الأمم المتحدة

CAT/C/61/D/654/2015

Distr.:

Arabic

Original:

اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة

Distr.: General

3 October 2017

Arabic

Original: French

لجنة مناهضة التعذيب

قرار اعتمدته اللجنة بموجب المادة 22 من الاتفاقية، بشأن البلاغ رقم 654/2015 * **

ال مقدم من: راشد جعيدان، تمثله الرابطة السويسرية لمكافحة الإفلات من العقاب (Track Impunity Always) والاتحاد الدولي المسيحي للعمل على إلغاء التعذيب - فرع فرنسا (ACAT-France)

نيابةً عن : صاحب البلاغ

الدولة الطرف: تونس

تاريخ تقديم ال م ط ا لب ة : 7 كانون الثاني/يناير 2015 (تاريخ الرسالة الأولى)

تاريخ هذا القرار: 11 آب/أغسطس 2017

الموضوع: أفعال تعذيب وسوء معاملة على يد سلطات تابعة للدولة

المسائل الإجرائية: لا يوجد

المسائل الموضوعية: التعذيب؛ العقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ إجراءات أريدَ بها منع ارتكاب أفعال تعذيب؛ المراقبة الصارمة فيما يتعلق بالحراسة وبمعاملة الأشخاص المحتجزين؛ واجب الدولة أن تحرص على شروع السلطات المختصة في تحقيق نزيه على الفور؛ الحق في تقديم شكوى؛ الحق في الحصول على الجبر؛ حظر استخدام المعلومات المنتزعة تحت التعذيب في أي إجراء قضائي

مواد الاتفاقية: المواد 1 و2 و11 إلى 16

1-1 صاحب البلاغ هو راشد جعيدان، مواطن تونسي مولود في 25 آذار/مارس 1963 في تونس العاصمة. وهو يدعي أنه ضحية خرق تونس للمواد 1 و2 و11 إلى 16 من الاتفاقية. ولديه من يمثّله. وقد دخلت الاتفاقية حيز النفاذ بالنسبة لتونس في 23 تشرين الأول/أكتوبر 1988.

1-2 وفي 27 كانون الثاني/يناير 2015، طلبت اللجنة، طبقاً للفقرة 1 من المادة 114 من نظامها الداخلي، إلى الدولة الطرف أن تمنع بكفاءة، ما دامت القضية قيد النظر، أي تهديد أو عمل عنف قد يتعرض له صاحب البلاغ وأسرته، لا سيما بسبب تقديمه هذا البلاغ، كما طلبت إليها أن تبقي اللجنة على علم بالتدابير المتخذة لهذا الغرض.

الوقائع كما عرض ها صاحب البلاغ

2-1 صاحب البلاغ هو أستاذ رياضيات في إعدادية وثانوية حي الخضراء في تونس العاصمة. وفي عام 1993، بينما كان صاحب البلاغ أستاذاً جامعياً في فرنسا، زار تونس ليحضر حفل زفاف أخته. وفي 29 تموز/يوليه 1993، في حوالي الساعة الثانية صباحاً، بينما كان يوجد في محل إقامة خالته أو عمته حيث كان يمضي تلك الفترة، دخل إلى محل إقامته نحو 15 عوناً من أعوان أمن الدولة، بزي مدني، بعد منتصف الليل، دون أمر بالتوقيف، وأوقفوه على مرأى ومسمع من أسرته. وقام أعوان الأمن كذلك بتفتيش غرفة صاحب البلاغ وصادروا جواز سفره ومعه مبلغ ألفي دينار كان ينوي تقديمها هدية زواج لأخته. وإذ كان يُشتبه في تحضير صاحب البلاغ انقلاباً على التجمع الدستوري الديمقراطي، وهو الحزب الحاكم في تلك الفترة، اقتيد مصفَّد اليدين إلى وزارة الداخلية حيثُ استُنطق بشأن ذلك الانقلاب المزعوم، وبشأن علاقاته المدعاة مع صالح كركر، وهو قيادي في حزب النهضة منفي في فرنسا.

الوضع تحت الحراسة والاستنطاق وأفعال التعذيب

2-2 ما إن وصل صاحب البلاغ إلى مقر وزارة الداخلية حتى استصحبه إلى الطابق الرابع مرافقون ودخلوا به إلى مكتب فخم ذي أبواب منجَّدة. وكان أ. س.، وبصحبته أحد الأعوان، جالساً خلف المكتب، وقدم نفسه على أنه مدير الأمن الوطني دون أن يذكر اسمه، ثم سأل صاحبَ البلاغ "عن مكان القنابل". وأجاب هذا الأخير قائلاً إن لا علم له إطلاقاً بأي مكان أخفيت فيه قنابل، وإنه ما جاء إلّا ليحضر حفل زفاف أخته. واستمر تبادل الحوار دقيقتين، ثم هدد أ. س. بالذهاب ليجلب أخته. عندها شتمه راشد جعيدان، فأومأ مدير الأمن الوطني برأسه لأحد الأعوان الذي اصطحب صاحب البلاغ إلى غرفة أخرى حيث كان يوجد محمد قصي الجعايبي، الذي قُدم إلى رشيد جعيدان بصفته أحد شركائه المزعومين. وكان محمد قصي الجعايبي ممدداً على الأرضية، وكانت ثيابه ممزقة، وكان دامي الوجه متورِّمَهُ، وكانت رجلاه حافيتين، وكان يظهر على رجله اليمنى كسر ودم في مكان الكسر وعلى يديه كدمات ( ) . وكان في الغرفة نحو ستة أعوان. وأمر هؤلاء محمد قصي الجعايبي بأن يقول إن مهمة راشد جعيدان تتلخص في ربط الصلة بينه وبين صالح كركر، أحد الناشطين في حركة النهضة الإسلامية الذي كان منفياً في فرنسا آنذاك. وبعد ذلك، اقتاد نحو 12 عوناً راشد جعيدان إلى غرفة أخرى في نفس الطابق.

2-3 ويؤكد صاحب البلاغ أن فرق أعوان الوزارة قد تناوبت آنذاك لممارسة أفعال تعذيب عليه على مدى 17 ساعة متتالية. وكان الأعوان يطرحون عليه الأسئلة مع تهديده بالتعذيب والموت. وتلقى راشد جعيدان أول صفعة على قفاه. فاستدار وبصق على العون. وانتقاماً منه، أشبعه جميع الأعوان الحاضرين لكماً وضربوه بالعصي على مدى دقائق عديدة. ثم أخذوه إلى غرفة أخرى مجهزة بكرسي ومكتبين متباعدين كانت مسنودة إليهما عصا من خشب. وأمره الأعوان بخلع ملابسه. ولأنه رفض، جردوه منها بالقوة إلا من تبَّانه. وكالوا له الصفعات والضربات بالعصي وصدموه بالكهرباء على بطنه. ثم علقوه إلى العصا وربطوه من كاحليه ومعصميه بقطع من قماش. ثم ضربوه وهو في تلك الوضعية لمدة نحو 30 دقيقة وكان يضربه المدعو بلقاسم، المكنّى "بوكاسا"، الذي سَمع عنه بعد ذلك من محتجزين آخرين كانوا يتعرضون للتعذيب على يديه أيضاً.

2-4 وتمك ّ ن صاحب البلاغ من فك وثاقه وسقط أرضاً. وعاود الأعوان ضرب َ ه، على الأظافر تحديداً (لا يزال أثر ذلك على إبهام يده اليمنى حتى اليوم)؛ وأطف أ وا السجائر على عدة أماكن في جسده ومنها يده وجهازه التناسلي. ثم أدخلوا العصا في شرجه وهم يقولون له : "ها قد أ دخلناها فيك، هل تعتقد أنك رجل؟". وهدده الأعوان كذلك بالإتيان بأخته واغتصابها. و أغمي على راشد جعيدان مر ّ ت ا ن. واستطاعت الضحية أداء الصلاة على الساعة 12 و30 دقيقة في وضعية "الفرخة المشوية"، بعد أن وعد معذ ِّ بيه بأن يعترف بكل شيء. عندها أجلسه بل ق اسم وأتاه ب فنجان قهوة. واستعاد راشد جعيدان السيطرة على نفسه فصفعه. ورد عليه بل ق اسم ثم استؤنف التعذيب. وأتى الأعوان ب طشت حديد ي . وص ُ ف ّ دت يد ا المحتجز وراء ظهره: ودخل عونان، يكن َّ يان قَ ت ْ ل َه وف ِ يل ( ) إلى الغرفة. وغ ُ طس رأس راشد جعيدان في الطشت مرات عدة. وعندما كان يغرق، كان يقف ف ِ يل على بطنه ليجعله ينفث ما ابتلعه من ماء. ثم جعلوا المحتج َ ز يتخذ مرة أخرى وضعية ال فرخة ال مشوية، وضربوه بالأخص على أعضا ئ ه التناسلية. واستمرت حصص التعذيب حتى حوالي الساعة السابعة و40 دقيقة مساءً.

2-5 وفي نهاية اليوم، انتهى الأمر ب أن حرر راشد جعيدان اعترافات التي أ ُ ملي َ ت عليه، وأقر فيها بأنه كان يتدرب على فنون الحرب في كلية Jussieu في باريس، وبأنه على معرفة بمحمد قصي الجع ا يبي، وبأن لدي ه تفا هم اً مع المعارض الإسلامي ص ا لح كركر.

