الأمم المتحدة

CCPR/C/108/D/1831/2008

Distr.: General

25 November 2013

Arabic

Original: French

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

البلاغ رقم 1831/2008

آراء اعتمدتها اللجنة في دورتها 108 (8-26 تموز/يوليه 2013)

المقدم من : جلول العربي (تمثله منظمة ترايل - الرابطة السويسرية لمكافحة الإفلات من العقاب)

الشخص المدعي أنه الضحية : جيلالي العربي (والد صاحب البلاغ) وصاحب البلاغ نفسه

الدولة الطرف : الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ : 24 تشرين الأول/أكتوبر 2008 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية : قرار المقرر الخاص بموجب المادتين 92 و 97 من النظام الداخلي، المحال إلى الدولة الطرف في 5 كانون الأول/ديسمبر 2008 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء : 25 تموز/يوليه 2013

الموضوع : الاختفاء القسري

المسائل الإجرائية : استنفاد سبل الانتصاف المحلية

المسائل الموضوعية : الحق في الحياة، وحظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية، وحق الفرد في الحرية وفي أمنه الشخصي، واحترام الكرامة البشرية الأصيلة، والاعتراف بالشخصية القانونية للفرد والحق في سبل انتصاف فعالة، والتدخل غير القانوني في شؤون الأسرة

مواد العهد : المواد 2 (الفقرة 3)، و6 (الفقرة 1)، و7، و9 (الفقرات من 1 إلى 4)، و10 (الفقرة 1)، و16.

مواد البروتوكول الاختياري : المادة 5 (الفقرة 2(ب))

المرفق

آراء اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (الدورة 108)

بشأن

البلاغ رقم 1831/2008 *

المقدم من : جلول العربي (تمثله منظمة ترايل - الرابطة السويسرية لمكافحة الإفلات من العقاب)

الشخص المدعي أنه الضحية : جيلالي العربي (والد صاحب البلاغ) وصاحب البلاغ نفسه

الدولة الطرف : الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ : 24 تشرين الأول/أكتوبر 2008 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

إن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ، المنشأة بموجب المادة 28 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد اجتمعت في 25 تموز/يوليه 2013،

وقد فرغت من النظر في البلاغ رقم 1831/2008، المقدم من جلول العربي بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد وضعت في اعتبارها جميع المعلومات المكتوبة التي أتاحها لها صاحب البلاغ والدولة الطرف،

تعتمد ما يلي:

آراء بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري

1-1 صاحب البلاغ هو جلول العربي، وهو مواطن جزائري مولود في عام 1975. وهو يدعي أن والده جيلالي العربي كان ضحية لانتهاك الجزائر لحقوقه بموجب المواد 2 (الفقرة 3)، و6 (الفقرة 1)، و7، و9 (الفقرات 1 و2 و3 و4)، و10 (الفقرة 1) و16 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ويعتبر صاحب البلاغ نفسه ضحية لانتهاكات الجزائر لحقوقه بموجب المادتين 2 (الفقرة 3) و7 من العهد. ويمثله محام.

1-2 وفي 5 كانون الأول/ديسمبر 2008، طلبت اللجنة إلى الدولة الطرف وفقاً للمادة 92 من نظامها الداخلي، وعن طريق مقررها الخاص المعني بالبلاغات الجديدة والتدابير المؤقتة، ألا تتخذ أي تدبير من شأنه أن يعوق ممارسة صاحب البلاغ وأسرته حقهم في تقديم شكوى فردية إلى اللجنة. ووفقاً لذلك، طُلب إلى الدولة الطرف عدم التذرع بتشريعاتها الوطنية، وعلى وجه التحديد القانون رقم 06-01 بشأن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، لاتخاذ تدابير ضد صاحب البلاغ وأفراد أسرته.

1-3 وفي 12 آذار/مارس 2009، قررت اللجنة، عن طريق مقررها الخاص المعني بالبلاغات الجديدة والتدابير المؤقتة، عدم النظر في مقبولية البلاغ بمعزل عن أسسه الموضوعية.

الوقائع كما عرضها صاحب البلاغ

2-1 في وقت متأخر من صبيحة يوم 25 أيار/مايو 1994، كان جيلالي العربي ذاهب اً للتسوق مع أحد العمال في سيارة أجرة إلى قرية مشرع الصفا، التي تقع على بعد نحو تسعة كيلومترات من مزرعته. وكان في مدخل القرية حاجز تفتيش تابع للدرك. واقتيد جيلالي العربي، بعد التثبت من وثائق هويته، إلى مقر لواء الدرك. ويوضح صاحب البلاغ أن أحد معارف عائلة العربي حضر عملية التوقيف هذه.

2-2 وتوجه جدّ صاحب البلاغ لأبيه، حال علمه بهذا التوقيف، إلى مشرع الصفا، مصحوب اً باثنين من أبنائه وبحفيده (صاحب البلاغ). ورفض أفراد الدرك إبلاغه بأسباب توقيف ابنه، ولم يسمحوا له برؤيته رغم طلباته المتكررة. لكنهم قبلوا مع ذلك تسليم الموقوف ما حُمل إليه من طعام وسجائر.

2-3 وفي 31 أيار/مايو 1994، أخبر أفراد الدرك ذاتهم أفراد العائلة الذين حضروا لزيارة جيلالي العربي بنقل هذا الأخير إلى مركز الدرك بملاكو. فما كان من والد جيلالي العربي وابنيه الآخرين وصاحب البلاغ إلا أن توجهوا إلى ملاكو حيث تمكنوا من رؤية المحتجز. واشتكى جيلالي العربي، الذي بدت عليه أمارات التعرض لمعاناة شديدة وآثار ضرب بارزة على الوجه، خضوعه للتعذيب في مركز لواء مشرع الصفا، لكنه كان مضطر اً، بحضور حراسه، إلى أن يضيف أنه يلقى معاملة حسنة منذ نقله. وقال أيض اً إن أقواله دونت في محضر، وإنه طلب المثول أمام قاض، وإن أفراد الدرك أكدوا له نية الشروع في إجراءات قانونية تخصه وإحالته إلى النيابة في أقرب وقت ممكن. وبالفعل مثل جيلالي العربي أمام النيابة العامة لمحكمة تيارت في 8 حزيران/يونيه 1994، بعد أن ظل موقوف اً لمدة 13 يوم اً. ولقد رآه أشخاص كثيرون في ذلك اليوم على متن السيارة التي كانت تنقله إلى محكمة تيارت. وأعيد في اليوم ذاته إلى مركز الدرك ذاته. وسُمح لأقاربه بزيارته في الأيام التالية. فأخبرهم أنه انتظر ساعات أمام مكتب النائب العام ولم يمثل أمام القاضي، الذي يقال إنه أمر أفراد الدرك "بإعادته".

2-4 واستمر احتجازه في ملاكو إلى غاية 13 حزيران/يونيه 1994. وفي 14 حزيران/ يونيه، عاد والده حامل اً إليه طعام اً، فرفض أفراد الدرك استلامه، وشرحوا له أن ابنه "قد نقل". ولم تتلق عائلته أخبار اً عنه منذ ذلك اليوم.

2-5 ولم يكف والد جيلالي العربي وأقاربه قط عن البحث عنه ومحاولة العثور عليه. فقد بحث الوالد في ألوية الدرك والثكنات العسكرية في المنطقة، وفي مشرع الصفا حيث احتُجز ابنه أول مرة، وفي تيارت وكذلك في فرندة التي علم أن الكثيرين من المحتجزين موجودون فيها. وذهب والد جيلالي العربي، بعد أن تقطعت به السبل، إلى مقر الدائرة العسكرية، حيث نصحوه بالاستعلام لدى السجن العسكري في قاعدة المرسى الكبير، الذي تردد عليه ثلاث مرات في صيف وخريف عام 1994. وذهب إلى محكمة تيارت، حيث استقبله هو ووالدة صاحب البلاغ النائب العام، بعد إجراءات مطولة، واستلم منه شكوى مكتوبة.

2-6 وتردد جد صاحب البلاغ على هذا القاضي بعد ذلك مرات عديدة أثناء عام 1995. غير أنه لم يُستمع لأقواله في إطار تحقيق جنائي، شأنه في ذلك شأن والدة صاحب البلاغ وجميع الشهود الذين ذكرهم والذين كانوا على علم بالوقائع. والواقع أن نيابة تيارت لم تجر، في أي مرحلة من مراحل القضية تحقيق اً ولم تقدم توضيحات بشأن مصير المختفي.

2-7 وفي أيلول/سبتمبر 1994، كتب جد صاحب البلاغ إلى منظمات غير حكومية وإلى المرصد الوطني لحقوق الإنسان للإبلاغ باختفاء ابنه والتماس تدخل.

