الأمم المتحدة

CCPR/C/111/D/1931/2010

Distr.: General

22 August 2014

Arabic

Original: French

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

البلاغ رقم 1931/2010

آراء اعتمدتها اللجنة في دورتها 111 (7-25 تموز/يوليه 2014)

المقدم من : مسعودة بوزريبة (يمثلها رشيد مسلي، من منظمة الكرامة لحقوق الإنسان )

ال أشخاص المدعى أنهم ضحايا : الأخضر بوزنية (ابن صاحبة البلاغ) وصاحبة البلاغ

الدولة الطرف: الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ: 8 كانون الثاني/يناير 2010 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية: قرار المقرر الخاص المتخذ بموجب المادة 97 من النظام الداخلي، الذي أحيل إلى الدولة الطرف في 18 آذار/مارس 2010 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء : 23 تموز/يوليه ٢٠١٤

الموضوع: اختفاء قسري

المسائل الموضوعية: الحق في الحياة، وحظر التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وحق الفرد في الحرية وفي الأمان على شخصه، واحترام الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني، والاعتراف بالشخصية القانونية، والحق في سبيل انتصاف فعال، وحماية الأسرة

المسائل الإجرائية: استنفاد سبل الانتصاف المحلية

مواد العهد: الم واد 2 (الفقرة 3) و6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 و23 (الفقرة 1)

مواد البروتوكول الاختياري: الماد ة 5 (الفقرة 2(ب))

المرفق

آراء اعتمدتها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (الدورة 111)

بشأن

البلاغ رقم 1931/2010 *

المقدم من: مسعودة بوزريبة (يمثلها رشيد مسلي، من منظمة الكرامة لحقوق الإنسان )

ال أشخاص المدعى أنهم ضحايا : الأخضر بوزنية (ابن صاحبة البلاغ) وصاحبة البلاغ

الدولة الطرف: الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ: 8 كانون الثاني/يناير 2010 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

إن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، المنشأة بموجب المادة 28 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد اجتمعت في 23 تموز/يوليه 2014،

وقد فرغت من النظر في البلاغ رقم 1931/2010 الذي قدمته مسعودة بوزريبة بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد وضعت في اعتبارها جميع المعلومات المكتوبة التي أتاحتها لها صاحبة البلاغ والدولة الطرف،

تعتمد ما يلي:

الآراء بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري

1-1 صاحبة البلاغ، المؤرخ 8 كانون الثاني/يناير 2010، هي مسعودة بوزريبة، ولدت في 8 تموز/يوليه 1930 في سيدي عبد العزيز، ولاية جيجل، الجزائر، وهي تدعي أن ابنها الأخضر بوزنية، المولود في 14 كانون الثاني/يناير 1955 في سيدي عبد العزيز، ولاية جيجل، متزوج وأب لخمسة أطفال ومقيم في القنار، وقع ضحية اختفاء قسري انتهاكاً للمواد 2 (الفقرة 3) و6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 و23 (الفقرة 1) من العهد. وتدعي أنها وقعت إلى جانب زوجها وابنها وزوجته وأبنائه الخمسة ضحايا لانتهاكات المواد 2 (الفقرة 3) و7 و23 (الفقرة 1) من العهد. ويمثل صاحبة البلاغ الأستاذ رشيد مسلي، من منظمة الكرامة لحقوق الإنسان.

1-2 وفي 18 آذار/مارس 2010، قررت اللجنة، عن طريق مقررها الخاص المعني بالبلاغات الجديدة والتدابير المؤقتة، عدم منح تدابير الحماية التي التمستها صاحبة البلاغ وطلبت إلى الدولة الطرف أن تمتنع عن اتخاذ أية تدابير جنائية أو غير جنائية تهدف إلى معاقبة أو ترهيب صاحبة البلاغ أو أي عضو آخر من أسرتها بسبب تقديم هذا البلاغ إلى اللجنة. وفي 27 أيلول/سبتمبر 2010، قررت، اللجنة عن طريق مقررها الخاص المعني بالبلاغات الجديدة والتدابير المؤقتة، عدم الفصل بين النظر في مقبولية البلاغ ودراسة أسسه الموضوعية.

الوقائع كما عرضتها صاحبة البلاغ

2-1 الأخضر بوزنية كان يعمل أستاذاً في الأدب العربي بثانوية سيدي عبد العزيز، وباعتباره شخصية سياسية بارزة في صفوف الجبهة الإسلامية للإنقاذ، انتخب السيد الأخضر بوزنية في 26 كانون الأول/ديسمبر 1991 منذ الجولة الأولى للانتخابات التشريعية بصفته مرشحاً على قائمة الجبهة الإسلامية للإنقاذ عن الدائرة الانتخابية لبلدة الشقفة. وفي 24 أيار/مايو 1993، ألقي عليه القبض عند حاجز تفتيش أقامته قوات الدرك الوطني في بلدة العنصر بولاية جيجل. وتدعي صاحبة البلاغ أن أحد أبنائها الآخرين، حسين بوزنية الذي كان قد انتخب رئيساً للمجلس الشعبي البلدي (شيخ المدينة) في بلدة الشقفة بوصفه مرشحاً على قائمة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ألقي عليه القبض خلال الفترة ذاتها شأنه شأن العشرات من مناضلي الجبهة الآخرين.

2-2 ثم أودع الأخضر بوزنية في الحبس الانفرادي بمقر منطقة جيجل العسكرية لمدة تناهز ثلاثة أسابيع قبل نقله إلى المركز الإقليمي للأبحاث والتحقيق في قسنطينة الذي تشرف عليه مديرية الاستعلامات والأمن التابعة للجيش الشعبي الوطني. ثم احتجز تباعاً في عدة مراكز تابعة للدرك الوطني، ومنها مراكز العنصر والميلية والسطارة والعوانة.

2-3 ومضى شهر كامل قبل أن يظهر السيد الأخضر بوزنية من جديد وكان ذلك للمثول أمام قاضي التحقيق في غياب أي محام يتولى الدفاع عن قضيته. وكان يصعب عليه البقاء واقفاً بسبب الإرهاق. كما كان من الصعب التعرف عليه نتيجة ما تعرض له من تعذيب على يد موظفي دائرة الاستعلامات والأمن والدرك الوطني خلال فترة احتجازه. وقد تعرض على وجه الخصوص للصلب (فيداه وقدماه كانت تحمل آثار جروح واضحة) وللعنف الجنسي. ورغم تلك العلامات الواضحة لما تعرض له من سوء المعاملة، فقد رفض القاضي عرضه على طبيب من أجل الفحص. وقد وجهت إلى السيـد الأخضر بوزنية تهم "تكـوين منظمة إرهابـية والانتماء إليـها" و"المساس بأمن الدولة" و"توزيع منشورات تحرض على الفتنة" إلى جانب مخالفات أخرى. غير أن ملف القضية لم يتضمن أية أدلة تثبت إدانته.

2-4 وبعد المثول أمام قاضي التحقيق، نُقل السيد الأخضر بوزنية إلى مركز احتجاز في جيجل حيث أودع الحبس الانفرادي إلى غاية 27 تشرين الأول/أكتوبر 1993، وكان قد تعرض هناك لسوء المعاملة والتعذيب. وخلال فترة احتجازه، تمكنت الأسرة من زيارته في مناسبات عديدة. وخلال زيارة بتاريخ 8 آب/أغسطس 1993، لاحظ أحد أشقاء الضحية آثار ال تعذيب الذي تعرض له الأخضر بوزنية . وعلم حسين بوزنية، شقيق الضحية الذي قبض عليه في نفس الفترة وأودع في نفس مركز الاحتجاز بجيجل إلى أن تم نقله إلى مركز آخر في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1993، أن شقيقه نقل خارج السجن في مناسبات عديدة لاستجوابه في مباني دائرة الاستعلامات والأمن، حيث يرجح أن يكون قد تعرض للتعذيب.