2-6 وفي حوالي الساعة 45/7 مساءً، أ ُ نزل راشد جعيدان إلى الحبس رقم 8، الموجود في قبو الوزارة. وكانت الزنزانة التي تبلغ مساحتها نحو 3 أمتار ونصف مضروبة في 4 أمتار مجهزة بتخت وثقب في الأرضية يشك ّ ل المرحاض. و شارك صاحب َ البلاغ هذه الزنزانة عدة أيام محتجز ٌ آخر. وخلال العشرين يوماً التالية التي قضاها راشد جعيدان تحت الحراسة، استمر في التعرض للضرب لكم اً و ب العصي، وفي التعرض للتهديد حتى يوق ّ ع على أوراق اعترافات جديدة. وكانت ألوان سوء المعاملة أقل شدة من تلك التي تعر ّ ض لها في الساعات الـ 17 الأولى التي قضاها تحت الحراسة. وقال أحد الأعوان لراشد جعيدان إن سوء المعاملة قد خفّ بعد اليوم الأول بفضل الطبيب. و قد أغمي على المحتجز عدة مرات في اليوم الذي تل ا توقيفه ولا يتذكر أنه رأى طبيباً.

2-7 وتوق ّ فت أفعال التعذيب في اليوم ال عشرين بعد أن و ُ ضع راشد جعيدان تحت الحراسة دون أن يعرف لماذا. وفي اليوم الثلاثين ، جاء إلى الحبس في وزارة الداخلية عون ٌ من الأعوان يعمل في ال است خب ا رات العامة، وهو أحد رفاق طفولة راشد جعيدان، مصطحِباً محتجز اً جديد اً . فعرف راشد جعيدان وجاء إليه ليتحدث معه. وطلب أن ي ُع ر ض راشد ُ جعيدان على طبيب لكن العون الممر ض ، المكن َّ ى "صابروميسين"، اكتفى بإعطائه بعض مسكنات الألم وبوضع محلول بيتادين على جراحه ل ت نظ ي ف ها . وبقي راشد جعيدان رهن الاحتجاز في وزارة الداخلية من 30 تموز/يوليه إلى 4 أيلول/سبتمبر 1993، وهو التاريخ الذي ع ُ رض فيه على قاضي تحقيق ٍ للمرة الأولى. ف قد أمضى 37 يوماً رهن الاحتجاز تعسفاً. وأُبقي رهن الحراسة مدةً تتجاوز بكثير المدة القانونية المسموح بها. فقانون الإجراءات الجنائية الساري في ذلك الوقت كان بالفعل يحد مدة الوضع تحت الحراسة في أربعة أيام، قابلة للتجديد مرة واحدة وللتمديد يومين إضافيين في ظروف استثنائية، أي 10 أيام كحد أقصى. وعلاوة على ذلك، لم تعلم أسرته ب ال مكان الذي و ُ ضع فيه تحت الحراسة في وزارة الداخلية، مما يشك ّ ل انتهاكاً لقانون الإجراءات الجنائية، وهكذا، ظل محتجزاً في السر لدى الوزارة التي ليست مركز احتجاز رسمي.

المحاكمة

2-8 في 4 أيلول/سبتمبر 1993، بعد أن أمضى راشد جعيدان 37 يوماً رهن الحراسة في وزارة الداخلية، اقتيد إلى المحكمة الابتدائية في أريان ة ، برفقة من كان محتجزاً معه. وفي السجن التابع للمحكمة، وجد الاثنان شخصاً آخر ممن يدعى أنهم شركاؤهما، والذي تعرض بدوره للتعذيب في وزارة الداخلية تحت إشراف نفس الأعوان ( ) . وقُدم المحتجزون ل أول قاضي تحقيق ٍ ، هو مصطفى ال مب زّ ع ، الذي صُدم عندما رأى حالتهم ورفض إسناد القضية إليه بسبب عدم توفر أدلة، حسب قوله. وفي نفس اليوم ، وُضع المحتجزون الثلاثة رهن ال حبس الاحتياطي في سجن 9 أبريل. وكانت آثار التعذيب لا تزال ظاهرة على راشد جعيدان لدى وصوله إلى السجن.

2-9 ودعماً لملف وضع راشد جعيدان تحت الحراسة، أُخذ هذا الأخير مجدداً إلى وزارة الداخلية في 20 أيلول/سبتمبر 1993 كي يستنطق َ ه عونان. ووق ّ ع على محضر استجواب تحت التهديد بالتعرض لأ فع ال تعذيب جديدة ( ) . وبعد مرور بضعة أيام، أعيد هو والمتهمان معه إلى المحكمة لي ُ عرضوا على قاضي ال تحقيق ال ثالث الواحد تلو الآخر. وكانت لا تزال ظاهرةً على راشد جعيدان في ذلك الحين آث ار ال تعذيب و منها على وجه الخصوص أمار ة حرق بس ي جار ة على يده اليسرى و انتزاع ظفر إبهام يده اليمنى. وكان يعر ُ ج وينزف من شرجه بسبب اغتصاب ه أثناء وجوده تحت الحراسة. وقال القاضي بن عيسى، الذي تصادف أنه على صلة قرابة بعيدة براشد جعيدان، لهذا الأخير إنه لا يمكنه أن يبل ّ غ عن تعرضه ل لتعذيب خشي ة أن يجد نفسه محله في السجن.

الإدانة

2-10 في 30 أيار/مايو 1996، و بعد أن أمضى راشد جعيدان ثلاث سنوات في الحبس الاحتياطي، حكمت المحكمة الجنائية بتونس العاصمة ابتدائياً عليه وعلى 11 متهماً معه بالسجن 26 سنة على محاولة انقلاب كان الهدف منها تغيير شكل الحكم ( ال فصل 72 من ال مجلة الج ز ائي ة) وتكوين عصابة إجرامية (المادتان 131 و132). وأوخذوا على التحضير لانقلاب على مؤتمر التجمع الدستوري الديمقراطي - الحزب الحاكم -، و ل هجمات على فنادق وعلى كنيس يهود ي في جربة، إلى جانب التخطيط لاختطاف ابنة وزير الداخلية وابنة بن علي. و انتهت المحاكمة التي كانت سريعة واستغرقت 45 دقيقة بإدانتهم جميعاً ، بالاستناد إ لى اعترافات انت ُ زعت تحت التعذيب. ولأن القانون التونسي لم يُجِز الاستئناف في القضايا الجنائية إلا ابتداءً من عام 2000، فإن المحكوم عليهم قد ّ موا طعناً بالنق ض . لكن طلبهم رُفض في الشهر التالي.

ظروف الاحتجاز أثناء قضاء العقوبة

2-11 احتُجز راشد جعيدان على التوالي في السجون التالية: سجن 9 أبريل من عام 1993 إلى نهاية عام 1997؛ سجن الناضور من عام 1997 إلى عام 1998؛ سجن برج الرومي من عام 1998 إلى عام 1999؛ سجن المهدية من عام 1999 إلى عام 2001؛ سجن منستير من عام 2001 إلى عام 2002؛ سجن ق ابس من عام 2002 إلى عام 2003؛ سجن برج الرومي من عام 2003 إلى عام 2006. ولم ي ُسمح له ب تلقي زيارات أسر ته في السجن إلا ابتداءً من كانون الأول/ديسمبر 1993. ووُضع رهن الحبس الانفرادي مرات عديدة أثناء احتجازه، ولفترات طويلة جداً أحياناً. ففي سجن 9 أبريل، حيث كان رهن الحبس الاحتياطي بعد وضعه تحت الحراسة في وزارة الداخلية، وُضع في زنزانة تحت الأرض مرات عديدة عقاباً ل ه على المطالبة بحقوقه، وذلك لفترات كانت تتراوح بي ن 10 أيام و 45 يوماً. وكان يوضع في زنزانة لا تتعدى مساحتها ثلاثة أمتار في ثلاثة ، لوحده أحياناً ومع محتجزين آخرين أحياناً أخرى . ولم يكن في الزنزانة سرير ولا غطاء، وإنما حفرة في الأرض فقط كمرحاض. ولم يكن يحصل المعتقلون إلا على كسرة خبز يومياً ولم ت كن ت تاح لهم إمكانية الاستحمام أو النزهة. وعندما كان راشد جعيدان لوحده، فإنه كان في معظم الأحيان ي قي َّ د إلى الحائط بسلاسل، من الساق الأيسر والمعصم الأيمن. وفي الثلاثين شهراً الأخيرة من مدة اعتقاله في سجن 9 أبريل، وُضع في الحبس الانفرادي، وكان لوحده في غرفة مساحتها ثلاثة أمتار في مترين ونصف. ولم يكن يُسمح له ب الخروج، بمفرده ، سوى مرتين في اليوم، لمدة خمس إلى عشر دقائق في كل مرة. وهكذا، فإن راشد جعيدان يكون قد قضى نحو أربع سنوات في الحبس الانفرادي في الجناح هاء من سجن 9 أبريل ما بين المرات العديدة التي وُضع فيها في زنزانة تحت الأرض و مدة الثلاثين شهراً التي قضاها في الحبس الانفرادي. وكثيراً ما كان يسمع صرخات السجناء وهم يعذ َّ بون أو و َ ه ُ م مقيدون بسلاسل إلى الشباك الحديدي على أ ب و اب غرفهم. واستطاع التواصل َ عبر الباب مع العديد من ال معتقلين ال إسلاميين ال آخرين الذين كانوا رهن الحبس الانفرادي كذلك.

2-12 وعندما لم يكن راشد جعيدان في الحبس الانفرادي و لا في الزنزانة تحت الأرض ، كان يوضع بالتتالي في عدة غرف مكتظة بالسجناء ينام فيها معظم ُ المعتقلين أرضاً أو بين الأسرَّة، بل حتى تحت الأسرَّة. وكانت إحدى هذه الغرف، التي كانت الأكثر اكتظاظاً وتسمى "الكر َ اكة" وتوجد في الجناح زاي، ت ؤوي نحو 400 معتقل يتناوبون على استخدام مرحاضين فقط وكان راشد جعيدان، مثل باقي سجناء الرأي، يُحر َ م في كثير من الأحيان من الاستحمام الأسبوعي.

