الأمم المتحدة

CCPR/C/111/D/1956/2010

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

Distr.: General

15 October 2014

Arabic

Original: English

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

البلاغ رقم 1956/2010

آراء اعتمدتها اللجنة في دورتها 111 (7-25 تموز/يوليه 2014)

المقدم من: نفزيتا دوريتش وندزاد دوريتش (يمثلهما محامٍ من منظمة مناهضة الإفلات من العقاب)

الأشخاص المدعى أنهم ضحايا: صاحبا البلاغ وقريبهما المفقود إبراهيم دوريتش

الدولة الطرف: البوسنة والهرسك

تاريخ تقديم البلاغ: 11 كانون الثاني/يناير 2010 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية: قرار المقرر الخاص المتخذ بموجب المادة 97، والمحال إلى الدولة الطرف في 24 حزيران/ يونيه  2010 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء: 16 تموز/يوليه 2014

الموضوع: الاختفاء القسري وسبيل الانتصاف الفعال

المسائل الموضوعية : الحق في الحياة، وحظر التعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة، والحرية والأمن الشخصي، والحق في معاملة إنسانية تحفظ الكرامة، والاعتراف بالشخصية القانونية، والحق في سبيل انتصاف فعال.

المسائل الإجرائية: -

مواد العهد: 6 و9 و10 و16، مقروءةً بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2؛ والمادة 7 مقروءةً بمفردها وبالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2.

مواد البروتوكول الاختياري: -

المرفق

آراء اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ( الدورة 111 )

بشأن

البلاغ رقم 1956/2010 *

المقدم من: نفزيتا دوريتش وندزاد دوريتش (يمثلهما محامٍ من منظمة مناهضة الإفلات من العقاب)

الأشخاص المدعى أنهم ضحايا: صاحبا البلاغ وقريبهما المفقود إبراهيم دوريتش

الدولة الطرف: البوسنة والهرسك

تاريخ تقديم البلاغ: 11 كانون الثاني/يناير 2010 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

إن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ، المنشأة بموجب المادة 28 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد اجتمعت في 16 تموز/يوليه 2014،

وقد فرغت من النظر في البلاغ رقم 1956/2010، المقدم إليها نيابة عن نفزيتا دوريتش وندزاد دوريتش بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد وضعت في اعتبارها جميع المعلومات المكتوبة التي أتاحها لها صاحبا البلاغ والدولة الطرف،

تعتمد ما يلي:

آراء اللجنة بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري

1- صاحبا البلاغ هما نفزيتا دوريتش المولودة في 13 أيلول/سبتمبر 1947، وندزاد دوريتش المولود في 6 أيلول/سبتمبر 1967، وهما مواطنان من البوسنة والهرسك (صاحبا البلاغ). وهما يقدمان هذا البلاغ بالأصالة عن نفسيهما وبالنيابة عن إبراهيم دوريتش (ابن نفزيتا دوريتش وشقيق ندزاد دوريتش )، وهو مواطن من البوسنة والهرسك وُلد في 1 أيلول/سبتمبر 1966. ويدعي صاحبا البلاغ أنهما وقعا ضحية انتهاك المادة 7 مقروءةً بمفردها وبالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد. ويدعيان أيضاً بالنيابة عن إبراهيم دوريتش انتهاك حقوقه المكفولة بموجب المواد 6 و7 و9 و10 و16، مقروءةً بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وتمثل منظمة مناهضة الإفلات من العقاب صاحبي البلاغ ( ) .

الوقائع كما عرضها صاحبا البلاغ

2-1 وقعت أحداث هذا البلاغ خلال النزاع المسلح حول استقلال البوسنة والهرسك. ومنذ اندلاع النزاع، كان إبراهيم دوريتش يعيش في دوبرينيا ، وهي ضاحية من ضواحي سراييفو تقع مقابل مطار سراييفو. وعند وقوع الأحداث المبينة أدناه كانت دوبرينيا تتعرض لهجمات منتظمة وقصف كثيف من جانب جيش جمهورية صربسكا . ولم يكن في المنطقة مستشفى خاص بها. وكلما أراد السكان ترك حيّهم للتوجه إلى أجزاء أخرى من سراييفو، كان عليهم أن يعبروا نقاط التفتيش التي يسيطر عليها جيش جمهورية صربسكا .

2-2 وإبراهيم دوريتش هو صانع أقفال جُنّد في الجيش البوسني منذ بداية النزاع ( ) . وفي 14 أيار/مايو 1992، استقل إبراهيم دوريتش ، بصفته المدنية، شاحنة صغيرة رفقة صديقه زليمير فيدوفيتش لنقل جار جريح إلى مستشفى سراييفو. فأوقفهما عناصر من جيش جمهورية صربسكا عند نقطة تفتيش في شارع كاسندولسكا في دوبرينيا واستجوبوهما. وبعد أن أفصحا عن وجهتهما، سُمح لهما بعبور نقطة التفتيش. لكنهما أوقفا واستجوبا مجدداً لدى عودتهما من المستشفى. وكانت تلك المرة الأخيرة التي شوهد فيها إبراهيم دوريتش وصديقه زليمير فيدوفيتش على قيد الحياة.

