الأمم المتحدة

CCPR/C/112/D/2083/2011

Distr.: General

19 November 2014

Arabic

Original: French

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

البلاغ رقم 2083/2011

آراء اعتمدتها اللجنة في دورتها 112 (7-31 تشرين الأول/أكتوبر 2014)

المقدم من: بوقرة كرومي (يمثله فيليب غرانت، من الرابطة السويسرية لمكافحة الإفلات من العقاب)

الأشخاص المدعى أنهم ضحايا: يحيى كرومي (ابن صاحب البلاغ) وصاحب البلاغ

الدولة الطرف: الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ: 28 تموز/يوليه 2011 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية: قرار المقرر الخاص المتخذ بموجب المادة 97 من النظام الداخلي، الذي أُحيل إلى الدولة الطرف في 12 آب/أغسطس 2011 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء: 30 تشرين الأول/أكتوبر 2014

الموضوع: اختفاء قسري

المسائل الموضوعية: الحق في سبيل انتصاف فعال، والحق في الحياة، ومنع التعذيب و المعاملة القاسية واللاإنسانية، وحق الفرد في الحرية وفي الأمان على شخصه، واحترام الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني، والاعتراف بالشخصية القانونية، والتدخل غير القانوني في شؤون البيت

المسائل الإجرائية: استنفاد سبل الانتصاف المحلية

مواد العهد: المواد 2 (الفقرة 3) و6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 و17

مادة البروتوكول الاختياري: الم ادة 5 (الفقرة 2) ( ب )

المرفق

آراء اعتمدتها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (الدورة 112)

بشأن

البلاغ رقم 2083/2011 *

المقدم من: بوقرة كرومي (يمثله فيليب غرانت، من الرابطة السويسرية لمكافحة الإفلات من العقاب)

الأشخاص المدعى أنهم ضحايا: يحيى كرومي (ابن صاحب البلاغ) وصاحب البلاغ

الدولة الطرف: الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ: 28 تموز/يوليه 2011 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

إن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، المنشأة بموجب المادة 28 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد اجتمعت في 30 تشرين الأول/أكتوبر 2014،

وقد فرغت من النظر في البلاغ رقم 2083/2011 المقدم من بوقرة كرومي بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد وضعت في اعتبارها جميع المعلومات المكتوبة التي أتاحها لها صاحب البلاغ والدولة الطرف،

تعتمد ما يلي:

الآراء بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري

1-1 صاحب البلاغ، المؤرخ 28 تموز/يوليه 2011، هو بوقرة كرومي، جزائري من مواليد عام 1932. وهو يقدم هذا البلاغ بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن ابنه يحيى كرومي، من مواليد 6 أيلول/سبتمبر 1967، أعزب وليس لديه أطفال. ويزعم صاحب البلاغ أن ابنه وقع ضحية اختفاء قسري تتحمل الدولة الطرف المسؤولية عنه، انتهاكاً لأحكام المواد 2 (الفقرة 3) و6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 و17 من العهد، كما يدعي أنه وقع بدوره ضحية انتهاك الحقوق التي تكفلها المادتان 2 (الفقرة 3) و7 من العهد. ويمثل صاحبَ البلاغ فيليب غرانت، من منظمة الإفلات من العقاب.

1-2 وفي 12 آب/أغسطس 2011، قررت اللجنة، عن طريق مقررها الخاص المعني بالبلاغات الجديدة والتدابير المؤقتة، منح تدابير الحماية التي التمسها صاحب البلاغ وطلبت إلى الدولة الطرف ألا تحتج بالتشريع الوطني، وبخاصة الأمر رقم 06-01 المؤرخ 27 شباط/ فبراير 2006 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وأن تمتنع عن تطبيق أحكام الأمر المذكور على صاحب البلاغ وأفراد أسرته بسبب هذا البلاغ. وفي 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، قررت اللجنة، عن طريق مقررها الخاص المعني بالبلاغات الجديدة والتدابير المؤقتة، عدم الفصل بين النظر في مقبولية البلاغ ودراسة أسسه الموضوعية.

الوقائع كما عرضها صاحب البلاغ

2-1 في الساعة السابعة من صباح يوم 12 آب/أغسطس 1994، قُبض على يحيى كرومي، ابن صاحب البلاغ، في بيته الكائن في قسنطينة على يد مجموعة من الأفراد يحملون زياً عسكرياً وعناصر من جهاز الأمن العسكري يحملون زياً مدنياً، كانوا بصدد تنفيذ عملية واسعة النطاق على أثر اغتيال عسكريين في منطقة قسنطينة. وقد اقتحم رجال الأمن جميع المنازل الكائنة في الحي حيث يقطن يحيى كرومي وأمروا جميع الرجال بمغادرة البيوت مرفوعي الأيدي. وقد جُمّع الأشخاص الموقوفون في الشارع ونقل بعضهم، بينهم يحيى كرومي، على متن شاحنات باتجاه مكان احتجاز مجهول. ويؤكد صاحب البلاغ، الذي شاهد عملية القبض على ابنه، أن رجال الأمن لم يبرزوا في أي وقت خلال تدخلهم مذكرة توقيف ولم يبينوا أسباب القبض على ابنه.

2-2 ويفيد صاحب البلاغ أن يحيى كرومي والموقوفين الآخرين البالغ عددهم 17 فرداً، واجهوا ظروفاً قاسية جداً خلال الاحتجاز: فقد تكدس جميع الموقوفين، وعددهم 18 رجلاً، في زنزانة مساحتها أربعة أمتار مربعة حيث ظلوا واقفين في حرارة خانقة خلال شهر آب/أغسطس بسبب ضيق المكان. وقد توفي معظمهم خلال يوم فقط نتيجة ظروف الاحتجاز. وأجليت الجثث من الزنزانة بعد لفها في أغطية ثم نقلت على متن شاحنة تابعة للجيش. ولم ينج من الموت سوى عدد قليل من المحتجزين، ويرجح صاحب البلاغ أن يكون ابنه قد توفي آنذاك. وحتى الآن، لا أحد يعلم شيئاً عن مصير يحيى كرومي رغم المساعي العديدة التي بذلها أقرباؤه.

2-3 وبذل صاحب البلاغ وأسرته مساعي كثيرة، لدى السلطات القضائية والإدارية، للتعرف على مصير يحيى كرومي، لكن دون جدوى. فقد اتصل صاحب البلاغ وزوجته بمختلف دوائر الشرطة والدرك في قسنطينة للاستفسار عن مصير ابنهما. وفي 24 كانون الأول/ ديسمبر 1995 ثم في 25 شباط/فبراير 1996، قدمت الأسرة إلى النيابة العامة لدى محكمة قسنطينة التماساً من أجل الحصول على معلومات عن اختفاء يحيى كرومي. وفي 29 آذار/ مارس 1997، حررت فرقة مكافحة الجريمة في ولاية قسنطينة محضر جلسة تنفي فيه أية مشاركة في عملية القبض على يحيى كرومي. ورداً على التماس قدمه صاحب البلاغ خلال عام 2000، أفادت وزارة الداخلية أن الأبحاث التي أجريت بشأن ابنه لم تسمح بالتعرف على مكان وجوده. وفي 26 آب/أغسطس 2000، وجه صاحب البلاغ وزوجته أيضاً رسالة إلى المدعي العام ووكيل الجمهورية لإعلامهما باختفاء ابنهما. ورغم هذه الطلبات المتكررة، لم يُفتح تحقيق دقيق في حالة الاختفاء هذه، ولم يحصل صاحب البلاغ ق ط على أية معلومات عن مصير ابنه.

