الأمم المتحدة

CCPR/C/130/D/2639/2015

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

Distr.: General

31 March 2021

Arabic

Original: French

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

الآراء التي اعتمدتها اللجنة بموجب المادة 5 ( 4 ) من البروتوكول الاختياري، بشأن البلاغ 2639/2015 * **

بلاغ مقدم من:

تسعديت بركاوي (يمثلها محام من منظمة الكرامة)

الشخص المدعى أنه ضحية:

صاحبة البلاغ وعاشور بركاوي (شقيق صاحبة البلاغ)

الدولة الطرف:

الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ:

4 حزيران/يونيه 2015 ( تاريخ الرسالة الأولى )

الوثائق المرجعية:

القرار المتخذ عملاً بالمادة 92 من النظام الداخلي للجنة، المحال إلى الدولة الطرف في 5 تموز/يوليه 2015 ( لم يصدر في شكل وثيقة ) ‬

تاريخ اعتماد الآراء:

19 تشرين الأول/أكتوبر 2020

الموضوع:

الاختفاء القسري

المسائل الإجرائية:

استنفاد سبل الانتصاف المحلية

المسائل الموضوعية:

الحق في سبيل انتصاف فعال؛ المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ حرية الفرد والأمان على شخصه؛ الكرامة الإنسانية؛ الاعتراف بالشخصية القانونية؛ الحق في الحياة الأسرية

مواد العهد:

2 ( 3 ) و 6 ( 1 ) و 7 و 9 و 10 ( 1 ) و 16 و 23 ( 1 )

مواد البروتوكول الاختياري:

2 و 3 و 5 ( 2 )

1 - 1 صاحبة البلاغ هي تسعديت بركاوي ، وهي مواطنة جزائرية. وتدفع صاحبة البلاغ بأن شقيقها عاشور بركاوي ، المولود في 10 تموز/يوليه 1961 والجزائري الجنسية، ضحية اختفاء قسري منسوب إلى الدولة الطرف، وأن ذلك يُمثل انتهاكاً للمواد 2 ( 3 ) و 6 ( 1 ) و 7 و 9 و 10 و 16 و 23 ( 1 ) من العهد. وتدعي صاحبة البلاغ كذلك أنها وأسرتها ضحايا انتهاكات المواد 2 ( 3 ) و 7 و 23 ( 1 ) من العهد. وقد دخل العهد والبروتوكول الاختياري الملحق به حيز النفاذ بالنسبة إلى الدولة الطرف في 12 كانون الأول/ديسمبر 1989 . ويمثل محام من منظمة الكرامة السيدة تسعديت بركاوي .

1 - 2 وفي 28 كانون الثاني/يناير 2016 ، قررت اللجنة، عن طريق المقرر الخاص المعني بالبلاغات الجديدة والتدابير المؤقتة، عدم فصل ال نظر في مقبولية البلاغ عن أسسه الموضوعية.

الوقائع كما عرضتها صاحبة البلاغ

2 - 1 كان عاشور بركاوي ، الأب لطفل واحد، يعمل موظفاً بدائرة الضرائب وعضواً في المجلس الشعبي البلدي للعاصمة الجزائرية (بلدية المدينة)، منتخباً ضمن قائمة الجبهة الإسلامية للإنقاذ ( ) . وأوقف في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1994 - بينما كان في محطة الحافلات أمام القصر الرئاسي بالجزائر - من قِبل مجموعة ضباط من قوات الأمن، كان بعضهم يرتدي ملابس مدنية، والبعض الآخر زياً رسمياً. فقد حضر الضباط، وبعضهم يرتدي أقنعة سوداء، في سيارتين للشرطة وسيارة من دون لوحات. بعدها، قيَّدوا عاشور بركاوي ، وأجبروه على ركوب إحدى السيارتين، واقتادوه إلى جهة مجهولة. ومنذ ذلك الحين، لم تسمع أسرته أي شيء عنه، بالرغم من كل الجهود التي بذلتها للعثور عليه.

2 - 2 وفوْر توقيف عاشور بركاوي ، الذي عاينه شهود في مكان الحادث وأبلغوا به في اليوم نفسه، ذهبت صاحبة البلاغ إلى مركز الشرطة المحلي لمعرفة ما إذا كان الضحية موجوداً هناك. ف ردَّ عليها الضابط المناوب بأنه لا يعلم شيئاً عن توقيفه هذا. فذهبت إلى مستشفى مصطفى في وسط العاصمة للاستفسار عن مصير شقيقها، والخوف يساورها من أن الشرطة أعدمته بإجراءات موجزة، كما كان شائعاً بشكل خاص حينها.

2 - 3 وتوجهت صاحبة البلاغ بعد ذلك إلى محكمة بئر مراد رايس، التابعة لبلدية المرادية، لمعرفة ما إذا كان عاشور بركاوي قد مثل أمام المدعي العام للمحكمة. لكن القاضي رفض استقبالها، فأحالها مكتب المدعي العام إلى محكمة العاصمة، وأكد لها أن مكتب المدعي العام هناك هو صاحب الاختصاص الوحيد. وقد بذلت صاحبة البلاغ مساع ي جديدة مرات عديدة، واتصلت بمكتب المدعي العام في العاصمة، الذي زارته في مناسبات عديدة؛ وكانت تأمل طوال أشهر عديدة في الحصول على معلومات عن شقيقها، لكن دون جدوى.

2 - 4 وبعد أسبوع من توقيف عاشور بركاوي ، بلغ أسرتَه من شخص ي ن أُطلق سراحهما بُعيد ذلك من مركز الاحتجاز بمركز شرطة المدينة، أن عاشور بركاوي كان لا يزال محتجزاً هناك يوم الإفراج عنهما . وأفاد الشاهدان أيضاً بأنهما تعرضا لتعذيب شديد. وبعد أسابيع قليلة من اختطاف عاشور بركاوي ، تلقت الأسرة تأكيداً من مصدر مقرب من الشرطة بأنه كان في مركز الاحتجاز بمدرسة الشرطة بشاطونوف في بن عكنون، أحد أهم مراكز العزل التام في العاصمة.

