اللجنة المعنية بحقوق الإنسان
البلاغ رقم 1882/2009
آراء اعتمدتها اللجن ة في دورتها 111 (7 إلى 25 تموز/ يوليه 2014)
المقدم من : الجيلاني محمد محمد الداقل (تمثله منظمة الكرامة لحقوق الإنسان)
الأشخاص المدّعى أنهم ضحايا : عبد الحميد الجيلاني محمد الداقل (ابن صاحب البلاغ)؛ ربيعة محمد فرج (والدة الضحية)؛ حمزة جيلاني محمد الداقل (شقيق الضحية)؛ عبد المطلب جيلاني محمد الداقل (شقيق الضحية)؛ صغيرة جيلاني محمد الداقل (شقيقة الضحية)؛ أسامة جيلاني محمد الداقل (شقيق الضحية)؛ خولة جيلاني محمد الداقل (شقيقة الضحية)؛ ومحمد جيلاني محمد الداقل (شقيق الضحية)؛ صاحب البلاغ أصالةً عن نفسه (بوصفه والد الضحية).
الدولة الطرف : ليبيا
تاريخ تقديم البلاغ : 5 أيار/مايو 2009 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)
الوثائق المرجعية : قرار المقرر الخاص المتخذ بموجب المادة 97 من النظام الداخلي، الذي أحيل إلى الدولة الطرف في 25 حزيران/يونيه 2009 (لم يصدر في شكل وثيقة)
تاريخ اعتماد الآراء : 21 تموز/يوليه 2014
الموضوع : اختفاء قسري؛ وفاة خلال الاحتجاز في حبس انفرادي
المسائل الموضوعية : الحق في الحياة؛ منع التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية؛ حق الفرد في الحرية وفي أمنه الشخصي؛ حق جميع الأشخاص مسلوبي الحرية في أن يعاملوا معاملة إنسانية تحفظ لهم كرامتهم المتأصلة؛ الاعتراف بالشخصية القانونية؛ الحق في سبيل انتصاف فعال
المسائل الإجرائية : عدم تعاون الدولة الطرف؛ بحث نفس القضية في إطار إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية
مواد العهد : المواد 2 (الفقرة 3)، و6 (الفقرة 1)؛ و7، و9 (الفقرات من 1 إلى 4)، و10 (الفقرة 1)، و16.
مواد البروتوكو ل الاختياري : المادة 5 (الفقرة 2(أ))
المرفق
آراء اعتمدتها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (الدورة 111)
بشأن
البلاغ رقم 1882/2009 *
المقدم من : الجيلاني محمد محمد الداقل (تمثله منظمة الكرامة لحقوق الإنسان)
الأشخاص المدّعى أنهم ضحايا : عبد الحميد الجيلاني محمد الداقل (ابن صاحب البلاغ)؛ ربيعة محمد فرج (والدة الضحية)؛ حمزة جيلاني محمد الداقل (شقيق الضحية)؛ عبد المطلب جيلاني محمد الداقل (شقيق الضحية)؛ صغيرة جيلاني محمد الداقل (شقيقة الضحية)؛ أسامة جيلاني محمد الداقل (شقيق الضحية)؛ خولة جيلاني محمد الداقل (شقيقة الضحية)؛ ومحمد جيلاني محمد الداقل (شقيق الضحية)؛ صاحب البلاغ أصالةً عن نفسه (بوصفه والد الضحية).
الدولة الطرف : ليبيا
تاريخ تقديم البلاغ : 5 أيار/مايو 2009 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)
إن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ، المنشأة بموجب المادة 28 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،
وقد اجتمعت في 21 تموز/يوليه 2014،
وقد فرغت من النظر في البلاغ رقم 1882/2009، الذي قدمه الجيلاني محمد محمد الداقل بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،
وقد وضعت في اعتبارها جميع المعلومات المكتوبة التي أتاحها لها صاحب البلاغ والدولة الطرف،
تعتمد ما يلي:
الآراء بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري
1- صاحب البلاغ، المؤرخ 5 أيار/مايو 2009، هو الجيلاني محمد محمد الداقل، المولود في بني وليد (ليبيا) في عام 1940. وهو يدعي أن ابنه، عبد الحميد الجيلاني محمد الداقل (فيما بعد "عبد الحميد الداقل") المولود في 22 آذار/مارس 1963 وقع ضحية انتهاك ليبيا للفقرة 3 من المادة 2 والفقرة 1 من المادة 6 والمادة 7 والفقرات من 1 إلى 4 من المادة 9 والفقرة 1 من المادة 10 والمادة 16 من العهد. ويدعي أيضاً أن زوجته ربيعة محمد فرج، المولودة في عام 1947، وأولاده الستة الآخرين ( ) ، وهو نفسه، وقعوا ضحايا لانتهاك الفقرة 3 من المادة 2 والمادة 7 من العهد.