2-3 وكان السيد فيدوفيتش لاعب كرة قدم مشهور متزوج من صربية. وعند اختفائه رفقة إبراهيم دوريتش ، حاولت زوجته على الفور الاتصال بجميع معارفها للتعرف على مصير زوجها وإبراهيم دوريتش ومكان وجودهما. ويوم اختفائهما القسري، أُخبرت بأنهما اقتيدا إلى ثكنة الجيش الوطني اليوغوسلافي العسكرية في ضواحي ندزاريتشي ، قرب نقطة التفتيش في شارع كاسندولسكا ، للاستجواب. وفي الأيام التالية، وصلت زوجة فيدوفيتش إشاعات بأن زوجها وصديقه قُتلا تعسفاً لكنها لم تتسلم أي معلومات رسمية من السلطات المحلية. وبعد انتهاء الحرب وُجد رفات السيد فيدوفيتش في ايليزا ، وهي ضاحية أخرى من ضواحي سراييفو كانت خلال النزاع تحت سيطرة جيش جمهورية صربسكا . أما مصير إبراهيم دوريتش فلا يزال مجهولاً.

2-4 وحين وقع إبراهيم دوريتش ضحية الاختفاء القسري، كان صاحبا البلاغ ونظيف دوريتش ، والد إبراهيم دوريتش ، محتجزين في معسكرات اعتقال مختلفة ( ) بعد توقيفهم على يد عناصر من جيش جمهورية صربسكا في 4 أ ي ار /مايو 1992. وفي 13 أيار/مايو 1992، سُمح للنساء (ومن بينهن نفزيتا دوريتش ) والشباب (ومن بينهم ندزاد دوريتش ) بمغادرة المعسكر بمساعدة الصليب الأحمر المحلي في فيسوكو. وفي وقت لاحق من نفس الشهر، هرب نظيف دوريتش من المعسكر الذي كان محتجزاً فيه وتمكّن من جمع شمله مع نفزيتا دوريتش وندزاد دوريتش . وفي حزيران/يونيه 1992 انتقل الجميع إلى بريزا، وهي أقرب قرية إلى المعسكر. وعلموا بعد وصولهم إلى هناك باختفاء إبراهيم دوريتش . وأبلغ ندزاد دوريتش من دون تأخير مكتب الصليب الأحمر المحلي في سراييفو باختفاء شقيقه القسري. وفي 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2002، تلقّت نفزيتا دوريتش إفادة صادرة عن اللجنة الحكومية المعنية بالبحث عن المفقودين تشير إلى أن إبراهيم دوريتش مسجّل في عداد المفقودين منذ 14 أيار/مايو 1992. وأصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إفادة أخرى في 9 كانون الأول/ديسمبر 2002 تشير إلى أن إبراهيم دوريتش سُجّل على قائمة المفقودين وأن إجراء البحث عنه قد بدأ.

2-5 وفي 24 أيلول/سبتمبر 2003، تسلّمت نفزيتا دوريتش قراراً من محكمة سراييفو البلدية يعلن وفاة إبراهيم دوريتش . ويرد في القرار أن التاريخ الرسمي لوفاته هو 17 أيار/ مايو 1992 وأن مكان الوفاة هو ايليدزا . ولم تُبين المحكمة في قرارها المعايير التي استندت إليها لتحديد زمان ومكان وفاة إبراهيم دوريتش ، وظلّ مصيره ومكان وجوده مجهولين. وكان إعلان الوفاة ضرورياً لكي تُؤهل عائلة إبراهيم دوريتش للحصول على "معاش عجز" وفق ما ينص عليه القانون الخاص بحقوق الجنود المسرحين وأسرهم. واستلم السيد نظيف دوريتش بدوره شهادة تفيد بأن إبراهيم دوريتش كان جندياً في الجيش البوسني رغم أنه كان يتصرف بصفته المدنية حين أوقف واختفى. وأصدر مكتب حماية الجنود المعوقين التابع لبلدية فوغوستشا قراراً في 11 كانون الثاني/يناير 2004 يُقرّ بحق نفزيتا دوريتش في الحصول على معاش شهري يبلغ 315.62 ماركاً بوسنياً ( ) . ويدفع المعاش على شكل مساعدة اجتماعية ولا يمكن اعتباره إجراءً كافياً للتعويض عن الانتهاكات التي حدثت.

2-6 وفي 26 تموز/يوليه 2005، قدّمت نفزيتا دوريتش وأعضاء آخرون في جمعية أسر المفقودين من فوغوستشا طلباً إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة لمحكمة البوسنة والهرسك الدستورية. وفي 23 شباط/فبراير 2006، اعتمدت المحكمة الدستورية قراراً بإعفاء الملتمسين في إطار هذا الإجراء الجماعي من شرط استنفاد سبل الانتصاف المحلية أمام المحاكم العادية، إذ لا يوجد، فيما يبدو، مؤسسة متخصصة معنية بالاختفاء القسري في البوسنة والهرسك تعمل بصورة فعالة ( ) . وتبين للمحكمة أيضاً حدوث انتهاك للمادتين 3 و8 من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية (الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان)، نظراً إلى عدم وجود معلومات عن مصير إبراهيم دوريتش . وأمرت المحكمة السلطات الحكومية المعنية بأن تزود الأسر بجميع المعلومات المتاحة عن إبراهيم دوريتش ، وتكفل حسن سير المؤسسات المنشأة بموجب القانون الخاص بالمفقودين، وتقدم إلى المحكمة الدستورية معلومات عن التدابير المتخّذة لتنفيذ القرار المذكور. ولم تتخذ المحكمة الدستورية أي قرار بشأن التعويض، معتبرةً أن هذه المسألة مشمولة بالأحكام الخاصة بالدعم المالي، الواردة في القانون الخاص بالمفقودين، وبإنشاء الصندوق الخاص بدعم أسر المفقودين. وقد أعرب صاحبا البلاغ عن الأسف لكون الأحكام المشار إليها التي تتناول مسألة الدعم المالي لم تُنفذ ولكون الصندوق لم يُنشأ بعد.