2-13 وإلى جانب ظروف الاحتجاز المزرية، تعرض راشد جعيدان للتعذيب عدة مرات أثناء احتجازه في سجن 9 أبريل. ف قد كانت تسبق كل مرة أ ود ِ ع فيها زنزانة ً تحت الأرض حصة ُ تعذيب يقوم فيها الحراس بضربه على جميع أنحاء جسده بعصي أو أنابيب من البلاس ت يك ويركلونه ركلاً. وفي كل مرة، كانوا يطرحونه أرضاً ويربطون معصميه وكاحليه ويضربونه على أخمص قدميه بعصى أو بأنبوب من البلاستيك قبل إيداعه زنزانة ً تحت الأرض. و أُغمي عليه خلال اثنتين من تلك الحصص. واستيقظ وبجانبه طبيب السجن، الم كنَّ ى "الص ِّ ربي"، الذي كان يتأكد من أنه لم يص َ ب بكسور، ولكنه لم يعالجه أبداً. و استمرت وتيرة تعر ي ض راشد جعيدان لألوان التعذيب وإيداعه زنزانة ً تحت الأرض بنفس الشدة طيلة شهور.

2-14 وفي نهاية عام 1994، اعتدى على راشد جعيدان أحد ُ مديري أجنحة السجن. فسب هذا الأخير المحتجز الذي سب ّه بدوره . وانتقاماً منه، عر ّ ى الحارس السجين وصف ّ د معصميه إلى باب إحدى زنزانات الحبس الانفرادي ثم ضربه بعص ا من خشب على جميع أنحاء جسده لمدة ناهزت الساعة، ثم أودعه زنزانة ً تحت الأرض مساحتها ثلاثة أمتار في ثلاثة، لا توجد بها نافذة، حيث كان يوجد 17 شخصاً قبل َ ه. ولمدة عشرة أيام، تناوب أولئك المحتجزون على النوم، دون أن يوف َّ ر لهم سرير ولا غطاء. وكانوا ي ُ حرمون من الاستحمام والنزهة ولا يحق لهم الحصول سوى على كسرة خبز واحدة في اليوم. ولم يُخر َ ج راشد جعيدان من الزنزانة تحت الأرض إلا بعد مرور ثلاثين يوماً.

2-15 واعتُدي على صاحب البلاغ مرة أخرى في عام 1996 عقاباً له على كتابة رسالة وجهها إلى بن علي. فربطه أربعة من الأعوان في وضعية الفرخة المشوية وضربوه على كل أنحاء جسده بما في ذلك أعضاؤه الجنسية وأخمص قدمي ه (عقوبة الفلقة). وقد تسب ّ بت الضربات التي تلق ّ اها في آثار منها على وجه الخصوص مشكلة في العين الي من ى لم يتمكن من الخضوع للجراحة بسببها إلا بعد مرور خمس سنوات، وكسر في الذراع الأيمن وفي الأنف لم يتلق عليهما علاجاً فورياً. وصن َ ع له أحد رفقاء السجن جبيرة بواسطة معجون أسنان ولباب الخبز لتخفيف الألم الناجم عن كسر ذراعه.

2-16 ولم ير راشد جعيدان طبيب السجن إلا أثناء فترات إضرابه عن الطعام. فكان الطبيب يزوره لثنيه عن الاستمرار في إضرابه. ونُقل إلى المستشفى عدة مرات أثناء احت ج ازه: في عام 1996 بسبب إصابته بأزمة قلبية، وفي عام 1997 بسبب إضرابه عن الطعام، ثم مرتين في عام 2001 لكي يخضع لعملية على عين ه التي عطبتها أفعال التعذيب.

2-17 أما في السجون الأخرى التي احت ُ جز فيها بعد ذلك، فقد وُضع راشد جعيدان مرة واحدة في الحبس الانفرادي لمدة خمسة شهور في سجن الناضور، ومرات عديدة في زنزانة تحت الأرض . وكما كانت الحال في سجن 9 أبريل، لم يكن يوف َّ ر له سرير ولا غطاء طيلة الفترات التي قضاها في الزنزانة تحت الأرض ، ولم يكن يأكل سوى كسرة خبز في اليوم ، وكان ي ُ حرم من الاستحمام ومن النزهة. ولم تكن في الزنازين تحت الأرض نوافذ ما عدا في زنزانة سجن المهدية. ولأنه أمضى عدة فترات تتراوح بين سبعة أيام و15 يوماً، فإنه قضى ما مجموعه أسبوعاً في الزنزانة تحت الأرض في سجن الناضور، ونحو 40 يوماً في سجن برج الرومي ، و20 يوماً في سجن المهدية، و15 يوماً في سجن منستير، و10 أيام في سجن ق ابس. وأثناء فترة سجنه الأولى في سجن برج الرومي ، سبق ت إحدى المرات التي أودع فيها زنزانة ً تحت الأرض حصة ُ تعذيب من نفس نوع ما تعرض له قبل أن يودع زنزانة ً تحت الأرض في سجن 9 أبريل.

إطلاق السراح وآثار التعذيب

2-18 أُطلقَ سراح راشد جعيدان في شباط/فبراير 2006، بعد أن قضى 13 سنة في السجون التونسية تعرض فيها للتعذيب وسوء المعاملة. وهو لا يزال يعاني حتى اليوم من الآثار الخطيرة الجسدية والنفسية التي نجمت عن أفعال التعذيب التي تعرض لها والتي أدت إلى إصابته بعجز نسبته 35 في المائة. ومن بين آثار التعذيب الأخرى، يعاني راشداً جعيدان تحديداً من انهيار العين اليمنى واعوجاج هرم الأنف وطنين في الأذنين وحالات دوار ناجمة عن وضعية الجسم وكسور متعددة في الأسنان كما يعاني من ازدياد خطورة حالة الفتق لديه ومن القيلة الدوالية، ومن العصاب الرضحي (توجد رفقته شهادة خبرة طبية). وقد حُرم راشد جعيدان من الخلَف بسبب العديد من هذه الأمراض.

الإجراءات المتخذة للحصول على العدالة

2-19 في 3 حزيران/يونيه 2011، تقدم راشد جعيدان بشكوى عن تعرضه للتعذيب على يد العديد من أعوان وزارة الداخلية وإدارة السجون، وعلى القاضي الذي حكم عليه ابتدائياً. وأمر قاضي التحقيق لدى المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة الذي أُسنِد إليه ملف القضية بإجراء خبرة طبية، أُنجزت في 4 تشرين الأول/أكتوبر 2011. وقيّم الطبيب الشرعي نسبة العجز الجزئي الدائم الناجم عن ألوان التعذيب التي تعرَّض لها في حدود 35 في المائة.

2-20 ويؤكد صاحب البلاغ أن قاضي التحقيق لم يتقيد في إجراء التحقيق بالأصول الواجبة مراعاتها، فهو لم يسع إلى معرفة هوية جميع من ارتكب أفعال التعذيب ومن يمكن أن يكون شاهداً عليها، كما لم يحاول التحقق، بالاستناد تحديداً إلى محفوظات وزارة الداخلية، من الدور الحقيقي الذي أدّاه كل شخص في إطار مهامه ومن صلاحياته داخل وزارة الداخلية وإدارة الأمن في ذلك الحين. وعلاوة على ذلك، فضّل القاضي إحالة القضية إلى الدائرة الجناحية في المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، وليس إلى دائرة الجنايات. ولأن جريمة التعذيب لم تكن مذكورة في المجلة الجزائية وقت ارتكاب الأفعال موضوع الشكوى، فإن قاضي التحقيق اختار متابعة الأشخاص المتهمين بالأفعال التي ارتُكبت في حق راشد جعيدان على جنحة الاعتداء البسيطة بالاستناد إلى الفصل 101 من المجلة الجزائية.

2-21 وبدأت المحاكمة أمام الدائرة الجناحية في المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة في نيسان/ أبريل 2012. وعلى الرغم من طلبات محامي الضحية، رفضت المحكمة التخلي عن النظر في القضية بإعادة توصيف المخالفة القانونية على أنها جريمة، وهو أمر كان بإمكانها أن تفعله. وبالإضافة إلى ذلك، أُجلت المحاكمة مراراً بعد الشروع فيها، إما بطلب من الدفاع الذي حاول بهذه الطريقة كسب الوقت، وإما بسبب غياب أحد المتهمين عن الجلسة، لسبب يتعلق بمرض أو لمجرد رفضه بكل بساطة الحضور إلى المحكمة. وقُبلت جميع طلبات تأجيل الجلسة. وبالإضافة إلى ذلك، اتصل بصاحب البلاغ مرات عدة أقرباءُ للمتهمين حاولوا إرجاعه عن الاتهامات التي كالَها. ومنذ فترة أقرب، بدأ يتلقى مكالمات هاتفية مجهولة تهدده بإعادته إلى السجن.