الوقائع كما عرضها صاحب البلاغ
2-1 عبد الحميد الداقل طيّار سابق في القوات الجوية الليبية، ولد في 22 آذار/مارس 1963 في بني وليد. وأوقف المذكور في 26 كانون الثاني/يناير 1989 في فم ملغة قرب ترهونة على يد عناصر من الأمن الداخلي الليبي. وكان عبد الحميد الداقل عند توقيفه يستقل سيارة مع ثلاثة أشخاص آخرين، هم سائق السيارة ومدرّس من بني وليد ومقدّم طيّار من نفس وحدة القوات الجوية التي ينتمي إليها. وأوقف هؤلاء الأشخاص الثلاثة بالتزامن مع توقيف الضحية. واحتُجز الشخصان الأولان في الحبس الانفراديً لمدة 15 يوماً في مركز الأمن الداخلي في طرابلس، ثم أُطلق سراحهما. أما الشخص الثالث فاحتُجز في الحبس الانفرادي لعدة سنوات قبل أن يُطلق سراحه من سجن أبو سليم قرب طرابلس في آذار/مارس 1995.
2-2 وعلى الرغم من الخطوات العديدة التي قام به صاحب البلاغ لدى سلطات السجون والسلطات السياسية والقضائية المختلفة، لم تعترف هذه الجهات يوماً باحتجاز ابنه. وكان صاحب البلاغ قد توجّه مباشرة عقب توقيف عبد الحميد الداقل إلى الثكنة العسكرية التي كان ابنه ملتحقاً بها، سعياً للحصول على معلومات من زملائه. ولم يقبل أي منهم إعطاءه أية معلومات أو إرشادات، فاستنتج صاحب البلاغ أن دوافع توقيف ابنه مرتبطة باعتبارات سياسية ( ) .
2-3 وعلمت أسرة الضحية التي لم تتلقَ أية معلومات عن ابنها منذ توقيفه قبل ست سنوات، لأول مرة في عام 1995، وبعد إطلاق سراح الطيّار الذي أوقف مع عبد الحميد الداقل، بأن ابنها لا يزال على قيد الحياة وأنه محتجز سراً في سجن أبو سليم. وعلمت الأسرة أيضاً أن الضحية لم يخضع لأي إجراء قضائي؛ واستقى صاحب البلاغ بعدئذ بعض المعلومات غير المباشرة التي أكّدت أن ابنه موجود في سجن أبو سليم لكن من دون أن يتلقى يوماً تأكيداً رسمياً أو يحصل على إذن بزيارته.
2-4 وفي 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2008، أي بعد ما يناهز عشرين سنة على توقيفه، تلقت أسرة عبد الحميد الداقل زيارة من قبل عناصر من الأمن الداخلي في بني وليد، أبلغوها خلالها بوفاة الضحية. ورفض عناصر الأمن الداخلي إعطاء الأسرة أية تفاصيل عن تاريخ الوفاة وملابساتها. واكتفوا بالطلب إلى العائلة "أن تعلن الوفاة" وأضافوا أنهم سيسلمونها قريباً وثيقة وفاة رسمية.
2-5 وبعد بضعة أيام عاد عناصر الأمن الداخلي إلى منزل الأسرة وسلموها إفادة مؤرخة 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2008 تفيد بأن عبد الحميد الداقل توفي في طرابلس في 23 حزيران/يونيه 1996، وأن الوفاة قُيّدت في سجلات الحالة المدنية لعام 2008 تحت رقم 200/2008 ( ) . ورفض عناصر الأمن الداخلي مجدداً إعطاء صاحب البلاغ تفاصيل عن ملابسات وفاة ابنه، وحتى إعلامه بالمكان الذي دُفن فيه. ولهذا السبب رفض صاحب البلاغ إعلان وفاة ابنه إلى أن تسلّم السلطات رفاته للأسرة وتبلغها بالأسباب الدقيقة للوفاة بعد إجراء فحوص الطب الشرعي.
