الأمم المتحدة

CCPR/C/109/D/1884/2009

Distr.: General

27 November 2013

Arabic

Original: French

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

البلاغ رقم 1884/2009

آراء اعتمدتها اللجنة في دورتها 109 (14 تشرين الأول/أكتوبر إلى 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2013)

المقدم من: موني عوالي، وفريال فرعون، وفتيحة بورقبة (تمثلهن منظمة مكافحة الإفلات من العقاب السويسرية(TRIAL))

الشخص المدعى أنه ضحية: فريد فرعون (زوج الأولى وأب الثانية وابن الثالثة على التوالي)، إضافة إلى صاحبات البلاغ

الدولة الطرف: الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ: 19 أيار/مايو 2009 (تاريخ الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية: قرار المقرر الخاص بمقتضى الماد تين 92 و 97 من النظام الداخلي، الذي أُحيل إلى الدولة الطرف في 16 تموز/يوليه 2008 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء: 18 تشرين الأول/أكتوبر 2013

موضوع البلاغ: الاختفاء القسري

المسائل الإجرائية: استنفاد سبل ال انتصاف المحلية

المسائل الموضوعية: الحق في الحياة، وحظر التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية، و حق الفرد في الحرية وفى الأمان على شخصه ، واحترام كرامة الإنسان المتأصلة ، وحق كل إنسان في أن ي ُ عترف له بالشخصية القانونية ، والحق في حرمة الحياة الخاصة، والحق في حماية الأسرة، والحق في الانتصاف الفعال

مواد العهد: الفقرة 3 من المادة 2، و الفقرة 1 من المادة 6، و المادة 7، والفقرات 1 إلى 4 من المادة 9 ، و الفقرة 1 من المادة 10 ، و المادتان 16 و17، والفقرة 1 من المادة 23

مادة البروتوكول الاختياري: الفقر ة 2(ب) من المادة 5

المرفق

آراء اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (الدورة 109)

بشأن

البلاغ رقم 18 84 /2009 *

المقدم من: موني عوالي، وفريال فرعون، وفتيحة بورقبة (تمثلهن منظمة مكافحة الإفلات من العقاب السويسرية(TRIAL))

الشخص المدعى أنه ضحية: فريد فرعون (زوج الأولى وأب الثانية وابن الثالثة على التوالي)، إضافة إلى صاحبات البلاغ

الدولة الطرف: الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ: 19 أيار/مايو 2009 (تاريخ الرسالة الأولى)

إن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ، المنشأة بموجب المادة 28 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد اجتمعت في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2013 ،

وقد فرغت من النظر في البلاغ رقم 1884 / 2009 ، المقدم من موني عوالي، وفريال فرعون، وفتيحة بورقبة، بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد وضعت في اعتبارها جميع المعلومات المكتوبة التي أتاح ت ها لها صاحب ات البلاغ والدولة الطرف ،

تعتمد ما يلي :

الآراء المعتمدة بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري

1-1 صاحبات البلاغ هن موني عوالي زوجة السيد فرعون، وهي مواطنة جزائرية، ولدت في 2 آذار/مارس 1953؛ وفريال فرعون، وهي مواطنة جزائرية، ولدت في 28 نيسان/ أبريل 1979؛ وفتيحة بورقبة، وهي مواطنة جزائرية، ولدت في 14 تموز/يوليه 1931. ويدعين أن فريد فرعون، المولود في 8 أيلول/سبتمبر 1951، وهو على الترتيب: زوج الأولى وأب الثانية وابن الثالثة، ضحية انتهاكات الدولة الطرف الفقرة 3 من المادة 2؛ والفقرة 1 من المادة 6؛ والمادة 7؛ والفقرات 1 و2 و3 و4 من المادة 9؛ والفقرة 1 من المادة 10؛ والمادتين 16 و17؛ والفقرة 1 من المادة 23، من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ويدعين أنهن أيض اً ضحايا انتهاكات الدولة الطرف الفقرة 3 من المادة 2؛ والمادة 7؛ والمادة 17؛ والفقرة 1 من المادة 23، من العهد. ويمثلهن محام ( ) .

1-2 وفي 10 تموز/يوليه 2009، طلبت اللجنة إلى الدولة الطرف، بواسطة مقررها الخاص المعني بالبلاغات الجديدة والتدابير المؤقتة، وفق اً للمادة 92 من نظامها الداخلي، ألا تتخذ أي إجراء من شأنه أن يعرقل حق صاحبات البلاغ وأفراد أسرتهن في تقديم شكوى فردية إلى اللجنة. لذا، طُلب إلى الدولة الطرف ألا تحتج بتشريعاتها الوطنية، خاصة الأمر رقم 06-01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، في تعاملها مع صاحبات البلاغ وأفراد أسرتهن.

1-3 وفي 27 تشرين الأول/أكتوبر 2009، قررت اللجنة، بواسطة مقررها الخاص المعني بالبلاغات الجديدة والتدابير المؤقتة، عدم فصل النظر في المقبولية عن النظر في الأسس الموضوعية.

الوقائع كما عرضتها صاحبات البلاغ

2-1 كان فريد فرعون، وهو مزارع ومربي ماشية في منطقة سيدي بلعباس، قدم طعن اً وطلب إلى مدير الأمن في ولاية سيدي بلعباس عقد جلسة معه في كانون الثاني/يناير 1996 اعتراض اً على رفض السلطات إجازة انتخابه رئيس اً لجمعية منتجي الألبان، وهو رفض عَدّ الباعثَ عليه سياسي اً بسبب تعاطفه مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ عندما كانت مشروعة.

2-2 وفي 11 شباط/فبراير 1997، جاء أربعة أفراد من الشرطة القضائية التابعة لأمن ولاية سيدي بلعباس على متن سيارات رسمية وكانوا مسلحين وبزي مدني، وشرعوا في تفتيش بيت الأسرة دون أمر قضائي. وأرغموا الضحية على الذهاب معهم إلى مركز الشرطة على متن سيارته. ولم يبلّغ بأسباب القبض عليه. وفي مساء اليوم الذي قبض عليه، علمت السيدة عوالي، زوجة السيد فرعون، بأن مزرعة الأسرة أتلفت بالكامل بواسطة آلية تملكها بلدية سيدي بلعباس، وذلك بحضور وحدة من الدرك الوطني.

2-3 وفي 12 شباط/فبراير 1997، أتى أفراد من الشرطة القضائية التابعة للأمن، بزي مدني، في سيارات شرطة، إلى بيت الأسرة وطلبوا إلى السيدة عوالي، زوجة السيد فرعون، وإلى أطفالها الأربعة مغادرة البيت. وقال أحد أفراد الشرطة لزوجة السيد فرعون أن تأخذ معها وثائق الهوية والأموال والمجوهرات، ثم أُذِن لأحد الجيران ولأبناء عمومة بدخول الفيلا لأخذ المستلزمات الضرورية فقط. وطفقوا يهدمون البيت الذي كانت الأسرة تعيش فيه منذ أكثر من 17 عام اً، وذلك بحضور محافظ شرطة ولاية سيدي بلعباس. هذا التدمير، بجرافات البلدية، كان دون أمر قضائي ودام ساعات عدة. ولم تتمكن الأسرة من إيجاد سكن بديل إلا بمساعدة الجيران والأقارب. وبعد إتلاف مزرعة فريد فرعون، لم تستطع الأسرة سداد ديونها، الأمر الذي أوقع صاحبات البلاغ في ضائقة مالية.