2-7 وانقضت المهلة الزمنية التي حددتها المحكمة الدستورية في قرارها ولم تسلم المؤسسات المعنية أية معلومات عن الأشخاص المفقودين، ولم تزود المحكمة بأية معلومات عن التدابير المتخذة لتنفيذ قراراها. وفي 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2006، أصدرت محكمة البوسنة والهرسك الدستورية حكماً بموجب المادة 63-6 من نظامها الداخلي ( ) ، أعلنت فيه أن المؤسسات المعنية لم تفلح في إنفاذ قرارها المؤرخ 23 شباط/فبراير 2006. وقرار المحكمة هذا نهائي وملزم وكان ينبغي أن يُرسل إلى مكتب المدعي العام المسؤول عن ملاحقة من لم ينفّذوا قرارات المحكمة. وعلى حدّ علم صاحبي البلاغ، لم يتّخذ مكتب المدعي العام أية تدابير لهذا الغرض. ولم تكلّ نفزيتا دوريتش على مدى 17 عاماً من تقديم طلبات إلى مختلف السلطات الرسمية للحصول على معلومات عن ابنها. ورغم كل محاولاتها لم تحصل لا هي ولا ابنها ندزاد دوريتش على أية معلومات مقبولة عن مصير إبراهيم دوريتش بعد تاريخ 14 أيار/مايو 1992. ويؤكّد صاحبا البلاغ أن لا سبيل انتصاف آخر يمكن استنفاده. وصمت السلطات الرسمية وعدم مبالاتها بحرصهما على التعرف على مصير إبراهيم دوريتش تسبّبا بإحباط واكتئاب عميقين لصاحبي البلاغ.

الشكوى

3-1 بخصوص استنفاد سبل الانتصاف المحلية، يشير صاحبا البلاغ إلى أنهما قررا أن تكون والدة ندزاد دوريتش الممثل الوحيد للعائلة المكلف رسمياً برفع الشكاوى إلى السلطات المعنية، تفادياً لأي لغط أو ازدواجية في الإجراءات. لكن ندزاد دوريتش ساهم مساهمة كبيرة في كل عمليات البحث وتقديم الشكاوى. وأشار صاحبا البلاغ كذلك إلى ما خلصت إليه المحكمة الدستورية من نتائج تفيد بأن "إحالة ملف القضية إلى المحاكم العادية للبوسنة والهرسك لن تجدي نفعاً" وبأنه لا توجد مؤسسة متخصصة معنية بالأشخاص المفقودين في البوسنة والهرسك تعمل بصورة فعالة ( ) . والحكم الذي أصدرته محكمة البوسنة والهرسك الدستورية في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2006، بشأن إخفاق سلطات البوسنة والهرسك في إنفاذ القرار الذي اتخذّته في 23 شباط/فبراير 2006، حكم نهائي وملزم. ولم يبقَ بالتالي لصاحبي البلاغ أي سبيل انتصاف فعال ليستنفداه .

3-2 أما عن مقبولية البلاغ من حيث الاختصاص الزمني، يشير صاحبا البلاغ إلى أنه، رغم وقوع الأحداث قبل دخول البروتوكول الاختياري حيز النفاذ في الدولة الطرف، تمثل حوادث الاختفاء القسري للأشخاص، في ذاتها، انتهاكاً مستمراً لعدد من حقوق الإنسان ( ) . وفي القضية هذه، يشير صاحبا البلاغ إلى ما يلي (أ) عدم توفر معلومات عن أسباب وظروف اختفاء إبراهيم دوريتش ؛ (ب) عدم مبادرة السلطات الوطنية، بحكم وظيفتها، إلى إجراء تحقيق سريع ونزيه وشامل ومستقل في قضية توقيفه التعسفي ومن ثم اختفائه القسري؛ (ج) الإخفاق في تحديد هوية المسؤولين وملاحقتهم وإنزال العقاب بهم؛ (د) عدم توفير سبيل انتصاف فعال لإبراهيم دوريتش وعائلته. ويعتبر صاحبا البلاغ أن تلك الانتهاكات لحقوق الإنسان المكفولة لهم تواصلت بعد دخول البروتوكول الاختياري حيز النفاذ في الدولة الطرف، وأنها تشكل خرقاً للمواد 6 و7 و9 و10 و16 مقترنةً بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

3-3 ويدعي أصحاب البلاغ أن مسؤولين في الدولة احتجزوا إبراهيم دوريتش احتجازاً تعسفياً وغير قانوني في 14 أيار/مايو 1992، وأنه لا يزال مجهول المصير. وذكّر صاحبا البلاغ بأن اختفاء إبراهيم دوريتش القسري حصل في سياق الهجمات الواسعة النطاق والمنهجية على السكان المدنيين وأنه يبلغ بالتالي حد جريمة ضد الإنسانية، "تنجر عنها مسؤولية مشدّدة على الدولة الطرف" ( ) . ويضيف صاحبا البلاغ أن إبراهيم دوريتش شوهد لآخر مرة وهو على قيد الحياة في 14 أيار/مايو 1992 في قبضة موظفين حكوميين وفي ظروف فيها خطر على حياته، ما يدفع إلى الاعتقاد أن سلامته الشخصية كانت معرضة لضرر لا يمكن إصلاحه، وأن حياته كانت في خطر. ويلفت صاحبا البلاغ النظر إلى أنه عُثر على رفات زليمير فيدوفيتش الذي سُلب حريته في نفس الوقت مع إبراهيم دوريتش في اليدزا ، في حين يبقى مكان وجود إبراهيم دوريتش مجهولاً. ويدعي صاحبا البلاغ أن الدولة الطرف لم تف بواجبها اتخاذ التدابير الملائمة لحماية حياة شخص منتهكةً بذلك المادة 6 مقروءة بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد ( ) .

