الأمم المتحدة

CCPR/C/104/D/1905/2009

العهد الدولي الخاص بالحقوقالمدنية والسياسية

Distr.: General

25 June 2012

Arabic

Original: French

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

البلاغ رقم 1 905 /200 9

الآراء التي اعتمدتها اللجنة في دورتها الرابعة بعد المائة (12-30 آذار/ مارس 201 2 )

المقدم من : فريدة كيراني ( ت مثلها منظمة الكرامة لحقوق الإنسان )

مقدم باسم : معمر وغليسي ( زوج صاحبة البلاغ ) ومريم وغليسي وخولة وغليسي (ابنتاها) وصاحبة البلاغ نفسها

الدولة الطرف : الجزائر

تاريخ البلاغ : 1 تموز/يوليه 200 9 (تاريخ ت ق ديم الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية : قرار المقرر الخاص بموجب المادة 97 من النظام الداخلي، المرسل إلى الدولة الطرف في 6 تشرين الأول/أكتوبر 200 9 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء : 26 آذار/مارس 201 2

الموضوع : ال اختفاء ال قسري

المسائل الإجرائية : استنفاد سبل الانتصاف ال محلية

المسائل ال موضوعي ة : الحق في الحياة، وحظر التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية ؛ وحق الشخص في الحرية والأمن ؛ وحق الشخص المحروم من حريته في أن يعامل معاملة إنسانية؛ والحق في الاعتراف بالشخصية القانونية والحق في انتصاف فعال

مواد العهد : الفقرة 3 من المادة 2 ؛ و الفق رة 1 من المادة 6، و المادة 7، والفقرات من 1 إلى 4 من المادة 9؛ و الفقرة 1 من المادة 10 ؛ و المادة 16

مادة البروتوكول الاختياري : الفقر ة 2(ب) من المادة 5

المرفق

آراء اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (الدورة الرابع ة بعد المائة)

بشأن

البلاغ رقم 1905 /200 9 *

المقدم من : فريدة كيراني ( ت مثلها منظمة الكرامة لحقوق الإنسان )

مقدم باسم : معمر وغليسي ( زوج صاحبة البلاغ ) ومريم وغليسي وخولة وغليسي (ابنتاها) وصاحبة البلاغ نفسها

الدولة الطرف : الجزائر

تاريخ البلاغ : 1 تموز/يوليه 200 9 (تاريخ ت ق ديم الرسالة الأولى)

إن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ، المنشأة بموجب المادة 28 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد اجتمعت في 26 آذار/مارس 201 2 ،

وقد فرغت من النظر في البلاغ رقم 1 905 /200 9 ، الذي قدمته السيدة فريدة كيراني بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد وضعت في اعتبارها جميع المعلومات المكتوبة التي أتاحتها لها صاحبة البلاغ،

تعتمد ما يلي:

آراء بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري

1-1 صاحبة البلاغ، المؤرخ 1 تموز/يوليه 200 9 ، هي فريدة كيراني ، المولودة في 25 آب/أغسطس 1963 في ورقلة (الجزائر). وتقدم البلاغ باسم زوجها ، معمّر وغليسي ، المولود في 23 تشرين الأول/أكتوبر 1958 في قسنطينة (الجزائر)، وتدع ي صاحبة البلاغ أن زوجها وقع ضحية لانتهاك الدولة الطرف الفقرة 3 من المادة 2؛ والفقرة 1 من المادة 6؛ و المادة 7 ؛ والمادة 9؛ و الفقرة 1 من المادة 10 ؛ و المادة 16 من العهد. وتتصرف صاحبة البلاغ كذلك باسمها شخصياً وباسم ابنتيها مريم وخولة وغليسي ، المولودتين في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 1988 و1 أيار/مايو 1990 في جيجل (الجزائر). وتدعي صاحبة البلاغ وابنتهاها أنهن وقعن ضحية لانتهاك المادة 7 مقروءة منفردة ومقترنة بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد. وتمثل صاحبة البلاغ منظمة الكرامة لحقوق الإنسان ( ) .

1-2 وفي 17 كانون الأول/ديسمبر 2009، قرر المقرر الخاص المعني بالبلاغات الجديدة، باسم اللجنة، رفض طلب الدولة الطرف المؤرخ 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2009، الذي تناشد فيه اللجنة بالنظر في مسألة المقبولية بمعزل عن ال أسس الموضوعية.

الوقائع كما عرضتها صاحبة البلاغ

2-1 حسب الشهادات التي أدلى بها زملاء معمر وغليسي في العمل، ألقي القبض في 27 أيلول/سبتمبر 1994 على معمر وغليسي بمكان عمله في الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية حيث كان يعمل مراقباً لحسابات المشاريع في دائرة البنى التحتية. وهكذا، فقد حضر إلى مقر الشركة المذكورة ثلاثة أشخاص على الأقل يرتدون الملابس المدنية وقدّموا أنفسهم على أنهم من رجال الأمن. و كان هؤلاء ال أشخاص على متن سيارة بيضاء رباعية الدفع من طراز نيسان باترول ، وهو طراز سيارات تستخدمه في العادة دوائر الشرطة القضائية والدوائر التابعة لإدارة البحث والتحقيق، وعندما لم يعثروا على معمر وغليسي ، قرروا انتظار مجيئه ومنعوا الحاضرين من زملائه من مغادرة المكان خشية على الأرجح من إبلاغه بوجودهم . وما إن عادت الضحية في حدود الساعة الواحدة بعد الظهر عقب فترة الراحة التي أخذتها وقت الغداء حتى طلبوا منه أن يتبعهم على متن س يارته الخاصة، ورافقه اثنان منهم دون إبداء أي توضي ح آخر ودون إظهار أي أمر قضائي.

2-2 ولاحظت صاحبة البلاغ أن العديد من عمليات الاختطاف والاعتقالات التي نُفذّت في مدينة قسنطينة والتي طالت على وجه التحديد أعضاء في المجالس البلدية ونواباً أو مناضلين بسطاء في الجبهة الإسلامية للإنقاذ ومتعاطفين معها قد وقعت خلال الأيام التي سبقت عملية التوقيف هذه وطوال الشهر المذكور . ووفقا ً لشهادات عديدة ، فقد احتجز جميع الأشخاص الذين أوقفتهم الشرطة القضائية خلال بضعة أسابيع أو بضعة أشهر في مكان سري ب مقر الشرطة المركزي في قسنطينة حيث تعرضوا للتعذيب بشكل منهجي، ثم نقل وا إلى المركز الإقليمي للبحث والتحقيق في المنطقة العسكرية الخامسة، التابع لإدارة البحث والأمن . واقتيد الأشخاص الذين اعتقلهم أعوان إدارة البحث والأمن مباشرة إلى المركز الإقليمي المذكور، واختفى كثيرون منهم إثر ذلك . وقد يندرج توقيف معمّر وغليسي في إطار هذه العملية التي شنتها بطريقة منسقة ومخططة الشرطة القضائية وأجهزة إدارة البحث والأمن في قسنطينة .

2-3 وعقب عملية التوقيف، أبلغ رئيس دائرة الموظفين في الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية إدارة الشركة بالحادث، فقدمت حينها شكوى إلى قيادة المنطقة العسكرية الخامسة في قسنطينة . ومن ناحية أخرى، زار أفراد أسرة الضحية مباشرة بعد عملية التوقيف مقر الشرطة المركزي في قسنطينة ومراكز فرق الدرك و ثكنات مختلفة في المدينة. كما بذل والد الضحية اعتباراً من شهر تشرين الأول/أكتوبر 1994 مساعي لدى محكمة قسنطينة لمعرفة ما إذا كان ابنه قد عرض على وكيل الجمهورية أم لا . ولما رأى أن جهوده هذه قد باءت بالفشل، رفع شكوى إلى النيابة العامة بشأن اختفاء و اختطاف ابنه . ومع ذلك، فإن وكيل الجمهورية لدى محكمة قسنطينة لم يوافق البتة على متابعة هذه الشكوى ورفضت النيابة العامة أن تقدم لأب الضحية الإشارات المرجعية التي تدل على تسجيل شكواه.

2-4 و بعد مرور ثمانية أشهر على عملية التوقيف، علمت صاحبة البلاغ، من خلال أحد السجناء المفرج عنهم، أن زوجها معتقل في ثكنة المنصورة التابعة ل لمنطقة العسكرية الخامسة التي تديرها إدارة البحث والتحقيق. وزار والد معم ّ ر وغليسي هذه الثكنة في أيار /مايو 1995، لكن الجنود ردوه على أعقابه منكرين احتجازهم لابنه. و إلى غاية أواخر عام 1995 ، وصلت إلى مسامع صاحبة البلاغ أو أقاربها ، إما عن طريق مجندين في الجيش أو عن طريق سجناء مفرج عنهم، شهادات تفيد بأن زوجها لا يزال معتقلاً في إحدى الثكنات التابعة لإدارة البحث والتحقيق. و أكدت الشهادة الأخيرة التي أدلى بها موظف عسكري في عام 1996 أن زوجها لا يزال على قيد الحياة حتى ذلك التاريخ. ومنذ ذلك الحين، لم تصل إلى أسرته أية معلومات عنه.

2-5 أما بالنسبة إلى صاحبة البلاغ ، فقد قدمت في وقت لاحق من عام 1998 شكوى إلى ال مدعي العام لقسنطينة بشأن اختطاف زوجها واختفا ئه، ولكن النيابة العامة لم تفتح، على ما يبدو، تحقيقا ً في هذه القضية حيث لم يُستدع أي شاهد على الوقائع للاستماع إلى أقواله. وبموازاة ذلك ، فما إن علمت صاحبة البلاغ بإنشاء مكتب استقبال على مستوى كل ولاية لتلقي شكاوى أسر الم فقودين حتى توجهت إلى هذا المكتب ل رفع شكوى أخرى بتاريخ 28 أيلول/ سبتمبر 1998، وهي ال شكوى التي جرى تسجيلها. ولكنها لم تكن ، على ما يبدو، متبوعة بأي إجراء من إجراءات التحقيق.

2-6 وفي 23 نيسان/ أبريل 2000، أبلغت صاحبة البلاغ لدى استدعائها إلى مركز الدرك الوطني بأن البحث المتعلق باختفاء زوجها لم يفض بعد إلى أية نتيجة. واستدعيت مرة أخرى في أيار/ مايو 2000 إلى مقر دائرة حامة بوزيان ، وهي منطقة إدارية تابعة ل قسنطينة ، فسُلّم إليها محضر أصدرته وزارة الداخلية والجماعات المحلية وأعلمت فيه صاحبة البلاغ " أ ن التحقيقات التي أجريت لم تسمح بتحديد مكان الشخص المعني"، دون توضيح نوعية التحقيقات التي أجريت أو السلطات التي اضطلعت بها. و تعرضت صاحبة البلاغ، عقب تلقيها استدعاءً جديداً من وكيل الجمهورية لدى محكمة قسنطينة في حزيران /يونيه 2000، للانتقاد بسبب استمرارها في بذل المساعي لدى مختلف السلطات، بما في ذلك الخطاب المؤرخ في 15 كانون الثاني/ يناير 2000 والذي أرسلته إلى قائد المنطقة العسكرية الخامسة في قسنطينة طالبة فيه تزويدها ب معلومات بشأن اختفاء زوجها، وهو الخطاب الذي لم يصدر أي رد عليه . وأرسل ت صاحبة البلاغ كذلك خطاباً مسجلاً بتاريخ 6 شباط/ فبراير 2001 إلى وزير العدل . ومع ذلك، فلم تلق هذه الخطوة أي رد.