2-8 وبعد وفاة الجد في عام 1998، واصل صاحب البلاغ ووالدته بذل الجهود في سبيل العثور على جيلالي العربي. وقد ذهبا مرات عديدة إلى محكمة تيارت محاولين معرفة ما أفضت إليه شكاواهما المتعددة؛ واضطرا بعد أشهر إلى وقف كل المحاولات بسبب رفض النائب العام استقبالهما وإعطاءهما أية معلومات ، وكذلك خوف اً من أعمال الانتقام.

2-9 وفي عام 2004، كتب صاحب البلاغ مجدد اً إلى السلطات مستعلم اً عن مصير أبيه. وفي 19 أيار/مايو 2004، كتب إلى مدير الأمن وإلى والي ولاية تيارت، وإلى رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها، وإلى رئيس الجمهورية. ولم يتلق أي رد قط. وفي 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2006، كتب رسالة إلى رئيس الجمهورية والنائب العام لمحكمة تيارت ذكّر فيها بما سبق أن اتخذه من إجراءات متعددة. وفي رسالة مضمونة الوصول، ذكّر وكيل الجمهورية في محكمة تيارت أيض اً بالشكاوى المتعددة التي قدمها والد المختفي ووالدة صاحب البلاغ على مدى الأعوام الماضية والتي لم يتجاوب معها النائب العام قط، شأنها في ذل ك شأن جميع إجراءاته الأخيرة .

2-10 ويدعي صاحب البلاغ أنه يتعذر عليه اللجوء إلى هيئة قضائية بعد صدور الأمر رقم 06-01 المؤرخ 27 شباط/فبراير 2006 والمتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي اعتمد بموجب استفتاء في 29 أيلول/سبتمبر 2005 والذي يحظر اتخاذ أي إجراءات قانونية في حق أفراد قوات الدفاع والأمن الجزائريين في إطار الأحداث التي وقعت في الفترة ما بين عامي 1993 و1998. ويدفع صاحب البلاغ بأنه لم يعد ملزم اً، لأغراض مقبولية هذا البلاغ أمام اللجنة، بمواصلة الإجراءات والتدابير على الصعيد المحلي، والتعرض من ثم لخطر الملاحقة جنائي اً، ما دامت جميع سبل الانتصاف المحلية باءت بالفشل ولم تجد نفع اً وما دام أقارب جيلالي العربي قد باتوا محرومين قانون اً من حقهم في اللجوء إلى العادلة.

الشكوى

3-1 يدعي صاحب البلاغ أن والده كان ضحية اختفاء. ويرى أن احتمال العثور على والده حي اً أصبح ضئيل اً جد اً بعد مرور 14 سنة على اختفائه من لواء الدرك الوطني بملاكو. ومن المرجح، بالنظر إلى غيابه الممتد وظروف توقيفه وسياقه، أن يكون قد توفي أثناء احتجازه. إذ ينطوي الاحتجاز السري على خطر كبير لانتهاك الحق في الحياة. ويشكل هذا الخطر على حياة الضحية انتهاك اً للمادة 6، بما أن الدولة قد أخلت بواجبها المتمثل في حماية الحق الأساسي في الحياة، وهو ما يشكل كذلك إخلال اً بالالتزامات الإيجابية للدولة بموجب المادة 6 من العهد. وهكذا يدفع صاحب البلاغ بأن والده كان ضحية انتهاك للمادة 6 وللفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

3-2 وقد أكد والد صاحب البلاغ لأبيه (جد صاحب البلاغ) أنه خضع للتعذيب في مقر لواء الدرك بمشرع الصفا حيث احتُجز بعد توقيفه. وقد بدت على وجهه بالفعل آثار ضرب واضحة. وعلاوة على ذلك، أكدت اللجنة في اجتهادات سابقة أن مجرد التعرض للاختفاء القسري يشكل في حد ذاته معاملة لا إنسانية أو مهينة. ويشكل القلق والمعاناة الناجمين عن الاحتجاز لفترة غير محددة ودون الاتصال بالأسرة أو العالم الخارجي انتهاكاً للمادة 7 من العهد.

3-3 وأوقف والدَ صاحب البلاغ ضباط بالزي الرسمي للدرك، من دون أمر قضائي، ولم يعلموه بأسباب توقيفه، وهو ما يشكل انتهاكاً للفقرتين 1 و2 من المادة 9 من العهد. واقتيد إلى مقر محكمة تيارت بعد مرور 13 يوم اً على احتجازه، وهي فترة تتجاوز المدة القانونية المحددة في 12 يوم اً. غير أنه لم يمثل قط أمام السلطة المخولة قانون اً لأداء مهام قضائية، أي النائب العام لمحكمة تيارت، في هذه القضية تحديد اً، وهو ما ينتهك الفقرة 3 من المادة 9 من العهد. وكونه ضحية اختفاء قسري، فقد تعذر عليه أن يطعن في مشروعية احتجازه بنفسه أو أن يطلب إلى قاض أن يفرج عنه أو حتى أن يكلف طرف اً ثالث اً في حالة سراح بالدفاع عنه؛ ويشكل ذلك انتهاكاً للفقرة 4 من المادة 9.

3-4 وإذا ثبت انتهاك حقوق الضحية بموجب المادة 7 من العهد، بات من المستحيل القول إنه تمتع بالحماية المكفولة له في الفقرة 1 من المادة 10 من العهد.

3-5 ولأن والد صاحب البلاغ ضحية لاحتجاز غير معترف به، فقد جُرّد من صفة الشخص، مما يشكل انتهاكاً للمادة 16 من العهد.

3-6 ولأن جيلالي العربي ضحية لاختفاء قسري، فقد تعذر عليه ممارسة حقه في الطعن في شرعية احتجازه، وهو ما يشكل انتهاك اً للفقرة 3 من المادة 2 من العهد. وقد استنفد أقاربه جميع السبل القانونية لمعرفة حقيقة ما حل به، لكن إجراءاتهم لم تلق أي تجاوب.

3-7 وفيما يتعلق بصاحب البلاغ نفسه وبأفراد عائلته، فإن الاختفاء يشكل محنة مدمرة وأليمة وعصيبة ما داموا يجهلون تمام اً ما حل بجيلالي العربي، وهو ما يشكل انتهاك اً للمادة 7 ( ) والفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

ملاحظات الدولة الطرف على مقبولية البلاغ

4-1 في 3 آذار/مارس 2009 ، طعنت الدولة الطرف في مقبولية البلاغ و10 بلاغات أخرى مقدمة إلى اللجنة، في "مذكرة بشأن عدم مقبولية البلاغات المقدمة إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان فيما يتصل بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية". وترى الدولة الطرف أن هذه البلاغات، التي تحمل المسؤولية لموظفين عموميين أو أشخاص آخرين يتصرفون تحت إمرة السلطات العامة فيما حدث من حالات الاختفاء القسري أثناء الفترة موضوع الدراسة، أي ما بين عامي 1993 و1998، يجب معالجتها في الإطار الأشمل للحالة الاجتماعية السياسية وللظروف الأمنية التي كانت سائدة في البلد في فترة كانت فيها السلطات تكافح الإرهاب السّاعي إلى "انهيار الدولة الجمهورية". وفي هذا السياق، ووفقاً للدستور (المادتان 87 و91)، نُفذت تدابير احترازية، وأبلغت الحكومة الجزائرية الأمانة العامة للأمم المتحدة بإعلانها حالة الطوارئ، وفقاً للفقرة 3 من المادة 4 من العهد.