3-4 وبخصوص الانتهاك المزعوم للمادة 9 من العهد، يعتبر صاحبا البلاغ أنه رغم ما ورد في إفادة أحد الشهود من أن ابراهيم دوريتش موجود في ثكنة الجيش الوطني اليوغوسلافي العسكرية في ضواحي ندزاريتشي ( ) ، فلم يُدوّن احتجازه في أي سجل رسمي. ولم يمثل إبراهيم دوريتش يوماً أمام قاضٍ ولم يتمكن من الطعن في مشروعية إجراء سلب حريته. ويرى صاحبا البلاغ أن مسؤولية كشف مصير إبراهيم دوريتش تقع على عاتق الدولة الطرف. ويدفع صاحبا البلاغ بأن الخطورة الشديدة لجريمة الاختفاء القسري وأوجهها المتعددة ( ) تفضي إلى استنتاج مفاده أن "حظر اختفاء الأشخاص القسري وما ينجر عنه من التزام بالتحقيق وبمعاقبة المسؤولين قد بلغا مرتبة القواعد الآمرة" ( ) . وعلى الرغم من الطلبات العديدة التي تقدم بها صاحبا البلاغ، لم تعطِ الدولة الطرف أي توضيح ولم تبذل أي جهود للتحقيق في الاحتجاز التعسفي وغير القانوني لإبراهيم دوريتش وفي اختفائه القسري، أو للكشف عن مصيره. ويعتبر صاحبا البلاغ بالتالي أن الدولة الطرف انتهكت المادة 9 مقروءةً بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من المعهد.

3-5 ويرى صاحبا البلاغ أن اختفاء إبراهيم دوريتش القسري يعتبر أيضاً معاملة مخالفة للمادة 7 مقروءة بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد. ويشير صاحبا البلاغ في هذا الصدد إلى الآراء السابقة للجنة التي اعتبرت أن "اختفاء الأشخاص لا يمكن فصله عن المعاملة التي تشكل انتهاكاً للمادة 7 من العهد" ( ) ، وأن حجم المعاناة التي يسببها الاعتقال دون التواصل مع العالم الخارجي طوال مدة غير محددة يُعدّ تعذيباً" ( ) . بالإضافة إلى ذلك، فالدولة الطرف ملزمة بالتحقيق في جميع الادعاءات بالتعذيب وضمان تقديم المسؤولين إلى العدالة.

3-6 ويدعي صاحبا البلاغ أيضاً حدوث انتهاك للمادة 10 مقروءةً بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، لأن الحالة المشروحة في هذا البلاغ تشكّل حالة اختفاء قسري لم يمنح فيها إبراهيم دوريتش فرصة التواصل مع العامل الخارجي.

3-7 بالإضافة إلى ذلك، يعتبر صاحبا البلاغ أن اختفاء إبراهيم دوريتش القسري انجرّ عنه تعليق تمتعه بجميع حقوق الإنسان الأخرى، ما جعله في حالة عجز قصوى. وأضافا أن مساعيهما من أجل ممارسة سبل انتصاف محتملة اصطدمت بعراقيل. وأشارا إلى اجتهادات اللجنة التي مفادها أن إخفاق السلطات في إجراء تحقيق يحرم الشخص المختفي من حماية القانون ( ) ، ما يشكل انتهاكاً للمادة 16، مقروءةً بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

3-8 ويزعم صاحبا البلاغ كذلك أنهما بدورهما ضحايا انتهاك البوسنة والهرسك للمادة 7 مقروءةً بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، لما لحق بهما من ضيق وكرب نفسيين شديدين من جراء (أ) اختفاء إبراهيم دوريتش ؛ (ب) اشتراط إعلان وفاته للحصول على معاش؛ (ج) استمرار الشكوك حول مصيره ومكان وجوده؛ (د) عدم إجراء تحقيق وعدم توفر سبيل انتصاف فعال؛ (ﻫ) خطر الإفلات من العقاب الذي خيّم على قضية إبراهيم دوريتش . ويشير صاحبا البلاغ إلى الآراء السابقة للجنة التي اعتبرت فيها أن المادة 7 من العهد انتُهكت بسبب الضيق والكرب النفسيين الشديدين اللذين لحقا بأقرباء فقدوا واحداً من أحبائهم نتيجة الاختفاء القسري، واستمرار جهلهم لمصيره ومكان وجوده ( ) .

ملاحظات الدولة الطرف

4-1 قدمت الدولة الطرف ملاحظاتها في 12 نيسان/أبريل 2011. وتشير الدولة الطرف إلى الإطار القانوني الذي وضعته لملاحقة مرتكبي جرائم الحرب في فترة ما بعد الحرب، أي اعتباراً من كانون الأول/ديسمبر 1995. وتفيد الدولة الطرف بأن استراتيجية وطنية لمعالجة قضايا جرائم الحرب اعتُمدت في كانون الأول/ديسمبر 2008، بهدف إتمام إجراءات محاكمة مرتكبي أكثر جرائم الحرب تعقيداً في مهلة سبع سنوات، ومرتكبي "جرائم الحرب الأخرى" في مهلة 15 سنة اعتباراً من اعتماد الاستراتيجية. وتشير الدولة الطرف أيضاً إلى اعتماد القانون الخاص بالأشخاص المفقودين لعام 2004 الذي يقضي بإنشاء المعهد المعني بالمفقودين وتذكّر بأن ما يناهز 000 32 شخص فقدوا خلال الحرب، وأنه عُثر على رفات 000 23 شخص وحُددت هويات 000 21 ضحية.