2 -7 و في عام 2006، وبعد المساعي التي بذلتها صاحبة البلاغ لدى الدرك الوطن ي لإصدار محضر إثبات رسمي لاختفاء زوجها، من أجل أن يتاح لها حق الحصول على مساعدة اجتماعية لتلبية احتياجات أسرته ا ، فسُلّم إليها "محضر إثبات للاختفاء في إطار الظروف المحيطة بالمأساة الوطنية" دون أن تجري دوائر الدرك التي أصدرت هذا المحضر أية تحقيقات في هذا الشأن.

2-8 وفي 27 حزيران/يونيه 2005، لجأت صاحب ة البلاغ إلى الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري و التابع للأمم المتحدة ، غير أن هذه الخطوة لم تفض كذلك إلى أية نتيجة في ظل رفض السلطات الجزائرية توضيح هذه القضية . و أخيرا ً ، فقد تعرضت صاحبة البلاغ، لمرات عديدة، للهجوم والضرب على يد أفراد الشرطة خلال مشاركتها في تجمعات سلمية نُظمت أمام المقر المحلي للجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان .

الشكوى

3 -1 تعتبر صاحبة البلاغ أن زوجها وقع ضحية اختفاء قسر ي، وفي ذلك انتهاك ل لفقرة 3 من المادة 2 ؛ والفقرة 1 من المادة 6؛ و المادة 7 ؛ و الفقرات من 1 إلى 4 من المادة 9؛ والمادة 10 ؛ و المادة 16 من العهد 7 مقروءة منفردة ومقترنة بالفقرة 3 من المادة 2 . وبالإضافة إلى ذلك، ففيما يتعلق بابنتي صاحبة البلاغ، تعتبر هذه الأخيرة أن المعاناة التي تسبب فيها اختفاء معمّر وغليسي وعدم معرفة مصيره ي شكلان انتهاكاً للمادة 7 مقروءة منفردة ومقترنة بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

3-2 وتؤكد صاحبة البلاغ أن طول أمد اختفاء معمّر وغليسي وظروف وسياق توقيفه تشير إلى أنه قد فارق الحياة خلال فترة اعتقاله. وتدعي صاحبة البلاغ، استناداً إلى التعليق العام للجنة بشأن المادة 6، أن الاحتجاز في مكان سري ينطوي إلى حد كبير جداً على خطر انتهاك الحق في الحياة، لأن السجين يجد نفسه بذلك، بصرف النظر عن طبيعة الظروف التي يمر بها، تحت رحمة سجانيه الذين لا يخضعون ل أي شكل من أشكال المراقبة. وعلاوة على ذلك، فحتى إذا افترضنا أن الاختفاء لن يفضي إلى أسوأ الاحتمالات، فإن التهديد الجاثم على حياة الضحية في أثناء اختفائه يشكل انتهاكاً للمادة 6 من حيث إن الدولة لم تف بواجبها في حماية حق معمّر وغليسي في الحياة إذ أنها لم تبذل أي جهد في التحقيق فيما آل إليه مصيره. ومن ثم، تعتبر صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف انتهكت المادة 6 مقروءة منفردة ومقترنة بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

3-3 و استناداً إلى آراء سابقة للجنة، تدعي صاحبة البلاغ أن مجرد إخضاع شخص للاختفاء القسري يشكل في حد ذاته معاملة لا إنسانية أو مهينة. وهكذا، فإن القلق والمعاناة الناجمين عن اعتقال معمّر وغليسي لمدة غير محددة دون اتصال بأسرته ولا بالعالم الخارجي هما بمثابة معاملة منافية للمادة 7 من العهد فيما يتعلق بحالة معمّر وغليسي . وعلاوة على ذلك، ترى صاحبة البلاغ أن اختفاء زوجها قد شكّل ولا يزال يشكل بالنسبة لها ولبقية أقاربها محنة قاصمة وأليمة ومرهقة بالنظر إلى أن أسرة الضحية لا تعرف شيئاً عما آل إليه مصيره؛ وأنها، في حالة وفاته، لا تعرف شيئاً أيضاً عن ظروف وفاته ولا عن المكان الذي دُفن فيه. وبالإضافة إلى ذلك، فخولة وغليسي تحديداً، وهي ابنة معمر وغليسي التي تبلغ اليوم 18 سنة من العمر، تأثرت باختفاء والدها وهي تعاني الآن من اضطرابات نفسية مزمنة تتطلب رعاية طبية مستمرة ومنتظمة. واستناداً إلى آراء سابقة للجنة في هذا الصدد، خلصت صاحبة البلاغ إلى أن الدولة الطرف انتهكت أيضاً حقوقها وحقوق ابنتيها، مريم وخولة ، بموجب المادة 7 مقروءة منفردة ومقترنة بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

3-4 و من ناحية أخرى، تلاحظ صاحبة البلاغ أن السلطات الجزائرية لم تعترف حتى اليوم بأنها أوقفت واحتجزت معمّر وغليسي بطريقة غير مشروعة وأنها تعمدت إخفاء الحقيقة المتعلقة بالمصير الذي آل إليه. ومن ثم فهذه العناصر تشير إلى وقوع انتهاك للفقرات من 1 إلى 4 من المادة 9 من العهد. وفيما يتعلق بالفقرة 1 من المادة 9، تذكّر صاحبة البلاغ بأن معمّر وغليسي قد قبض عليه دون أمر قضائي ودون إبلاغه بأسباب توقيفه. ولم يتمكن أحد من أفراد أسرته من رؤيته ولا من الاتصال به منذ لحظة اختطافه. وبالإضافة إلى ذلك، يتبيّن من الظروف التي أحاطت بتوقيف معمّر وغليسي أن هذا الأخير لم يبلَّغ على الإطلاق بأسباب توقيفه ولم يجر إطلاعه على الأمر القضائي الذي يحدد هذه الأسباب كما شهد بذلك زملاؤه في العمل ممن كانوا حاضرين لحظة توقيفه، وفي ذلك خرق للفقرة 2 من المادة 9 من العهد. وعلاوة على ذلك، لم يقدَّم معمّر وغليسي أمام قاض أو هيئة قضائية أخرى مثل وكيل الجمهورية لدى محكمة قسنطينة ، وهو الجهة المختصة إقليمياً، لا أثناء المدة القانونية للتوقيف ولا بعد انتهائها. وبعد التذكير بأن الحبس في مكان سري قد يؤدي في حد ذاته إلى انتهاك للفقرة 3 من المادة 9، خلصت صاحبة البلاغ إلى أن أحكام هذه الفقرة قد انتهكت. وفي الأخير، تؤكد صاحبة البلاغ بأن معمّر وغليسي ، الذي حُرم من حماية القانون طوال فترة اعتقاله غير المحددة، لم يتمكن قط من الطعن في شرعية اعتقاله ولا أن يطلب من قاض الإفراج عنه، ولا أن يستعين بطرف ثالث تكون له الحرية في صياغة هذا الطلب أو في الدفاع عنه، وفي ذلك انتهاك للفقرة 4 من المادة 9 من العهد.

3-5 وعلاوة على ذلك، تؤكد صاحبة البلاغ بأن زوجها لم يعامل، بالنظر إلى اعتقاله في مكان سري، وهو ما يشكل انتهاكاً للمادة 7 من العهد، معاملة إنسانية تحترم الكرامة الأصيلة للإنسان. ومن ثم، فقد كان ضحية لانتهاك الفقرة 1 من المادة 10 من العهد.

3-6 و ت رى صاحبة البلاغ أن تعرض معمّر وغليسي ل لاختفاء ال قسري أدى إلى حرمانه من حماية القانون حيث رفض المسؤولون عن اختفائه الكشف عن المصير الذي آل إليه والمكان الذي يوجد فيه ورفضوا كذلك الإقرار بحرمانه من الحرية، وفي ذلك انتهاك للمادة 16 من العهد. وتستشهد صاحبة البلاغ في هذا الصدد بموقف اللجنة الوارد في حكمها المتعلق بحالات الاختفاء القسري.

3-7 وت ؤكد صاحبة البلاغ أيضا ً بأن معمّر وغليسي الذي وقع ضحية الاختفاء القسري لم تكن له على الإطلاق القدرة المادية على إعمال حقه في الطعن على شرعية اعتقاله. وبما أن الدولة الطرف لم تتخذ أي إجراء لمتابعة جميع المساعي التي بذلها أقارب الضحية، فإنها تكون قد أخلت بالتزامها بأن تكفل له الحصول على انتصاف فعال يتضمن إجراء تحقيق شامل وسريع بشأن اختفائه والمصير الذي آل إليه وإطلاع أسرته على نتائج هذه التحقيقات. وقد بات انعدام الانتصاف الفعال أكثر تأكيداً بإقرار عفو قانوني عام وشامل بعد صدور الأمر رقم 06-01 في 27 شباط/فبراير 2006 المتعلق بتنفي ذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي يمنع، تحت طائلة عقوبة السجن، اللجوء إلى العدالة لكشف ملابسات الجرائم الأكثر خطورة مثل حالات الاختفاء القسري، وفي ذلك ضمان لإفلات المسؤولين عن هذه الانتهاكات من العقاب. وينتهك قانون العفو هذا واجب الدولة الطرف بالتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وينتهك حق الضحايا في الانتصاف الفعال. وتخلص صاحبة البلاغ إلى وقوع زوجها وابنتيها وهي شخصياً ضحايا انتهاك الدولة الطرف لأحكام الفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

3-8 و تؤكد صاحبة البلاغ على أنه بالنظر إلى أن واجب إتاحة انتصاف فعال في حالة حدوث انتهاك يعدّ مكوناً أكيداً من مكونات الواجب الإيجابي في ضمان الحقوق المكرسة في العهد، فإن عدم اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الحقوق المنصوص عليها في المواد 6 و7 و9 و10 و16 يشكل انتهاكاً مستقلاً للحقوق المشار إليها فيما يتعلق بالفقرة 3 من المادة 2.