2-5 وتقرر نقل الأخضر بوزنية في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1993 إلى سجن قسنطينة في انتظار محاكمته المقرّرة في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1993. وغادرت عربة نقل السجناء مركز الاحتجاز في جيجل في حدود الساعة الحادية عشرة صباحاً مرفقة بعربات تابعة للدرك وعلى متنها الأخضر بوزنية دون سواه، لكنها لم تصل إلى وجهتها. وأنكر المسؤولون عن سجن قسنطينة أن يكونوا قد استقبلوا الأخضر بوزنية واحتفظوا به في السجن. وتخشى الأسرة أن يكون قد أُعدم تعسفاً خلال عملية النقل. وفي 31 تشرين الأول/أكتوبر 1993، علمت أسرة الضحية عن طريق الصحافة المكتوبة أن قوات الأمن الجزائرية أعلنت أنها قضت على مجموعة تتألف من 11 إرهابياً معروفين في المنطقة، من بينهم شخص يُدعى الأخضر بوزنية ، وذلك يوم الأربعاء الموافق 27 تشرين الأول/أكتوبر 1993 في مدينة الشقفة التي تقع تحديداً على الطريق الرابط بين جيجل وقسنطينة. وفي 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1993، بدأت محاكمة الضحية وشقيقه حسين بوزنية . وبعد لحظات من الارتباك بسبب غياب الأخضر بوزنية من قفص المتهمين، أعلن القاضي إنهاء إجراءات الدعوى العمومية ضد الأخضر بوزنية بسبب وفاة المتهم.

2-6 وقامت الأسرة بالإجراءات اللازمة للتعرف على مصير الضحية منذ تاريخ توقيفه. وتذكّر صاحبة البلاغ أن السلطات الجزائرية كانت تنفي مسألة الاختفاءات القسرية إلى غاية عام 1998، ما جعل أُسر كثيرة تمتنع عن رفع شكوى تحاشياً للانتقام. وفي القضية المعروضة على اللجنة، توجهت أسرة الأخضر بوزنية إلى النيابة العامة بمحكمة جيجل للإبلاغ عن اختفائه منذ تشرين الثاني/نوفمبر 1993. غير أن السلطات الجزائرية لم تحرك ساكناً ولم تسجِّل دوائر النيابة العامة الشكاوى الشفوية لأسرة الضحية. وحاولت صاحبة البلاغ أيضاً في مناسبات عديدة إيداع شكوى بسبب حالة اختفاء لدى مركز الدرك في القنار لكن رجال الدرك رفضوا تسجيل الشكوى. وتوجهت صاحبة البلاغ إلى المشرحة في مستشفى الميلية وإلى مقر البلدية لتستفسر عن هوية الأخضر بوزنية الذي أعلنت الصحافة المكتوبة وفاته وللحصول على شهادة وفاة. غير أن مساعيها لم تُكلَّل بالنجاح. وفي كانون الأول/ديسمبر 1996، توجهت زوجة المختفي إلى وكيل الجمهورية في الميلية لطلب الحصول على شهادة وفاة بغية التأكد من وفاة زوجها ومعرفة الملابسات التي أحاطت بالوفاة، عند الاقتضاء. وسُجل طلب التصريح بالوفاة لدى محكمة الميلية وسُلمت في أعقاب هذا الإجراء شهادة وفاة دون أن تحصل زوجة الضحية على نسخة من الحكم الذي أصدرته المحكمة في هذا الغرض. لذا، لا تزال زوجة الضحية تجهل إن كان الأخضر بوزنية الذي قُتل في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1993 هو زوجها أو شخص آخر يحمل نفس الاسم، وإن كان زوجها فهي لا تزال تجهل الملابسات التي أحاطت بوفاته.

2-7 وفي 24 شباط/فبراير 2007، وجهت صاحبة البلاغ طلباً إلى وكيل الجمهورية بمحكمة الطاهير التمست فيه الحصول على إفادة بشأن الأبحاث التي أُجريت في إطار قضية اختفاء ابنها. غير أن هذا الطلب ظل دون ردّ حتى 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2008 لما تلقَّت صاحبة البلاغ استدعاءً من وكيل الجمهورية في إطار "إجراء إعلام المدعية" الذي كان يهدف إلى تذكير صاحبة البلاغ بأن الأخضر بوزنية متهم بالضلوع في الإرهاب ويواجه تُهماً عديدة أخرى. وخلال تلك المقابلة، نفى وكيل الجمهورية اختفاء الأخضر بوزنية وأكد أنه نُقل إلى سجن قسنطينة كما كان مقرراً في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1993. ورفض وكيل الجمهورية تسليم شهادة اختفاء أو الإذن بفتح تحقيق في اختفاء الضحية رغم الطلبات التي تقدمت بها صاحبة البلاغ. وأخيراً، تشير صاحبة البلاغ إلى أنه لم يعد من الممكن رفع أي شكوى بموجب القانون الداخلي بعد صدور ميثاق السلم والمصالحة الوطنية (الأمر رقم 06 - 01 المؤرخ 26 شباط/فبراير 2006).

الشكوى

3-1 تعتبر صاحبة البلاغ أن اختفاء ابنها في المرة الأولى عَقِبَ توقيفه في 24 أيار/ مايو 1993، ثم اختفاءه للمرة الثانية في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1993 يشكلان انتهاكاً من جانب الدولة الطرف للمواد 2 (الفقرة 3) و6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 و23 (الفقرة 1) من العهد بحق الأخضر بوزنية . وتعتبر صاحبة البلاغ أيضاً أنها وسائر أفراد أسرتها وقعوا ضحية انتهاك المواد 2 (الفقرة 3) و7 و23 (الفقرة 1) من العهد.

3-2 وتَزعم صاحبة البلاغ أن ابنها وقع ضحية اختفاء قسري بالمفهوم الوارد في الفقرة 2، الفقرة الفرعية ’ 1 ’ من المادة 7 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (نظام روما الأساسي) والمادة 2 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. فهي تؤكد أن ابنها قد اختفى عَقِب توقيفه في 24 أيار/مايو 1993 عند حاجز تفتيش أقامه رجال من الدرك كان يضطلعون بمهامهم الرسمية. وبعد إيداعه في الحبس الانفرادي لمدة تناهز الشهر خضع خلالها للتعذيب، اختفى ابن صاحبة البلاغ مرة أخرى في أثناء عملية نقله من سجن قسنطينة في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1993. وتؤكد صاحبة البلاغ أن عملية النقل من مكان احتجاز إلى آخر نظمتها سلطات الدولة الطرف تحت مسؤوليتها.

3-3 وتشير صاحبة البلاغ إلى التناقضات الواضحة في موقف سلطات الدولة الطرف بشأن ما حصل لابنها المختفي. فالنيابة العامة وسلطات السجون في جيجل تؤكد أن الأخضر بوزنية لم يختفِ خلال عملية النقل وأنه قد وصل فعلاً إلى سجن قسنطينة في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1993، في حين ينفي المسؤولون عن السجن أن يكون السيد الأخضر بوزنية قد وصل إلى سجن قسنطينة. وخلال بدء محاكمة الأخضر بوزنية في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 1993، قررت السلطات القضائية إنهاء إجراءات الملاحقة بسبب وفاته الممكنة في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1993 تاريخ نقله إلى سجن قسنطينة. وتبيّن صاحبة البلاغ أنه حتى في غياب أدلة مادية على وفاة ابنها، فمن المرجح أن يكون قد أُعدِم خلال نقله إلى سجن قسنطينة وهو بعهدة سلطات الدولة الطرف وبالتالي تعتبر أن الدولة الطرف لم تفِ بواجبها المتمثل في حماية حق الأخضر بوزنية في الحياة، منتهكةً بذلك المادة 6 (الفقرة 1) من العهد.