2-4 وفي 28 حزيران/يونيه 2000، وجه صاحب البلاغ أيضاً رسالة مسجلة إلى رئيس المرصد الوطني لحقوق الإنسان. وفي 5 كانون الأول/ديسمبر 2001، تلقت عائلة كرومي رداً من اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها ( ) مفاده أم دوائر الأمن لا تمتلك أية معلومات عن يحيى كرومي ولم يسبق لها أن أوقفته. وفي 9 أيلول/سبتمبر 2004، تلقت عائلة كرومي استدعاءً من اللجنة لحضور جلسة يخصصها أعضاء اللجنة للاستماع إلى أسر المختفين. وخلال جلسة الاستماع تلك، لم تقدم أية معلومات عن مصير يحيى كرومي.

2-5 وفي ظل تقاعس السلطات الجزائرية وانعدام الشفافية فيما يتعلق بالإجراءات التي كانت تتخذها، قرر صاحب البلاغ، الذي تكبد خسائر مالية نتيجة اختفاء ابنه الذي أثر بدرجة كبيرة في أنشطة نقل السلع التي كان يضطلع بها برفقته، أن يتخذ الإجراءات المنصوص عليها في الأمر رقم 06-01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الذي يقضي بأن تعترف أسر الأشخاص المختفين بوفاة المختفي من أجل الحصول على تعويض. ففي 2 نيسان/ أبريل 2006، قدم صاحب البلاغ التماساً إلى درك قسنطينة من أجل الحصول على معلومات عن يحيى كرومي. وقد أفضى هذا الطلب إلى تحرير شهادة اختفاء "في السياق الخاص الذي أفرزته المأساة الوطنية" بتاريخ 5 حزيران/يونيه 2006، وهي شهادة سمحت لصاحب البلاغ وزوجته باستلام مبلغ 9.6 ملايين دينار جزائري ( ) .

الشكوى

3-1 يزعم صاحب البلاغ أن ابنه وقع ضحية اختفاء قسري تُعتبر الدولة الطرف مسؤولة عنه بالمفهوم الوارد في الفقرة 2"ط" من المادة 7 من النظام الداخلي للمحكمة الجنائية الدولية (نظام روما الأساسي) والمادة 2 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، ذلك أن اختفاءه حدث في أعقاب توقيفه على يد أفراد ينتمون إلى قوات الأمن التابعة للدولة الطرف كانوا يمارسون وظائفهم الرسمية.

3-2 ويرجح صاحب البلاغ أن يكون ابنه قد توفي في أثناء الاحتجاز، وربما تكون الوفاة قد حصلت منذ الليلة الأولى التي شهدت وفاة عدد كبير من الأشخاص الذين كانوا محتجزين معه. ويعتبر أن المختفي، الذي احتجز في مكان مجهول، كان في عهدة الدولة الطرف التي يقع على عاتقها واجب ضمان حق الحياة لجميع الأشخاص المحتجزين. ولما كانت الدولة الطرف غير قادة على تقديم معلومات دقيقة ومتسقة عن مصير شخص في عهدتها، فإنها لم تتخذ التدابير الضرورية لحماية ذلك الشخص خلال احتجازه، ما يشكل انتهاكاً للفقرة 1 من المادة 6 من العهد. ويعتبر صاحب البلاغ أيضاً أن الاختفاء القسري لمدة طويلة، مثلما حدث في حالة يحيى كرومي المختفي منذ ما يزيد على 20 عاماً، يشكل بحد ذاته انتهاكاً للحق في الحياة المكفول بموجب الفقرة 1 من المادة 6 من العهد ( ) .

3-3 ويؤكد صاحب البلاغ، بالإشارة إلى الآراء السابقة للجنة ( ) ، أن الاختفاء القسري يشكل بحد ذاته انتهاكاً للمادة 7 من العهد لأن خطف ابنه واختفاءه ومنعه من الاتصال بأسرته وبالعالم الخارجي، هي أعمال تشكل معاملة قاسية ولا إنسانية. ويشدد صاحب البلاغ على أن الاختفاء القسري هو جريمة معقدة تنطوي على طائفة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان، لا يمكن اختزالها في مجرد الإيداع في الحبس الانفرادي، مثلما توحي بذلك الآراء الأخيرة للجنة المعنية بحقوق الإنسان. ويعتبر صاحب البلاغ أن الحبس الانفرادي يشكل انتهاكاً للمادة 7 من العهد، لكن اللجنة لا يمكن أن تحتفظ بهذا الجانب فقط ( ) . ويذكر بأن ابنه احتجز في البداية في ظروف سيئة جداً أدت إلى وفاة عدد كبير من الأشخاص. ويعتبر أن ظروف الاحتجاز تلك تشكل معاملة لا إنسانية تتجاوز بكثير عتبة الانتهاك البسيط للمادة 10 من العهد، وهو الانتهاك الذي تخلص إليه اللجنة عادة في آرائها، وتشكل فعلاً انتهاكاً مستقلاً للمادة 7 من العهد ( ) .

3-4 ويعتبر صاحب البلاغ، استناداً إلى الآراء السابقة للجنة ( ) ، أنه وقع أيضاً ضحية انتهاك المادة 7 من العهد نظراً للشكوك التي لا تزال تحوم حول الظروف التي اختفى فيها ابنه وحول مصيره، ما يشكل بالنسبة إليه مصدراً للقلق والألم الشديدين والمستمرين. ويؤكد صاحب البلاغ أن نفي السلطات توقيف يحيى كرومي، رغم أن والده كان شاهداً على ذلك، وتقاعسها وإفلات مسؤوليها عن العقاب وإجبار صاحب البلاغ على استصدار حجة وفاة المختفي دون التحقق من الظروف التي حدثت فيها الوفاة تنفيذاً لأحكام الأمر رقم 06-01 تشكل أيضاً انتهاكات للمادة 7 من العهد بحق صاحب البلاغ.

3-5 ويعتبر صاحب البلاغ كذلك أن توقيف ابنه وإيداعه الحبس الانفرادي، إجراءان تعسفيان لم تعترف بهما الدولة الطرف حتى الآن، ويشكلان انتهاكاً للفقرات 1 إلى 5 من المادة 9 من العهد. فقد قبض على المختفي دون إبراز مذكرة توقيف ودون أن يبلغ بأسباب توقيفه ولا بالتهم الموجهة إليه. زد على ذلك أنه لم يقدم إلى هيئة قضائية ولم تمنح له إمكانية الاعتراض على قانونية احتجازه. ثم إن أفراد أسرته لم يتلقوا حتى الآن أي تعويض عن توقيفه واحتجازه التعسفيين.

3-6 ويرى صاحب البلاغ أن ابنه وقع أيضاً ضحية انتهاك حقه في أن يعامل، خلال فترة الاحتجاز، معاملة إنسانية تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني، ما يشكل انتهاكاً لأحكام الفقرة 1 من المادة 10 من العهد. ويذكر في هذا الصدد بالآراء السابقة للجنة التي اعتبرت فيها أن الاختفاء القسري يشكل انتهاكاً للمادة 10 من العهد ( ) . ويشير صاحب البلاغ كذلك إلى الظروف التي احتجز فيها ابنه ويخلص إلى أن الدولة الطرف انتهكت حقوق ابنه المكفولة بموجب المادة 10.

