، وفقاً للمادة 93 من نظامها الداخلي، أن تبت في ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم غير مقبول بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد.

7-2 و كما تقضي به الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري ، فقد تأكدت اللجنة من أن المسألة نفسها ليست موضع دراسة في إطار إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية . و تذكّر اللجنة بأن الإجراءات أو الآليات الخارجة عن نطاق المعاهدات، التي وضعها مجلس حقوق الإنسان وأسند لها ولاي ة دراسة حالة حقوق الإنسان في بلد أو إقليم ما أو دراسة ظواهر واسعة النطاق لانتهاكات حقوق الإنسان في العالم وإعلان تقاريرها عن دراستها تلك، لا تندرج عموماً ضمن الإجراءات الدولية للتحقيق أو التسوية بالمفهوم الوارد في الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري ( ) . وبناء على ذلك ، ترى اللجنة أن نظر الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في قضية توفيق عماري لا يجعل البلاغ غير مقبول بمقتضى هذه المادة .

7-3 وتذكّر اللجنة بأن الدولة الطرف ليس ت ملزمة فقط بإجراء تحقيقات شاملة فيما أُبلغت به سلطاتها من ا نتهاكات مفترضة لحقوق الإنسان ، ولا سيما حالات الاختفاء القسري، بل إنها ملزمة أيضاً بمقاضاة كل شخص مسؤول عن تلك الانتهاكات ومحاكمته ومعاقبته ( ) . ولئن كان صاحب البلاغ قد أبلغ السلطات المختصة مراراً ب اختفاء ابنه، فإن الدولة الطرف لم تفتح أي تحقيق معمق و دقيق في هذا الاختفاء. يضاف إلى ذلك أن الدولة الطرف لم تقدم أي معلومات تفيد ب وجود سبيل انتصاف فعال ومتاح ، بينما يستمر تطبيق الأمر رقم 06-01 رغم توصي ة اللجنة بمواءمة أحكامه مع العهد ( ) . وبناءً عليه، تخلص اللجنة إلى أن الفقرة 2(ب) من الم ادة 5 من البروتوكول الاختياري ليست عائق اً أمام مقبولية هذا البلاغ .

7-4 وترى اللجنة أن صاحب البلاغ لم يقدم ما يكفي من الحجج لتأييد ادعاءاته المتعلقة بانتهاك المادة 14 من العهد، بيد أن ال ادعاءات التي تثير م سائل في إطار المواد 2 (الفقرة 3 ) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 من العهد مقروءة على حدة وبالاقتران مع المادة 2 (الفقرة 3) عُللت بما يكفي من الحجج. وتشرع اللجنة بناء على ذلك في دراسة الأسس الموضوعية للبلاغ فيما يتعلق بالانتهاكات المزعومة للمواد 2 (الفقرة 3)؛ و 7 و9؛ و10 (الفقرة 1) و16 من العهد .

النظر في الأسس الموضوعية

8-1 عملاً با لفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري ، نظرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أتاحها لها الطرفان.

8-2 و قد اكتفت الدولة الطرف بالإحالة إلى ملاحظاتها ال جماعية ال عامة التي قدمتها في وقت سابق إلى اللجنة فيما يتعلق ببلاغات أخرى، من أجل تأكيد موقفها بأن القضايا من هذا النوع قد عولجت في إطار تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية . وت حيل اللجنة إلى اجتهادها السابق وتذكّر بأنه لا يجوز أن تستشهد ا لدولة الطرف بأحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ضد أشخاص يحتجون بأحكام العهد أو قدموا بلاغات أو قد يقدمونها إلى اللجنة. فالعهد يقضي بأن تهتم الدولة الطرف بمصير كل فرد وتعامله بالاحترام الذي يليق بكرامته الإنسانية الأصيلة. وما لم تدخل على الأمر رقم 06-01 التعديلات التي أوصت بها اللجنة، فإن هذا الأمر يساهم في هذه الحالة في الإفلات من العقاب ، وبالتالي لا يمكن بصيغته الحالية أن يعتبر متوافقاً مع أحكام العهد.