3-4 وتوضح صاحبة البلاغ أن الاحتجاز في الحبس الانفرادي يهيئ لبيئة مؤاتية لممارسة التعذيب نتيجة حرمان الأشخاص المحتجزين من حماية القانون. وتُذكّر في هذا الصدد باجتهاد اللجنة السابق الذي مفاده أن الحبس الانفرادي لأجل غير مسمى ودون إمكانية الاتصال بأفراد الأسرة وبالعالم الخارجي يشكل بحد ذاته انتهاكاً للمادة 7 من العهد ( ) لما يسببه من معاناة. وتقول صاحبة البلاغ إن إيداع الأخضر بوزنية الحبس الانفرادي لمدة ثلاثة أسابيع والإساءات التي تعرض لها (تسمير اليدين والقدمين على صليب والاعتداء عليه جنسياً) خلال تلك الفترة ثم خلال فترة احتجازه بسجن جيجل، تشكل من دون شك أعمال تعذيب وتنتهك أحكام المادة 7 من العهد. وتعتبر صاحبة البلاغ أن ما كابدها هي وأفراد أسرتها من محنة وشعور بالقلق خلال هذه السنوات العديدة بسبب الشكوك التي خيَّمت حول مصير المختفي، يشكّل أيضاً انتهاكاً للمادة 7 من العهد بحق صاحبة البلاغ وأفراد أسرتها. وتقول صاحبة البلاغ إنها لا تزال في حيرة تامة لا تدري شيئاً عن مصير ابنها بسبب المعلومات المتناقضة المقدَّمة من سلطات الدولة الطرف بشأن عملية نقل الأخضر بوزنية وغياب أي توضيح بخصوص هوية الإرهابي الذي قد يكون يحمل نفس الاسم والذي توفي يوم نقل ابنها إلى سجن قسنطينة. زد على ذلك أن الوفاة لم تؤكَد بصفة رسمية وأن الأسرة لم تستلم الجثمان ولم يُحدَّد أي مكان من أجل استخراج الجثة.

3-5 وتزعم صاحبة البلاغ أن القبض على ابنها واحتجازه في الفترة من 24 أيار/مايو إلى منتصف شهر حزيران/يونيه 1993 يشكلان إجراءين تعسفيين وخرقاً لأحكام المادة 9 من العهد. فقد قُبض على الأخضر بوزنية دون مذكرة توقيف عند حاجز تفتيش أقامته قوات الدرك في 24 أيار/مايو 1993. ثم نُقل إلى أماكن مختلفة حيث أودع في الحبس الانفرادي لمدة ثلاثة أسابيع. وتعتبر أن نقله من مكان إلى آخر في مناسبات عديدة ثم احتجازه في حبس جيجل إجراءات لا تستند إلى أسس قانونية. وحسب صاحبة البلاغ، من المرجح جداً أن يكون إجراء توقيف الأخضر بوزنية مرتبطاً بدوافع سياسية، وذلك بسبب انتمائه إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ. زد على ذلك أن المختفي لم يبلّغ بأسباب توقيفه وبالتهم الموجهة إليه ولم يقدّم إلى قاضٍ حتى تتاح له فرصة الاعتراض على مشروعية إجراء احتجازه. وعلى افتراض أن الأخضر بوزنية لا يزال على قيد الحياة ومودعاً في الحبس الانفرادي منذ 27 تشرين الأول/أكتوبر 1993، فإن احتجازه سيشكل أيضاً إجراءً تعسفياً لا يستند إلى أساس قانوني ويمثل خرقاً لأحكام المادة 9 من العهد.

3-6 وترى صاحبة البلاغ أن تعرّض ابنها للتعذيب خلال فترة احتجازه يعني أنه وقع أيضاً ضحية انتهاك حقه في أن يعامل معاملة إنسانية تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني خلال فترة الاحتجاز، ما يمثل انتهاكاً للمادة 10 (الفقرة 1) من العهد.

3-7 وتشير صاحبة البلاغ إلى أن الأخضر بوزنية اختفى وأودع في الحبس الانفرادي لمدة شهر بعد توقيفه في 24 أيار/مايو 1993، ثم اختفى مجدداً منذ 27 تشرين الأول/أكتوبر 1993. وبالتالي يكون السيد الأخضر بوزنية قد حُرم من حماية القانون ومن الاعتراف له بالشخصية القانونية، ما يشكل انتهاكاً للمادة 16 من العهد ( ) . ورغم مثوله أمام قاضي التحقيق بمحكمة الميلية، فقد حُرم من التمتع بالحقوق التي يكفلها له العهد نتيجة توقيفه التعسفي وإيداعه الحبس الانفرادي ثم اختفائه القسري.

3-8 وترى صاحبة البلاغ أن اختفاء ابنها حرم الأسرة من زوج وأب وابن وأخ، وبذلك تكون الأسرة قد حُرمت من حقها في أن تكون لها حياة أسرية تحظى بحماية الدولة الطرف. وبالمثل حُرم المختفي من حقه في الحياة الأسرية إلى جانب زوجته وأبنائه، ما يشكل أيضاً انتهاكاً للمادة 23 (الفقرة 1) من العهد.

3-9 وتؤكد صاحبة البلاغ أن ابنها مُنع من ممارسة حقه في التظلم من قرار احتجازه ومن الانتهاكات المزعومة للمواد 6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 و23 (الفقرة 1) من العهد، ما يشكل انتهاكاً للمادة 2 (الفقرة 3) من العهد. وقد حاولت صاحبة البلاغ وأسرتها بشتى الوسائل التعرّف على مصير المختفي، لكن الدولة الطرف لم تستجب لتلك المساعي رغم أنها ملزمة بتوفير سبيل انتصاف فعال وبإجراء تحقيق دقيق وسريع في المزاعم المتعلقة بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان. وترى صاحبة البلاغ أن تقاعس الدولة الطرف يشكل أيضاً انتهاكاً للمادة 2 (الفقرة 3) بحقها وبحق أسرتها.

3-10 وتؤكد صاحبة البلاغ أن سُبل الانتصاف المحلية قد تبيّن أنها غير متاحة أو غير فعالة أو غير مجدية. فهي كررت مساعيها غير الرسمية لدى قوات الأمن من أجل الحصول على معلومات عن مصير ابنها، لكن دون جدوى. وأبلغت صاحبة البلاغ في مناسبات عديدة السلطات القضائية باختفاء ابنها والتمست الإذن بإجراء تحقيق في الموضوع، لكن ذلك لم يحصل، بل أُغلقت ملفات جميع الدعاوى الرسمية التي رفعتها. وبالتالي تعتبر صاحبة البلاغ أن شروط المقبولية المنصوص عليها في الفقرة 2(ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري مستوفاة.