2-4 وفي ليلة 12 شباط/فبراير 1997، تمكنت السيدة عوالي، زوجة السيد فرعون، من لقاء عسكري سر اً فقال لها إن زوجها عُذب ليلة القبض عليه وإنه لا يزال حي اً، ونصحها بالامتناع عن فعل أي شيء تجنب اً لتفاقم الوضع. وفي الشهور التالية، تلقت الأسرة معلومات من مصادر شتى مفادها أن فريد فرعون مصاب في ساقه وعينه اليسرى وأنه رئي في المشفى العسكري بسيدي بلعباس ثم نُقل إلى المشفى العسكري بوهران.

2-5 ولم تفتأ أسرة الضحية تبحث عنه منذ القبض عليه وتستعلم لدى السلطات وتلتمس فتح تحقيق. وفي غد اليوم التالي للقبض عليه، قصدت فتيحة بورقبة مركز الشرطة حيث أجيبت بأن ابنها نُقل إلى المنطقة العسكرية في المدينة. وعندما ذهبت إلى المنطقة العسكرية، شتمها قائد المنطقة وهددها ب ال قبض عليها . وفي 13 تموز/يوليه 1997، طلبت أسرة فريد فرعون إلى رئيس المرصد الوطني لحقوق الإنسان أن يتدخل للبحث عنه، لكنه لم يرد. وفي 8 آب/ أغسطس 1999، توجهت أم الضحية إلى ولاية سيدي بلعباس لتبلغ عن اختفاء ابنها، لكن محاولتها باءت بالفشل. وفي 4 آب/أغسطس 2005 و8 كانون الثاني/يناير 2006، كتبت زوجة الضحية إلى وزير العدل ووزير الداخلية ورئيس الجمهورية تلتمس تحقيق اً في مصيره. وفي 8 آب/أغسطس 2005، رفعت القضية إلى اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، دون جدوى. وفي 12 آب/أغسطس 2006، أبلغت أم الضحية وحدة الدرك الوطني في الجزائر - الشاطئ مجدد اً عن اختفاء ابنها فحصلت على "إثبات حالة اختفاء بعد عمليات تحقيق وبحث غير مثمرة". رفضت السيدة فتيحة بورقبة هذه النتيجة فقدمت طعن اً لدى رئيس الوحدة المذكورة والتمست تحقيق اً متعمق اً في مكان احتجاز ابنها. ولم تتلق أسرة فريد فرعون أي معلومات عنه حتى اليوم، ولم يُفتح أي تحقيق بعد المساعي التي بذلتها.

2-6 وتدعي صاحبات البلاغ أنهن حَدَدْن من مساعيهن خشية الانتقام. أضف إلى ذلك أن ه كان من المستحيل عليهن قانون ا ً رفع دعوى إلى هيئة قضائية بعد إصدار الأمر رقم 06-01 المؤرخ 27 شباط/فبراير 2006 المتعلق بإعمال ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وذكّرت صاحبات البلاغ بأن سوابق اللجنة الثابتة تفيد بأن سبل الانتصاف الفعالة والمجدية والمتاحة هي الوحيدة التي يجب أن تستنفد. ولا تعد سبل الانتصاف فعالة إلا إذا كانت توفر فرص اً للنجاح؛ ولا تكون مجدية إلا إذا كانت ترضي أصحاب البلاغ؛ ولا تعد متاحة إلا إذا أمكن لجوء أصحاب البلاغ إليها دون عراقيل.

الشكوى

3-1 تدفع صاحبات البلاغ بأن فريد فرعون ضحية اختفاء قسري، ذلك أن أعوان اً للدولة قبضوا عليه، وتلا القبض عليه رفض الاعتراف بسلب حريته وإخفاء ما آل إليه أمره. وبعد مضي 15 عام اً على اختفائه واحتجازه في مكان سري، يبدو أن فرص العثور عليه حي اً ضئيلة؛ وحتى لو افترضنا أن اختفاءه لم تعقبه وفاة، فإن التهديد الذي تتعرض له حياته ينتهك المادة 6، مقترنةً بالفقرة 3 من المادة 2، من العهد.

3-2 وتذكّر صاحبات البلاغ بأن سوابق اللجنة تفيد بأن مجرد التعرض للاختفاء القسري يعد معاملة لا إنسانية أو مهينة. فالقلق والمعاناة اللذان يتسبب فيهما الاحتجاز لأجل غير مسمى دون اتصال بالأسرة ولا بالعالم الخارجي يع ا دل معاملة تتعارض مع المادة 7 من العهد. زد على ذلك أن المعلومات التي تلقتها أسرة الضحية تتحدث عن تعذيب فريد فرعون بعد القبض عليه.

3-3 وعن صاحبات البلاغ أنفسهن، كان اختفاء الضحية ابتلاء سبب لهن معاناة وقلق اً بسبب جهلهن مصيره تمام اً، وهل توفي حق اً، فإن كان كذلك، فكيف كانت وفاته وأين دفن. هذا الغموض يسبب لهن معاناة شديدة لا تتوقف، الأمر الذي ينتهك المادة 7 من العهد، منفردةً أو مقترنةً بالفقرة 3 من المادة 2، من العهد.

3-4 وعن عملية هدم السلطات منزل الأسرة، دفعت صاحبات البلاغ بأنه بمثابة معاملة قاسية أو لا إنسانية بمقتضى المادة 7 من العهد، لأن هدفها الوحيد كان التخويف ولأنها جرت من دون أمر قضائي ولم يُتح للأسرة الوقت الكافي لنقل الأثاث والأغراض الشخصية عدا الضروريات، ودون توفير سكن بديل. وخشيت صاحبات البلاغ رفع شكوى مباشرة إلى السلطات القضائية المحلية بسبب تهديد قائد المنطقة العسكرية بالقبض عليهن، وتدابير التخويف البالغة الخطورة الصادرة عن سلطات الشرطة القضائية (الطرد وتدمير المنزل وقطع الرزق).

3-5 وذكّرت صاحبات البلاغ بسوابق اللجنة الثابتة ومؤداها أن كل احتجاز غير معترف به يعد حرمان اً مطلق اً من الحق في الحرية والأمن، الذي تكفله المادة 9 من العهد، وانتهاك اً صارخ اً لهذا الحكم. إن القبض على الضحية في 11 شباط/فبراير 1997 دون أمر قضائي ودون إبلاغه بأسباب القبض عليه يخل بالفقرتين 1 و2 من المادة 9 من العهد. ويضاف إلى ذلك أن تشريعات الدولة الطرف تقيد الاحتجاز تحت الحراسة بمدة لا تتجاوز 48 ساعة عادة، و96 ساعة في قضايا المساس بأمن الدولة، و12 يوم اً عندما يتعلق الأمر بأعمال إرهابية أو تخريبية. وعليه، فإن عدم مثول الضحية أمام سلطة قضائية مختصة ينتهك الفقرة 3 من المادة 9. ونظر اً إلى أن الضحية محتجز سر اً، الأمر الذي يحول دون اتصاله بالعالم الخارجي، فإنه لا يستطيع رفع دعوى للاعتراض على قانونية احتجازه ولا طلب الإفراج من قاض، ولا حتى طلب أن يدافع عنه غيره، الأمر الذي يؤدي إلى الإخلال بالفقرة 4 من المادة 9 من العهد.

3-6 ويضاف إلى ذلك أن الاحتجاز المطول في مكان سري يتعارض مع ضمانات الفقرة 1 من المادة 10 من العهد.

3-7 وترى صاحبات البلاغ أن الضحية، بصفته شخص اً مختفي اً، سُلب قدرته على ممارسة حقوقه المكفولة بالعهد واللجوء إلى أي من سبل الانتصاف الممكنة، وذلك ناجم مباشرة عن سلوك الدولة الذي ينبغي تفسيره بأنه رفض للاعتراف بالشخصية القانونية للضحية، وهو أمر ينتهك المادة 16 من العهد.

