الأمم المتحدة

CERD/C/82/3

Distr.: General

5 April 2013

Arabic

Original: English

لجنة القضاء على التمييز العنصري

البلاغ رقم 48/2010

رأي فردي لعضو اللجنة السيد كارلوس مانويل فاسكيز (مُخالف)

1- يتناول هذا البلاغ العلاقة بين التزام الدولة الطرف بموجب الاتفاقية بمكافحة خطاب الكراهية والتزامها بحماية حرية الرأي والتعبير. فمن جهة تمثّل "حريتا الرأي وحرية التعبير شرطين لا غنى عنهما لتحقيق النمو الكامل للفرد" وهما "تشكلان حجر الزاوية لكل مجتمع تسوده الحرية والديمقراطية" ( ) . ومن جهة أخرى، تنص المادة 4 من الاتفاقية على أن تعتبر الدول الأطراف "كل نشر للأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية وكل تحريض على التمييز العنصري جريمةً يُعاقب عليها القانون". ووفقاً لهذا الحكم، "لا يجب على الدول الأطراف سن تشريعات مناسبة فحسب، وإنما يجب عليها أيضاً ضمان تنفيذها فعلياً" ( ) . والمسألة المعروضة على اللجنة هي ما إذا كانت الدولة الطرف قد انتهكت المادة 4 إذ لم تلاحق السيد سارازين بسبب تصريحات معينة أدلى بها في لقاء صحفي نُشر في الصحيفة الثقافية ليتر أنترناسيونال .

2- وتتضمن المقابلة الصحفية التي أُجريت مع السيد سارازين تصريحات مُتزمتة ومسيئة. بيد أن الاتفاقية لا توجب الملاحقة الجنائية على كل التصريحات المتزمتة والمسيئة. ففي قضية تسنترالرات دويتشر سينتي أوند روما ضد ألمانيا ، مثلاً، خلُصت اللجنة إلى عدم حدوث انتهاك للاتفاقية رغم أن الدولة الطرف رفضت الملاحقة على تصريحات اعتبرتها اللجنة "تمييزية ومهينة وتشهيرية". وقد تبرأت الحكومة الألمانية من تصريحات السيد سارازين وانتقدتها. واستنكرت المستشارة ميركل هذه التصريحات واعتبرتها "تعميماً خاطئاً" و"غبياً". وحققت النيابة العامة لبرلين في تصريحاته لكنها قررت إغلاق التحقيق إذ خلُصت إلى أن التصريحات لا تصل إلى حد التحريض على الكراهية العنصرية ولا تشكِّل إهانة بموجب القانون الجنائي الألماني. وراجع المدعي العام قرار النيابة العامة لبرلين واعتبر قرار إغلاق التحقيق قراراً سليماً، مُلاحظاً جملة أمور منها أن السيد سارازين لم يصف أفراد الأقلية التركية بأنهم "كائنات أدنى" أو "سلبهم حقهم في الحياة كأشخاص متساوين مع غيرهم في القيمة". وكان القراران كلاهما مشفوعين بشرح كتابي مطوَّل. وفي المقابل، خلُصت اللجنة إلى أن الدولة الطرف انتهكت التزامها بموجب الاتفاقية عندما قررت عدم المُضي في ملاحقة السيد سارازين جنائياً.

معيار المراجعة

3- سلَّمت اللجنة، بأنها كي تخلص إلى حدوث انتهاك، يجب أن تستنتج أن الدولة الطرف تصرفت بتعسف أو بإنكار للعدالة. وفي سياق القيود المفروضة على حرية التعبير، ينطبق الامتثال لهذا المعيار على نحو خاص. فالجهات المختصة في الدولة الطرف أكثر دراية من أعضاء هذه اللجنة باللغة المستخدمة، ما يجعلها مؤهلةً أكثر بكثير لتقييم الأثر المحتمل أن ينجم عن هذه التصريحات في السياق الاجتماعي السائد في الدولة الطرف. ولم يكن قرار الدولة الطرف القاضي بعدم الملاحقة تعسفياً أو قائماً على إنكار للعدالة.