3-7 ويعتبر صاحب البلاغ أن ابنه حرم من التمتع بحقوقه الأساسية بسبب إيداعه الحبس الانفرادي، ما يشكل انتهاكاً لحقه في أن يعترف له بالشخصية القانونية المكفول بموجب المادة 16 من العهد. ويحيل إلى الآراء السابقة للجنة ومفادها أن حرمان شخص ما عمداً من حماية القانون فترةً طويلةً يمكن أن يشكل رفضاً للاعتراف بشخصيته القانونية إذا كان الشخص في عهدة سلطات الدولة عند ظهوره للمرة الأخيرة وإذا كانت هناك في الوقت ذاته إعاقة منتظمة لجهود أقاربه الرامية إلى ممارسة سبل انتصاف فعالة، بما في ذلك السبل القضائية. ففي حالات كهذه، يكون الأشخاص المختفون محرومين في واقع الأمر من إمكانية ممارسة حقوقهم والتماس أي سبيل انتصاف يمكن التماسه كنتيجة مباشرة لسلوك الدولة الذي ينبغي تفسيره على أنه يمثل إنكاراً للشخصية القانونية لهؤلاء الضحايا ( ) .

3-8 ويزعم صاحب البلاغ أن ظروف القبض على ابنه في بيته في الصباح الباكر على يد أفراد تابعين لقوات الأمن اقتحموا المنزل دون إبراز مذكرة تفتيش، تشكل تدخلاً تعسفياً وغير قانوني في شؤون بيت المختفي ومن ثم انتهاكاً للمادة 17 من العهد ( ) .

3-9 وأخيراً ، يؤكد صاحب البلاغ أن ابنه حُرم من ممارسة حقه في التماس سبيل انتصاف فعال من احتجازه ومن الانتهاكات المزعومة للمواد 7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 و17 من العهد، انتهاكاً للمادة 2 (الفقرة 3) من العهد. ويدَّعي صاحب البلاغ أيضاً أن الدولة الطرف عليها التزام، بموجب المادة 2 (الفقرة 3) مقروءة بالاقتران مع المادة 6 (الفقرة 1) من العهد، بأن تجري تحقيقاً دقيقاً في حالة الاختفاء القسري وتزود ذوي الشخص المختفي بمعلومات عن التقدم المحرز في التحقيق ونتائجه وتلاحق المسؤولين عن الاختفاء القسري، إلى أن تنجلي الحقيقة بخصوص مصير الشخص المختفي. غير أن الدولة الطرف لم تستجب لأي من المساعي التي بذلها أفراد أسرة المختفي. ويعتبر صاحب البلاغ أن عدم قيام الدولة الطرف بالتحقيق في ادعاءات الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري وعدم بذلها العناية الواجبة، يشكلان أيضاً انتهاكاً للمادة 2 (الفقرة 3) بحقه وبحق أفراد أسرته.

3-10 ويؤكد صاحب البلاغ أن سُبل الانتصاف المحلية قد تبيَّن أنها إما غير متاحة أو غير مجدية أو غير فعالة، وأن الشروط المنصوص عليها في المادة 5 (الفقرة 2(ب)) من البروتوكول الاختياري قد استوفيت. ويذكر صاحب البلاغ بأنه اتصل في مناسبات عديدة بالسلطات القضائية من أجل إعلامها بحالة الاختفاء والتمس دون جدوى فتح تحقيق في الموضوع، وذلك بعد أن فشلت مساعيه الحثيثة لدى قوات الأمن من أجل الحصول على معلومات عن مصير ابنه. فكل الدعاوى الرسمية التي رفعها ظلت دون رد.

3-11 وأخيراً، يؤكد صاحب البلاغ أنه لم يعد ممكناً منذ صدور الأمر رقم 06-01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في شباط/فبراير 2006، ملاحقة الأشخاص المنتمين إلى قوات الدفاع والأمن في الجزائر. ويشير صاحب البلاغ إلى أن اللجنة قد أعلنت أن الأمر المذكور يعزز، فيما يبدو، الإفلات من العقاب ويقوض الحق في الانتصاف الفعال ( ) . ويؤكد أنه عجز بالتالي عن ممارسة حقه في سبيل انتصاف فعال.

3-12 ويطلب صاحب البلاغ إلى اللجنة أن تأمر الدولة الطرف بالقيام بما يلي: (أ) الإفراج عن يحيى كرومي إذا كان لا يزال على قيد الحياة؛ (ب) إجراء تحقيق سريع ودقيق وفعال في حالة الاختفاء؛ (ج) إعلام صاحب البلاغ وأسرته بنتائج التحقيق؛ (د) ملاحقة الأشخاص المسؤولين عن اختفاء يحيى كرومي وتقديمهم إلى العدالة ومعاقبتهم وفقاً للالتزامات الدولية للدولة الطرف؛ (هـ)‍ تقديم التعويض المناسب لذوي الحق من أهل يحيى كرومي عن الأضرار المعنوية والمادية الجسيمة التي لحقت بهم جراء اختفائه، بما يشمل تدابير الجبر ورد الحق وإعادة التأهيل والترضية وضمانات عدم التكرار.

ملاحظات الدولة الطرف على المقبولية

4-1 في 4 تشرين الأول/أكتوبر 2011، أحالت الدولة الطرف مذكرة تحت عنوان "المذكرة المرجعية للحكومة الجزائرية بشأن عدم مقبولية البلاغات الفردية المقدمة إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان فيما يتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية" اعترضت فيها على مقبولية البلاغ. فالدولة الطرف ترى أن هذا البلاغ، الذي يلقي بمسؤولية وقوع حالات اختفاء قسري خلال الفترة الممتدة من عام 1993 إلى عام 1998 على موظفين حكوميين أو أشخاص آخرين يخضعون للسلطات العامة ويتصرفون بصفة رسمية، يجب أن ينظر فيه "حسب نهج عام" وينبغي إعلانه غير مقبول. وحسب الدولة الطرف، ينبغي أن توضع هذه البلاغات في السياق الأعم للحالة الاجتماعية والسياسية والأوضاع الأمنية السائدة في البلد في فترة كانت الحكومة تسعى لمكافحة شكل من الإرهاب يتمثل هدفه في "سقوط النظام الجمهوري". ففي ذلك السياق اتخذت الحكومة الجزائرية تدابير وقائية وفقاً للمادتين 87 و91 من الدستور، وأخطرت الأمانة العامة للأمم المتحدة بحالة الطوارئ التي أعلنتها، وذلك وفقاً للفقرة 3 من المادة 4 من العهد.

4-2 وتشير الدولة الطرف إلى أن المدنيين كانوا يجدون، في المناطق التي تنتشر فيها المساكن الفوضوية، صعوبة في التمييز بين عمليات الجماعات الإرهابية وعمليات قوات الأمن التي كان المدنيون ينسبون إليها عدداً كبيراً من حالات الاختفاء القسري. وحسب الدولة الطرف ينبغي أن يدرس عدد كبير من حالات الاختفاء القسري في ذلك السياق. وتذكر بأن المفهوم العام للشخص المختفي في الجزائر أثناء الفترة موضوع الدراسة يشير في واقع الأمر إلى ست حالات مختلفة. فالحالة الأولى تتعلق بالأشخاص الذين أبلغ أقاربهم عن اختفائهم في حين أنهم قرروا من تلقاء أنفسهم الاختفاء عن الأنظار للانضمام إلى الجماعات المسلحة وطلبوا من أسرهم أن تعلن أن دوائر الأمن اعتقلتهم قصد "التضليل" وتجنب "مضايقات" الشرطة. وتتعلق الحالة الثانية بالأشخاص الذين أُبلغ عن اختفائهم بعد اعتقالهم على يد دوائر الأمن لكنهم انتهزوا فرصة الإفراج عنهم للتواري عن الأنظار. أما الحالة الثالثة فتتعلق بالأشخاص الذين اختطفتهم جماعات مسلحة مجهولة الهوية أو انتحلت صفة أفراد الشرطة أو الجيش بارتداء زيهم أو استخدام وثائق هويتهم فاعتبرت خطأً عناصر تابعة للقوات المسلحة أو لدوائر الأمن. وتتعلق الحالة الرابعة بأشخاص أُعلن عن فقدانهم وقرروا هجر أسرهم وأحياناً حتى مغادرة البلد فراراً من المشاكل الشخصية أو الخلافات العائلية. ويتعلق الأمر في الحالة الخامسة بأشخاص أبلغت أسرهم عن فقدانهم وهم في واقع الأمر إرهابيون مطلوبون أو قُتلوا ودفنوا في الأدغال في أعقاب الاقتتال بين الفصائل أو الصراعات العقائدية أو تنازع الجماعات المسلحة المتنافسة على الغنائم. وأخيراً، تشير الدولة الطرف إلى فئة سادسة تتعلق بأشخاص مفقودين لكنهم يعيشون إما داخل الإقليم الوطني أو خارجه بهويات مزورة حصلوا عليها عن طريق شبكة لتزوير الوثائق.