3-11 وأخيراً، تزعم صاحبة البلاغ أنه لم يعد ممكناً منذ شهر شباط/فبراير 2006، تاريخ إصدار الأمر رقم 06 - 01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، ملاحقة الأشخاص التابعين لقوات الدفاع والأمن الجزائرية. وتذكر صاحبة البلاغ بأن اللجنة كانت قد أعلنت أن هذا الأمر يهيئ، فيما يبدو، الظروف المؤاتية للإفلات من العقاب ويشكل مساساً بالحق في سبيل انتصاف فعال ( ) . وتزعم صاحبة البلاغ أنها لم تستطع ممارسة حقها في سبيل انتصاف فعال.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية

4-1 في 30 آب/أغسطس 2010، أحالت الدولة الطرف "مذكرة مرجعية للحكومة الجزائرية بشأن عدم مقبولية البلاغات المقدمة إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان فيما يتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية"، اعترضت فيها على مقبولية البلاغ. فهي تعتبر أن هذا البلاغ الذي يلقي بمسؤولية وقوع حالة اختفاء قسري خلال الفترة من 1993 إلى 1998 على موظفين حكوميين أو أشخاص آخرين يخضعون للسلطات العامة ويتصرفون بصفة رسمية، يجب أن يُنظر فيه "باتباع نهج عام"، وينبغي إعلانه غير مقبول. فالدولة الطرف تعتبر أن مثل هذه البلاغات ينبغي أن توضع في السياق الأعم للحالة الاجتماعية - السياسية والأوضاع الأمنية السائدة في البلد في فترة ميزتها المساعي التي بذلتها الحكومة من أجل مكافحة شكل من الإرهاب يتمثل هدفه في "سقوط النظام الجمهوري". ففي ذلك السياق، اتخذت الحكومة الجزائرية تدابير وقائية وفقاً للدستور الجزائري (المادتان 87 و91) وأخطرت الأمانة العامة للأمم المتحدة بحالة الطوارئ التي أعلنتها، وذلك وفقاً للفقرة 3 من المادة 4 من العهد.

4-2 وتشير الدولة الطرف إلى أن المدنيين في بعض المناطق التي تنتشر فيها المساكن الفوضوية كانوا يجدون صعوبة في التمييز بين عمليات الجماعات الإرهابية وعمليات قوات الأمن التي كان المدنيون ينسبون إليها عدداً كبيراً من حالات الاختفاء القسري. وحسب الدولة الطرف ينبغي أن يُدرس عدد كبير من حالات الاختفاء القسري في ذلك السياق. وتذكر بأ ن المفهوم العام للشخص المختفي في الجزائر أثناء الفترة موضوع الدراسة يشير في واقع الأمر إلى ست حالات مختلفة. فالحالة الأولى تتعلق بالأشخاص الذين أبلغ أقاربهم عن اختفائهم في حين أنهم قرروا من تلقاء أنفسهم الاختفاء عن الأنظار للانضمام إلى الجماعات المسلحة وطلبوا من أسرهم أن تعلن أن دوائر الأمن اعتقلتهم قصد "التضليل" وتجنب "مضايقات" الشرطة. وتتعلق الحالة الثانية بالأشخاص الذين أُبلغ عن اختفائهم بعد اعتقالهم على يد دوائر الأمن لكنهم انتهزوا فرصة الإفراج عنهم للتواري عن الأنظار. وتتعلق الحالة الثالثة بالأشخاص الذين اختطفتهم جماعات مسلحة مجهولة الهوية أو انتحلت صفة أفراد الشرطة أو الجيش بارتداء زيهم أو استخدام وثائق هويتهم فاعتُبرت خطأً عناصر تابعة للقوات المسلحة أو لدوائر الأمن. وتتعلق الحالة الرابعة بأشخاص أُعلن عن فقدانهم وقرروا هجر أسرهم وأحياناً حتى مغادرة البلد فراراً من المشاكل الشخصية أو الخلافات العائلية. ويتعلق الأمر في الحالة الخامسة بأشخاص أبلغت أسرهم عن فقدانهم وهم في واقع الأمر إرهابيون مطلوبون أو قُتلوا ودفنوا في الأدغال في أعقاب الاقتتال بين الفصائل أو الصراعات العقائدية أو تنازع الجماعات المسلحة المتنافسة على الغنائم. وأخيراً، تشير الدولة الطرف إلى فئة سادسة تتعلق بأشخاص مفقودين لكنهم يعيشون إما داخل الإقليم الوطني أو خارجه بهويات مزورة حصلوا عليها عن طريق شبكة لتزوير الوثائق.

4-3 وتؤكد الدولة الطرف كذلك أن المشرع الجزائري، إذ يدرك تنوع الحالات المشمولة بالمفهوم العام للاختفاء القسري ومدى تعقد تلك الحالات، فقد أوصى في أعقاب الاستفتاء الشعبي على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بالتعاطي مع مسألة المختفين في إطار عام عن طريق التكفل بجميع الأشخاص المختفين في سياق "المأساة الوطنية" وبتقديم الدعم لجميع الضحايا حتى يتسنى لهم التغلب على هذه المحنة، ومنح جميع ضحايا الاختفاء وذوي الحقوق من أهلهم الحق في تعويض. وتشير إحصاءات دوائر وزارة الداخلية إلى أنه أُبلغ عن 023 8 حالة اختفاء وأن الجهات المعنية بحثت 774 6 ملفاً وقُبل دفع تعويض لأصحاب 704 5 ملفات في حين رُفض 934 ملفاً ولا يزال 136 ملفاً آخر قيد البحث. وقد دُفعت تعويضات بقيمة 390 459 371 ديناراً جزائرياً لجميع الضحايا المعنيين، ويضاف إلى ذلك مبلغ 683 824 320 1 ديناراً جزائرياً يدفع في شكل معاشات شهرية.

4-4 وتعتبر الدولة الطرف أيضاً أن صاحبة البلاغ لم تستنفد جميع سبل الانتصاف المحلية. وتشدد على أهمية التمييز بين المساعي البسيطة المبذولة لدى السلطات السياسية أو الإدارية وسبل الانتصاف غير القضائية أمام الهيئات الاستشارية أو هيئات الوساطة، والطعون القضائية أمام مختلف الهيئات القضائية المختصة. وتلاحظ الدولة الطرف من خلال الشكوى المقدمة من صاحبة البلاغ أن هذه الأخيرة وجهت رسائل إلى سلطات سياسية أو إدارية وقدمت التماسات إلى هيئات استشارية أو هيئات وساطة وأرسلت عرائض إلى ممثلي النيابة العامة (المدعون العامون أو وكلاء الجمهورية) دون اللجوء إلى إجراء الطعن القضائي بمعناه الدقيق ومتابعته حتى النهاية باستخدام جميع سبل الانتصاف المتاحة. ومن بين هذه السلطات جميعها، لا يحق قانوناً سوى لممثلي النيابة العامة فتح تحقيق أولي أو عرض المسألة على قاضي التحقيق. ففي النظام القضائي الجزائري، وكيل الجمهورية هو الذي يختص بتلقي الشكاوى وهو الذي يحرك الدعوى العمومية عند الاقتضاء. غير أن قانون الإجراءات الجزائية يجيز للضحية أو لأصحاب الحق تقديم شكوى والادعاء بالحق المدني مباشرة أمام قاضي التحقيق من أجل حماية حقوقهم. وفي هذه الحالة تكون الضحية، وليس المدعي العام، هي من يحرك الدعوى العمومية عن طريق عرض الحالة على قاضي التحقيق. وسبيل الانتصاف هذا المشار إليه في المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الجزائية لم يستخدم رغم أنه كان كفيلاً بأن يتيح لصاحبة البلاغ إمكانية تحريك الدعوى العمومية وإلزام قاضي التحقيق بإجراء التحقيق حتى لو كانت النيابة العامة قد قررت خلاف ذلك.

4-5 وتلاحظ الدولة الطرف كذلك ما ذهبت إليه صاحبة البلاغ من أن اعتماد ميثاق السلم والمصالحة الوطنية عن طريق الاستفتاء وسن النصوص الخاص بتطبيقها، وبخاصة المادة 45 من الأمر رقم 06-01، جعل من غير الممكن اعتبار أنه توجد في الجزائر سبل انتصاف محلية فعالة ومجدية ومتاحة لأسر ضحايا الاختفاء. وعلى هذا الأساس، ظنت صاحبة البلاغ أنها في حل من واجب اللجوء إلى الهيئات القضائية المختصة مستندة في ذلك إلى حكمها المسبق على موقف هذه الهيئات وتقديرها في تطبيق الأمر المذكور. لكن الدولة ترى أنه لا يجوز لصاحبة البلاغ التذرع بهذا الأمر وبنصوص تطبيقه للتنصل من مسؤوليتها عن عدم مباشرة الإجراءات القضائية المتاحة. وتذكّر الدولة الطرف باجتهاد اللجنة السابق الذي مفاده أن "اعتقاد شخص ما عدم جدوى سبيل انتصاف أو افتراض ذلك من تلقاء نفسه لا يعفيه من استنفاد سبل الانتصاف المحلية جميعها " ( ) .

