الأمم المتحدة

CCP R/C/112/D/2086/2011

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

Distr.: General

17 November 2014

Arabic

Original: French

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

البلاغ رقم 2086/2011

آراء اعتمدتها اللجنة في دورتها 112 (7-31 تشرين الأول/أكتوبر 2014)

المقدم من: عائشة دهيمي ونورا عياش (يمثلهما فيليب غرانت ، من الرابطة السويسرية لمكافحة الإفلات من العقاب)

الأشخاص المدعى أنهم ضحايا: صحراوي عياش (ابن وشقيق صاحبتي البلاغ) وصاحبتا البلاغ

الدولة الطرف: الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ: 27 حزيران/يونيه 2011 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية: قرار المقرر الخاص المتخذ بموجب المادة 97 من النظام الداخلي، الذي أحيل إلى الدولة الطرف في 17 آب/أغسطس 2011 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء: 30 تشرين الأول/أكتوبر 2014

الموضوع: اختفاء قسري

المسائل الموضوعية: الحق في الحياة؛ وحظر التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية؛ وحق الفرد في الحرية وفي الأمان على شخصه؛ واحترام الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني؛ والاعتراف بالشخصية القانونية والحق في سبيل انتصاف فعال؛ والتدخل في شؤون البيت على نحو غير قانوني؛ والحق في الحياة الأسرية

المسائل الإجرائية: استنفاد سبل الانتصاف المحلية

مواد العهد: المواد 2 (الفقرة 3)، و6 (الفقرة 1)، و7، و9، و10 (الفقرة 1)، و16، و17

مادة البروتوكول الاختياري: المادة 5 (الفقرة 2(ب))

المرفق

آراء اعتمدتها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري المحلق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (الدورة 112)

بشأن

البلاغ رقم 2086/2011 *

المقدم من: عائشة دهيمي ونورا عياش (يمثلهما فيليب غرانت ، من الرابطة السويسرية لمكافحة الإفلات من العقاب)

الأشخاص المدعى أنهم ضحايا: صحراوي عياش (ابن وشقيق صاحبتي البلاغ) وصاحبتا البلاغ

الدولة الطرف: الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ: 27 حزيران/يونيه 2011 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

إن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، المنشأة بموجب المادة 28 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد اجتمعت في 30 تشرين الأول/أكتوبر 2014،

وقد فرغت من النظر في البلاغ رقم 2086/2011 الذي قدمته عائشة دهيمي ونورا عياش بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد وضعت في اعتبارها جميع المعلومات المكتوبة التي أتاحتها لها صاحبا البلاغ والدولة الطرف،

تعتمد ما يلي:

الآراء بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري

1-1 صاحبتا البلاغ، المؤرخ 27 حزيران/يونيه 2011، هما عائشة دهيمي ، من مواليد عام 1942، وابنتها نورا عياش، من مواليد عام 1976، وكلتاهما من مواطني الجزائر. وهما تقدمان البلاغ بالأصالة عن نفسيهما وبالنيابة عن ابن الأولى وشقيق الثانية، صحراوي عياش، من مواليد 18 آذار/مارس 1970، الذي كان يعمل بائع خضروات في قسنطينة. وتدعي صاحبتا البلاغ أن صحراوي عياش وقع ضحية اختفاء قسري وأن الدولة الطرف هي المسؤولة عن ذلك، ما يشكل انتهاكاً للمواد 2 (الفقرة 3) و6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 و17 من العهد، وتدعيان أيضاً أنهما وقعتا ضحيتي انتهاك حقوقهما المكفولة بموجب المادتين 2 (الفقرة 3) و7 من العهد. ويمثل صاحبتي البلاغ فيليب غرانت ، من منظمة مكافحة الإفلات من العقاب.

1-2 وفي 17 آب/أغسطس 2011، قررت اللجنة، عن طريق مقررها الخاص المعني بالبلاغات الجديدة والتدابير المؤقتة، أن تمنح تدابير الحماية التي التمستها صاحبتا البلاغ، وطلبت إلى الدولة الطرف ألاّ تحتج بالتشريع الوطني، وتحديداً بالمرسوم رقم 06-01 المؤرخ 27 شباط/فبراير 2006 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية وألاّ تطبق أحكام الأمر المذكور على صاحبتي البلاغ وأفراد أسرتهما بسبب هذا البلاغ. وفي 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، قررت اللجنة، عن طريق مقررها الخاص المعني بالبلاغات الجديدة والتدابير المؤقتة، عدم الفصل بين النظر في مقبولية البلاغ ودراسة أسسه الموضوعية.

الوقائع كما عرضتها صاحبتا البلاغ

2-1 في الساعة التاسعة من صباح يوم 12 آب/أغسطس 1994، قُبض على صحراوي عياش في بيته الكائن في قسنطينة على يد مجموعة من الأفراد يحملون زياً عسكرياً وعناصر من جهاز الأمن العسكري يحملون زياً مدنياً، كانوا بصدد تنفيذ عملية واسعة النطاق على أثر اغتيال عسكريين في منطقة قسنطينة. واقتحم رجال الأمن جميع المنازل في الحي حيث يقطن صحراوي عياش وأجبروا الرجال على مغادرة منازلهم بسرعة دون أن يتركوا لهم الوقت لارتداء ملابسهم أو أحذيتهم. وقد شاهد والد صحراوي عياش عملية توقيف ابنه وغيره من الجيران وأفراد أسرته المقيمين في الحي. وقد جُمّع الأشخاص الموقوفون في الشارع ونُقل بعضهم، بينهم صحراوي عياش، على متن شاحنات باتجاه مكان احتجاز مجهول. وتفيد صاحبتا البلاغ أن عناصر جهاز الأمن لم يبرزوا في أي وقت خلال تدخلهم مذكرة توقيف ولم يبيّنوا سبب توقيف صحراوي عياش.

2-2 وتفيد صاحبتا البلاغ أن صحراوي عياش والموقوفين الآخرين البالغ عددهم 17 فرداً، واجهوا ظروفاً قاسية جداً خلال الاحتجاز: فقد تكدس جميع الموقوفين، وعددهم 18 رجلاً، في زنزانة مساحتها أربعة أمتار مربعة حيث ظلوا واقفين في حرارة خانقة خلال شهر آب/أغسطس بسبب ضيق المكان. وقد توفي معظمهم خلال يوم فقط. وأجليت الجثث من الزنزانة بعد لفها في أغطية ثم نُقلت على متن شاحنة تابعة للجيش ولم ينج من الموت سوى عدد قليل من المحتجزين، وترجح صاحبتا البلاغ أن يكون صحراوي عياش قد توفي آنذاك رغم الشكوك التي لا تزال تحوم حول مصيره. وبعد أشهر قليلة من تاريخ التوقيف، تلقت الأسرة زيارة تلقائية من أحد العسكريين أكد لأفراد الأسرة أن صحراوي عياش لا يزال على قيد الحياة وهو محتجز في سجن عسكري في المدينة، غير أنه لم يتسن التحقق من هذه المعلومة. وحتى الآن، لا أحد يعلم شيئاً عن مصير المختفي أو جثته.

2-3 وخلال الأسابيع التي تلت عملية توقيف صحراوي عياش، اتصلت الأسرة بالسلطات الجزائرية من أجل الاستفسار عن مصيره. فقد توجهت صاحبتا البلاغ إلى مختلف دوائر الشرطة والدرك في قسنطينة لمعرفة ما إذا كان صحراوي عياش محتجزاً لديها، لكن أبحاثهما لم تفض إلى نتيجة. وتوجهتا أيضاً إلى مستودع الجثث التابع لمستشفى قسنطينة لكنهما لم تتعرفا على جثة صحراوي عياش بين جثث المحتجزين المحتفظ بها هناك. وفي 15 تشرين الأول/أكتوبر 1994، وجهت والدة المختفي رسالة إلى رئيس الناحية العسكرية الخامسة في المنصورة لمعرفة ما إذا كان ابنها محتجزاً لدى الدوائر التابعة للناحية، غير أن رسالتها أعيدت إليها دون أن تُفتح ( ) .