التحريض على التمييز العنصري

4- استنتجت اللجنة أن تصريحات السيد سارازين "تضمَّنت عناصر تحريض على التمييز العنصري"، وتشير اللجنة فيما يبدو إلى التصريحات التي توحي بأن تقتصر الهجرة على "أصحاب الكفاءات العالية" وألا ينتفع المهاجرون بالمساعدة الاجتماعية. غير أن هذه التصريحات لا تدعو إلى التمييز على أساس "العرق أو اللون أو النَسب أو الأصل القومي أو الإثني". كما أنها لا تشكل "تحريضاً" على التمييز. ولكي تشكّل هذه التصريحات "تمييزاً"، يُفترض على الأقل وجود إمكانية معقولة لأن يُفضي الخطاب إلى حدوث التمييز المحظور ( ) . وفي التصريحات التي اعتبرتها اللجنة "تحريضاً على التمييز"، يقترح السيد سارازين بعض الأفكار بشأن تشريعات يمكن سنها. واحتمال أن تساهم دعوة فردية إلى اعتماد تشريع، ولو مساهمة بسيطة في سنّ تشريعات، هو احتمال ضئيل. وعلى حدّ علمي فإن مفهوم التحريض على سن تشريع هو مفهوم مُبتَدَع. ولا تشكل تصريحات السيد سارازين تحريضاً على التمييز.

نشر أفكار قائمة على التفوق العنصري

5- استنتجت اللجنة أيضاً أن المقابلة الصحفية مع السيد سارازين "تضمنت أفكاراً قائمة على التفوق العنصري". والاتفاقية، التي تشير المادة 4 منها إلى حظر "نشر الأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية" صك فريد ضمن صكوك حقوق الإنسان إذ تشير إلى تجريم خطاب دون ربط ذلك صراحةً بإمكانية أن يحرّض ذاك الخطاب على الكراهية أو العنف أو التمييز. ونظراً إلى غياب هذا الرابط، يمكن أن يتسبب حكم النشر بصفة خاصة في تنازع مع الحق في حرية الفكر والتعبير المكرس في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ولم تغفل مفاوضات المعاهدة عن هذا التنازع الممكن ( ) . واعترض عدد من الدول على الحكم وكان سبب اعتراضها تحديداً إمكانية تنازعه مع حقوق حرية التعبير. وعُولِجَت شواغل هذه الدول بإدراج حكم الاعتبار الواجب في المادة 4 ("المراعاة الحقة"). وينص هذا الحكم تحديداً على أن تضطلع الدول الأطراف بالتزاماتها بموجب المادة 4 "مع المراعاة الحقة للمبادئ الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللحقوق المقررة صراحةً في المادة 5 من هذه الاتفاقية". وبالنظر إلى هذا التاريخ التفاوضي، ينبغي الانتباه في أي تفسير لمصطلح "التفوق العنصري" إلى ضرورة حماية حرية تبادل الآراء والأفكار المتعلقة بمواضيع الشأن العام.

6- وثمة مجال للتساؤل عما إذا كان مصطلح "التفوق العنصري" الوارد في المادة 4(أ) يتضمن التصريحات المتعلقة بالتفوق على أساس الجنسية أو الإثنية. فالخطاب الشعبي يزخر بعبارات الفخر الوطني أو الإثني، ويصعب في أحيان كثيرة تمييز هذه العبارات عن التبجح بالتفوق الوطني أو الإثني. وقد يتسبب تجريم تلك التصريحات في تجميد خطاب أبعد ما يكون عن الشواغل الرئيسية للاتفاقية. ولتجنب هذا الخرق الفادح لحرية التعبير، يُحبَّذ فهم مصطلح "التفوق العنصري" على أنه يشمل تصريحات التفوق على أساس خصائص أصيلة أو ثابتة لا تتغير.