2 - 5 وفي اليوم التالي من اختطاف عاشور بركاوي ، ذهبت زوجته إلى مركز شرطة المدينة للاستفسار عن مصيره، لكن الضباط ادعوا أن ليس لديهم أي معلومات عنه. وأمام إصرار زوجته التي عادت وطلبت معلومات عنه بعد أسبوع، اعترفت شرطة المدينة أخيراً بأن عاشور بركاوي كان مُحتجزاً بالفعل في مركز الشرطة، لكنه سُلِّم إلى دائرة أخرى.

2 - 6 وفي 10 تموز/يوليه 1996 ، قدمت صاحبة البلاغ شكوى إلى اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان بشأن اختفاء عاشور بركاوي . وفي 15 آذار/مارس 1998 ، أي بعد سنتين تقريباً، راسلتها اللجنة الوطنية واعترفت باستلامها رسالتها المؤرخة 10 تموز/يوليه 1996 ، وأضافت أنه "وفقاً للمعلومات التي تلقتها من دوائر الأمن، اقتاد رجلان مسلحان مجهولان يرتديان زياً رسمياً الضحية، وبعد التحقق من هويته، أخذاه إلى جهة مجهولة". وذكرت اللجنة الوطنية أن القضية كانت موضوع تقرير رسمي أعده لواء الدرك الوطني بالمرادية في 11 كانون الثاني/يناير 1997 ، أحيل إلى محكمة العاصمة. ولم يُشر رد اللجنة الوطنية على وجه الخصوص إلى أي تحقيق فعلي أجرته السلطات، على الرغم من أن الاختطاف وقع في وسط العاصمة، أمام مقر رئاسة الجمهورية. وإضافة إلى ذلك، لم تتمكن أسرة عاشور بركاوي من الحصول على نسخة من المحضر الرسمي الذي يُزعم أن لواء الدرك الوطني أعده. ولهذا السبب، خاطبت الأسرة اللجنة الوطنية مرة أخرى، التي ردت عليها في 5 حزيران/يونيه 1999 أن البحث عن مصير عاشور بركاوي لم ينجح، وزعمت هذه المرة أن تحقيقاً فُتح في هذا الأمر.

2 - 7 وفي المحضر المؤرخ 7 حزيران/يونيه 1997 ، أبلغ أحد مفوضي شرطة الأمن الحضري للمرادية صاحبة البلاغ بأن شقيقها "لم يمثل قط أمام العدالة" وأنه "لا يملك أي معلومات بشأنه"، مما أدخل الأسرة في حالة من عدم اليقين التام بشأن مصيره. وفي المحضر المؤرخ 15 تموز/يوليه 1997 ، أبلغ أحد ضباط شرطة الأمن الحضري لوسط العاصمة بدوره صاحبة البلاغ - بناء على طلب المدعي العام للعاصمة – بما زعم أنه تحقيق في اختفاء عاشور بركاوي لم يسفر عن أي شيء.

2 - 8 وفي 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2003، أُرسلت شكوى جديدة بشأن الاحتجاز التعسفي إلى المدعي العام للعاصمة. وفي 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2003، وجهت الأسرة رسالة إلى رئيس الحكومة أبلغته فيها بجميع المساعي التي بذلتها للعثور على عاشور بركاوي ، وبعدم مراعاة شكاواها الجنائية، وطلبت إليه إعطاء التعليمات اللازمة لوضع حد للمأساة التي تعانيها. وفي 3 كانون الثاني/يناير 2004، ردّت دائرة رئيس الحكومة على هذه الرسالة، واكتفت بالإشارة إلى أن "الملف أحيل إلى اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، المسؤولة عن هذه القضايا"، ونصحت الأسرة "بالاتصال مباشرة بهذه المؤسسة".

2 - 9 وبموازاة هذه المساعي، أبلغت والدة عاشور بركاوي وزير العدل بالوضع وطلبت تدخله، لكنها لم تحصل على أي رد منه. وأرسلت الأسرة في 14 شباط/فبراير 2006 ، بعد دخول ميثاق السلم والمصالحة الوطنية حيز النفاذ، طلباً إلى السلطات لتقديم تقرير عن حالة الاختفاء هذه، لكي تتمكن من اتخاذ الإجراءات القانونية التي ينص عليها القانون. وأقرت وزارة الدفاع باستلامها هذا الطلب في 30 نيسان/أبريل 2006 ، وادعت أنها سجلته. ومع ذلك، لم يعرف هذا المسعى أي جديد.

2 - 10 ورغم جميع جهود صاحبة البلاغ، لم يُفتح أي تحقيق جدي. وتشدد صاحبة البلاغ على أنه يستحيل عليها اليوم من الناحية القانونية اللجوء إلى هيئة قضائية بعد صدور الأمر رقم 06 - 01 المؤرخ 27 شباط/فبراير 2006 المتضمِّن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. فقد انعدمت كلياً سبل الانتصاف المحلية، التي لم تكن مفيدة ولا فعالة. وينص ميثاق السلم والمصالحة الوطنية على أنه لا يجوز لأي كان، في الجزائر أو في الخارج، أن "يستعمل جراح المأساة الوطنيّة أو يعتدّ بها للمساس بمؤسسات الجمهوريّة الجزائريّة الدّيمقراطيّة الشّعبيّـة، أو لإضعاف الدولة، أو للإضرار بكرامة أعوانها الذين خدموها بشرف، أو لتشويه سمعة الجزائر في المحافل الدولية"، ويرفض " كل زعم يقصد به رمي الدولة بالمسؤولية عن التسبب في ظاهرة الافتقاد ". ويشير ميثاق السلم إلى أن "الأفعال الجديرة بالعقاب المقترفة من قبل أعوان الدولة الذين تمت معاقبتهم من قبل العدالة كلما ثبتت تلك الأفعال، لا يمكن أن تكون مدعاة لإلقاء الشبهة على سائر قوات النظام العام التي اضطلعت بواجبها بمؤازرة من المواطنين وخدمة للوطن".