3-8 وتعد الغارة التي شُنت على بيت الأسرة وتفتيشه وتدميره تدخل اً تعسفي اً وغير مشروع في الحياة الشخصية لعائلة فريد فرعون ومنزله، الأمر الذي ينتهك المادة 17 من العهد.

3-9 لقد فُككت الحياة الأسرية لصاحبات البلاغ بسبب الاختفاء القسري للضحية، ولم تؤد الدول ة الطرف واجبها حماي ة الأسرة ، ومن ثم فقد أخلت بالفقرة 1 من المادة 23 من العهد.

3-10 ويستحيل على فريد فرعون، بسبب اختفائه القسري، ممارسة حقه في التظلم ل لطعن في قانونية احتجازه. وبذلت صاحبات البلاغ قصارى جهدهن لمعرفة حقيقة ما آل إليه أمره، وحاولن العثور عليه بكل الوسائل القانونية الممكنة. ونظر اً إلى عدم إجراء تحقيقات شاملة في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان، وملاحقة المسؤولين عن هذه الانتهاكات جنائي اً، ومقاضاتهم ومعاقبتهم، فإن الدولة الطرف انتهكت الفقرة 3 من المادة 2 من العهد. ثم إن عدم وجود ما يلزم من تدابير لحماية الحقوق المنصوص عليها في المواد 6 و7 و9 و10 و16 و17 و23 ينتهك الحقوق المشار إليها، مقترنةً بالفقرة 3 من المادة 2، من العهد.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية

4-1 في 28 آب/أغسطس 2009، اعترضت الدولة الطرف على مقبولية البلاغ. فهي ترى أن البلاغ، الذي يحمّل أعوان اً للدولة أو أشخاص اً آخرين يخضعون للسلطات العامة مسؤولية اختفاءات قسرية أثناء الفترة موضوع الدراسة، أي من 1993 إلى 1998، يجب أن يُدْرس في السياق العام للأوضاع الاجتماعية - السياسية وإعلانه غير مقبول. إن الصبغة الفردية لهذه الشكوى لا تنقل الصورة الحقيقية للسياق الداخلي الاجتماعي - السياسي والأمني التي قيل إن الوقائع المزعومة جرت فيه، ولا يعكس واقع ولا تنوع الحالات المشمولة بالمصطلح العام "اختفاءات قسرية" أثناء الفترة محل الدراسة.

4-2 وبخلاف النظريات التي تشيعها بعض المنظمات الدولية غير الحكومية والتي تعدها الدولة الطرف بعيدة عن الموضوعية، لا يمكن اعتبار مرارة محنة الإرهاب التي عاشتها الدولة الطرف حرب اً أهلية تَقابَل فيها فريقان وإنما أزمة تطورت إلى انتشار الإرهاب بفعل نداءات إلى العصيان المدني. وقد أدى ذلك إلى ظهور جماعات مسلحة عدة ارتكبت جرائم إرهابية وخربت، ودمرت بنى تحتية عامة، وروعت المدنيين. فقد مرت الدولة الطرف في التسعينات بإحدى أشد المحن منذ استقلالها الحديث العهد. ففي ذلك السياق، اتُّخذت تدابير وقائية وفقاً للدستور الجزائري (المادتان 87 و91) وأخطرت الحكومة أمانة الأمم المتحدة بحالة الطوارئ التي أعلنتها، وذلك وفق اً للفقرة 3 من المادة 4 من العهد.

4-3 وفي أثناء هذه الفترة، كانت جماعات مسلحة عدة تشن يومي اً هجمات إرهابية في البلاد، و لم تكن تخضع لسلطة هرمية منظمة بقدر ما كانت تتحرك بدوافع أيديولوجية ، الأمر الذي أدى إلى وضع تقلصت فيه كثير اً قدرات السلطات العامة على التحكم في الوضع الأمني. والتبست الطريقة التي نُفّذت بها عمليات عدة في أذهان المدنيين الذين كانوا يجدون صعوبة في التمييز بين عمليات الجماعات الإرهابية وعمليات قوات الأمن التي كان المدنيون ينسبون إليها كثيراً من حالات الاختفاء القسري . واستناداً إلى بيانات من مصادر مستقلة شتى، وبخاصة الصحافة ومنظمات حقوق الإنسان، يشير المفهوم العام للشخص المختفي في الجزائر أثناء الفترة موضوع الدراسة إلى ست حالات مختلفة لا تتحمل الدولة المسؤولية عن أي منها. وتتعلق الحالة الأولى بالأشخاص الذين أَبلَغ أقاربهم عن اختفائهم، في حين أنهم قرروا من تلقاء أنفسهم الاختفاء عن الأنظار للانضمام إلى الجماعات المسلحة وطلبوا من أسرهم أن تعلن أن دوائر الأمن اعتقلتهم قصد "التضليل" وتجنّب "مضايقات" الشرطة. وتتعلق الحالة الثانية بالأشخاص الذين أُبلغ عن اختفائهم بعد اعتقالهم على يد دوائر الأمن لكنهم انتهزوا فرصة الإفراج عنهم للتواري عن الأنظار. وتتعلق الحالة الثالثة بالأشخاص الذين اختطفتهم جماعات مسلحة لا تُعرف هويتها أو انتحلت صفة أفراد الشرطة أو الجيش بارتداء زيهم أو استخدام وثائق هويتهم، فاعتُبرت خطأً عناصر تابعة للقوات المسلحة أو لدوائر الأمن. وتتعلق الحالة الرابعة بأشخاص أُعلن عن فقدانهم وقرروا هجر أسرهم، وأحياناً حتى مغادرة البلد فراراً من المشاكل الشخصية أو الخلافات العائلية. ويتعلق الأمر في الحالة الخامسة بأشخاص أبلغت أسرهم عن فقدانهم وهم في واقع الأمر إرهابيون مطلوبون أو قُتلوا ودُفنوا في الأدغال في أعقاب الاقتتال بين الفصائل أو الصراعات العقائدية أو تهافت الجماعات المسلحة المتنافسة على الغنائم. وأخيراً، تشير الدولة الطرف إلى فئة سادسة تتعلق بأشخاص مفقودين لكنهم يعيشون إما في الجزائر أو خارجها بهويات مزوّرة حصلوا عليها عن طريق شبكة لتزوير الوثائق.

4-4 وتؤكّد الدولة الطرف أن تنوع وتعقّد الحالات التي يغطيها المفهوم العام للاختفاء هو الذي دفع المشرِّع الجزائري، بعد الاستفتاء الشعبي على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، إلى الدعوة إلى معالجة مسألة المفقودين في إطار شامل بالتكفل بجميع الأشخاص المفقودين في سياق "المأساة الوطنية"، ومساندة جميع الضحايا حتى يتسنى لهم التغلب على هذه المحنة، ومنح جميع ضحايا الاختفاء وذوي الحقوق من أهلهم الحق في الجبر. وتشير إحصاءات وزارة الداخلية إلى الإعلان عن 023 8 حالة اختفاء، وبحث 774 6 ملفاً، وقبول تعويض 704 5 ملفات، ورفض 934 ملفاً، ويُنظر حالياً في 136 ملفاً. ودفعت إلى كل الضحايا المعنيين تعويضات بلغ مجموعها 390 459 371 ديناراً جزائرياً. وبالإضافة إلى ذلك، دفع مبلغ 683 824 320 1 ديناراً جزائرياً في شكل معاش شهري.

