GENERAL

CCPR/C/GC/32

23 August 2007

ARABIC

Original: ENGLISH

ال ل جن ة المعنية بحقوق الإنسان

الدورة التسعون

جنيف، 9-27 تموز/يوليه 2007

التعليق العام رقم 32

المادة 14- الحق في المساواة أمام المحاكم والهيئات القضائية وفي محاكمة عادلة

أولاً - ملاحظات عامة

1- هذا التعليق العام يحل محل التعليق العام رقم 13 (الدورة الحادية والعشرون).

2- إن الحق في المساواة أمام المحاكم والهيئات القضائية وفي محاكمة عادلة هو أحد العناصر الأساسية لحماية حقوق الإنسان وهو وسيلة إجرائية للمحافظة على سيادة القانون. وتهدف المادة 14 من العهد إلى كفالة إقامة العدل كما ينبغي وهي تكفل في سبيل ذلك مجموعة من الحقوق المحددة.

3- وتتسم المادة 14 بطابع معقد على نحو خاص، فهي تشتمل على ضمانات شتى ذات مجالات تطبيق مختلفة. ويرد في الجملة الأولى من الفقرة 1 من المادة ضمان عام بشأن المساواة أمام المحاكم والهيئات القضائية ينطبق بصرف النظر عن طبيعة الإجراءات التي يُنظر فيها أمام هذه الهيئات. أما الجملة الثانية من الفقرة نفسها فتمنح الأفراد الحق في محاكمة عادلة وعلنية أمام محكمة مختصة و مستقلة و حيادية و منشأة بحكم القانون إذا كانوا يواجهون أي اتهامات جنائية أو لدى الفصل في حقوقهم والتزاماتهم في أية دعوى مدنية. ولا يجوز في هذه الإجراءات منع وسائط الإعلام والجمهور من حضور المحاكمة إلا في الدعاوى المحددة في الجملة الثالثة من الفقرة 1. وتتضمن الفقرات 2-5 من المادة الضمانات الإجرائية المتاحة للمتهمين بجرائم جنائية. وتكفل الفقرة 6 من المادة الحق الأساسي في التعويض في حالات وقوع خطأ قضائي في الدعاوى الجنائية. وتحظر الفقرة 7 أن يُحاكم شخص على جرم مرتين ، وهي تكفل بالتالي التمتع بإحدى الحريات الأساسية، أي الحق في عدم التعرض للمحاكمة أو العقوبة مرة ثانية على جريمة سبق أن أُدين بها الفرد أو بُريء منها بحكم نهائي. ويتعين على الدول الأطراف في العهد أن تميّز بوضوح بين هذه الجوانب المختلفة المتعلقة بالحق في محاكمة عادلة.

4- وتشتمل المادة 14 على ضمانات يجب على الدول الأطراف أن تحترمها بصرف النظر عن تقاليدها القانونية وقوانينها الداخلية. وبينما ينبغي لهذه الدول أن تقدم تقارير عن كيفية تفسير هذه الضمانات في إطار النظام القانوني لكل منها، تلاحظ اللجنة أن تحديد المحتوى الجوهري للضمانات الواردة في العهد لا يمكن أن يترك لتقدير القانون المحلي وحده.

5- ومع أن القبول بإبداء تحفظات على بعض الفقرات الواردة في المادة 14 هو أمر مقبول، فإن التحفظ العام على الحق في المحاكمة العادلة يكون غير متوافق مع موضوع العهد و الغرض منه ( ) .

6- ومع أن المادة 14 غير مدرجة في قائمة الحقوق التي لا يجوز انتقاصها الواردة في الفقرة 2 من المادة 4 من العهد، ينبغي للدول التي لا تتقيد في ظل ظروف الطوارئ العامة بالإجراءات المعتادة المطلوبة بموجب المادة 14 كفالة أن تكون الاستثناءات في أضيق الحدود التي تفرضها مقتضيات الوضع الفعلي. ولا يجوز على الإطلاق أن تخضع ضمانات المحاكمة العادلة لتدابير التقييد التي قد تؤدي إلى التحايل على حماية الحقوق غير القابلة للانتقاص. وهكذا، فعلى سبيل المثال، بما أن المادة 6 بكاملها غير قابلة للانتقاص، يجب أن تكون أي محاكمة تقود إلى صدور حكم بالإعدام خلال حالة طوارئ متسقة مع أحكام العهد، بما في ذلك جميع متطلبات المادة 14 ( ) . وعلى المنوال نفسه، ونظراً إلى أن المادة 7 بأكملها غير قابلة للانتقاص أيضا، فإن أي أقوال أو اعترافات أو، من حيث المبدأ، أي أدلة أخرى يتم الحصول عليها بصورة تشكل انتهاكاً لهذا الحكم، لا يمكن الاحتجاج بها كدليل إثبات في أي إجراءات بموجب المادة 14، بما في ذلك خلال حالات الطوارئ ( ) ، إلا إذا استخدمت إفادة أو اعتراف تم الحصول عليه بصورة تشكل انتهاكاً للمادة 7 كدليل لإثبات حدوث تعذيب أو معاملة أخرى محظورة بموجب هذا الحكم ( ) . ويُمنع منعا باتا الانحراف عن المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة، بما في ذلك افتراض براءة المتهم ( ) .

ثانياً - المساواة أمام المحاكم والهيئات القضائية

7- يُكفل بصورة عامة في الجملة الأولى من الفقرة 1 من المادة 14 الحق في المعاملة على قدم المساواة أمام المحاكم والهيئات القضائية. ولا ينطبق هذا الضمان على المحاكم والهيئات القضائية المذكورة في الجملة الثانية من هذه الفقرة من المادة 14 فحسب، بل يجب أن يُراعى أيضا كلما أوكلت مهمة قضائية إلى هيئة قضائية ما بموجب قانون محلي ( ) .

8- إن الحق في المعاملة على قدم المساواة أمام المحاكم والهيئات القضائية يكفل بشكل عام، بالإضافة إلى المبادئ الواردة في الجملة الثانية من الفقرة 1 من المادة 14، مبادئ المساواة في الوصول إلى المحاكم وتكافؤ الفرص القانونية، ويضمن معاملة أطراف القضية المعنية من دون أي تمييز.

9- وتشمل المادة 14 حق الوصول إلى المحاكم للفصل في أية تهمة جزائية أو في ال حقوق والالتزاما ت في أية دعوى مدنية . ويجب أن تُكفل إقامة العدل بفعالية في جميع هذه الدعاوى لضمان عدم حرمان أي شخص، من الناحية الإجرائية، من حقه في المطالبة بإنصافه. إن الحق في الوصول إلى المحاكم والهيئات القضائية والمساواة أمامها لا يقتصر على مواطني الدول الأطراف، بل يجب أن يكون متاحاً لجميع الأشخاص الموجودين في إقليم الدولة الطرف أو الخاضعين لولايتها القضائية بصرف النظر عن الجنسية أو انعدام الجنسية أو وضعهم كملتمسي لجوء أو لاجئين أو عمال مهاجرين أو أطفال غير مصحوبين أو غيرهم من الأشخاص. إن عدم تمكُن أحد الأفراد بصورة منهجية من الوصول إلى المحاكم أو الهيئات القضائية المختصة سواء كان ذلك بحكم القانون أو بحكم الأمر الواقع يُعد مخالفاً للضمان الوارد في الجملة الأولى من الفقرة 1 من المادة 14 ( ) . كما يحظر هذا الضمان ممارسة أي عمليات تمييز في الوصول إلى المحاكم والهيئات القضائية لا تستند إلى القانون ولا يمكن تبريرها استناداً إلى أسس موضوعية ومعقولة. ويُعد هذا الضمان قد انتُهِك إذا مُنع أشخاص بعينهم من تقديم دعاوى ضد أي أشخاص آخرين لأسباب مثل العرق أو اللون أو نوع الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الملكية أو المولد أو أي وضع آخر ( ) .