2 - 11 وتفيد صاحبة البلاغ بأن الأمر رقم 06 - 01 يحظر اللجوء إلى القضاء تحت طائلة الملاحقة الجنائية، وأن هذا الأمر يعفي الضحايا من ضرورة استنفاد سبل الانتصاف المحلية. ويحظر الأمر أي شكوى بشأن الاختفاء أو الجرائم الأخرى لأن مادته 45 تنص على أنه "لا يجوز الشروع في أي متابعة، بصورة فردية أو جماعية، في حق أفراد قوى الدّفاع والأمن للجمهوريّة، بجميع أسلاكها، بسبب أعمال نفّذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات، ونجدة الأمّة والحفاظ على مؤسسات الجمهوريّة الجزائريّة الدّيمقراطيّة الشّعبية". وبمقتضى هذا الحكم، يجب على السلطة القضائية المختصة إعلان عدم مقبولية أي إبلاغ أو شكوى. وإضافة إلى ذلك، تنص المادة 46 من الأمر نفسه على ما يلي: "يعاقب بالحبس من ثلاث ( 3 ) سنوات إلى خمس ( 5 ) سنوات وبغرامة من 000 250 [دينار جزائري] إلى 000 500 [دينار جزائري]، كلّ من يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أيّ عمل آخر، جراح المأساة الوطنيّة أو يعتدّ بها للمساس بمؤسسات الجمهوريّة الجزائريّة الدّيمقراطيّة الشّعبيّـة، أو لإضعاف الدولة، أو للإضرار بكرامة أعوانها الذين خدموها بشرف، أو لتشويه سمعة الجزائر في المحافل الدولية. وتبــاشر النيــابة العـامّة المتابعات الجزائية تلقائياً. وفي حال العود، تضاعف العقوبة المنصوص عليها في هذه المادة".

2 - 12 وتضيف صاحبة البلاغ أن هذا الأمر بمثابة عفو فعلي عن مرتكبي الجرائم التي وقعت خلال العقد الماضي، بما في ذلك أشد الجرائم خطورة مثل الاختفاء القسري. ويمنع الأمر أيضاً اللجوء إلى القضاء لاستجلاء مصير الضحايا، تحت طائلة عقوبة السجن ( ) . ومن الواضح أن السلطات الجزائرية، بما في ذلك السلطة القضائية، ترفض إثبات مسؤولية أجهزة الأمن، بمن في ذلك المسؤولون الذين يُزعم أنهم وراء اختفاء عاشور بركاوي قسراً. ويحول هذا الرفض دون فعالية سبل الانتصاف التي لجأت إليها أسرته.

الشكوى

3 - 1 تدعي صاحبة البلاغ أن شقيقها ضحية اختفاء قسري، وفقاً للتعريف الوارد في المادة 7 ( 2 ) ‘ 1 ‘ من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والمادة 2 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري ( ) . وعلى الرغم من أن العهد لا يتضمن حكماً محدداً يشير صراحةً إلى حالات الاختفاء القسري، فإن هذه الممارسة تنطوي على انتهاكات للحق في الحياة، والحق في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وحق الفرد في الحرية والأمان على شخصه. وفي هذه القضية، تدعي صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف انتهكت المواد 6 ( 1 ) و 7 و 9 ( الفقرات 1 - 4 ) و 10 ( 1 ) و 16 و 23 ( 1 ) ، مقروءة بمفردها وبالاقتران مع المادة 2 ( 3 ) من العهد.

3 - 2 وتذكّر صاحبة البلاغ بالطابع الأسمى للحق في الحياة، وبأن الدولة الطرف ليست ملزمة بالامتناع عن سلب الشخص حقه في الحياة تعسفاً فحسب، بل إنها ملزمة أيضاً بمنع أي فعل ينطوي على انتهاك للمادة 6 من العهد والعمل على المعاقبة عليه، بما في ذلك عندما يكون الجاني أو الجناة من أعوان الدولة. ‬ وتذكّر صاحبة البلاغ أيضاً بالالتزام الواقع على الدولة بحماية حياة الأشخاص المحتجزين وبالتحقيق في جميع حالات الاختفاء، لأنه من شأن عدم التحقيق فيها أن يشكل في حد ذاته انتهاكاً للمادة 6 من العهد، بما في ذلك في الحالات التي لا يكون فيها أعوان الدولة مسؤولين عن الاختفاء. وتؤكد صاحبة البلاغ أن ضباطاً من قوات الأمن اختطفوا شقيقها في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1994 ، وهو مفقود منذ ذلك الحين. ومما لا شك فيه أن اختفاءه كان نتيجة عملية جرت تحت سيطرة الدولة، وذلك في إطار حملة قمع عام وتحييد واسع النطاق لجميع النشطاء والأعضاء المنتخبين في المجالس البلدية ونواب الجبهة الإسلامية للإنقاذ. وكان ينبغي للسلطات الجزائرية أن تتّخذ جميع التدابير اللازمة لضمان عدم تحول توقيف عاشور بركاوي إلى اختطاف، واحترام حقوقه الأساسية، وعدم وضعه رهن العزل التام ، وذلك بهدف تحقيق جملة أمور منها السماح لأسرته بزيارته بانتظام، والاعتراف بحقه في الاتصال بمحام لمساعدته والطعن في قانونية احتجازه. وبحرمان عاشور بركاوي من جميع حقوقه، ووضعه خارج نطاق حماية القانون، تكون السلطات الجزائرية قد انتهكت التزامها بضمان حقه في الحياة. وتشهد هذه العناصر على عدم وفاء الدولة الطرف بالتزاماتها، وهو ما يشكل انتهاكاً للمادة 6 ( 1 ) من العهد.