2-6 ويشير صاحب البلاغ إلى أن تاريخ الوفاة المزعوم، أي 23 حزيران/يونيه 1996، يصادف يوم مجزرة أبو سليم، وهي أكبر مجزرة عرفها التاريخ الحديث بحق السجناء، قُتل فيها ما لا يقل عن ألف سجين داخل السجن على يد قوات الأمن الليبية. وعقب هذه الأحداث، لم تنشر السلطات يوماً قائمة بأسماء الضحايا وتركت عائلاتهم فريسة الخوف وعدم اليقين بشأن مصير أقربائها.
2-7 ويؤكد صاحب البلاغ أنه اتخذ كل الإجراءات الممكنة لدى السلطات المختصة لمعرفة مصير ابنه. فبعد أن أطلق سراح الشخصين اللذين أوقفا وقت توقيف عبد الحميد الداقل، بعد مضي 15 يوماً على توقيفهما، استنتج صاحب البلاغ أنه قد يكون محتجزاً في مركز الأمن الداخلي، وتوجه إلى طرابلس سعياً إلى الحصول على معلومات من هذا الجهاز، لكن دون جدوى، إذ لم تعترف دوائر الأمن باحتجاز الضحية. وتوجّه صاحب البلاغ حينئذٍ عدة مرات إلى اللجان الشعبية المحلية لطلب تدخلها لدى السلطات العليا، لكن دون جدوى. وعندما علم صاحب البلاغ بأن عبد الحميد الداقل لا يزال حياً وأنه محتجز في سجن أبو سليم (انظر الفقرة 2-3)، توجّه إلى السجن المذكور لمحاولة زيارة ابنه، لكن السلطات طردته نافيةً أن يكون ابنه محتجزاً في تلك المؤسسة.
2-8 وسعى صاحب البلاغ أيضاً إلى الاستعانة بمحامٍ لرفع شكوى قضائية بداعي اختفاء ابنه، لكن أياً من المحامين الذين لجأ إليهم لم يقبل برفع دعوى ضد الدولة. وظلّ صاحب البلاغ لسنوات عديدة يواصل مساعيه بلا كلل، من دون أن تلقى هذه المساعي أي صدىً.
2-9 ويضيف صاحب البلاغ أنه استحال عليه من الناحية المادية رفع أي دعوى قضائية أمام محكمة وطنية سعياً إلى فتح تحقيق في اختفاء ابنه، نظراً إلى رفض جميع المحامين الذين التمس مساعدتهم تمثيله في قضية مصيرها، بحسب رأيه، الفشل أياً كانت الظروف. وبناءً على ذلك، يعتبر صاحب البلاغ أن سبل الانتصاف في الدولة الطرف غير متاحة وغير فعالة، وأنه ينبغي بالتالي عدم إرغامه على مواصلة خطواته واتباع الإجراءات الداخلية كي يُصبح بلاغه مقبولاً أمام اللجنة.
2-10 وقد عرض صاحب البلاغ قضية ابنه على الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، وعلى المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفاً، والمقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب. لكن الحكومة الليبية لم تقدّم يوماً معلومات من شأنها الكشف عن مصير الضحية.
الشكوى
3-1 يؤكد صاحب البلاغ أن عبد الحميد الداقل تعرّض للاختفاء القسري على أثر اعتقاله يوم 26 كانون الثاني/يناير 1989، من قبل عناصر من الأمن الداخلي الليبي، وتلا اعتقاله رفض الاعتراف بسلبه حريته والتكتم على المصير الذي لاقاه. وباعتباره ضحية للاختفاء القسري، منع عبد الحميد الداقل بحكم الأمر الواقع من ممارسة حقه في الطعن في شرعية احتجازه، وذلك في انتهاك للفقرة 3 من المادة 2 من العهد. وقد سعى أقاربه بكل الوسائل المتاحة إلى معرفة حقيقة مصيره، ولكن الدولة الطرف لم ترد على أي مسعى، رغم أنها ملزمة بكفالة سبيل فعال للانتصاف، ويتوجّب عليها القيام بتحقيق معمّق وسريع.