استنتاجات تتعلق بشرط استنفاد سبل الانتصاف المتاحة محلياً

22- يستنتج صاحب البلاغ أنه حاول استخدام سبل الطعن المحلية المتاحة، والتي أثبتت عدم فعاليتها وجدواها ( ) ، حيث لم يتم إجراء أي تحقيق فعال في أفعال التعذيب التي تعرض لها. وهو يذكّر بأنه أبلغ، مراراً، عن ألوان التعذيب أثناء وجوده تحت الحراسة. وكان ذلك أول الأمر لدى قاضي التحقيق الأول الذي عُرض عليه في 4 أيلول/سبتمبر 1993، بعد أن أمضى 37 يوماً رهن الاحتجاز التعسفي وتحت التعذيب في وزارة الداخلية. ورفض القاضي تكليفه بالقضية بسبب الحالة المؤلمة التي كان يوجد فيها المتهمون وبسبب ضعف الأدلة المدرجة في ملف القضية ضدهم. ثم بلّغ راشد جعيدان مجدداً عن تعرضه للتعذيب أثناء عرضه على قاضي التحقيق الثاني، في نهاية أيلول/سبتمبر 1993، ولكن أقواله قوبلت بالتجاهل. وأثناء المقابلتين مع هذين القاضيين من قضاة التحقيق، كانت آثار التعذيب باديةً على راشد جعيدان. ورغم الادعاءات وآثار التعذيب الواضحة، لم يبلغ القاضيان عن الجريمة. ولم يستطع راشد جعيدان أن يذكي جذوة الأمل في نفسه بالانتصاف على ما تعرض له من ألوان التعذيب إلا بعد أن قامت الثورة في تونس. فتقدم بشكوى في 3 حزيران/يونيه 2011 لدى المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة وحصل في نهاية المطاف على أمر بفتح تحقيق أُغلق في 16 شباط/فبراير 2012. ومع ذلك، لم يُجر قاضي التحقيق الثالث لدى المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، الذي كُلف بالقضية، تحقيقاً على نحو يراعي الأصول الواجبة، مثلما سبق الذكر. ومن الواضح أن موقف السلطات التونسية السلبي من القضية وتوانيها الواضح في معالجتها يقفان عقبة في وجه الضحية.

2-23 ويضيف صاحب البلاغ أن المناخ العام في تونس الذي يسود فيه الإفلات من العقاب حتى اليوم على الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، لا سيما على أفعال التعذيب، يستلزم ضمناً الخلوص إلى أنه يكاد يكون من غير المرجح كسب القضية أمام السلطات الوطنية. فحالات الاختلال التي يعانيها النظام القضائي تؤثر بشكل يثير القلق على قمع الجرائم الخطيرة ولا سيما أفعال التعذيب. وفي ضوء ما أسفرت عنه جميع الإجراءات التي اتخذها راشد جعيدان للحصول على العدالة، يطلب هذا الأخير إلى اللجنة أن تثبت أنه حاول استخدام سبل الانتصاف المحلية المتاحة والتي ثبت بشكل موضوعي أنها غير كفؤة، وأنها منحازة وغير مجدية، وأنها تجاوزت الآجال الزمنية المعقولة ( ) . فبعد مرور أكثر من 21 عاماً على حدوث الوقائع، لم ي ُ نظر حتى اليوم في القضية قصد ملاحقة من يُد ّ عى ارتكابهم تلك الأفعال ومعاقبتهم عليها . وبالاستناد إلى قرارات صدرت عن اللجنة في السابق، يُعتبر ذلك الأجل مفرطاً بشكل واضح. وبناءً عليه، فإن استغراق فتح تحقيق في ادعاءات بالتعرض لل تعذيب مدة تزيد على 18 عاماً و على 35 شهراً منذ البدء في المحاكمة، دون النظر بشكل فعال في القضية ودون أن يؤدي ذلك إلى ملاحقة جميع مرتكبي أفعال التعذيب ومعاقبتهم وت وفير الجبر للضحية، هما أجلان غير معقولين يبرران عدم استنفاد سبل الانتصاف المحلية.

موضوع الشكوى

3-1 يد ّ عي صاحب البلاغ أن ا لمواد 1 و 2(1) و 4 و 11 و 12 و 13 و 14 و 15 و 16 ، قد انتُهكت.

توصيف التعذيب (المادة 1)

3-2 ي قول صاحب البلاغ إن الأفعال التي تعر ّ ض لها هي أفعال تعذيب بالمعنى المقصود في المادة الأولى من الاتفاقية. فراشد جعيدان قد تعر ّ ض بما لا جدال فيه لألوان من التعذيب شديدة الخطورة أدت إلى آلام حادة، و قد أُخضع لشتى ألوان التعذيب في مقرّ وزارة الداخلية كما في السجون التي قضى فيها 13 سنة (انظر الفقرات 2-3 وما يليها لمعرفة الفترة التي قضاها تحت الحراسة، والفقرات 2-13 وما يليها المتعلقة بألوان التعذيب التي تعر ّ ض لها أثناء الاحتجاز بعد الحكم عليه). وهو لا يزال يعاني حتى هذا اليوم من آثار جسدية ونفسية خطيرة نجمت عن أفعال التعذيب التي تعر ّ ض لها.

3-3 و قد كانت واضح ة نيةُ معذ ِّ بي راشد جعيدان إخضاع َ ه لآلام حادة. فس ِ مة التنسيق الطاغية على ألوان التعذيب التي أ نزل ها ب ه هؤلاء الأشخاص تكشف بما لا يدع مجالاً لل ُّ بس عن ف ِ عل ٍ مع سبق الإصرار والترصد من ق ِ بل المعذبين، وذلك بغرض الحصول على اعترافات. أما ألوان التعذيب التي مورست عل ى راشد جعيدان في السجن فكان الغرض منها معاقب ته على ال مطالب ة بحقوقه. ولا شك في أن أفعال التعذيب قد أ نزل ها ب ه أعوان ٌ تابعون للدولة (أمن الدولة - مصلحة تابعة لوزارة الداخلية - بمشاركة وزارة الداخلية آنذاك ومدير الأمن الوطني التابع لنفس الوزارة). وحسب صاحب البلاغ، فإن قاضي َ ي التحقيق أيضاً شر ي كان في جريمة التعذيب لأنهما رأ َ يا الضحية في الشهر الذي تلا وضعه تحت الحراسة ولكنهما امتنعا عن التبليغ عن الوقائع. أمّا فيما يتعلق بألوان التعذيب التي تعرّض لها في السجن، ف قد ارتكب ها أعوان وأ ُ طر في إدارة السجون كان من المرجح أنهم ي تصرفون بموافقة مدير ي السجون ونو ّ ابه م .

3-4 ويضيف صاحب البلاغ أنه احتُجز سراً لمدة 37 يوماً في مقر وزارة الداخلية في عام 1993، وهو أمر يُشكل بدوره انتهاكاً للمادة الأولى من الاتفاقية ( ) . ولم تُحط أُسرته علماً بمكان وضعه تحت الحراسة ولا بمكان احتجازه. فوزارة الداخلية لم تكن بالطبع مكان احتجاز رسمي، وهي ليست كذلك حتى يومنا هذا.

3-5 وتعرّض صاحب البلاغ لظروف احتجاز تشكّل تعذيباً، وفق الوصف الوارد في الفقرات 2-11 وما يليها أعلاه ( ) .

التدابير الفعالة لمنع أفعال التعذيب (المادة 2، الفقرة 1)

3-6 يقول صاحب البلاغ إنه لم يتم توفير عدد من الضمانات الإجرائية التي يجب أن تُحيط بكل حالة حرمان من الحرية. فقد بقي محتجزاً في السر لدى وزارة الداخلية من 30 تموز/يوليه إلى 4 أيلول/سبتمبر 1993، وهو التاريخ الذي مثل فيه أول مرة أمام قاضي تحقيق، أي أن احتجازه سراً استمر 37 يوماً. وهكذا، تكون المدة التي قضاها تحت الحراسة قد استمرت مدة أطول بكثير من المدة القصوى التي يُجيزها القانون في تلك الفترة. وزيادة على ذلك، وفي انتهاك لقانون الإجراءات الجنائية، لم تُحط أُسرته علماً بأنه موجود قيد الحراسة لدى وزارة الداخلية ولم يُتح له أن يُعرَض بطبيب. وعلاوة على ذلك، لم يستفد من مساعدة محامٍ لأن القانون التونسي لا يكفل ذلك الحق لمن يوضعون تحت الحراسة. وهكذا، ظل راشد جعيدان محتجزاً تعسفاً في مقر الوزارة. وبعد أن عُرض على أول قاضي تحقيق في 4 أيلول/سبتمبر 1993، ثم أمام إدارة السجون في سجن 9 نيسان/أبريل في اليوم نفسه، وكانت تظهر عليه آثار تعذيبٍ، أُعيد إلى وزارة الداخلية في 20 أيلول/سبتمبر لجعله يوقّع على محاضر تحت التهديد بإخضاعه للتعذيب. واستمر احتجازه المؤقت نحو ثلاث سنوات، وهي مدة غير معقولة. وهكذا، فإن السلطات التونسية قد أخلت بالمادة 2 (الفقرة 1) من الاتفاقية مراراً وتكراراً.