3 - 3 وتذكّر صاحبة البلاغ أيضاً بأن الحق في عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة حق مطلق لا يقبل التقييد. وينشئ العزل التام منهجياً بيئة مواتية لممارسة التعذيب، وذلك بالقدر الذي يكون الفرد محروما من حماية القانون. ووفقاً لاجتهادات اللجنة، فقد تشكل هذه الممارسة في حد ذاتها انتهاكاً للمادة 7 من العهد. والدولة الطرف ملزمة بفتح تحقيق بمجرد توجيه انتباهها إلى ادعاء بالعزل التام. وسبق للجنة أيضاً أن شددت في الماضي على أن قوانين العفو تتعارض عموماً مع واجب الدول في التحقيق مع أي شخص مسؤول عن العزل التام ومعاقبته ( ) . وتؤكد صاحبة البلاغ أن احتجاز عاشور بركاوي ذو طابع سري لعدم وجود سجل أو أي إجراء آخر أُبلغت به أسرته. ولما كان قد أوقف من دون أمر قضائي ومن دون أن يُبلَّغ بأسباب ذلك، فإن أسرته لم تتمكن قط من التواصل معه، ولم تقدم إليها أي معلومات مفيدة عن مصيره ومكان وجوده. ولم تفعل الدولة الطرف أي شيء لضمان عدم وضع عاشور بركاوي رهن العزل التام، ولم يُفتح أي تحقيق بشأن ذلك. ولم تقدّم الدولة الطرف أي تفسير منذ توقيف عاشور بركاوي في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1994 . وبالنسبة للشخص المحتجز، تمثّل استحالة التواصل مع العالم الخارجي، الكامنة في العزل التام، معاناة نفسية شديدة وخطيرة بما يكفي لتندرج ضمن نطاق المادة 7 من العهد. وتدفع صاحبة البلاغ بناء على ذلك بأن عاشور بركاوي ضحية انتهاك للمادة 7 من العهد. وحالة الكرب والضيق وعدم اليقين التي ترتبت على اختفاء عاشور بركاوي ، وعدم اعتراف السلطات باختفائه، وعدم إجراء تحقيق في ذلك لأكثر من خمس سنوات، عناصر تشكل معاملة أسرته معاملة لا إنسانية، وتشكل بناء على ذلك انتهاكاً للمادة 7، مقروءة بمفردها وبالاقتران مع المادة 2 ( 3 ) من العهد.

3 - 4 وتُذكّر صاحبة البلاغ بعد ذلك بأن حق الفرد في الحرية وفى الأمان على شخصه، المعترف به في المادة 9 من العهد، يحظر التوقيف والاحتجاز التعسفيين ويفرض على الدولة الطرف توفير عدد من الضمانات الإجرائية. وتدّعي صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف انتهكت حقوق شقيقها المكفولة بموجب المادة 9 من العهد في إطار: الفقرة 1 ( أ ) ، لأن عاشور بركاوي أوقف واحتُجز من دون أمر قضائي ووُضع رهن العزل التام ؛ والفقرة 2 ( ب ) ، لأن الضباط الذين أوقفوا عاشور بركاوي لم يوضحوا أسباب اعتقاله، ولم يقدموا إليه أي أمر بذلك، ولم يتلقّ قط أي إخطار رسمي منذ اعتقاله؛ والفقرة 3 ( ج ) لأن عاشور بركاوي لم يُعرض بعد توقيفه على قاض مختص، ولم يُحاكم ولم يُفرج عنه، ولأن السنوات الخمس والعشرين التي انقضت منذ توقيفه تجاوزت بكثير المدة القصوى للاحتجاز لدى الشرطة، المحددة في إثن ي عشر يوماً المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية فيما يتعلق بالجرائم المرتبطة بالإرهاب؛ والفقرة 4 ( د ) لأن عاشور بركاوي لم يتمكّن إطلاقاً من الطعن في قانونية احتجازه، لأنه كان خارج نطاق حماية القانون.

3 - 5 وتُذكِّر صاحبة البلاغ أيضاً بالطابع الأساسي والعالمي لمبدأ معاملة جميع الأشخاص المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية تحترم الكرامة المتأصلة في شخص الإنسان، كما يرد ذلك في المادة 10 ( 1 ) من العهد. فقد حُرم عاشور بركاوي من أي تواصل مع العالم الخارجي. ولا يتسبب العزل التام بطبيعته في معاناة خطيرة تبلغ حد وصفها بأنها أعمال تعذيب فحسب، بل يعزّز أيضاً ممارسة أفعال لا إنسانية. وبما أن عاشور بركاوي تعرّض لمعاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة، في انتهاك للمادة 7 من العهد، فهو بالأحرى ضحية انتهاك المادة 10 ( 1 ) لأن المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة تتعارض بطبيعتها مع احترام الكرامة المتأصلة في الإنسان.

3 - 6 وتُذكِّر صاحبة البلاغ أيضاً بأن لكل فرد الحق في أن يُعتَرف له بشخصيته القانونية. وتحيل صاحبة البلاغ في هذا الصدد إلى الملاحظات الختامية للجنة بشأن التقرير الدوري الثاني للجزائر المقدم بموجب المادة 40 من العهد ( ) ، التي ارتأت فيها أن الأشخاص المختفين، الذين لا يزالون على قيد الحياة ويخضعون للعزل التام، يُنتهك حقهم في الاعتراف لهم بشخصيتهم القانونية، على النحو المنصوص عليه في المادة 16 من العهد. وبناء على ذلك، يشكل وضع الدولة الطرف عاشور بركاوي رهن العزل التام انتهاكاً للمادة 16 من العهد.

3 - 7 وتُذكِّر صاحبة البلاغ بأن المادة 23 ( 1 ) من العهد تنصّ على حق الأسرة في التمتع بالحماية، وتدفع بأن اختفاء عاشور بركاوي حرم أسرته من حضوره والداً وزوجاً، وأن ذلك يشكّل من ثم انتهاكاً لهذه المادة.

3 - 8 وأخيراً، تُذكِّر صاحبة البلاغ بأن المادة 2 ( 3 ) تضمن إمكانية الحصول على سبل انتصاف فعالة لأي شخص يدّعي وقوع انتهاك لأي حق من حقوقه التي يحميها العهد. وترى صاحبة البلاغ أن عاشور بركاوي ، ضحية الاختفاء القسري، لا يستطيع بحكم الواقع أن يسلك بأي شكل كان أي سبيل من سبل الانتصاف هذه. واستناداً إلى اجتهادات اللجنة، تُذكِّر صاحبة البلاغ بأن الدولة الطرف ملزمة بإجراء تحقيقات في ادعاءات انتهاك حقوق الإنسان، وبمقاضاة الأشخاص المزعوم تورطهم فيها وبمعاقبتهم؛ وترى أن الدولة الطرف، بعدم استجابتها لطلبات أسرة الضحية، تكون قد تقاعست عن التزاماتها بموجب المادة 2 من العهد. ويشكّل الأمر رقم 06 - 01، لا سيما مادته 45، انتهاكاً لالتزام الدولة الطرف بضمان سبيل انتصاف فعال. وبناء على ذلك، طلبت صاحبة البلاغ إلى اللجنة الاعتراف بحدوث انتهاك للمادة 2 ( 3 ) ، مقروءة بمفردها وبالاقتران مع المواد 6، و7، و9، و10، و16، و23 من العهد.