3-9 و فيما يتعلق باستنفاد سبل الانتصاف المحلية، تؤكد صاحبة البلاغ أن جميع المساعي الذي بذلتها هي وأسرة الضحية قد باءت بالفشل. وفي حقيقة الأمر، فالشرطة والعدالة وأيضاً الدوائر الأخرى التي جرى التماس المساعدة منها لم تبادر إلى إجراء تحقيق مناسب. وهي بذلك تكون سبباً في الإخلال بالتعهدات الدولية للدولة الطرف، وبالتشريع الداخلي أيضاً، حيث إ ن المادة 63 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري تنص على أن " يقوم ضباط الشرطة القضائية با لتحقيقات الابتدائية في ا لجريمة بمجرد علمهم بوقوعها إما بناء على تعليمات وكيل الجمهورية وإما من تلقاء أنفسه م" ( ) . وقد رفض وكيل الجمهورية لدى محكمة قسنطينة ، الذي قدمت إليه في مناسبتين اثنتين شكوى رسمية، فتح تحقيق كما يلزمه القانون بذلك، وفعل عكس ذلك حين انتقد صاحبة البلاغ على استمرارها في بذل المساعي التي أدت بها إلى مراسلة السلطات العسكرية. وبالمثل، فإن مكتب استقبال أسر المفقودين، وهو الهيئة المكلفة بمساعدة أسر الضحايا على العثور على أبنائها بوسائل منها على وجه الخصوص إجراء تحقيقات شاملة وفقاً لتصريحات السلطات السياسية، لم يسمح كذلك لوالد الضحية بالحصول على مزيد من المعلومات الوافية نظراً لعدم إجراء أي تحقيق في هذه القضية، ولم يستمع هذا المكتب قط لذوي الحقوق أو للشهود الذي حضروا الوقائع.

3- 10 وفي المقابل، تؤكد صاحبة البلاغ أنه بات يستحيل عليها قانونياً اللجوء إلى هيئة قضائية بعد صدور الأمر رقم 06-01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ( ) . وإذا كانت جميع الطعون التي قدمتها صاحبة البلاغ غير مجدية وغير فعالة أصلاً، فقد أصبحت، منذ صدور هذه الأحكام، منعدمة بشكل كامل.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن مقبولية البلاغ

4-1 في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2009، طعنت الدولة الطرف في مقبولية هذا البلاغ في "مذكرة مرجعية بشأن عدم مقبولية البلاغات المقدمة إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان فيما يتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية" ، وكانت هذه المذكرة م شفوع ة بمذكرة إضافية.

4-2 و ترى الدولة في مذكرتها أن البلاغات التي ت دعي مسؤولية ال موظفين العموميين أو الذين يخضعون في عملهم للسلطات العامة عن حالات الاختفاء القسري أثناء الفترة قيد البحث ، أي ما بين عامي 1993 و1998، يجب معالجتها في إطار شامل، وإعادة وضع الأحداث المُدعى وقوعها في السياق الداخلي الاجتماعي السياسي والأمني لفترة كان على الحكومة أن تواجه فيها الإرهاب بشق الأنفس . و بالتالي، فقد كان على الحكومة خلال تلك الفترة أن ت حارب جماعات غير منظمة. ونتيجة لذلك، جرت عدة عمليات بطريقة غامضة في أوساط السكان المدنيين. وكان من الصعب على هؤلاء السكان أن يُفر ّ قوا بين عمليات الجماعات الإرهابية وعمليات قوات الأمن . وعزا المدنيون في مرات عديدة حالات الاختفاء القسري إلى قوات الأمن . ومن ثمّ فإن حالات الاختفاء القسري ترجع إلى مصادر متعددة، ولكنها، حسب الدولة الطرف، لا يمكن أن تُعزى إلى الحكومة. واستناداً إلى البيانات الموثقة من مصادر مستقلة عديدة ، وبخاصة الصحافة، ومنظمات حقوق الإنسان، فإن المفهوم العام للشخص المختفي في الجزائر في أثناء الفترة قيد البحث يشير إلى ست حالات مختلفة لا تتحمل الدولة المسؤولية في أي منها. و هكذا تشير الدولة الطرف إلى حالة الأشخاص الذين أبلغ أقاربهم عن اختفائهم ، في حين أنهم قرّروا من تلقاء أ نفسهم الاختفاء عن الأنظار للانضمام إلى الجماعات المسلحة ، وطلبوا من أسرهم أن تعلن أن الدوائر الأمنية قد ألقت القبض عليهم "للتضليل" وتجنّب "مضايقات" الشرطة. وتتعلق الحالة الثانية بالأشخاص الذين أُبلغ عن اختفائهم بعد قيام الدوائر الأمنية بإلقاء القبض عليهم لكنهم انتهزوا الفرصة بعد إطلاق سراحهم للاختفاء عن الأنظار . وقد يتعلق الأمر أيضاً بحالة الشخص المفقود الذي اختطفته جماعات مسلحة لا تُعرف هويتها أو انتحلت صفة أفراد الشرطة أو الجيش بارتداء زيهم أو استخدام وثائق هويتهم، فاعتُبرت خطأً عناصر تابعة للقوات المسلحة أو للدوائر الأمنية. وتتعلق الحالة الرابعة بالأشخاص الذين تبحث عنهم أسرهم بعد أن قرروا من تلقاء أ نفسهم هجر أقاربهم، وأحياناً حتى مغادرة البلد بسبب مشاكل شخصية أو خلافات عائلية. وقد يتعلق الأمر في الحالة الخامسة بأشخاص أبلغت أسرهم عن اختفائهم و هم في واقع الأمر إرهابي و ن إما أنهم مطلوبين أو قُتلوا أو دُفنوا في الأدغال في أعقاب "حرب مذهبية" أو "حرب عقائدية" أو "صراع على الغن ائم " بين جماعات مسلحة متنافسة. وأخيراً، تشير الدولة الطرف إلى احتمال سادس عن أشخاص يجري البحث عنهم باعتبارهم مفقودين وهم يعيشون داخل الإقليم الوطني أو خارج ه ب هويات مزورة .

4-3 وتؤكد الدولة الطرف أن تنوع وتعقيد الحالات التي يغطيها المفهوم العام للاختفاء هو الذي دفع المشرِّع الجزائري، بعد الاستفتاء الشعبي على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، إلى اقتراح معالجة مسألة المفقودين في إطار شامل بالتكفل بجميع الأشخاص المفقودين في سياق " المأساة الوطنية " ، ومساندة جميع الضحايا حتى يتسنى لهم التغلب على هذه المحنة، ومنح جميع ضحايا الاختفاء و لذوي الحقوق من أهلهم الحق في التعويض اللازم . وتشير الإحصاءات التي أعدتها دوائر وزارة الداخلية إلى أنه تم الإبلاغ عن 023 8 حالة اختفاء، و أن الجهات المعنية بحث ت 774 6 ملفاً، وق ُ بل دفع تعويض لأصحاب 704 5 ملفات، ورفض 934 ملفاً ، وأن عدد الملفات الجاري بحثها يصل إلى 136 ملفاً. و قد دفع ت تعويض ات بمبلغ 390 459 371 د ينا راً جزائرياً لجميع ا لضحايا المعنيين. ويُضاف إلى ذلك مبلغ 683 824 320 1 ديناراً جزائرياً يُدفع في شكل معاشات شهرية.

4-4 وتحتج الدولة الطرف أيضاً بعدم استنفاد جميع سبل الانتصاف المحلية. وتشد ّ د على أهمية التمييز بين المساعي البسيطة المبذولة لدى السلطات السياسية أو الإدارية، والطعون غير القضائية أمام هيئات استشارية أو هيئات وساطة، والطعون القضائية أمام مختلف الهيئات القضائية المختصة. وقد وجه أصحاب الشكاوى رسائل إلى السلطات السياسية أو الإدارية، وعرضوا قضاياهم على هيئات استشارية أو هيئات وساطة وأرسلوا عريضة إلى ممثلين للنيابة العامة (المد ّ عون العامون أو وكلاء الجمهورية) دون اللجوء إلى إجراءات الطعن القضائي بمعناه الدقيق والاستمرار فيها حتى النهاية باستخدام جميع سبل الانتصاف المتاحة في الاستئناف والنقض. ومن بين هذه السلطات جميعها، لا يحق سوى لممثلي النيابة العامة بموجب القانون فتح تحقيق أولي وعرض المسألة على قاضي التحقيق. و يمثل وكيل الجمهورية في النظام القضائي الجزائري الجهة التي ت تلقي الشكاوى و تضطلع ، عند الاقتضاء، بتحريك الدعوى العامة. غير أنه لحماية حقوق الضحية أو أصحاب الحقوق من أهله ، يُجيز قانون الإجراءات الج ز ائية لهؤلاء تقديم شكوى والادعاء بالحق المدني مباشرة أمام قاضي التحقيق. وفي هذه الحالة، تكون الضحية وليس المدعي العام هي من يحرك الدعوى العامة بعرض الحالة على قاضي التحقيق. ولم يُستخدم هذا السبيل في الانتصاف المنصوص عليه في المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الج ز ائية مع أنه كان يكفي لل ضحايا تحريك الدعوى العامة و إلزام قاضي التحقيق بإجراء التحقيق، حتى إذا كانت النيابة العامة قد قررت خلاف ذلك.

4-5 وتلاحظ الدولة الطرف فضلاً عن ذلك أن أصحاب البلاغ ات يرون أنه، ب اعتماد الميثاق و نصوص تطبيق ه عن طريق الاستفتاء، وبخاصة المادة 45 من الأمر رقم 0 6- 0 1، لم يعد ممكناً تخيل وجود سبل انتصاف محلية فعالة ومفيدة في الجزائر تكون متاحة لأسر ضحايا الاختفاء. وعلى هذا الأساس، اعتقد المدّعون أنهم في حل من واجب اللجوء إلى الهيئات القضائية المختصة بالحكم مسبقاً على موقف هذه الهيئات وتقديره ا في تطبيق هذا الأمر. و الحال أنه لا يجوز للمدّعين أن يحتجوا بهذا الأمر و ب نصوص تطبيق ه لتبرئة أنفسهم من ال مسؤولية عن عدم اتخاذ الإجراءات القضائية المتاحة. وتذكِّر الدولة الطرف بالآراء السابقة التي اعتمدتها اللجنة وذهبت فيها إلى أن "اعتقاد أحد الأشخاص ب عدم جدوى سبيل ال انتصاف أو افتراضه ذلك من تلقاء نفسه لا يُعفيه من استنفاد سبل الانتصاف المحلية جميعها ".