4-3 وتؤكد الدولة الطرف أيضاً أن المشرع الجزائري، إذ يُدرك تنوع الحالات المشمولة بالمفهوم العام للاختفاء القسري ومدى تعقد تلك الحالات، فقد أوصى في أعقاب الاستفتاء الشعبي على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بالتعاطي مع مسألة المختفين في إطار عام عن طريق التكفل بجميع الأشخاص المختفين في سياق "المأساة الوطنية" وبتقديم الدعم لجميع الضحايا حتى يتسنى لهم التغلب على هذه المحنة، ومنح جميع ضحايا الاختفاء وذوي الحق من أهلهم الحق في تعويض. وتشير إحصاءات دوائر وزارة الداخلية إلى أن عدد حالات الاختفاء المبلغ عنها هو 023 8 حالة وأن الجهات المعنية بحثت 774 6 ملفاً وقُبل دفع تعويض لأصحاب 704 5 ملفات في حين رُفض 934 ملفاً ولا يزال 136 ملفاً آخر قيد البحث. وقد دُفعت تعويضات بقيمة 390 459 371 ديناراً جزائرياً لجميع الضحايا المعنيين، ويضاف إلى ذلك مبلغ 683 824 320 1 ديناراً جزائرياً يُدفع في شكل معاشات شهرية.

4-4 وتعتبر الدولة الطرف أن صاحب البلاغ لم يستنفذ جميع سبل الانتصاف المحلية. وتشدد على أهمية التمييز بين المساعي البسيطة المبذولة لدى السلطات السياسية أو الإدارية وسبل الانتصاف غير القضائية المتاحة أمام الهيئات الاستشارية أو هيئات الوساطة، والطعون القضائية أمام مختلف الهيئات القضائية المختصة. وتلاحظ الدولة الطرف من خلال الشكوى المقدمة من صاحب البلاغ أنه وجه رسائل إلى سلطات سياسية أو إدارية وقدم التماسات إلى هيئات استشارية أو هيئات وساطة ووجه عريضة إلى ممثلي النيابة العامة (المدعون العامون أو وكلاء الجمهورية) دون ممارسة الطعن القضائي بمعناه الدقيق ومتابعته حتى النهاية باستخدام جميع سبل الانتصاف المتاحة في طور الاستئناف وطور النقض. ومن بين هذه السلطات جميعها، لا يحق قانوناً سوى لممثلي النيابة العامة فتح تحقيق أولي أو عرض المسألة على قاضي التحقيق. ففي النظام القضائي الجزائري، وكيل الجمهورية هو الذي يختص بتلقي الشكاوى وهو الذي يحرك الدعوى العمومية عند الاقتضاء. غير أن قانون الإجراءات الجزائية يُجيز للضحية أو لذوي الحق من أهل الضحية تقديم شكوى والادعاء بالحق المدني مباشرة أمام قاضي التحقيق من أجل حماية حقوقهم. وفي هذه الحالة تكون الضحية، وليس المدعي العام، هي من يحرك الدعوى العمومية عن طريق عرض الحالة على قاضي التحقيق. وسبيل الانتصاف هذا المنصوص عليه في المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الجزائية لم يمارس رغم أنه كان كفيلاً بأن يتيح لصاحب البلاغ إمكانية تحريك الدعوى العمومية وإلزام قاضي التحقيق بفتح تحقيق في الموضوع حتى لو كانت النيابة العامة قد قررت خلاف ذلك.

4-5 وتلاحظ الدولة الطرف كذلك ما ذهب إليه صاحب البلاغ من أن اعتماد ميثاق السلم والمصالحة الوطنية عن طريق الاستفتاء الشعبي وسن النصوص الخاصة بتطبيقه، وبخاصة المادة 45 من الأمر رقم 06-01، جعل من غير الممكن أن توجد في الجزائر سبل انتصاف محلية وفعالة ومجدية ومتاحة لأسر ضحايا الاختفاء. وعلى هذا الأساس، ظن صاحب البلاغ أنه في حل من واجب اللجوء إلى الهيئات القضائية المختصة مستنداً في ذلك إلى حكم مسبق على موقف هذه الهيئات وتقديرها في تطبيق الأمر المذكور. لكن الدولة الطرف ترى أنه لا يجوز لصاحب البلاغ التذرع بهذا الأمر وبنصوص تطبيقه للتنصل من مسؤوليته عن عدم مباشرة الإجراءات القضائية المتاحة. وتذكر الدولة الطرف بالآراء السابقة للجنة ومفادها أن اعتقال شخص ما عدم جدوى سبيل انتصاف أو افتراض ذلك من تلقاء نفسه لا يعفيه من استنفاد سُبُل الانتصاف المحلية جميعها ( ) .

4-6 ثم تشير الدولة الطرف إلى طبيعة ميثاق السلم والمصالحة الوطنية والأسس التي يستند إليها ومضمونه ونصوص تطبيقه. وتؤكد على أن اللجنة مدعوة، بموجب مبدأ عدم قابلية السلم للتصرف فيه، والذي أصبح حقاً دولياً في السلم، إلى أن تهيئ إلى إرساء دعائم السلم وتدعم المصالحة الوطنية حتى تتمكن الدول التي تعاني أزمات داخلية من تعزيز قدراتها. وفي سياق هذا الجهد من أجل المصالحة الوطنية، اعتمدت الدولة الميثاق الذي ينص في الأمر المتعلق بتطبيقه على تدابير قانونية لإنهاء إجراءات الدعوة العمومية واستبدال العقوبات أو تخفيفها بالنسبة لكل شخص يدان بارتكاب أعمال إرهابية أو يستفيد من الأحكام المتعلقة بإعادة الوئام الوطني، فيما عدا الأشخاص الذين ارتكبوا مجازر جماعية أو انتهكوا الحرمات أو استعملوا المتفجرات في الاعتداء على الأماكن العمومية أو تواطؤوا على ذلك. وينص الأمر أيضاً على إجراء يتعلق بالتصريح بالوفاة عن طريق القضاء، وهو إجراء يمنح ذوي الحق من أهل المختفين بوصفهم ضحايا "المأساة الوطنية" الحق في التعويض. إضافة إلى ذلك، ينص الأمر على تدابير ذات طابع اجتماعي - اقتصادي من بينها المساعدة على إعادة الإدماج المهني ودفع تعويضات لجميع الأشخاص المصنفين في فئة ضحايا "المأساة الوطنية". وأخيراً، يتضمن الأمر تدابير سياسية، مثل منع أي شخص استغل الدين استغلالاً ساهم في حدوث "المأساة الوطنية" من ممارسة أي نشاط سياسي، كما يقضي بعدم قبول أي ملاحقة قانونية فردية أو جماعية تستهدف أفراد قوات الدفاع والأمن التابعة للجمهورية، بجميع مكوناتها، بتهمة ارتكاب أعمال نفذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات ونجدة الأمة والحفاظ على مؤسسات الجمهورية.