3-7 ويضيف صاحب البلاغ قائلاً إن التعذيب وقت حدوث وقائع قضيته لم يكن مُجرّماً في النظام القانوني التونسي، وكان عليه أن ينتظر عام 1999 لكي يُدرَج التعذيب في المجلة الجزائية بصفته جريمة. ويقول كذلك إن تعريف التعذيب غير متطابق مع التعريف الوارد في الاتفاقية. فالفصل 101 مكرراً، بالصيغة التي أُدرج بها في المجلة الجزائية التونسية في عام 1999، قد عُدل بعد الثورة بواسطة المرسوم - القانون رقم 106 المؤرخ 22 تشرين الأول/أكتوبر 2011، بزعم تشديد قمع ظاهرة التعذيب. وكانت نتيجة ذلك إدراج تعريف للتعذيب أكثر بعداً عن التعريف الدولي الوارد في اتفاقية مناهضة التعذيب من سابقه ( ) . حيث ينبغي نظرياً ألّا يُعاقَب على أفعال التعذيب التي ارتُكبت قبل إدراج الفصل 101 مكرراً في المجلة الجزائية لعام 1999 بالاستناد إلى هذا الأساس، بموجب مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي . إلّا أن الفصل 148-9 من الدستور الجديد ينص، بالنسبة للجرائم الخاضعة لآلية العدالة الانتقالية، ومن جملتها التعذيب، على عدم قبول " الدفع بعدم رجعية القواني ن أو بوجود عفو سابق أو ب ح جية اتصال القضاء أو بسقوط ا ل جر يم ة أو العقاب ب مرور الزمن " .

٣-٨ يفيد صاحب البلاغ بأنه كان ينبغي للقاضي أن يصف هذه الأفعال بأنها انتهاك للفصلين 250 و251 من المجلة الجزائية بناء على الاحتجاز التعسفي لصاحب البلاغ. وينص الفصل 250 على أن "يعاقَب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية قدرها عشرون ألف دينار كل من قبض على شخص أو أوقفه أو سجنه أو حجزه دون إذن قانوني " . وينص الفصل 251 على الظروف المشددة التالية: "يكون العقاب بالسجن مدة عشرين عام اً وبخطية قدرها عشرون ألف دينار:‌ أ) إذا صاحب القبض أو الإيقاف أو السجن أو الحجز عنف أو تهديد، [ ... ] ويكون العقاب بالسجن بقية العمر إذا تجاوز القبض أو الإيقاف أو السجن أو الحجز الشهر وكذلك إذا نتج عنه سقوط بدني أو انجرّ عنه مرض أو إذا كان القصد من هذه العملية تهيئة أو تسهيل ارتكاب جناية أو جنحة وكذلك إذا عمل على تهريب أو ضمان عدم عقاب المعتدين أو مشاركيهم في الجناية أو الجنحة وكذلك لغاية تنفيذ أمر أو شرط أو النيل من سلامة الضحية أو الضحايا بدني اً" . ويفيد صاحب البلاغ بأن هذه التوصيفات القانونية أكثر تقيداً بالمادة ٤ من الاتفاقية. ولأن الأفعال وُصّفت بأنها "جُنح"، فإنه قد يُحكم على المدعى عليهم بالحبس لمدة أقصاها خمس سنوات، وهي عقوبة تبدو خفيفة جد اً مقارنة بخطورة الأفعال.

الرقابة المنهجية على الالتزام بقواعد الاستجواب (المادة ١١)

٣-٩ يفيد صاحب البلاغ بأن حالته الصحية الحرجة في أعقاب استجوابه دليل واضح على أن السلطات التونسية لم تمارس الرقابة الضرورية على طريقة معاملته. وعلاوة على ذلك، ارتُكبت مخالفات إجرائية عديدة منها: سَجن صاحب الشكوى سراً داخل وزارة الداخلية لمدة ٣٧ يوم اً؛ وتجاوز مدة الاحتجاز القصوى لدى الشرطة ؛ وعدم إبلاغ أسرته بوضعه؛ وحرمانه من الرعاية الطبية؛ وعدم استفادته من المساعدة القانونية، حيث إن القانون التونسي لا يكفل هذا الحق للأشخاص رهن الحراسة لدى الشرطة؛ واحتجازه في أحد أماكن سلب الحرية غير المعترف بها.

٣-١٠ وعلاوة على ذلك، حُرم صاحب الشكوى مرار اً طيلة فترة حبسه، الذي استمر ثلاث عشرة سنة، من حقه في تلقي زيارات من أسرته. ولقد احتُجز في ٤ أيلول/سبتمبر ١٩٩٣ لكنه لم يتلق أول زيارة من أسرته سوى في كانون الأول/ديسمبر من تلك السنة. ثم بعد ذلك، كان يُحرم من حق الزيارات كلّما أودع زنزانةً تحت الأرض. ولم يُحترم حقّه في أن يُعرض على طبيبٍ في السجن. واكتفى الأطباء القلائل الذين التقى بهم بالتحقق من عدم إصابته بكسور في أعقاب تعرُّضه للضرب مرتين، وزاروه عدة مرات لإقناعه بوقف إضراباته عن الطعام. ولم يتلقّ راشد جعيدان أي علاج من هؤلاء الأطباء، حتى أنه أُدخل المستشفى مرار اً خلال فترة حبسه، وأحيان اً في حالة صحية حرجة.

إجراء تحقيق سريع ونزيه (المادة 12)

٣-١١ يستشهد صاحب البلاغ أيض اً بالمادة ١٢، مع التشديد على أن السلطات القضائية كانت تعلم بأعمال التعذيب التي خضع لها راشد جعيدان في نهاية فترة احتجازه في ٤ أيلول/ سبتمبر ١٩٩٣حين مثل أمام قاضي التحقيق الأول بعد مرور ٣٧ يوم اً على احتجازه التعسفي وتعذيبه في مقر وزارة الداخلية. وكرّر راشد جعيدان شكاواه عند مثوله أمام قاضي التحقيق الثاني في نهاية أيلول/سبتمبر. وخلال مقابلتيه الاثنتين مع قاضيي التحقيق، كان تظهر عليه أمارات تعذيب واضحة. غير أن القاضيين لم يبلّغا عن الجريمة ولم يأمرا بعرضه على خبير طبي.

٣ -١٢ ولأن صاحب البلاغ قدم شكواه إلى المحكمة الابتدائية بتونس في ٣ حزيران/يونيه ٢٠١١ وأُغلق التحقيق فيها في ١٦ شباط/فبراير ٢٠١٢، لا يمكن اعتبار أن تحقيقاً فورياً قد أُجريَ في هذه الوقائع أو أن هذا التحقيق كان سريع اً ونزيه اً، لأنه مرّ أكثر من ٢١ سنة على تاريخ الإبلاغ عن هذه الوقائع للمرة الأولى دون إجراء تحقيق فعّال مع الجناة المزعومين ودون مقاضاتهم. وكيَّف قاضي التحقيق هذه الوقائع قانوناً باعتبارها جريمةَ عنف بسيطة. وافتُتحت المحاكمة في نيسان/أبريل ٢٠١٢ وأُجّلت جلساتها بالفعل 15 مرة، وهذا دليل على عدم رغبة القضاء في إنصاف صاحب الشكوى.

النظر في ا لادعاءات على وجه السرعة وبنزاهة (المادة ١٣)

٣-١٣ يضيف صاحب البلاغ أنه ينبغي استنتاج حدوث انتهاك للمادة ١٣ من الاتفاقية بناء على الأسباب نفسها المستشهد بها في حالة المادة ١٢.

الحق في الإنصاف (المادة 14)

٣-١٤ فيما يتعلق بالمادة ١٤، يشير صاحب البلاغ إلى عدم احترام عدد من الضمانات الإجرائية المتعلقة باحتجازه. كما أن الدولة التونسية، بحرمانه من إقامة دعوى جنائية على النحو المبين أعلاه، قد حرمته نتيج ة ذلك من السبيل القانوني الأفضل للحصول على تعويض عن الأضرار المادية وغير المادية الناجمة عن جرائم خطيرة مثل التعذيب.

٣-١٥ وفي ١٥ آذار/مارس ٢٠١٢، قدّم راشد جعيدان طلب تعويض إلى وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، التي لم تعد موجودة اليوم، بناءً على شهادة عفو سُلّمت له بعد الثورة بصفته واحد اً من السجناء السياسيين المدانين ظلم اً. ولم يتلق جواباً قط. وعلاوة على ذلك، لم يستفد من أي تدبير إعادة تأهيل، وهو لا ي زال يعاني حتى يومنا هذا من آثار جسدية ونفسية، بسبب عدم تلقيه العلاج المناسب لحالته ( ) .

٣-١٦ وفي كانون الثاني/يناير ٢٠١٣، وُظّف راشد جعيدان كمدرّس للرياضيات في ثانوية حي الخضراء في تونس العاصمة، استناد اً إلى القانون رقم 2012-4 الذي صدر في 22 حزيران/ يونيه ٢٠١٢ وينص على منح السجناء السياسيين السابقين المعفى عنهم أو ورثتِهم الحق في تقديم طلب الحصول على وظيفة عمومية في غضون ستة أشهر. غير أن صاحب البلاغ يشدد على أن توظيفه غير كاف لكي تفي الدولة الطرف بالتزاماتها بموجب المادة ١٤ من الاتفاقية.

عدم الاستشهاد بأي أقوال تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب (المادة ١٥)

٣-١٧ إذ يشير صاحب البلاغ إلى القرارات التي سبق أن أصدرتها اللجنة ، يفيد بأنه احتُجز قبل المحاكمة وحُكم عليه بالسجن لمدة 26 سنة بناء على ما أدلى به من اعترافات ( ) . وعلى الرغم من ادعاءات صاحب البلاغ التعرض للتعذيب، لم تتحقّق السلطات قط من ظروف إعداد المحضر الرسمي ولم تَعتبر اعترافاته لاغية.

المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (المادة 16)

٣-١٨ يتمسك راشد جعيدان تمسك اً صارم اً بالقول إن العنف الذي تعرّض له يشكّل تعذيب اً وفقاً للتعريف الوارد في المادة الأولى من الاتفاقية. بيد أنه في حال اعتبرت اللجنة أن ليس عليها الأخذ بهذا التوصيف، يتمسك صاحب البلاغ احتياطياً بادعائه أن سوء المعاملة التي تعرض لها الضحية تشكّل على أي حال معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة.