4-5 وتجادل الدولة الطرف أيض اً بأن سبل الانتصاف المحلية لم تستنفد كلها. وتشدد على أهمية التمييز بين المساعي البسيطة المبذولة لدى السلطات السياسية أو الإدارية وسُبُل الانتصاف غير القضائية أمام الهيئات الاستشارية أو هيئات الوساطة، والطعون القضائية أمام مختلف الهيئات القضائية المختصة. وتلاحظ الدولة الطرف أن إفادات صاحبات البلاغ تبين أنهن وجَّهن رسائل إلى السلطات السياسية أو الإدارية، وقدمن التماسات إلى هيئات استشارية أو هيئات وساطة، وأرسلن عرائض إلى ممثلين للنيابة العامة (النواب العامون أو وكلاء الجمهورية) دون اللجوء إلى الطعن القضائي بمعناه الدقيق ومتابعته حتى النهاية باستثمار جميع سبل الانتصاف المتاحة في الاستئناف والنقض. ومن بين هذه السلطات جميعها، لا يحق قانوناً سوى لممثلي النيابة العامة فتح تحقيق أولي وعرض المسألة على قاضي التحقيق. ويعد وكيل الجمهورية في النظام القضائي الجزائري الشخص المختص بتلقي الشكاوى، وهو الذي ي حرك الدعوى العامة عند الاقتضاء. غير أن قانون الإجراءات الجزائية يُجيز للضحية أو أصحاب الحق تقديم شكوى والادعاء بالحق المدني مباشرة أمام قاضي التحقيق لحماية حقوقهم. وفي هذه الحالة، تكون الضحية، وليس المدّعي العام، هو من يحرك الدعوى العامة بعرض الحالة على قاضي التحقيق. وسبيل الانتصاف هذا المشار إليه في المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الجزائية لم يُستخدم رغم أنه كان كفيلاً بأن يتيح للضحايا إمكانية تحريك الدعوى العامة وإلزام قاضي التحقيق بإجراء التحقيق، حتى لو كانت النيابة العامة قررت الأخذ بغير ذلك.

4-6 وتحيط الدولة الطرف علم اً بما ذهبت إليه صاحبات البلاغ من أن من المستحيل اعتبار وجود سبل انتصاف محلية فعالة ومجدية ومتاحة يمكن لأسر ضحايا الاختفاء القسري اللجوء إليها في الجزائر بسبب اعتماد ميثاق السلم والمصالحة الوطنية عن طريق الاستفتاء وسن النصوص الخاصة بتطبيقه، وبخاصة المادة 45 من الأمر رقم 06-01. وعلى هذا الأساس، ظنّت صاحبات البلاغ أنهن في حِلٍّ من واجب اللجوء إلى الهيئات القضائية المختصة بالنظر إلى موقف هذه الهيئات واستنتاجاتها المتعلقة بتطبيق هذا الأمر على ما يبدو. لكن الدولة ترى أنه لا يجوز لصاحبات البلاغ التذرع بهذا الأمر ونصوص تطبيقه للتنصل من المسؤولية عن عدم بدء الإجراءات القضائية المتاحة. وتذكّر الدولة الطرف بالسوابق التي تبنتها اللجنة وذهبت فيها إلى أن "اعتقاد شخص ما عدم جدوى سبيل للانتصاف أو افتراض ذلك من تلقاء نفسه لا يُعفيه من استنفاد سبل الانتصاف المحلية جميعها" ( ) .

4-7 وتتناول الدولة الطرف بعد ذلك طبيعة ميثاق السلم والمصالحة الوطنية والأسس التي يستند إليها ومضمونه ونصوص تطبيقه. وتشير إلى أنه ينبغي للجنة، بموجب مبدأ عدم قابلية السلم للتصرف، الذي أصبح حقاً دولياً في السلم، أن تساند هذا السلم وتعززه وتشجع على المصالحة الوطنية حتى تتمكن الدول التي تعاني من أزمات داخلية من تعزيز قدراتها. وفي سياق هذا المسعى لإحقاق المصالحة الوطنية، اعتمدت الدولة الطرف هذا الميثاق الذي ينص الأمر التطبيقي الخاص به على تدابير قانونية تستوجب انقضاء الدعوى العمومية واستبدال العقوبات أو تخفيضها بالنسبة لكل شخص أُدين بأعمال إرهابية أو استفاد من الأحكام المتعلقة باستعادة الوئام المدني، فيما عدا الأشخاص الذين ارتكبوا أو شاركوا في ارتكاب المجازر الجماعية أو أفعال الاغتصاب أو التفجيرات في الأماكن العمومية. وينصّ هذا الأمر أيضاً على إجراء يتيح التصريح بالوفاة ب حكم قضائي و يمنح ذوي الحقوق من ضحايا "المأساة الوطنية" الحق في التعويض. وبالإضافة إلى ذلك، اتُّخذت تدابير اجتماعية - اقتصادية، مثل المساعدات المقدمة لاستفادة كل من تنطبق عليه صفة ضحية "المأساة الوطنية" من إعادة الإدماج في عالم العمل أو التعويض. وأخيراً، ينصّ الأمر على تدابير سياسية كمنع ممارسة النشاط السياسي على كل شخص ساهم في "المأساة الوطنية" ب استغلال الدين في فترة سابقة ، وعلى عدم جواز الشروع في أي متابعة، بصورة فردية أو جماعية، في حق أفراد قوى الدفاع والأمن الجزائرية، بجميع أسلاكها، بسبب أعمال نفذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات، ونجدة الأمة والحفاظ على مؤسسات الجمهورية.

4-8 وبالإضافة إلى إنشاء صندوق تعويض جميع ضحايا "المأساة الوطنية"، أشارت الدولة الطرف إلى أن الشعب الجزائري صاحب السيادة وافق على الشروع في عملية المصالحة الوطنية باعتبارها السبيل الوحيد لتضميد الجراح التي خلّفتها المأساة. وتشدد الدولة الطرف على أن إعلان هذا الميثاق يندرج في إطار الرغبة في تجنب المواجهات القضائية، والتجييش الإعلامي، وتصفية الحسابات السياسية. ولذا تعتبر الدولة الطرف أن الوقائع التي تدعيها صاحبات البلاغ تغطيها الآلية الداخلية الشاملة للتسوية التي تنص عليها أحكام الميثاق.

4-9 وتطلب الدولة الطرف من اللجنة أن تلاحظ مدى تشابه الوقائع والحالات التي ساقتها صاحبات البلاغ ومراعاة السياق الاجتماعي - السياسي والأمني الذي حدثت فيه، وأن تخلص إلى أن صاحبات البلاغ لم يستنفدن جميع سبل الانتصاف المحلية، وأن تقرّ بأن سلطات الدولة الطرف أقامت آلية داخلية شاملة لمعالجة الحالات المشار إليها في هذه البلاغات وتسويتها عبر تدابير ترمي إلى تحقيق السلم والمصالحة الوطنية وفق اً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والعهود والاتفاقيات اللاحقة؛ وأن تعلن عدم مقبولية البلاغ وأن تطالب صاحبات البلاغ بالتماس سبيل انتصاف بديل.