4-2 وتشير الدولة الطرف في ملاحظاتها إلى أن مكتباً إقليمياً أنشئ في استوكنو سراييفو، في حين أُنشئ مكتب ميداني ووحدات ميدانية في سراييفو. وتعتبر الدولة الطرف أن تلك المبادرات توفّر الظروف المؤاتية لتسريع عمليات البحث عن الأشخاص المفقودين في سراييفو وزيادة فعاليتها. فالمحققون العاملون في تلك المكاتب ينزلون إلى الميدان يومياً لجمع معلومات عن وجود مقابر جماعية محتملة والاتصال بالشهود. وتفيد الدولة الطرف كذلك بأن جثث 38 شخصاً اختفوا في 14 أيار/مايو 1992 في شارع كاسيندولسكا استُخرجت بين 23 و25 أيار/ مايو 2007، ثم أُعيدت إلى أسرها بعد التعرف على هويات أصحابها. ولكن رغم أن المعهد المعني بالأشخاص المفقودين يملك عيّنات دم لأفراد عائلة إبراهيم دوريتش ، فلم يُعثر على جثته.

4-3 وتحيل الدولة الطرف أيضاً تقريراً من رئيس بلدية فوغوسكا الذي يشير إلى إقامة نصب تذكاري لإحياء ذكرى ضحايا الاختفاء القسري، ويفيد بأن البلدية تبذل قصارى جهدها لدعم عملية البحث عن الأشخاص المفقودين، ويعتبر أن "على جميع المؤسسات المختصة أن تتخّذ التدابير الضرورية لتحديد مكان وجود جثث المفقودين واستخراجها والتعرّف على هويات أصحابها، وإعادة الرفات إلى ذوي الأشخاص المفقودين ليتمكنوا من دفنها بكرامة".

تعليقات صاحبي البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف

5-1 قدم صاحبا البلاغ تعليقاتهما في 12 أيار/مايو 2011. وهما يشيران إلى التعليق العام للفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي رقم 9(2010) بشأن الاختفاء القسري بوصفه جريمة مستمرة ( ) . ويرى صاحبا البلاغ أن ملاحظات الدولة الطرف تقيم الدليل على أن إبراهيم دوريتش لا يزال مسجلاً بوصفه شخصاً مفقوداً "مجهول المصير"، ويفيدان بأنه قد تعذر الحصول على معلومات مطابقة باستخدام أداة التقصي الإلكترونية التي أنشأتها اللجنة الدولية المعنية بالمفقودين. لذلك، لا تزال عملية البحث جارية تحت مسؤولية سلطات البوسنة والهرسك.

5-2 ويرى صاحبا البلاغ أن الدولة الطرف لا تعترض في ملاحظاتها على الادعاءات الواردة في البلاغ، ولا تشير إلى أي تحقيق جارٍ لتحديد المسؤولين عن اختفاء إبراهيم دوريتش ، أو أي تدابير اتخذت للكشف عن مصيره ومكان وجوده. ويشير صاحبا البلاغ إلى أن أياً من المكتب الإقليمي في ايستوكنو سراييفو أو المكتب الميداني في سراييفو المشار إليهما في رسالة الدولة الطرف لم يتصل بهما أو بأي من الشهود في قضية إبراهيم دوريتش ، رغم أنهم باستطاعتهم أن يمدّوا السلطات بمعلومات قد تُساعد في تحديد مكان وجود إبراهيم دوريتش . ويفيد صاحبا البلاغ على وجه الخصوص بأنه عُثر على رفات زليمير فيدوفيتش في اليدزا وأن رفات إبراهيم دوريتش قد تكون موجودة هناك أيضاً. ويشير صاحبا البلاغ كذلك إلى ضرورة إشراكهما في مختلف مراحل عملية تحديد مكان وجود رفات إبراهيم دوريتش واستخراجها والتحقق من هوية صاحبها. ويرى صاحبا البلاغ أن استمرار غياب المعلومات عن مصير إبراهيم دوريتش ومكان وجوده وعن التقدم المحرز في التحقيقات ونتائجها يشكل انتهاكاً لحقهما في معرفة الحقيقة ( ) .

5-3 ويُحاج صاحبا البلاغ أيضاً بأن العدد الكبير من جرائم الحرب التي لا تزال تستدعي التحقيق لا يعفي الدولة الطرف من مسؤوليتها عن إجراء تحقيق سريع ونزيه ومستقل ودقيق في حالات الانتهاك الجسيم لحقوق الإنسان وعن إبلاغ أقرباء الضحايا بانتظام بالتقدم المحرز في تلك التحقيقات وبنتائجها. ومنذ عام 1992، أُبلغت سلطات مختلفة باختفاء إبراهيم دوريتش القسري، بما فيها شرطة دوبرينيا . ومع ذلك، لم تتصل أي من السلطات المعنية بصاحبي البلاغ ولم يردهما أي جواب منها.