طلب تدابير مؤقتة

٣-١٩ إذ يشير صاحب البلاغ إلى الملاحظات الختامية للجنة، يذكّر بأن أقارب المتهمين أمروه منذ تقديمه الشكوى في ٣ حزيران/يونيه ٢٠١١ بسح ب الشكوى أو بالتخلي عن اتهاماته ( ) . وفي تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٤، تلقّى مكالمات مجهولة المصدر تهدده بإعادته إلى السجن. ويبدو من المرجح أن بعض المسؤولين عن أفعال التعذيب ما زالوا يتمتّعون بنفوذ واسع ويملكون وسائل ضغط هامة. ويمكن الإشارة، على وجه الخصوص، إلى المدير السابق لأمن الدولة الذي كان يثير خوف اً كبير اً لدى الناس وحوكم غيابي اً. ولأنه كان محل شبهة في العديد من حالات التعذيب الجاري التحقيق فيها، حُكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات في نهاية إحدى المحاكمات في ١٤ تشرين الثاني/نو فمبر ٢٠١١، لكن أُفرج عنه مؤخراً ( ) . وهو يُعتبر هارب اً، لكن يبدو أنه ما زال موجود اً في تونس ونافذ اً جد اً لدى دوائر الشرطة. وبالمثل، يشغَل مدير سجن برج الرومي حالي اً وظيفةً رفيعة في إدارة السجون. وبناء عليه، يحق لصاحب البلاغ أن يخشى التعرض لأعمال انتقامية.

٣-٢٠ وبناءً على ما تقدم، يطلب صاحب البلاغ إلى اللجنة اتخاذ تدابير وقائية لضمان عدم تعرضه لأي ضرر غير قابل للجبر، واتخاذَ إجراءات تكفل حماية المحفوظات التي توجد في وزارة الداخلية ووزارة العدل وإدارة السجون ويمكن أن تفيد في البحث عن الحقيقة.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية

٤-١ تلاحظ الدولة الطرف في ملاحظاتها المؤرخة ٣١ تموز/يوليه ٢٠١٥ أن صاحب البلاغ قدّم شكوى من عدد من الأفراد، بمن فيهم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، بخصوص ما تعرّض له من أعمال تعذيب. وسُجّلت الشكوى تحت الرقم ٧٠٢٨٠٨٨/٠١١ لدى مكتب المدعي العام بالمحكمة الابتدائية في 3 حزيران/يونيه ٢٠١١. وأذِن مكتب المدّعي العام بأن يفتح قاضي التحقيق الأول لدائرة المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة تحقيق اً مؤقّت اً في هذا الصدد. ووصف القاضي الأفعال بأنها جريمة اعتداء بالعنف دون موجب من قبل موظف عمومي أثناء أداء وظيفته وفق اً للفصل ١٠١ من المجلة الجزائية؛ ثم أحال القاضي القضية إلى الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بتونس لملاحقة المتورطين فيها. وطعن صاحب البلاغ في أمر إغلاق التحقيق. وفي الجلسة المعقودة في ٨ نيسان/أبريل ٢٠١٥، حكمت المحكمة الابتدائية بتونس على المتهم زين العابدين بن علي بالسجن لمدة خمس سنوات نافذة بتهمة استخدام العنف على أشخاص أثناء أداء وظيفته أو بمناسبة أدائها دون وجود موجب قانوني لذلك؛ كما حُكم عليه بدفع تكاليف الدعوى ال عمومية . أما فيما يتعلق بالتهم الموجّهة إلى غيره من المتهمين، فقد قضت المحكمة بحلول آجال تقادم الدعوى العمومية.

٤-٢ وترى الدولة الطرف أن صاحب البلاغ لم يستنفد سبل الانتصاف المحلية، نظر اً لأن القضية لا تزال قيد النظر أمام محكمة الاستئناف ولأنه يمكن أيضاً الطعن بالنقض في حكم هذه الأخيرة .

٤-٣ وفيما يتعلق بالأسس الموضوعية للقضية، احتياطياً، تؤكّد الدولة الطرف أن المدعي العام للجمهورية أذِن بفتح تحقيق مؤقت لدى المحكمة الابتدائية بتونس حالما قدم صاحب البلاغ شكواه إلى مكتب المدعي العام. وبعد إكمال التحريات اللازمة، أمرت المحكمة بإغلاق التحقيق وأحالت المتهم على الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بتونس لبدء الإجراءات فيما يتعلق بالتهم التي اعتبرت مقبولة. وقد أُدين زين العابدين بن علي. وعلاوة على ذلك، لم يستنفد صاحب البلاغ الذي استأنف الحكم الابتدائي سبل الانتصاف المحلية.

تعليقات صاحب البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف

٥-١ في ٢٥ آب/أغسطس ٢٠١٦، سلّط صاحب البلاغ الضوء على عدم جدوى سبل الانتصاف المحلية المتاحة في تونس وتجاوز المهل الزمنية المعقولة. وهو يدّعي أن التطورات التي حدثت منذ تقديم الشكوى إلى اللجنة، أي صدور حكم المحكمة الابتدائية بتونس في ٨ نيسان/أبريل ٢٠١٥، تؤكد هذه الاستنتاجات.

٥-٢ وبدأت المحاكمة أمام الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بتونس في نيسان/أبريل ٢٠١٢ واستغرقت ثلاث سنوات. وقدّم صاحب البلاغ طعن اً لكنه لم يكن قد نُظر فيه بعدُ بحلول تموز/يوليه ٢٠١٦ ( ) . ولذلك، يطلب صاحب البلاغ إلى اللجنة أن تخلص إلى أن الإجراءات تجاوزت المهل الزمنية المعقولة. وعلاوة على ذلك، يتضح أكثر عدم جدوى سبل الانتصاف المحلية وعدم فعاليتها من خلال قرار المحكمة الابتدائية الذي اعتبرت فيه الأفعال قد سقطت بالتقادم ولم يعد ممكن اً ملاحقة مرتكبيها.

٥-٣ ويخلص صاحب البلاغ إلى أن المحاكم التونسية قد انتهكت المواد 2 و4 و14 من الاتفاقية برفضها محاكمة معذّبيه على أساس أن الأفعال المعنية قد سقطت بالتقادم بسبب اختيار التوصيف القانوني لها بأنها جريمة عنف، وبالتالي تسقط بالتقادم بعد مرور ثلاث سنوات على ارتكابها.

٥-٤ ويؤكد صاحب البلاغ أن هذا التوصيف ناتج عن عدم رجعية أثر الفصل ١٠١ مكرر اً من المجلة الجزائية التونسية الذي يجرّم التعذيب ولم يُعتمد إلا في عام ١٩٩٩. فقبل اعتماد القانون رقم ٩٨ لعام 1999 لم يكن يعاقَب على جريمة التعذيب في حد ذاتها، وإنما كانت تُعتبر مجرد شكل من أشكال العنف، وفق اً للفصل ١٠١ من المجلة الجزائية (انظر الفقرة 2-20 أعلاه). وهكذا كان استعمال العنف من قِبل موظف عمومي يصنَّف كجنحة وليس كجريمة خطيرة. وأَدرج القانون رقم 98 الفصل 101 مكرر اً الذي ينص على أنْ " يعاقَب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها مائة وعشرون ديناراً الموظف العمومي أو شبَهُه الذي يرتكب بنفسه أو بواسطة الاعتداء بالعنف دون موجب على الناس حال مباشرته لوظيفته أو بمناسبة مباشرتها" .

٥-٥ و بموجب مبدأ عدم رجعية أثر المجلة الجزائية، لا يمكن أن يدان شخص متهم إلا بناء على القانون الساري وقت ارتكابه للجريمة، إلا في حالة واحدة تتعلق بمبدأ الأخذ بالعقوبة الأخف، أي تطبيق أقل القانونين صرامة، حتى وإن كان هذا الأخير قد دخل حيز النفاذ بعد الانتهاك ( ) . وفي هذه القضية، ولأن الفصل ١٠١ مكرّر اً من المجلة الجزائية ينص على عقوبات أقسى مقارنة بالفصل ١٠١، فإنه لا يمكن تطبيقه بأثر رجعي على العنف الذي ارتكبه موظفون عموميون قبل عام ١٩٩٩.

٥-٦ ولهذه الأسباب، يكرّر صاحب البلاغ قوله إن عدم تجريم التعذيب قبل عام ١٩٩٩ رغم تصديق تونس على الاتفاقية في عام ١٩٨٨، يشكّل انتهاك اً لأحكام المادة ٤ من الاتفاقية. ويضيف أن اعتماد توصيف ما حدث بأنه جنحة عنف في هذه القضية يُعزى إلى عدم بذل العناية الواجبة، وربما أيض اً إلى عدم استقلال القضاء وحياده.

٥-٧ وعلى الرغم من طلبات محاميي الضحايا، تمسّك القضاة بوجوب تطبيق الفصل 101 من المجلة الجزائية بالنظر إلى صفة الجناة كموظفين عموميين.