تعليقات صاحبات البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف

5-1 في 2 تشرين الأول/أكتوبر 2012، قدمت صاحبات البلاغ تعليقاتهن على ملاحظات الدولة الطرف. وأشرن إلى أن الدولة الطرف قبلت اختصاص اللجنة ب النظر في البلاغات الواردة من الأفراد. وهذا الاختصاص ذو طابع عام وممارسته لا تخضع لتقدير الدولة الطرف. ولا يحق للدولة الطرف بالخصوص أن تبت في جدوى التظلم لدى اللجنة بشأن حالة خاصة. وترى صاحبات البلاغ أنه لا يمكن الاحتجاج باعتماد الدولة الطرف تدابير تشريعية وإدارية داخلية للتكفل بضحايا "المأساة الوطنية" في مرحلة المقبولية لمنع أفراد يخضعون لولايتها من اللجوء إلى الآلية المنصوص عليها في البروتوكول الاختياري. وحتى على افتراض أن تلك التدابير كانت ستؤثر في حل النـزاع، فإنه يجب تحليلها قياس اً على الأسس الموضوعية للبلاغ وليس في مرحلة المقبولية. وفي القضية محل النظر، تمثل التدابير التشريعية المعتمدة نفسها انتهاك اً للحقوق الواردة في العهد، وهو أمر كانت اللجنة أشارت إليه ( ) .

5-2 وتذكّر صاحبات البلاغ بأن إعلان الجزائر حالة الطوارئ في 9 شباط/فبراير 1992 لا يؤثر في شيء على حق الأفراد في تقديم بلاغات إلى اللجنة. وبالفعل، تنص المادة 4 من العهد على أن إعلان حالة الطوارئ يتيح للدولة عدم التقيد ببعض أحكام العهد فقط ولا يؤثر من ثم على ممارسة الحقوق المترتبة على بروتوكوله الاختياري. وعليه، ترى صاحبات البلاغ أن الاعتبارات التي ساقتها الدولة الطرف بشأن استصواب تقديم البلاغ ليست مبرراً صحيحاً لعدم مقبولية البلاغ.

5-3 وإضافة إلى ذلك، تتناول صاحبات البلاغ الحجة التي أوردتها الدولة الطرف ومؤداها أن استيفاء شرط استنفاد سبل الانتصاف المحلية يقتضي منهن تحريك الدعوى العامة بإيداع شكوى والادعاء بالحق المدني لدى قاضي التحقيق وفقاً للمواد 72 وما تلاها من قانون الإجراءات الجزائية. ويشرن إلى بلاغ فردي يعني الدولة الطرف حيث رأت اللجنة أن "الدولة الطرف ليست ملزمة بإجراء تحقيقات معمقة في الانتهاكات المفترضة لحقوق الإنسان فحسب، سيما عندما يتعلق الأمر بالاختفاء القسري والمساس بالحق في الحياة، بل ملزمة أيضاً بالملاحقة الجنائية لكل من يشتبه في أنه مسؤول عن تلك الانتهاكات ومحاكمته ومعاقبته. إن الادّعاء بالحق المدني بشأن جرائم خطيرة مثل تلك التي يُدعى ارتكابها في القضية محل النظر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحل محل الإجراءات القضائية التي ينبغي أن يتخذها وكيل الجمهورية نفسه" ( ) . وعليه، تعتبر صاحبات البلاغ أن السلطات المختصة هي التي يتعين عليها أن تبادر بالتحقيقات اللازمة في الوقائع الخطيرة كالتي يدّعينها. على أن ذلك لم يحدث، علم اً بأنهن حاولن الاستعلام عن فريد فرعون منذ القبض عليه، لكن جميع محاولاتهن باءت بالفشل.

5- 4 وقصدت فتيحة بورقبة مركز الشرطة منذ غد اليوم الذي تلا القبض على ابنها فقيل لها إنه نُقل إلى المنطقة العسكرية بالمدينة، فذهبت إليها. واستقبلها قائد المنطقة الذي لم يعلمها بأي شيء عن ابنها، بل إنه هددها تهديد اً شديد اً. و قد تَعزز مناخ الخوف هذا بتدمير بيت عائلة فريد فرعون و عن طريق المراقبة الشديدة لأفرادها. ومع ذلك، بذلت صاحبات البلاغ مساعي عدة (انظر الفقرة 2-5)، دون جدوى. وعليه، لا يمكن مؤاخذة صاحبات البلاغ على عدم استنفادهن سبل الانتصاف بعدم تقديم شكوى إلى قاضي التحقيق والادعاء بالحق المدني في انتهاك جسيم لحقوق الإنسان لم يكن للدولة الطرف أن تجهله.

5-5 وعن حجة الدولة الطرف القائلة بأن مجرد "الاعتقاد أو الافتراض الشخصي" لا يُعفي صاحب بلاغ ما من استنفاد سبل الانتصاف المحلية، تشير صاحبات البلاغ إلى المادة 45 من الأمر رقم 06-01 التي تنصّ على عدم جواز الشروع في أي متابعة، بصورة فردية أو جماعية، في حق أفراد قوى الدفاع والأمن. ويعاقَب بال سجن من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وبغرامة تتراوح بين 000 250 دينار جزائري و000 500 دينار جزائري كل من يقدم شكوى أو ادعاء من هذا القبيل. وبذلك لم تبيّن الدولة الطرف بطريقة مقنعة كيف يتسنى للشخص أن يقدم شكوى والادعاء بالحق المدني وتتلقى المحاكم المختصة شكواه وتبت فيها، علماً بأن ذلك مخالف لنص المادة 45 من الأمر المذكور، وكيف يكون مقدم مثل هذه الشكوى في مأمن من العقوبة المنصوص عليها في المادة 46 من هذا الأمر. ووفقاً لما تؤكده سوابق هيئات المعاهدات، فإن النظر في هذه الأحكام يقود إلى الاستنتاج بأن أي شكوى تتعلق بانتهاكات كالتي تعرضت لها صاحبات البلاغ وفريد فرعون لن يعلن أنها غير مقبولة فحسب، بل سيعاقب عليها جنائياً أيضاً. ولم تقدم الدولة الطرف أي مثال على قضية من القضايا التي تكون قد أفضت، رغم وجود الأمر المشار إليه، إلى ملاحقة فعلية للمسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في حالة مماثلة للحالة قيد النظر.

5-6 أما عن الأسس الموضوعية للبلاغ، فتلاحظ صاحبات البلاغ أن الدولة الطرف اكتفت بسرد السياقات التي ربما شكلت الظروف التي اختفى فيها ضحايا "المأساة الوطنية" بشكل عام. وهذه الملاحظات العامة لا تنفي الوقائع التي سيقت في هذا البلاغ. بل إن تلك السياقات نجدها سُردت بطريقة مماثلة في سلسلة من القضايا الأخرى، الأمر الذي يبيّن أن الدولة الطرف تظل ترفض تناول هذه القضايا كل واحدة منها على حدة.

5-7 وعن الحجة التي قدمتها الدولة الطرف ومؤداها أن من حقها أن تطلب فصل مسألة المقبولية عن مسألة الأسس الموضوعية للبلاغ، تشير صاحبات البلاغ إلى الفقرة 2 من المادة 97 من النظام الداخلي للجنة التي تنص على أن "بإمكان الفريق العامل أو المقرر الخاص، نظراً للطابع الاستثنائي للقضية، أن يطلب رداً مكتوباً يقتصر على تناول مسألة المقبولية". وهكذا، فإن هذه الصلاحيات ليست من اختصاص صاحبات البلاغ ولا الدولة الطرف وإنما من اختصاص الفريق العامل أو المقرر الخاص لا غير. و ت عتبر صاحبات البلاغ أن الحالة قيد البحث لا تختلف بتاتاً عن بقية حالات الاختفاء القسري وأنه يتعين عدم فصل مسألة المقبولية عن مسألة الأسس الموضوعية.