10- إن توافر أو عدم توافر المساعدة القانونية غالباً ما يحدد ما إذا كان في مقدور شخص ما الوصول إلى الإجراءات الملائمة أو المشاركة فيها بصورة هادفة. وعلى الرغم من أن المادة 14 تتناول بشكل صريح في الفقرة 3(د) مسألة ضمان تقديم المساعدة القانونية في الإجراءات الجنائية، فإنها تحث الدول على القيام في دعاوى أخرى بتقديم المساعدة القانونية مجاناً لمن ليس لديهم الوسائل الكافية لتحمل نفقاتها. وقد تُجبر الدول على ذلك بالنسبة لبعض الدعاوى. فعلى سبيل المثال، عندما يلتمس شخص حُكِم عليه بالإعدام إعادة النظر من الناحية دستورية في مخالفات وقعت خلال محاكمة جنائية ولا يكون لديه ما يكفي لدفع نفقات المساعدة القانونية من أجل متابعة هذه الوسيلة من وسائل الانتصاف، تكون الدولة ملزمة بتوفير المساعدة القانونية عملاً بالفقرة 1 من المادة 14 مقترنة بالحق في الحصول على سبيل انتصاف فعال على نحو ما ورد في الفقرة 3 من المادة 2 من العهد ( ) .

11- وعلى المنوال نفسه، فإن فرض رسوم على الأطراف في الدعاوى يؤدي بحكم الأمر الواقع إلى حرمانهم من الوصول إلى العدالة يمكن أن يثير مسائل بموجب الفقرة 1 من المادة 14 ( ) . ف صرامة القانون ب إلزام الطرف الخاسر دفع مصاريف الدعوى إلى الطرف الرابح من دون مراعاة ما يترتب على ذلك أو من دون توفير المساعدة القانونية قد تؤدي على وجه الخصوص إلى إضعاف قدرة الأشخاص على الدفاع بواسطة الإجـراءات المتاحـة لهم عن حقوقهم المكفولة بموجب العهد ( ) .

12- إن حق المساواة في الوصول إلى المحاكم، الوارد في الفقرة 1 من المادة 14، يتعلق بالوصول إلى محاكم ابتدائية ولا يتناول مسألة الحق في الاستئناف أو وسائل الانتصاف الأخرى ( ) .

13- والحق في المساواة أمام المحاكم والهيئات القضائية يكفل أيضا تكافؤ الفرص القانونية. ويعني ذلك حصول جميع الأطراف على الحقوق الإجرائية نفسها ما لم توجد تفرقة تستند إلى القانون ولـها مبررات موضوعية ومعقولة، ولا تنطوي على ظلم فعلي أو إجحاف بالمدعى عليه ( ) . ولن يتحقق تكافؤ الفرص القانونية إذا سُمح، على سبيل المثال، بأن يقوم الادعاء فقط وليس المتهم بتقديم استئناف بشأن قرار بعينه ( ) . كما ينطبق مبدأ المساواة بين الأطراف على الدعاوى المدنية ويتطلب عدة أمور منها، منح كل طرف فرصة الاعتراض على جميع الحجج والأدلة التي يسوقها الطرف الآخر ( ) . وفي حالات استثنائية، يمكن أن يقتضي هذا الحق أيضا تقديم المساعدة المتمثلة في توفير ترجمان مجاناً لطرف فقير من أطراف الدعوى لا يتمكن خلاف ذلك من المشاركة على قدم المساواة في إجراءات المحاكمة، أو إذا تعذر استجواب الشهود الذين قدمهم.

14- كما تتطلب المساواة أمام المحاكم والهيئات القضائية اتباع إجراءات قانونية مماثلة في التعامل مع الدعاوى المماثلة. فعلى سبيل المثال، إذا تم النظر في فئة معينة من الدعاوى باستخدام إجراءات جنائية استثنائية أو محاكم أو هيئات قضائية أُنشئت خصيصاً لهذا الغرض ( ) ، فلا بد من إعطاء أسباب موضوعية ومعقولة تبرر هذه التفرقة.

ثالثاً - المحاكمة العادلة والعلنية أمام هيئة قضائية مختصة ومستقلة ونزيهة

15- إن الحق في محاكمة عادلة وعلنية أمام هيئة قضائية مختصة ومستقلة ونزيهة منشأة بحكم القانون هو حق مكفول، وفقاً للجملة الثانية من الفقرة 1 من المادة 14، في الدعاوى المتعلقة بالفصل في الاتهامات الجنائية الموجهة ضد أفراد أو لدى الفصل في حقوقهم والتزاماتهم في أية دعوى مدنية. وتتعلق الاتهامات الجنائية من حيث المبدأ بأفعال يعاقب عليها القانون الجنائي المحلي. ويجوز أيضا توسيع هذا المفهوم ليشمل الأفعال الإجرامية الطابع التي يعاقب عليها بعقوبات يجب أن تعتبر جنائية نظـراً لطبيعتها وغرضها وصرامتها، وذلك بصرف النظر عن تعريفها في القانون المحلي ( ) .

16- إن مفهوم الفصل في الحقوق والالتزامات في "دعوى مدنية" ( ذات طابع مدني ) هو أكثر تعقيداً. وقد صيغ بطرق مختلفة في شتى اللغات التي تُرجم إليها العهد الذي تنص المادة 53 منه على تساوي حجية نصوصه، بينما لا تؤدي الأعمال التحضيرية إلى حل مشكلة التباين في النصوص الواردة بمختلِف اللغات. وتلاحظ اللجنة أن مفهوم "الدعوى المدنية" أو ما يعادل ذلك في النصوص الواردة باللغات الأخرى يستند إلى طبيعة الحق المعني وليس إلى وضع الطرف أو المحفل المحدد الذي وفرته النظم القانونية المحلية للفصل في حقوق بعينها ( ) . ويشتمل المفهوم على (أ) إجراءات قضائية هدفها الفصل في الحقوق والالتزامات في مجالات العقود، والملكية والضرر في مجال القانون الخاص، فضلاً عن (ب) المفاهيم المعادلة في مجال القانون الإداري مثل إنهاء خدمات موظفي الخدمة المدنية لأسباب غير تأديبية ( ) ، وتحديد مزايا الضمان الاجتماعي ( ) أو الحقوق التقاعدية للجنود ( ) ، أو الإجراءات المتعلقة باستخدام الأراضي العامة ( ) أو مصادرة الممتلكات الخاصة. ويشمل بالإضافة إلى ذلك (ج) إجراءات أخرى يجب تقديرها، مع ذلك، على أساس كل حالة على حدة في ضوء طبيعة الحق المعني.

17- ومن ناحية أخرى، فإن الحق في الوصول إلى محكمة أو هيئة قضائية على نحو ما ورد في الجملة الثانية من الفقرة 1 من المادة 14 لا ينطبق في الحالات التي لا يحدد فيها القانون المحلي أي استحقاق للشخص المعني. ولهذا السبب، ترى اللجنة أن هذا الحكم لا ينطبق في الحالات التي لا يمنح فيها القانون المحلي أي حق يتعلق بالترقية إلى وظيفة أعلى في سلك الخدمة المدنية ( ) ، أو حق التعين في منصب قاض ( ) أو يعطي هيئة تنفيذية الحق في تخفيف عقوبة الإعدام ( ) . وعلاوة على ذلك، لا يتم الفصل في الحقوق والالتزامات في دعوى مدنية إذا كان الأشخاص المعنيون واجهوا إجراءات اتُخذت ضدهم بصفتهم مرؤوسين لجهة إدارية أعلى، وذلك مثل الإجراءات التأديبية التي لا تصل إلى درجة عقوبات جنائية وتتخذ ضد موظف الخدمة المدنية ( ) أو أحد أفراد القوات المسلحة أو أحد السجناء. وعلاوة على ذلك، لا ينطبق هذا الضمان على إجراءات تسليم المجرمين، والإبعاد، والترحيل ( ) . وعلى الرغم من عدم وجود الحق في الوصول إلى محكمة أو هيئة قضائية، على نحو ما ورد في الجملة الثانية في الفقرة 1 من المادة 14، بالنسبة لهذه الدعاوى والدعاوى المماثلة، فثمة ضمانات إجرائية أخرى يمكن تطبيقها ( ) .