4-6 وتتناول الدولة الطرف بعد ذلك طبيعة ميثاق السلم والمصالحة الوطنية والأسس التي يستند إليها ومضمونه ونصوص تطبيقه. وتشير إلى أن اللجنة مدعوة، بموجب مبدأ عدم قابلية السلم للتصرف فيه و الذي أصبح حقاً دولياً في السلم، إلى توطد دعائم السلم وت دعم المصالحة الوطنية حتى تتمكن الدول التي تعاني من أزمات داخلية من تعزيز قدراتها. وفي سياق هذا الجهد المبذول من أجل المصالحة الوطنية، اعتمدت الدولة هذا الميثاق الذي ينص الأمر التأسيسي الخاص به على تدابير قانونية تستوجب انقضاء الدعوى العمومية واستبدال العقوبات أو تخفيضها بالنسبة لكل شخص مدان بارتكاب أعمال إرهابية أو استفاد من الأحكام المتعلقة بالوئام المدني، فيما عدا الأشخاص الذين ارتكبوا مجازر جماعية أ و عمليات اغتصاب أو تفجيرات في الأماكن العمومية أو تورطوا في ارتكاب هذه الأفعال . وينص هذا الأمر أيضاً على إجراءات ل دعم سياسة التكفل بم سألة المفقودين برفع دعوى لاستصدار حكم قضائي بالوفاة يمنح ذوي الحقوق من ضحايا " المأساة الوطنية " الحق في التعويض. وعلاوة على ذلك، نُفذّت تدابير اجتماعية - اقتصادية مثل تقديم المساعدات لإعادة التأهيل المهني أو تعويض كل من تنطبق عليه صفة ضحية " المأساة الوطنية " . وأخيراً، ينص الأمر على تدابير سياسية مثل منع أي شخص استغل ا لدين في الماضي، وهو ما أدى إلى حدوث " المأساة الوطنية "، من ممارسة نشاط سياسي؛ و على إعلان عدم قبول أي ملاحقة قانونية فردية أو جماعية، تستهدف أفراد قو ات الدفاع والأمن التابعة للجمهورية، بجميع مكوناتها، بتهمة ارتكاب أعمال نفذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات، ونجدة الأمة والحفاظ على مؤسسات الجمهورية.

4-7 وأشارت الدولة الطرف إلى أنه، فضلاً عن إنشاء صناديق لتعويض جميع ضحايا " المأساة الوطنية " ، وافق شعب الجزائر صاحب السيادة على الشروع في عملية مصالحة وطنية باعتبارها ال وسيلة الوحيد ة لتضميد الجراح. وتشدد الدولة الطرف على أن إعلان هذا الميثاق يندرج في إطار الرغبة في تجنب حالات المواجهة القضائية، وال تشهير الإعلامي، وتصفية الحسابات السياسية. ولذا تعتبر الدولة الطرف أن الوقائع التي يدعيها أصحاب البلاغ مشمولة بالآلية الداخلية الشاملة للتسوية التي حثت عليها أحكام الميثاق المذكور.

4-8 وتطلب الدولة الطرف إلى اللجنة أن تلاحظ أوجه الشبه بين الوقائع والحالات التي وصفها أصحاب البلاغات الأخرى وكذلك السياق الاجتماعي - السياسي والأمني الذي حدثت فيه؛ وأن ت تحقق من عدم استنفاد أصحاب البلاغات لجميع سبل الانتصاف المحلية؛ وأن تتحقق من أن سلطات الدولة الطرف قد نفّذت آلية داخلية لمعالجة الحالات المشار إليها في البلاغات المعنية وتسويتها تسوية شاملة وفقاً لترتيب ال سلم و ال مصالحة الوطنية الذي يتفق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والعه ود والاتفاقيات اللاحقة؛ وأن تخلص إلى عدم مقبولية هذه البلاغات وتطالب أصحاب البلاغ ات التماس سبل الطعن على النحو المطلوب .

4- 9 و بالإضافة إلى ذلك، تشير الدولة الطرف، في المذكرة الإضافية المرافقة لهذه المذكرة، إلى أنها قد أحاطت علماً بالمذكرات الشفوية الموجهة إليها والتي أبلغت فيها بأن اللجنة قد قررت بحث مسألة المقبولية جنباً إلى جنب مع الأسس الموضوعية للبلاغات موضع البحث، وهي تدعو اللجنة إلى تقديم ملاحظات على الأسس الموضوعية وجميع الملاحظات الإضافية المتعلقة بالمقبولية . وفي هذا الصدد، تتساءل الدولة الطرف إن لم تكن مجموعة البلاغات الفردية المعروضة على اللجنة تشكل بالأحرى إساءة استعمال للإجراءات ب قصد التقدم إلى اللجنة ب مسألة شاملة تاريخية وذات أسباب وظروف قد تغيب عن نظر اللجنة. وتلاحظ الدولة الطرف أن هذه البلاغات "الفردية" تشدد على السياق العام الذي حدثت فيه حالات الاختفاء هذه، وتركز فقط على تصرفات قوات إنفاذ القانون دون التطرق قط إلى تصرفات مختلف الجماعات المسلحة التي اتبعت تقنيات تمويه إجرامية لإلقاء المسؤولية على عاتق القوات المسلحة.

4- 10 وت شدد الدولة الطرف على أنها لن تبدي رأيها بشأن المسائل الموضوعية المتعلقة بالبلاغات المذكورة قبل صدور قرار بشأن مسألة المقبولية؛ وأن واجب أي هيئة قضائية أو شبه قضائية يكمن أولاً في معالجة المسائل الأولية قبل مناقشة الأسس الموضوعية. وترى الدولة الطرف أن قرار فرض إخضاع مسائل المقبولية والمسائل المتعلقة بالموضوع لدراسة مشتركة ومتزامنة في هذه الحالة، فضلاً عن كونه قراراً غير م تفق عليه، يضر بشكل خطير بمعالجة البلاغات المعروضة معالجة مناسبة، سواء من ناحية طبيعتها العامة أو من ناحية خصائصها الجوهرية. وبالإشارة إلى النظام الداخلي للجنة المعنية بحقوق الإنسان ، تلاحظ الدولة الطرف أن المواد المتعلقة بنظر اللجنة في مقبولية البلاغ تختلف عن المواد المتعلقة بالنظر في الأسس الموضوعية وأنه يمكن بالتالي بحث المسألتين بشكل منفصل. وفيما يتعلق بمسألة استنفاد سبل الانتصاف المحلية بصورة خاصة، تؤكد الدولة الطرف أنه لم يخضع أي من البلاغات التي قدمها أصحابها ل لمسار ال قضائي الذي يمك ّ ن ا لسلطات القضائية الداخلية من أن تنظر فيها. ولم تصل سوى بضعة بلاغات منها إلى مستوى غرفة الاتهام، وهي هيئة تحقيق قضائية من الدرجة الثانية توجد على مستوى المحاكم.

4- 11 و إذ تذكر الدولة الطرف بالآراء السابقة للجنة بشأن واجب استنفاد سبل الانتصاف المحلية، ف هي تؤكد أن مجرد الشك في احتمالات النجاح أو الخوف من التأخير لا يعفي أصحاب البلاغ من استنفاد سبل الانتصاف هذه. وفيما يتعلق بالقول إن إصدار الميثاق يجعل أي طعن في هذا المجال مستحيلاً، ترد الدولة الطرف ب القول إ ن عدم اتخاذ أصحاب البلاغ أي إجراءات لمعرفة الحقيقة بشأن الادعاءات التي سيقت لم يسمح حتى الآن للسلطات الجزائرية باتخاذ موقف بشأن نطاق وحدود سريان أحكام هذا الميثاق . وعلاوة على ذلك، فإن الأمر المتضمن تطبيق الميثاق يشترط فقط الحكم بعدم قبول الدعاوى المقامة ضد "عناصر قوات الدفاع والأمن التابعة للجمهورية" ب تهمة ارتكاب أعمال تقتضيها مهامهم المنسجمة مع روح الجمهورية، أي حماية الأشخاص والممتلكات، و نجدة الأمة، والحفاظ على المؤسسات. غير أن أي ادعاء يتعلق بأعمال يمكن أن تنسب إلى قوات الدفاع والأمن مما يتبيّن أنها وقعت خارج هذا الإطار هو ادعاء قابل لأن تحقق فيه الهيئات القضائية المختصة.

4-12 وأخيراً، تؤكد الدولة الطرف مجدداً موقفها في ما  يتعلق بملاءمة آلية التسوية التي أنشأها ميثاق السلم والمصالحة الوطنية.

تعليقات صاحبة البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف

5-1 في 6 كانون الثاني/يناير 2012، قدمت صاحبة البلاغ تعليقات على ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية وقدمت حججاً إضافية بشأن الأسس الموضوعية للبلاغ.

5-2 وتذّكر صاحبة البلاغ بأنه ليس من اختصاص الدولة الطرف أن تقرر مدى استصواب اللجوء إلى اللجنة في مسألة بعينها. وبالمثل، فإن اعتماد الحكومة الجزائرية لآلية داخلية شاملة للتسوية أو أية تدابير تشريعية أو إدارية لن  يشكل سبباً لعدم مقبولية البلاغ. وبالإضافة إلى ذلك، فقد سبق للجنة أن لاحظت أن هذه التدابير التشريعية التي اعتمدتها السلطات الجزائرية تشكل في حد ذاتها انتهاكاً للحقوق المنصوص عليها في العهد ( ) .

5-3 وتذكًر صاحبة البلاغ بأن إعلان الجزائر حالة ا لطوارئ في 9 شباط/فبراير 1992 لا يؤثر في شيء على حق الأفراد في تقديم بلاغات فردية إلى اللجنة. وبالفعل، تنص المادة 4 من العهد على أن إعلان حالة الطوارئ يتيح فقط عدم التقيد ببعض أحكام العهد و لا  يؤثر بالتالي على ممارسة الحقوق المترتبة على بروتوكوله الاختياري. وعلاوة على ذلك، فإن استمرار تطبيق الدولة الطرف لهذا الإجراء على مدى عقدين من الزمن تقريباً يشكل في حد ذاته انتهاكاً للفقرة 3 من المادة 4 حيث تمتنع الدولة عن احترام التزاماتها الدولية و لا  سيما "إعلام الأطراف الأخرى فوراً بالأحكام التي لم  تتقيد بها وبالأسباب التي دفعتها إلى ذلك" ( ) . وعليه، تعتبر صاحبة البلاغ أن الاعتبارات التي ساقتها الدولة الطرف بشأن استصواب تقديم البلاغ ليست مبرراً صحيحاً لعدم مقبولية هذا البلاغ.

5-4 وفي ما  يتعلق بالحجة القائلة بأن صاحبة البلاغ لم تستنف د وسائل الانتصاف المحلية لكونها لم  ترفع دعوى عامة من خلال تقديم شكوى عن طريق الإدعاء بالحق المدني أمام قاضي التحقيق، تشير صاحبة البلاغ في المقام الأول إلى أن هذا الإجراء يتطلب دفع كفالة أو  تسديد "تكاليف الإجراءات" كشرط لقبول الشكوى. ويحدد قاضي التحقيق بشكل اعتباطي مبلغ هذه التكاليف بموجب المادة 75 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، وهو ما  يكشف في الواقع العملي على أن المتقاضين، الذين هم عرضة للروادع المالية، لا  يمتلكون في المقابل أي ضمان يدل على أن الشكوى الموجهة ضد أعضاء الدوائر الأم نية ستؤدي بالفعل إلى مقاضاتهم.