2-4 واتخذت السيدة عائشة دهيمي أيضاً مجموعة من الإجراءات المختلفة، الإدارية والقضائية، سعياً منها للتعرف على مصير صحراوي عياش. ففي 18 كانون الأول/ديسمبر 1994 وجهت رسالة إلى والي قسنطينة، لكنها لم تحصل على أي رد. وفي 19 شباط/فبراير 1995، وجهت رسالة إلى وكيل الجمهورية. وفي 22 أيار/مايو 1995 رفعت التماساً إلى المدعي العام لدى محكمة قسنطينة سُجل في مكتب الضبط بالمحكمة، وفي 23 تموز/يوليه 1995 عَلِمَت من المديرية العامة للأمن الوطني أن الأبحاث التي أُجريت بشأن اختفاء ابنها لم تجدِ نفعاً. وفي 21 أيار/مايو 1996، وجهت رسالة جديدة إلى وكيل الجمهورية. وفي 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1996، تلقت إشعاراً من الشرطة مفاده أن المعلومات المُجمعة تُبين أن الأفراد الذين قبضوا على ابنها لا ينتمون إلى الشرطة، وإنما إلى دوائر الأمن العسكري ( ) . وفي 14 أيلول/سبتمبر 1998، قدمت السيدة عائشة دهيمي التماساً جديداً إلى ولاية قسنطينة، فرُفعت القضية إلى المدعي العام لدى محكمة قسنطينة الذي أَذن، بتاريخ 19 أيلول/سبتمبر 1998، لفرقة مكافحة الجريمة التابعة للشرطة القضائية بفتح تحقيق في حالة الاختفاء. وفي 7 تشرين الثاني/نوفمبر 1998، عَلِمَت السيدة عائشة دهيمي من الشرطة القضائية أن الأبحاث التي أُجريت لم تفضِ إلى نتيجة وأن صحراوي عياش لم يتلق أي استدعاء من الأجهزة التابعة للشرطة القضائية. وفي بداية شهر أيار/مايو 2000، وخلال شهر تموز/ يوليه 2000، وجهت السيدة عائشة دهيمي رسائل جديدة إلى وكيل الجمهورية والمدعي العام ووزير العدل ورئيس الجمهورية، لكنها لم تتلق أي رد.

2-5 وفي عام 1996، ثم في 26 حزيران/يونيه 2000، رفعت السيدة عائشة دهيمي القضية أيضاً إلى المرصد الوطني لحقوق الإنسان الذي أكد لها في رده أن لا يمتلك أية معلومات عن المختفي. وفي 20 أيلول/سبتمبر 2004، تلقت أسرة عياش استدعاءً للحضور من اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها التي حلَّت محلَّ المرصد الوطني لحقوق الإنسان، لكنها لم تحصل على أية معلومات جديدة عن مصير صحراوي عياش.

2-6 وخلال تلك الفترة، استُدعيت السيدة عائشة دهيمي وزوجها في مناسبات عديدة للحضور أمام السلطات الجزائرية من أجل بحث مسألة اختفاء ابنهما ( ) . وفي أثناء تلك المقابلات كانت السيدة عائشة دهيمي وزوجها يردان على أسئلة عامة دون أن يحصلا على أية معلومات جديدة بخصوص مصير المختفي.

2-7 وفي ظل تقاعس السلطات الجزائرية وانعدام الشفافية فيما يتعلق بالإجراءات التي كانت تتخذها، قررت السيدة عائشة دهيمي وزوجها إتمام الإجراءات المطلوبة بموجب الأمر رقم 06- 01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي يقضي بأن تُعلن الأسرة وفاة المختفي من أجل الحصول على تعويض. وفي 17 أيار/مايو 2006، طلبت السيدة عائشة دهيمي الحصول على شهادة اختفاء "خلال السياق الخاص الذي أفرزته المأساة الوطنية" وتسلَّمت تلك الشهادة من دَرَك قسنطينة بتاريخ 17 أيار/مايو 2006. وبفضل هذه الشهادة، تمكَّنت صاحبة البلاغ من تقديم طلب إلى القضاء بغية استصدار حجة وفاة ابنها المفقود. ويرد في الحكم الصادر عن محكمة قسنطينة بتاريخ 28 حزيران/يونيه 2006 أن وفاة صحراوي عياش حدثت في 12 آب/أغسطس 1994، لكن الحكم لا يتطرق إلى الظروف التي حدثت فيها الوفاة. وبناءً على هذا الحكم، تلقى كل من الوالدين مبلغ 000 960 دينار جزائري.

الشكوى

3-1 تزعم صاحبتا البلاغ أن صحراوي عياش وقع ضحية اختفاء قسري تُعتبر الدولة الطرف مسؤولةً عنه بالمفهوم الوارد في الفقرة 2 ‘ط‘ من المادة 7 من النظام الداخلي للمحكمة الجنائية الدولية (نظام روما الأساسي). والمادة 2 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، ذلك أن اختفاءه قد حدث في أعقاب توقيفه على يد عسكريين تابعين للدولة الطرف كانوا يمارسون وظائفهم الرسمية، مثلما يبينه الإشعار المؤرخ 30 تشرين الثاني/نوفمبر 1996.

3-2 وتفيد صاحبتا البلاغ أن صحراوي عياش يمكن أن يكون قد توفي في أثناء الاحتجاز، وربما تكون الوفاة قد حصلت منذ الليلة الأولى التي سُجلت خلالها وفاة عدد كبير من الأشخاص الذين كانوا محتجزين معه. وتعتبران أن المختفي، الذي احتُجز في مكان مجهول، كان تحت مسؤولية الدولة التي يقع على عاتقها واجب ضمان حق الحياة لجميع الأشخاص المحتجزين. ولما كانت الدولة الطرف غير قادرة على تقديم معلومات دقيقة ومتسقة عن مصير شخص في عهدتها، فإنها لم تتخذ التدابير الضرورية لحمايته خلال احتجازه، ما يشكل انتهاكاً للفقرة 1 من المادة 6 من العهد. وفي ظل الظروف التي حدث فيها الاختفاء، فإن اللجنة لا يسعها إلا أن تلاحظ وقوع انتهاك للحق في الحياة المكفول بموجب الفقرة 1 من المادة 6 من العهد ( ) ، إذ عجزت الدولة الطرف عن تقديم أدلة دامغة تُثبت أن المختفي لا يزال على قيد الحياة.

3-3 وتؤكد صاحبتا البلاغ، بالإشارة إلى الآراء السابقة للجنة ( ) ، أن الاختفاء القسري يشكل بحد ذاته انتهاكاً للمادة 7 من العهد، لأن خطف صحراوي عياش، الذي مُنع من الاتصال بأسرته وبالعالم الخارجي، ثم اختفاءه يشكلان معاملة قاسية ولا إنسانية. وتشددان على أن الاختفاء القسري يشكل جريمة مُعقدة تنطوي على طائفة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان وبالتالي لا يمكن اختزالها في إجراء الحبس الانفرادي. وتعتبر صاحبتا البلاغ أن الحبس الانفرادي يشكل انتهاكاً مستقلاً للمادة 7 من العهد، لكن اللجنة لا يمكن أن تبني قرارها على أساس هذا الجانب فقط ( ) . إضافةً إلى ذلك، تذكِّر صاحبتا البلاغ أن صحراوي عياش احتُجز في البداية في ظروف سيئة جداً أدت إلى وفاة عدد كبير من المحتجزين. وهما تعتبران أن ظروف الاحتجاز تلك تشكل معاملة لا إنسانية تتجاوز بكثير عتبة الانتهاك البسيط للمادة 10 من العهد، وهو الانتهاك الذي تُقر به اللجنة عادةً في قراراتها، وتشكل فعلاً انتهاكاً مستقلاً للمادة 7 من العهد ( ) .