3 - 9 وتطلب صاحبة البلاغ إلى اللجنة أولاً الاعتراف بانتهاك المواد 6 ( 1 ) و 7 و 9 ( 1 - 4 ) و 10 ( 1 ) و 16 و 23 ( 1 ) ، مقروءة بمفردها وبالاقتران مع المادة 2 ( 3 ) من العهد فيما يتعلق بعاشور بركاوي . وتطلب إليها ثانياً الاعتراف بانتهاك المادتين 7 و 23 ( 1 ) من العهد، مقروءتين بمفردهما وبالاقتران مع المادة 2 ( 3 ) من العهد، فيما يتعلق بصاحبة البلاغ وحق أسرته. وتطلب علاوة على ذلك إلى اللجنة التماس ما يلي من الدولة الطرف: (أ) إطلاق سراح عاشور بركاوي إذا كان لا يزال على قيد الحياة؛ و(ب) ضمان حصوله على سبيل انتصاف فعال بإجراء تحقيق دقيق وفعال في الاختفاء القسري لشقيقها وإبلاغها بنتائج التحقيق؛ و(ج) مباشرة إجراءات جنائية ضد المسؤولين المزعومين عن اختفاء عاشور بركاوي وتقديمهم إلى العدالة ومعاقبتهم وفقاً للالتزامات الدولية للدولة الطرف؛ و(د) تقديم تعويض مناسب إلى صاحبة البلاغ وأصحاب الحقوق من ذوي عاشور بركاوي عن الانتهاكات التي تعرض لها .

ملاحظات الدولة الطرف

4 - في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 ، دعت الدولة الطرف اللجنة إلى الرجوع إلى المذكرة المرجعية للحكومة الجزائرية بشأن معالجة مسألة حالات الاختفاء في ضوء تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة، من دون أن ترفق ملاحظاتها بنسخة من هذه المذكرة؛ وطلبت من جهة أن يُنظر في مقبولية البلاغ بمعزل عن أسسه الموضوعية، وطلبت من جهة أخرى إعلان عدم مقبوليته. وبعدما رفضت اللجنة الاستجابة لطلب النظر في مقبولية البلاغ بمعزل عن أسسه الموضوعية، دعت الدولة الطرف اللجنة مرة أخرى في 3 نيسان/أبريل 2017 إلى الرجوع إلى مذكرتها المرجعية، وعدم النظر في أسس البلاغ الموضوعية.

تعليقات صاحبة البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف

5 - 1 في 20 كانون الثاني/يناير 2016 ، قدمت صاحبة البلاغ تعليقات على ملاحظات الدولة الطرف بشأن مقبولية البلاغ. وتشدد صاحبة البلاغ على أن هذه الملاحظات ليست في محلها لأنها موجهة إلى هيئة أخرى معنية بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، أي الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، وقد فات أوانها لأنها تعود إلى تموز/يوليه 2009 . وعلاوة على ذلك، لا تتطرق هذه الملاحظات بتاتا لمقبولية البلاغ أو خصائص القضية أو سبل الطعن التي لجأت إليها أسرة الضحية، مما يدل على عدم جدية السلطات الجزائرية وازدرائها هذا الإجراء.

5 - 2 وتذكّر صاحبة البلاغ بأن أياً من سبل الطعن التي لجأت إليها لم يسفر عن فتح تحقيق فوري أو ملاحقة جنائية، وأن السلطات الجزائرية لم تقدم أي دليل ملموس على بذلها بالفعل جهوداً للعثور على عاشور بركاوي وتحديد هوية المسؤولين عن اختفائه، وترى أنها استنفذت سبل الانتصاف المحلية المتاحة، وأنه يجب على اللجنة إعلان مقبولية البلاغ.

5 - 3 وتستند صاحبة البلاغ إلى اجتهادات اللجنة حيث ارتأت أنه لا يجوز الاحتجاج بميثاق السلم والمصالحة الوطنية ضد الأشخاص الذين يقدمون بلاغاً فردياً، وتذكّر بأن أحكام الميثاق لا تمثل قطعاً معالجة ملائمة لملفات المختفين.

عدم تعاون الدولة الطرف

6 - في 5 تموز/يوليه 2015، و28 كانون الثاني/يناير 2016، و3 شباط/فبراير 2017، و11 كانون الأول/ديسمبر 2018، دُعيت الدولة الطرف إلى التعليق على الأسس الموضوعية للبلاغ. وتلاحظ اللجنة أنها لم تتلق أي رد، وتعرب عن أسفها لامتناع الدولة الطرف عن تقديم أي معلومات في هذا الصدد. والدولة الطرف ملزمةٌ، بموجب المادة 4 ( 2 ) من البروتوكول الاختياري، بأن تنظر بحسن نية في جميع الادعاءات التي تُنسب إليها وإلى ممثليها بانتهاك أحكام العهد، وتوافي اللجنة بما تملك من معلومات ( ) .

القضايا والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

7 - 1 قبل النظر في أي شكوى ترد في بلاغ ما، يتعين على اللجنة، وفقاً للمادة 97 من نظامها الداخلي، أن تحدد ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد.

7 - 2 وقد تأكدت اللجنة، وفقاً لما تنص عليه المادة 5 ( 2 )( أ ) من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة نفسها ليست قيد البحث في إطار أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية.

7 - 3 وتحيط اللجنة علماً بادعاءات صاحبة البلاغ أنها استنفدت جميع سبل الانتصاف المتاحة فيما يتعلق بقضية اختفاء شقيقها. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف اكتفت، في معرض الطعن في مقبولية البلاغ، بإحالتها إلى المذكرة المرجعية للحكومة الجزائرية بشأن معالجة مسألة حالات الاختفاء في ضوء تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وفي هذا الصدد، تذكّر اللجنة بأنها سبق أن أعربت عن قلقها في عام 2018 بشأن تجاهل الدولة الطرف طلباتها المتكررة، إذ دأبت بصورة منهجية على إحالة اللجنة إلى وثيقة عامة نموذجية تُعرف باسم "المذكرة"، من دون الرد بالضبط على ادعاءات أصحاب البلاغات. وبناءً على ذلك، حثت اللجنة الدولة الطرف على التعاون معها بحسن نية في إطار إجراء البلاغات الفردية والتوقف عن إحالتها إلى "المذكرة"، وتقديم رد محدد وفردي بشأن ادعاءات أصحاب البلاغات ( ) .