٥-٨ وينص الفصل 218 من المجلة الجزائية على أن أي شخص، ومن ثم ليس بالضرورة أن يكون موظفاً عمومياً، يتعمد إحداث جروح أو ضرب أو ارتكاب غير ذلك من أنواع العنف أو الاعتداء يعاقب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها ألف دينار. ويعاقَب الجاني بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها ثلاثة آلاف دينار في صورة تقدم إضمار الفعل. ويضيف الفصل ٢١٩ أنه إذا تسبّب عن أنواع العنف المقرّرة آنف اً هذا العنف في قطع عضو من البدن أو جزء منه أو انعدام النفع به أو تشويه بالوجه أو سقوط أو عجز مستمر لم تتجاوز درجة العجز العشرين في المائة فالمجرم يعاقَب بالسجن لمدة خمسة أعوام، ويكون العقاب بالسجن مدة عشرة أعوام إذا تجاوزت درجة العجز الناتج عن هذا العنف العشرين في المائة". وفي الحالة الأخيرة، حيث تتجاوز العقوبة السجنَ لمدة خمس سنوات فإن الاختصاص القضائي يعود إلى الدائرة الجنائية في المحكمة بدلاً من دائرتها الجناحية.

٥-٩ ولا يتناول الفصل 101 من المجلة الجزائية مسألة عجز الضحية كظرف مشدد للعقوبة، بل يكتفي بتناول أعمال العنف التي يرتكبها موظفون عموميون. وتكمن المفارقة في أن الفصل ١٠١ ينص على عقوبة أشد مقارنة بالفصل ٢١٨ بحجة أن صفة الجاني كموظف عمومي تشكل ظرف اً مشدد اً للعقوبة. بيد أن العقوبة المنصوص عليها في الفصل ١٠١ تُعتبر أقل شدة من تلك المنصوص عليها في الفصل ٢١٩ لأن هذا الأخير ينص على ظروف مشددة للعقوبة لا يأخذها الفصل 101 في الحسبان. وهكذا، لا تطبّق على مرتكبي أعمال التعذيب في هذه القضية، بصفتهم موظفين عموميين، العقوبات الشديدة التي ينص عليها الفصل ٢١٩ وكانت ستطبَّق عليهم لو لم يكونوا موظفين عموميين.

٥-١٠ وعلاوة على ذلك، رفض القضاة ضمني اً تكييف اً قانوني اً آخر تضمّنه الفصل 250 من المجلة الجزائية، "يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية قدرها عشرون ألف دينار كل من قبض على شخص أو أوقفه أو سجنه أو حجزه دون إذن قانوني". وقد أُوقف راشد جعيدان دون أمر قضائي وسُجن سراً داخل وزارة الداخلية لعدة أسابيع، مما يشكل انتهاك اً لقانون الإجراءات الجنائية.

٥-١١ وينطوي الاعتداد بتكييف العنف على عواقب وخيمة لأن جنحة العنف تسقط بالتقادم بعد ثلاث سنوات. وتسقط هذه الأفعال بالتقادم بعد ١٠ سنوات حتى وإن أعيد تكييفها كجريمة بالنظر إلى الظروف المشدّدة.

٥-١٢ ويضيف صاحب البلاغ أن تطبيق المهل الزمنية لإجراء الملاحقة القضائية يتعارض أيض اً مع المادة ٢ من الاتفاقية التي، بحسب تفسير اللجنة، تحظر على الدول تطبيق أحكام التقادم ل منع مقاضاة مرتكبي جرائم التعذيب ( ) . وفي هذه القضية، وعلى الرغم من أن الدستور التونسي الجديد ينص على عدم تطبيق مبدأ التقادم على جريمة التعذيب، تحلّلت الدولة الطرف من التزاماتها بموجب المادة ٢ من الاتفاقية عندما كيّفت الأفعال تكييف اً مختلف اً يخوّلها إعلان تقادم الجريمة.

القضايا والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في مقبولية البلاغ

٦-١ قبل النظر في أي شكوى ترد في بلاغ ما، يجب أن تقرّر اللجنة ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب المادة 22 من ‏الاتفاقية. وتأكدت اللجنة، حسبما تقتضيه الفقرة 5(أ) من المادة 22 من الاتفاقية، من أن المسألة نفسها لم تُبحث ولا يجرى بحثها بموجب أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية.

٦-٢ وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف اعترضت على مقبولية البلاغ بدعوى أن صاحبها لم يستنفد سبل الانتصاف المحلية. وفي هذا الصدد، تلاحظ اللجنة ما يلي: قدّم صاحب البلاغ شكوى جنائية، وقد سُجّلت لدى مكتب المدعي العام للمحكمة الابتدائية في ٣ حزيران/ يونيه ٢٠١١؛ وبدأت المحاكمة في نيسان/أبريل ٢٠١٢؛ وصدر قرار في ٨ نيسان/أبريل ٢٠١٥، أي بعد ثلاث سنوات من ذلك، اعتبر أن الأفعال قد سقطت بالتقادم ولم يعد ممكن اً ملاحقة مرتكبيها (باستثناء التهم الموجهة إلى الرئيس السابق بن علي)؛ واستأنف صاحب البلاغ القرار، لكنه لم يُنظر في القضية حتى الآن، إذ تقرر عقد الجلسة المقبلة في ٢٠ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٧. وتعتبر اللجنة أنه بالنظر إلى العقبة الإجرائية الجسيمة التي اعترضت صاحب البلاغ بسبب عدم تدخّل السلطات المختصة، بات من المستبعد جدّ اً إجرا ء طعن يفضي إلى سبيل انتصاف مفيد ( ) . وفي ظل عدم ورود معلومات ذات صلة من الدولة الطرف، تخلص اللجنة إلى أن الإجراءات المحلية قد تجاوزت المهل الزمنية المعقولة. وبناء عليه، لا شيء يَمنع اللجنة من النظر في هذا البلاغ بموجب الفقرة 5(ب) من المادة 22 من الاتفاقية.

٦-٣ وبما أن اللجنة ترى أنه لا توجد أي عوائق أخرى أمام المقبولية، فإنها تعلن مقبولية البلاغ وتنتقل إلى النظر في أسسه الموضوعية.

النظر في الأسس الموضوعية للبلاغ

٧- ١ نظرت اللجنة في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات المقدمة إليها من الطرفين المعنيين، وفقاً للفقرة 4 من المادة 22 من الاتفاقية.

٧-٢ وتشير اللجنة إلى أن صاحب البلاغ يدّعي أن الدولة الطرف انتهكت المواد 1 و2(1) و4 والمواد من 11 إلى 16 من الاتفاقية.

٧-٣ وفيما يتعلق بالشكوى المتعلقة بانتهاك المادة ١، تلاحظ اللجنة ادعاءات صاحب البلاغ أنه تعرّض لأفعال تعذيب علي يد أعوانٍ لدى الدولة الطرف، وأن هذه الأخيرة لم تتخذ جميع التدابير الفعالة لمنع تعرضه لمثل هذه الأفعال. وتلاحظ اللجنة بادئ الأمر أن صاحب البلاغ أُوقف خلال ليلة 29 إلى ٣٠ تموز/يوليه ١٩٩٣ واقتيد إلى وزارة الداخلية حيث استُجوب واحتُجز تعسف اً لمدة ٢٠ يوم اً (انظر الفقرة 2-2 وما يليها). وتلاحظ اللجنة أن صاحب البلاغ سرد بالتفصيل أفعال التعذيب المروّعة التي خضع لها في وزارة الداخلية حيث كان تحت سيطرة أعوانٍ تابعين للأمن القومي، وقد تعرّف عليهم وكشف أسماءهم. وتلاحظ اللجنة كذلك أن صاحب البلاغ تعرض مرار اً للتعذيب والإيداع في الحبس الانفرادي والحرمان من الرعاية الطبية في سجن ٩ أبريل لفترات طويلة، رغم حاجته الماسة للعلاج (الفقرة 2-11 و ما يليها ) .

٧-٤ وتلاحظ اللجنة أيض اً أن صاحب البلاغ يدّعي أنه ما زال يعاني الكثير من آثار التعذيب الجسدية والنفسية، وأنه قدّم تقارير عن فحوصات طبية تؤكد ذلك (انظر الفقرة 2-18). وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تدحض أي اً من هذه الادّعاءات. وتخلص اللجنة، في هذه الظروف وبناء على المعلومات المتاحة لها، إلى أنه يجب مراعاة ادّعاءات صاحب البلاغ مراعاة كاملة؛ وإلى أن سوء المعاملة التي تعرّض لها ارتكبها أعوان كانوا يمثلون الدولة الطرف ويتصرفون بصفتهم الرسمية؛ وإلى أن هذه الأفعال تشكل ضروباً من التعذيب بالمعنى المقصود في المادة 1 من الاتفاقية.

٧-٥ واللجنة، إذ خلصت إلى وجود انتهاك للمادة الأولى من الاتفاقية، لن تنظر في الشكاوى الثانوية التي عرضها صاحب البلاغ بمقتضى المادة 16 من الاتفاقية.

٧-٦ ويعتد صاحب البلاغ أيضاً بالفقرة 1 من المادة 2 من الاتفاقية التي كان يتعين على الدولة الطرف بموجبها أن تتخذ التدابير التشريعية والإدارية والقضائية وغيرها من التدابير الفعالة لمنع أفعال التعذيب في أي إقليم خاضع لولايتها. وتلاحظ اللجنة في هذا الصدد أنه جرى توقيف صاحب البلاغ دون إطْلاعه على أمر بذلك؛ وأنه سُجن سراً داخل وزارة الداخلية من ٣٠ تموز/يوليه إلى ٤ أيلول/سبتمبر ١٩٩٣، أي لمدة ٣٧ يوم اً، وهي فترة تتجاوز بكثير فترة الأربعة أيام التي يجيزها القانون كحد أقصى (انظر الفقرة 2-7 أعلاه)؛ وأنه لم يجر التحقق من مدى مشروعية احتجازه في غضون المهلة القانونية المحددة؛ وأنه حُرم أثناء احتجازه السابق للمحاكمة من الاتصال بأسرته ومن الرعاية الطبية اللازمة لحالته. وعلى الرغم من تعرضه لأفعال تعذيب بالغة الشدة ومن الإبلاغ عنها مرار اً بقيت هذه الأفعال بلا عقاب. ونتيجة لذلك، تخلُص اللجنة إلى حدوث انتهاك للفقرة 1 من المادة 2، مقروءة بال اقتران مع المادة 1 من الاتفاقية ( ) .