4-6 ثم تشير الدولة الطرف إلى طبيعة ميثاق السلم والمصالحة الوطنية والأسس التي يستند إليها ومضمونه ونصوص تطبيقه. وتؤكد على أن اللجنة مدعوة، بموجب مبدأ عدم قابلية السلم للتصرف فيه والذي أصبح حقاً دولياً في السلم، إلى أن تهيئ لإرساء دعائم السلم وتدعم المصالحة الوطنية حتى تتمكن الدول التي تعاني أزمات داخلية من تعزيز قدراتها. وفي سياق هذا الجهد من أجل المصالحة الوطنية، اعتمدت الدولة الميثاق الذي ينص في الأمر المتعلق بتطبيقه على تدابير قانونية لإنهاء إجراءات الدعوى العمومية واستبدال العقوبات أو تخفيفها بالنسبة لكل شخص يدان بارتكاب أعمال إرهابية أو يستفيد من الأحكام المتعلقة بإعادة الوئام الوطني، فيما عدا الأشخاص الذين ارتكبوا مجازر جماعية أو انتهكوا الحرمات أو استعملوا المتفجرات في الاعتداء على الأماكن العمومية أو تواطؤوا على ذلك. وينص الأمر أيضاً على إجراء يتعلق بالتصريح بالوفاة عن طريق القضاء، وهو إجراء يمنح ذوي الحقوق من ضحايا "المأساة الوطنية" الحق في التعويض. إضافة إلى ذلك، ينص الأمر على تدابير ذات طابع اجتماعي - اقتصادي، من بينها المساعدة على إعادة الإدماج المهني ودفع تعويضات لجميع الأشخاص المصنفين في فئة ضحايا "المأساة الوطنية". وأخيراً، يتضمن الأمر تدابير سياسية، مثل منع أي شخص استغل الدين استغلالاً ساهم في حدوث "المأساة الوطنية" من ممارسة أي نشاط سياسي، كما يقضي بعدم قبول أي ملاحقة قانونية فردية أو جماعية تستهدف أفراد قوات الدفاع والأمن التابعة للجمهورية، بجميع مكوناتها، بتهمة ارتكاب أعمال نُفذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات ونجدة الأمة والحفاظ على مؤسسات الجمهورية.

4-7 وبالإضافة إلى استحداث صناديق تعويض لجميع ضحايا "المأساة الوطنية"، ترى الدولة الطرف أن شعب الجزائر، صاحب السيادة، وافق على الشروع في عملية مصالحة وطنية باعتبارها السبيل الوحيد لتضميد جراحه. وتؤكد الدولة الطرف على أن إعلان ميثاق السلم والمصالحة الوطنية يندرج في إطار الرغبة في تجنب حالات المواجهة القضائية والتشهير الإعلامي وتصفية الحسابات السياسية. لذا تعتبر الدولة الطرف أن الوقائع التي تدعيها صاحبة البلاغ مشمولة بالآلية الداخلية الجامعة للتسوية التي تنص عليها أحكام الميثاق.

4-8 وتطلب الدولة الطرف إلى اللجنة أن تلاحظ أوجه الشبه بين الوقائع والأوضاع التي وصفتها صاحبة البلاغ وتلك التي وصفها أصحاب بلاغات سابقة والتي أُعدت من أجلها المذكرة المرجعية. وتطلب أيضاً إلى اللجنة أن تخلص إلى أن صاحبة البلاغ لم تستنفد جميع سبل الانتصاف المحلية وأن تعترف بأن سلطات الدولة الطرف أنشأت آلية داخلية لمعالجة الحالات التي تتناولها البلاغات المعنية وتسويتها تسوية شاملة، وذلك حسب آلية سلم ومصالحة وطنية تتفق ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والعهدين الدوليين والاتفاقيات الدولية التالية، وأن تعلن البلاغ غير مقبول وتدعو صاحبة البلاغ إلى التماس سبل الطعن على النحو الواجب.

ملاحظات إضافية من الدولة الطرف على المقبولية

5-1 في 30 آب/أغسطس 2010، أحالت الدولة الطرف أيضاً مذكرة أخرى أضافتها إلى المذكرة الأصلية، تساءلت فيها عن الغرض من تقديم سلسلة من البلاغات الفردية ضد الدولة الطرف خلال السنوات الأخيرة، معتبرةً أن ذلك يشكل إساءة استخدام للإجراءات، ذلك أن البلاغات تتناول مسألة تاريخية شاملة لا علم للجنة بأسبابها ولا بملابساتها. وتلاحظ الدولة الطرف أن جميع هذه البلاغات "الفردية" تقتصر على السياق العام الذي حدثت فيه حالات الاختفاء وتركز حصراً على أعمال قوات الأمن دون أن تتطرق إلى أعمال مختلف الجماعات المسلحة التي تستخدم تقنيات التمويه الإجرامي من أجل تجريم القوات المسلحة.

5-2 وتصر الدولة الطرف على أنها لن تتناول الأسس الموضوعية لهذه البلاغات حتى يُبت في مسألة المقبولية، وتؤكد أن على جميع الهيئات القضائية أو شبه القضائية أن تعالج المسائل الأولية قبل النظر في الأسس الموضوعية. فهي تعتبر أن القرار المتعلق بالنظر في المقبولية والأسس الموضوعية معاً - بصرف النظر عن أن قرارها هذا لم يُتوصَّل إليه على أساس التشاور - يضر على نحو خطير بالنظر في البلاغات بصورة سليمة سواءٌ من حيث طابعها العام أو من حيث خصوصياتها. وإذ تشير إلى النظام الداخلي للجنة، تلاحظ الدولة الطرف أن الأجزاء المتعلقة بنظر اللجنة في مقبولية البلاغات هي أجزاء منفصلة عن تلك المتعلقة بنظر اللجنة في الأسس الموضوعية، وبالتالي يمكن النظر في تلك المسائل بشكل منفصل. أما عن استنفاد سبل الانتصاف المحلية، فتصر الدولة الطرف على أن صاحبة البلاغ لم تستخدم، في إطار ما رفعته من شكاوى وقدمته من طلبات للحصول على معلومات، قنوات كفيلة بأن تسمح بالنظر في القضية من قبل السلطات القضائية المحلية.

5-3 وتشير الدولة الطرف إلى اجتهاد اللجنة بشأن واجب استنفاد سبل الانتصاف المحلية، وتؤكد أن مجرد وجود شك في احتمال النجاح أو مخاوف بشأن تأخير الإجراءات لا يعفي صاحب البلاغ من واجبه استنفاد سبل الانتصاف. وفيما يتعلق بمسألة ما إذا كان صدور الميثاق قد استبعد إمكانية اللجوء إلى أي سبيل من سبل الانتصاف في هذا المجال، تقول الدولة الطرف إن عدم قيام صاحبة البلاغ باتخاذ أي خطوات لتقديم ادعاءاتها للتدقيق قد منع السلطات الجزائرية من اتخاذ موقف بشأن نطاق وحدود تطبيق الميثاق. وعلاوة على ذلك، ينص الأمر على أن الإجراءات الوحيدة غير المقبولة هي التي تقدم ضد "أفراد قوات الدفاع والأمن الجمهوريين" بسبب إجراءات اتخذوها وفقاً لواجباتهم الأساسية تجاه الجمهورية، وهي تحديداً حماية الأشخاص والممتلكات والأمة والحفاظ على مؤسساتها. ومن ناحية أخرى، فإن أي ادعاءات بشأن أفعال تعزى إلى قوات الدفاع أو الأمن يمكن إثبات أنها وقعت خارج هذا الإطار، سوف تخضع للتحقيق من قبل المحاكم المختصة.