5-8 وتذكّر صاحبات البلاغ بأن من واجب الدولة الطرف أن تقدم "شروحاً أو ملاحظات إلى اللجنة تتصل بمدى مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية في الوقت نفسه". ويذكرن أيض اً بسوابق هيئات المعاهدات التي ترى أنه يجوز للجنة، عند عدم وجود ملاحظات من الدولة الطرف بشأن الأسس الموضوعية، أن تبت في الموضوع بناء على المعلومات الواردة في الملف. ويضفن أن التقارير الكثيرة التي تتحدث عن تصرفات قوات الأمن أثناء الفترة المعنية والمساعي العديدة التي بذلها أفراد عائلة الضحية تدعم ادعاءاتهن الواردة في البلاغ. ونظراً إلى أن المسؤولية عن اختفاء فريد فرعون تقع على عاتق الدولة الطرف، فلا يسع صاحبات البلاغ تقديم مزيد من المعلومات لدعم بلاغهن، فالدولة الطرف هي وحدها التي تملك هذه المعلومات. وتلاحظ صاحبات البلاغ أن عدم تقديم الدولة الطرف أية معلومات بشأن الأسس الموضوعية هو إقرار منها بالانتهاكات المرتكبة.

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

6-1 تذكّر اللجنة بداية بأن قرار الجمع بين المقبولية والأسس الموضوعية الذي اتخذ ه المقرر الخاص (انظر الفقرة 1-3) لا يستبعد أن تنظر اللجنة في الأمرين على مرحلتين. فالجمع بينهما لا يعني تزامن النظر فيهما. وعلى هذا، ف قبل النظر في أي شكوى ترد في بلاغ ما، يتعين على اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، وفقاً للمادة 93 من نظامها الداخلي، أن تبتّ في مقبولية البلاغ بموجب البروتوكول الاختياري .

6-2 و على اللجنة أن تتأكد، بم قتضى الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة ذاتها ليست قيد الدراسة أمام هيئة أخرى من هيئات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية.

6-3 وتحيط اللجنة علم اً بأن الدولة الطرف ترى أن ص اح ب ات البلاغ لم  ي ستنفد ن سبل الانتصاف المحلية إذ إنه ن لم  ي توخ ين إمكانية عرض قضيته ن على قاضي التحقيق والادعاء بالحق المدني بناءً على المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الجزائية . وتحيط علم اً أيض اً بأن إفادات الدولة الطرف تبين أن صاحبات البلاغ وجَّهن رسائل إلى السلطات السياسية أو الإدارية دون أن يلجأن إلى إجراءات الطعن القضائي بمعناه الدقيق ويستمررن فيها حتى النهاية باستخدام جميع سبل الانتصاف المتاحة في الاستئناف والنقض. وتحيط اللجنة علم اً بحجة صاحبات البلاغ ومؤداها أن مساعيهن قيّدها الخوف من الانتقام ولأنهن اصطدمن باستحا لة اللجوء إلى هيئة قضائية قانون ا ً بسبب الأمر رقم 06-01 المنفّذ لميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الذي صدر في 27 شباط/فبراير 2006. وتلاحظ اللجنة أن صاحبات البلاغ، رغم خشيتهن من الانتقام، بذلن مساعي عديدة، منها لدى بعض وحدات الشرطة المختصة لإلقاء الضوء على اختفاء الضحية، لكن مساعيهن باءت بالفشل.

6-4 وتذكّر اللجنة بأن الدولة الطرف ملزمة ليس فقط بإجراء تحقيقات شاملة في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان المبلّغ عنها إلى سلطاتها، لا سيما عندما يتعلق الأمر باختفاء قسري وانتهاك الحق في الحياة، ولكنها ملزمة أيضاً بملاحقة كل من يشتبه في أنه مسؤول عن تلك الانتهاكات ومحاكمته ومعاقبته ( ) . و ا لحال أن أسرة فريد فرعون أخطرت الشرطة والسلطات السياسية مراراً باختفائه، لكن الدولة الطرف لم تجر أي تحقيق معمّق ودقيق. أضف إلى ذلك أن الدولة الطرف لم تقدم معلومات تسمح باستنتاج وجود سبيل انتصاف فعال ومتاح قائم بالفعل في الوقت الذي يستمر فيه العمل بالأمر 06-01 المؤرخ 27 شباط/فبراير 2006 رغم توصيات اللجنة التي طلبت فيها جعل أحكام هذا الأمر منسجمة مع أحكام العهد (CCPR/C/DZA/CO/3، الفقر ات 7 و8 و13). وتذكّر اللجنة بأن على صاحبات البلاغ، إذا أردن أن يكون بلاغهن مقبول اً، أن يكتفين باستنفاد سبل الانتصاف الفعالة لتَدارُك ما حدث من اختفاء قسري. وترى اللجنة، إضافة إلى ذلك، أن الادعاء بالحق المدني بشأن جرائم خطيرة مثل تلك المزعومة في هذه الحالة لا يمكن أن يكون بديلاً م ن الإجراءات القضائية التي من المفروض أن يتخذها وكيل الجمهورية نفسه ( ). ونظراً للطابع غير الدقيق لنص المادتين 45 و46 من الأمر المشار إليه أعلاه، ونظراً لعدم تقديم الدولة الطرف معلومات مقنعة بشأن تفسير نص المادتين وتطبيقه عملياً، فإن المخاوف التي أعربت عنها صاحبات البلاغ من حيث فعالية تقديم شكوى هي مخاوف معقولة. وبالنظر إلى مجمل هذه الاعتبارات، تخلص اللجنة إلى أن الفقرة 2(ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري ليست عائقاً أمام مقبولية البلاغ.

6-5 وترى اللجنة أن صاحبات البلاغ علّلن ادعاءاتهن بما فيه الكفاية من حيث إن هذه الادعاءات تثير مسائل تتعلق بالفقرة 1 من المادة 6 ؛ والمادة 7 ؛ والمادة 9 ؛ والمادة 10 ؛ والمادة 16 ؛ والمادة 17 ؛ والفقرة 1 من المادة 23 ؛ والفقرة 3 من المادة 2 من العهد، ومن ثم تنتقل اللجنة إلى النظر في الأسس الموضوعية للبلاغ.

النظر في الأسس الموضوعية

7-1 نظرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أتاحها لها الطرفان، بموجب الفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري .

7-2 اكتفت الدولة الطرف، في هذا البلاغ، بالتأكيد على أن البلاغات التي تدعي مسؤولية موظفين عموميين أو خاضعين في عملهم للسلطات العامة عن حالات الاختفاء القسري التي حدثت في الفترة الممتدة من عام 1993 إلى عام 1998، يجب أن تُعالج في إطار شامل يراعي السياق الداخلي الاجتماعي - السياسي والأمني للبلد في فترة كان على الحكومة أن تكافح فيها الإرهاب. وتلاحظ اللجنة أن على الدولة الطرف، بمقتضى العهد، أن تهتم بمصير كل فرد، ويجب معاملته بالاحترام الذي يليق بكرامته الإنسانية. وتود التذكير بآرائها السابقة ( ) التي ذهبت فيها إلى أنه لا يجوز للدولة الطرف أن تحتج بأحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ضد أشخاص يحتجون بأحكام العهد أو قدّموا بلاغات إلى اللجنة أو يعتزمون تقديمها. ويبدو أن الأمر رقم 06-01، ما لم تُدخل عليه التعديلات التي أوصت بها اللجنة، يعزّز الإفلات من العقاب، وبذلك لا يمكن، بصيغته الحالية، أن يتوافق مع أحكام العهد (CCPR/C/DZA/CO/3، الفقرة 7(أ)).