7- ومهما يكن من أمر ، فإن تصريحات السيد سارازين لم تعبر عن رأي مفاده أن الأتراك، كجنسية أو كمجموعة إ ثنية ، هم أدنى من جنسيات أو مجموعات إ ثنية أخرى. وقد يُفهم من بعض التصريحات معزولة أنها تؤكد أن بعض جوانب الثقافة التركية تحول دون نجاح الأتراك في برلين في المجال الاقتصادي . بيد أنه كثير اً ما يقال، كما يقول معلقون غير مشكوك في نزاهتهم ووعيهم بمشكلة التمييز العنصري، إن الثقافة السائدة لدى مجموعات قومية أو إثنية معينة تحول دون نجاحها الاقتصادي. وعلى سبيل المثال، كتب أمارتيا سين أن "المؤثرات الثقافية يمكن أن تحدث فرق اً كبير اً على مستوى أخلاقيات العمل والسلوك المسؤول والحماس الصادق والإدارة الدينامية وروح المبادرة والاستعداد للمجازفة وجوانب متنوعة أخرى من السلوك البشري قد تكون ضرورية للنجاح الاقتصادي" ( ) . وينبغي ألا يفسر حكم النشر على أنه يحظر التعبير عن هذه الآراء. إذ "يفترض الحق في حرية التعبير أن يكون من الممكن تمحيص النظم العقائدية والآراء والمؤسسات، بما فيها الدينية، ومناقشتها بحرية وانتقادها" ( ) . فالقول إن الثقافة أو النظام العقائدي السائدين لدى مجموعة قومية أو وطنية يحولان دون بلوغ هدف معين قول لا يخرج عن نطاق الخطاب المعقول ولا تحظره الاتفاقية.

8- وعلاوة على ذلك، تبين مقاطع أخرى من اللقاء الصحفي أن السيد سارازين لم يكن يدفع بأن الثقافة التركية تفضي لا محالة إلى الفشل الاقتصادي. إذ يبدو أن السيد سارازين قصد بالأساس أن توفير المساعدة الاجتماعية يفضي إلى عادات وأنماط حياة تحول دون النجاح الاقتصادي والاندماج. وهكذا، يلاحظ أن مجموعة المهاجرين ذاتها التي تعيش فشل اً اقتصادي اً في ألمانيا والسويد تحقق نجاح اً في بلدان أخرى كالولايات المتحدة. وهو يؤكد (خطأ) أن سبب هذا التباين هو حصول المهاجرين في ألمانيا والسويد على المساعدة الاجتماعية، مما يثنيهم عن محاولة الاندماج، في حين لا توفر الولايات المتحدة المساعدة الاجتماعية للمهاجرين، فيندمجون بالفعل وينجحون اقتصادي اً. وفي مقطع آخر، يؤكد السيد سارازين أن "الأتراك إذا أرادوا الاندماج فسيحققون نجاح اً موازي اً لما تحققه الفئات الأخرى، وستزول من ثم المشاكل". وهكذا، يبدو أن السيد سارازين لم يكن يؤكد دونية الثقافة التركية أو الأتراك كجنسية أو كمجموعة إثنية. بل يبدو أنه كان يعبر عن رأيه بشأن آثار بعض السياسات الاقتصادية على حفز المهاجرين الأتراك على الاندماج ومن ثم تحقيق النجاح الاقتصادي. وفي أي حال من الأحوال، لم تتصرف الدولة الطرف بتعسف إذ فسّرت تصريحاته على هذا النحو.

9- وصحيح أن السيد سارازين عبّر عن هذه الأفكار أحيان اً بعبارات فيها تحقير وتهجّم. غير أن هذه العبارات لا تغير شيئ اً من أن الدولة الطرف لم تستنتج تعسُّف اً أن تصريحاته لم تتضمن أفكار اً قائمة عل التفوق العنصري. فالحق في حرية التعبير يشم ل كذلك التصريحات اللاذعة أو الفظ ة.