3-4 وتعتبر صاحبتا البلاغ، بالاستناد إلى الآراء السابقة للجنة ( ) ، أنهما وقعتا أيضاً ضحيتي انتهاك المادة 7 من العهد نظراً للشكوك التي تحوم حول الظروف التي اختفى فيها صحراوي عياش وحول مصيره، ما يشكل مصدراً للقلق والألم الشديدين والمستمرين. وتزعم صاحبتا البلاغ أيضاً وقوع انتهاكات للمادة 7 من العهد بحقيهما نتيجة نفي السلطات توقيف صحراوي عياش رغم أن والده كان شاهداً على ذلك، وتقاعسها وإفلات مسؤوليها عن العقاب، وإجبار صاحبتي البلاغ على استصدار حجة وفاة المختفي، ابن الأولى وشقيق الثانية، من أجل الحصول على تعويض دون توضيح الظروف التي حدث فيها الاختفاء وربما الوفاة، وذلك تنفيذاً لأحكام الأمر رقم 06-01.

3-5 وترى صاحبتا البلاغ كذلك أن توقيف صحراوي عياش وإيداعه الحبس الانفرادي، إجراءان تعسفيان لم تعترف بهما الدولة حتى الآن، ويشكلان انتهاكاً للمادة 9، الفقرات 1 إلى 5، من العهد. فقد قُبض على المختفي دون إبراز مذكرة توقيف ودون أن يُبلغ بأسباب توقيفه ولا بالتهم الموجهة إليه. زد على ذلك أنه لم يقدم إلى هيئة قضائية ولم تمنح له إمكانية الاعتراض على قانونية احتجازه. ثم إن ذويه لم يتلقوا حتى الآن أي تعويض عن توقيفه واحتجازه التعسفيين.

3-6 وترى صاحبتا البلاغ أن صحراوي عياش وقع أيضاً ضحية انتهاك حقه في أن يُعامل خلال فترة احتجازه معاملة إنسانية تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني، ما يشكل انتهاكاً لأحكام الفقرة 1 من المادة 10 من العهد. وتذكران في هذا الصدد بآراء اللجنة السابقة التي اعتبرت فيها أن الاختفاء القسري يشكل انتهاكاً للمادة 10 من العهد ( ) . وتحيل صاحبتا البلاغ كذلك إلى الظروف التي احتُجز فيها صحراوي عياش وتخلصان إلى أن الدولة الطرف انتهكت حقوقه المكفولة بموجب المادة 10 من العهد.

3-7 وتعتبر صاحبتا البلاغ أن صحراوي عياش لم يتمتع بحقوقه الأساسية بسبب إيداعه الحبس الانفرادي، ما يشكل انتهاكاً لحقه في أن يُعترف له بالشخصية القانونية المكفول بموجب المادة 16 من العهد. وتحيلان إلى الآراء السابقة للجنة ومفادها أن حرمان شخص ما عمداً من حماية القانون لفترة طويلة يمكن أن يشكل رفضاً للاعتراف بشخصيته القانونية إذا كان الشخص في عهدة سلطات الدولة عن ظهوره للمرة الأخيرة وإذا كانت هناك في الوقت ذاته إعاقة منتظمة لجهود أقاربه الرامية إلى ممارسة سبل انتصاف فعالة ، بما في ذلك السبل القضائية. ففي حالات كهذه، يكون الأشخاص المختفون محرومين في واقع الأمر من إمكانية ممارسة حقوقهم ومن التماس أي سبيل انتصاف يمكن التماسه كنتيجة مباشرة لسلوك الدولة الذي ينبغي تفسيره على أنه يمثل إنكاراً للشخصية القانونية لهؤلاء الضحايا ( ) .

3-8 وتزعم صاحبتا البلاغ أن ظروف القبض على صحراوي عياش في بيته في الصباح الباكر على يد قوات الأمن الذين اقتحموا المنزل دون إبراز أمر تفتيش، تشكل تدخلاً تعسفياً وغير قانوني في شؤون بيت المختفي، ومن ثم انتهاكاً للمادة 17 من العهد ( ) .

3-9 وأخيراً تعتبر صاحبتا البلاغ أن صحراوي عياش مُنع من ممارسة حقه في التماس سبيل انتصاف فعال من احتجازه ومن الانتهاكات المزعومة للمواد 7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 و17 من العهد، انتهاكاً للمادة 2 (الفقرة 3) من العهد. وتدعيان أيضاً أن الدولة الطرف عليها التزام، بموجب المادة 2 (الفقرة 3) مقروءة بالاقتران مع المادة 6 (الفقرة 1) من العهد، بأن تجري تحقيقاً دقيقاً وتزود ذوي الشخص المختفي بمعلومات عن التقدم المحرز في التحقيق ونتائجه وتلاحق المسؤولين عن الاختفاء القسري، إلى أن تنجلي الحقيقة بخصوص مصير صحراوي عياش. أما عن صاحبتي البلاغ، فقد اتخذتا جميع الإجراءات المتاحة من أجل التعرف على مصير صحراوي عياش، غير أن الدولة الطرف لم تتابع تلك الإجراءات. وتعتبر صاحبتا البلاغ أن عدم قيام الدولة الطرف بتحقيق في ادعاءات الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري وعدم بذلها العناية الواجبة يشكلان أيضاً انتهاكاً للمادة 2، الفقرة 3، بحقهما وبحق أسرتهما.

3-10 وتؤكد صاحبتا البلاغ أن سبل الانتصاف المحلية قد تبين أنها إما غير متاحة أو غير مجدية أو غير فعالة وأن الشروط المنصوص عليها في الفقرة 2، الفقرة الفرعية (ب)، من المادة 5 من البروتوكول الاختياري قد استوفيت. وتؤكدان أيضاً أن عائشة دهيمي أعلمت في مناسبات عديدة السلطات القضائية باختفاء صحراوي عياش والتمست دون جدوى فتح تحقيق في الموضوع، وذلك بعد أن فشلت مساعيها الحثيثة لدى قوات الأمن من أجل الحصول على معلومات عن مصير صحراوي عياش. فهذه الدعاوى الرسمية ظلت دون أي رد.

3-11 وأخيراً تؤكد صاحبتا البلاغ أنه لم يعد ممكناً منذ صدور الأمر رقم 06-01 المتضمن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في شباط/فبراير 2006، ملاحقة الأشخاص المنتمين إلى قوات الدفاع والأمن في الجزائر. وتذكر صاحبتا البلاغ بأن اللجنة قد أعلنت أن الأمر المذكور يعزز، فيما يبدو، الإفلات من العقاب ويقوض الحق في الانتصاف الفعال ( ) . وتؤكدان أنهما عجزتا بالتالي عن ممارسة حقهما في سبيل انتصاف فعال.

3-12 وتطلب صاحبتا البلاغ إلى اللجنة أن تأمر الدولة الطرف بالقيام بما يلي:

(أ) الإفراج عن صحراوي عياش إذا كان لا يزال على قيد الحياة؛

(ب) إجراء تحقيق سريع ودقيق وفعال في حالة الاختفاء هذه؛

(ج) إعلام صاحبتي البلاغ وأسرتهما بنتائج التحقيق؛

(د) ملاحقة الأشخاص المسؤولين عن اختفاء صحراوي عياش وتقديمهم إلى العدالة ومعاقبتهم وفقاً للالتزامات الدولية للدولة الطرف؛

( ) تقديم التعويض المناسب لذوي الحق من أهل صحراوي عياش عن الأضرار المعنوية والمادية الجسيمة التي لحقت بهم جراء اختفائه، بما يشمل تدابير الجبر والتعويض وإعادة التأهيل والترضية وضمانات عدم التكرار.