7-3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم ترد على ادعاءات صاحبات البلاغ بشأن الأسس الموضوعية، وتذكر بآرائها السابقة ( ) ومفادها أن عبء الإثبات يجب ألا يقع على عاتق صاحب البلاغ وحده، خاصة أن صاحب البلاغ لا يتساوى دائماً مع الدولة الطرف في إمكانية الحصول على عناصر الإثبات وأن المعلومات اللازمة تكون في أغلب الأحيان في حوزة الدولة الطرف فقط. وتشير الفقرة 2 من المادة 4 من البروتوكول الاختياري إلى أنه يجب على الدولة الطرف أن تحقق بحسن نية في جميع الادعاءات الواردة بشأن انتهاكات أحكام العهد التي ترتكبها الدولة الطرف نفسها أو يرتكبها ممثلوها وأن تحيل المعلومات التي تكون في حوزتها إلى اللجنة ( ) . ونظراً إلى عدم تقديم الدولة الطرف توضيحات بهذا الخصوص، فلا بد من إيلاء ادعاءات صاحبات البلاغ الاهتمام الواجب ما دامت معللة بما فيه الكفاية.

7-4 وتحيط اللجنة علم اً بإفادات صاحبات البلاغ التي جاء فيها أن أربعة أفراد من الشرطة القضائية التابعة لأمن ولاية سيدي بلعباس كانوا يرتدون زي اً مدني اً ومسلحين جا ؤ وا في مركبات رسمية فقبضوا على فريد فرعون يوم 11 شباط/فبراير 1997 دون أمر قضائي واقتادوه إلى مركز الشرطة بسيدي بلعباس؛ وأن الأسرة لم تره منذئذ؛ وأن السلطات، رغم الجهود التي بذلتها الأسرة، لم تقدم أي معلومات عن مصيره. وتذكّر اللجنة بأن سلب حرية الشخص المختفي وعدم الإقرار بذلك أو عدم الكشف عن مصيره يحرمه حماية القانون ويعرض حياته لخطر جسيم ودائم تعتبر الدولة مسؤولة عنه. وفي الحالة قيد النظر، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أية معلومات تفيد بأنها احترمت التزامها المتمثل في حماية حياة فريد فرعون. وبناءً عليه، تخلص إلى أن الدولة الطرف أخلت بالتزامها بحماية حياة الضحية، وهذا انتهاك للفقرة 1 من المادة 6 من العهد ( ) .

7-5 و تقر اللجنة بدرجة المعاناة التي ينطوي عليها التعرض للاحتجاز لمدة غير محددة دون اتصال بالعالم الخارجي . وتذكّر بتعليقها العام رقم 20(1992) بشأن مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ( ) ، حيث توصي الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لمنع الاحتجاز السري. وتلاحظ في القضية موضع النظر أن أفراد اً من الشرطة القضائية الجزائرية قبضوا على فريد فرعون يوم 11 شباط/فبراير 1997، وأنه لم يتصل بأسرته منذئذ، وأن المعلومات التي تلقتها الأسرة تفيد بأنه عذب بعد سويعات من القبض عليه. ونظراً لعدم تقديم الدولة الطرف توضيحات وجيهة بهذا الخصوص، تعتبر اللجنة أن هذه الوقائع انتهاك للمادة 7 من العهد في حق فريد فرعون ( ) .

7-6 وتحيط اللجنة علماً بما عانته صاحبات البلاغ من قلق وضيق جراء اختفاء فريد فرعون. وتعتبر أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن وقوع انتهاكٍ للمادة 7 من العهد في حق صاحبات البلاغ ( ) .

7-7 وتحيط علم اً بادعاء صاحبات البلاغ الذي يذهب إلى أن أفراد اً من وحدة الدرك الوطني أتلفوا مزرعة الأسرة. وعن بيت الأسرة، أفيد بأن زوجة فريد فرعون وأطفالها، عاينوا، بعد إجلائهم، عاجزين، تدمير بيتهم الذي عاشوا فيه أكثر من 17 سنة، إضافة إلى تدمير أثاثهم ومتاعهم الشخصي، بجرافات، بناء على أوامر أعوان الدولة. وت حيط علم اً بادعاء صاحبات البلاغ ومفاده أنه لم يُعرض عليهن أي سكن بديل، الأمر الذي وضعهن في ضائقة مالية خانقة. وتحيط علم اً أيض اً بما ادعته صاحبات البلاغ من أن هذا الإجراء كان يهدف إلى تخويفهن وأنهن لم يجرؤن، مثلما لم يجرؤن عندما قُبض على فريد فرعون، رفع شكوى إلى السلطات القضائية مباشرة وقت حدوث الوقائع. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تفند هذه الادعاءات. وتذكّر اللجنة بتعليقها العام رقم 20(1992) حيث قالت إنها لا ترى ضرورة لوضع قائمة بالأفعال المحظورة أو للتفريق بوضوح بين الأنواع المختلفة للعقوبة أو المعاملة، وإنما تتوقف أوجه التفريق على طبيعة المعاملة المطبقة وغرضها وشدتها. وقالت فيه أيض اً إنها لا ترى أن يقتصر الحظر المنصوص عليه في المادة 7 على الأفعال التي تسبب ألم اً بدني اً فحسب، بل أن يشمل أيض اً الأفعال التي تسبب للضحية معاناة نفسية ( ) .

7-8 وتلاحظ اللجنة أن سلطات الدولة الطرف هي التي دمرت البيت وأتلفت المزرعة والأثاث الموجود في البيت بُعيد القبض على فريد فرعون، وأن التدمير المذكور جرى دون أمر قضائي، وأن صاحبات البلاغ وأسرتهن عاينّ، عاجزات، تدمير البيت ساعات عدة، وهو بيت عشن فيه سنوات عديدة، وأنه لم يُعرض على الأسرة أي سكن بديل أو ما يلبي احتياجاتها. وفي ظل هذه الظروف، ترى اللجنة أن ذلك التدمير فعل من أفعال الانتقام والتخويف سبب لصاحبات البلاغ وأسرتهن معاناة نفسية شديدة. وتخلص اللجنة إلى انتهاك منفصل للمادة 7 من العهد في حق فريد فرعون وأسرته.

7-9 وعن مزاعم انتهاك المادة 9، تحيط اللجنة علم اً بادعاءات صاحبات البلاغ اللواتي يؤكدن أنه قُبض على فريد فرعون دون أمر قضائي؛ وأنه لم يصدر قرار اتهام في حقه ولا هو مَثُل أمام سلطة قضائية يتظلم لديها بشأن قانونية احتجازه؛ وأنه لم يقدَّم إلى صاحبات البلاغ أي معلومات عن مصيره. وبالنظر إلى أن الدولة الطرف لم تقدم توضيحات شافية، لا يسع اللجنة إلا أن تستنتج حدوث انتهاك منفصل للمادة 7 من العهد في حق فريد فرعون وأسرته ( ) .

7-10 وفيما يتعلق بالشكوى المقدّمة بموجب الفقرة 1 من المادة 10، تؤكد اللجنة مجدداً أن الأشخاص المحرومين من الحرية يجب ألا يتعرضوا لأي حرمان أو إكراه عدا ما هو ملازم ل سلب الحرية، وأنه يجب معاملتهم بإنسانية واحترام كرامتهم. ونظراً لاحتجاز فريد فرعون سرّ اً، ونظراً أيض اً لعدم تقديم الدولة الطرف معلومات بهذا الخصوص، تخلص اللجنة إلى أن الفقرة 1 من المادة 10 من العهد قد انتُهكت ( ) .