4-2 وكان على الحكومة في أثناء تلك الفترة أن تكافح جماعات غير منظمة. فنتج عن ذلك بعض الالتباس في الكيفية التي نُفذت بها عمليات عديدة في صفوف السكان المدنيين، الذين كان يصعب عليهم أن يميزوا بين عمليات الجماعات الإرهابية وعمليات قوات الأمن ، التي نسب إليها المدنيون في أحيان كثيرة حالات الاختفاء القسري. لذا، ترى الدولة الطرف أن حالات الاختفاء القسري تعزى إلى مصادر متعددة لكنها لا يمكن أن تُعزى إلى الحكومة. واستناداً إلى البيانات الموثقة من عدة مصادر مستقلة، وبخاصة الصحافة ومنظمات حقوق الإنسان، يشير المفهوم العام للشخص المختفي في الجزائر في أثناء الفترة موضوع الدراسة إلى ستة أنواع من الحالات المختلفة لا تتحمل الدولة المسؤولية في أي منها. ويتعلق النوع الأول من الحالات بالأشخاص الذين أبلغ أقاربهم عن اختفائهم، في حين أنهم قرروا من تلقاء أنفسهم الاختفاء عن الأنظار للانضمام إلى الجماعات المسلحة وطلبوا من أسرهم أن تعلن أن دوائر الأمن اعتقلتهم "للتضليل" وتجنّب "مضايقات" الشرطة. ويتعلق النوع الثاني بالأشخاص الذين أُبلغ عن اختفائهم بعد اعتقالهم من قبل دوائر الأمن لكنهم انتهزوا فرصة الإفراج عنهم للتواري عن الأنظار. ويتعلق النوع الثالث بحالة الأشخاص المفقودين الذين اختطفتهم جماعات مسلحة لا تُعرف هويتها أو انتحلت صفة أفراد الشرطة أو الجيش بارتداء زيهم أو استخدام وثائق هويتهم، فاعتُبر خطأً أنها تابعة للقوات المسلحة أو لدوائر الأمن. ويتعلق النوع الرابع بالأشخاص الذين تبحث عنهم أسرهم بعد أن قرروا من تلقاء أنفسهم هجر أسرهم، وأحياناً حتى مغادرة البلد للهروب من المشاكل الشخصية أو الخلافات العائلية. أما النوع الخامس، فيتعلق بأشخاص أبلغت أسرهم عن اختفائهم وهم في واقع الأمر إرهابيون مطلوبون أو قُتلوا ودُفنوا في الأدغال في أعقاب الاقتتال بين الفصائل أو مشاجرات عقائدية أو صراعات على غنائم الحرب بين جماعات مسلحة متنافسة. وأخيراً، تشير الدولة الطرف إلى نوع سادس يتعلق بأشخاص مفقودين لكنهم يعيشون إما في إقليم البلد أو خارجه بهويات مزوّرة حصلوا عليها عن طريق شبكة لتزوير الوثائق.

4-3 وتؤكّد الدولة الطرف أيضاً أن تنوع وتعقيد الحالات التي يغطيها المفهوم العام للاختفاء هو الذي دفع المشرِّع الجزائري، بعد الاستفتاء الشعبي على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، إلى أن يوصي بمعالجة مسألة المفقودين في إطار شامل بالتكفل بجميع الأشخاص المفقودين في سياق "المأساة الوطنية"، ومساندة جميع الضحايا حتى يتسنى لهم التغلب على محنهم، ومنح جميع ضحايا الاختفاء وذويهم الحق في الجبر. وتشير الإحصاءات التي أعدّتها دوائر وزارة الداخلية إلى الإعلان عن 023 8 حالة اختفاء، وبحث 774 6 ملفاً، وقبول بمنح تعويضات في 704 5 حالات، ورفض 934 ملفاً، بينما يجري النظر حالياً في 136 ملفاً. ودفعت تعويضات بلغ مجموعها 390 459 371 ديناراً جزائرياً لجميع الضحايا المعنيين إضافة إلى مبلغ 683 824 320 1 ديناراً في شكل معاشات شهرية.

4-4 وتدعي الدولة الطرف أيضاً أن سبل الانتصاف المحلية لم تستنفد كلها. وتشدد على أهمية التمييز بين المساعي البسيطة المبذولة لدى السلطات السياسية أو الإدارية وسُبُل الانتصاف غير القضائية أمام الهيئات الاستشارية أو هيئات الوساطة، والطعون القضائية أمام مختلف الهيئات القضائية المختصة. وتلاحظ الدولة الطرف أن إفادات أصحاب البلاغات ( ) تبين أنهم وجَّهوا رسائل إلى سلطات سياسية أو إدارية، وقدموا التماسات إلى هيئات استشارية أو هيئات وساطة وأرسلوا عرائض إلى ممثلين للنيابة العامة (نواب عامون أو وكلاء الجمهورية) دون اللجوء إلى الطعن القضائي بمعناه الدقيق ومتابعته حتى النهاية باستخدام جميع سبل الانتصاف المتاحة في الاستئناف والنقض. ومن بين هذه السلطات جميعها، لا يحق قانوناً سوى لممثلي النيابة العامة فتح تحقيق أولي وعرض المسألة على قاضي التحقيق. وفي النظام القضائي الجزائري، يكون وكيل الجمهورية هو المختص في تلقي الشكاوى ويقوم، بحسب الاقتضاء، بتحريك الدعوى العامة. وتوخياً لحماية حقوق الضحية أو أصحاب الحق، يُجيز قانون الإجراءات الجنائية لهؤلاء الأشخاص تقديم شكوى والادعاء بالحق المدني أمام قاضي التحقيق مباشرة. وفي هذه الحالة، تكون الضحية، وليس النائب العام، هي التي تحرك الدعوى العامة بعرض الحالة على قاضي التحقيق. وسبيل الانتصاف هذا المشار إليه في المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الجزائية لم يُستخدم رغم أنه كان كفيلاً بأن يتيح للضحية إمكانية تحريك الدعوى العامة وإلزام قاضي التحقيق بإجراء التحقيق، حتى لو كانت النيابة العامة قد قررت خلاف ذلك.

4-5 وتلاحظ الدولة الطرف، علاوة على ذلك، ما ذهب إليه صاحب البلاغ من أنه نتيجة لاعتماد ميثاق السلم والمصالحة الوطنية عن طريق الاستفتاء وسن النصوص الخاصة بتطبيقه، وبخاصة المادة 45 من الأمر رقم 06-01، لم يعد من الممكن اعتبار أنه توجد في الجزائر سبل انتصاف محلية فعالة ومجدية ومتاحة لأسر ضحايا الاختفاء. وعلى هذا الأساس، ظنّ صاحب البلاغ أنه في حِلٍّ من واجب اللجوء إلى الهيئات القضائية المختصة بسبب حكمه المسبق على موقف هذه الهيئات وتقديرها في تطبيق هذا الأمر. لكن الدولة ترى أنه لا يجوز لصاحب البلاغ التذرع بهذا الأمر ونصوص تطبيقه لتبرئة نفسه من المسؤولية عن عدم مباشرة الإجراءات القضائية المتاحة له. وتذكِّر الدولة الطرف باجتهادات اللجنة التي ذهبت فيها إلى أن "اعتقاد شخص ما عدم جدوى سبيل للانتصاف أو افتراض ذلك من تلقاء نفسه لا يُعفيه من استنفاد سبل الانتصاف المحلية جميعها" ( ) .

4-6 وتؤكد الدولة الطرف بعد ذلك طبيعة ميثاق السلم والمصالحة الوطنية والأسس التي يستند إليها ومضمونه ونصوص تطبيقه. وتشير إلى أنه بموجب مبدأ عدم قابلية السلم للتصرف، الذي أصبح حقاً دولياً في السلم، ينبغي للجنة أن تساند هذا السلم وتعززه وتشجع على المصالحة الوطنية حتى تتمكن الدول التي تعاني أزمات داخلية من تعزيز قدراتها. وفي سياق هذا المسعى إلى تحقيق المصالحة الوطنية، اعتمدت الدولة الطرف هذا الميثاق الذي ينص الأمر التطبيقي الخاص به على تدابير قانونية تستوجب انقضاء الدعوى العمومية واستبدال العقوبات أو تخفيضها بالنسبة إلى كل شخص أُدين بأعمال إرهابية أو استفاد من الأحكام المتعلقة باستعادة الوئام المدني، فيما عدا الأشخاص الذين ارتكبوا أو شاركوا في ارتكاب المجازر الجماعية أو أفعال الاغتصاب أو التفجيرات في الأماكن العمومية. وينصّ هذا الأمر أيضاً على إجراء رفع دعوى لاستصدار حكم قضائي بالوفاة يمنح ذوي الحقوق من ضحايا "المأساة الوطنية" الحق في التعويض. وبالإضافة إلى ذلك، وُضعت تدابير اجتماعية اقتصادية مثل المساعدات المقدمة لاستفادة كل من تنطبق عليه صفة ضحية "المأساة الوطنية" من إعادة الإدماج في الحياة المهنية أو التعويض. وأخيراً، ينصّ الأمر على تدابير سياسية مثل منع ممارسة النشاط السياسي على كل شخص ساهم في "المأساة الوطنية" باستغلال الدين في فترة سابقة. وينص الأمر على عدم جواز الشروع في أي متابعة، بصورة فردية أو جماعية، في حق أفراد قوات الدفاع والأمن للجمهورية، بجميع مكوناتها، بسبب أعمال نفذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات، ونجدة الأمة والحفاظ على مؤسسات الجمهورية.

4-7 وأشارت الدولة الطرف إلى أنه بالإضافة إلى إنشاء صناديق لتعويض جميع ضحايا "المأساة الوطنية"، وافق الشعب الجزائري صاحب السيادة على الشروع في عملية المصالحة الوطنية باعتبارها السبيل الوحيد لتضميد الجراح التي خلّفتها المأساة. وتشدد الدولة الطرف على أن إعلان هذا الميثاق يندرج في إطار الرغبة في تجنب المواجهات القضائية، والحملات الإعلامية، وتصفية الحسابات السياسية. ولذا تعتبر الدولة الطرف أن الوقائع التي يدعيها صاحب البلاغ تغطيها الآلية الداخلية الشاملة للتسوية التي تنص عليها أحكام الميثاق.