7 - 4 وتذكّر اللجنة بعد ذلك بأن واجب الدولة الطرف لا يقتصر على إجراء تحقيقات شاملة في انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة التي تُبلَّغ بها سلطاتها فحسب، لا سيما ما تعلّق منها بانتهاك الحق في الحياة، بل من واجبها أيضاً ملاحقة كل شخص يُزعم ضلوعه في هذه الانتهاكات ومحاكمته ومعاقبته ( ) . وقد أبلغت أسرة عاشور بركاوي في مناسبات عديدة السلطات المختصة في الدولة الطرف باختفائه القسري. بيد أن السلطات لم تجر أي تحقيق فعال وشامل في هذا الصدد. وإضافة إلى ذلك، لم تقدم الدولة الطرف حتى اليوم أي أدلّة قد يُستخلص منها توافر سبيل انتصاف فعال ومتاح. وعلاوة على ذلك، لا يزال الأمر رقم 06 - 01 سارياً رغم تشديد اللجنة على ضرورة جعله يمتثل مبادئ العهد ( ) . وتذكّر اللجنة في هذا الصدد بأنها كانت قد أعربت في ملاحظاتها الختامية بشأن التقرير الدوري الرابع للدولة الطرف بوجه خاص عن أسفها لعدم توفير سبيل انتصاف فعال للمختفين و/أو أسرهم، وعدم اتخاذ تدابير لاستجلاء حقيقة اختفائهم، وتحديد مكان وجودهم، وإعادة رفات من توفي منهم إلى أسرته ( ) . وفي ضوء هذه الملابسات، ترى اللجنة أنه لا شيء يمنعها من النظر في الادعاءات المتعلقة بعاشور بركاوي ، وفقاً للمادة 5 ( ب ) من البروتوكول الاختياري.

7 - 5 وفي ضوء التغيير الذي طرأ على الإطار القانوني في عام 2006 ، تلاحظ اللجنة علاوة على ذلك أن صاحبة البلاغ لم تتمكن من المطالبة بحقها في سبيل انتصاف مفيد للإبلاغ باختفاء شقيقها في عام 1994 ، نظراً لعدم وجود سبيل انتصاف لهذا الغرض. وتلاحظ اللجنة أيضاً أن هذا البلاغ قُدم إليها في عام 2015 . وتذكّر اللجنة بأن المادة 99 ( ج ) من نظامها الداخلي تنص على أن البلاغ قد يشكل سوء استخدام للحق في تقديم البلاغات عندما يُقدَّم بعد خمس سنوات من استنفاد صاحبه سبل الانتصاف المحلية. لكن صيغة هذا الحكم تمنح سلطة تقديرية للجنة تمكنها من تحديد الحالات التي لا ينبغي تطبيق الحكم فيها تطبيقاً صارماً. وقد سبق أن نظرت اللجنة في حالات الاختفاء القسري تتعلق بالدولة الطرف. فعلى سبيل المثال، أُحيلت إلى اللجنة في عام 2013 قضية محمود بوجمعة، في حين أنه اختفى في عام 1996 ( ) . وتلاحظ اللجنة أن قضية بوجمعة ضد الجزائر - كما هو الحال في هذه القضية -، لم تثر الدولة الطرف مسألة سوء استخدام البلاغ. وإضافة إلى ذلك، أتيحت للجنة بالفعل في عامي 2007 و 2018 فرصة ملاحظة أن الأمر 06 - 01 يحظر محاكمة ضباط قوات الدفاع والأمن، ويوحي بأنه يعزز الإفلات من العقاب ( ) . وترى اللجنة أن لمناخ الإفلات من العقاب هذا، الذي يسنده الحظر القانوني على العمل بالإجراءات القضائية، أثر اً سلبي اً واضح اً لا يقيد قدرة الضحايا على المطالبة بحقهم في سبيل انتصاف مفيد على الصعيد الوطني فحسب، بل يقيده على الصعيد الدولي أيضاً. ومن شأن إعلان عدم مقبولية هذا البلاغ بحجة سوء استخدام حق تقديم البلاغات أن يشجع الدولة الطرف على مواصلة عرقلة الحق في الانتصاف الفعال لضحايا انتهاك الحق في الحياة. وتذكّر اللجنة أيضاً بأن الاختفاء القسري فعلٌ ذو طبيعة مستمرة، وأن لواجب التحقيق بنفسه طبيعة مستمرة، وهو ما يلغيه هذا الأمر وآثاره في هذه القضية. وبناء على ذلك، لا ترى اللجنة، ضمن الملابسات الخاصة بهذه القضية، أن هذا البلاغ يشكل سوء استخدام لحق تقديم البلاغات.

7 - 6 وترى اللجنة أن صاحبة البلاغ قدمت أدلة كافية لإثبات ادعاءاتها لأغراض المقبولية، وتشرع بناء على ذلك في النظر في الأسس الموضوعية للادعاءات المتعلقة بانتهاك المادة 2 ( 3 ) ، والمادة 6 ( 1 ) ، و 7 و 9 و 10 ( 1 ) ، و 23 ( 1 ) من العهد.

النظر في الأسس الموضوعية

8 - 1 نظرت اللجنة في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أتاحها لها الطرفان، وفقاً للمادة 5 ( 1 ) من البروتوكول الاختياري.

8 - 2 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف اكتفت بإحالتها إلى ملاحظاتها الجماعية والعامة التي سبق أن قدّمتها إلى الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، وإلى اللجنة نفسها فيما يتعلّق ببلاغات أخرى، وذلك من أجل تأكيد موقفها القائل بأنه سبقت تسوية قضايا من هذا القبيل في إطار تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وتحيل اللجنة إلى اجتهاداتها وإلى ملاحظاتها الختامية بشأن التقرير الدوري الرابع للجزائر، وتذكّر بأنه لا يجوز للدولة الطرف أن تتذرّع بأحكام الميثاق المذكور فيما يتعلق بأشخاص يحتجون بأحكام العهد أو قدّموا أو يمكن أن يقدّموا بلاغات إلى اللجنة. فالعهد يقضي بأن تحرص الدولة الطرف على مصير كل شخص، وبأن تعامل كل شخص معاملة تحترم الكرامة المتأصلة في الإنسان. ونظراً إلى أن الدولة الطرف لم تُدخل التعديلات التي أوصت بها اللجنة، فإن الأمر رقم 06 - 01 يُسهم في الإفلات من العقاب في هذه القضية، ولا يمكن اعتباره بناء على ذلك متطابقاً مع أحكام العهد ( ) .