18- ويعني مفهوم "هيئة قضائية" في الفقرة 1 من المادة 14، بصرف النظر عن المسمى، هيئة منشأة بحكم القانون ومستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية أو تتمتع في بعض الدعاوى باستقلال قضائي يمكنها من البت في مسائل قانونية بواسطة إجراءات ذات طابع قضائي. ويُكفل في الجملة الثانية من الفقرة 1 من المادة 14 وصول كل من توجه إليهم اتهامات جنائية إلى هذه الهيئات القضائية. وهذا الحق لا يمكن تقييده ويتعارض معه صدور أية إدانة جنائية عن جهة لا تعتبر هيئة قضائية. وبالمثل، فإن الفصل في الحقوق والالتزامات في دعوى مدنية لا بد أن يتم، في واحدة على الأقل من مراحل الإجراءات، في هيئة قضائية تستوفي مدلول هذه الجملة. وعدم قيام إحدى الدول الأطراف بإنشاء هيئة قضائية مختصة للفصل في هذه الحقوق والالتزامات أو عدم قيامها بالتمكين من الوصول إلى هذه الهيئات القضائية في دعاوى معينة، يشكل انتهاكاً للمادة 14 إذا كانت هذه القيود لا تستند إلى تشريعات محلية، أو غير ضرورية لمتابعة تحقيق أهداف مشروعة مثل إقامة العدل كما ينبغي، أو إذا كانت تقوم على استثناءات من سوابق قضائية مستمدة من القانون الدولي مثل الحصانات، على سبيل المثال، أو إذا كانت إمكانية الوصول المتاحة للفرد محدودة إلى درجة تؤدي إلى تقويض جوهر الحق المكفول.

19- إن شرط اختصاص الهيئة القضائية واستقلالها وحيادها وفقاً لمدلول الفقرة 1 من المادة 14 هو حق مطلق لا يخضع لأي استثناء ( ) . ويشير شرط استقلالية الهيئة القضائية، على وجه الخصوص، إلى إجراءات تعيين القضاة ومؤهلاتهم وضمانات كفالة أمنهم الوظيفي حتى بلوغهم سن التقاعد الإلزامي أو انتهاء فترة ولايتهم، إذا كانت هنالك ولاية محددة، والشروط التي تحكم الترقية والنقل وتعليق ووقف ممارسة العمل، واستقلال الهيئة القضائية استقلالاً فعلياً عن التدخل السياسي من جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية. وإذا أرادت الدول أن تكفل استقلال السلطة القضائية وحماية القضاة من خضوع قراراتهم لأي تأثير سياسي، فينبغي لها أن تتخذ إجراءات محددة من خلال الدستور أو اعتماد قوانين تحدد بوضوح الإجراءات والمعايير الموضوعية لتعيين أعضاء الهيئة القضائية ومكافآتهم واستقرارهم الوظيفي وترقياتهم ووقفهم عن العمل وفصلهم، وتحدد العقوبات التأديبية التي تتخذ ضدهم ( ) . كما لا يتسق مع مبدأ استقلال الهيئة القضائية أي وضع لا يُميّز فيه بوضوح بين وظائف واختصاصات السلطتين القضائية والتنفيذية أو تتمكن فيه السلطة التنفيذية من السيطرة على السلطة القضائية أو توجيهها ( ) . ومن الضروري حماية القضاة من تضارب المصالح والتخويف. وتستوجب المحافظة على استقلال القضاة صيانة وضعهم كما ينبغي بواسطة القانون، بما في ذلك مدة ولايتهم واستقلالهم وأمنهم وكفاية أجورهم وشروط خدمتهم ومعاشاتهم وسن تقاعدهم.

20- ولا يجوز فصل القضاة من الخدمة إلا لأسباب خطيرة تتعلق بسوء السلوك أو عدم الكفاءة، ويكون ذلك وفقاً لإجراءات منصفة تكفل الموضوعية والحياد بموجب الدستور أو القانون. كما يتعارض مع استقلال السلطة القضائية قيام السلطة التنفيذية بفصل قضاة من الخدمة، على سبيل المثال، قبل انقضاء مدة الولاية المحددة لهم، أو من دون إبداء أسباب محددة أو حصولهم على حماية قضائية فعالة تمكنهم من الاعتراض على الفصل من الخدمة ( ) . وينطبق الشيء ذاته، على سبيل المثال، عندما تقوم السلطة التنفيذية بفصل القضاة المتهمين بالفساد من دون اتباع أي من الإجراءات التي ينص عليها القانون ( ) .

21- وهناك جانبان لشرط الحيادية. أولاً، يجب ألا يتأثر حكم القضاة بنزعاتهم الشخصية أو تحاملهم، أو أن تكون لديهم مفاهيم مسبقة عن قضية محددة معروضة أمامهم، أو أن يتصرفوا بطريقة تؤدي على نحو غير لائق إلى تعزيز مصالح أحد الطرفين على حساب الطرف الآخر ( ) . وثانياً، يجب أيضا أن تبدو الهيئة القضائية محايدة في عين المراقب النزيه. فعلى سبيل المثال، لا يمكن أن تُعد محاكمة ما نزيهة إذا تأثرت إلى حد كبير بمشاركة قاض كان ينبغي إعلان عدم أهليته بموجب القوانين المحلية ( ) .

22- وتنطبق أحكام المادة 14 على جميع المحاكم والهيئات القضائية التي تدخل في نطاق تلك المادة سواء كانت اعتيادية أو خاصة، مدنية أو عسكرية. وتلاحظ اللجنة أن العديد من البلدان لديها محاكم عسكرية أو خاصة يمثل أمامها مدنيون. ومع أن العهد لا يمنع محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية أو خاصة، إلا أنه ينص على أن تستوفي هذه المحاكمات شروط المادة 14 وألا يؤدي الطابع العسكري أو الخاص للمحكمة المعنية إلى تقييد أو تعديل الضمانات التي تكفلها. كما تلاحظ اللجنة أن محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية أو خاصة قد يثير مشاكل خطيرة فيما يتعلق بإقامة العدل بصورة منصفة ومحايدة ومستقلة. وعليه، فمن المهم اتخاذ كافة التدابير الضرورية التي تكفل إجراء هذه المحاكمات في ظروف توفر فعلياً كل الضمانات المنصوص عليها في المادة 14. وينبغي أن يُحاكم المدنيون من باب الاستثناء أمام محاكم عسكرية أو خاصة ( ) ، نحو أن يقتصر ذلك على الدعاوى التي تبيّن فيها الدولة الطرف أن اللجوء إلى هذا النوع من المحاكمات ضروري وله ما يبرره من أسباب موضوعية وجدية، وفي الحالات التي لا تتمكن فيها المحاكم المدنية العادية من إجراء المحاكمات بسبب الفئة التي ينتمي إليها الأفراد وتصنيف الجرائم ( ) .

23- ولجأت بعض البلدان إلى استخدام هيئات قضائية خاصة تتألف من قضاة "لا يكشف عن هويتهم"، وذلك على سبيل المثال في إطار التدابير المتخذة لمحاربة الأنشطة الإرهابية. وعلى الرغم من قيام هيئة مستقلة بالتحقق من هوية ووضع القضاة في هذه المحاكم، فمشكلتها غالباً ما لا تكمن في عدم الكشف عن هوية القضاة ووضعهم فحسب، بل أيضا فيما يحدث من تجاوزات مثل استبعاد الجمهور أو حتى المتهمين وممثليهم ( ) من الإجراءات ( ) ؛ ومنع المتهمين من الحق في توكيل محام يختارونه بأنفسهم ( ) ؛ والتقييد الصارم لحق المتهمين في الاتصال بمحامييهم أو إنكار هذا الحق، لا سيما في حالات الحبس الانفرادي ( ) ؛ وتهديد المحامين ( ) ؛ وعدم منح الوقت الكافي لتجهيز الدفاع ( ) ؛ أو التقييد الشديد لحق استدعاء الشهود واستجوابهم أو إنكار هذا الحق، بما في ذلك منع استجواب فئات معينة من الشهود مثل، رجال الشرطة المسؤولين عن اعتقال المتهم والتحقيق معه ( ) . والهيئات القضائية المكونة من قضاة تكشف أو لا تكشف هويتهم لا تستوفي، في هذه الظروف، المعايير الأساسية للمحاكمة العادلة، وخصوصاً شرط أن تكون الهيئة القضائية مستقلة وحيادية ( ) .