4-8 وتطلب الدولة الطرف إلى اللجنة أن تلاحظ أوجه الشبه بين الوقائع والحالات التي يسوقها صاحب البلاغ ومراعاة الإطار الاجتماعي السياسي والأمني الذي حدثت فيه، وأن تخلص إلى أن صاحب البلاغ لم يستنفد جميع سبل الانتصاف المحلية، وأن تقرّ بأن سلطات الدولة الطرف أقامت آلية داخلية لمعالجة الحالات المشار إليها في البلاغات المعروضة على اللجنة وتسويتها تسوية شاملة في إطار آلية للسلم والمصالحة الوطنية تتفق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والعهود والاتفاقيات اللاحقة، وأن تعلن عدم مقبولية البلاغ وأن تطالب صاحب البلاغ بالتماس سُبُل الانتصاف بصورة أفضل.

ملاحظات إضافية من الدولة الطرف بشأن مقبولية البلاغ

5-1 في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2009، أرسلت الدولة الطرف إلى اللجنة مذكرة إضافية تتساءل فيها عما إذا كانت مجموعة البلاغات الفردية المعروضة على اللجنة لا تشكل بالأحرى إساءة استعمال للإجراء تقديم البلاغات يقصد منها أن تعرض على اللجنة مسألة شاملة تاريخية تخرج أسبابها وظروفها عن اختصاص اللجنة. وتلاحظ الدولة الطرف في هذا الصدد أن هذه البلاغات "الفردية" تتناول السياق العام الذي حدثت فيه حالات الاختفاء هذه، وتركز فقط على تصرفات قوات حفظ النظام دون أن تشير قط إلى مختلف الجماعات المسلّحة التي اتبعت تقنيات تمويه إجرامية لإلقاء المسؤولية على القوات المسلحة.

5-2 وتؤكّد الدولة الطرف أنها لن تبدي رأيها بشأن الأسس الموضوعية المتعلقة بالبلاغات المذكورة قبل صدور قرار بشأن مقبوليتها، وأن واجب أي هيئة قضائية أو شبه قضائية يتمثل أولاً في معالجة المسائل الأولية قبل مناقشة الأسس الموضوعية. وترى الدولة الطرف أن قرار النظر، بصورة مشتركة ومتزامنة، في مسائل المقبولية والمسائل المتعلقة بالأسس الموضوعية في هذه الحالة بالذات، بالإضافة إلى كونه قراراً لم يتفق عليه، يضر بشكل خطير بمعالجة البلاغات المعروضة معالجة مناسبة، سواء من ناحية طبيعتها العامة أو من ناحية خصوصياتها الذاتية. وفي إشارة إلى النظام الداخلي للجنة المعنية بحقوق الإنسان، لاحظت الدولة الطرف أن الفروع المتعلقة بنظر اللجنة في مقبولية البلاغ تختلف عن تلك المتعلقة بالنظر في الأسس الموضوعية وأنه يمكن من ثم بحث هاتين المسألتين بشكل منفصل. وفيما يتعلق بوجه خاص بمسألة استنفاد سبل الانتصاف المحلية، تؤكد الدولة الطرف أن الشكاوى وطلبات المعلومات المقدمة من صاحبة البلاغ لم يوجه أيّ منها عبر القنوات الكفيلة بأن تتيح للسلطات القضائية المحلية النظر فيها.

5-3 وفي معرض التذكير باجتهادات اللجنة بشأن واجب استنفاد سبل الانتصاف المحلية، تؤكّد الدولة الطرف أن مجرّد الشك في احتمالات النجاح أو الخوف من التأخير لا يعفي صاحبة البلاغ من استنفاد سبل الانتصاف هذه. وفيما يتعلق بالقول إن صدور الميثاق يجعل أي طعن في هذا المجال مستحيلاً، ترد الدولة الطرف بأن عدم تقديم صاحبة البلاغ ادعاءاتها للنظر فيها هو ما حال حتى الآن دون تمكين السلطات الجزائرية من اتخاذ موقف بشأن نطاق وحدود سريان أحكام هذا الميثاق. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأمر يشترط فقط عدم قبول الدعاوى المرفوعة ضد "أفراد قوات الدفاع والأمن للجمهورية" بسبب أعمال تقتضيها مهامهم الجمهورية الأساسية، أي حماية الأشخاص والممتلكات، ونجدة الأمة، والحفاظ على المؤسسات. غير أن أي ادعاء يتعلق بأعمال يمكن أن تنسب إلى قوات الدفاع والأمن ويثبت أنها وقعت خارج هذا الإطار هو ادعاء قابل لأن تحقق فيه الهيئات القضائية المختصة.

5-4 وفي مذكرة مؤرخة 6 تشرين الأول/أكتوبر 2010، تكرر الدولة الطرف ادعاءاتها السابقة بشأن المقبولية.

تعليقات صاحب البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف

6-1 في 24 نيسان/أبريل 2013 ، قدّم صاحب البلاغ تعليقاته على ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية وقدم حججاً إضافية بشأن الأسس الموضوعية. ويشير صاحب البلاغ إلى أن الدولة الطرف قد قبلت باختصاص اللجنة في النظر في البلاغات الفردية. وهذا الاختصاص ذو طابع عام ولا تخضع ممارسته من جانب اللجنة لتقدير الدولة الطرف. وبوجه خاص، ليس من حق الدولة الطرف أن تقرر مدى استصواب أو عدم استصواب تناول اللجنة لمسألة بعينها. فذلك من اختصاص اللجنة عند شروعها في دراسة البلاغ. وبالإشارة إلى المادة 27 من اتفاقية فيينا بشأن قانون المعاهدات، يعتبر صاحب البلاغ أنه لا يمكن للدولة الطرف التذرع باعتماد تدابير تشريعية وإدارية داخلية للتكفل بضحايا "المأساة الوطنية" للدفع بعدم مقبولية البلاغات بغية منع الأفراد الخاضعين لولايتها من اللجوء إلى آلية نص عليها البروتوكول الاختياري. وقد يكون لهذه التدابير بالفعل أثر على تسوية المنازعة، لكنه يتعين تحليلها في معرض النظر في الأسس الموضوعية للقضية وليس في مرحلة النظر في مقبولية البلاغ. وفي القضية قيد البحث، تشكل التدابير التشريعية المعتمدة في حد ذاتها انتهاكاً للحقوق المنصوص عليها في العهد، مثلما أشارت إليه اللجنة في وقت سابق ( ) .

6-2 ويذكّر صاحب البلاغ بأن إعلان الجزائر حالة الطوارئ في 9 شباط/فبراير 1992 لا يؤثر في شيء على حق الأفراد في تقديم بلاغات إلى اللجنة. وبالفعل، تنص المادة 4 من العهد على أن إعلان حالة الطوارئ يتيح للدولة عدم التقيد ببعض أحكام العهد فقط ولا يؤثر من ثم على ممارسة الحقوق المترتبة على بروتوكوله الاختياري. وبالتالي، يرى صاحب البلاغ أن الاعتبارات التي ساقتها الدولة الطرف بشأن إمكانية تقديم البلاغ ليست مبرراً سليم اً لعدم مقبولية البلاغ.

6-3 وعلاوة على ذلك، يتناول صاحب البلاغ الحجة التي ساقتها الدولة الطرف ومؤداها أن استيفاء شرط استنفاد سبل الانتصاف المحلية يقتضي من صاحب البلاغ تحريك دعوى عامة بإيداع شكوى والادعاء بالحق المدني لدى قاضي التحقيق وفقاً للمواد 72 وما تلاها من قانون الإجراءات الجنائية. ويشير إلى بلاغ سابق يخص الدولة الطرف أعلنت فيه اللجنة أن "الدولة الطرف ليست ملزمة بإجراء تحقيقات معمقة في الانتهاكات المفترضة لحقوق الإنسان فحسب، سيما عندما يتعلق الأمر بالاختفاء القسري والمساس بالحق في الحياة، بل ملزمة أيضاً بالملاحقة الجنائية لكل من يشتبه في أنه مسؤول عن تلك الانتهاكات ومحاكمته ومعاقبته. إن الادّعاء بالحق المدني بشأن جرائم خطيرة مثل تلك التي يُدعى ارتكابها في القضية محل النظر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحل محل الإجراءات القضائية التي ينبغي أن يتخذها وكيل الجمهورية نفسه" ( ) . وعليه، يعتبر صاحب البلاغ أن السلطات المختصة هي التي يتعين عليها أن تبادر بإجراء التحقيقات اللازمة في الوقائع الخطيرة التي يدعيها صاحب البلاغ. غير أن ذلك لم يحدث، على الرغم من أن أفراد أسرة جيلالي العربي حاولوا، بعد إلقاء القبض عليه في 25 أيار/مايو 1994، الاستعلام عن حالته، لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل.