5-4 ويعتبر صاحبا البلاغ أن تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمعالجة قضايا جرائم الحرب تعتريه شوائب ولا يمكن للدولة الطرف أن تحتج بها للرد على مسألة غياب المعلومات عن التقدم المحرز في التحقيقات الجارية ونتائجها، أو لتبرير عدم اتخاذ السلطات المعنية لأية إجراءات. ويضيف صاحبا البلاغ أن اعتماد استراتيجية العدالة الانتقالية لا يمكن أن يحلّ محلّ وصول ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وأقربائهم إلى القضاء وسبل الجبر.

ملاحظات إضافية مقدمة من الدولة الطرف

6-1 في الفترة بين أيار/مايو وأيلول/سبتمبر 2011 وفي 10 كانون الثاني/يناير و25 أيار/مايو 2012، أرسلت سلطات الدولة الطرف المختلفة ردودها إلى اللجنة ( ) ، وكررت تأكيد المعلومات التي قدمتها سابقاً والتي تسلط الضوء على الجهود التي تبذلها الدولة الطرف للكشف عن مصير جميع المفقودين وأماكن وجودهم. وأشارت الدولة الطرف كذلك إلى أن لا تطور يُذكر حدث في قضية إبراهيم دوريتش وأن لا دليل توفر عن ظروف وفاته أو اختفائه.

6-2 وبخصوص تأكيد صاحبي البلاغ أنهما لم يتسلما معلومات عن حالة ملف قضية إبراهيم دوريتش ، تشير الدولة الطرف إلى أنه بدأ تشغيل قاعدة البيانات المركزية التي تشمل جميع قضايا جرائم الحرب العالقة والمنصوص عليها في الاستراتيجية الوطنية لمعالجة جرائم الحرب.

6-3 وأشارت الدولة الطرف كذلك في الرسالتين اللتين قدمتهما في 10 كانون الثاني/يناير و25 أيار/مايو 2012 إلى أن اسم إبراهيم دوريتش لا يظهر في سجلات دائرة المحاربين القدامى في بلدية اليدزا وأن والدته، السيدة نفزيتا دوريتش ، لا تتلقى أي شكل من أشكال الإعانة الاجتماعية. وتفيد الدولة الطرف كذلك بأن أسرة إبراهيم دوريتش لم تتخذ الإجراءات اللازمة للإعلان عن اختفائه "لكي يتسنى للفريق المكلف بسجلات التجنيد في بلدية اليدزا أن يقدم الالتماس إلى المعهد المعني بالمفقودين، وأن يحل بالتالي قضية إبراهيم دوريتش ".

تعليقات إضافية من صاحبي البلاغ

7-1 في 24 آب/أغسطس و14 أيلول/سبتمبر و3 تشرين الأول/أكتوبر 2011، أرسل صاحبا البلاغ تعليقات إضافية للرد على رسالتي الدولة الطرف لأنها لم تقدم فيهما أية معلومات إضافية بشأن اختفاء إبراهيم دوريتش القسري، ولأن عدداً من المسائل التي أثارها صاحبا البلاغ لم يُعالج. لذا يعيدان تأكيد التعليقات التي أورداها في الرسائل السابقة.

7-2 وفي 23 كانون الثاني/يناير و7 حزيران/يونيه 2012، أرسل صاحبا البلاغ تعليقات إضافية على رسالتي الدولة الطرف المقدمتين في 10 كانون الثاني/يناير و25 أيار/مايو 2012. ويشير صاحبا البلاغ إلى أن ادعاءات الدولة الطرف التي مفادها أن صاحبي البلاغ لم يتخذا الإجراءات اللازمة للإعلان عن اختفاء إبراهيم دوريتش ومن ثم إيجاد حل لقضيتهما، تسببت لهما بمعاناة إضافية وصدمة جديدة. وأعاد صاحبا البلاغ التأكيد على أنهما دأبا بانتظام وتكرار الإبلاغ عن اختفاء إبراهيم دوريتش القسري. وذكّرا أيضاً بأن اختفاء إبراهيم دوريتش أُقرّ رسمياً في الشهادات الصادرة عن اللجنة الحكومية للبحث عن المفقودين واللجنة الدولية للصليب الأحمر واللجنة الدولية للبحث عن المفقودين، كما في قرار المحكمة الدستورية الصادر في 23 شباط/فبراير 2006. ويعتبر صاحبا البلاغ أن الدولة الطرف لم تعترض في أي من الرسالتين اللتين قدمتهما على الحجج التي أورداها بشأن استمرار انتهاك حقوقهما وحقوق إبراهيم دوريتش .

7-3 ووجّه صاحبا البلاغ رسالة أخرى إلى اللجنة في 9 تموز/يوليه 2013 كررا فيها أنه على الرغم من مرور 20 عاماً على اختفاء إبراهيم دوريتش القسري، لم يُفتح أي تحقيق ولم يُعثر على رفاته ولم تُسلم لأسرته؛ ولم يحصل صاحبا البلاغ على أي تعويض على الأذى الذي لحق بهما. وذكّرا أيضاً أنهما أُجبرا على إعلان وفاة إبراهيم دوريتش لكي تتمكن السيدة نفزيتا دوريتش من الحصول على معاش شهري، وأن هذا الأمر سبّب معاناة إضافية لصاحبي البلاغ يعتبران أنها توازي انتهاكاً للمادة 7 مقروءةً بمفردها وبالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

8-1 قبل النظر في أي ادعاءات ترد في بلاغ ما، يتعين على اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، وفقاً للمادة 93 من نظامها الداخلي، أن تقرر ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد.

8 -2 وتأكدت اللجنة، وفقاً لما تقتضيه الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة نفسها ليست قيد البحث في إطار أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية وأن صاحبي البلاغ قد استنفدا جميع سبل الانتصاف المحلية المتاحة.