8 - 3 وعلاوة على ذلك، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم ترُد على ادعاءات صاحبة البلاغ بشأن الأسس الموضوعية، وتذكّر باجتهاداتها التي تفيد بأن عبء الإثبات لا يجب أن يقع على عاتق صاحب البلاغ وحده، خاصة وأن صاحب البلاغ لا يتساوى دائماً مع الدولة الطرف في إمكانية الحصول على أدلة الإثبات، وأن المعلومات اللازمة تملكها الدولة الطرف من دون غيرها في معظم الأحيان ( ) . والدولة الطرف ملزمةٌ، بموجب المادة 4 ( 2 ) من البروتوكول الاختياري، بأن تنظر بحسن نية في جميع الادعاءات التي تنسب إليها وإلى ممثليها بانتهاك أحكام العهد، و أن توافي اللجنة بما تملك من معلومات ( ) . وفي حال لم تقدم الدولة الطرف أي توضيح بهذا الشأن، فيتعين عليها إيلاء ادعاءات صاحبة البلاغ الاهتمام الواجب ما دامت أدلة إثباتها كافية.

8 - 4 وتذكّر اللجنة بأنه على الرغم من أن مصطلح "الاختفاء القسري" لا يرد صراحة في أي مادة من مواد العهد، فإن الاختفاء القسري يُشكل مجموعة فريدة ومتكاملة من الأفعال التي تنتهك العديد من الحقوق المكرسة في هذا الصك انتهاكاً مستمراً، مثل الحق في الحياة، والحق في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وحق الفرد في الحرية وفى الأمان على شخصه ( ) .

8 - 5 وتلاحظ اللجنة أن شهود عيان رأوا عاشور بركاوي بعد بضعة أسابيع من توقيفه في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1994 أثناء احتجازه في مركز شرطة المدينة، ثم في مركز مدرسة الشرطة بشاطونوف في بن عكنون. وتلاحظ اللجنة كذلك أن الدولة الطرف لم تقدم أي معلومات عن مصير عاشور بركاوي ، ولم تؤكد احتجازه قط. وتذكّر اللجنة بأن سلب الشخص حريته ثم رفض الاعتراف بذلك، أو رفض الكشف عن مصير الشخص المختفي يعني، في حالات الاختفاء القسري، حرمان هذا الشخص من حماية القانون وتعريض حياته لخطر مستمر وجسيم، والدولة هي المسؤولة عن ذلك ( ) . وفي هذه القضية، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي دليل يمكن أن يثبت أنها أوفت بالتزامها بحماية حياة عاشور بركاوي . وبناءً على ذلك، تخلص اللجنة إلى أن الدولة أخلَّت بالتزامها بحماية حياة عاشور بركاوي ، وهو ما يشكل انتهاكاً للمادة 6 ( 1 ) من العهد.

8 - 6 وتقر اللجنة بحجم المعاناة التي يكابدها الشخص جراء احتجازه لأجلٍ غير مسمى وحرمانه من التواصل مع العالم الخارجي. وتذكّر اللجنة بتعليقها العام رقم 20 ( 1992 ) الذي أوصت فيه الدول الأطراف باتخاذ تدابير تمنع العزل التام . ويلاحظ في هذه القضية أن أسرة عاشور بركاوي لم تتمكن قط من الحصول على أي معلومات عن مكان وجوده أو مكان احتجازه، على الرغم من طلباتها المتكررة للحصول على معلومات من السلطات المختصة في الدولة الطرف. وبناء على ذلك، ترجح اللجنة أن يكون عاشور بركاوي ، الذي اختفى في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1994 ، لا يزال رهن العزل التام لدى السلطات الجزائرية. ونظراً إلى أن الدولة الطرف لم تقدم أي توضيح بهذا الخصوص، ترى اللجنة أن اختفاء عاشور بركاوي يشكل انتهاكاً لحقوقه المكفولة بموجب المادة 7 من العهد ( ) .

8 - 7 وفي ضوء ما تقدّم، لن تنظر اللجنة على حدة في الادعاءات المتعلقة بانتهاك المادة 10 من العهد ( ) .

8 - 8 وتحيط اللجنة علماً أيضاً بحالة الكرب والشدة اللذين سببهما اختفاء عاشور برقاوي لأكثر من خمسة وعشرين عاماً لصاحبة البلاغ وأسرته. وترى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن وقوع انتهاكٍ للمادة 7 مقروءة بمفردها وبالاقتران مع المادة 2 ( 3 ) من العهد فيما يتعلق بهما ( ) .

8 - 9 وفيما يتعلق بادعاءات انتهاك المادة 9 من العهد، تحيط اللجنة علماً بادعاءات صاحبة البلاغ أن عاشور بركاوي أوقف تعسفاً وبدون مذكرة قضائية، ولم يُتهم ولم يمثل أمام سلطة قضائية ليتمكن من الطعن في قانونية احتجازه. ولمــَّا لم تقدم الدولة الطرف أي معلومات عن هذا الموضوع، ترى اللجنة أن من الملائم إيلاء المصداقية المنشودة لادعاءات صاحبة البلاغ ( ) . وبناء على ذلك، تخلص اللجنة إلى انتهاك حقوق عاشور بركاوي المكفولة بموجب المادة 9 من العهد ( ) .

8 - 10 وترى اللجنة كذلك أن حرمان الشخص عمداً من حماية القانون يشكل إنكاراً لحق هذا الشخص في أن يُعترف له بشخصيته القانونية، لا سيما عندما توضع عراقيل بصورة منهجية لغرض تعطيل الجهود التي يبذلها أقارب الضحية في إطار ممارسة حقهم في الوصول إلى سبيل انتصاف فعال ( ) . وفي هذه القضية، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي توضيح عن مصير عاشور بركاوي ، ولا عن مكان وجوده، على الرغم من المساعي التي بذلها أقاربه، وحقيقة أنه كان في عهدة سلطات الدولة الطرف عندما شوهد آخر مرة. وتخلص اللجنة إلى أن اختفاء عاشور بركاوي قسراً منذ ما يزيد على خمسة وعشرين عاماً حرمه من حماية القانون ومن حقه في أن يُعترف له بشخصيته القانونية، وهو ما يشكل انتهاكاً للمادة 16 من العهد.