6-4 وقد بحث أقارب جيلالي العربي عنه في جميع ألوية الدرك والثكنات والسجون العسكرية في المنطقة. وسلموا رسالة شكوى إلى وكيل الجمهورية في محكمة تيارت، الذي ترددوا عليه مرار اً. واتصلوا بالرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، وبالفرع المحلي ومنظمة العفو الدولية وأمانتها، علاوة على المرصد الوطني لحقوق الإنسان. ولجأت عائلة الضحية كذلك إلى مدير الأمن وإلى الوالي في ولاية تيارت، وإلى رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها، وإلى رئيس الجمهورية. ولم تتلق عائلة الضحية أي رد قط على هذه الإجراءات. وبناء على طلب زوجة الضحية، دون الدرك الوطني في 2 آذار/مارس 2010 محضر اختفاء في ظروف المأساة الوطنية. وفي ربيع عام 2005، استقبلت لجنة مخصصة تابعة للجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها والدة صاحب البلاغ وأكدت لها شفوي اً أن حالة جيلالي العربي عُدّت من حالات الاختفاء القسري. غير أنها لم تحصل على المزيد من المعلومات بشأن مصير جيلالي العربي.

6-5 ومضت عائلة الضحية، بعد تقديم البلاغ الفردي إلى اللجنة، في اتخاذ إجراءات لدى السلطات الجزائرية بغية معرفة مصير المختفي. فقد وجهت العائلة، في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2010، تقرير اً مفصل اً بشأن اختفاء جيلالي العربي إلى كل من رئيس الجمهورية، ووزير العدل حافظ الأختام، ووزير الداخلية والجماعات المحلية، وقائد الدرك الوطني. وعقب جميع الإجراءات المتخذة، استمع وكيل الجمهورية في محكمة تيارت إلى زوجة الضحية في 11 كانون الثاني/يناير 2011. وهي تذكر في المحضر حكم اً صادر اً عن قسم شؤون الأسرة التابع لنيابة تيارت في 1 تموز/يوليه 2010، يعلن مقبولية شكواها شكل اً ومحتوى ويأذن بإجراء تحقيق كامل في قضية الاختفاء هذه، بما يشمل سماع الشهود. وعلى هذا الأساس، أدلى شاهدان، زميل وجار للضحية، في 9 شباط/فبراير، بأقوالهم لدى قسم شؤون الأسرة التابع لمحكمة تيارت؛ وأوضحا أن جيلالي العربي لم يظهر منذ عام 1994 وأنهما لا يعرفان شيئ اً عن مصيره منذ ذلك الوقت، وهو ما أكده أفراد العائلة الحاضرين في جلسة الاستماع. بيد أن هذه المساعي المتعددة لم تفض لا إلى تحقيق فعال ولا إلى مقاضاة المسؤولين عن الاختفاء القسري وإدانتهم ولا إلى منح الأسرة تعويض اً. وعليه، لا يمكن لوم صاحب البلاغ وأسرته على عدم استنفاد سبل الانتصاف جميعها بتقديم شكوى إلى قاضي التحقيق والادعاء بالحق العام بخصوص انتهاك بهذه الخطورة لحقوق الإنسان ما كان للدولة الطرف أن تتجاهله.

6-6 وفيما يتعلق بما تدعيه الدولة الطرف من أن مجرد "الاعتقاد أو الافتراض الشخصي" لا يُعفي صاحب بلاغ ما من استنفاد سبل الانتصاف المحلية، يشير صاحب البلاغ إلى المادة 45 من الأمر رقم 06-01 التي تنصّ على عدم جواز الشروع في أي متابعة، بصورة فردية أو جماعية، في حق أفراد قوى الدفاع والأمن. ويعاقَب بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وبغرامة يتراوح مقدارها بين 000 250 دينار جزائري و000 500 دينار جزائري كل من يقدم شكوى أو ادعاء من هذا القبيل. وبذلك لم تبيّن الدولة الطرف بطريقة مقنعة كيف يسمح تقديم شكوى والادعاء بالحق المدني بتلقي المحاكم المختصة أي شكوى والبت فيها، مما سيشكل انتهاكاً للمادة 45 من الأمر المذكور، ولم تبيّن أيضاً كيف كان يمكن إعفاء صاحب البلاغ من تطبيق في المادة 46 من هذا الأمر. ووفقاً لما تؤكده اجتهادات هيئات المعاهدات، فإن النظر في هذه الأحكام يقود إلى استنتاج أن أي شكوى تتعلق بانتهاكات تترتب عليها إدانة موظفين جزائريين لن يعلن أنها غير مقبولة فحسب، بل سيعاقب عليها جنائياً أيضاً. ويلاحظ صاحب البلاغ أن الدولة الطرف لم تقدم أي مثال على قضية من القضايا التي ربما تكون قد أفضت، رغم وجود الأمر المشار إليه، إلى ملاحقة فعلية للمسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في حالة مماثلة للحالة قيد النظر.

6-7 وفيما يتعلق بالأسس الموضوعية للبلاغ، يلاحظ صاحب البلاغ أن الدولة الطرف اكتفت بسرد السياقات التي ربما شكلت الظروف التي اختفى فيها ضحايا "المأساة الوطنية" بشكل عام. وهذه الملاحظات العامة لا تنفي الوقائع التي سيقت في هذا البلاغ. بل إن تلك السياقات يتواتر سردها بطريقة مماثلة في سلسلة من القضايا الأخرى، مما يبيّن أن الدولة الطرف لا تزال ترفض تناول هذه القضايا كل اً على حدة.

6-8 ويذكّر صاحب البلاغ بأحكام الفقرة 1 من المادة 100 من نظام اللجنة الداخلي وباجتهادات هيئات المعاهدات التي تعتبر أنه في غياب ملاحظات من الدولة الطرف على الأسس الموضوعية، يجب أن تؤخذ ادعاءات مقدم الشكوى في الاعتبار بالكامل. والتقارير العديدة التي تتحدث عن تصرفات قوات حفظ النظام أثناء الفترة المذكورة والمساعي العديدة التي قام بها أقارب الضحية تدعم الادعاءات التي قدمها صاحب البلاغ وتزيدها مصداقية. ونظراً إلى أن المسؤولية عن اختفاء الوالد تقع على عاتق الدولة الطرف، فلا يسع صاحب البلاغ تقديم المزيد من المعلومات لدعم بلاغه، لما كانت الدولة الطرف وحدها تملك هذه المعلومات. وعلاوة على ذلك، يرى صاحب البلاغ أن عدم إبداء الدولة الطرف ملاحظات على الأسس الموضوعية يشكل إقرار اً ضمني اً منها بالانتهاكات المدعى حدوثها.

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

7-1 تشير اللجنة، بداية، إلى أن قرار المقرر الخاص بشأن دراسة المقبولية والأسس الموضوعية معاً (انظر الفقرة 1-3 أعلاه) لا يمنع اللجنة من أن تنظر فيهما كل ا على حدة. ذلك أن ضم المقبولية والوقائع لا يعني وجوب دراستهما في وقت واحد. وقبل النظر في أي شكوى ترد في بلاغ ما، يتعين على اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، وفقاً للمادة 93 من نظامها الداخلي، أن تبتّ في مقبولية البلاغ بموجب البروتوكول الاختياري.

7-2 وقد تأكدت، عمل اً بالفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة ذاتها ليست قيد الدراسة أمام هيئة أخرى من هيئات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية.