8-3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم ترد على ادعاءات صاحب البلاغ بشأن الأسس الموضوعية وتذكر باجتهادها السابق الذي مفاده أن عبء الإثبات يجب أل ا يقع على عاتق صاحب البلاغ وحده، خاصة أن صاحب البلاغ لا يتساوى دوماً مع الدولة الطرف في إمكانية الحصول على عناصر الإثبات، وأن المعلومات اللازمة تكون في أغلب الأحيان بحوزة الدولة الطرف فقط ( ) . ووفق اً ل لفقرة 2 من المادة 4 من البروتوكول الاختياري ، فإن الدولة الطرف ملزمة بالتحقيق بحسن نية في جميع الادعاءات الواردة بشأن انتهاكات أحكام العهد التي ترتكبها الدولة الطرف نفسها أو يرتكبها ممثلوها، وأن تحيل إلى اللجنة المعلومات التي تكون بحوزتها ( ) . وفي غياب توضيحات من الدولة الط رف في هذا الخصوص، فإنه ينبغي الإقرار بوجاهة ادعاءات صاحب البلاغ ما دامت مؤيدة بما يكفي من الحجج .

8-4 وتلاحظ اللجنة أن ابن صاحب البلاغ شوهد للمرة الأخيرة عندما غادر بيته في صبيحة يوم 27 آب/أغسطس 1995. وفي الساعات التي أعقبت مغادرته، انتشرت أعداد كبيرة من الشرطة لتفتيش بيت أسرة صاحب البلاغ وابنه وصادرت وثائق تخص توفيق عماري؛ واحتفظت السلطات بدفتره العائلي طيلة نحو أربعة أشهر. وتلاحظ اللجنة أنه بالرغم من أن سلطات الدولة الطرف لم تعترف قط باعتقال واحتجاز توفيق عماري، فإن التزامن بين اختفاء توفيق عماري وتفتيش بيت الأسرة لا يمكن أن يكون محض صدفة. وفي غياب توضيحات من الدولة الطرف عن هذه المسألة، وبالنظر إلى أن القضية الحالية تندرج في سياق ممارسة منهجية للاختفاء القسري في الدولة الطرف في تلك الفترة ( ) ، فإن اللجنة ترى أنه من المحتمل أن يكون توفيق عماري قد اعتقل على أيدي الشرطة في صبيحة يوم 27 آب/أغسطس 1995 وأن يكون قد اختفى خلال تواجده تحت مسؤولية الدولة الطرف.

8-5 و تُقر اللجنة ب قدر المعاناة التي ينطوي عليها التعرّض للاحتجاز لمدة غير محددة ودون اتصال بالعالم الخارجي. وتذكّر بتعليقها العام رقم 20(1992) بشأن منع التعذيب و ضروب العقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ا لذي أوصت فيه الدول الأطراف باتخاذ تدابير من أجل منع الاحتجاز السري. وفيما يتعلق ب هذه القضية، ترى اللجنة أن توفيق عماري اعتقله أفراد الشرطة في صبيحة يوم 27 آب/أغسطس 1995، وأنه يُجهل ما حل به بعدها. وفي غياب توضيح ات كافية بهذا الخصوص من جانب الدولة الطرف، ترى اللجنة أن هذ ا الاختفاء ي شكل انتهاكاً للمادة 7 من العهد بإزاء توفيق عماري ( ) .

8-6 و في ضوء ما تقدم، لن تنظر اللجنة في المزاعم المتعلقة بانتهاك الفقرة 1 من المادة 10 من العهد على حدة.

8-7 وتحيط اللجنة علماً بما عاناه صاحب البلاغ وأسرته من قلق وضيق جراء اختفاء ابنه. وتعتبر بالتالي أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن وقوع انتهاك للمادة 7 من العهد في حقهم ( ) .

8-8 وفيما يتعلق بادعاء ات انتهاك المادة 9، تحيط اللجنة علماً بمزاعم صاحب البلاغ الذي يفيد بأن ابنه اعتقل تعسفاً بدون أمر بالتوقيف، وبأنه وأسرته لم يبلغا بأسباب اعتقاله، وبأن توفيق عماري لم يدن ولم يمثل أمام سلطة قضائية يمكنه الاعتراض أمامها على مشروعية احتجاز ه. وفي غياب أية توض يحات كافية من جانب الدولة الطرف ، تخلص اللجنة إلى وقوع انتهاك للمادة 9 بإزاء توفيق عماري ( ) .