5-4 وفي 6 تشرين الأول/أكتوبر 2010، كررت الدولة الطرف تأكيد اعتراضها على مقبولية البلاغ في نسخة جديدة من "المذكرة المرجعية للحكومة الجزائرية بشأن عدم مقبولية البلاغات المقدمة إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان فيما يتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية".

تعليقات صاحبة البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف

6-1 في 15 نيسان/أبريل 2014، قدمت صاحبة البلاغ تعليقاتها على ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية وضمنتها دفوعاً إضافية تتعلق بالأسس الموضوعية.

6-2 وتشير صاحبة البلاغ إلى أن الدولة الطرف قد قبلت اختصاص اللجنة بالنظر في البلاغات المقدمة من الأفراد. وهذا الاختصاص هو ذو طابع عام ولا تخضع ممارسته من قبل اللجنة لتقدير الدولة الطرف. وتلاحظ بوجه الخصوص أن الدولة الطرف غير مخولة الحكم على مدى استصواب اللجوء إلى اللجنة في إطار قضية بعينها. بل إن اللجنة هي التي تبت في تلك المسألة عند شروعها في دراسة البلاغ. وتذكر صاحبة البلاغ بأن إعلان الجزائر حالة الطوارئ في 9 شباط/فبراير 1992 لا ينبغي أن يؤثر في حق الأفراد في تقديم بلاغات إلى اللجنة. فالمادة 4 من العهد تنص بالفعل على أن إعلان حالة الطوارئ يتيح للدولة عدم التقيد ببعض أحكام العهد فقط ولا يؤثر من ثم في ممارسة الحقوق المترتبة على بروتوكوله الاختياري.

6-3 وإضافة إلى ذلك، تتطرق صاحبة البلاغ إلى الحجة التي أوردتها الدولة الطرف ومؤداها أن استيفاء شرط استنفاد سبل الانتصاف المحلية يقتضي منها تحريك الدعوى العمومية عن طريق رفع شكوى والادعاء بالحق المدني لدى قاضي التحقيق وفقاً للمواد 72 وما بعدها من قانون الإجراءات الجزائية. وتذكر بأن هذا الإجراء يخضع، كشرط مسبق للمقبولية، لدفع كفالة أو "مصاريف الدعوى" التي يتولى قاضي التحقيق تحديد قيمتها بطريقة اعتباطية. وتعتبر صاحبة البلاغ أن الشرط المالي هو شرط مجحف قد يثني المتقاضين عن ممارسة الإجراءات، هذا بالإضافة إلى عدم وجود أية ضمانة بأن الإجراء سيفضي حقاً إلى ملاحقة المسؤولين. وتعتبر صاحبة البلاغ أن السلطات المختصة هي التي كان يتعين عليها أن تبادر إلى إجراء التحقيقات اللازمة في وقائع خطيرة كالتي تدعيها. وتشير إلى اجتهاد اللجنة السابق في هذا الصدد ( ) .

6-4 وتذكر صاحبة البلاغ بأن الأمر رقم 06-01 يمنع إجراءات الملاحقة الفردية أو الجماعية التي تستهدف عناصر في قوات الدفاع والأمن. وتخلص صاحبة البلاغ إلى أنه لم يعد ممكناً، بعد صدور الأمر رقم 06-01، رفع شكوى مدنية أو جنائية بسبب الجرائم التي ارتكبها أفراد تابعون لقوات الأمن خلال الحرب الأهلية، وأن الهيئات القضائية الجزائرية ملزمة بأن تعلن كل الدعاوى التي ترفع في هذا الإطار غير مقبولة.

6-5 وأخيراً تلاحظ صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف لم تقدم ملاحظاتها على الأسس الموضوعية، وبالتالي يجب على اللجنة أن تبت في القضية استناداً إلى المعلومات المتاحة وتعتبر أن جميع الوقائع المزعومة ثابتة لأن الدولة الطرف لم تدحضها.

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

7-1 تذكر اللجنة بدايةً بأن قرار المقرر الخاص عدم الفصل بين المقبولية والأسس الموضوعية (انظر الفقرة 1-2) لا يمنع اللجنة من أن تنظر في كل منهما على حدة. وقبل النظر في أية شكوى ترد في بلاغ ما، يتعين على اللجنة، وفقاً للمادة 93 من نظامها الداخلي، أن تحدد ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد.

7-2 وقد تحققت اللجنة، وفق ما تقضي به الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة ذاتها ليست قيد البحث في إطار إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية.

7-3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف تعتبر أن صاحبة البلاغ وأسرتها لم تستنفدا سبل الانتصاف المتاحة محلياً، ذلك إنهما لم تعرضا القضية على قاضي التحقيق من خلال الادعاء بالحق المدني بموجب المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الجزائية. وتشير اللجنة أيضاً إلى ما ورد في ملاحظات الدولة الطرف من أن صاحبة البلاغ قدمت التماساً إلى ممثلي النيابة العامة (وكيل الجمهورية) دون أن تشرع بالفعل في الإجراءات القضائية وتستمر فيها حتى النهاية عن طريق ممارسة جميع سبل الانتصاف المتاحة. وتحيط اللجنة علماً أيضاً بدفع صاحبة البلاغ الذي مفاده أنها حاولت دون جدوى إيداع شكوى لدى قوات الدرك في القنار واتصلت بوكيل الجمهورية لدى محكمة الطاهير من أجل طلب معلومات عن مصير ابنها، لكن هذه السلطات لم تأذن قط بفتح تحقيق في الانتهاكات المزعومة. وأخيراً، تلاحظ اللجنة ما ورد في تعليقات صاحبة البلاغ من أن المادة 46 من الأمر رقم 06-01 تنص على معاقبة كل شخص يرفع شكوى بشأن الأفعال المشمولة بالمادة 45 من الأمر.

7-4 وتشير اللجنة إلى أن الدولة الطرف ليست ملزمة بإجراء تحقيقات شاملة في انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة المُبلغ عنها إلى السلطات فحسب، بل هي ملزمة أيضاً بمقاضاة كل من يشتبه في ضلوعه في تلك الانتهاكات ومحاكمته ومعاقبته ( ) . وقد لفتت أسرة السيد بوزنية انتباه السلطات المختصة مراراً وتكراراً إلى اختفاء الشخص المعني غير أن الدولة الطرف لم تأذن بفتح تحقيق شامل ودقيق في الموضوع رغم أن الأمر ينطوي على مزاعم خطيرة تتعلق بحالة اختفاء قسري. زد على ذلك أن الدولة الطرف لم تقدم أية معلومات تسمح باستنتاج وجود سبيل انتصاف فعال ومتاح في الوقت الذي يستمر فيه العمل بالأمر رقم 06-01 رغم توصيات اللجنة بجعل أحكامه متمشية مع العهد ( ) . وترى اللجنة أن الادعاء بالحق المدني بشأن جرائم خطيرة كتلك التي يزعم ارتكابها في هذه القضية لا يمكن أن يشكل بديلاً للإجراءات القضائية التي ينبغي أن يحركها وكيل الجمهورية من تلقاء ذاته ( ) . وتعتبر اللجنة أن سبل الانتصاف الوحيد ة التي يتعين على صاحبة البلاغ استنفادها لأغراض المقبولية، هي السبل التي تسمح بتصحيح الانتهاك المزعوم، أي في هذه القضية سبل الانتصاف التي تسمح بجبر الضرر الناجم عن الاختفاء القسري. وبناءً عليه، تخلص اللجنة إلى أن الفقرة 2(ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري لا تشكل عقبة أمام مقبولية البلاغ.