ملاحظات الدولة الطرف على المقبولية

4-1 في 4 تشرين الأول/أكتوبر 2011، أحالت الدولة الطرف مذكرة تحت عنوان "المذكرة المرجعية للحكومة الجزائرية بشأن عدم مقبولية البلاغات المقدمة إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان فيما يتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية" اعترضت فيها على مقبولية البلاغ. فهي ترى أن هذا البلاغ، الذي يلقي بمسؤولية وقوع حالات اختفاء قسري خلال الفترة من 1993 إلى 1998 على يد موظفين حكوميين أو أشخاص آخرين يخضعون للسلطات العامة ويتصرفون بصفة رسمية، يجب أن يُنظر فيه "حسب نهج عام" وينبغي إعلانه غير مقبول. وحسب الدولة الطرف، ينبغي أن توضع مثل هذه البلاغات في السياق الأعم للحالة الاجتماعية والسياسية والأوضاع الأمنية السائدة في البلد في فترة كانت الحكومة تسعى إلى مكافحة شكل من الإرهاب يتمثل هدفه في "انهيار النظام الجمهوري". ففي ذلك السياق اتخذت الحكومة الجزائرية تدابير وقائية وفقاً للمادتين 87 و91 من الدستور، وأخطرت الأمانة العامة للأمم المتحدة بحالة الطوارئ التي أعلنتها، وذلك وفقاً للفقرة 3 من المادة 4 من العهد.

4-2 وتشير الدولة الطرف إلى أن المدنيين كانوا يجدون في المناطق التي تنتشر فيها المساكن الفوضوية صعوبةً في التمييز بين عمليات الجماعات الإرهابية وعمليات قوات الأمن التي كان المدنيون ينسبون إليها عدداً كبيراً من حالات الاختفاء القسري. وحسب الدولة الطرف ينبغي أن يدرس عدد كبير من حالات الاختفاء القسري في ذلك السياق. وتذكر بأن المفهوم العام للشخص المختفي في الجزائر أثناء الفترة موضوع الدراسة يشير في واقع الأمر إلى ست حالات مختلفة. فالحالة الأولى تتعلق بالأشخاص الذين أبلغ أقاربهم عن اختفائهم في حين أنهم قرروا من تلقاء أنفسهم الاختفاء عن الأنظار للانضمام إلى الجماعات المسلحة وطلبوا من أسرهم أن تعلن أن دوائر الأمن اعتقلتهم قصد "التظليل" وتجنب "مضايقات" الشرطة. وتتعلق الحالة الثانية بالأشخاص الذين أبلغ عن اختفائهم بعد اعتقالهم على يد دوائر الأمن لكنهم انتهزوا فرصة الإفراج عنهم للتواري عن الأنظار. أما الحالة الثالثة، فتتعلق بالأشخاص الذين اختطفتهم جماعات مسلحة مجهولة الهوية أو انتحلت صفة أفراد الشرطة أو الجيش بارتداء زيهم أو استخدام وثائق هويتهم فاعتُبرت خطأً عناصر تابعة للقوات المسلحة أو لدوائر الأمن. وتتعلق الحالة الرابعة بأشخاص أعلن عن فقدانهم وقرروا هجر أسرهم وأحياناً حتى مغادرة البلد فراراً من المشاكل الشخصية أو الخلافات العائلية. ويتعلق الأمر في الحالة الخامسة بأشخاص أبلغت أسرهم عن فقدانهم وهم في واقع الأمر إرهابيون مطلوبون أو قتلوا ودفنوا في الأدغال في أعقاب الاقتتال بين الفصائل أو الصراعات العقائدية أو تنازع الجماعات المسلحة المتنافسة على الغنائم. وأخيراً، تشير الدولة الطرف إلى فئة سادسة تتعلق بأشخاص مفقودين لكنهم يعيشون إما داخل الإقليم الوطني أو خارجه بهويات مزورة حصلوا عليها عن طريق شبكة لتزوير الوثائق.

4-3 وتؤكد الدولة الطرف كذلك أن المشرع الجزائري، إذ يدرك تنوع الحالات المشمولة بالمفهوم العام للاختفاء القسري ومدى تعقد تلك الحالات، فقد أوصى في أعقاب الاستفتاء الشعبي على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بالتعاطي مع مسألة المختفين في إطار عام عن طريق التكفل بجميع الأشخاص المختفين في سياق "المأساة الوطنية" وبتقديم الدعم لجميع الضحايا حتى يتسنى لهم التغلب على هذه المحنة، ومنح جميع ضحايا الاختفاء وذوي الحق من أهلهم الحق في تعويض. وتشير إحصاءات دوائر وزارة الداخلية إلى أن عدد حالات الاختفاء المبلغ عنها هو 023 8 حالة وأن الجهات المعنية بحثت 774 6 ملفاً وقبل دفع تعويض لأصحاب 704 5 ملفات في حين رفض 934 ملفاً ولا يزال 136 ملفاً آخر قيد البحث. وقد دفعت تعويضات بقيمة 390 459 371 ديناراً جزائرياً لجميع الضحايا المعنيين، ويضاف إلى ذلك مبلغ 683 824 320 1 ديناراً جزائرياً يدفع في شكل معاشات شهرية.

4-4 وتعتبر الدولة الطرف أن صاحبتي البلاغ لم تستنفدا جميع سبل الانتصاف المحلية. وتشدد على أهمية التمييز بين المساعي البسيطة المبذولة لدى السلطات السياسية أو الإدارية وسبل الانتصاف غير القضائية أمام الهيئات الاستشارية أو هيئات الوساطة، والطعون القضائية أمام مختلف الهيئات القضائية المختصة. وتلاحظ الدولة الطرف من خلال الشكوى المقدمة من صاحبتي البلاغ أنهما وجهتا رسائل إلى سلطات سياسية أو إدارية وقدمتا التماسات إلى هيئات استشارية أو هيئات وساطة وأرسلتا عرائض إلى ممثلي النيابة العامة (المدعون العامون أو وكلاء الجمهورية) دون ممارسة الطعن القضائي بمعناه الدقيق ومتابعته حتى النهاية باستخدام جميع سبل الانتصاف المتاحة في طور الاستئناف وطور النقض. ومن بين هذه السلطات جميعها، لا يحق قانوناً سوى لممثلي النيابة العامة فتح تحقيق أولي أو عرض المسألة على قاضي التحقيق. ففي النظام القضائي الجزائري، وكيل الجمهورية هو الذي يختص بتلقي الشكاوى وهو الذي يحرك الدعوى العمومية عند الاقتضاء. غير أن قانون الإجراءات الجزائية يجيز للضحية أو لذوي الحق من أهلها تقديم شكوى والادعاء بالحق المدني مباشرة أمام قاضي التحقيق من أجل حماية حقوقهم. وفي هذه الحالة تكون الضحية، وليس المدعي العام، هي من يحرك الدعوى العمومية عن طريق عرض الحالة على قاضي التحقيق. وسبيل الانتصاف هذا المنصوص عليه في المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الجزائية لم يستخدم رغم أنه كان كفيلاً بأن يتيح لصاحبتي البلاغ إمكانية تحريك الدعوى العمومية وإلزام قاضي التحقيق بإجراء التحقيق حتى لو كانت النيابة العامة قد قررت خلاف ذلك.

4-5 وتلاحظ الدولة الطرف كذلك ما ذهبت إليه صاحبتا البلاغ من أن اعتماد ميثاق السلم والمصالحة الوطنية عن طريق الاستفتاء وسن النصوص الخاصة بتطبيقه، وبخاصة المادة 45 من الأمر رقم 06-01، جعل من غير الممكن أن توجد في الجزائر سبل انتصاف محلية وفعالة ومجدية ومتاحة لأسر ضحايا الاختفاء. وعلى هذا الأساس، ظنت صاحبة البلاغ أنها في حل من واجب اللجوء إلى الهيئات القضائية المختصة مستندة في ذلك إلى حكمها المسبق على موقف هذه الهيئات وتقديرها في تطبيق الأمر المذكور. لكن الدولة ترى أنه لا يجوز لصاحبتي البلاغ التذرع بهذا الأمر وبـنصوص تطبيقه للتنصل من مسؤوليتها عن عدم مباشرة الإجراءات القضائية المتاحة. وتذكر الدولة الطرف بآراء اللجنة السابقة التي مفادها أن "اعتقاد شخص ما عدم جدوى سبيل انتصاف أو افتراض ذلك من تلقاء نفسه لا يعفيه من استنفاد سبل الانتصاف المحلية جميعها ( )