8 - 11 وفي ضوء ما تقدّم، لن تنظر اللجنة، على حدة، في الادعاءات المتعلقة بانتهاك المادة 23 ( 1 ) من العهد ( ) .

8 - 12 وتحتج صاحبة البلاغ بأحكام المادة 2 ( 3 ) من العهد، التي تلزم الدول الأطراف بأن تضمن لأي شخص سبل انتصاف ميسرة ومفيدة وقابلة للإنفاذ من أجل إعمال الحقوق التي يكفلها العهد. وتذكّر اللجنة بأنها تولي أهمية لإنشاء الدول الأطراف آليات قضائية وإدارية مناسبة لمعالجة الشكاوى المتعلقة بانتهاكات الحقوق التي يكفلها العهد ( ) . وتذكّر بتعليقها العام رقم 31 ( 2004 ) الذي تشير فيه على وجه الخصوص إلى أن تخلف الدولة الطرف عن التحقيق في المزاعم المتعلقة بالانتهاكات يمكن أن يؤدي، في حد ذاته، إلى خرق مستقل للعهد.

8 - 13 وفي هذه القضية، أبلغت صاحبة البلاغ السلطات المختصة مراراً باختفاء شقيقها دون أن تجري الدولة الطرف تحقيقاً معمقاً ودقيقاً بشأن هذا الاختفاء، ودون أن تُبلَّغ صاحبة البلاغ بتقدم مساعي البحث والتحقيق أو بمصير عاشور بركاوي . وعلاوة على ذلك، ما فتئ عدم توافر إمكانية قانونية للجوء إلى هيئة قضائية، بعد صدور الأمر رقم 06 - 01 ، يحرم عاشور بركاوي وصاحبة البلاغ أي فرصة للوصول إلى سبيل انتصاف فعال لأن هذا الأمر يمنع اللجوء إلى العدالة لاستجلاء ملابسات أشد الجرائم خطورة مثل جريمة الاختفاء القسري ( ) . وتخلص اللجنة إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن حدوث انتهاك للمادة 2 ( 3 ) مقروءة بالاقتران مع المواد 6 و 7 و 9 و 16 من العهد فيما يتعلق بعاشور بركاوي ، وانتهاك للمادة 2 ( 3 ) مقروءة بالاقتران مع المادة 7 من العهد فيما يتعلق بصاحبة البلاغ.

9 - واللجنة، إذ تتصرف بموجب المادة 5 ( 4 ) من البروتوكول الاختياري، ترى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاك الدولة الطرف لحقوق عاشور بركاوي المكفولة بموجب المواد 6 و 7 و 9 و 16 من العهد، وكذلك المادة 2 ( 3 ) ، مقروءةً بالاقتران مع المواد 6 و 7 و 9 و 16 من العهد فيما يتعلق بعاشور بركاوي . وتلاحظ اللجنة أيضاً انتهاك الدولة الطرف المادة 7 مقروءة بمفردها وبالاقتران مع المادة 2 ( 3 ) من العهد فيما يتعلق بصاحبة البلاغ.

10 - وعملاً بأحكام المادة 2 ( 3 )( أ ) من العهد، يقع على عاتق الدولة الطرف التزام بتوفير سبيل انتصاف فعال لصاحبة البلاغ. والدولة الطرف ملزمة بأن تمنح تعويضاً كاملاً للأشخاص الذين انتُهكت حقوقهم المكفولة بالعهد. وفي هذه القضية، يلزم الدولة الطرف اتخاذ ما يلي: (أ) إجراء تحقيق فوري وفعال ومعمق ودقيق ومستقل ونزيه وشفاف بشأن اختفاء عاشور بركاوي ، وموافاة صاحبة البلاغ بمعلومات مفصلة عن نتائج هذا التحقيق؛ و(ب) الإفراج فوراً عن عاشور بركاوي إن كان لا يزال رهن العزل التام ؛ و(ج) إعادة رفات عاشور بركاوي ، في حال وفاته، إلى أسرته في ظروف تحفظ الكرامة ، وفقاً للمعايير والتقاليد الثقافية للضحايا؛ و(د) ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات المرتكبة ومحاكمتهم ومعاقبتهم؛ و(ه) منح صاحبة البلاغ وعاشور بركاوي إذا كان على قيد الحياة تعويضاً مناسباً وتدابير ترضية مناسبة. وعلى الرغم من سريان الأمر رقم 06 - 01 ، يتعين على الدولة الطرف أيضاً الحرص على أن يمارس ضحايا الجرائم مثل التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري حقهم في سبيل انتصاف فعال من دون عراقيل. والدولة الطرف ملزمةٌ علاوة على ذلك باتخاذ تدابير تمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات في المستقبل. وفي هذا الصدد، ترى اللجنة أنه ينبغي للدولة الطرف أن تعيد النظر في تشريعاتها وفقاً للالتزام الواقع على عاتقها بموجب المادة 2 ( 2 ) من العهد، وأن تلغي على وجه الخصوص أحكام الأمر المذكور التي تتنافى مع العهد، حتى تتسنى ممارسة الحقوق المكرسة في العهد بالكامل في الدولة الطرف.

11 - وإذ تضع اللجنة في اعتبارها أن الدولة الطرف قد أقرّت، عندما أصبحت طرفاً في البروتوكول الاختياري، باختصاص اللجنة في تحديد ما إذا كان هناك انتهاك للعهد، وتعهدت، بموجب المادة 2 من العهد، بأن تكفل لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها، أو الخاضعين لولايتها، الحقوق المعترف بها في العهد وبأن توفر سبيل انتصاف فعال وقابل للإنفاذ في حال إثبات حدوث انتهاك، فإنها تود أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون 180 يوماً، معلومات عن التدابير المتخذة لوضع آراء اللجنة موضع التنفيذ. ويُطلب إلى الدولة الطرف أيضاً نشر هذه الآراء وتعميمها على نطاق واسع بلغاتها الرسمية.