5-5 وعلاوة على ذلك، فقد أصبحت السلطات العسكرية وكذلك ا لإدارية والقضائية، عقب العديد من المساعي التي بذلتها الجهة الموظِّفة لمعمّر وغليسي وأفراد أسرته، على علم باختطاف معمّر وغليسي واختفائه، وباتت من حينها ملزمة قانوناً بمتا بعة التقارير التي أبلغت عن جريم تي الاختطاف والاعتقال التعسفي اللتين تعرض لهما. وفي الواقع، فقانون العقوبات الجزائري ينص على هاتين الجريمتين ويعاقب عليه م ا، و لا  سيما من خلال المواد 107 و108 و109 و291 و292، ويُلزم النيابة العامة بفتح تحقيق قضائي فوراً وتقديم الجناة إلى القضاء الجنائي. ومع ذلك، ف لم  يصدر أي أمر بالتحقيق في هذه القضية و لم  يشعر أي شخص متورط في اختفاء معمّر وغليسي بالقلق. ونتيجة لذلك، فالدولة الطرف قد أخل ّ ت بواجبها في تحري ا لجرائم المرتكبة والتحقيق فيها.

5-6 وتشدد صاحبة البلاغ على استحالة متابعة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان المنسوبة إلى دوائر الأمن. وبموجب المادة 45 من الأمر رقم 06-01 الصادر 27 شباط/ فبراير 2006، والتي تنص على أنه يجب على الجهة القضائية المختصة التصريح بعدم قبول كل إبلاغ أو شكوى يرفعان، بصورة فردية أو جماعية، في حق أفراد قوى الدفاع والأمن للجمهورية. وبالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 46 من هذا الأمر على أن كل من يتقدم بهذه الشكوى أو الإبلاغ يعاقب بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وبغرامة تتراوح بين 000 250 و000 500 دينار جزائري. ومن ثم، فإن هذا التشريع " يخل بحرية التعبير وبحق أي شخص في الحصول على الانتصاف الفعال من انتهاكات حقوق الإنسان، على المستوى الوطني والدولي معاً" ( ) .

5-7 وفي ما  يتعلق بالأسس الموضوعية للبلاغ، تلاحظ صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف تعترض، على ما  يبدو، حتى على حقيقة حدوث حالات اختفاء قسري ومنهجي على نطاق واسع في الجزائر. وتضع الدولة الطرف تصنيفاً للحالات التي تتضمن اختفاءً قسرياً ، وتستبعد جميع هذه الحالات أي مسؤولية لموظفي الدولة. ومع ذلك، فهي تعترف، على نحو متناقض، بتعويض 704 5 أشخاص ضحايا من أصحاب الحقوق من بين 023 8 شخصاً مفقوداً جرى إحصاؤهم على هذا النحو.

5-8 وتحاول السلطات تفسير حالات الاختفاء هذه بالتذرع بالمأساة الوطنية والسياق الطبيعي الناجم عن الإرهاب الإجرامي. وبهذه الطريقة، تصرّ الحكومة على عدم اعترافها بمسؤولية موظفيها الذي ن قدمتهم على أنهم " أولئك الذين وقفوا بالمرصاد للحفاظ على البلد".

5-9 وتلاحظ صاحبة البلاغ أنه وفقاً للنظام الداخلي للجنة، فليس من حق أي دولة طرف أن تطلب النظر في مقبولية بلاغ من البلاغات بصورة مستقلة عن أسسه الموضوعية. ويتعلق الأمر بصلاحية استثنائية تدخل في إطار الاختصاصات الحصرية للجنة، حيث تقدم الدولة المعنية من جهتها "شروحاً أو ملاحظات إلى اللجنة تتصل بمدى مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية في الوقت نفسه". ومن جهة أخرى، تؤكد صاحبة البلاغ، بالاستناد إلى رأي سابق كرسته اللجنة، أنه في حالة عدم وجود ملاحظات على الأسس الموضوعية للبلاغ، فإنه يجب مراعاة ادعاءات المشتكي مراعاة كاملة.

5-10 وتؤكد صاحبة البلاغ جميع الوقائع المعروضة في بلاغها، وتشير إلى أن الدافع وراء رفض الدولة الطرف الرد على ادعاءاتها ومعالجة هذا البلاغ بصورة منفردة يتمثل في تورط أجهزة الأمن في اختطاف واختفاء معمّر وغليسي . ومن ثم، فصاحبة البلاغ ترى أن عدم إعطاء أي رد بشأن الأسس الموضوعية للبلاغ يشكل، من جهة أخرى، موافقة ضمنية على مزاعم الدولة الطرف، وبالتالي، ينبغي للجنة أن تعتبر هذه الأسس صحيحة.

مداولات اللجنة

النظر في المقبولية

6-1 قبل النظر في أي شكوى ترد في بلاغ ما، يتعين على ال لجنة المعنية ب حقوق الإنسان، وفقاً للمادة 93 من نظامها الداخلي، أن تبتّ في مقبولية البلاغ بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد.

6-2 ويتعين على اللجنة أن تتأكد، بموجب الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة ذاتها ليست قيد الدراسة أمام هيئة أخرى من هيئات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية. وتلاحظ اللجنة أن اختفاء معمّر وغليسي أُبلغ إلى الفريق العامل التابع للأمم المتحدة المعني بحالات الاختفاء القسري. إلاّ أنها تذكّر بأن الإجراءات أو الآليات الخارجة عن نطاق المعاهدات، التي وضعتها لجنة حقوق الإنسان أو مجلس حقوق الإنسان، والتي تتمثل ولايتها في دراسة حالة حقوق الإنسان في بلد أو إقليم أو دراسة الظواهر الواسعة النطاق لانتهاكات حقوق الإنسان في العالم، لا  تندرج عموماً ضمن إجراءات دولية للتحقيق أو التسوية بالمفهوم الوارد في الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري ( ) . وبالتالي، ترى اللجنة أن نظر الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في قضية معمّر وغليسي لا  يجعل البلاغ غير مقبول بمقتضى هذه المادة.

6-3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف ترى أن صاحبة البلاغ لم تستنفد سبل الانتصاف المحلية إذ إنها لم تتوخ إمكانية عرض قضيتها على قاضي ال تحقيق والادعاء بالحق المدني بناءً على المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الجزائية. وتلاحظ اللجنة الحجة التي قدمتها صاحبة البلاغ والتي تفيد برفع الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية ، عقب اختطاف الضحية، شكوى إلى المنطقة العسكرية الخامسة في قسنطينة ؛ وانتقال أقارب الضحية فور اختطافه إلى مقر الشرطة المركزي وكذلك إلى مقرات فرق الدرك ومختلف الثكنات الموجودة في المدينة؛ واتخاذ والد الضحية خطوات لدى محكمة قسنطينة لمعرفة ما إذ كان قد جرى عرض ابنه على وكيل الجمهورية، وتقديمه شكوى إلى النيابة العامة تتعلق باختفاء واختطاف ابنه، وزيارته كذلك لثكنة إدارة البحث والتحقيق في المنصورة للاستفسار عن مصير ابنه؛ وتقديم صاحبة البلاغ نفسها شكوى إلى المدعي العام لقسنطينة تتعلق باختطاف واختفاء زوجها، وكذلك إلى مكتب الاستقبال الذي أنشئ على مستوى كل ولاية لتلقي شكاوى أسر المفقودين؛ وتوجهها أيضاً إلى قائد المنطقة العسكرية الخامسة في قسنطينة بغية الحصول على معلومات تتعلق باختفاء زوجها؛ وتوجيهها فضلاً عن ذلك لرسالة مسجلة إلى وزير العدل لتؤكد شكواها من جديد وتبلغه بعدم متابعة شكاواها السابقة التي قدمتها للنيابة العامة في قسنطينة ؛ واتخاذها أيضاً خطوات لدى الدرك الوطني لإصدار محضر إثبات رسمي لاختفاء زوجها. وتلاحظ اللجنة فضلاً عن ذلك أن صاحبة البلاغ ترى أن المادة 63 من قانون الإجراءات الجزائية تنص على أن "يقوم ضباط الشرطة القضائية بالتحقيقات الابتدائية للجريمة بمجرد علمهم بوقوعها إما بناء على تعليمات وكيل الجمهورية وإما من تلقاء أنفسهم". وتلاحظ اللجنة الحجة التي قدمتها صاحبة البلاغ ومؤداها أن السلطات المختصة هي التي يتعين عليها أن تبادر بالتحقي قات اللازمة في الوقائع الخطيرة كالتي ادعتها صاحبة البلاغ، وهو ما لم يحدث. وتلاحظ أيضاً أن صاحبة البلاغ ترى أن المادة 46 من الأمر رقم 06-01 تعاقب كل من يقدم شكوى في إطار الأعمال المشار إليها في المادة 45 من هذا الأمر.

6-4 وتذكّر اللجنة بأن الدولة الطرف ملزمة ليس فقط بإجراء تحقيقات شاملة في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان التي أُبلغت بها سلطاتها، و لا  سيما عندما يتعلق الأمر باختفاء قسري وانتهاك الحق في الحياة، ولكنها ملزمة أيضاً بالملاحقة الجنائية لكل من يشتبه في أنه مسؤول عن تلك الانتهاكات ومحاكمته ومعاقبته. والحال أن أسرة الضحية أخطرت السلطات المختصة عدة مرات باختفاء معمّر وغليسي إ لا  أن جميع هذه الخطوات باءت بالفشل. وعلاوة على ذلك، لم  تقدم الدولة الطرف معلومات تسمح بالاستنتاج أن سبيل انتصاف فعالاً ومتاحاً قائم بالفعل في الوقت الذي يستمر فيه العمل بالأمر 06-01 الصادر في 27 شباط/فبراير 2006 رغم توصيات اللجنة التي طلبت فيها جعل أحكام هذا الأمر منسجمة مع أحكام العهد ( ) . وتذكر اللجنة مجدداً بآرائها السابقة التي ذهبت فيها إلى أن الادعاء بالحق المدني بشأن جرائم خطيرة مثل تلك المزعومة في هذه الحالة لا  يمكن أن يكون بديلاً عن الإجراءات القضائية التي كان يجب أن يتخذها وكيل الجمهورية نفسه ( ) . وعلاوة على ذلك، فنظراً للطابع غير الدقيق لنص المادتين 45 و46 من الأمر المذكور، ونظراً لعدم تقديم الدولة الطرف معلومات مقنعة بشأن تفسير نص المادتين وتطبيقه عملياً، فإن المخاوف التي أعربت عنها صاحبة البلاغ من حيث العواقب المترتبة عن تقديم شكوى هي مخاوف معقولة. وتخلص اللجنة إلى أن الفقرة 2(ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري لا  تشكل عائقاً أمام مقبولية البلاغ ( ) .

6-5 وترى اللجنة أن صاحبة البلاغ عللت ادعاءاتها ب ما  فيه الكفاية من حيث إن هذه الادعاءات تثير مسائل تتعلق بالفقرة 1 من المادة 6، والمادة 7، والمادة 9، والمادة 10، والمادة 16، والفقرة 3 من المادة 2 من العهد، ومن ثم تنتقل اللجنة إلى النظر في الأسس الموضوعية للبلاغ.