3-2 ويضيف صاحب البلاغ أن احتجاز عبد الحميد الداقل في الحبس الانفرادي يُشكّل تهديداً جسيماً لحقه في الحياة، وينتهك بالتالي الفقرة 1 من المادة 6 إذ تكون الدولة الطرف قد أخلّت بواجبها المتمثل في حماية الحق الأساسي في الحياة ( ) . ويتجلى هذا الأمر بوضوح في تقاعس الدولة الطرف عن التحقيق فيما حدث لعبد الحميد الداقل. ويضيف صاحب البلاغ أن إبلاغ السلطات في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2008 العائلة بوفاة عبد الحميد الداقل، هو بمثابة إقرار صريح بأن الضحية كان مختفياً بفعل إجراءات من قبل موظفي الدولة، ويثبت أن سلطات الدولة الطرف لم تحمِ حقه في الحياة. ويشكل إعلان وفاته في ظروف لم تُحدد، تواصل الدولة الطرف التكتم عنها، انتهاكاً من قبلها للفقرة 1 من المادة 6 من العهد بحق عبد الحميد الداقل.
3-3 ويشير صاحب البلاغ إلى أن تعرّض عبد الحميد الداقل للاختفاء القسري يشكل في حد ذاته معاملة لا إنسانية أو مهينة ( ) . ويعبّر صاحب البلاغ بالإضافة إلى ذلك عن شكّه حيال التاريخ الفعلي لوفاة ابنه التي قُيّدت في سجلات الأحوال المدنية في طرابلس في عام 2008، في حين تشير شهادة الوفاة إلى أن الوفاة وقعت في 23 حزيران/يونيه 1996. ويخشى صاحب البلاغ أن يكون عبد الحميد الداقل قد توفي في تاريخ لاحق للتاريخ المدوّن على وثيقة الوفاة، وأن تكون السلطات تستغل حجة أحداث سجن أبو سليم (انظر الفقرة 2-6) لتوحي بوفاة ابنه خلال تلك الأحداث، في حين يُرجّح أن يكون ابنه توفي نتيجة أعمال التعذيب و/أو سوء المعاملة خلال إيداعه في الحبس الانفرادي. ويزيد رفض السلطات الاستجابة لطلبه إجراء تحقيق في الوفاة من قناعته هذه. ويخلص صاحب البلاغ إلى أنه من المرجح أن يكون الضحية قد تعرّض للتعذيب البدني فور توقيفه، نظراً إلى أن هذه الممارسة شائعة جداً في الدولة الطرف.
3-4 ويشكّل اختفاء الضحية في نظر أسرته محنة قاسمة ومسببة للألم والكرب، حيث ظلّ أقرباؤه يجهلون مصيره لمدة 19 عاماً، ولا يزالون حتى اليوم يجهلون ملابسات وفاته ( ) . ويدعي صاحب البلاغ، بالتالي، أن المعاملة التي عومل بها عبد الحميد الداقل تشكل انتهاكاً بحقه وحق جميع أفراد أسرته للمادة 7.
3-5 وفيما يتعلق بالمادة 9 من العهد، يذكّر صاحب البلاغ في المقام الأول بأن عبد الحميد الداقل اعتُقل على يد أجهزة الأمن الداخلي دون أمر قضائي ودون أن يُطلَع على أسباب اعتقاله، وفي ذلك انتهاك للفقرة 1 من المادة 9 من العهد. ثم احتُجز تعسفاً في الحبس الانفرادي منذ اعتقاله وحتى يوم وفاته ( ) . ولم يُبلّغ ابن صاحب البلاغ يوماً بأسباب توقيفه ولم توجّه له أي تُهمة جنائية، في انتهاك للفقرة 2 من المادة 9 . ولم يمثل عبد الحميد الداقل يوماً أمام قاضٍ أو أي سلطة أخرى مخّولة قانوناً الاضطلاع بمهام قضائية، وذلك في انتهاك للفقرة 3 من المادة 9. ويّذكّر صاحب البلاغ بأن اجتهادات اللجنة تفيد بأن الاحتجاز السري يمكن أن يتسبب بحد ذاته في انتهاك للمادة 9 ( ) . ومن جهة أخرى، لم يكن باستطاعة عبد الحميد الداقل بصفته ضحية اختفاء قسري أن يطعن في شرعية احتجازه ولا أن يطلب إلى قاضٍ الإفراج عنه. وبناءً على ذلك، يدفع صاحب البلاغ بأن الفقرة 4 من الماد 9 قد انتهكت بحق عبد الحميد الداقل.