24- كما تنطبق المادة 14 حيثما تعترف دولة ما، في نظامها القانوني، باضطلاع المحاكم القائمة على القانون العرفي أو المحاكم الدينية بمهام قضائية أو تعهد إليها بهذه المهام. ويجب ضمان ألا تصدر عن هذه المحاكم أحكام ملزمة تعترف بها الدولة ما لم تتوافر الشروط التالية: أن تقتصر الدعاوى التي تنظر فيها هذه المحاكم على مسائل مدنية وجنائية بسيطة، وأن تستوفي الشروط الأساسية للمحاكمة العادلة وغير ذلك من الضمانات ذات الصلة الواردة في العهد، وأن تخضع الأحكام الصادرة عنها للتدقيق من قِبل محاكم الدولة في ضوء الضمانات الواردة في العهد وأن يكون بمقدور الأطراف المعنيين الاعتراض على أحكامها وفقاً لإجراءات تستوفي شروط المادة 14 من العهد. ولا تتعارض هذه المبادئ مع التزام الدولة العام بحماية الحقوق التي يكفلها العهد لأي شخص يتضرر من المحاكم العرفية والدينية.

25- ويشمل مفهوم المحاكمة العادلة ضمان إجراء محاكمة عادلة وعلنية. وتستلزم عدالة الإجراءات القضائية امتناع أي جانب عن التأثير أو ممارسة الضغوط أو التخويف أو التدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة أيا كانت الدوافع. وتكون جلسة المحاكمة غير عادلة، على سبيل المثال، إذا تساهلت المحكمة مع تصرف الجمهور في قاعة المحكمة بصورة عدوانية أو مساندة لأحد الأطراف في قضية جنائية، مما يتعارض مع الحق في الدفاع ( ) ، أو إذا تعرض أحد المتهمين إلى غير ذلك من مظاهر العداء التي تفضي إلى نتائج مماثلة. ومن الجوانب الأخرى التي تؤثر سلباً في عدالة المحاكمة، تصرف المحلفين بطريقة عنصرية ( ) وتساهل الهيئة القضائية مع ذلك، أو اختيار هيئة المحلفين بصورة تعكس وجود تحامل عنصري.

26- وتكفل المادة 14 المساواة والعدالة من الناحية الإجرائية فقط ولا يمكن تفسيرها على أنها تكفل عدم وقوع خطأ من جانب الهيئة القضائية المختصة ( ) . وعموماً، يعود إلى المحاكم في الدول الأطراف في العهد استعراض الوقائع والأدلة أو تطبيق التشريعات المحلية في دعوى بعينها، ما لم يتضح أن تقييم هذه المحاكم للتشريعات أو تطبيقها بائن التعسف أو يشكل خطأ واضحا أو إنكارا للعدالة، أو أن المحكمة قد انتهكت بصورة أخرى التزامها بالاستقلال والحيادية ( ) . وينطبق المعيار نفسه على التعليمات المحددة التي يصدرها القاضي للمحلفين في المحاكمة التي تتم بواسطة هيئة محلفين ( ) .

27- وسرعة المحاكمة هي أحد الجوانب المهمة التي تبين عدالتها. وبينما تتناول الفقرة 3(ج) من المادة 14 بصراحة التأخير الذي لا مسوغ لـه، فإن التأخير في الدعاوى المدنية الذي لا يمكن تبريره بمدى تعقيد القضية أو سلوك الأطراف ينتقص من مبدأ المحاكمة العادلة الوارد في الفقرة الأولى من هذا الحكم ( ) . وعندما يكون سبب التأخير هو الافتقار إلى الموارد وسوء التمويل المزمن، فينبغي قدر الإمكان توفير موارد إضافية من الميزانية من أجل إقامة العدل ( ) .

28- ويجب أن تتم جميع المحاكمات المتعلقة بمسائل جنائية أو بدعوى مدنية من حيث المبدأ بطريقة شفهية وعلنية. فعقد جلسات المحاكمة بصورة علنية يكفل نزاهة الإجراءات ويوفر بالتالي ضمانة مهمة لصالح الفرد والمجتمع على وجه العموم. ويجب على المحاكم إطلاع الجمهور على زمان ومكان الجلسات الشفهية وتوفير مرافق ملائمة، في حدود معقولة، لمن يرغب الحضور من الجمهور وأن تضع في اعتبارها جملة أمور منها، ما تحظى به القضية من أهمية ومدة الجلسة الشفهية ( ) . ولا ينطبق شرط عقد الجلسة العلنية بالضرورة على جميع دعاوى الاستئناف التي يمكن أن تتم كتابة ( ) ، ولا على القرارات السابقة للمحاكمة التي يتخذها المدعون العامون والسلطات العامة الأخرى ( ) .

29- وتعترف الفقرة 1 من المادة 14 بأن المحاكم لديها سلطة استبعاد كل الجمهور أو جزء منه لأسباب تتعلق ب الآداب العامة أو النظام العام أو الأمن القومي في مجتمع ديمقراطي ، أو لمقتضيات حرمة الحياة الخاصة لأطراف الدعوى، أو في أدنى الحدود التي تراها المحكمة ضرورية حين يكون من شأن العلنية في بعض الظروف الاستثنائية أن تخل بمصلحة العدالة . وخلافاً لهذه الظروف الاستثنائية، يجب أن تكون الجلسة مفتوحة للجمهور، بمن في ذلك الصحفيون ولا يجب أن تقتصر على فئة معينة من الأشخاص. وحتى في الحالات التي يستبعد فيها الجمهور من حضور المحاكمة، يجب الإعلان عن الحكم، بما في ذلك النتائج الجوهرية والأدلة والأسباب القانونية، إلا إذا كان الأمر يتصل ب أشخاص أحداث تقتضي مصلحتهم خلاف ذلك أو كانت الدعوى تتناول خلافات بين زوجين أو تتعلق بالوصاية على أطفال .

رابعاً - افتراض البراءة

30- وفقاً للفقرة 2 من المادة 14 ي حق ل كل متهم بارتكاب جريمة أن يعتبر بريئا ً إلى أن يثبت عليه الجرم قانونا ً. إن افتراض البراءة، وهو أساسي لحماية حقوق الإنسان، يفرض على الإدعاء عبء إثبات الاتهام، ويكفل عدم افتراض الإدانة إلى أن يثبت الاتهام بما لا يدع مجالا للشك، ويقتضي معاملة المتهمين بجرائم جنائية وفقاً لهذا المبدأ. ومن واجب جميع السلطات العامة الامتناع عن إصدار أحكام مسبقة عن محاكمة ما، نحو الامتناع عن الإدلاء بتصريحات عامة تؤكد إدانة المتهم ( ) . وعادة لا ينبغي تكبيل المتهمين أو وضعهم في أقفاص خلال المحاكمات أو تقديمهم إلى المحكمة بأي طريقة أخرى توحي بأنهم مجرمين خطيرين. ويتعين على وسائط الإعلام تجنب التغطية الأخبارية التي تنال من افتراض البراءة. وعلاوة على ذلك، لا يجب على الإطلاق أن يعتبر الاحتجاز السابق للمحاكمة مؤشراً للإدانة أو درجتها ( ) . كما أن الحرمان من الخروج بكفالة ( ) أو الاستنتاجات المتعلقة بالمسؤولية القانونية في الدعاوى المدنية ( ) لا تأثير لهما على افتراض البراءة.