7-11 أما عن مزاعم انتهاك المادة 16، فإن اللجنة تكرر سوابقها الثابتة ومؤداها أن حرمان شخص ما عمداً من حماية القانون لفترة مطولة يمكن أن يعدّ رفضاً للاعتراف بشخصيته القانونية إذا كان هذا الشخص في قبضة سلطات الدولة عند ظهوره للمرة الأخيرة، وإذا كانت جهود أقاربه الرامية إلى الوصول إلى سبل انتصاف فعالة، بما في ذلك المحاكم (الفقرة 3 من المادة 2 من العهد)، تعترضها المعوقات بانتظام ( ) . وفي القضية محل النظر، تلاحظ اللجنة عدم تقديم الدولة الطرف معلومات عن مصير الشخص المختفي ولا عن مكانه رغم طلبات صاحبات البلاغ إلى الدولة الطرف. وتستنتج اللجنة من ذلك أن الاختفاء القسري لفريد فرعون منذ 11 شباط/فبراير 1997 حرمه حماية القانون وحقه في الاعتراف بشخصيته القانونية، الأمر الذي ينتهك المادة 16 من العهد.

7-12 وعن مزاعم انتهاك المادة 17 من العهد، تلاحظ اللجنة ما ادعته صاحبات البلاغ اللائي ذهبن إلى أن سلطات الشرطة القضائية بسيدي بلعباس فتشت بيت أسرة فريد فرعون دون أمر قضائي؛ وأن مزرعة الأسرة وبيتها قيل إنهما دمرا بالكامل، الأولى بحضور وحدة من الدرك الوطني والثاني بحضور محافظ شرطة ولاية سيدي بلعباس. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تعلق على أي من هذه الادعاءات. ونظراً إلى عدم تقديم الدولة الطرف توضيحات بهذا الخصوص، فلا بد من إيلاء ادعاءات صاحبات البلاغ الاهتمام الواجب ما دامت معللة بما فيه الكفاية ( ) . وخلصت اللجنة إلى أن دخول أعوان للدولة بيت فريد فرعون وأسرته في ظروف كتلك، إضافة إلى إتلاف مزرعته وتدمير بيتهم تدخّل غير قانوني في حياتهم الشخصية وفي أسرتهم وبيتهم، الأمر الذي ينتهك المادة 17 من العهد في حق فريد فرعون وصاحبات البلاغ ( ) .

7-13 وبالنظر إلى ما سلف، لن تنظر اللجنة في الادعاءات المتصلة بانتهاك الفقرة 1 من المادة 23 من العهد منفصلةً بعضها عن بعض.

7-14 وتحتج صاحبات البلاغ بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد التي تلزم الدول الأطراف بأن تكفل سبيل انتصاف فعالاً لجميع الأشخاص الذين انتهكت حقوقهم المكفولة بالعهد. وتُعلّق اللجنة أهمية على إنشاء الدول الأطراف آليات قضائية وإدارية مناسبة لمعالجة الشكاوى المرتبطة بانتهاكات الحقوق. وتذكر بتعليقها العام رقم 31 (2004) عن طبيعة الالتزام القانوني العام المفروض على الدول الأطراف في العهد ( ) الذي يشير على وجه الخصوص إلى أن تقاعس دولة طرف عن التحقيق في انتهاكات مزعومة قد يفضي، في حد ذاته، إلى انتهاك واضح للعهد. وفي الحالة محل النظر، أخطرت صاحبات البلاغ السلطات المختصة باختفاء فريد فرعون والقبض عليه، إلا أن جميع الخطوات باءت بالفشل، ولم تجر الدولة الطرف أي تحقيق شامل ودقيق في قضية الاختفاء. أضف إلى ذلك أن استحالة اللجوء إلى هيئة قضائية بنص القانون، بعد صدور الأمر رقم 06-01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، لا تزال تحرم فريد فرعون وصاحبات البلاغ من أي إمكانية لل استفادة من سبيل انتصاف فعال، ذلك أن هذا الأمر يمنع، تحت طائلة السجن، من اللجوء إلى العدالة لكشف ملابسات أكثر الجرائم خطورة مثل حالات الاختفاء القسري (CCPR/C/DZA/CO/3، الفقرة 7). وبناء على ما تقدّم، تخلص اللجنة إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن وقوع انتهاك للفقرة 3 من المادة 2، مقترنةً بالفقرة 1 من المادة 6 ؛ والمادة 7؛ والمادة 9؛ والمادة 10؛ والمادة 16؛ والمادة 17 من العهد في حق فريد ف رعون، وانتهاك للفقرة 3 من المادة 2 من العهد، مقترنةً بالمادتين 7 و 17 من العهد في حق صاحبات البلاغ.

8- واللجنة المعنية بحقوق الإنسان، إذ تتصرف وفقاً للفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ترى أن المعلومات المعروضة عليها تكشف عن انتهاك الدولة الطرف لحقوق فريد فرعون المكفولة بالفقرة 1 من المادة 6؛ والمادة 7؛ والمادة 9؛ والفقرة 1 من المادة 10؛ والمادة 16؛ والفقرة 3 من المادة 2 مقترنةً بالفقرة 1 من المادة 6؛ والمادة 7؛ والمادة 9؛ والفقرة 1 من المادة 10؛ والمادة 16 والمادة 17 من العهد، كما تكشف عن انتهاكات حقوق صاحبات البلاغ المكفولة بالمادتين 7 و17 والفقرة 3 من المادة 2، مقترنةً بالمادتين 7 و17.

9- والدولة الطرف ملزمة، بموجب الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، بأن تتيح لصاحبات البلاغ سبيل انتصاف فعّالاً يشمل ما يلي على الخصوص: (أ) إجراء تحقيق شامل ودقيق في اختفاء فريد فرعون؛ (ب) تزويد صاحبات البلاغ بمعلومات مفصلة عن نتائج تحقيقها؛ (ج) الإفراج عنه فوراً إذا كان لا يزال محتجز اً سرا ً ؛ (د) إعادة جثة فريد فرعون إلى أسرته في حالة وفاته؛ (ﻫ) ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات المرتكبة ومحاكمتهم ومعاقبتهم؛ (و) تقديم تعويض مناسب إلى صاحبات البلاغ عن الانتهاكات التي تعرضن لها وكذلك إلى فريد فرعون إن كان على قيد الحياة. وبصرف النظر عن الأمر رقم 06-01، يتعين على الدولة الطرف أيضاً أن تحرص على عدم إعاقة ممارسة الحق في سبيل انتصاف فعال بالنسبة لضحايا الجرائم من قبيل التعذيب والإعدام خارج نطاق القانون والاختفاء القسري. والدولة الطرف ملزمة أيضاً باتخاذ التدابير اللازمة لمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل.

10- واللجنة، إذ تضع في اعتبارها أن الدولة الطرف، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، قد اعترفت باختصاص اللجنة في تحديد ما إذا كان قد حدث انتهاك للعهد أم لا، وتعهّدت، عملاً بالمادة 2 من العهد، بأن تكفل تمتع جميع الأفراد الموجودين في إقليمها والخاضعين لولايتها بالحقوق المعترف بها في العهد وبأن تتيح سبيل انتصاف فعالاً وقابلاً للإنفاذ متى ثبت حدوث انتهاك، تودّ أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون 180 يوماً، معلومات عن التدابير التي اتخذتها لوضع آراء اللجنة موضع التنفيذ. وبالإضافة إلى ذلك، تطلب اللجنة إلى الدولة الطرف نشر هذه الآراء على نطاق واسع بلغاتها الرسمية.

[اعتُمدت بالفرنسية (النص الأصلي) والإسبانية والإنكليزية. وستصدر لاحقاً بالروسية والصينية والعربية أيضاً كجزء من التقرير السنوي المقدم من اللجنة إلى الجمعية العامة . ]