3-6 وبالإشارة إلى المادة 10 من العهد، يفيد صاحب البلاغ بأنه بثبوت انتهاك حقوق الضحية بموجب المادة 7، بات من المستحيل القول إنه حظي بمعاملة إنسانية تحترم الكرامة البشرية الأصيلة. وبناء عليه، يعتبر صاحب البلاغ أن الدولة الطرف انتهكت أيضاً أحكام الفقرة 1 من المادة 10 من العهد بحق عبد الحميد الداقل.
3-7 ويعتبر صاحب البلاغ أن عبد الحميد الداقل جُرّد من صفة الشخص ( ) باعتباره ضحية احتجاز غير معترف به وباعتبار أنه حُرم من حماية القانون، وحُرم بالتالي من قدرته على ممارسة حقوقه المكفولة في العهد في انتهاك للمادة 16 من العهد.
عدم تعاون الدولة الطرف
4- دُعيت الدولة الطرف في 25 حزيران/يونيه 2009 و6 أيار/مايو 2010 و24 كانون الثاني/يناير 2011 و7 آذار/مارس 2011، إلى تقديم ملاحظاتها على مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية. وتشير اللجنة إلى أنها لم تتلق المعلومات المطلوبة. وهي تأسف لأن الدولة الطرف لم تقدم أي معلومات بشأن مقبولية أسباب الشكوى التي قدمها صاحب البلاغ أو أسسها الموضوعية. وتذكِّر اللجنة بأنه يتعين على الدولة الطرف، بموجب الفقرة 2 من المادة 4 من البروتوكول الاختياري، أن تقدِّم كتابةً إلى اللجنة شروحاً أو إفادات توضح المسألة وتبيِّن التدابير التي يمكن أن تكون قد اتخذتها لتدارك الوضع. وفي غياب أي رد من الدولة الطرف، فإنه يجب على اللجنة أن تولي الاعتبار الواجب لادعاءات صاحب البلاغ المدعومة بالأدلة الكافية ( ) .
المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة
النظر في المقبولية
5-1 قبل النظر في أي شكوى ترِد في بلاغ ما، يجب على اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، وفقاً للمادة 93 من نظامها الداخلي، أن تبت فيما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد.
5-2 وعملاً بالفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، فقد تحققت اللجنة من أن المسألة نفسها لم تُبحث ولا يجري بحثها في إطار أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية. وتلاحظ اللجنة أن قضية عبد الحميد الداقل قد عُرضت على الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي والمقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفاً والمقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب. ومع ذلك، تذكّر اللجنة بأن الإجراءات أو الآليات الخارجة عن نطاق المعاهدات، التي أنشأتها لجنة حقوق الإنسان أو مجلس حقوق الإنسان، والتي تتمثل ولايتها في دراسة حالة حقوق الإنسان في بلد أو إقليم ما وتقديم تقارير عن ذلك أو عن الانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان في شتى أنحاء العالم، لا تندرج عموماً ضمن إجراءات التحقيق أو التسوية الدولية بالمعنى الوارد في الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري ( ) . وبناءً عليه، ليس هناك ما يمنع اللجنة من النظر في البلاغ بمقتضى ذلك الحكم.
5-3 وفيما يتعلق باستنفاد سبل الانتصاف المحلية، تعرب اللجنة من جديد عن قلقها لأنه بالرغم من توجيه ثلاث رسائل تذكير إلى الدولة الطرف، لم ترد منها أية معلومات أو ملاحظات بشأن مقبولية البلاغ أو أسسه الموضوعية. وترى اللجنة أنه لا مانع يحول بينها وبين النظر في البلاغ بمقتضى الفقرة 2(ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.