8-9 وفيما يتعلق بادعاء انتهاك المادة 16، تذكّر اللجنة باجتهادها الثابت الذي يفيد بأن حرمان شخص ما عمداً من حماية القانون لفترة مطوّلة يمكن أن يشكّل إنكاراً للاعتراف ب شخصيته القانونية إذا كان هذا الشخص في عُهدة سلطات الدولة عند ظهوره للمرة الأخيرة وكانت جهود أقاربه الرامية إلى الحصول على سبل انتصاف فعالة، بما في ذلك أمام المحاكم (الفقرة 3 من المادة 2 من العهد) ، تُعاق بانتظام ( ) . وفي هذه القضية ، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي توضيح بشأن مصير توفيق عماري ، ولا عن مكان وجوده (أو مكان وجود جثته)، على الرغم من الط لبات المتكررة التي قدم ها صاحب البلاغ إلى الدولة الطرف في هذا السياق . لذ لك تخلص اللجنة إلى أن ال اختفاء القسري لتوفيق عماري منذ ما يزيد عن 19 عاماً قد حرمه من حماية القانون ومن حقه في أن يُعترف له بالشخصية القانونية، وهو ما يشكّل انتهاكاً للمادة 16 من العهد.

8-10 وي ستشهد صاحب البلاغ بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد التي تلزم الدول الأطراف بأن تكفل سبيل انتصاف فعالاً لكل فرد انت ُ هكت حقوقه التي يقرها العهد. و تولي اللجنة ال أهمية لقيام الدول الأطراف بإنشا ء آليات قضائية وإدارية مناسبة لدراسة الشكاوى المتصلة بانتهاكات الحقوق. وتذك ّ ر بتعليقها العام رقم 31(2004) بشأن طبيعة الالتزام القانوني العام المفروض على الدول الأطراف في العهد الذي يشير على وجه الخصوص إلى أن تقاعس دولة طرف عن التحقيق في انتهاكات مزعومة قد يفضي، في حد ذاته، إلى حدوث إخلال منفصل بأحكام ا لعهد. وفي هذه الحالة ، فقد أبلغت أسرة توفيق عماري السلطات المختصة ب اختفائه ، وتحديداً وك لاء الجمهورية لدى محاكم جميع ولايات المنطقة، لكن الدولة الطرف لم ت فتح تحقيق اً متعمق اً ودقيق اً في اختفاء ابن صاحب البلاغ. ثم إن غياب إمكانية قانونية لل جوء إلى هيئة قضائية منذ صدور الأمر رقم 06-01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، لا ي زال ي حرم توفيق عماري وصاحب البلاغ وأسرته من أي إمكانية للحصول على سبيل انتصاف فعال، لأن الأمر المذكور يحظر اللجوء إلى العدالة لكشف ملابسات أشد الجرائم خطورة، مثل حالات الاختفاء القسري ( ) . وتخلص اللجنة إلى أن الوقائع المعروضة عليها تبين انتهاك ا لمادة 2 (الفقرة 3) من العهد، مقروءة بالاقتران مع المواد 7 و9 و16 بإزاء توفيق عماري ، و انتهاك المادة 2 (الفقرة 3) من العهد مقروءة بالاقتران مع المادة 7 بإزاء صاحب البلاغ.

9- واللجنة المعنية بحقوق الإنسان، إذ تتصرف وفق اً ل لفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ترى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف انتهاك الدولة الطرف للمواد 7 و9 و16 من العهد، مقروءة على حدة و بالاقتران مع المادة 2 (الفقرة 3 ) من العهد بإزاء توفيق عماري . وتلاحظ اللجنة كذلك انتهاك الدولة الطرف ا لمادة 7 مقروءة على حدة و بالاقتران مع المادة 2 (الفقرة 3) من العهد بإزاء صاحب البلاغ.