النظر في الأسس الموضوعية

7-1 نظرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في هذا البلاغ آخذة في الحسبان جميع المعلومات التي قدمها الطرفان، وفقاً للفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

7-2 وك ما  سبق للجنة أن أكدت لدى النظر في بلاغات سابقة قدمت الدولة الطرف بشأنها ملاحظات مشتركة وعامة بشأن الادعاءات التي أثارها أصحاب تلك البلاغات، فإن الملاحظ هو أن الدولة الطرف اكتفت بالتأكيد على أن البلاغات التي تدعي مسؤولية موظفين عموميين أو خاضعين في عملهم للسلطات العامة عن حالات الاختفاء القسري التي حدثت في الفترة موضع النظر، أي من عام 1993 إلى عام 1998، يجب أن تُعالج في إطار شامل، ك ما  يجب إعادة وضع الأحداث المزعومة في السياق الداخلي الاجتماعي السياسي والأمني لفترة كان على الحكومة أن تو اجه فيها الإرهاب. وتود اللجنة أن تذكر بملاحظاتها الختامية بشأن الجزائر التي أبدتها في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2007 ( ) وبآرائها السابقة التي ذهبت فيها إلى أنه لا  يجوز للدولة الطرف أن تحتج بأحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ضد أشخاص يحتجون بأحكام العهد أو قدموا بلاغات إلى اللجنة أو يعتزمون تقديمها. ويبدو للجنة أن الأمر رقم 06-01 بدون التعديلات التي أوصت بها اللجنة يعزز الإفلات من العقاب، ومن ثم لا  يمكن له، بصيغته الحالية، أن يتوافق مع أحكام العهد ( ) .

7-3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم ترد على ادعاءات صاحبة البلاغ بشأن الأسس الموضوعية وتذكّر بآرائها ( ) التي أفادت فيها بأن الفقرة 2 من المادة 4 من البروتوكول الاختياري تشير ضمنياً إلى أنه يجب على الدولة الطرف أن تحقق بحسن نية في جميع الادعاءات الواردة بشأن انتهاكها وانتهاك ممثليها أحكام العهد وأن تحيل المعلومات التي تكون في حيازتها إلى اللجنة. ونظراً إلى عدم تقديم الدولة الطرف أي توضيح بهذا الخصوص، فلا بد من إيلاء ادعاءات صاحبة البلاغ الاهتمام الواجب شريطة أن تكون معللة بما فيه الكفاية.

7-4 وتلاحظ اللجنة أن صاحبة البلاغ ترى أن زوجها اختفى منذ توقيفه في 27 أيلول/ سبتمبر 1994 وأن السلطات نفت على الدوام أن يكون محتجزاً لديها رغم القبض عليه بحضور شهود وأن هذه السلطات نفسها قد اعترفت باختفائه بإصدارها "محضر إثبات للاختفاء في إطار الظروف المحيطة بالمأساة الوطنية". وتلاحظ أن صاحبة البلاغ ترى أن احتمالات العثور على معمّر وغليسي حياً يرزق تتضاءل يوماً بعد يوم، وأن طول غيابه مدعاة للاعتقاد بأنه فارق الحياة أثناء وجوده في الاحتجاز ؛ وأن احتجازه في مكان سري ينطوي إلى حد كبير جداً على خطر انتهاك حقه في الحياة، لأن السجين يجد نفسه تحت رحمة سجانيه الذين لا يخضعون ، بحكم طبيعة الظروف، ل أي شكل من أشكال المراقبة. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي حجة لدحض هذا الادعاء. وتخلص اللجنة إلى أن الدولة الطرف أخلّت بواجبها في حماية حق معمّر وغليسي في الحياة، وفي ذلك انتهاك للمادة 6 من العهد.

7-5 وتدرك اللجنة درجة المعاناة الناجمة عن الاعتقال دون التواصل مع العالم الخارجي طوال مدة غير محددة. وتذك ّ ر بتعليقها العام رقم 20 بشأن المادة 7، حيث أوصت الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لمنع الاعتقال في أماكن سرية. وتلاحظ في هذا الصدد أن معمّر وغليسي قد اعتقل في 27 أيلول/سبتمبر 1994 وأن مصيره لا  يزال مجهولاً إلى يومنا هذا. ونظراً لعدم تقديم الدولة الطرف توضيحاً وجيهاً بهذا الخصوص، فإن اللجنة ترى أن هذا الاختفاء يشكل انتهاكاً للمادة 7 من العهد في حق معمّر وغليسي ( ) .

7-6 وتحيط اللجنة علماً أيضاً ب ما  سببه اختفاء معمّر وغليسي من معاناة لصاحبة البلاغ وابنتيها. وتعتبر أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن وقوع انتهاكٍ للمادة 7 مقروءة منفردة ومقترنة مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد في حقهن ( ) .

7-7 وفي ما  يتعلق بادعاء انتهاك المادة 9، يتبين من مزاعم صاحبة البلاغ أن معمر وغليسي أوقف دون أمر قضائي ودون إطلاعه على أسباب اعتقاله؛ وأنه لم  يبلَّغ في أي وقت من الأوقات بالتهم الجنائية الموجهة إليه؛ وأنه لم  يقدَّم البتة أمام قاض أو سلطة قضائية للطعن في مشروعية اعتقاله الذي يمتد لفترة غير محددة. ونظراً لعدم تقديم الدولة الطرف توضيحات وجيهة بهذا الخصوص، تخلص اللجنة إلى أن المادة 9 من العهد قد انتهكت في حق معمّر وغليسي ( ) .

7-8 وفي ما  يتعلق بادعاء صاحبة البلاغ بموجب الفقرة 1 من المادة 10، تؤكد اللجنة مجدداً أن الأشخاص المحرومين من الحرية يجب أ لا  يتعرضوا لأي حرمان أو إكراه عدا ما  هو ملازم للحرمان من الحرية، وأنه يجب أن يعاملوا بإنسانية واحترام لكرامتهم. ونظراً لاعتقال الضحية في مكان سري ونظراً كذلك إلى عدم تقديم الدولة الطرف معلومات بهذا الخصوص، تستنتج اللجنة أن الفقرة 1 من المادة 10 من العهد قد انتهكت ( ) .

7-9 أما عن التظلم المتعلق بانتهاك المادة 16، فإن اللجنة تكرر آراءها الثابتة ومؤداها أن حرمان شخص ما عمداً من حماية القانون لفترة مطولة يمكن أن يشكل رفضاً للاعتراف بشخصيته القانونية إذا كان هذا الشخص في قبضة سلطات الدولة عند ظهوره للمرة الأخيرة، وإذا كانت جهود أقاربه الرامية إلى الوصول إلى سبل انتصاف فعالة، بما في ذلك المحاكم، تعترضها بانتظام معوقات (الفقرة 3 من المادة 2 من العهد) ( ) . وفي القضية قيد البحث، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم توضيحات وجيهة بشأن الادعاءات التي ساقتها صاحبة البلاغ والتي تؤكد أنها لا تعرف شيئاً عما آل إليه مصير زوجها. وتستنتج اللجنة مع ذلك أن اختفاء معمّر وغليسي قسراً منذ ما يزيد من 17 عاماً حرمه من حماية القانون وحرمه من حقه في الاعتراف بشخصيته القانونية، وفي ذلك انتهاك للمادة 16 من العهد.

7-10 وتحتج صاحبة البلاغ بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد التي تلزم الدول الأطراف بأن تضمن سبيل انتصاف فعالاً لجميع الأشخاص الذين انتهكت حقوقهم المكفولة بموجب العهد. وتعلق اللجنة أهمية على اضطلاع الدول الأطراف بإنشاء آليات قضائية وإدارية مناسبة لمعالجة الدعاوى المتصلة بانتهاكات الحقوق. وتذكر بتعليقها العام رقم 31(80) الذي يشير على وجه الخصوص إلى أن تقاعس دولة طرف عن التحقيق في انتهاكات مزعومة قد يفضي، في حد ذاته، إلى انتهاك قائم بذاته للعهد. وفي الحالة الراهنة، أخطرت أسرة الضحية السلطات المختصة عدة مرات باختفاء معمّر وغليسي إ لا  أن جميع الخطوات التي قامت بها أسرة الضحية باءت بالفشل وأن الدولة الطرف لم  تجر أي تحقيق شامل ودقيق في قضية اختفاء زوج صاحبة البلاغ. وعلاوة على ذلك، فإن الاستحالة القانونية للجوء إلى هيئة قضائية بعد صدور الأمر رقم 06-01 المتضمن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية لا  تزال تحرم معمّر وغليسي وكذلك صاحبة البلاغ وابنتيها من أي إمكانية للوصول إلى انتصاف فعال، وذلك لأن هذا الأمر يمنع، تحت طائلة عقوبة السجن، من اللجوء إلى العدالة لكشف ملابسات الجرائم الأكثر خطورة مثل حالات الاختفاء القسري. وتستنج اللجنة من ذلك أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن وقوع انتهاك للفقرة 3 من المادة 2، مقروءة بالاقتران مع الفقرة 1 من المادة 6؛ والمادة 7؛ والمادة 9؛ والمادة 10، والمادة 16 من العهد في حق معمّر وغليسي وانتهاك الفقرة 3 من المادة 2، مقروءة بالاقتران مع المادة 7 من العهد في حق صاحبة البلاغ وابنتيها ( ) .

8- وتلاحظ اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، عملاً بالفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاكات من جانب الدولة الطرف للفقرة 1 من المادة 6؛ والمادة 7؛ والمادة 9؛ والفقرة 1 من المادة 10؛ والمادة 16؛ والفقرة 3 من المادة 2 مقروءة بالاقتران مع الفقرة 1 من المادة 6؛ والمادة 7؛ والمادة 9؛ والفقرة 1 من المادة 10؛ والمادة 16 من العهد في حق معمّر وغليسي ، والمادة 7 مقروءة منفردة ومقترنة مع الفقرة 3 من المادة 2 من الع هد في حق صاحبة البلاغ وابنتيها.

9- ووفقاً للفقرة 3 من المادة 2 من العهد، يتعين على الدولة الطرف أن تكفل لصاحبة البلاغ سبيل انتصاف فعالاً، يشمل على الخصوص ما  يلي: ‘ 1 ‘ إجراء تحقيق شامل ودقيق في اختفاء معمّر وغليسي ؛ ‘ 2 ‘ تزويد صاحبة البلاغ وابنتيها بمعلومات مفصلة عن نتائج تحقيقها؛ ‘ 3 ‘ الإفراج عنه فوراً إذا كان لا  يزال محتجزاً في مكان سري؛ ‘ 4 ‘ إعادة جثة معمّر وغليسي إلى أسرته في حالة وفاته؛ ‘ 5 ‘ ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات المرتكبة ومحاكمتهم ومعاقبتهم؛ ‘ 6 ‘ تقديم تعويض مناسب إلى صاحبة البلاغ وابنتيها عن الانتهاكات التي تعرضن لها وكذلك إلى معمّر وغليسي إن كان على قيد الحياة. وبغض النظر عن الأمر رقم 06-01، يتعين على الدولة الطرف أيضاً أن تحرص على عدم إعاقة ممارسة الحق في انتصاف فعال بالنسبة لضحايا الجرائم من قبيل التعذيب والإعدام خارج إطار القانون والاختفاء القسري. والدولة الطرف ملزمة علاوة على ذلك باتخاذ التدابير اللازمة لمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل ( ) .