4-7 وبالإضافة إلى استحداث صناديق تعويض لضحايا "المأساة الوطنية"، ترى الدولة الطرف أن شعب الجزائر، صاحب السيادة، وافق على بدء عملية مصالحة وطنية باعتبارها السبيل الوحيد لتضميد جراحه. وتؤكد الدولة الطرف على أن إعلان ميثاق السلم والمصالحة الوطنية يندرج في إطار الرغبة في تجنب حالات المواجهة القضائية والتشهير الإعلامي وتصفية الحسابات السياسية. لذا، تعتبر الدولة الطرف أن الوقائع التي يدعيها صاحب البلاغ مشمولة بالآلية الداخلية الجامعة للتسوية التي تنص عليها أحكام الميثاق.

4-8 وتطلب الدولة الطرف إلى اللجنة أن تلاحظ أوجه الشبه بين الوقائع والأوضاع التي وصفها صاحب البلاغ وتلك التي وصفها أصحاب البلاغات السابقة التي ردت عليها الدولة الطرف في المذكرة الأصلية المؤرخة 3 آذار/مارس 2009، وأن تراعي السياق السياسي والاجتماعي وكذلك الأوضاع الأمنية التي تندرج فيها تلك البلاغات. وتطلب أيضاً إلى اللجنة أن تخلص إلى أن صاحب البلاغ لم يستنفد جميع سبل الانتصاف المحلية وأن تعترف بأن سلطات الدولة الطرف أنشأت آلية داخلية لمعالجة الحالات التي تتناولها البلاغات المعنية وتسويتها تسوية شاملة حسب آلية سلم ومصالحة وطنية تتفق ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والعهدين الدوليين والاتفاقيات الدولية التالية، وأن تعلن البلاغ غير مقبول وتدعو صاحب البلاغ إلى التماس سبل الطعن على النحو الواجب.

ملاحظات إضافية من الدولة الطرف على المقبولية

5-1 في 4 تشرين الأول/أكتوبر 2011، أحالت الدولة الطرف إلى اللجنة مذكرة أخرى أضافتها إلى المذكرة الأصلية تساءلت فيها عن الغرض من سلسلة البلاغات الفردية التي قدمت إلى اللجنة منذ بداية عام 2009، معتبرة أن ذلك يشكل إساءة استخدام للإجراءات، ذلك أن البلاغات تتناول مسألة تاريخية شاملة لا علم للجنة بأسبابها ولا بملابساتها. وتلاحظ الدولة الطرف أن جميع هذه البلاغات "الفردية" لا تشير إلى السياق العام الذي حدثت فيه حالات الاختفاء، بل تركز حصراً على سلوك قوات الأمن دون أن تتطرق إلى أعمال مختلف الجماعات المسلحة التي تستخدم تقنيات التمويه الإجرامي من أجل تجريم القوات المسلحة.

5-2 وتقول الدولة الطرف إنها لن تبدي رأياً بخصوص الأسس الموضوعية لهذه البلاغات حتى يُبت في مسألة المقبولية. وتضيف بالقول إن على جميع الهيئات القضائية أو شبه القضائية أن تعالج المسائل الأولية قبل النظر في الأسس الموضوعية. فهي تعتبر أن القرار المتعلق بالنظر في المقبولية والأسس الموضوعية معاً - بصرف النظر عن أن قرارها هذا لم يتوصل إليه على أساس التشاور - يعوق بدرجة كبيرة النظر في البلاغات بصورة سليمة سواء من حيث طابعها العام أو من حيث خصوصيتها. وإذ تشير الدولة الطرف إلى النظام الداخلي للجنة، فإنها تلاحظ أن الأجزاء المتعلقة بنظر اللجنة في مقبولية البلاغات هي أجزاء منفصلة عن تلك المتعلقة بنظرها في الأسس الموضوعية، وبالتالي يمكن النظر في تلك المسائل بشكل منفصل. أما عن استنفاد سبل الانتصاف المحلية، فتصر الدولة الطرف على أن صاحب البلاغ لم يستخدم في إطار ما رفعه من شكاوى وقدمه من طلبات للحصول على معلومات، قنوات كفيلة بأن تسمح بالنظر في القضية من قبل السلطات القضائية المحلية.

5-3 وتشير الدولة الطرف إلى الآراء السابقة للجنة بشأن واجب استنفاد سبل الانتصاف المحلية، وتؤكد من جديد أن مجرد وجود شكوك بخصوص احتمال النجاح أو مخاوف بشأن تأخير الإجراءات لا يعفي صاحب البلاغ من واجبه استنفاد سبل الانتصاف. وفيما يتعلق بمسألة ما إذا كان صدور الميثاق قد استبعد إمكانية اللجوء إلى أي سبيل من سبل الانتصاف في هذا المجال، تقول الدولة الطرف إن عدم اتخاذ أية خطوات من جانب صاحب البلاغ لعرض ادعاءاته على التدقيق قد منع السلطات الجزائرية من اتخاذ موقف بشأن نطاق تطبيق الميثاق وحدوده. وعلاوة على ذلك، ينص الأمر على أن الإجراءات الوحيدة غير المقبولة هي التي تستهدف "عناصر قوات الدفاع والأمن الجمهوريين" بسبب أعمال قاموا بها في إطار الاضطلاع بواجباتهم الأساسية تجاه الجمهورية، وهي تحديداً حماية الأشخاص والممتلكات ونجدة الأمة والحفاظ على مؤسساتها. ومن ناحية أخرى، إن أي ادعاءات بشأن أفعال تعزى إلى قوات الدفاع والأمن يمكن إثبات أنها وقعت خارج هذا الإطار، سوف تخضع للتحقيق من قبل المحاكم المختصة.

5-4 وفي 12 كانون الثاني/يناير 2012، أكدت الدولة الطرف من جديد أنها تعترض على مقبولية البلاغ وأشارت إلى المذكرة المرجعية للحكومة الجزائرية بشأن عدم مقبولية البلاغات الفردية المقدمة إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان فيما يتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وإلى مذكرتها الإضافية.

تعليقات صاحب البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف

6-1 في 12 آذار/مارس 2012، قدم صاحب البلاغ تعليقاته على ملاحظات الدولة الطرف وضمنها دفوعاً إضافية تتعلق بالأسس الموضوعية.

6-2 ويشير صاحب البلاغ إلى أن الدولة الطرف قبلت اختصاص اللجنة بالنظر في البلاغات المقدمة من الأفراد. وهذا الاختصاص هو ذو طابع عام ولا تخضع ممارسته من قبل اللجنة لتقدير الدولة الطرف. ويلاحظ بوجه الخصوص أن الدولة الطرف غير مخولة الحكم على مدى استصواب اللجوء إلى اللجنة في إطار قضية بعينها، بل إن اللجنة هي التي تمارس تلك السلطة التقديرية لدى نظرها في البلاغ. ويعتبر صاحب البلاغ أن اعتماد الدولة الطرف آلية لإيجاد تسوية داخلية شاملة لا يمكن أن يشكل حجة أمام اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ولا حجة لعدم قبول البلاغ. بل إن التدابير التشريعية التي اعتمد ت ها الدولة الطرف تشكل بحد ذاتها انتهاكاً للحقوق التي يكفلها العهد، مثلما أشارت اللجنة إلى ذلك في آراء سابقة ( ) .