خامساً - حقوق الأشخاص المتهمين بجرائم جنائية

31- تنص الفقرة 3(أ) على حق كل من توجه إليه تهمة جنائية في إعلامه سريعا ً وبالتفصيل، وب لغة يفهمها، بطبيعة التهمة الموجهة إليه وأسبابها ، وذلك أول ما ورد في المادة 14 من الضمانات الدنيا في الدعاوى الجنائية. وينطبق هذا الضمان على جميع حالات التهم الجنائية، بما في ذلك تلك الموجهة ضد أشخاص غير محتجزين، لكنه لا ينطبق على عمليات التحقيق الجنائي السابقة لتوجيه الاتهامات ( ) . وتكفل الفقرة 2 من المادة 9 من العهد بصورة مستقلة الإبلاغ بأسباب التوقيف ( ) . ويقتضي الحق في الإعلام بالتهمة "سريعاً" الإبلاغ بالمعلومات فور توجيه التهمة الجنائية رسمياً بموجب القانون المحلي ( ) ، أو عند الإعلان عن أن الشخص قد أصبح متهماً بجريمة جنائية. ويمكن الوفاء بالشروط المحددة الواردة في الفقرة الفرعية 3(أ) إما بالنطق بالتهمة شفهياً - إذا كانت ستؤكد خطياً في وقت لاحق - أو الإبلاغ بها خطياً شريطة أن تشير المعلومة إلى القانون والوقائع العامة المزعومة التي استندت إليها التهمة. وفي حالة المحاكمات الغيابية، تقتضي الفقرة 3(أ) من المادة 14، بصرف النظر عن غياب المتهم، اتخاذ جميع الخطوات الواجبة لإبلاغ المتهمين بالتهم الموجهة ضدهم وإخطارهم بالمحاكمة ( ) .

32- وتنص الفقرة الفرعية 3(ب) على أن المتهمين يجب أن ي ُ عط وا من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه م لإعداد دفاعه م وللاتصال بمحام يين يختار ون ه م ب أ نفسه م. ويشكل هذا الحكم أحد العناصر الهامة لضمان المحاكمة العادلة وهو تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص القانونية ( ) . وثمة قضايا يكون فيها المتهم فقيراً وبحاجة إلى أن توفر لـه الترجمة الفورية مجاناً خلال فترة ما قبل المحاكمة وفترة المحاكمة ( ) لتأمين الاتصال بينه وبين المحامي. ويعتمد تعريف "الوقت الكافي"على ملابسات كل واحدة من الدعاوى. ويجب على المحامي أن يطلب تأجيل المحاكمة إذا شعر بصورة معقولة أن الوقت الممنوح لتجهيز الدفاع غير كافٍ ( ) . ولا تعتبر الدولة الطرف مسؤولة عن تصرفات محامي الدفاع إلا إذا تبيّن للقاضي أن تصرفات المحامي لا تتوافق مع مصالح العدالة ( ) . وثمة التزام بالموافقة على طلبات التأجيل المعقولة، لا سيما إذا كان المتهم يواجه تهمة جنائية خطيرة وتوجد حاجة إلى وقت إضافي لتجهيز الدفاع ( ) .

33- ويجب أن تشمل "التسهيلات الملائمة" الاطلاع على الوثائق وغيرها من الأدلة، على أن يشمل ذلك جميع المواد التي يخطط الاتهام لاستخدامها أمام المحكمة ضد المتهم أو الأدلة النافية للتهمة ( ) . وينبغي اعتبار أن الأدلة النافية للتهمة لا تشتمل على المواد التي تثبت البراءة فحسب، بل أيضا الأدلة الأخرى التي قد تساعد الدفاع (نحو تقديم ما يشير إلى أن الاعتراف لم يكن طوعاً). وفي حالة ادعاء أن الأدلة تم الحصول عليها بصورة تشكل انتهاكاً للمادة 7 من العهد، يجب تقديم معلومات عن ظروف الحصول على هذه الأدلة بغية تقييم هذا الإدعاء. وإذا كان المتهم لا يتحدث اللغة المستخدمة في المحاكمة ويمثله محامٍ يعرف تلك اللغة، فيكفي أن تتاح للمحامي الوثائق ذات الصلة الموجودة في ملف القضية ( ) .

34- ويقتضي الحق في الاتصال بمحامٍ منح المتهم فرصة الوصول إلى محام على وجه السرعة. وينبغي أن يتمكن المحامون من مقابلة موكليهم على انفراد والاتصال بالمتهمين في ظروف تراعي تماماً سرية هذه الاتصالات ( ) . وعلاوة على ذلك، ينبغي أن يتمكن المحامون من إسداء النصح للمتهمين بجرائم جنائية وتمثيلهم، وذلك وفقاً لأخلاقيات المهنة المعترف بها عموماً من دون قيود أو تأثير أو التعرض لضغوط أو لتدخل أي جهة من دون مبررات.

35- وحق المتهم في أن يُحاكم دون تأخير غير مبرر، وفقاً لما تنص عليه الفقرة 3(ج) من المادة 14، ليس الغرض منه فقط تجنب ترك الأشخاص لفترة أطول مما ينبغي في حالة من الشك بشأن مصيرهم، أو ضمان عدم حرمانهم من الحرية، في حالة الاحتجاز السابق للمحاكمة، لفترة أطول مما ينبغي في ملابسات الدعوى المحددة، بل الغرض منه أيضا خدمة مصلحة العدالة. ويجب تقدير ما هو معقول وفقاً لملابسات كل دعوى ( ) ، على أن تُراعى في الأساس تعقيدات الدعوى، وسلوك المتهم، والأسلوب الذي تعاملت به السلطات الإدارية والقضائية مع المسألة. ويجب أن يُحاكم المتهمون على وجه السرعة في الدعاوى التي ترفض فيها المحكمة خروجهم بكفالة ( ) . ولا يتعلق هذا الضمان بالفترة الزمنية بين توجيه الاتهام وبين وقت بدء المحاكمة فحسب، بل يشمل أيضاً الفترة الزمنية حتى صدور حكم الاستئناف النهائي ( ) . ويجب أن تتم جميع المراحل سواء كانت أمام المحاكم الابتدائية أو الاستئناف "دون تأخير لا مبرر لـه".

36- وتشتمل الفقرة 3(د) من المادة 14 على ثلاثة ضمانات متميزة. أولاً، يقتضي الحكم أن يحاكم المتهمون حضوريا ً. وقد يُسمح في بعض الأحيان بمحاكمة المتهمين غيابياً مراعاة لإقامة العدل كما ينبغي، وذلك على سبيل المثال، إذا رفض المتهمون ممارسة حقهم في الحضور على الرغم من إبلاغهم بالمحاكمة قبل وقت كاف. وعليه، فإن هذه المحاكمات تتعارض مع الفقرة 3(د) من المادة 14 إلا إذا اتخذت الخطوات الضرورية لاستدعاء المتهمين في الوقت المناسب وإبلاغهم مقدماً بتاريخ ومكان المحاكمة ودعوتهم للحضور ( ) .

37- وثانياً، إن حق أي متهم بجريمة جنائية في أن يدافع عن نفسه بشخصه أو بواسطة محام من اختياره، وأن يُ خطر بهذا الحق على نحو ما ورد في الفقرة 3(د) من المادة 14 يشير إلى نوعين من الدفاع لا يستبعد أحدهما الآخر. فالأشخاص الذين يستعينون بمحامين لديهم الحق في توجيه المحاميين بشأن سير المحاكمات، في حدود المسؤولية المهنية، وفي الإدلاء بإفاداتهم بالأصالة عن أنفسهم. و في الوقت نفسه تُعد صياغة العهد واضحة في جميع اللغات الرسمية، من حيث أنها تنص على أن للمتهم أن يتولى الدفاع عن نفسه بشخصه "أو بواسطة محا مٍ من اختياره"، وينص بالتالي على إمكانية أن يرفض المتهم قيام محام بتمثيله. بيد أن الحق في الدفاع عن النفس بلا محام ليس حقا ً مطلقا ً . ف مصلحة العدالة قد تتطلب في محاكمات معينة تعيين محا مٍ ل لمتهم دون رضاه، لا سيما في حالة استمرار المتهم في إعاقة سير ا لمحاكمة، أ و إذا كان المتهم يحاكم بتهمة خطيرة ولكنه عاجز عن التصرف بما يخدم مصلحته، أو إذا تعلق الأمر، عند الاقتضاء، بحماية شهود يخشى من تعرضهم للمزيد من المعاناة أو التخويف إذا لزم استجوابه م من قِبل المتهم . بيد أن القيود المفروضة على رغبة المتهم في الدفاع عن نفسه بنفسه لابد أن تخدم هدفا ً موضوعيا ً ومهما ً بما فيه الكفاية وألا تذهب إلى أبعد مما هو ضروري لحماية مصالح العدالة . وعليه، فإن على القانون المحلي تجنب وضع أي قيود مطلقة ضد حق الشخص في الدفاع عن نفسه في الدعاوى الجنائية من دون الاستعانة بمحامٍ ( ) .