4-6 ثم تشير الدولة الطرف إلى طبيعة ميثاق السلم والمصالحة الوطنية والأسس التي يستند إليها ومضمونه ونصوص تطبيقه. وتؤكد على أن اللجنة مدعوة، بموجب مبدأ قابلية السلم للتصرف فيه والذي أصبح حقاً دولياً في السلم، إلى أن تهيئ لإرساء دعائم السلم وتدعم المصالحة الوطنية حتى تتمكن الدول التي تعاني أزمات داخلية من تعزيز قدراتها. وفي سياق هذا الجهد من أجل المصالحة الوطنية، اعتمدت الدولة الميثاق الذي ينص في الأمر المتعلق بتطبيقه على تدابير قانونية لإنهاء إجراءات الدعوى العمومية واستبدال العقوبات أو تخفيفها بالنسبة لكل شخص يدان بارتكاب أعمال إرهابية أو يستفيد من الأحكام المتعلقة بإعادة الوئام الوطني، فيما عدا الأشخاص الذين ارتكبوا مجازر جماعية أو انتهكوا الحرمات أو استعملوا المتفجرات في الاعتداء على الأماكن العمومية أو تواطؤوا على ذلك. وينص الأمر أيضاً على إجراء يتعلق بالتصريح بالوفاة عن طريق القضاء، وهو إجراء يمنح ذوي الحق من ضحايا "المأساة الوطنية" الحق في التعويض. إضافة إلى ذلك، ينص الأمر على تدابير ذات طابع اجتماعي - اقتصادي، من بينها المساعدة على إعادة الإدماج المهني ودفع تعويضات لجميع الأشخاص المصنفين في فئة "ضحايا المأساة الوطنية". وأخيراً، يتضمن الأمر تدابير سياسية، مثل منع أي شخص استغل الدين استغلالاً ساهم في حدوث "المأساة الوطنية" من ممارسة أي نشاط سياسي، كما يقضي بعدم قبول أي ملاحقة قانونية فردية أو جماعية تستهدف أفراد قوات الدفاع والأمن التابعة للجمهورية، بجميع مكوناتها، بتهمة ارتكاب أعمال نفذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات ونجدة الأمة والحفاظ على مؤسسات الجمهورية.

4-7 وبالإضافة إلى استحداث صناديق تعويض لجميع ضحايا "المأساة الوطنية"، ترى الدولة الطرف أن شعب الجزائر، صاحب السيادة، وافق على بدء عملية مصالحة وطنية باعتبارها السبيل الوحيد لتضميد جراحه. وتؤكد الدولة الطرف على أن إعلان ميثاق السلم والمصالحة الوطنية يندرج في إطار الرغبة في تجنب حالات المواجهة القضائية والتشهير الإعلامي وتصفية الحسابات السياسية. لذا، تعتبر الدولة الطرف أن الوقائع التي تدعيها صاحبة البلاغ مشمولة بالآلية الداخلية الجامعة للتسوية التي تنص عليها أحكام الميثاق.

4-8 وتطلب الدولة الطرف إلى اللجنة أن تلاحظ أوجه الشبه بين الوقائع والأوضاع التي وصفتها صاحبتا البلاغ وتلك التي وصفها أصحاب البلاغات السابقة التي ردت عليها الدولة الطرف في المذكرة الأصلية المؤرخة 3 آذار/مارس 2009، وأن تراعي السياق السياسي والاجتماعي وكذلك الأوضاع الأمنية التي تندرج فيها تلك البلاغات. وتطلب أيضاً إلى اللجنة أن تخلص إلى أن صاحبتي البلاغ لم تستنفدا جميع سبل الانتصاف المحلية وأن تعترف بأن سلطات الدولة الطرف أنشأت آلية داخلية لمعالجة الحالات التي تتناولها البلاغات المعنية وتسويتها تسوية شاملة حسب آلية سلم ومصالحة وطنية تتفق ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والعهدين الدوليين والاتفاقيات الدولية التالية، وأن تعلن البلاغ غير مقبول وتدعو صاحبة البلاغ إلى التماس سبل الطعن على النحو الواجب.

ملاحظات إضافية من الدولة الطرف على المقبولية

5-1 في 4 تشرين الثاني/أكتوبر 2011، أحالت الدولة الطرف أيضاً مذكرة أخرى أضافتها إلى المذكرة الأصلية، تساءلت فيها عن الغرض من سلسلة البلاغات الفردية التي رُفعت إلى اللجنة منذ بداية عام 2009، معتبرةً أن ذلك يُشكل إساءة استخدام للإجراءات، ذلك أن البلاغات تتناول مسألة تاريخية شاملة لا علم للجنة بأسبابها ولا بملابساتها. وتلاحظ الدولة الطرف أن جميع هذه البلاغات "الفردية" لا تشير إلى السياق العام الذي حدثت فيه حالات الاختفاء، بل تركز حصراً على سلوك قوات الأمن دون أن تتطرق إلى أعمال مختلف الجماعات المسلحة التي تستخدم تقنيات التمويه الإجرامي من أجل تجريم القوات المسلحة.

5-2 وتقول الدولة الطرف إنها لن تتناول الأسس الموضوعية لهذه البلاغات حتى يبت في مسألة المقبولية. وتضيف بالقول إن على جميع الهيئات القضائية أو شبه القضائية أن تعالج المسائل الأولية قبل النظر في الأسس الموضوعية. فهي تعتبر أن القرار المتعلق بالنظر في المقبولية والأسس الموضوعية معاً - بصرف النظر عن أن قرارها هذا لم يُتوصل إليه على أساس التشاور - يعوق بدرجة كبيرة النظر في البلاغات بصورة سليمة سواء من حيث طابعها العام أومن حيث خصوصيتها. وإذ تشير الدولة الطرف إلى النظام الداخلي للجنة، فإنها تلاحظ أن الأجزاء المتعلقة بنظر اللجنة في مقبولية البلاغات هي أجزاء منفصلة عن تلك المتعلقة بنظرها في الأسس الموضوعية، وبالتالي يُمكن النظر في تلك المسائل بشكل منفصل. أما عن استنفاد سبل الانتصاف المحلية، فتصر الدولة الطرف على أن صاحبتي البلاغ لم تستخدما، في إطار ما رفعتاه من شكاوى وقدمتاه من طلبات للحصول على معلومات، قنوات كفيلة بأن تسمح بالنظر في القضية من قبل السلطات القضائية المحلية.

5-3 وتشير الدولة الطرف إلى الآراء السابقة للجنة بشأن واجب استنفاد سبل الانتصاف المحلية، وتؤكد أن مجرد وجود شكوك في احتمال النجاح أو مخاوف بشأن تأخير الإجراءات لا يعفي صاحب البلاغ من واجبه استنفاد سبل الانتصاف. وفيما يتعلق بمسألة ما إذا كان صدور الميثاق قد استبعد إمكانية اللجوء إلى أي سبيل من سبل الانتصاف في هذا المجال، تقول الدولة الطرف إن عدم اتخاذ أي خطوات من جانب صاحبتي البلاغ لعرض ادعاءاتهما على التدقيق قد منع السلطات الجزائرية من اتخاذ موقف بشأن نطاق تطبيق الميثاق وحدوده. وعلاوة على ذلك، ينص الأمر على أن الإجراءات الوحيدة غير المقبولة هي التي تقدم ضد "عناصر قوات الدفاع والأمن الجمهوريين" بسبب إجراءات اتخذوها وفقاً لواجباتهم الأساسية تجاه الجمهورية، وهي تحديداً حماية الأشخاص والممتلكات ونجدة الأمة والحفاظ على مؤسساتها. ومن ناحية أخرى، فإن أي ادعاءات بشأن أفعال تُعزى إلى قوات الدفاع أو الأمن يُمكن إثبات أنها وقعت خارج هذا الإطار، سوف تخضع للتحقيق من قبل المحاكم المختصة.

تعليقات صاحبتي البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف

6-1 في 12 آذار/مارس 2012، قدمت صاحبتا البلاغ تعليقاتهما على ملاحظات الدولة الطرف وضمنتاها دفوعاً إضافية تتعلق بالأسس الموضوعية.