10- وب ما  أن الدولة الطرف اعترفت، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، باختصاص اللجنة في تحديد ما  إذا كان هناك انتهاك للعهد أم لا، وتعهدت، بموجب المادة 2 من العهد، بأن تكفل لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والمشمولين بولايتها الحقوق المعترف بها في العهد وبأن تضمن لهم سبيل انتصاف فعالاً وقابل للتنفيذ في حالة ثبوت وقوع انتهاك، فإن اللجنة تود أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون مائة وثمانين يوماً، معلومات ع ما  اتخذته من تدابير لوضع آراء اللجنة موضع التنفيذ. ك ما  تدعو اللجنة الدولة الطرف إلى تعميم هذه الآراء ونشرها على نطاق واسع.

[اعتُمدت بالإسبانية والإنكليزية والفرنسية، علماً بأن النص الفرنسي هو النص الأصلي. وستصدر لاحقاً بالروسية والصينية والعربية كجزء من تقرير اللجنة السنوي إلى الجمعية العامة.]

تذييل

رأي فردي (موافق) للسيد فابيان سالفيولي

1- أتَّفِق كليةً مع قرار اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في قضية وغليسي ضد الجزائر (البلاغ رقم 1905/2009)، الذي يؤكد وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان راح ضحيتها معمّر وغليسي ، وفريدة كيراني (زوجته)، ومريم وغليسي وخولة وغليسي (ابنتاهما)، بسبب اختفاء هذا الشخص قسراً.

2- لكنني أعتبر، للأسباب التي سأسوقها أدناه، أنه كان على اللجنة أن تستنتج أيضاً أن الدولة الطرف مسؤولة عن انتهاك الفقرة 2 من المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وأرى أيضاً أنه كان على اللجنة أن تشير إلى أنه يجب على الدولة الجزائرية، في نظر اللجنة، تعديل أحكام الأمر رقم 06/01 لكي تكفل عدم تكرار هذه الأعمال مرة أخرى.

3- و ما  فتئتُ أؤكد، منذ انضمامي لعضوية اللجنة، أن اللجنة قد قيّدت بنفسها، على نحو غير مفهوم، قدرتها على تبيّن انتهاك أحكام العهد في حال عدم وجود تظلم قانوني محدد. ففي كل مرة تكشف فيها الوقائع التي يعرضها الأطراف بوضوح أن انتهاكاً قد وقع، يمكن للجنة بل يجب عليها - بمقتضى مبدأ المحكمة تعرف القانون - أن تنظر في الإطار القانوني للقضية. والأسس القانونية لهذا الموقف وتعليل سبب عدم اقتضاء ذلك أن الدول سوف تترك دون دفاع معروضة في الرأي المخالف جزئياً الذي أبديته في قضية وراونزا ضد سري لانكا (الفقرات من 3 إلى 5)، وأحيل إلى الاعتبارات الواردة في هذا الرأي ( ) .

4- وفي قضية وغليسي ، أشار كلا الطرفين بشكل مستفيض إلى أحكام الأمر رقم 06/01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية؛ ومن ثم فإن صاحبة البلاغ ترى أن بعض أحكام هذا الأمر لا  تتفق مع العهد (انظر الفقرات 3-7 و3-10 و5-6 من آراء اللجنة) بالاستناد بشكل واضح إلى الفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

5- وأشارت الدولة الطرف من جانبها إلى الأمر رقم 06/01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، غير أنها توصلت إلى استنتاج معاكس. وهي تعتقد أن هذا الأمر يتوافق تماماً مع القانون الدولي المعمول به (انظر على وجه التحديد الف قرتان 4-6 و4-8 من آراء اللجنة).

6- ومن ثم، فقد أكد الطرفان بشكل كاف وجهات نظرهما المتباينة بشأن امتثال أو  عدم امتثال الأمر رقم 06/01 للعهد. وتقع على عاتق اللجنة مسؤولية معالجة هذه المسألة من خلال تطبيق القانون ودون أن تقبل بالضرورة الحجج القانونية التي ساقها الطرفان، والتي يمكن للجنة أن تتبناها، كلياً أو جزئياً، أو ترفضها وفقاً لتحليلها القانوني الخاص.

7- وقد شرحت في آراء فردية سابقة تناولت حالات مماثلة تتعلق بالجزائر الأسباب التي ينبغي للجنة بمقتضاها أن تعالج مسألة عدم توافق الأمر رقم 06/01 مع العهد بالاستناد إلى الفقرة 2 من المادة 2، وبيّنت الأسباب التي تجعل تطبيق هذا الأمر على الضحايا يشكل انتهاكاً لهذا الحكم من العهد في هذه القضية بالذات ( ) .

8- وتعد طريقة التفكير هذه هامة بالنسبة إلى قضية وغليسي حيث تتمتع اللجنة بجميع الصلاحيات المطلوبة لبحث الإطار القانوني الذي تندرج فيه الوقائع المعروضة عليها: فقد أصدرت الدولة الطرف في 27 شباط/ فبراير 2006 الأمر رقم 06/01 الذي يمنع اللجوء إلى العدالة لتسليط الضوء على الجرائم الأكثر خطورة كالاختفاء القسري، وهو ما  يكفل إفلات المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من العقاب.

9- وقد وضعت الدولة الطرف، باعتمادها هذا النص التشريعي، قاعدة مخالفة للالتزام المنصوص عليه في الفقرة 2 من المادة 2 من العهد، وهو ما  يشكل انتهاكاً في حد ذاته، كان من المفروض أن تبيّنه اللجنة في قرارها علاوة على الانتهاكات التي أثبتتها. وقد وقعت صاحبة البلاغ وابنتاها والسيد وغليسي نفسه ضحايا - في جملة أمور أخرى - لهذا الحكم التشريعي؛ ومن ثم، فإن استنتاج وجود انتهاك للفقرة 2 من المادة 2 في هذه القضية ليس استنتاجاً مجرداً أو خطابا ً بلاغياً. وأخيراً، يجب ألا ننسى أن الانتهاكات الناشئة عن المسؤولية الدولية للدولة يكون لها تأثير مباشر على الجبر الذي ينبغي للجنة أن تطلبه عندما تصدر قرارها في كل بلاغ.

10- وفي ما  يتعلق بمسألة الجبر الواجب تقديمه في مثل هذه القضايا، فقد أحرزت اللجنة مؤخراً بعض التقدم في ما  يتعلق بواجب ضمان عدم حدوث انتهاكات مماثلة: وهكذا، في قضيتي بنعزيزة وعوابدية ، تشير قرارات اللجنة فقط، في بيان عام، إلى أن "الدولة الطرف ملزمة باتخاذ التدابير اللازمة لمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل" ( ) ، دون تحديد الوسائل اللازمة لتحقيق هذا الغرض ( ) . وفي الآونة الأخيرة، أشارت اللجنة في قضية جبروني إلى أنه "بغض النظر عن الأمر رقم 06-01، فإنه يتعين على الدولة المعنية أيضاً أن تحرص على عدم إعاقة ممارسة الحق في انتصاف فعال بالنسبة لضحايا الجرائم من قبيل التعذيب والإعدام خارج إطار القانون والاختفاء القسري. والدولة الطرف ملزمة علاوة على ذلك باتخاذ التدابير اللازمة لمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل" ( ) . وأخيراً، فقد أصدرت اللجنة حكمها بعبارات تشبه إلى حد بعيد تلك الواردة في قضية شيهوب ( ) .

11- وم ما لا  شك فيه، فقد أُحرز تقدم في هذا الشأن. وك ما  أشرت في الرأيين الفرديين اللذين أدليت بهما في ما  يتعلق بالقرارين المذكورين (قضيتا جبروني وشيهوب )، فإن الفقرات المذكورة تمثل نموذجاً لنهج متكامل للجبر؛ ومع ذلك، يجب تنفيذ خطوة أبعد إذ لا  تزال هناك بعض أوجه الغموض في ما  يتعلق بضمان عدم التك رار؛ ويتعين على اللجنة تحديداً أن تُعلن بحزم معارضتها لاستمرار وجود نص تشريعي يتعارض في حد ذاته مع العهد لكونه لا  يفي بالمعايير الدولية السائدة حالياً في مجال جبر انتهاكات حقوق الإنسان ( ) . وفي هذه القضية، أي قضية وغليسي ضد الجزائر ، تستخدم اللجنة الصياغة نفسها على النحو التالي: "... بغض النظر عن الأمر رقم 06-01، يتعين على الدولة الطرف أيضاً أن تحرص على عدم إعاقة ممارسة الحق في انتصاف فعال بالنسبة لضحايا الجرائم من قبيل التعذيب والإعدام خارج إطار القانون والاختفاء القسري. والدولة الطرف ملزمة علاوة على ذلك باتخاذ التدابير اللازمة لمنع حدوث انتهاكات مما ثلة في المستقبل ..." (الفقرة 9).

12- و لا  بد أن تتميز طرق تفكير اللجنة وقراراتها بالمزيد من الاتساق؛ وفي ما  يتعلق بالجبر الواجب في قضايا مثل القضية التي بين أيدينا، فإنه يتعين عليها أن تصدر حكمها بوضوح ودون لبس - في الحالة الراهنة من حيث أنه يجب على الدولة الطرف تعديل الأمر رقم 06/01، وإلغاء المواد التي تتعارض في جوهرها مع العهد، لضمان ألاّ تتكرر بالفعل بعض الوقائع التي جرى بحثها في هذا البلاغ.

[حرر بالإسبانية والإنكليزية والفرنسية، علماً بأن النص الإسباني هو النص الأصلي. وسيصدر لاحقاً بالروسية والصينية والعربية كجزء من تقرير اللجنة السنوي إلى الجمعية العامة.]

تذييل

رأي فردي (موافق) للسيد فابيان سالفيولي

1- أتَّفِق كليةً مع قرار اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في قضية وغليسي ضد الجزائر (البلاغ رقم 1905/2009)، الذي يؤكد وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان راح ضحيتها معمّر وغليسي ، وفريدة كيراني (زوجته)، ومريم وغليسي وخولة وغليسي (ابنتاهما)، بسبب اختفاء هذا الشخص قسراً.

2- لكنني أعتبر، للأسباب التي سأسوقها أدناه، أنه كان على اللجنة أن تستنتج أيضاً أن الدولة الطرف مسؤولة عن انتهاك الفقرة 2 من المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وأرى أيضاً أنه كان على اللجنة أن تشير إلى أنه يجب على الدولة الجزائرية، في نظر اللجنة، تعديل أحكام الأمر رقم 06/01 لكي تكفل عدم تكرار هذه الأعمال مرة أخرى.