5-4 وترى اللجنة أن الادعاءات التي قدمها صاحب البلاغ جاءت مدعومة بما يكفي من الأدلة لأغراض المقبولية، ومن ثم فهي تشرع في دراسة الأسس الموضوعية فيما يخص الادعاءات المقدمة باسم عبد الحميد الداقل في إطار المواد 2 (الفقرة 3)، و6 (الفقرة 1)، و7، و9 (الفقرات من 1 إلى 4)، و10 (الفقرة 1)، و16 من العهد، وبالأصالة عن نفسه، وزوجته ربيعة محمد فرج (والدة الضحية) وأولادهما الستة ( ) بموجب المادتين 7 و2 (الفقرة 3) من العهد.
النظر في الأسس الموضوع ية
6-1 نظرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أُتيحت لها، بموجب الفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري. وإذ لم تردّ الدولة الطرف على ادعاءات صاحب البلاغ ، يجب إيلاء ادعاءاته الاعتبار الواجب نظراً إلى أنها مدعومة بأدلة كافية.
6- 2 وتحيط اللجنة علماً بادعاء صاحب البلاغ، الذي لم تنفيه الدولة الطرف، أن عبد الحميد الداقل أوقف في 26 كانون الثاني/يناير 1989 في فم ملغاة من قبل عناصر من جهاز الأمن الداخلي، واقتيد إلى وجهة مجهولة بحضور ثلاثة أشخاص آخرين أوقفوا في نفس الوقت. وعلى الرغم من أن الأسرة علمت في عام 1995 ، من مصدر غير رسمي، أن عبد الحميد الداقل لا يزال على قيد الحياة وأنه محتجز في سجن أبو سليم، فلم تخبرها سلطات الدولة الطرف إلا في تشرين الثاني/نوفمبر 2008، أي بعد ما يناهز عشرين عاماً على اختفائه، بوفاة عبد الحميد الداقل التي يُزعم أنها وقعت في 23 حزيران/يونيه 1996 في طرابلس.
6-3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تعطِ أي ردّ على ادعاءات صاحب البلاغ بشأن اختفاء ابنه القسري، وتذكّر بأن اجتهاداتها تشير إلى أن عبء الإثبات لا يجب أن يُلقى على عاتق صاحب البلاغ وحده، خاصة وأن صاحب البلاغ والدولة الطرف لا يتمتعان بنفس الفرص في الحصول على عناصر الإثبات وأن الدولة الطرف وحدها في كثير من الأحيان تملك المعلومات الضرورية، كتلك المتعلقة مثلاً باحتجاز عبد الحميد الداقل وملابسات وفاته ( ) .
6-4 وتشير اللجنة أيضاً إلى أنه في حالات الاختفاء القسري، يؤدي سلب الحرية، المتبوع برفض الاعتراف بهذا السلب أو بعدم الكشف عن مصير الشخص المفقود، إلى حرمان هذا الشخص من الحماية التي يوفرها له القانون ويُعرض حياته لخطر كبير ودائم تكون الدولة هي الجهة التي تُساءل عنه ( ) . بالإضافة إلى ذلك، ونظراً إلى وفاة عبد الحميد الداقل خلال احتجازه السري المطوّل، بينما كان طوال الوقت في قبضة سلطات الدولة الطرف، وفي ظروف لا تزال بحاجة لتوضيح، فلا يسع اللجنة إلا أن تخلص إلى أن الدولة الطرف انتهكت حق عبد الحميد الداقل في الحياة، في انتهاك للفقرة 1 من المادة 6 من العهد.
6-5 وفيما يخص المادة 7، تُقر اللجنة بشدة المعاناة التي ينطوي عليها الحرمان لمدة غير محددة من الاتصال بالعالم الخارجي. وهي تذكّر بتعليقها العام رقم 20(1992) بشأن منع التعذيب وغيره من ضروب العقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، الذي توصي فيه اللجنة الدول الأطراف بسن أحكام تمنع الحبس الانفرادي. وهي تذكّر في هذه الحالة، بأن عناصر من أمن الدولة أوقفوا عبد الحميد الداقل في 26 كانون الثاني/يناير 1989 واقتادوه إلى مكان سري، وبعد ذلك حُرم من أي اتصال بأسرته. ورغم العديد من المحاولات، لم تتمكن أسرته من الحصول على أية معلومات بشأن مكان وجوده، وأنها أُبلغت بوفاته بعد ما يناهز عشرين عاماً على توقيفه، من دون أن تسلمها السلطات رفات عبد الحميد الداقل ومن دون موافاتها بأية معلومات عن ملابسات وفاته ولا عن المكان الذي دُفن فيه. وفي ظل غياب أي تفسير كافٍ من قبل الدولة الطرف، تعتبر اللجنة أن هذه الأخيرة انتهكت المادة 7 من العهد بحق عبد الحميد الداقل ( ) .