6-2 وتشير صاحبتا البلاغ إلى أن الدولة الطرف قد قبلت اختصاص اللجنة بالنظر في البلاغات المقدمة من الأفراد. وهذا الاختصاص هو ذو طابع عام ولا تخضع ممارسته من قبل اللجنة لتقدير الدولة الطرف. وتلاحظان بوجه الخصوص أن الدولة الطرف غير مخولة الحكم على مدى استصواب اللجوء إلى اللجنة في إطار قضية بعينها. وتعتبر صاحبتا البلاغ أن اعتماد الدولة الطرف آلية لإيجاد تسوية داخلية شاملة لا يمكن أن يشكل حجة أمام اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ولا حجة لعدم قبول البلاغ. بل إن التدابير التشريعية التي اعتمدتها الدولة الطرف تشكل بحد ذاتها انتهاكاً للحقوق التي يكفلها العهد، مثلما أشارت إلى ذلك اللجنة في آراء سابقة ( ) .

6-3 وتذكر صاحب تا البلاغ بأن إعلان الدولة الطرف حالة الطوارئ في 9 شباط/ فبراير 1992 لا ينبغي أن يؤثر في حق الأفراد في تقديم بلاغات إلى اللجنة. فالمادة 4 من العهد تنص بالفعل على أن إعلان حالة الطوارئ يتيح للدولة عدم التقيد ببعض أحكام العهد فقط ولا يؤثر من ثم في ممارسة الحقوق المترتبة على بروتوكوله الاختياري.

6-4 وإضافة إلى ذلك، ترد صاحبتا البلاغ على الدفع الذي أوردته الدولة الطرف ومؤداه أن استيفاء شرط استنفاد سبل الانتصاف المحلية يقتضي منها تحريك الدعوى العمومية عن طريق رفع شكوى والادعاء بالحق المدني لدى قاضي التحقيق وفقاً للمواد 72 وبعدها من قانون الإجراءات الجزائية. وتذكران بأن هذا الإجراء يخضع، كشرط مسبق للمقبولية، لدفع كفالة أو "مصاريف الدعوى" التي يتولى قاضي التحقيق تحديد قيمتها بطريقة اعتباطية. وتعتبر صاحبتا البلاغ أن الشرط المالي هو شرط مجحف قد يُثني المتقاضين عن ممارسة الإجراءات، هذا بالإضافة إلى عدم وجود أي ضمانة بأن الإجراء سيفضي حقاً إلى ملاحقة المسؤولين. وتعتبران أيضاً أن السلطات المختصة هي التي كان يتعين عليها أن تبادر إلى إجراء التحقيقات اللازمة في وقائع خطيرة كالتي تدعيانها. وتشير صاحبتا البلاغ إلى الآراء السابقة للجنة في هذا الصدد ( ) .

6-5 وتكرر صاحبتا البلاغ تأكيد ما بذلتاه من مساعٍ لدى قوات الأمن، دون جدوى، من أجل التعرف على مصير صحراوي عياش بعد توقيفه. فعائشة دهيمي نبهت أيضاً النيابة العامة لدى محكمة قسنطينة والمؤسسات القضائية الوطنية والمؤسسات الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان من أجل التعجيل بإجراء التحقيقات اللازمة. غير أن تلك السلطات لم تبادر إلى فتح تحقيق في أي من الانتهاكات المزعومة. وبناء عليه، لا يمكن أن تؤاخذ صاحبتي البلاغ على عدم استنفاد سبل الانتصاف المحلية لأن الدولة الطرف هي التي لم تقم بالتحقيقات التي تدخل في نطاق مسؤوليتها.

6-6 وتذكر صاحبتا البلاغ أيضاً بأن الأمر رقم 06-01 يمنع في مادته 45 إجراءات الملاحقة الفردية أو الجماعية التي تستهدف عناصر في قوات الدفاع والأمن. وتخلصان إلى أنه لم يعد ممكناً، بعد صدور الأمر رقم 06-01، رفع شكوى مدنية أو جنائية بسبب الجرائم التي ارتكبها أفراد تابعون لقوات الأمن خلال الحرب الأهلية، وأن الهيئات القضائية الجزائرية ملزمة بأن تعلن كل الدعاوى التي تُرفع في هذا الإطار غير مقبولة.

6-7 أما عن الدفع التي أوردته الدولة الطرف والذي مفاده أنها مخولة أن تطلب إلى اللجنة النظر في مقبولية البلاغ بمعزل عن أسسه الموضوعية، تشير صاحبتا البلاغ إلى الفقرة 2 من المادة 97 من النظام الداخلي للجنة التي تنص على أن بإمكان الفريق العامل أو المقرر الخاص، نظراً للطابع الاستثنائي للقضية، أن يطلب رداً مكتوباً يقتصر على تناول مسألة المقبولية. فهذه الصلاحيات ليست من اختصاص صاحبتي البلاغ ولا الدولة الطرف، وإنما من اختصاص الفريق العامل أو المقرر الخاص دون سواهما. وتعتبر صاحبتا البلاغ أن من واجب الدولة الطرف أن تقدم شروحاً أو ملاحظات تتناول مسألتي مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية.

6-8 وأخيراً تلاحظ صاحبتا البلاغ أن الدولة الطرف لم تقدم ملاحظاتها على الأسس الموضوعية للبلاغ، وبالتالي يجب على اللجنة أن تبت في القضية استناداً إلى المعلومات المتاحة وتعتبر أن جميع الوقائع المزعومة ثابتة لأن الدولة الطرف لم  تدحضها ( ) .

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

7-1 تذكر اللجنة بداية بأن قرار المقرر الخاص عدم الفصل بين المقبولية والأسس الموضوعية (انظر الفقرة 1-2) لا يمنع اللجنة من أن تنظر في كل منهما على حدة. وقبل النظر في أي شكوى ترد في بلاغ ما، يتعين على اللجنة، وفقاً للمادة 93 من نظامها الداخلي، أن تحدد ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد.

7-2 وقد تحققت اللجنة، وفق ما تقضي به الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة ذاتها ليست قيد البحث في إطار إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية.

7-3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف تعتبر أن صاحبتي البلاغ لم تستنفدا سبل الانتصاف المتاحة محلياً، لأنهما لم تعرضا القضية على قاضي التحقيق من خلال الادعاء بالحق المدني بموجب المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الجزائية. وتشير اللجنة كذلك إلى ما ورد في ملاحظات الدولة الطرف من أن صاحبتي البلاغ وجهتا رسائل إلى سلطات سياسية أو إدارية ورفعتا التماسات إلى ممثلي النيابة العامة (وكلاء الجمهورية) دون بدء إجراءات قضائية والاستمرار فيها حتى النهاية عن طريق ممارسة جميع سبل الانتصاف المتاحة. وتحيط اللجنة علماً أيضاً بدفع صاحبتي البلاغ الذي مفاده أنهما رفعتا شكاوى عديدة إلى النيابة العامة لدى محكمة قسنطينة لكن هذه السلطات لم تأذن قط بفتح تحقيق في الانتهاكات المزعومة. وأخيراً، تلاحظ اللجنة ما ورد في تعليقات صاحبتي البلاغ من أن المادة 46 من الأمر رقم 06-01 تنص على معاقبة كل شخص يرفع شكوى بشأن الأفعال المشمولة بالمادة 45 من الأمر.