3- و ما  فتئتُ أؤكد، منذ انضمامي لعضوية اللجنة، أن اللجنة قد قيّدت بنفسها، على نحو غير مفهوم، قدرتها على تبيّن انتهاك أحكام العهد في حال عدم وجود تظلم قانوني محدد. ففي كل مرة تكشف فيها الوقائع التي يعرضها الأطراف بوضوح أن انتهاكاً قد وقع، يمكن للجنة بل يجب عليها - بمقتضى مبدأ المحكمة تعرف القانون - أن تنظر في الإطار القانوني للقضية. والأسس القانونية لهذا الموقف وتعليل سبب عدم اقتضاء ذلك أن الدول سوف تترك دون دفاع معروضة في الرأي المخالف جزئياً الذي أبديته في قضية وراونزا ضد سري لانكا (الفقرات من 3 إلى 5)، وأحيل إلى الاعتبارات الواردة في هذا الرأي ( ) .

4- وفي قضية وغليسي ، أشار كلا الطرفين بشكل مستفيض إلى أحكام الأمر رقم 06/01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية؛ ومن ثم فإن صاحبة البلاغ ترى أن بعض أحكام هذا الأمر لا  تتفق مع العهد (انظر الفقرات 3-7 و3-10 و5-6 من آراء اللجنة) بالاستناد بشكل واضح إلى الفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

5- وأشارت الدولة الطرف من جانبها إلى الأمر رقم 06/01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، غير أنها توصلت إلى استنتاج معاكس. وهي تعتقد أن هذا الأمر يتوافق تماماً مع القانون الدولي المعمول به (انظر على وجه التحديد الف قرتان 4-6 و4-8 من آراء اللجنة).

6- ومن ثم، فقد أكد الطرفان بشكل كاف وجهات نظرهما المتباينة بشأن امتثال أو  عدم امتثال الأمر رقم 06/01 للعهد. وتقع على عاتق اللجنة مسؤولية معالجة هذه المسألة من خلال تطبيق القانون ودون أن تقبل بالضرورة الحجج القانونية التي ساقها الطرفان، والتي يمكن للجنة أن تتبناها، كلياً أو جزئياً، أو ترفضها وفقاً لتحليلها القانوني الخاص.

7- وقد شرحت في آراء فردية سابقة تناولت حالات مماثلة تتعلق بالجزائر الأسباب التي ينبغي للجنة بمقتضاها أن تعالج مسألة عدم توافق الأمر رقم 06/01 مع العهد بالاستناد إلى الفقرة 2 من المادة 2، وبيّنت الأسباب التي تجعل تطبيق هذا الأمر على الضحايا يشكل انتهاكاً لهذا الحكم من العهد في هذه القضية بالذات ( ) .

8- وتعد طريقة التفكير هذه هامة بالنسبة إلى قضية وغليسي حيث تتمتع اللجنة بجميع الصلاحيات المطلوبة لبحث الإطار القانوني الذي تندرج فيه الوقائع المعروضة عليها: فقد أصدرت الدولة الطرف في 27 شباط/ فبراير 2006 الأمر رقم 06/01 الذي يمنع اللجوء إلى العدالة لتسليط الضوء على الجرائم الأكثر خطورة كالاختفاء القسري، وهو ما  يكفل إفلات المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من العقاب.

9- وقد وضعت الدولة الطرف، باعتمادها هذا النص التشريعي، قاعدة مخالفة للالتزام المنصوص عليه في الفقرة 2 من المادة 2 من العهد، وهو ما  يشكل انتهاكاً في حد ذاته، كان من المفروض أن تبيّنه اللجنة في قرارها علاوة على الانتهاكات التي أثبتتها. وقد وقعت صاحبة البلاغ وابنتاها والسيد وغليسي نفسه ضحايا - في جملة أمور أخرى - لهذا الحكم التشريعي؛ ومن ثم، فإن استنتاج وجود انتهاك للفقرة 2 من المادة 2 في هذه القضية ليس استنتاجاً مجرداً أو خطابا ً بلاغياً. وأخيراً، يجب ألا ننسى أن الانتهاكات الناشئة عن المسؤولية الدولية للدولة يكون لها تأثير مباشر على الجبر الذي ينبغي للجنة أن تطلبه عندما تصدر قرارها في كل بلاغ.

10- وفي ما  يتعلق بمسألة الجبر الواجب تقديمه في مثل هذه القضايا، فقد أحرزت اللجنة مؤخراً بعض التقدم في ما  يتعلق بواجب ضمان عدم حدوث انتهاكات مماثلة: وهكذا، في قضيتي بنعزيزة وعوابدية ، تشير قرارات اللجنة فقط، في بيان عام، إلى أن "الدولة الطرف ملزمة باتخاذ التدابير اللازمة لمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل" ( ) ، دون تحديد الوسائل اللازمة لتحقيق هذا الغرض ( ) . وفي الآونة الأخيرة، أشارت اللجنة في قضية جبروني إلى أنه "بغض النظر عن الأمر رقم 06-01، فإنه يتعين على الدولة المعنية أيضاً أن تحرص على عدم إعاقة ممارسة الحق في انتصاف فعال بالنسبة لضحايا الجرائم من قبيل التعذيب والإعدام خارج إطار القانون والاختفاء القسري. والدولة الطرف ملزمة علاوة على ذلك باتخاذ التدابير اللازمة لمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل" ( ) . وأخيراً، فقد أصدرت اللجنة حكمها بعبارات تشبه إلى حد بعيد تلك الواردة في قضية شيهوب ( ) .

11- وم ما لا  شك فيه، فقد أُحرز تقدم في هذا الشأن. وك ما  أشرت في الرأيين الفرديين اللذين أدليت بهما في ما  يتعلق بالقرارين المذكورين (قضيتا جبروني وشيهوب )، فإن الفقرات المذكورة تمثل نموذجاً لنهج متكامل للجبر؛ ومع ذلك، يجب تنفيذ خطوة أبعد إذ لا  تزال هناك بعض أوجه الغموض في ما  يتعلق بضمان عدم التك رار؛ ويتعين على اللجنة تحديداً أن تُعلن بحزم معارضتها لاستمرار وجود نص تشريعي يتعارض في حد ذاته مع العهد لكونه لا  يفي بالمعايير الدولية السائدة حالياً في مجال جبر انتهاكات حقوق الإنسان ( ) . وفي هذه القضية، أي قضية وغليسي ضد الجزائر ، تستخدم اللجنة الصياغة نفسها على النحو التالي: "... بغض النظر عن الأمر رقم 06-01، يتعين على الدولة الطرف أيضاً أن تحرص على عدم إعاقة ممارسة الحق في انتصاف فعال بالنسبة لضحايا الجرائم من قبيل التعذيب والإعدام خارج إطار القانون والاختفاء القسري. والدولة الطرف ملزمة علاوة على ذلك باتخاذ التدابير اللازمة لمنع حدوث انتهاكات مما ثلة في المستقبل ..." (الفقرة 9).

12- و لا  بد أن تتميز طرق تفكير اللجنة وقراراتها بالمزيد من الاتساق؛ وفي ما  يتعلق بالجبر الواجب في قضايا مثل القضية التي بين أيدينا، فإنه يتعين عليها أن تصدر حكمها بوضوح ودون لبس - في الحالة الراهنة من حيث أنه يجب على الدولة الطرف تعديل الأمر رقم 06/01، وإلغاء المواد التي تتعارض في جوهرها مع العهد، لضمان ألاّ تتكرر بالفعل بعض الوقائع التي جرى بحثها في هذا البلاغ.

[حرر بالإسبانية والإنكليزية والفرنسية، علماً بأن النص الإسباني هو النص الأصلي. وسيصدر لاحقاً بالروسية والصينية والعربية كجزء من تقرير اللجنة السنوي إلى الجمعية العامة.]

رأي فردي (موافق) للسيد كريستر ت يلين ، وقّعه أيضاً السيد فالتر كالين والسيد مايكل أوفلاهرتي

1- استنتجت اللجنة بالأغلبية وقوع انتهاك للفقرة 1 من المادة 6، على الرغم من عدم ثبوت وفاة الضحية. ولا أختلف مع هذا الاستنتاج ولكنني أعتقد أن الأسباب المبيّنة في الفقرة 7-4 مقتضبة للغاية.

2- ويستند الاستنتاج الذي توصل إليه أغلب أعضاء اللجنة إلى الاجتهاد الجديد الذي كرسته اللجنة في تشرين الأول/أكتوبر 2011 في آرائها المتعلقة بالبلاغ رقم 1781/2008، في قضية برزيق ضد الجزائر . وك ما  أكدت في الرأي المخالف الذي أرفقته بهذا القرار، ودون الدخول في جدال، فإن اللجنة لم  تأخذ، في هذه القضية، بالآراء السابقة التي كرستها منذ أمد بعيد في قضايا الاختفاء القسري، حيث يتعذر تأويل الوقائع بالجزم بوفاة الضحية، و لاحظت وقوع انتهاك مباشر للفقرة 1 من المادة 6 دون ربطها بالفقرة 3 من المادة 2. وقد أكدت اللجنة النهج السابق المعتمد في آذار/مارس 2011 تحديداً، في قضية تتعلق بالدولة الطرف نفسها وتتضمن وقائع مماثلة ( ) .

3- وفي القضية قيد البحث ، لم  يشاهد أحد الضحية المولود في عام 1958 على قيد الحياة منذ سبعة عشر عاماً. وتذكر صاحبة البلاغ أنه بالنظر إلى الظروف التي أوقف فيها زوجها، فمن المحتمل أن يكون قد توفي وهو قيد الاحتجاز (انظر الفقرة 3-2). وقد اعترفت السلطات الجزائرية نفسها بوفاة الشخص المعني من خلال إصدار "محضر إثبات للاختفاء في إطار الظروف المحيطة بالمأساة الوطنية". وأخيرا ً ، فإن الدولة الطرف لم  تقدم أي دليل لدحض أقوال صاحبة البلاغ، لا  سيما في ما  يتعلق بوفاة الضحية خلال فترة احتجازه.

4- ويترتب على ما  سبق ذكره أن الوقائع تدل على أن الفرضية الأكثر احتمالاً تتمثل في أن الضحية ليس على قيد الحياة. وفي ظل هذه الظروف، فمن المناسب استنتاج وقوع انتهاك مباشر للفقرة 1 من المادة 6، وهو ما  كان على أغلبية أعضاء اللجنة تأكيده، بدلا ً من الاعتماد فقط على التفسير الجديد والواسع النطاق للمادة 6، الذي قدمته اللجنة في قضية برزيق ضد الجزائر ، والذي لم  توضحه بعد.

[حرر بالإسبانية والإنكليزية والفرنسية، علماً بأن النص الإنكليزي هو النص الأصلي. وسيصدر لاحقاً بالروسية والصينية والعربية كجزء من تقرير اللجنة السنوي إلى الجمعية العامة.]