6-6 واستناداً إلى هذا الاستنتاج، لا ترى اللجنة ضرورة للنظر في ادعاءات صاحب البلاغ بموجب المادة 10 من العهد.
6-7 وتحيط اللجنة علماً بالكرب والألم اللذين عاناهما صاحب البلاغ وأسرته نتيجة اختفاء عبد الحميد الداقل، ثم تأكيد وفاته الذي لم يحصلوا عليه إلاّ بعد مضي قرابة عشرين عاماً على اختفائه، من دون أن تسلمهم السلطات رفات عبد الحميد الداقل ومن دون موافاتهم بأية معلومات عن ملابسات وفاته، في حين كان طوال الوقت في قبضة سلطات الدولة الطرف دون تواصل مع العالم الخارجي. وبدل أن تُخبر سلطات الدولة الطرف صاحب البلاغ وأسرته على الفور بوفاة عبد الحميد الداقل الذي يُزعم أنها وقعت في 23 حزيران/يونيه 1996، وتفتح تحقيقاً معمقاً بهدف ملاحقة المسؤولين عن وفاته، تركت أسرته من دون علم بما حلّ به لاثني عشر عاماً إضافياً، في حين أن السلطات كانت تعلم حكماً بأنه توفي خلال الاحتجاز في ظروف لا تزال تحتاج إلى توضيح. وتعتبر اللجنة أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاك للمادة 7 من العهد بحق صاحب البلاغ، وزوجته ربيعة محمد فرج (والدة الضحية)، وأ و لادهما الستة الآخرين ( ) .
6-8 وفيما يتعلق بادعاء انتهاك المادة 9، تحيط اللجنة علماً بادعاء صاحب البلاغ الذي يؤكد أن عبد الحميد الداقل أوقف من قبل عناصر من الأمن الداخلي، من دون أمر قضائي بحقه ومن دون إعلامه بأسباب توقيفه، وأنه أودع الحبس الانفرادي منذ توقيفه وحتى وفاته المزعومة. ولم يمثل عبد الحميد الداقل أمام سلطة قضائية كان يمكنه الطعن أمامها في شرعية احتجازه، ولم تُعطَ أسرته أية معلومة رسمية عن مكان احتجازه أو مصيره. وبناءً على ما تقدم، وفي ظل غياب أية إيضاحات من الدولة الطرف، تخلص اللجنة إلى حدوث انتهاك للمادة 9 بحق عبد الحميد الداقل ( ) .
6-9 وفيما يتعلق بالانتهاك المزعوم للمادة 16، تؤكد اللجنة من جديد اجتهاداتها الثابتة التي مفادها أن حرمان الشخص عمداً من حماية القانون لمدة طويلة من الزمن قد يشكل عدم اعتراف لذلك الشخص بشخصيته القانونية، إذا كان الضحية في قبضة السلطات الحكومية عندما شوهد لآخر مرة وإذا كانت الجهود التي بذلها أقاربه من أجل الوصول إلى سبيل فعال للانتصاف بما في ذلك أمام القضاء قد أُعيقت بصورة منهجية ( ) . وتذكّر اللجنة بأن عبد الحميد الداقل احتُجز فور توقيفه في ظروف وجدت اللجنة أنها تعسفية. وتعرّض من ثم لاختفاء قسري استمر حتى وفاته التي يُزعم أنها وقعت في 23 حزيران/يونيه 1996. ولم يجر أي تحقيق رسمي في ملابسات اختفائه ووفاته، ولم يُلاحق الجناة قضائياً. وفي هذه الظروف، ترى اللجنة أن حق عبد الحميد الداقل في الاعتراف له بشخصيته القانونية قد انتهك بسبب حرمانه عمداً من الحماية التي يوفرها القانون، مما يشكل انتهاكاً للمادة 16 من العهد.