7-3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف ترى أن صاحب البلاغ لم يستنفد سبل الانتصاف المحلية إذ إنهم لم يتوخوا إمكانية عرض قضيتهم على قاضي التحقيق والادعاء بالحق المدني بناءً على المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الجنائية. وعلاوة على ذلك، تلاحظ اللجنة أن إفادات الدولة الطرف تبين أن صاحب البلاغ وجه رسائل إلى سلطات سياسية أو إدارية، ولجأ إلى هيئات مشورة أو وساطة، وأرسل عريضة إلى ممثلين للنيابة العامة (نواب عامون أو وكلاء للجمهورية) دون اللجوء إلى إجراءات الطعن القضائي بالمعنى الدقيق والاستمرار فيها حتى النهاية باستخدام جميع سبل الانتصاف المتاحة في الاستئناف والنقض. وتلاحظ اللجنة ما ادعاه صاحب البلاغ من أن أسرة الضحية سلمت رسالة شكوى إلى وكيل الجمهورية في محكمة تيارت، وكان أفراد من العائلة قد ترددوا عليه مرار اً؛ وأنهم اتصلوا بالرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان وبالمرصد الوطني لحقوق الإنسان؛ وأنهم كتبوا إلى مدير الأمن، وإلى والي ولاية تيارت، وإلى رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها، وإلى رئيس الجمهورية. ولم يتلقوا أي رد قط. وهي تلاحظ علاوة على ذلك أن العائلة وجهت تقرير اً مفصل اً بشأن اختفاء جيلالي العربي إلى كل من رئيس الجمهورية، ووزير العدل حافظ الأختام، ووزير الداخلية والجماعات المحلية، وقائد الدرك الوطني. وتلاحظ كذلك أن وكيل الجمهورية في محكمة تيارت استمع إلى زوجة جيلالي العربي في 11 كانون الثاني/يناير 2011 وأن قسم شؤون الأسرة التابع لنيابة تيارت استمع إلى شاهدين في 9 شباط/فبراير، دون أن يستتبع ذلك اتخاذ أي إجراء. وتحيط اللجنة علم اً كذلك بأن هذه المساعي العديدة لم تفض لا إلى تحقيق فعال ولا إلى مقاضاة المسؤولين عن الاختفاء القسري وإدانتهم ولا إلى منح أسرة الضحية تعويض اً. وتحيط اللجنة علم اً بما ادعاه صاحب البلاغ من أن الأمر رقم 06-01 يمنع اللجوء إلى العدالة لمقاضاة أفراد قوات الدفاع والأمن للجمهورية، وينص على ملاحقة المخالفين جنائي اً، وهو ما يعفي الضحايا من ضرورة استنفاد سبل الانتصاف المحلية.

7-4 وتذكر اللجنة بأن الدولة الطرف ملزمة ليس فقط بإجراء تحقيقات شاملة في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان المبلّغ عنها إلى سلطاتها، لا سيما عندما يتعلق الأمر باختفاء قسري وانتهاك الحق في الحياة، ولكنها ملزمة أيضاً بملاحقة كل من يشتبه في أنه مسؤول عن تلك الانتهاكات ومحاكمته ومعاقبته ( ) . وعلى الرغم من أن أسرة جيلالي العربي أخطرت السلطات المختصة مراراً باختفائه، فإن الدولة الطرف لم تجر أي تحقيق معمّق ودقيق في اختفاء والد صاحب البلاغ والحال أن الأمر يتعلق بمزاعم خطيرة متصلة بالاختفاء القسري. وعلاوة على ذلك، لم تقدم الدولة الطرف معلومات تسمح باستنتاج أنه وجود سبيل انتصاف فعال ومتاح بالفعل في الوقت الذي يستمر فيه تطبيق الأمر 06-01 الصادر في 27 شباط/فبراير 2006 رغم توصيات اللجنة التي طلبت فيها مواءمة أحكام هذا الأمر مع أحكام العهد (الوثيقة CCPR/C/DZA/CO/3، الفقرات 7 و8 و13). وترى اللجنة أن الادعاء بالحق المدني بشأن جرائم خطيرة مثل تلك المزعومة في هذه الحالة لا يمكن أن يكون بديلاً عن الإجراءات القضائية التي من المفروض أن يتخذها وكيل الجمهورية نفسه ( ) . وعلاوة على ذلك، فنظراً إلى الطابع غير الدقيق لنص المادتين 45 و46 من الأمر، وإلى عدم تقديم الدولة الطرف معلومات مقنعة بشأن تفسير نص المادتين وتطبيقهما عملياً، فإن المخاوف التي أعربت عنها صاحبة البلاغ من حيث العواقب المترتبة على تقديم شكوى هي مخاوف معقولة.

7-5 وترى اللجنة أنه ليس من واجب صاحب البلاغ، لأغراض المقبولية، إلا استنفاد سبل الانتصاف المفيدة لتصحيح الانتهاك المزعوم، وهي في ظروف هذه القضية سبل الانتصاف المفيدة لتصحيح الاختفاء القسري. وفي ضوء كل هذه الاعتبارات، تخلص اللجنة إلى أن الفقرة 2(ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري ليست عائقاً أمام مقبولية البلاغ.

7-6 وترى اللجنة أن صاحب البلاغ علّل ادعاءاته بما فيه الكفاية من حيث إن هذه الادعاءات تثير مسائل تتعلق بالمواد 6 (الفقرة 1)، و7، و9، و10، و16، و2 (الفقرة 3) من العهد، وتباشر من ثم النظر في الأسس الموضوعية للبلاغ.

النظر في الأسس الموضوعية

8-1 نظرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أتاحها لها الطرفان، بموجب الفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

8-2 وقدّمت الدولة الطرف ملاحظات جماعية وعامة بخصوص الادعاءات الخطيرة التي أثارها أصحاب بلاغات كثيرة، منهم صاحب هذا البلاغ. واكتفت الدولة الطرف بتأكيد أن البلاغات التي تدعي تورط موظفين عموميين أو خاضعين في عملهم للسلطات العامة عن حالات الاختفاء القسري التي حدثت في الفترة من عام 1993 إلى عام 1998، يجب أن تُعالج في إطار شامل يراعي السياق الداخلي الاجتماعي والسياسي والأمني السائد في البلد في فترة كان على الحكومة أن تكافح فيها الإرهاب. وتذكّر اللجنة باجتهاداتها ( ) وتشير إلى أن على الدولة الطرف ألا تتذرع بأحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ضد الأشخاص الذين يتذرعون بأحكام العهد أو الذين قدموا أو قد يقدموا بلاغات إلى اللجنة. ويتطلب العهد أن تراعي كل دولة طرف مصير الفرد وتعامل كل فرد معاملة إنسانية تحترم الكرامة البشرية الأصيلة. ويبدو أن الأمر رقم 06-01، ما لم تُدخل عليه التعديلات التي أوصت بها اللجنة، يعزّز الإفلات من العقاب، وبذلك لا يمكن، بصيغته الحالية، أن يعتبر متفقاً مع أحكام العهد.

8-3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم ترد على ادعاءات صاحبة البلاغ بشأن الأسس الموضوعية للبلاغ وتذكر باجتهاداتها ( ) التي مفادها أن عبء الإثبات يجب ألا يقع على عاتق صاحب البلاغ وحده، خاصة أن صاحب البلاغ لا يتساوى دائماً مع الدولة الطرف في إمكانية الحصول على عناصر الإثبات وأن المعلومات اللازمة تكون في أغلب الأحيان في حوزة الدولة الطرف فقط. وتشير الفقرة 2 من المادة 4 من البروتوكول الاختياري ضمنياً إلى أنه يجب على الدولة الطرف أن تحقق بحسن نية في جميع الادعاءات الواردة بشأن انتهاكات أحكام العهد التي ترتكبها الدولة الطرف نفسها أو يرتكبها ممثلوها وأن تحيل المعلومات التي تكون في حوزتها إلى اللجنة ( ) . ونظراً لعدم تقديم الدولة الطرف أي توضيح بهذا الخصوص، فلا بد من إيلاء ادعاءات صاحبة البلاغ الاهتمام الواجب ما دامت معللة بما فيه الكفاية.

8-4 وتلاحظ اللجنة أن صاحب البلاغ أفاد بأن والده جيلالي العربي اعتقل في نهاية صباح يوم 25 أيار/مايو 1994، وبأن أحد العاملين عنده وشخص اً يعرفه كانا حاضرين عندما ألقي القبض عليه. وتشير اللجنة كذلك إلى أن صاحب البلاغ أفاد بأن والده من المرجح، بالنظر إلى غيابه الممتد وظروف توقيفه وسياقه، أن يكون قد توفي أثناء احتجازه. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدّم أي معلومات تدحض ادعاءات صاحب البلاغ. وتذكر اللجنة بأن الحرمان من الحرية ثم عدم الإقرار بذلك أو عدم الكشف عن مصير الشخص المختفي يؤدي، في حالات الاختفاء القسري، إلى حرمان هذا الشخص من حماية القانون ويعرض حياته لخطر جسيم ودائم تعتبر الدولة مسؤولة عنه. وفي الحالة قيد النظر، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي معلومات تسمح باستنتاج وفائها بالتزامها المتمثل في حماية حياة جيلالي العربي. وبناءً عليه، تخلص اللجنة إلى أن الدولة الطرف أخلّت بالتزامها بحماية حياة جيلالي العربي، وهو ما يشكل انتهاكاً للفقرة 1 من المادة 6 من العهد.