10- و الدولة الطرف ملزمة ، بموجب أحكام الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، بأن تتيح لصاحب البلاغ وأسرته سبيل انتصاف فعالاً يشمل تحديد اً ما يلي: (أ) إجراء تحقيق معمق ودقيق في اختفاء توفيق عماري، وإبلاغ صاحب البلاغ وأسرته بمعلومات م فصلة عن نتائج هذا التحقيق؛ ( ب ) الإفراج فوراً عن توفيق عماري إذا كان لا يزال قيد الاحتجاز السري ؛ ( ج ) إعادة جثة توفيق عماري إلى أسرته في حالة وفاته ؛ ( د ) ملاح قة المسؤولين عن الانتهاكات المرت ك ب ة ومحاكمتهم ومعاقبتهم؛ ( ) تقديم تعويض مناسب إلى صاحب البلاغ عن الأضرار المعنوية والمادية التي كابدها، وكذلك إلى توفيق عماري إن كان لا يزال على قيد الحياة ؛ (و) تمكين صاحب البلاغ وأسرته من الحصول على تدابير مناسبة لإعادة التأهيل . وبصرف النظر عن الأمر رقم 06-01، يتعين على الدولة الطرف أيضاً أن تحرص على عدم إعاقة ممارسة الحق في سبيل انتصاف فعال بالنسبة إلى ضحايا جرائم من قبيل التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري. والدولة الطرف ملزمة أيضاً باتخاذ تدابير لمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل.

11- ولما كانت الدولة الطرف، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، قد اعترفت باختصاص اللجنة بتحديد ما إذا كان قد حدث انتهاك للعهد أم لا، وتعهدت عملاً بالمادة 2 من العهد بأن تكفل تمتع جميع الأفراد الموجودين في إقليم ها والخاضعين لولايتها بالحقوق المعترف بها في العهد وبأن تتيح سبيل انتصاف فعالاً وقابلاً للإنفاذ متى ثبت حدوث انتهاك، فإن اللجنة تود أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون 180 يوماً، معلومات عن التدابير التي تتخذها لوضع آراء اللجنة موضع التنفيذ. وبالإضافة إلى ذلك، تدعو اللجنة الدولة الطرف إلى نشر هذه الآراء على نطاق واسع بلغاتها الرسمية.

تذييل

[الأصل: ب الإسبانية]

الرأي الفردي لفابيان عمر سالفيولي (المؤيد لآراء اللجنة)

1- أيدتُ القرار المتخذ في قضية عماري ضد الجزائر (البلاغ رقم 2098/2011) حيث أثبتت اللجنة أن الدولة الطرف مسؤولة على المستوى الدولي عن انتهاك للمواد 7 و9 و16 من العهد، والفقرة 3 من المادة 2، مقروءة بالاقتران مع المواد 7 و9 و16، بإزاء توفيق عماري. وأؤيد أيضاً خلاصتها بشأن حدوث انتهاك للمادة 7 والفقرة 3 من المادة 2 مقروءة مع المادة 7، بإزاء الطاهر عماري.

2- وأرى مع ذلك أنه كان يتعين على اللجنة أن تخلص إلى حدوث انتهاك للمادة 6 من العهد بإزاء توفيق عماري، الذي وقع ضحية اختفاء قسري وضعه ولا يزال يضعه حتى اليوم في موقف خطير يهدد حياته، وبالتالي، وبصرف النظر عما إذا كان الضحية لا يزال على قيد الحياة أم توفى، فإن الدولة الطرف لم تف حسب الأصول بواجبها بحماية الحق في الحياة.

3- وعلى غرار ما ذهبت إليه في قراري الفردي في قضية بن عزيزة ضد الجزائر ، فإن ملاحظة حدوث انتهاك للمادة 6 لا تعني التأكيد بأن المعني بالأمر متوفى. ويُعوز اللجنة اتساق في قضايا الاختفاء القسري؛ وقد خلصت في بعض الأحيان إلى حدوث انتهاك للمادة 6 وفي أحيان أخرى، كانت فيها الوقائع مشابهة، التزمت الصمت في هذا الموضوع. وفي الرأي الفردي المعلل الذي أرفقته، أسهبتُ أيضاً في شرح مسألة التزام الدول بضمان الحقوق ومسألة العلاقة بين الاختفاء القسري والمادة 6 ( ) .