6 -10 ويحتج صاحب البلاغ بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد التي تفرض على الدول الأطراف الالتزام بأن تكفل توفير سبل انتصاف فعالة لجميع الأفراد الذين تُنتهك حقوقهم المعترف بها في العهد. وتعير اللجنة أهمية لإنشاء الدول الأطراف الآليات القضائية والإدارية الملائمة كي تنظر في ادعاءات انتهاكات الحقوق. وتذكِّر اللجنة بتعليقها العام رقم 31(2004) المتعلق بطبيعة الالتزام القانوني العام المفروض على الدول الأطراف في العهد، والذي يفيد بأن تقاعس دولة طرف عن التحقيق في انتهاكات مزعومة قد يفضي في حد ذاته إلى حدوث إخلال منفصل بأحكام العهد. وفي القضية المطروحة، التمس صاحب البلاغ مساعدة سلطات سجن "أبو سليم"، المكان الذي يُحتمل أن يكون ابنه المفقود قضى فيه فترة الاحتجاز، ولجان شعبية محلية مختلفة ومحامين لرفع دعوى قضائية، لكن جهوده باءت جميعها بالفشل. وعلى الرغم من أن وفاة عبد الحميد الداقل قد قُيّدت رسمياً في سجلات الأحوال المدنية، فلم تجر الدولة الطرف أي تحقيق ولم تشرع في ملاحقة الجناة. وتخلص اللجنة إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن حدوث انتهاك للفقرة 3 من المادة 2 مقروءة بالاقتران مع الفقرة 1 من المادة 6، والمادة 7، والمادة 9، والمادة 16 من العهد بحق عبد الحميد الداقل، وانتهاك الفقرة 3 من المادة 2 من العهد مقروءة بالاقتران مع المادة 7، بحق صاحب البلاغ وزوجته ربيعة محمد فرج (والدة الضحية) وأولادهما الستة الآخرين.
7- واللجنة إذ تتصرف بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ترى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاك الدولة الطرف لأحكام الفقرة 1 من المـادة 6، والمادة 7، والمادة 9، والمادة 16، والفقرة 3 من المادة 2، مقروءة بالاقتران مع الفقرة 1 من المـادة 6، والمادة 7، والمادة 9، والمادة 16 من العهد، بحق عبد الحميد الداقل، وانتهاك المادة 7 مقروءة بمفردها وبالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، بحق صاحب البلاغ وزوجته ربيعة محمد فرج (والدة الضحية) وأولادهما الستة الآخرين .
8- وعملاً بالفقرة 3 (أ) من المادة 2 من العهد، فإن الدولة الطرف مطالبة بأن تكفل لأصحاب البلاغ سبيلاً فعالاً للانتصاف يشمل، في جملة أمور أخرى، ما يلي: (أ) إجراء تحقيق عاجل ومتعمق ونزيه في ملابسات اختفاء عبد الحميد الداقل ووفاته؛ (ب) تزويد أسرته بمعلومات مفصلة عن نتائج التحقيق؛ (ج) تسليم رفات عبد الحميد الداقل إلى أسرته؛ (د) ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات التي ارتُكبت ومحاكمتهم ومعاقبتهم؛ ( ﻫ ) تقديم تعويض لأصحاب البلاغ يتناسب وخطورة الانتهاكات المرتكبة. والدولة الطرف مطالبة أيضاً باتخاذ تدابير تحول دون حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل.
9 - والدولة الطرف إذ أقرت، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، باختصاص اللجنة بالبتّ فيما إذا كان العهد قد انتُهك أم لا، وتعهدت، بمقتضى المادة 2 من العهد، بأن تكفل لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والخاضعين لولايتها الحقوق المعترف بها في العهد وبأن توفر لهم سبيل انتصاف فعالاً قابلاً للإنفاذ في حالة ثبوت الانتهاك، تود اللجنة أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون 180 يوماً، معلومات عن التدابير المتخذة لوضع آراء اللجنة موضع التنفيذ. والدولة الطرف مدعوة كذلك إلى أن تنشر آراء اللجنة وتعممها على نطاق واسع باللغات الرسمية للدولة الطرف.