7-5 وتعتبر اللجنة أن صاحبة البلاغ دعمت ادعاءاتها بأدلة كافية من حيث إن هذه الادعاءات تثير مسائل في إطار المواد 2 (الفقرة 3) و6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 و23 (الفقرة 1) من العهد، وتشرع في دراسة الأسس الموضوعية للبلاغ.

النظر في الأسس الموضوعية

8-1 نظرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أتاحها لها الطرفان وفقاً للفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

8-2 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف قدمت إليها معلومات جماعية وعامة على الادعاءات الخطيرة لصاحبة البلاغ واكتفت بالتأكيد على أن البلاغات التي تدعي مسؤولية موظفين عموميين أو خاضعين في أداء عملهم للسلطات العامة عن حالات الاختفاء القسري التي حدثت في الفترة الممتدة من عام 1993 إلى عام 1998 يجب أن تعالج في السياق الأعم للوضع الاجتماعي - السياسي للبلد والظروف الأمنية التي كانت سائدة في فترة كان على الحكومة أن تكافح فيها الإرهاب. وتذكر اللجنة باجتهادها السابق الذي مفاده أنه لا يجوز للدولة الطرف أن تحتج بأحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ضد أشخاص يحتجون بأحكام العهد أو قدموا بلاغات إلى اللجنة أو يعتزمون القيام بذلك ( ) . فالعهد يقضي بأن تهتم الدولة الطرف بمصير كل فرد وتعامله بالاحترام الذي يليق بكرامته الإنسانية الأصيلة. وترى اللجنة أن الأمر رقم 06-01 يعزز الإفلات من العقاب ما لم تدخل عليه الدولة الطرف التعديلات التي أوصت بها اللجنة، وبالتالي لا يمكن بصيغته الحالية أن يعتبر متوافقاً مع أحكام العهد.

8-3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم ترد على ادعاءات صاحبة البلاغ بشأن الأسس الموضوعية وتذكر باجتهادها السابق ( ) الذي مفاده أن عبء الإثبات يجب ألا يقع على عاتق صاحب البلاغ وحده خاصة أن صاحب البلاغ لا يتساوى دوماً مع الدولة الطرف في إمكانية الحصول على عناصر الإثبات، وأن المعلومات اللازمة تكون في أغلب الأحيان بحوزة الدولة الطرف فقط. ويرد ضمنياً في الفقرة 2 من المادة 4 من البروتوكول الاختياري أن الدولة الطرف ملزمة بالتحقيق بحسن نية في جميع الادعاءات الواردة بشأن انتهاكات أحكام العهد التي ترتكبها الدولة الطرف نفسها أو يرتكبها ممثلوها، وأن تحيل إلى اللجنة المعلومات التي تكون بحوزتها ( ) . ونظراً إلى أن الدولة الطرف لم تقدم أية توضيحات في هذا الخصوص، فلا بد من إيلاء الاعتبار الواجب لادعاءات صاحبة البلاغ ما دامت مدعمة بما فيه الكفاية.

8-4 وتلاحظ اللجنة ما ورد في إفادة صاحبة البلاغ من أن ابنها الأخضر بوزنية قبض عليه أفراد من الدرك في 24 أيار/مايو 1993 واختفى مرة أولى قبل أن يختفي مرة ثانية في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1993 خلال نقله إلى سجن قسنطينة. وتلاحظ كذلك ما ورد في البلاغ من أنه على افتراض أن السيد الأخضر بوزنية وقع ضحية إعدام خارج نطاق القضاء على يد قوات الأمن خلال نقله إلى سجن قسنطينة، فإن صاحبة البلاغ لم تحصل على تأكيد من جانب السلطات ولا على أية معلومات حول ملابسات وفاته ومكان دفنه. وعلى أي حال، إن الأمر يتعلق باختفاء قسري حتى إن لم يكن الأخضر بوزنية قد أُعدم خلال عملية النقل. وتذكّر اللجنة بأن سلب الحرية ثم عدم الاعتراف بذلك أو عدم الكشف عن مصير الشخص المختفي يؤدي، في حالات الاختفاء القسري، إلى حرمان هذا الشخص من حماية القانون ويُعرّض حياته لخطر جسيم ودائم تُعتبر الدولة مسؤولة عنه. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أية معلومات تسمح بالتعرف على مصير الأخضر بوزنية وتبرهن على أن الدولة الطرف أوفت بالتزامها بحماية حياة المختفي. وبناءً عليه تخلص إلى أن الدولة الطرف لم تف بواجبها المتمثل في حماية حياة الأخضر بوزنية، وهو ما يشكل انتهاكاً للمادة 6 (الفقرة 1) من العهد ( ) .

8-5 وتلاحظ اللجنة، بالاستناد إلى إفادة صاحبة البلاغ، أن ابن هذه الأخيرة كان يحمل خلال مثوله أمام قاضي التحقيق لدى محكمة الميلية في منتصف شهر حزيران/يونيه 1993 علامات واضحة على ما تعرّض له من تعذيب خلال احتجازه في الحبس الانفرادي لمدة شهر. وفي غياب معلومات مقدّمة من الدولة الطرف لدحض ما أكدته صاحبة البلاغ، تعتبر اللجنة أن المعاملة التي خضع لها الأخضر بوزنية على يد قوات الأمن التابعة للدولة الطرف خلال إيداعه للمرة الأولى في الحبس الانفرادي تشكل انتهاكاً للمادة 7 من العهد. ثم إن اللجنة تُقر بدرجة المعاناة التي ينطوي عليها التعرّض للاحتجاز لمدة غير محددة ودون اتصال بالعالم الخارجي. وتذكّر بتعليقها العام رقم 20(1992) بشأن منع التعذيب والعقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والذي أوصت فيه اللجنة الدول الأطراف باتخاذ تدابير من أجل منع الحبس الانفرادي. وفي هذه القضية، تلاحظ اللجنة أن الأخضر بوزنية اختفى مرة ثانية منذ 27 تشرين الأول/أكتوبر 1993. وفي غياب توضيحات كافية بهذا الخصوص من جانب الدولة الطرف، تعتبر اللجنة أن هذه الواقع تشكل أيضاً انتهاكاً للمادة 7 من العهد بحق الأخضر بوزنية ( ) .

8-6 وتحيط اللجنة علماً بما عانته صاحبة البلاغ وأسرتها من قلق وضيق جراء اختفاء الأخضر بوزنية والشكوك حول مصيره. وتعتبر بالتالي أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن وقوع انتهاك للمادة 7 من العهد بحق صاحبة البلاغ وأسرتها ( ) .

8-7 وفيما يتعلق بادعاء انتهاك المادة 9، تحيط اللجنة علماً بمزاعم صاحبة البلاغ التي مفادها أن الأخضر بوزنية قُبض عليه في 24 أيار/مايو 1993 على يد أفراد من الدرك دون مذكرة توقيف، وأن توقيفه مرتبط فيما يبدو بدوافع سياسية بسبب انتمائه إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ. وحسب إفادة صاحبة البلاغ، لم يُبلغ بالتُهم الموجهة إليه إلا بمناسبة مثوله أمام قاضي التحقيق لدى محكمة الميلية بعد شهر من الاحتجاز في الحبس الاحتياطي. ولم يتمكن خلال فترة إيداعه في الحبس الانفرادي من الاعتراض على مشروعية الاحتجاز. وإذا كان السيد الأخضر بوزنية لا يزال على قيد الحياة، فذلك يعني أن انتهاك المادة 9 من العهد مستمر منذ أن قررت محكمة قسنطينة إنهاء إجراءات الملاحقة ضده في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1993. وفي غياب أية توضيحات كافية من جانب الدولة الطرف بشأن الضمانات القضائية الممكنة التي مُنحت إلى الأخضر بوزنية في إطار الإجراء القضائي الذي اتُخذ ضده ثم في مراحل تالية، تخلص اللجنة إلى وقوع انتهاك للمادة 9 بحق السيد الأخضر بوزنية ( ) .