6-3 ويذكر صاحب البلاغ بأن إعلان الدولة الطرف حالة الطوارئ في 9 شباط/ فبراير 1992 لا ينبغي أن يؤثر في حق الأفراد في تقديم بلاغات إلى اللجنة. فالمادة 4 من العهد تنص بالفعل على أن إعلان حالة الطوارئ يتيح للدولة عدم التقيد ببعض أحكام العهد فقط ولا يؤثر من ثم في ممارسة الحقوق الناشئة عن بروتوكوله الاختياري.

6-4 ثم يرد صاحب البلاغ على الدفع الذي أوردته الدولة الطرف ومؤداه أن شرط استنفاد سبل الانتصاف المحلية يقتضي منه تحريك الدعوى العمومية عن طريق رفع شكوى والادعاء بالحق المدني لدى قاضي التحقيق وفقاً للمواد 72 وبعدها من قانون الإجراءات الجزائية. ويُذكِّر بأن هذا الإجراء يخضع، كشرط مسبق للمقبولية، لدفع كفالة أو تسديد "مصاريف الدعوى" التي يتولى قاضي التحقيق تحديد قيمتها بطريقة اعتباطية. ويعتبر صاحب البلاغ أن الشرط المالي هو شرط مجحف قد يُثني المتقاضين عن ممارسة سبل الانتصاف، هذا بالإضافة إلى عدم وجود أي ضمانة بأن الإجراء سيفضي حقاً إلى ملاحقة المسؤولين. ويعتبر أن السلطات المختصة هي التي كان يتعين عليها أن تبادر إلى إجراء التحقيقات اللازمة في وقائع خطيرة كالتي يدَّعيها في هذه القضية. ويشير صاحب البلاغ إلى الآراء السابقة للجنة في هذا الصدد ( ) .

6-5 ويكرر صاحب البلاغ تأكيد ما بذله من مساع لدى قوات الأمن من أجل التعرف على مصير ابنه، لكن دون جدوى. ويشير إلى أنه وجه أيضاً انتباه النيابة العامة لدى محكمة قسنطينة والمؤسسات القضائية الوطنية والمؤسسات الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان من أجل التعجيل بإجراء التحقيقات اللازمة. غير أن تلك السلطات لم تبادر بفتح تحقيق في أي من الانتهاكات المزعومة. وبناء عليه، لا يمكن مؤاخذة صاحب البلاغ على عدم استنفاد سبل الانتصاف المحلية لأن الدولة الطرف هي التي لم تقم بالتحقيقات التي تدخل في نطاق مسؤولياتها.

6-6 ويذكر صاحب البلاغ أيضاً بأن الأمر رقم 06-01 يمنع في مادته 45 إجراءات الملاحقة الفردية أو الجماعية التي تستهدف عناصر في قوات الدفاع والأمن. ويخلص إلى أنه لم يعد ممكناً، بعد صدور الأمر رقم 06-01، رفع شكوى مدنية أو جنائية بسبب الجرائم التي ارتكبها أفراد تابعون لقوات الأمن خلال الحرب الأهلية، وأن الهيئات القضائية الجزائرية ملزمة بأن تعلن كل الدعاوى التي ترفع في هذا الإطار غير مقبولة.

6-7 أما عن الدفع الذي أوردته الدولة الطرف والذي مفاده أنها مخولة أن تطلب إلى اللجنة النظر في مقبولية البلاغ بمعزل عن أسسه الموضوعية، يشير صاحب البلاغ إلى الفقرة 2 من المادة 97 من النظام الداخلي للجنة التي تنص على أن بإمكان الفريق العامل أو المقرر الخاص، نظراً للطابع الاستثنائي للقضية، أن يطلب رداً مكتوباً يقتصر على تناول مسألة المقبولية. فهذه الصلاحيات ليست من اختصاص صاحب البلاغ ولا الدولة الطرف وإنما من اختصاص الفريق العامل أو المقرر الخاص دون سواهما. ويعتبر صاحب البلاغ أن من واجب الدولة الطرف أن تقدم شروحاً أو ملاحظات بشأن مسألتي مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية.

6-8 وأخيراً يلاحظ صاحب البلاغ أن الدولة الطرف لم تقدم ملاحظاتها على الأسس الموضوعية للبلاغ، وبالتالي يجب على اللجنة أن تبت في القضية استناداً إلى المعلومات المتاحة وتعتبر أن جميع الوقائع المزعومة ثابتة لأن الدولة الطرف لم تدحضها ( ) .

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

7-1 تذكر اللجنة بداية بأن قرار المقرر الخاص عدم الفصل بين المقبولية والأسس الموضوعية (انظر الفقرة 1-2) لا يمنع اللجنة من أن تنظر في كل منهما على حدة. وقبل النظر في أي شكوى ترد في بلاغ ما، يتعين على اللجنة، وفقاً للمادة 93 من نظامها الداخلي، أن تحدد ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد.

7-2 وقد تحققت اللجنة، وفق ما تقضي به الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة ذاتها ليست قيد البحث في إطار إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية.

7-3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف تعتبر أن صاحب البلاغ وأسرته لم يستنفدا سبل الانتصاف المحلية لأنهما لم يعرضا القضية على قاضي التحقيق من خلال الادعاء بالحق المدني بموجب المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الجزائية. وتُشير اللجنة كذلك إلى ما ورد في ملاحظات الدولة الطرف من أن صاحب البلاغ وجه رسائل إلى سلطات سياسية أو إدارية ورفع التماسات إلى ممثلي النيابة العامة (وكلاء الجمهورية) دون بدء إجراءات قضائية والاستمرار فيها حتى النهاية عن طريق ممارسة جميع سبل الانتصاف المتاحة. وتُحيط اللجنة علماً بدفع صاحب البلاغ الذي مفاده أنه رفع شكاوى عديدة إلى النيابة العامة لدى محكمة قسنطينة التي لم تأذن قط بفتح تحقيق في الانتهاكات المزعومة. وأخيراً، تلاحظ اللجنة ما ورد في تعليقات صاحب البلاغ من أن المادة 46 من الأمر رقم 06-01 تنص على معاقبة كل شخص يرفع شكوى بشأن الأفعال المشمولة بالمادة 45 من الأمر.

7-4 وتذكر اللجنة بأن الدولة الطرف ليست ملزمة بإجراء تحقيقات شاملة في انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة المبلغ عنها إلى السلطات فحسب، بل هي ملزمة أيضاً بمقاضاة كل من يشتبه في ضلوعه في تلك الانتهاكات ومحاكمته ومعاقبته، ولا سيما في حالات الاختفاء القسري والاعتداء على الحق في الحياة ( ) . وقد نبهت أسرة يحيى كرومي السلطات المختصة مراراً وتكراراً إلى اختفاء الشخص المعني، غير أن الدولة الطرف لم تأذن بفتح تحقيق شامل ودقيق في الموضوع رغم أن الأمر ينطوي على مزاعم خطيرة تتعلق بحالة اختفاء قسري. زد على ذلك أن الدولة الطرف لم تقدم أية معلومات تسمح باستنتاج وجود سبيل انتصاف فعال ومتاح في الوقت الذي يستمر فيه العمل بالأمر رقم 06-01 رغم توصيات اللجنة بجعل أحكامه متمشية مع العهد ( ) . وترى اللجنة أن الادعاء بالحق المدني بشأن جرائم خطيرة كتلك التي يُزعم ارتكابها في هذه القضية لا يمكن أن يشكل بديلاً للإجراءات القضائية التي ينبغي أن يحركها وكيل الجمهورية من تلقاء ذاته ( ) . وبناء على ذلك، تخلص اللجنة إلى أن الفقرة 2(ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري لا تشكل عقبة أمام مقبولية البلاغ.