4- ولقد كان للجنة في الماضي تفسير ضيق لنطاق المادة 6 من العهد، وفي قضايا الاختفاء القسري، لاحظت حدوث انتهاك للفقرة 3 من المادة 2 مقروءة بالاقتران مع المادة 6. واعتباراً من قضية جبار وش يهوب (البلاغ رقم 1811/2008)، التي بُتَّت في تشرين الأول/أكتوبر 2011، اتخذت اللجنة موقفاً جديداً ولاحظت حدوث انتهاك مباشر للمادة 6 في حالات الاختفاء القسري، موضحة أن هذه الملاحظة لا تعني افتراض وفاة الشخص المختفي: وخلصت اللجنة بذلك إلى أن الدولة الطرف كان يتعين عليها إطلاق سراح الضحايا الذين كانوا على قيد الحياة ( ) .

5- ولئن كانت اللجنة قد أحرزت تقدماً في الاتجاه الصحيح، فإنها ما تزال في معظم الحالات تبتّ بالاستناد إلى الحجج القانونية للأطراف وليس إلى الوقائع الثابتة. ويؤدي ذلك إلى حالات عديدة من عدم الاتساق ومعالجة قضايا تنطوي على وقائع ثابتة متشابهة بطريقة مختلفة.

6- وعلى نحو ما أشرت إليه، فإن اللجنة بنهجها هذا الأسلوب غير المتسق في التعامل (الذي يليق بمحكمة للقانون العام أكثر منه بهيئة دولية لحماية حقوق الإنسان) تحد حتى من اختصاصاتها، على نحو غير مفهوم ( ) . ومهمة كل هيئة لحماية حقوق الإنسان إنما تتمثل في القيام على النحو الواجب بتطبيق القانون إزاء الوقائع الثابتة؛ وقد سبق أن برهنت على أن هذه هي الطريقة التي تعمل بها الهيئات الدولية القضائية أو شبه القضائية، ومذ أمكن للأطراف الاعتراض على الوقائع، فإن الدول لا تُبخس بأي شكل من الأشكال حقها في الدفاع عن نفسها ( ) .

7- ولا يمكن للجنة في واقع الأمر أن تعلل سبب عدم تطبيقها للقانون في بعض الأحيان عندما لا تستشهد الأطراف صراحة بمادة من الميثاق في حين تقوم بذلك في أحيان أخرى ( ) . فعلى سبيل المثال لا الحصر، طبقت اللجنة القانون في البلاغات التالية بصرف النظر عن الحجج القضائية القانونية التي أدلى بها الأطراف: البلاغ رقم 1390/2005، كوريبا ضد بيلاروس ، الآراء المعتمدة في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2010؛ البلاغ رقم 1225/2003 إيشونوف ضد أوزبكستان ، الآراء المعتمدة في 22 تموز/يوليه 2010، الفقرة 8-3؛ البلاغ رقم 1206/2003 ر. م. وس . أ. ضد أوزبكستان ، الآراء المعتمدة في 10 آذار/مارس 2010، الفقرتان 6-3 و9-2 (عدم انتهاك)؛ البلاغ رقم 1520/2006، موامبا ضد زامبيا الآراء المعتمدة في 10 آذار/مارس 2010؛ البلاغ رقم 1320/2004، بيمنتل وآخرون ضد الفلبين ، الآراء المعتمدة في 19 آذار/مارس 2007، الفقرتان 3 و8-3؛ البلاغ رقم 1177/ 2003 ، وينغا وشاندوي ضد جمهورية الكونغو الديمقراطية ، الآراء المعتمدة في 17 آذار/مارس 2006، الفقرات 5-5 و6-5 و9؛ البلاغ رقم 973/2001، خليلوفا ضد طاجيكستان ، الآراء المعتمدة في 30 آذار/مارس 2005، الفقرة 3-7؛ البلاغ رقم 1044/2002، شكوروفا ضد طاجيكستان ، الآراء المعتمدة في 17 آذار/مارس 2006، الفقرة 3.

8- ويؤمل أن تصبح اللجنة أكثر اتساقاً في المستقبل وأن تتبع نهجاً يجسد تطبيقاً أفضل للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على الوقائع المعروضة عليها.