8-8 وفيما يتعلق بالشكوى المقدمة بموجب المادة 10 (الفقرة 1)، تؤكد اللجنة من جديد أن الأشخاص الذين تُسلب حريتهم يجب ألا يتعرّضوا لأي شكل من أشكال الحرمان أو الإكراه عدا ما هو ملازم لسلب الحرية، وأنه يجب معاملتهم بإنسانية واحترام كرامتهم ( ) . وبالنظر إلى أن الأخضر بوزنية أودع في الحبس الانفرادي خلال الشهر الذي تلا توقيفه في 24 أيار/مايو 1993، وإلى المعاملة التي تعرّض لها خلال تلك الفترة. وفي غياب أية معلومات من جانب الدولة الطرف بشأن ما تعرّض له ابن صاحبة البلاغ خلال نقله من سجن جيجل في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1993، تخلص اللجنة إلى أن المادة 10 (الفقرة 1) من العهد قد انتُهكت.

8-9 أما عن مزاعم انتهاك المادة 16، فإن اللجنة تذكّر باجتهادها الثابت ومؤداه أن حرمان شخص ما عمداً من حماية القانون لفترة مطوّلة يمكن أن يشكّل إنكاراً لشخصيته القانونية إذا كان هذا الشخص في عُهدة سلطات الدولة عند ظهوره للمرة الأخيرة وإذا كانت جهود أقاربه الرامية إلى ممارسة سبل انتصاف فعالة، بما في ذلك السبل القضائية، تعترضها معوقات بشكل منتظم ( ) . وفي القضية قيد البحث، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي توضيح بشأن مصير الأخضر بوزنية، على الرغم من الطلبات المتكررة التي قدمتها صاحبة البلاغ إلى الدولة الطرف من أجل التعرّف على مصير ابنها. لذا تخلص اللجنة إلى أن اختفاء الأخضر بوزنية قسراً منذ ما يزيد على 20 عاماً قد حرمه من حماية القانون ومن حقه في أن يُعترف له بالشخصية القانونية، ما يشكّل انتهاكاً للمادة 16 من العهد.

8-10 وفي ضوء ما تقدم، لن تنظر اللجنة في المزاعم المتعلقة بانتهاك المادة 23 (الفقرة 1) من العهد بطريقة منفصلة.

8-11 وتستشهد صاحبة البلاغ بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد التي تلزم الدول الأطراف بأن تكفل سبيل انتصاف فعالاً لجميع الأشخاص الذين انتهكت حقوقهم المكفولة بموجب العهد. وتعلق اللجنة أهمية على قيام الدول الأطراف بإنشاء آليات قضائية وإدارية مناسبة لمعالجة الشكاوى المتصلة بانتهاكات الحقوق. وتذكر بتعليقها العام رقم 31(2004) بشأن طبيعة الالتزام القانوني العام المفروض على الدول الأطراف في العهد الذي يشير على وجه الخصوص إلى أن تقاعس دولة طرف عن التحقيق في انتهاكات مزعومة قد يفضي، في حد ذاته، إلى انتهاك واضح للعهد. وفي هذه الحالة وعلى الرغم من أن السيد الأخضر بوزنية كان يحمل علامات واضحة على سوء معاملته خلال مثوله أمام قاضي التحقيق بمحكمة الميلية، فإن الجهات المختصة لم تأذن بإجراء أي تحقيق في الموضوع. زد على ذلك أن أسرته كانت قد وجهت انتباه السلطات المختصة، وتحديداً وكيل الجمهورية لدى كل من محكمة الطاهير ومحكمة الميلية، إلى اختفائه خلال نقله إلى سجن قسنطينة، لكن الدولة الطرف لم تبادر إلى فتح أي تحقيق متعمق ودقيق في اختفاء ابن صاحبة البلاغ. ثم إن استحالة اللجوء إلى هيئة قضائية بعد صدور الأمر رقم 06-01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، لا تزال تحرم الأخضر بوزنية وصاحبة البلاغ وأسرتها من إمكانية ممارسة سبيل انتصاف فعال، ذلك أن الأمر المذكور يمنع من اللجوء إلى العدالة لكشف ملابسات أكثر الجرائم خطورة، مثل حالات الاختفاء القسري ( ) . وتخلص اللجنة إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن حدوث انتهاك المادة 2 (الفقرة 3) من العهد، مقروءة بالاقتران مع المواد 6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 بحق الأخضر بوزنية، فضلاً عن انتهاك المادة 2 (الفقرة 3) من العهد مقروءة بالاقتران مع المادة 7 بحق صاحبة البلاغ وأسرتها.

9- واللجنة المعنية بحقوق الإنسان، إذ تتصرف وفقاً للفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ترى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاك الدولة الطرف للمواد 6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 من العهد، وكذلك المادة 2 (الفقرة 3)، مقروءة بالاقتران مع المواد 6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 بحق الأخضر بوزنية. وتلاحظ اللجنة كذلك وجود انتهاك للمادة 7 والمادة 2 (الفقرة 3) مقروءة بالاقتران مع المادة 7 من العهد بحق صاحبة البلاغ وأسرتها.

10- ووفقاً لأحكام الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، فإن الدولة الطرف ملزمة بأن تتيح لصاحبة البلاغ وأسرتها سبيل انتصاف فعالاً يشمل على وجه الخصوص ما يلي: (أ) إجراء تحقيق شامل ودقيق في اختفاء الأخضر بوزنية؛ (ب) تزويد صاحبة البلاغ وأسرتها بمعلومات م فصلة عن نتائج هذا التحقيق؛ (ج) الإفراج فوراً عن الأخضر بوزنية إذا كان لا يزال في الحبس الانفرادي؛ (د) إعادة جثة الأخضر بوزنية إلى أسرته إذا كان قد توفي؛ ( ) ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات المرتبكة ومحاكمتهم ومعاقبتهم؛ (و) تقديم تعويض مناسب إلى صاحبة البلاغ عن الانتهاكات التي تعرضت لها وكذلك إلى الأخضر بوزنية إن كان لا يزال على قيد الحياة. وبصرف النظر عن الأمر رقم 06-01، يتعين على الدولة الطرف أيضاً أن تحرص على عدم إعاقة ممارسة الحق في سبيل انتصاف فعال بالنسبة إلى ضحايا الجرائم من قبيل التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري. والدولة الطرف ملزمة أيضاً باتخاذ ما يلزم من تدابير لمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل.

11- واللجنة، إذ تضع في اعتبارها أن الدولة الطرف، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، قد اعترفت باختصاص اللجنة بتحديد ما إذا كان قد حدث انتهاك للعهد أم لا، وتعهدت عملاً بالمادة 2 من العهد بأن تكفل تمتع جميع الأفراد الموجودين في إقليم ها والخاضعين لولايتها بالحقوق المعترف بها في العهد وبأن تتيح سبيل انتصاف فعالاً وقابلاً للإنفاذ متى ثبت حدوث انتهاك، تود أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون 180 يوماً، معلومات عن التدابير التي تتخذها لوضع آراء اللجنة موضع التنفيذ. وبالإضافة إلى ذلك، تطلب اللجنة إلى الدولة الطرف نشر هذه الآراء على نطاق واسع بلغاتها الرسمية.