38- وثالثاً، تكفل الفقرة 3(د) من المادة 14 حق المتهم في أن تزوده المحكمة بمن يقدم لـه المساعدة القانونية كلما كانت مصلحة العدالة تقتضي ذلك، دون تحميله أجرا ً على ذلك إذا كان لا يملك الوسائل الكافية لدفع هذا الأجر . وتُعد فداحة الجريمة مهمة لاتخاذ قرار ما إذا كان من الضروري تعيين محامٍ "خدمة لمصلحة العدالة" ( ) ، كأن تكون هناك فرصة موضوعية للنجاح في مرحلة الاستئناف ( ) . ومن البديهي في الدعاوى المتعلقة بعقوبة الإعدام، أن يحصل المتهم على المساعدة الفعالة من محام خلال جميع مراحل المحاكمة ( ) . أما المحامي الذي توفره السلطات المختصة على أساس هذا الحكم فيجب أن يكون فعالاً في تمثيله للمتهم. وخلافاً لما عليه الحال عند الاستعانة بمحامين خاصين ( ) ، فإن سوء تصرف المحامي بصورة واضحة أو عدم أهليته، مثل قيامه بسحب طلب الاستئناف من دون تشاور في دعوى تتعلق بحكم بالإعدام ( ) ، أو تغيبه عن جلسة لاستماع أحد الشهود في هذه الدعاوى ( ) قد يترتب عليه تحميل الدولة المعنية مسؤولية انتهاك الفقرة 3(د) من المادة 14، شريطة أن يكون قد تبين للقاضي أن سلوك المحامي مخالف لمصلحة العدالة ( ) . كما يكون هذا الحكم قد تعرض للانتهاك إذا أقدمت المحكمة أو أي سلطات أخرى ذات صلة على منع المحامين المعينين من القيام بواجبهم على أكمل وجه ( ) .

39- وتكفل الفقرة 3(ه‍) من المادة 14 حق الشخص المتهم في أن يناقش شهود الاتهام، بنفسه أو من قبل غيره، وأن يحصل على الموافقة على استدعاء شهود النفي واستجوابهم بالشروط ذاتها المطبقة في حالة شهود الاتهام . وتطبيقاً لمبدأ تكافؤ الفرص القانونية، يُعد هذا الضمان مهماً لكفالة فعالية دفاع المتهم ومحاميه ويكفل للمتهم بالتالي السلطات القانونية ذاتها المتمثلة في استدعاء الشهود واستجواب أو إعادة استجواب أي متهم يقدمه الإدعاء. بيد أن هذه الفقرة لا تمنح الحق بصورة مطلقة في استدعاء أي شاهد يطلبه المتهم أو محاميه، بل تمنح الحق في استدعاء شهود يُسلّم بأهميتهم بالنسبة للدفاع، وفي الحصول على فرصة ملائمة في مرحلة من مراحل المحاكمة لاستجواب شهود الاتهام والاعتراض على أقوالهم. وفي إطار هذه الحدود، ومراعاة للقيود المتعلقة باستخدام الأقوال والاعترافات وغير ذلك من الأدلة المتحصل عليها بطريقة تشكل انتهاكاً للمادة 7 ( ) ، يعود بصورة أساسية إلى المجالس التشريعية المحلية للدول الأطراف تحديد مقبولية الأدلة وكيفية تقييم محاكمها لتلك الأدلة.

40- كما أن الحق في ت زو ي د المتهم بترجمان مجانا إذا كان لا يفهم أو لا يتكلم اللغة المستخدمة في المحكمة ، على نحو ما ورد في الفقرة 3(و) من الفقرة 14، يجسد جانباً آخر من جوانب العدل وتكافؤ الفرص القانونية في المحاكم الجنائية ( ) . ويكون هذا الحق حاضراً في جميع المراحل الشفهية من المحاكمة وينطبق على الأجانب والمواطنين على السواء. ومع ذلك، فإن المتهمين الذين تختلف لغتهم الأم عن اللغة الرسمية للمحكمة لا يحق لهم من حيث المبدأ الحصول على ترجمان مجانا ً إذا كانت معرفتهم باللغة الرسمية كافية لقيامهم بالدفاع عن أنفسهم بفعالية ( ) .

41- وأخيراً، تكفل الفقرة 3(ز) من المادة 14 ألا ي ُ كر َ ه المتهم على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بذنب . ويجب أن يُفهم هذا الضمان على أنه يعني عدم تعرض المتهم لأي ضغوط نفسية غير مبررة أو ضغوط جسدية مباشرة أو غير مباشرة من قِبل سلطات التحقيق بغية انتزاع اعتراف بالذنب. وبالتالي لا تقبل معاملة المتهم بطريقة منافية للمادة 7 من العهد بغية انتزاع اعترافات ( ) . ويجب أن يضمن القانون المحلي أن تستبعد من الأدلة الإفادات أو الاعترافات المتحصل عليها بطريقة تشكل انتهاكاً للمادة 7 من العهد، إلا إذا استخدمت هذه المواد كدليل على حدوث عمليات تعذيب أو أي معاملة أخرى محظورة بموجب هذا الحكم ( ) ، وفي هذه الحالة يقع على عاتق الدولة عبء إثبات أن الأقوال التي أدلى بها المتهم كانت بمحض إرادته ( ) .

سادساً - الأحداث

42- تنص الفقرة 4 من المادة 14 على أنه ينبغي في حالة الأحداث مراعاة جعل الإجراءات مناسبة لسنهم وم و اتية لتعزيز العمل على إعادة تأهيلهم . ويجب أن يتمتع الأحداث على الأقل بالضمانات والحماية نفسها الممنوحة للبالغين بموجب المادة 14 من العهد. وإضافة إلى ذلك، يحتاج الأحداث لحماية خاصة. وينبغي في الإجراءات الجنائية على وجه الخصوص إبلاغهم بصورة مباشرة بالتهم الموجهة إليهم أو إبلاغهم، عند الاقتضاء، عن طريق الآباء أو الأوصياء الشرعيين، وتوفير المساعدة المناسبة لتحضير وعرض دفاعهم؛ ومحاكمتهم على وجه السرعة في محاكمة عادلة بحضور محامٍ أو غيره من المعنيين بتقديم المساعدة الملائمة والآباء أو الأوصياء الشرعيين، إلا إذا اعتبر ذلك مخالفاً لمصالح الطفل الفضلى، ويُراعى على وجه الخصوص سن الطفل أو وضعه. وينبغي قدر الإمكان تجنب الاحتجاز قبل وأثناء المحاكمة ( ) .

43- ويتعين على الدول اتخاذ تدابير لإقامة نظام ملائم للقضاء الجنائي للأحداث لكي تضمن معاملة الأحداث بطريقة تتناسب مع سنهم. ومن الضروري تحديد السن الدنيا التي لا يُقدم الأطفال والأحداث قبلها للمحاكمة على جرائم جنائية؛ وهذه السن الدنيا يجب أن تراعي عدم النضوج البدني والعقلي.

44- وينبغي كلما أمكن، اتخاذ تدابير خلاف الإجراءات الجنائية مثل، الوساطة بين الجاني والضحية، وعقد لقاءات مع أسرة الجاني، والإرشاد أو خدمة المجتمع أو البرامج التعليمية، خصوصاً إذا كان ذلك سيؤدي إلى تعزيز إعادة تأهيل الأحداث الذين يُزعم أنهم ارتكبوا أفعالاً محظورة بموجب القانون الجنائي، شريطة أن تكون هذه الإجراءات متوافقة مع متطلبات العهد وغيره من معايير حقوق الإنسان ذات الصلة.