7-5 وترى اللجنة أن سبل الانتصاف الوحيدة التي يتعين على صاحب البلاغ استنفادها لأغراض المقبولية هي السبل التي تتيح جبر الضرر الناجم عن الانتهاك المزعوم، أي في هذه القضية سبل الانتصاف التي تسمح بجبر الضرر الناجم عن الاختفاء القسري.

7-6 وتعتبر اللجنة أن صاحب البلاغ أيد ادعاءاته بأدلة كافية من حيث إن هذه الادعاءات تُثير مسائل في إطار المواد 6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 و17، منفردة ومقروءة بالاقتران مع المادة 2 (الفقرة 3) من العهد. غير أن اللجنة تلاحظ أن صاحب البلاغ لم يقدم إلى الدولة الطرف طلباً للحصول على تعويض عن الضرر الناجم عن احتجاز ابنه التعسفي أو غير القانوني على يد سلطات الدولة الطرف، وتعتبر بالتالي أن الانتهاك المزعوم للمادة 9 (الفقرة 5) غير مقبول. وبناء عليه، تشرع اللجنة في دراسة الأسس الموضوعية للبلاغ من حيث إنه يثير مزاعم تتعلق بالمواد 2 (الفقرة 3) و6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 و17.

النظر في الأسس الموضوعية

8-1 نظرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أتاحها لها الطرفان وفقاً للفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

8-2 وتلاحظ أن الدولة الطرف قدمت ملاحظات جماعية وعامة عن الادعاءات الخطيرة لصاحب البلاغ واكتفت بالتأكيد على أن البلاغات التي تدعي مسؤولية موظفين عموميين أو أشخاص خاضعين في أداء عملهم للسلطات العامة عن حالات الاختفاء القسري التي حدثت في الفترة الممتدة من عام 1993 إلى عام 1998 يجب أن تعالج في السياق الأعم للوضع الاجتماعي - السياسي للبلد والظروف الأمنية التي كانت سائدة في فترة كان على الحكومة أن تكافح الإرهاب. وتذكِّر اللجنة بآرائها السابقة ( ) التي مفادها أنه لا يجوز للدولة الطرف أن تحتج بأحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ضد أشخاص يحتجون بأحكام العهد أو قدموا بلاغات إلى اللجنة أو يعتزمون القيام بذلك. فالعهد يقضي بأن تهتم الدولة بمصير كل فرد وتعامله بالاحترام الذي يليق بالكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني. وترى اللجنة أن الأمر رقم 06-01 يعزز الإفلات من العقاب ما لم تُدخل عليه الدولة الطرف التعديلات التي أوصت بها اللجنة، وبالتالي لا يمكن بصيغته الحالية أن يُعتبر متوافقاً مع أحكام العهد.

8-3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تردّ على ادعاءات صاحب البلاغ بشأن الأسس الموضوعية، وتذكّر بآرائها السابقة التي مفادها أن الإثبات يجب ألا يقع على عاتق صاحب البلاغ وحده خاصة أن صاحب البلاغ لا يتساوى دوماً مع الدولة الطرف في إمكانية الحصول على عناصر الإثبات، وأن المعلومات اللازمة تكون في أغلب الأحيان بحوزة الدولة الطرف فقط ( ) . وبناءً عليه، ومثل ما تقضي بذلك الفقرة 2 من المادة 4 من البروتوكول الاختياري، تكون الدولة الطرف ملزمة بأن تحقق بحسن نية في جميع الادعاءات الواردة بشأن انتهاكات أحكام العهد التي ترتكبها الدولة الطرف نفسها أو يرتكبها ممثلوها، وأن تحيل إلى اللجنة المعلومات التي تكون بحوزتها ( ) . ونظراً إلى أن الدولة الطرف لم تقدم أية توضيحات في هذا الخصوص، فلا بد من إيلاء الاعتبار الواجب لادعاءات صاحب البلاغ ما دامت مُدعمة بما فيه الكفاية.

8-4 وتلاحظ اللجنة ما أكده صاحب البلاغ من أن ابنه، يحيى كرومي، قُبض عليه في صباح يوم 12 آب/أغسطس 1994 في بيته، على يد أفراد تابعين لقوات الأمن واختفى منذ ذلك الحين. وتلاحظ أيضاً ما ورد في البلاغ من أن عدداً كبيراً من الأشخاص الذين قُبض عليهم في نفس الوقت توفوا خلال الليلة الأولى من الاحتجاز بسبب الأوضاع السيئة جداً. ولا يستبعد صاحب البلاغ أن يكون ابنه قد توفي بدوره في نفس الليلة. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أية معلومات تسمح بدحض هذا الادعاء. وتذكّر اللجنة بأن سلب الحرية ثم عدم الاعتراف بذلك أو عدم الكشف عن مصير الشخص المختفي يؤدي، في حالات الاختفاء القسري، إلى حرمان هذا الشخص من حماية القانون ويعرّض حياته لخطر جسيم ودائم تعتبر الدولة مسؤولة عنه. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أية معلومات يمكن أن تبرهن على أنها أوفت بواجبها حماية حياة يحيى كرومي. وبناءً عليه، تخلص إلى أن الدولة الطرف لم تفِ بواجبها المتمثل في حماية حياة يحيى كرومي، ما يشكل انتهاكاً لأحكام المادة 6، الفقرة 1، من العهد ( ) .

8-5 وتُقرُّ اللجنة بدرجة المعاناة التي ينطوي عليها التعرض للاحتجاز لمدة غير محددة ودون اتصال بالعالم الخارجي. وتذكر بتعليقها العام رقم 20(1992) بشأن منع التعذيب والعقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والذي أوصت فيه اللجنة بأن تتخذ الدول الأطراف تدابير من أجل منع الحبس الانفرادي. وتلاحظ اللجنة في هذه القضية أن يحيى كرومي قُبض عليه على يد عسكريين في 12 آب/أغسطس 1994، ولا تتوفر حتى الآن أية معلومات عن مصيره. وتحيط اللجنة علماً أيضاً بظروف الاحتجاز السيئة جداً التي مر بها المختفي وسائر الأشخاص الموقوفين خلال الليلة الأولى، والتي أدت إلى وفاة عدد كبير من المحتجزين. وفي غياب توضيحات كافية بهذا الخصوص من جانب الدولة الطرف، تعتبر اللجنة أن حالة الاختفاء هذه وأوضاع الاحتجاز التي مرَّ بها يحيى كرومي في الليلة الأولى تشكل انتهاكاً للمادة 7 من العهد بحقه ( ) .

8-6 وتحيط اللجنة علماً أيضاً بما عاناه صاحب البلاغ من قلق وضيق جراء اختفاء ابنه والشكوك حول مصيره، وتعتبر أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن وقوع انتهاك للمادة 7، مقروءة بمفردها وبالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد بحق صاحب البلاغ ( ) .

8-7 وفيما يتعلق بادعاءات انتهاك المادة 9، تحيط اللجنة علماً بمزاعم صاحب البلاغ التي مفادها أن يحيى كرومي قُبض عليه على يد عسكريين في 12 آب/أغسطس 1994 دون مذكرة توقيف، ولم توجَّه إليه أية تهم ولم يُقدم إلى القضاء لكي تُتاح له فرصة الاعتراض على قانونية احتجازه؛ ولم يتلق ذووه أية معلومات رسمية عن مصيره رغم أن السلطات شهدت بأن اختفاءه حدث "في سياق المأساة الوطنية" ( ) . وفي غياب أية توضيحات كافية من جانب الدولة الطرف بخصوص هذه الادعاءات، تخلص اللجنة إلى وقوع انتهاك للمادة 9 من العهد بحق يحيى كرومي ( ) .