7-4 وتشير اللجنة إلى أن الدولة الطرف ليست ملزمة بإجراء تحقيقات شاملة في انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة المُبلغ عنها إلى السلطات فحسب، بل هي ملزمة أيضاً بمقاضاة كل من يشتبه في ضلوعه في تلك الانتهاكات ومحاكمته ومعاقبته، ولا سيما في حالات الاختفاء القسري والاعتداء على الحق في الحياة ( ) . وقد نبهت أسرة صحراوي عياش السلطات المختصة مراراً وتكراراً إلى اختفاء الشخص المعني، غير أن الدولة الطرف لم تأذن بفتح تحقيق شامل ودقيق في الموضوع رغم أن الأمر ينطوي على مزاعم خطيرة تتعلق بحالة اختفاء قسري. زد على ذلك أن الدولة الطرف لم تقدم أية معلومات تسمح باستنتاج وجود سبيل انتصاف فعال ومتاح في الوقت الذي يستمر فيه العمل بالأمر رقم 06-01 رغم توصيات اللجنة بجعل أحكامه متمشية مع العهد ( ) . وترى اللجنة أن الادعاء بالحق المدني بشأن جرائم خطيرة كتلك التي يزعم ارتكابها في هذه القضية لا يمكن أن يشكل بديلاً للإجراءات القضائية التي ينبغي أن يحركها وكيل الجمهورية من تلقاء ذاته ( ) . وبناءً على ذلك، تخلص اللجنة إلى أن الفقرة 2(ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري لا تشكل عقبة أمام مقبولية البلاغ.

7-5 وتعتبر اللجنة أن سبل الانتصاف الوحيدة التي يتعين على صاحبتي البلاغ استنفادها لأغراض المقبولية، هي السبل التي تتيح جبر الضرر الناجم عن الانتهاك المزعوم، أي في هذه القضية سبل الانتصاف التي تسمح بجبر الضرر الناجم عن الاختفاء القسري.

7-6 وتعتبر اللجنة أن صاحبتي البلاغ أيدتا ادعاءاتهما بأدلة كافية من حيث إن هذه الادعاءات تثير مسائل في إطار المواد 6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 و17، مقروءة بمفردها وبالاقتران مع المادة 2 (الفقرة 3) من العهد. غير أن اللجنة تلاحظ أن صاحبتي البلاغ لم تقدما إلى الدولة الطرف طلباً للحصول على تعويض عن الاحتجاز التعسفي أو غير القانوني لابن الأولى وشقيق الثانية، وتعتبر بالتالي أن الانتهاك المزعوم للمادة 9 (الفقرة 5)، غير مقبول. وبناءً عليه، تشرع اللجنة في دراسة الأسس الموضوعية للبلاغ من حيث إنه يثير مزاعم تتعلق بانتهاكات المواد 2(الفقرة 3) و6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 و17.

النظر في الأسس الموضوعية

8-1 نظرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أتاحها لها الطرفان وفقاً للفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

8-2 وتلاحظ أن الدولة الطرف قدمت إليها معلومات جماعية وعامة عن الادعاءات الخطيرة لصاحبتي البلاغ واكتفت بالتأكيد على أن البلاغات التي تدعي مسؤولية موظفين عموميين أو أشخاص خاضعين في أداء عملهم للسلطات العامة عن حالات الاختفاء القسري التي حدثت في الفترة الممتدة من عام 1993 إلى عام 1998 يجب أن تعالج في السياق الأعم للوضع الاجتماعي - السياسي للبلد والظروف الأمنية التي كانت سائدة في فترة كان على الحكومة أن تكافح فيها الإرهاب. وتذكر اللجنة بآرائها السابقة ( ) . التي مفادها أنه لا يجوز للدولة الطرف أن تحتج بأحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ضد أشخاص يحتجون بأحكام العهد أو قدموا بلاغات إلى اللجنة أو يعتزمون القيام بذلك. فالعهد يقضي بأن تهتم الدولة الطرف بمصير كل فرد وتعامله بالاحترام الذي يليق بالكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني. وترى اللجنة أن الأمر رقم 06-01 يعزز الإفلات من العقاب ما لم تدخل عليه الدولة الطرف التعديلات التي أوصت بها اللجنة، وبالتالي لا يمكن بصيغته الحالية أن يعتبر متوافقاً مع أحكام العهد.

8-3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم ترد على ادعاءات صاحبتي البلاغ بشأن الأسس الموضوعية وتذكر بآرائها السابقة التي مفادها أن عبء الإثبات يجب ألا يقع على عاتق صاحب البلاغ وحده خاصة أن صاحب البلاغ لا يتساوى دوماً مع الدولة الطرف في إمكانية الحصول على عناصر الإثبات، وأن المعلومات اللازمة تكون في أغلب الأحيان بحوزة الدولة الطرف فقط ( ) . وبناءً عليه، ومثلما تقضي بذلك الفقرة 60 من المادة 4 من البروتوكول الاختياري، تكون الدولة الطرف ملزمة بالتحقيق بحسن نية في جميع الادعاءات الواردة بشأن انتهاكات أحكام العهد التي ترتكبها الدولة الطرف نفسها أو يرتكبها ممثلوها، وأن تحيل إلى اللجنة المعلومات التي تكون بحوزتها ( ) . ونظراً إلى أن الدولة الطرف لم تقدم أية توضيحات في هذا الخصوص، فلا بد من إيلاء الاعتبار الواجب لادعاءات صاحبتي البلاغ ما دامت مدعمة بما فيه الكفاية.

8-4 وتلاحظ اللجنة ما أكدته صاحبتا البلاغ من أن صحراوي عياش قبض عليه في صباح يوم 12 آب/أغسطس 1994 في بيته على يد أفراد تابعين لقوات الأمن واختفى منذ ذلك الحين. وتلاحظ أيضاً ما ورد في البلاغ من أن عدداً كبيراً من الأشخاص الذين قبض عليهم في نفس الوقت يرجح أن يكونوا قد توفوا خلال الليلة الأولى من الاحتجاز بسبب الأوضاع السيئة للغاية. ولا تستبعد صاحبتا البلاغ أن يكون صحراوي عياش قد توفي بدوره خلال نفس الليلة. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أية عناصر تسمح بدحض هذا الادعاء. وتذكر اللجنة بأن سلب الحرية ثم عدم الاعتراف بذلك أو عدم الكشف عن مصير الشخص المختفي يؤدي، في حالات الاختفاء القسري، إلى حرمان هذا الشخص من حماية القانون ويعرض حياته لخطر جسيم ودائم تعتبر الدولة مسؤولة عنه. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أية معلومات يمكن أن تبرهن على أنها أوفت بالتزامها بحماية حياة صحراوي عياش. وبناءً عليه، تخلص إلى أن الدولة الطرف لم تف بواجبها المتمثل في حماية حياة صحراوي عياش، ما يشكل انتهاكاً للمادة 6 (الفقرة 1) من العهد ( ) .

8-5 وتقر اللجنة بدرجة المعاناة التي ينطوي عليها التعرض للاحتجاز لمدة غير محددة ودون اتصال بالعالم الخارجي. وتذكر بتعليقها العام رقم 20(1992) بشأن منع التعذيب والعقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والذي أوصت فيه اللجنة بأن تتخذ الدول الأطراف تدابير من أجل منع الحبس الانفرادي. وتلاحظ اللجنة في هذه القضية أن صحراوي عياش قُبض عليه على يد عسكريين في 12 آب/أغسطس 1994ولا تتوفر حتى الآن أية معلومات عن مصيره. وتحيط اللجنة علماً أيضاً بظروف الاحتجاز السيئة جداً التي مرّ بها المختفي وسائر الأشخاص الموقوفين خلال الليلة الأولى، والتي أدت إلى وفاة عددٍ كبيرٍ من المحتجزين. وفي غياب توضيحات كافية بهذا الخصوص من جانب الدولة الطرف، تعتبر اللجنة أن حالة الاختفاء هذه وأوضاع الاحتجاز التي مر بها صحراوي عياش خلال الليلة الأولى تشكل انتهاكاً للمادة 7 من العهد بحقه ( ) .

8-6 وتحيط اللجنة علماً أيضاً بما عانته صاحبتا البلاغ من قلق وضيق جراء اختفاء صحراوي عياش والشكوك حول مصيره. وتعتبر أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن وقوع انتهاك للمادة 7 مقروءة بمفردها وبالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد بحق صاحبتي البلاغ ( ) .