8-5 وتقر اللجنة بدرجة المعاناة التي ينطوي عليها التعرض للاحتجاز لمدة غير محددة دون اتصال بالعالم الخارجي. وتذكّر بتعليقها العام رقم 20(1992) بشأن حظر التعذيب وغيره من ضروب العقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ( ) ، حيث توصي الدول الأطراف بسن أحكام تمنع الاحتجاز السري. وفي هذه الحالة، تلاحظ اللجنة أن الشرطة ألقت القبض على جيلالي العربي في 3 تموز/يوليه 1995 وأنه خضع للتعذيب في مقر لواء الدرك في مشرع الصفا وأنه كان يحمل آثار ضرب واضحة في الوجه وأن مصيره لا يزال مجهولاً إلى اليوم. ونظراً إلى عدم تقديم الدولة الطرف توضيحات شافية بهذا الخصوص، ترى اللجنة أن هذه الوقائع تشكل انتهاك اً لحقوق جيلالي العربيً بموجب المادة 7 من العهد ( ) .

8-6 وتحيط اللجنة علماً كذلك بما عاناه صاحب البلاغ من قلق وضيق جراء اختفاء جيلالي العربي. وترى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن حدوث انتهاكٍ لحقوقه بموجب المادة 7 ( ) .

8 -7 وفيما يتعلق بادعاء انتهاك المادة 9، تحيط اللجنة علماً بما ادعاه صاحب البلاغ من أن جيلالي العربي أوقف في 25 أيار/مايو 1994 على أيدي ضباط في الدرك يرتدون الزي الرسمي ولا يحملون أمر اً قضائي اً، وأنه لم يُخطر بأسباب توقيفه ولم توجه إليه تهمة ولم يُعرض على هيئة قضائية يتمكن أمامها من الطعن في شرعية احتجازه. وفي غياب توضيحات شافية من الدولة الطرف، تخلص اللجنة إلى حدوث انتهاك لحقوق جيلالي العربي بموجب المادة 9 ( ) .

8-8 وفيما يتعلق بالشكوى المقدّمة بموجب الفقرة 1 من المادة 10، تؤكد اللجنة مجدداً أن الأشخاص المحرومين من الحرية يجب ألا يتعرضوا لأي حرمان أو إكراه عدا ما هو ملازم للحرمان من الحرية، وأنه يجب معاملتهم بإنسانية واحترام كرامتهم. ونظراً إلى احتجاز جيلالي العربي سر اً وكذلك إلى عدم تقديم الدولة الطرف معلومات بهذا الخصوص، تخلص اللجنة إلى حدوث انتهاك لأحكام الفقرة 1 من المادة 10 من العهد ( ) .

8-9 وبخصوص ادعاء انتهاك المادة 16، تؤكد اللجنة مجدد اً اجتهاداتها الثابتة ومفادها أن حرمان شخص عمداً من حماية القانون لفترة مطولة يمكن أن يشكل رفضاً للاعتراف بشخصيته القانونية إذا كان هذا الشخص في قبضة سلطات الدولة عند ظهوره للمرة الأخيرة، وإذا كانت جهود أقاربه الرامية إلى الوصول إلى سبل انتصاف فعالة، بما في ذلك المحاكم (الفقرة 3 من المادة 2 من العهد)، تُعرقل بصورة منهجية ( ) . وفي القضية قيد النظر، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدّم أي توضيحات بشأن مكان المختفي أو مصيره، على الرغم من الطلبات العديدة التي قدمها صاحبة البلاغ وأسرته إلى الدولة الطرف. وتخلص اللجنة إلى أن اختفاء جيلالي العربي قسراً منذ ما يقرب منذ 25 أيار/مايو 1994 حرمه من حماية القانون ومن حقه في أن يُعترف له بشخصيته القانونية، وفي ذلك انتهاك للمادة 16 من العهد.

8-10 ويعتد صاحب البلاغ بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد التي تلزم الدول الأطراف بأن تكفل سبيل انتصاف فعالاً لجميع الأفراد الذين انتهكت حقوقهم المكفولة بالعهد. وتُعلّق اللجنة أهمية على قيام الدول الأطراف بإنشاء آليات قضائية وإدارية مناسبة لمعالجة الشكاوى المتصلة بانتهاكات الحقوق. وتذكّر بتعليقها العام رقم 31(2004) بشأن طبيعة الالتزام القانوني العام المفروض على الدول الأطراف في العهد ( ) ، الذي يشير على وجه الخصوص إلى أن تقاعس دولة طرف عن التحقيق في انتهاكات مزعومة قد يفضي، في حد ذاته، إلى انتهاك واضح للعهد. وفي القضية قيد النظر، نقلت أسرة الضحية اختفاء جيلالي العربي إلى علم السلطات المختصة، بمن في ذلك وكيل الجمهورية في محكمة تيارت والنائب العام للمحكمة ذاتها، ومدير الأمن، مدير الأمن وإلى والي ولاية تيارت، وإلى رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها، وإلى رئيس الجمهورية، فلم تجد مساعيهم نفع اً ولم تفتح الدولة الطرف أي تحقيق فعال في قضية اختفاء والد صاحب البلاغ. وعلاوة على ذلك، فإن استحالة اللجوء إلى هيئة قضائية بنص القانون، بعد صدور الأمر رقم 06-01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية لا تزال تحرم جيلالي العربي وصاحب البلاغ وأسرته من أي إمكانية للوصول إلى سبيل انتصاف فعال، ذلك أن هذا الأمر يمنع، تحت طائلة السجن، أي لجوء إلى العدالة لكشف ملابسات أكثر الجرائم خطورة مثل حالات الاختفاء القسري (الوثيقة CCPR/C/DZA/CO/3، الفقرة 7). وعليه، تخلص اللجنة إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن وقوع انتهاك لحقوق جيلالي العربي بموجب الفقرة 3 من المادة 2، مقروءة بالاقتران مع المواد 6 (الفقرة 1)، و7، و9، و10 من العهد ؛ وانتهاك لحقوق صاحب البلاغ بموجب المادة 2 (الفقرة 3) من العهد، مقروءة بالاقتران مع المادة 7 من العهد.

9- واللجنة المعنية بحقوق الإنسان، إذ تتصرف وفقاً للفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ترى أن المعلومات المعروضة عليها تكشف عن انتهاك الدولة الطرف حقوق جيلالي العربي بموجب المواد 6 (الفقرة 1)، و7 و9 و10 (الفقرة 1)، و16، والمادة 2 (الفقرة 3) مقروءة بالاقتران مع المواد 6 (الفقرة 1)، و7، و9، و10 (الفقرة 1)، و16 من العهد. وتخلص علاوة على ذلك إلى حدوث انتهاك لحقوق صاحب البلاغ بموجب المادة 7 والمادة 2 (الفقرة 3) مقروءة بالاقتران مع المادة 7 من العهد.

10- ووفقاً للفقرة 3 من المادة 2 من العهد، فإن الدولة الطرف ملزمة بأن تتيح لصاحب البلاغ وأسرته سبيل انتصاف فعّالاً يشمل على وجه الخصوص ما يلي: (أ) إجراء تحقيق شامل ودقيق في اختفاء جيلالي العربي؛ و(ب) تزويد صاحب البلاغ وأسرته بمعلومات مفصلة عن نتائج تحقيقها؛ و(ج) الإفراج فوراً عن الشخص المعني إذا كان لا يزال قيد الاحتجاز السري؛ و(د) إعادة جثة جيلالي العربي إلى أسرته إذا كان قد توفي؛ و( ﻫ ) ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات المرتكبة ومحاكمتهم ومعاقبتهم؛ و(و) تقديم تعويض مناسب إلى صاحب البلاغ عما تعرض له من انتهاكا ت وكذلك إلى جيلالي العربي إن كان لا يزال على قيد الحياة. وبصرف النظر عن الأمر رقم 06-01، يتعين على الدولة الطرف أيضاً أن تحرص على عدم عرقلة ممارسة الحق في سبيل انتصاف فعال بالنسبة إلى ضحايا جرائم كالتعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري. والدولة الطرف ملزمة أيضاً باتخاذ التدابير اللازمة لمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل.

11- واللجنة، إذ تضع في اعتبارها أن الدولة الطرف، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، قد اعترفت باختصاص اللجنة في تحديد ما إذا كان قد حدث انتهاك للعهد أم لا، وتعهّدت عملاً بالمادة 2 من العهد بأن تكفل تمتع جميع الأفراد الموجودين في إقليمها والخاضعين لولايتها بالحقوق المعترف بها في العهد وبأن تتيح سبيل انتصاف فعالاً وقابلاً للإنفاذ متى ثبت حدوث انتهاك، تودّ أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون مائة وثمانين يوماً، معلومات عن التدابير التي اتخذتها لوضع آراء اللجنة موضع التنفيذ. وبالإضافة إلى ذلك، تطلب اللجنة إلى ال دولة الطرف نشر هذه الآراء على نطاق واسع بلغاتها الرسمية.