٧-٧ وفيما يتعلق بالانتهاك المزعوم للمادة ٤ من الاتفاقية، تشير اللجنة إلى أن أحد أهداف الاتفاقية يتمثل في تفادي إفلات الأشخاص المتو رطين في أعمال التعذيب من العقاب ( ) . وتذكّر اللجنة أيض اً بأن المادة ٤ تقتضي من الدول الأطراف أن تضمن اعتبار أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي وأن تجعل هذه الجرائم مستوجبة ل لعقاب بعقوبات تتناسب مع خطورتها . وتلاحظ اللجنة أنه لم يحقّق في أحداث هذه القضية حتى الآن، أي بعد مرور أزيد من ٢١ عام اً على وقوعها، لكي يتسنى ملاحقة من يُدَّعى أنهم عذّبوا صاحب البلاغ ومعاقبتُهم. وتلاحظ اللجنة أيض اً أنه بالنظر إلى مبدأ عدم رجعية الأثر الذي ينصّ عليه الفصل ١٠١ مكرّر اً ويجرّم التعذيب لوحق المتهمون قضائي اً بارتكاب جريمة تستوجب السجن لمدة أقصاها خمس سنوات، رغم أنه كان ينبغي أن توجه إليهم بالنظر إلى خطورة الأدلة المقدمة تهم جنائية تستوجب عقوبات تجعلهم عبرة لغيرهم. وتشير اللجنة في هذا الصدد إلى ملاحظاتها الختامية التي أعربت فيها عن قلقها إزاء تطبيق مبدأ عدم رجعية أثر القانون الجنائي على الأفعال المرتكبة قبل إدراج جريمة التعذيب في المجلة الجزائية المعدّلة لعام ١٩٩٩ (بموجب الفصل ١٠١ مكررا ً )، وبالتالي أوصت بأن تتخذ الدولة الطرف " جميع التدابير اللازمة لضمان ملاحقة المتورطين في أعمال التعذيب المرتكبة قبل عام 1999 عن الجرائم التي تستوجب عقوبات تتناسب مع جسامة الجرم " (انظر الوثيقة CAT/C/TUN/CO/3، الفقرتان 35 و36). وتخلص اللجنة إلى أنه حدث انتهاك ل لمادة 4 (الفقرة 2 ) من الاتفاقية.

٧-٨ وتلاحظ اللجنة أيضاً ادعاء صاحب البلاغ أن انتهاك المادة 11 يعزى إلى عدم ممارسة الدولة الطرف الرقابةَ اللازمة على طريقة معاملته عند توقيفه وأثناء احتجازه. وعلى وجه الخصوص، ادّعى صاحب البلاغ أن عملية توقيفه واحتجازه لم تكن مقترنة بالضمانات الإجرائية والمراقبة اللازمة؛ وأنه حُرم من الرعاية الطبية رغم حالته الصحية الحرجة؛ وأنه مُنع مراراً من الاتصال بأسرته؛ وأنه لم يحصل على مساعدة محام أثناء احتجازه السابق للمحاكمة؛ وأنه احتُجز في ظروف مزرية. ولأن الدولة الطرف لم تقدِّم أدلة مقنعة على أنها راقبت ظروف احتجاز صاحب البلاغ، فإن اللجنة تخلص إلى انتهاك الدو لة الطرف للمادة ١١ من الاتفاقية ( ) .

٧-٩ وفيما يتعلق بالمادتين ١٢ و١٣ من الاتفاقية، تلاحظ اللجنة مع القلق أنه على الرغم من تسجيل شكوى صاحب البلاغ بشأن تعرُّضه للتعذيب لدى المحكمة الابتدائية بتونس في عام ٢٠١١، أُغلق التحقيق في ١٦ شباط/فبراير ٢٠١٢ دون إجراء تحريات فعالة، مع أنه مرّ حوالي ٢٤ عام اً على تاريخ إبلاغ الضحية لأول مرة عما تعرّض له من تعذيب عند مثوله أمام قاضي التحقيق في نهاية فترة احتجازه عند الشرطة في ٤ أيلول/سبتمبر ١٩٩٣.

٧-١٠ وعلى الرغم من ادعاء الدولة الطرف فتح تحقيق في هذا الصدد، فإنها لم تقدّم أي تفاصيل بشأن التقدم المحرز فيما يتعلق بهذه الإجراءات أو بملاحقة مرتكبي أعمال التعذيب وسوء المعاملة المزعومين. وتذكّر اللجنة بالالتزام الواقع على عاتق الدولة الطرف بموجب المادة 12 من الاتفاقية والمتمثل في ضمان إجراء سلطاتها المختصة تحقيق اً سريع اً ونزيه اً كلما توفرت أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد أن فعلاً من أفعال التعذيب قد ارتُكب ( ) . وينبغي أن يكون هذا التحقيق سريع اً ونزيه اً وفعالا ً ( ) . وعلاوة على ذلك، يجب أن يتوخّى إجراء أي تحقيق جنائي تحديد طبيعة الأفعال المدّعى ارتكابها وظروفها وتحديد هوية المتورطين المحتملين فيها ( ) .

٧-١١ وتخلص اللجنة إلى أن الدولة الطرف لم تف بالتزاماتها بموجب المادة 12 من الاتفاقية. و بهذا، لم تف الدولة الطرف أيض اً بمسؤوليتها المترتبة على المادة 13 من الاتفاقية والمتمثلة في ضمان حق صاحب البلاغ في تقديم شكوى إلى السلّطات المختصة التي عليها تقديم ردّ مناسب من خلال فتح تحقيق فوري ونزيه ( ) .

٧-١٢ وفيما يتعلّق بالمادة 14، دفع صاحب البلاغ بأن الدولة التونسية حرمته من رفع دعوى جنائية على النحو المبين أعلاه وحرمته نتيجة ذلك من الإجراءات القانونية المقررة للحصول على تعويض عن الأضرار المادية وغير المادية الناجمة عن جرائم خطيرة مثل التعذيب. وتلاحظ اللجنة كذلك أن الضحية لم يستفد من أي تدابير لإعادة التأهيل من الآثار البدنية والنفسية الشديدة التي لا يزال يعاني منها والتي تثبتها بشكل قاطع الفحوصات الطبية. وبناء عليه، ترى اللجنة أن صاحب البلاغ حُرم من حقه في الجبر والتعويض بموجب المادة ١٤ من الاتفاقية.

٧-١٣ وفيما يتعلق بالمادة ١٥، أحاطت اللجنة علم اً بادّعاء صاحب البلاغ أنه قوضي وحُكم عليه بالسجن لمدة 26 سنة استناد اً إلى محضر كان قد وقّعه تحت التعذيب. ورغم تبليغه مراراً عما حصل له، لم تتحقق السلطات من ادعاءاته ولم تعتبر اعترافاته لاغية. ولم تقدّم الدولة الطرف أي حجة قادرة على دحض هذا الادعاء. وتذكر اللجنة بأن الصيغة العامة لأحكام المادة 15 من الاتفاقية تنبع من الطبيعة المطلقة لحظر التعذيب وتلزم بالتالي كل دولة طرف بالتأكد مما إذا كانت التصريحات المستنَد إليها في دعوى ما تدخل ضمن اختصاصها قد انتُزعت تحت التعذيب أم لا ( ) . والدولة الطرف، بعدم إجرائها التحقيقات اللازمة وباستنادها إلى هذه التصريحات في الدعوى المرفوعة على صاحب البلاغ، تكون قد انتهكت التزاماتها بموجب المادة ١٥ من الاتفاقية.

٨- واللجنة، إذ تتصرف بموجب الفقرة 7 من المادة 22 من الاتفاقية، ترى أن الوقائع المعروضة عليها تشكل انتهاك اً للفقرة 1 من المادة 2 مقروءة بالاقتران مع المادة 1، وللمواد 4 و11 و12 و13 و14 و15 من الاتفاقية.

٩- وتحث اللجنة الدولة الطرف على القيام بما يلي: (أ) أن تكفل الملاحقة القضائية فيما يتعلق بجميع أفعال التعذيب المرتكبة قبل ١٩٩٩ باعتبارها جرائم يعاقَب عليها بعقوبات تتناسب مع خطورتها، وأن تعدّل تشريعاتها الجنائية للسماح بإجراء هذه الملاحقة القضائية؛ (ب) أن تستكمل التحقيق في الوقائع المذكورة بهدف ملاحقة جميع المتورطين المحتملين في المعاملة التي تعرّض لها صاحب البلاغ؛ (ج) أن تنصف صاحب البلاغ على النحو الملائم بوسائل منها توفير التعويض عن الأضرار المادية وغير المادية، ورد الحقوق، وإعادة التأهيل، والترضية، وضمانات عدم التكرار؛ و(د) أن تُتّخذ جميع التدابير اللازمة لمنع تعرض صاحب البلاغ وأسرته، لا سيما بسبب تقديم هذا البلاغ، لأي تهديدات أو أعمال عنف. وتطلب اللجنة إلى الدولة الطرف، وفقاً للفقرة 5 من المادة 118 من نظامها الداخلي، إبلاغها في غضون تسعين يوماً من تاريخ إحالة هذا القرار بما اتخذته من خطوات استجابةً للملاحظات الواردة أعلاه.