8-7 وفيما يتعلق بادعاءات انتهاك المادة 9، تحيط اللجنة علماً بمزاعم صاحبتي البلاغ التي مفادها أن صحراوي عياش قُبض عليه على يد عسكريين في 12 آب/أغسطس 1994 دون مذكرة توقيف؛ ولم توجه إليه أية تُهم ولم يقدم إلى القضاء لكي تتاح له فرصة الاعتراض على قانونية احتجازه؛ ولم يتلق ذووه أية معلومات رسمية عن مصيره رغم أن السلطات شهدت بأن اختفاءه حدث "في سياق المأساة الوطنية". وفي غياب أية توضيحات كافية من جانب الدولة الطرف بخصوص هذه الادعاءات، تخلص اللجنة إلى وقوع انتهاك للمادة 9 من العهد ( ) .

8-8 وفيما يتعلق بالشكوى المقدمة بموجب المادة 10 (الفقرة 1)، تؤكد اللجنة من جديد أن الأشخاص الذين تُسلب حريتهم يجب أن لا يتعرضوا لأي شكل من أشكال الحرمان أو الإكراه عدا ما هو ملازم لسلب الحرية، وأنه يجب معاملتهم بإنسانية واحترام كرامتهم. وبالنظر إلى أن الادعاءات التي مفادها أن صحراوي عياش أودع الحبس الانفرادي في ظروف أدت إلى وفاة عدد كبير من المحتجزين في ليلة واحدة، وفي غياب أية معلومات من جانب الدولة الطرف بهذا الخصوص، تخلص اللجنة إلى أن المادة 10 (الفقرة 1) من العهد قد انتُهكت ( ) .

8-9 أما عن ادعاء انتهاك المادة 16، فإن اللجنة تُذكِّر بآرائها الثابتة التي مفادها أن حرمان شخص ما عمداً من حماية القانون لفترة طويلة يمكن أن يشكل إنكاراً لشخصيته القانونية إذا كان هذا الشخص في عهده سلطات الدولة الطرف عند ظهوره للمرة الأخيرة، وإذا كانت هناك في الوقت ذاته إعاقة منتظمة لجهود أقاربه الرامية إلى ممارسة سُبُل انتصاف فعالة، بما في ذلك السُبُل القضائية (الفقرة 3 من المادة 2 من العهد) ( ) . وفي القضية قيد البحث، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي توضيح بشأن مصير صحراوي عياش على الرغم من الطلبات المتكررة التي قدمتها صاحبتا البلاغ إلى الدولة الطرف من أجل التعرف على مصير المختفي. لذا تخلص اللجنة إلى أن اختفاء صحراوي عياش قصراً منذ ما يزيد على 20 عاماً قد حرمه من حماية القانون ومن حقه في أن يُعترف له بالشخصية القانونية، ما يشكل انتهاكاً للمادة 16 من العهد.

8-10 وفيما يتعلق بادعاء انتهاك المادة 17، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تُقدم أية عناصر تبرر أو تشرح أسباب دخول عسكريين إلى منزل صحراوي عياش في الصباح الباكر ودون مذكرة توقيف. وتعتبر اللجنة أن دخول موظف الدولة إلى منزل صحراوي عياش في الظروف التي شرحتها صاحبتا البلاغ يشكل تدخلاً غير قانوني في شؤون بيته، مما يُشكل انتهاكاً للمادة 17 من العهد ( ) .

8-11 وتستشهد صاحبتا البلاغ بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد التي تلزم الدول الأطراف بأن تكفل سبيل انتصاف فعالاً لجميع الأشخاص الذين انتهكت حقوقهم المكفولة بموجب العهد. وتعلق اللجنة أهمية على قيام الدول الأطراف بإنشاء آليات قضائية وإدارية مناسبة لمعالجة الشكاوى المتصلة بانتهاكات الحقوق. وتذكر بتعليقها العام رقم 31(2004) بشأن طبيعة الالتزام القانوني العام المفروض على الدول الأطراف في العهد الذي يشير على وجه الخصوص إلى أن تقاعس دولة طرف عن التحقيق في انتهاكات مزعومة قد يفضي في حد ذاته إلى انتهاك واضح للعهد. وفي هذه الحالة، وجهت عائلة صحراوي عياش انتباه السلطات المختصة إلى اختفاء هذا الأخير، واتصلت بوجه خاص بالمدعي العام لدى محكمة قسنطينة، غير أن تلك المساعي لم تجد نفعاً لأن الدولة الطرف لم تفتح أي تحقيق شامل ودقيق في الاختفاء المزعوم. زد على ذلك أن استحالة اللجوء إلى هيئة قضائية بعد صدور الأمر رقم 06-01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، لا تزال تحرم صحراوي عياش وصاحبتي البلاغ من إمكانية ممارسة سبيل انتصاف فعال، ذلك أن الأمر المذكور يمنع من اللجوء إلى العدالة لكشف ملابسات أكثر الجرائم خطورة، مثل حالات الاختفاء القسري ( ) ثم إن والدي صحراوي عياش لم يحصلا على أي مبالغ مالية تعويضاً عن اختفاء ابنهما (الفقرة 2-7). وتخلص اللجنة إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن حدوث انتهاك المادة 2 (الفقرة 3) من العهد، مقروءة بالاقتران مع المواد 6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 و17 بحق صحراوي عياش، فضلاً عن انتهاك المادة 2(الفقرة 3) من العهد مقروءة بالاقتران مع المادة 7، بحق صاحبتي البلاغ.

9- واللجنة المعنية بحقوق الإنسان، إذ تتصرف وفقاً للفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ترى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاك الدولة الطرف للمواد 6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 و17، وكذلك المادة 2 (الفقرة 3) مقروءة بالاقتران مع المواد 6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 و17 بحق صحراوي عياش. وتلاحظ اللجنة أيضاً انتهاك الدولة الطرف للمادة 7، بمفردها ومقروءة بالاقتران مع المادة 2 (الفقرة 3)، بحق صاحبتي البلاغ.

10- ووفقاً لأحكام الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، فإن الدولة الطرف ملزمة بأن تتيح لصاحبتي البلاغ سبيل انتصاف فعالاً يشمل على وجه الخصوص ما يلي: (أ) إجراء تحقيق شامل ودقيق في اختفاء صحراوي عياش؛ (ب) تزويد صاحبتي البلاغ بمعلومات مفصلة عن نتائج هذا التحقيق؛ (ج) الإفراج فوراً عن صحراوي عياش إذا كان لا يزال في الحبس الانفرادي؛ (د) إعادة جثة صحراوي عياش إلى أسرته إذا كان قد توفي؛ ( ) ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات المرتكبة ومحاكمتهم ومعاقبتهم؛ (و) تقديم تعويض مناسب إلى صاحبتي البلاغ عن الأضرار المعنوية التي لحقت بهما، وكذلك إلى صحراوي عياش إن كان لا يزال على قيد الحياة، مع مراعاة ما دفع من مبالغ في هذا الإطار؛ (ز) اتخاذ تدابير الترضية المناسبة لصاحبتي البلاغ. وبصرف النظر عن الأمر رقم 06-01، يتعين على الدولة الطرف أيضاً أن تحرص على عدم إعاقة ممارسة الحق في سبيل انتصاف فعال بالنسبة إلى ضحايا الجرائم من قبيل التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري. والدولة الطرف ملزمة أيضاً باتخاذ ما يلزم من تدابير لمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل.

11- واللجنة، إذ تضع في اعتبارها أن الدولة الطرف، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، قد اعترفت باختصاص اللجنة بتحديد ما إذا كان قد حدث انتهاك للعهد أم لا، وتعهدت عملاً بالمادة 2 من العهد بأن تكفل تمتع جميع الأفراد الموجودين في إقليمها والخاضعين لولايتها بالحقوق المعترف بها في العهد وبأن تتيح سبيل انتصاف فعالاً وقابلاً للإنفاذ متى ثبت حدوث انتهاك، تود أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون 180 يوماً، معلومات عن التدابير التي تتخذها لوضع آراء اللجنة موضع التنفيذ. وبالإضافة إلى ذلك، تطلب اللجنة إلى الدولة الطرف أن تنشر هذه الآراء على نطاق واسع بلغاتها الرسمية.