8-3 وتحيط اللجنة علماً بأن الدولة الطرف لم تطعن في مقبولية البلاغ وأن ادعاءات صاحبي البلاغ بشأن انتهاك المواد 6 و7 و9 و10 و16، مقروءةً بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، وانتهاك المادة 7 مقروءةً بمفردها، شُفعت بأدلة كافية لأغراض المقبولية. ولما كانت جميع معايير المقبولية قد استوفيت، تعلن اللجنة مقبولية البلاغ، وتمضي من ثمَّ إلى النظر في أسسه الموضوعية.

النظر في الأسس الموضوعية

9-1 نظرت اللجنة في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أتاحها لها الطرفان وفقاً للفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

9-2 ويدعي صاحبا البلاغ أن إبراهيم دوريتش وقع ضحية الاختفاء القسري منذ أن اعتقله جيش جمهورية صربسكا بشكل غير قانوني في 14 أيار/مايو 1992 وأنه على الرغم من جهودهما العديدة، لم يُجر تحقيق فوري ونزيه وشامل ومستقل للكشف عن مصيره ومكان وجوده ولتقديم الجناة إلى العدالة. وتذكِّر اللجنة بتعليقها العام رقم 31(2004) بشأن طبيعة الالتزام القانوني العام المفروض على الدول الأطراف في العهد، ومؤداه أن تقاعس دولة طرف عن التحقيق في انتهاكات مزعومة وعن محاكمة مرتكبي انتهاكات معينة (لا سيما التعذيب وما يشابهه من معاملة قاسية ولا إنسانية ومهينة، والإعدامات بإجراءات موجزة وتعسفاً، والاختفاء القسري) يمكن أن يستتبع، في حد ذاته، خرقاً منفصلاً للعهد.

9-3 ولا يزعم صاحبا البلاغ أن الدولة الطرف مسؤولة مسؤولية مباشرة عن اختفاء إبراهيم دوريتش القسري. وتلاحظ اللجنة أنه يمكن استخدام تعبير "الاختفاء القسري" بالمعنى الواسع

ليشمل حالات الاختفاء التي تسببها قوى مستقلة عن الدولة أو مناوئة لها، إلى جانب حالات الاختفاء التي تُعزى إلى الدولة الطرف ( ) .

9-4 وتحيط اللجنة علماً بالمعلومات التي قدمتها الدولة الطرف والتي تفيد بأنها بذلت جهوداً كبيرة على المستوى العام في ضوء عدد حالات الاختفاء القسري المسجلة أثناء النزاع الذي فاق 000 30 حالة. وتشير اللجنة تحديداً إلى أن المحكمة الدستورية أكّدت أن سلطات الدولة الطرف مسؤولة عن التحقيق في اختفاء قريب صاحبي البلاغ؛ وأن آليات محلية أُنشئت لمعالجة حالات الاختفاء القسري وغير ذلك من قضايا جرائم الحرب؛ وأن عينات الحمض النووي DNAالمأخوذة من عدد من الجثث المجهولة قد قورنت بالعينات المأخوذة من عائلة إبراهيم دوريتش ، وخاصة بعد عمليات استخراج الجثث التي أجريت بين 23 و25 أيار/مايو 2007.

9-5 وتّذكِّر اللجنة بآرائها السابقة التي أكدت فيها أن الالتزام بالتحقيق في ادعاءات الاختفاء القسري وبتقديم الجناة للعدالة ليس التزاماً بتحقيق نتيجة، وإنما بإتاحة السُبُل، وأن هذا الالتزام يجب تفسيره بطريقة لا تفرض على سلطات الدولة الطرف عبئاً مستحيلاً أو غير متناسب ( ) .

9 -6 لكن تلاحظ اللجنة في هذه القضية أن الدولة الطرف لم تزوّد لا صاحبي البلاغ ولا اللجنة بمعلومات عن تقدم التحقيق في اختفاء إبراهيم دوريتش ، ولا عن التدابير المحددة التي اتخذتها للتحقيق في اختفائه ولتقديم المسؤولين عن ذلك إلى العدالة. ويرى صاحبا البلاغ أن الجهود المطلوبة لم تُبذل للتحقيق في اختفاء إبراهيم دوريتش أو لإنفاذ قرار المحكمة الدستورية بشأنه. وتحيط اللجنة علماً أيضاً بادعاءات صاحبي البلاغ بأن الدولة الطرف لم تلتمس مساعدتهما أو مساعدة الشهود المتوفرين. فالدولة الطرف تتحدث عن مساع للبحث عن رفات إبراهيم دوريتش لكنها لا تُحدّد أية خطوات اتخذتها لمتابعة التحقيق بوسائل أخرى من قبيل سماع الشهود. وتشير اللجنة أيضاً إلى أن المعلومات المحدودة التي تسنى للأسرة الحصول عليها خلال الإجراءات لم تُقدَّم إليها إلا بناءً على طلبها أو بعد فترات تأخير طويلة، وهو أمر لم تنفه الدولة الطرف. وتعتبر اللجنة أن على السلطات المعنية بالتحقيق في حالات الاختفاء القسري أن تمنح الأسر في الوقت المناسب فرصة المساهمة بما لديها من معلومات لأغراض التحقيق، وأن تتيح للأسر معلومات عن التقدم المحرز في التحقيق على وجه السرعة ( ) . وإذ تأخذ اللجنة بعين الاعتبار كل هذه الظروف، فهي تخلُص إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاك الدولة الطرف للمواد 6 و7 و9 مقروءةً بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، بحق إبراهيم دوريتش .