سابعاً - إعادة النظر بواسطة هيئة قضائية أعلى

45- تنص الفقرة 5 من المادة 14 على أن لكل شخص أدين بجريمة حق اللجوء، وفقا ً للقانون، إلى هيئة قضائية أعلى كيما تعيد النظر في قرار إدانته وفى العقاب الذي حكم به عليه . وهذا الضمان لا يقتصر على الجرائم الأخطر كما يتضح من النسخ التي صيغت بعدد من اللغات (جريمة، مخالفة، جنحة ). وتعبير "وفقاً للقانون" في هذا الحكم لا يُراد به ترك حق إعادة النظر لتقدير الدول الأطراف، فهذا الحق معترف به في العهد وليس في القانون المحلي فحسب. ويتعلق هذا التعبير بالأحرى بتحديد أساليب إعادة النظر من قِبل هيئة قضائية أعلى ( ) ، فضلاً عن تحديد المحكمة المسؤولة عن إعادة النظر وفقاً للعهد. ولا تقتضي الفقرة 5 من المادة 14 أن توفر الدول الأطراف عدة هيئات الاستئناف ( ) . بيد أن الإشارة إلى القانون المحلي في هذا الحكم يجب تفسيرها على أنها تعني حق المدان في الوصول بفعالية إلى هيئات استئناف أعلى إذا كان القانون المحلي ينص على ذلك ( ) .

46- ولا تنطبق الفقرة 5 من المادة 14 على إجراءات الفصل في الحقوق والالتزامات في دعوى مدنية ( ) أو أي إجراء آخر لا يشكل جزءاً من عملية استئناف جنائي، مثل وسائل التظلم الدستورية ( ) .

47- ولا تكون الفقرة 5 من المادة 14 قد انتهكت إذا اعتبر قرار المحكمة الابتدائية نهائياً فحسب، بل أيضاً إذا لم يكن بالإمكان اللجوء إلى محكمة أعلى لإعادة النظر في إدانة صادرة عن محكمة استئناف ( ) أو محكمة عليا ( ) عقب حكم بالبراءة صادر عن محكمة أدنى، وفقاً للقانون المحلي. وإذا كانت أعلى محكمة في بلد ما هي المحكمة الابتدائية والوحيدة، فإن عدم توافر حق إعادة النظر في الحكم لا يعوضه كون المتهم قد حوكم أمام الهيئة القضائية العليا في الدولة الطرف المعنية؛ فهذا النظام لا يتوافق بالأحرى مع العهد، ما لم تكن الدولة الطرف المعنية قد أبدت تحفظاً على هذه المسألة ( ) .

48- والحق في إعادة النظر في الإدانة أو الحكم الصادر أمام محكمة أعلى، كما ورد في الفقرة 5 من المادة 14، يفرض على الدولة الطرف واجب إعادة النظر فعلياً، من حيث كفاية الأدلة ومن حيث الأساس القانوني، في الإدانة والحكم بقدر ما تسمح الإجراءات بالنظر حسب الأصول في طبيعة الدعوى ( ) . وإعادة النظر التي تنحصر في الجوانب القانونية أو الرسمية من الإدانة دون مراعاة لأي جانب آخر لا تعتبر كافية بموجب العهد ( ) . بيد أن الفقرة 5 من المادة 14 لا تستوجب إعادة المحاكمة بشكل كامل ( ) طالما كانت الهيئة القضائية التي تضطلع بإعادة النظر قادرة على النظر في الأبعاد الوقائعية للدعوى. وبالتالي، وعلى سبيل المثال، لا تكون أحكام العهد قد انتهكت عندما تنظر محكمة أعلى بدقة كبيرة في الادعاءات المقدمة ضد شخص مدان، وتدرس الأدلة المقدمة أثناء المحاكمة وتلك التي أُشير إليها في الاستئناف، فتجد ما يكفي من الأدلة الدامغة التي تبرر الإدانة في دعوى بعينها ( ) .

49- ولا يمكن أن يُمارس بفعالية الحق في المطالبة بإعادة النظر في الإدانة الصادرة إلا إذا كان من حق الشخص المدان الحصول على نسخة مكتوبة تبين حيثيات الحكم الصادر عن محكمة الموضوع، إضافة إلى التعرف على الأقل في محكمة الاستئناف الأولى على المواد التي ينص فيها القانون المحلي على اللجوء إلى هيئات استئناف متعددة ( ) ، فضلاً عن الحصول على الوثائق الأخرى اللازمة للاستفادة بفعالية من حق الاستئناف، مثل محاضر المحاكمة ( ) . ولا يتعذر التمتع بهذا الحق وتكون الفقرة 5 من المادة 14 قد انتهكت إذا تأخرت المحكمة الابتدائية الأعلى من دون مبررات في إعادة النظر في الحكم، الشيء الذي يشكل انتهاكاً للفقرة 3(ج) من الحكم نفسه ( ) .

50- أما نظام إعادة النظر الإشرافي الذي لا ينطبق إلا على الأحكام التي بدأ تنفيذها بالفعل فلا يستوفي شروط الفقرة 5 من المادة 14، وذلك بصرف النظر عما إذا كان الشخص المدان هو الذي يمكن أن يطلب هذا النوع من إعادة النظر أو أن الأمر يتوقف على السلطة التقديرية للقاضي أو المدعي ( ) .

51- ويكتسب الحق في الاستئناف أهمية خاصة في الدعاوى التي تصدر فيها أحكام بالإعدام. فعدم قيام المحكمة التي تضطلع بإعادة النظر في الحكم بتوفير المساعدة القانونية لشخص مدان معوز لا يشكل انتهاكاً للفقرة (د)3 من المادة 14 فحسب، بل يشكل انتهاكاً أيضاً للفقرة 5 من المادة 14، نظراً إلى أن الامتناع عن توفير المساعدة القانونية للاستئناف يستبعد بالفعل قيام المحكمة الأعلى بإعادة النظر بفعالية في الإدانة والحكم ( ) . كما يُنتهك الحق في إعادة النظر في الإدانة إذا لم يُبلغ المتهمون بأن محامييهم لا ينوون عرض أي حجج أمام المحكمة، الشيء الذي يحرمهم بالتالي من فرصة السعي لتوكيل محاميين آخرين لكي يبحثوا هواجسهم على مستوى الاستئناف ( ) .

ثامناً - التعويض في حالات وقوع خطأ قضائي

52- تنص الفقرة 6 من المادة 14 من العهد على وجوب دفع تعويض، وفقاً للقانون، للأشخاص الذين صدر بحقهم حكم نهائي يدينهم بجريمة جنائية وأُنزل بهم العقاب نتيجة لتلك الإدانة، ثم أُبطل هذا الحكم أو صدر عفو عنه م على أساس واقعة جديدة أو حديثة الاكتشاف تحمل الدليل القاطع على وقوع خطأ قضائي ( ) . ومن الضروري أن تقوم الدول الأطراف بوضع تشريعات تضمن دفع التعويضات التي ينص عليها هذا الحكم في غضون فترة زمنية معقولة.

53- ولا ينطبق هذا الضمان إذا ثبت أن المتهم يتحمل، كليا ً أو جزئيا ً ، المسؤولية عن عدم الإفصاح عن تلك الوقائع في الوقت المناسب ؛ ويقع عبء الإثبات على الدولة في هذه الحالة. وعلاوة على ذلك، لا يُدفع تعويض عند إبطال الإدانة بواسطة استئناف، نحو أن تُبطل قبل أن يصبح الحكم نهائياً ( ) ، أو عند صدور عفو لأسباب إنسانية أو تقديرية، أو إذا كان العفو يستند إلى اعتبارات تتعلق بالإنصاف دون أن يعني ذلك ضمناً وقوع خطأ قضائي ( ) .