8-8 وفيما يتعلق بالشكوى المقدمة بموجب المادة 10 (الفقرة 1)، تؤكد اللجنة من جديد أن الأشخاص الذين تُسلب حريتهم يجب ألا يتعرضوا لأي شكل من أشكال الحرمان أو الإكراه عدا ما هو ملازم لسلب الحرية، وأنه يجب معاملتهم بإنسانية واحترام كرامتهم. وبالنظر إلى أن الادعاءات التي مفادها أن يحيى كرومي أُودع الحبس الانفرادي في ظروف أدت إلى وفاة عدد كبير من المحتجزين في ليلة واحدة، وفي غياب أية معلومات من جانب الدولة الطرف بهذا الخصوص، تخلص اللجنة إلى أن المادة 10 (الفقرة 1) من العهد قد انتُهكت ( ) .

8-9 أما عن ادعاء انتهاك المادة 16، فإن اللجنة تذكر بآرائها الثابتة التي مفادها أن حرمان شخص ما عمداً من حماية القانون لفترة طويلة يمكن أن يشكل إنكاراً لشخصيته القانونية إذا كان هذا الشخص في عهدة سلطات الدولة الطرف عند ظهوره للمرة الأخيرة، وإذا كانت هناك في الوقت ذاته إعاقة منتظمة لجهود أقاربه الرامية إلى ممارسة سبل انتصاف فعَّالة، بما في ذلك السبل القضائية (الفقرة 3 من المادة 2 من العهد) ( ) . وفي القضية قيد البحث، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي توضيح بشأن مصير يحيى كرومي على الرغم من الطلبات المتكرِّرة التي قدمها صاحب البلاغ من أجل التعرف على مصير المختفي. لذا تخلص اللجنة إلى أن اختفاء يحيى كرومي منذ ما يزيد على 20 عاماً قد حرمه من حماية القانون ومن حقه في أن يُعترف له بالشخصية القانونية، ما يشكل انتهاكاً للمادة 16 من العهد.

8-10 وفيما يتصل بادعاء انتهاك المادة 17، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أية معلومات تبرر أو تشرح أسباب دخول عسكريين إلى منزل يحيى كرومي في الصباح الباكر ودون مذكرة توقيف. وتخلص اللجنة إلى أن دخول موظفي الدولة إلى منزل يحيى كرومي في الظروف التي بينها صاحب البلاغ يشكل تدخُّلاً غير قانوني في شؤون بيته، ما يمثل انتهاكاً للمادة 17 من العهد ( ) .

8-11 ويستشهد صاحب البلاغ بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد التي تلزم الدولة الطرف بأن تكفل سبيل انتصاف فعالاً لجميع الأشخاص الذين انتُهكت حقوقهم المكفولة بموجب العهد. وتعلق اللجنة أهميةً على إنشاء الدول الأطراف آليات قضائية وإدارية مناسبة لمعالجة الشكاوى المتصلة بانتهاكات الحقوق. وتذكر بتعليقها العام رقم 31(2004) بشأن طبيعة الالتزام القانوني العام المفروض على الدول الأطراف في العهد الذي يشير على وجه الخصوص إلى أن تقاعس دولة طرف عن التحقيق في انتهاكات مزعومة قد يفضي في حد ذاته إلى انتهاك واضح للعهد. وفي هذه الحالة، وجهت عائلة يحيى كرومي انتباه السلطات المختصة إلى اختفاء هذا الأخير، واتصلت تحديداً بالمدعي العام لدى محكمة قسنطينة، غير أن تلك المساعي لم تجدِ نفعاً لأن الدولة الطرف لم تأذن بفتح أي تحقيق شامل ودقيق في اختفاء ابن صاحب البلاغ. زد على ذلك أن استحالة اللجوء إلى هيئة قضائية بعد صدور الأمر رقم 06-01 المتعلِّق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، لا تزال تحرم يحيى كرومي وصاحب البلاغ وأسرته من إمكانية ممارسة سبيل انتصاف فعَّال، لأن الأمر المذكور يمنع من اللجوء إلى العدالة لكشف ملابسات أكثر الجرائم خطورةً، مثل حالات الاختفاء القسري ( ) . ومن يختار التقاضي، سيعرض نفسه للسجن. ثم إن والدي يحيى كرومي لم يحصلا على أي مبالغ مالية تعويضاً عن اختفاء ابنهما (انظر الفقرة 2-5). وتخلص اللجنة إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن حدوث انتهاك للمادة 2 (الفقرة 3) من العهد، مقروءة بالاقتران مع المواد 6 (الفقرة 1) و7 و9 و10(الفقرة 1) و16 و17 بحق يحيى كرومي، فضلاً عن انتهاك المادة 2 (الفقرة 3) من العهد مقروءة بالاقتران مع المادة 7 من العهد بحق صاحب البلاغ وأسرته.

9- واللجنة المعنية بحقوق الإنسان، إذ تتصرف وفقاً للفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ترى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاك الدولة الطرف للمواد 6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 و17 من العهد. وكذلك المادة 2 (الفقرة 3) مقروءة بالاقتران مع المواد 6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 و17 بحق يحيى كرومي. وتلاحظ اللجنة أيضاً انتهاك الدولة الطرف للمادة 7 مقروءة بمفردها وبالاقتران مع المادة 2 (الفقرة 3) بحق صاحب البلاغ وأسرته.

10- ووفقاً لأحكام الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، فإن الدولة الطرف ملزمة بأن تتيح لصاحب البلاغ وأسرته سبيل انتصاف فعالاً يشمل على وجه الخصوص ما يلي: (أ) إجراء تحقيق شامل ودقيق في اختفاء يحيى كرومي وتزويد صاحب البلاغ وأسرته بمعلومات مفصّلة عن نتائج هذا التحقيق؛ (ب) الإفراج فوراً عن يحيى كرومي إذا كان لا يزال في الحبس الانفرادي؛ (ج) إعادة جثة يحيى كرومي إلى أسرته إذا كان قد تُوفي؛ (د) ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات المرتكبة ومحاكمتهم ومعاقبتهم؛ ( ) تقديم تعويض مناسب إلى صاحب البلاغ وأسرته عن الأضرار المعنوية التي لحقت بهما، وكذلك إلى يحيى كرومي إذا كان لا يزال على قيد الحياة، مع مراعاة ما دُفع من مبالغ مستحقة في هذا الإطار؛ (و) اتخاذ تدابير ترضية مناسبة لصالح صاحب البلاغ وأسرته. وبصرف النظر عن الأمر رقم 06-01، يتعين على الدولة الطرف أيضاً أن تحرص على عدم إعاقة ممارسة الحق في سبيل انتصاف فعّال بالنسبة إلى ضحايا الجرائم من قبيل التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري. والدولة الطرف ملزمة أيضاً باتخاذ ما يلزم من تدابير لمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل.

11- واللجنة، إذ تضع في اعتبارها أن الدولة الطرف بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، قد اعترفت باختصاص اللجنة بتحديد ما إذا كان قد حدث انتهاك للعهد أم لا، وتعهدت عملاً بالمادة 2 من العهد بأن تكفل تمتُّع جميع الأفراد الموجودين في إقليمها والخاضعين لولايتها بالحقوق المعترف بها في العهد وأن تتيح سبيل انتصاف فعالاً وقابلاً للإنفاذ متى ثبت حدوث انتهاك، فإنها تودُّ أن تتلقى من الدولة الطرف في غضون 180 يوماً معلومات عن التدابير التي تتخذها لوضع آراء اللجنة موضع التنفيذ. وبالإضافة إلى ذلك، تطلب اللجنة إلى الدولة الطرف أن تنشر هذه الآراء على نطاق واسع بلغاتها الرسمية.