9-7 و تحيط اللجنة علماً كذلك بالكرب والألم اللذين يعانيهما صاحبا البلاغ نتيجة استمرار حالة عدم اليقين التي يعيشانها بسبب اختفاء إبراهيم دوريتش . وتخلص اللجنة إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاك للمواد 6 و7 و9 مقروءة بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد بحق صاحبي البلاغ، وذلك للأسباب الواردة في الفقرة السابقة.

9-8 وتشير اللجنة كذلك إلى أن الإعانة الاجتماعية المقدمة إلى صاحبي البلاغ كانت مشروطة بقبولهما مبدأ طلب الإعلان عن وفاة قريبهما المختفي، دون التيقن من مصيره ومكان وجوده. وترى اللجنة أن إجبار أُسر الأشخاص المفقودين على طلب إعلان وفاة الشخص للحصول على تعويض، رغم استمرار التحقيق، تجعل التعويض مرتهناً بعملية ضارة، ويشكِّل معاملة لا إنسانية ومُهينة تنتهك المادة 7، مقروءة بمفردها وبالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، بحق صاحبتي البلاغ ( ) .

9-9 وفي ضوء الاستنتاجات المذكورة أعلاه، لن تبحث اللجنة بشكل مستقل ادعاءات صاحبي البلاغ بموجب المادتين 10 و16 مقروءتين بالاقتران م ع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد ( ) .

10- وإن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، إذ تتصرف بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ترى أن الدولة الطرف قد انتهكت المواد 6 و7 و9، مقروءة بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد بحق إبراهيم دوريتش ، والمادة 7، مقروءة منفردة وبالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد بحق صاحبي البلاغ.

11- ووفقاً للفقرة 3 من المادة 2 من العهد، فإن الدولة الطرف مُلزَمة بتوفير سبيل انتصاف فعال لنفزيتا دوريتش وندزاد دوريتش ، بما في ذلك: (أ) مواصلة جهودها لمعرفة مصير إبراهيم دوريتش ومكان وجوده على النحو المنصوص عليه في القانون الخاص بالمفقودين لعام 2004؛ (ب) مواصلة جهودها لتقديم المسؤولين عن اختفائه القسري إلى العدالة دون أي تأخير لا مبرر له، وفق ما تقتضيه الاستراتيجية الوطنية لمعالجة جرائم الحرب؛ (ج ) ضمان تقديم تعويض ملائم. والدولة الطرف مُلزَمة أيضاً بأن تمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل، وبأن تضمن، بشكل خاص، إمكانية إطلاع أُسر المفقودين على التحقيقات بشأن ادعاءات الاختفاء القسري، وتكفل عدم تطبيق الإطار القانوني الحالي على نحو يجعل حصول أسر ضحايا الاختفاء القسري على الاستحقاقات الاجتماعية وعلى جبر الضرر مشروطاً باستصدار شهادة وفاة للضحية.

12- واللجنة، إذ تضع في اعتبارها أن الدولة الطرف بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، قد اعترفت باختصاص اللجنة في تحديد ما إذا كان قد حدث انتهاك للعهد أم لا، وتعهدت عملاً بالمادة 2 من العهد بأن تكفل تمتع جميع الأفراد الموجودين في إقليمها أو الخاضعين لولايتها بالحقوق المعترف بها في العهد، وبأن تتيح سبيل انتصاف فعالاً وقابلاً للإنفاذ إذا ثبت حدوث انتهاك، تود أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون 180 يوماً، معلومات عن التدابير التي اتخذتها لوضع آراء اللجنة موضع التنفيذ. كما تطلب من الدولة الطرف نشر هذه الآراء وتعميمها على نطاق واسع بجميع اللغات الرسمية الثلاث للدولة الطرف.

تذييل

رأي فردي مشترك لعضوي اللجنة السيد فابيان عمر سالفيولي والسيد فيكتور مانويل رودريغيس - ريسثيا (رأي مؤيد)

1- نؤيد القرار الذي اتخذته اللجنة في قضية دوريتش وآخرين ضد البوسنة والهرسك (البلاغ رقم 1956/2010). بيد أننا نعتبر أن الاستنتاج القانوني كان ينبغي أن يركّز على خرق الفقرة 3 من المادة 2 مقروءة بالاقتران مع المواد 6 و7 و9 من العهد، لأن الانتهاك الذي تنجر عنه مسؤولية البوسنة والهرسك ينجم عن عدم توفّر سبيل انتصاف فعال من حالات الاختفاء القسري وتداعياتها. ولا يمكن تحميل البوسنة والهرسك مسؤولية حالات الاختفاء القسري لأن من ارتكبها هو جيش جمهورية صربسكا .

2- وفي هذه الآراء التي خلصت فيها اللجنة إلى وقوع انتهاك للمواد 6 و7 و9، مقروءة بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، لا تتقيد اللجنة بآرائها السابقة التي اعتمدتها في قضية ريزفانوفيتش ضد البوسنة والهرسك (البلاغ رقم 1997/2010) من دون أن تشرح السبب.

3- لكننا نرى في المقابل أن اللجنة أصابت حين خلصت إلى حدوث انتهاك مباشر للمادة 7 بحق صاحبي البلاغ لأن حصولهما على استحقاقات اجتماعية معيّنة كان مشروطاً بموافقتهما على الإقرار بوفاة قريبهما رغم أن مصيره ومكان وجوده ظلاّ مجهولين.