[اعتُمدت بالفرنسية (النص الأصلي) والإسبانية والإنكليزية. وستصدر لاحقاً بالروسية والصينية والعربية أيضاً كجزء من التقرير السنوي المقدم من اللجنة إلى الجمعية العامة.]

التذييل

رأي فردي للسيد فابيان عمر سالفيولي والسيد في كتور مانويل رودريغي س - ريسيا

1- نتفق مع قرار اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بشأن البلاغ رقم 1831/2008، الذي تخلص فيه اللجنة إلى حدوث انتهاك لحقوق جيلالي العربي المكفولة في المواد 6 (الفقرة 1) و7 و9 و10 (الفقرة 1) و16 من العهد وللالتزامات المنصوص عليها في الفقرة 3 من المادة 2 مقروءة بالاقت ران مع المواد 6 (الفقرة 1)، و7، و9، و10 (الفقرة 1)، و16، علاوة على انتهاك حقوق صاحب البلاغ المكفولة في المادة 7 والفقرة 3 من المادة 2 مقروءة بالاقتران مع هذه المادة ذاتها.

2- ومع ذلك، فإننا قلقان لأن اللجنة لا تعتبر، في آرائها بشأن البلاغ آنف الذكر، أن وجود أحكام في القانون المحلي مخالفة في حد ذاتها لأحكام العهد - وهي على وجه التحديد المادتان 45 و46 من الأمر رقم 06-01 - يشكل انتهاكاً إضافياً للعهد.

3- ويؤسفنا أن نذكر بأن تقييمنا القانوني للآثار المترتبة على وجود المادتين المذكورتين وتطبيقهما يختلف عن تقييم أغلبية أعضاء اللجنة؛ ذلك أن المادتين 45 و46 من الأمر رقم 06-01 الصادر في 27 شباط/فبراير 2006 والمتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية المعتم د باستفتاء في 29 أيلول/سبتمبر 2005 تحظران أي لجوء إلى العدالة لمقاضاة أفراد قوات الدفاع والأمن الجزائرية على جرائم مثل التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري. وطبقاً لهذين الحكمين فإن أي شخص يقدم مثل هذه الشكوى أو التظلم يكون معرضاً للسجن لمدة م ن 3 إلى 5 سنوات وغرامة تتراوح بين 000 250 و000 500 دينار جزائري.

4- ولم تعلن اللجنة صراحة، كما كنا نود، أن المادة 45 من الأمر رقم 06-01 تتعارض، في منطوقها مع أحكام المادة 14 المتعلقة بحق كل شخص في اللجوء إلى العدالة للمطالبة بحقوقه. وكان يجب على اللجنة أن تخلص كذلك إلى حدوث انتهاك للفقرة 2 من المادة 2 التي تفرض على الدو ل الأعضاء التزاماً بتكييف تشريعاتها مع قواعد العهد.

5- وتتمسك أغلبية أعضاء اللجنة بالممارسة المتمثلة في عدم استنتاج حدوث انتهاك للحقوق التي لم يعتدّ بها أصحاب البلاغات غافلين بذلك عن تطبيق مبدأ "المحكمة أدرى بالقانون"، وعلى هذا النحو، تقيد اللجنة صلاحياتها بنفسها دون سبب، وهو ما لا يليق بهيئة دولية لحماية ح قوق الإنسان.

6- وتجدر الإشارة بالفعل إلى أن هذه الممارسة المزعومة، فضلاً عن كونها مغلوطة فهي غير ثابتة: فقد طبّقت اللجنة ذاتها في قراراتها أحياناً مبدأ "المحكمة أدرى بالقانون"، وإن لم تعتدّ به صراحة. فقد مرّت عليها في السنوات الأخيرة قضايا كثيرة بادرت فيها إلى تطبيق العه د تطبيقاً سليماً على الوقائع المستنتجة، مبتعدة عن الحجج القانونية أو المواد التي اعتدت بها الأطراف صراحة ( ) .

7- ووجود المادتين 45 و46 من الأمر رقم 06-01، اللتان تنصان على إمكانية الحكم بالسجن أو بغرامة على أي شخص يتظلم من جريمة مشمولة بهذين الحكمين، أمر مخالف في حد ذاته لأحكام العهد لأنه يؤدي إلى تكريس الإفلات من العقاب على نحو يحول دون أي تحقيق أو إدانة أو تعويض في حال حدوث انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، مثل اختفاء جيلالي العربي (والد صاحب البلاغ) الذي لا يعرف مصيره إلى اليوم. فالحظر القانوني المفروض على التظلم من وقائع هذه القضية وقضايا مماثلة أخرى، ومن ثم على التحقيق في أمرها، يشجع الإفلات من العقاب إذ ينتهك الح ق في اللجوء إلى العدالة، لمّا كان الأمر القانوني يعاقب على ممارسة حق التظلم من أفعال كالتي قام عليها هذا البلاغ لأنها تسببت في اختفاء أشخاص قسراً.

8- وتدابير التصحيح التي طلبتها اللجنة لتجنب تكرار الوقائع ذاتها في حالات مماثلة تدابير غير كافية فقد جاء في آراء اللجنة بالفعل أنه "يتعين على الدولة الطرف أيضاً أن تحرص على عدم عرقلة ممارسة الحق في سبيل انتصاف فعال بالنسبة إلى ضحايا جرائم كالتعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري" (الفقرة 10). ونحن نرى أن اللجنة كان عليها أن تقول بعبارات واضحة ومباشرة إن الحظر الوارد في الأمر رقم 06-01 والمتعلق باللجوء إلى القضاء من أجل فتح تحقيق في حالات تعذيب أو إعدام خارج نطاق القضاء أو اختفاء قسري حظر ينتهك ال التزامات العامة الواردة في الفقرة 2 من المادة 2 من العهد التي يتعين على الدولة الجزائرية بموجبها "إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلاً إعمال الحقوق المعترف بها في العهد أن تتخذ، طبقاً لإجراءاتها الدستورية ولأحكام العهد، ما يكون ضرورياً لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية" (الخط المائل مضاف).

9- والمادتان 45 و46 من الأمر 06-01 تشجعان الإفلات من العقاب وتحرمان ضحايا هذه الانتهاكات الخطيرة وأقاربهم من حق اللجوء إلى سبيل انتصاف فعال، إذ تحولان دون معرفتهم الحقيقة وممارسة حقهم الأساسي في اللجوء إلى القضاء والطعن في القرارات والحصول على تعويض كامل. وحتى إذا سُلّم بأن سائر أحكام الأمر رقم 06-01 تساهم في السلم والمصالحة الوطنية في الجزائر فإن ذلك لا يمكن أن يكون على حساب الحقوق الأساسية للضحايا وأقاربهم الذين يتحملون عواقب انتهاكات خطيرة ناهيك عن أنه لا يمكن أن يعني تعرض هؤلاء الأقارب لعقوبات وجزاءات ت جعلهم ضحية مرتين إذا مارسوا حقهم في اللجوء إلى القضاء الذي يشكل علاوة على ذلك أحد وسائل حماية وضمان حقوق الإنسان التي لا يمكن تقييدها (كالحق في الحياة والحق في عدم الخضوع للتعذيب) بما في ذلك في الحالات الاستثنائية (الفقرة 2 من المادة 4 من العهد).

10- والاستحالة القانونية للجوء إلى هيئة قضائية نتيجة لصدور الأمر رقم 06-01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية حرمت جيلالي العربي وصاحب البلاغ وأسرته ولا تزال تحرمهم من الوصول إلى سبيل انتصاف فعال، لما كان هذا الأمر يمنع تحت طائلة السجن أن يطلب ش خص إلى محكمة أن تكشف الحقيقة في أخطر الجرائم كالاختفاء القسري.

11- وكان على اللجنة أن تطلب صراحة، ضمن تدابير التصحيح الرامية إلى ضمان عدم تكرار الوقائع موضوع البلاغ، أن تفي الدولة الجزائرية بالالتزام الوارد في الفقرة 2 من المادة 2، وأن تعتمد من ثم تدابير تشريعية أو تدابير أخرى لإلغاء المادتين 45 و46 من الأمر 06-01 وتل غي أوجه الحظر والعقوبات والجزاءات وسائر العقبات التي تفضي إلى الإفلات من العقاب على جرائم خطيرة كالاختفاء القسري والتعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء، سواء في حالة الضحايا المذكورين في هذا البلاغ أم الضحايا وأقارب الضحايا في حالات مماثلة.

[اعتُمد بالإسبانية (النص الأصلي) والإنكليزية بالفرنسية. وسيصدر لاحقاً بالروسية والصينية والعربية كجزء من تقرير اللجنة السنوي المقدم إلى الجمعية العامة.]