تاسعاً - عدم جواز المحاكمة عن الجريمة ذاتها مرتين

54- تنص الفقرة 7 من المادة 14 من العهد على أنه لا يجوز تعريض أحد مجددا للمحاكمة أو للعقاب على جريمة سبق أن أدين بها أو بريء منها بحكم نهائي وفقا ً للقانون وللإجراءات الجنائية في كل بلد ، فتجسد بذلك مبدأ عدم جواز المحاكمة عن الجريمة ذاتها مرتين . ويحظر هذا الحكم تقديم شخص ما مجدداً، بعد إدانته بجريمة معينة أو تبرئته منها، إلى المحكمة نفسها أو إلى هيئة قضائية أخرى لمحاكمته على الجريمة ذاتها؛ وبالتالي لا يمكن، على سبيل المثال، تقديم شخص ما إلى هيئة قضائية عسكرية أو خاصة لمحاكمته على الجريمة ذاتها التي برأته منها محكمة مدنية. ولا تمنع الفقرة 7 من المادة 14 إعادة محاكمة شخص أُدين غيابياً إذا طلب الشخص ذلك، بيد أنها تنطبق عند صدور حكم إدانة للمرة الثانية.

55- إن تكرار معاقبة المستنكفين الضميريين على عدم الانصياع مجدداً إلى أمر الانخراط في العمل العسكري قد يشكل ضرباً من المعاقبة على الجريمة ذاتها إذا كان الرفض المتتالي يرتكز إلى استمرار العزم على الامتناع عن تأدية هذه الخدمة لأسباب ضميرية ( ) .

56- ولا يُثار الحظر الوارد في الفقرة 7 من المادة 14 إذا قامت محكمة أعلى بإبطال الإدانة وأمرت بإعادة المحاكمة ( ) . وعلاوة على ذلك، لا يمنع هذا الحظر استئناف محاكمة جنائية تبررها ظروف استثنائية مثل، العثور على أدلة لم تكن متاحة أو معروفة عند صدور حكم البراءة.

57- وينطبق هذا الضمان على الجرائم الجنائية فقط وليس على الإجراءات التأديبية التي لا تصل إلى عقوبة على جريمة جنائية وفقاً لمدلول المادة 14 من العهد ( ) . وعلاوة على ذلك، لا يكفل هذا الضمان عدم جواز المحاكمة عن الجريمة ذاتها مرتين في ظل الولاية القضائية لدولتين أو أكثر ( ) . ولا ينبغي لهذا الفهم أن يقوض الجهود التي تبذلها الدول لوضع معاهدات دولية تمنع إعادة المحاكمة على جريمة جنائية مرتين ( ) .

عاشراً - الصلة بين المادة 14 وأحكام العهد الأخرى

58- تؤدي المادة 14، بوصفها مجموعة من الضمانات الإجرائية، دوراً مهماً في تنفيذ الضمانات الجوهرية الواردة في العهد التي يجب أن تراعى في سياق البت في التهم الجنائية والحقوق والالتزامات المتعلقة بشخص ما في دعوى مدنية. وهي وثيقة الصلة، من الناحية الإجرائية، بالحق في الحصول على سبيل فعال للتظلم المنصوص عليه في الفقرة 3 من المادة 2 من العهد. وعموماً، لا بد من مراعاة هذا الحكم كلما وقع انتهاك للمادة 14 ( ) . ومع ذلك، وفيما يتعلق بحق الشخص في أن تقوم هيئة قضائية أعلى بإعادة النظر في الإدانة والحكم الصادرين بحقه، تُعد الفقرة 5 من المادة 14 بمثابة قانون خاص لإعمال الفقرة 3 من المادة 2 عندما تحتج بالحق في الوصول إلى هيئة قضائية على مستوى الاستئناف ( ) .

59- وثمة أهمية خاصة للالتزام الصارم بضمانات المحاكمة العادلة في حالة المحاكمات التي تفضي إلى فرض عقوبة الإعدام. إن فرض عقوبة الإعدام في نهاية محاكمة لم تُراع أحكام المادة 14 من العهد يشكل انتهاكاً للحق في الحياة (المادة 6 من العهد) ( ) .

60- وإساءة معاملة الأشخاص الذين وجهت إليهم تهم جنائية وإكراههم على الاعتراف بالجُرم أو التوقيع عليه يشكل انتهاكاً للمادة 7 من العهد التي تمنع ا لتعذيب و ا لمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والفقرة 3(ز) من المادة 14 التي تحظر إكراه المتهم على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بذنب ( ) .

61- إن القيام استناداً إلى المادة 9 من العهد باحتجاز أحد المشتبه في ارتكابهم جريمة ثم توجيه التهمة إليه من دون تقديمه إلى محاكمة، قد يشكل انتهاكا لمنع تأخير المحاكمات من دون مبررات المنصوص عليه في كل من الفقرة 3 من المادة 9 والفقرة 3(ج) من المادة 14 من العهد في وقت واحد ( ) .

62- والضمانات الإجرائية الواردة في المادة 13 من العهد تشمل مفهوم المحاكمة وفقاً للأصول كما ورد في المادة 14 ( ) ، وينبغي بالتالي تفسيرها في ضوء هذا الحكم الأخير. وفيما يتعلق بمهمة اتخاذ القرار التي يعهد بها القانون المحلي إلى إحدى الهيئات القضائية للبتّ في عمليات الترحيل أو الإبعاد، يُطبق ضمان مساواة جميع الأشخاص أمام المحاكم والهيئات القضائية المنصوص عليه في الفقرة 1 من المادة 14، ومبادئ النزاهة والعدالة وتكافؤ الفرص القانونية الواردة ضمناً في هذا الضمان ( ) . ومع ذلك، تُطبق جميع الضمانات ذات الصلة الواردة في المادة 14 في الحالات التي يكون فيها الإبعاد بمثابة عقوبة جزائية، أو التي يُعاقب فيها القانون الجنائي على عدم التقيد بأوامر الإبعاد.

63- والحقوق والضمانات الواردة في العهد التي لا ترتبط بالمادة 14 قد تتأثر ممارستها والتمتع بها بحسب طريقة التعامل مع الدعاوى الجنائية. وبالتالي فإن الإحجام لعدة سنوات عن توجيه الاتهامات لصحفي اتُهم بالتشهير، وهو جريمة جنائية، بسبب قيامه بنشر بعض المقالات، يشكل انتهاكا للفقرة 3(ج) من المادة 14 وقد يجعل المتهم في حيرة من أمره وفي حالة خوف مما يؤدي من دون مبررات إلى تقييد ممارسته للحق في حرية التعبير (المادة 19 من العهد) ( ) . وبالمثل، فإن تأخير الإجراءات الجنائية لعدة سنوات خلافاً للفقرة 3(ج) من المادة 14 قد يشكل انتهاكاً لحق الشخص في مغادرة بلده على نحو ما تضمنته الفقرة 2 من المادة 12 من العهد، إذا كان على المتهم البقاء في ذلك البلد طالما بقيت الدعوى معلقة ( ) .

64- وفيما يتعلق بالحق في فرصة تقلد الوظائف العامة على قدم المساواة على نحو ما تنص عليه الفقرة (ج) من المادة 25 من العهد، فإن فصل القضاة من الخدمة بصورة تشكل انتهاكاً لهذا الحكم هو انتهاك لهذا الضمان مقترناً بالفقرة 1 من المادة 14 التي تنص على استقلال القضاء ( ) .

65- والقوانين الإجرائية التي تنطوي هي أو ينطوي تطبيقها على تمييز يقوم على أي من المعايير الواردة في الفقرة 1 من المادة 2 أو في المادة 26، أو بطريقة تغفل المساواة بين المرأة والرجل، وفقاً للمادة 3، في التمتع بالضمانات الواردة في المادة 14 من العهد لا تشكل انتهاكاً للشرط الوارد في الفقرة الأولى من هذا الحكم التي تنص على "معاملة الجميع على قدم المساواة أمام المحاكم والهيئات القضائية" فحسب، بل وتشكل أيضاً ضرباً من التمييز ( ) .

- - - - -