حرية الدولة الطرف في عدم الملاحقة

10- حتى لو اتفقت مع اللجنة على أن تصريحات السيد سارازين تحرض على التمييز العنصري أو تتضمن أفكارا ً قائمة على التفوق العنصري، فلن أتفق معها على أن الدولة الطرف انتهكت أحكام الاتفاقية بامتناعها عن ملاحقته. فالاتفاقية لا تقضي بالملاحقة الجنائية على كل تعبير عن أفكار قائمة على التفوق العنصري أو كل تصريح يحرض على التمييز العنصري، بل إنها تترك للدول الأطراف حرية تحديد الحالات التي تكون فيها الملاحقة الجنائية أنسب لتحقيق أهداف الاتفاقية وضمان مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والحقوق المقررة في المادة 5 من الاتفاقية. وقد أقرّت اللجنة في قرارات سابقة، بمبدأ "الاقتضاء" الذي عرّفته بأنه "حرية ال ملاحقة أو عدم الملاحقة القضائية على المخالفات " ( ) . وبيّنت اللجنة أن هذا المبدأ "يخضع لاعتبارات السياسة العامة" وأنه "لا يمكن تفسير الاتفاقية على أنها تطعن في علة وجود هذا المبدأ" ( ) . وفي ضوء هذه القرارات، لاحظ معلّقون، أن "الالتزام بالتجريم ينبغي ألا يفهم على أنه واجب معاقبة مطلق". بل إن "اللجنة ... تعترف بهامش من حرية التقدير للسلطات المعنية بالملاحقة " ( ) .

11- وأكدت اللجنة في توصيتها العامة الرابعة عشرة أن "حظر نشر جميع الأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية إنما ينسجم مع الحق في حرية الرأي والتعبير". غير أن هذا لا يعني أبد اً أن الحق في حرية التعبير لا علاقة له بتفسير أو تنفيذ المادة 4. وكما تقدم شرحه، ترتبط الشواغل المتصلة بحرية الرأي والتعبير، في ضوء حكم "الاعتبار الواجب"، ارتباط اً مباشر اً بتفسير مصطلح "أفكار قائمة على التفوق العنصري". وعلاوة على ذلك، حتى إذا كان "نشر الأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية" غير محمي بالحق في حرية الرأي والتعبير، فلا يستتبع ذلك أن ملاحقة هذا النشر جنائيا ً لا تشكل خطرا ً على حرية الرأي والتعبير. والعقوبة الجنائية هي الأكثر صرامة من بين العقوبات التي يمكن للدولة فرضها. ويتميز خطر التعرض للملاحقة الجنائية بأنه عادة ما يثني الأشخاص عن إتيان سلوك لا يحظره القانون، سيما إذا اتسمت الصياغة القانونية بالغموض. وفي سياق قوانين الخطاب المحظور، تُعرف هذه الظاهرة بالأثر "المجمّد" الناجم عن تلك القوانين. وهكذا، فحتى إذا لم تكن أنواع الخطاب المعروضة في المادة 4 محمية بحرية التعبير، فإن اتباع نهج صارم في الإنفاذ يمكن أن يردع الأفراد عن ممارسة حقهم في الإدلاء بخطاب محمي. ولهذا السبب، فإن تطبيق مبدأ الاقتضاء على "نشر الأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية" لا يتعارض مع التوصية العامة 15.

12- ويجوز لدولة طرف أن ترفض الملاحقة بحجة أن الملاحقة الجنائية في حالة معينة ستعرقل أهداف الاتفاقية بدل اً من تحقيقها. وعلى سبيل المثال، فإن الملاحقة الجنائية على تصريحات ليست محظورة بوضوح يمكن أن يترتب عليها أثر مشوّه يجعل من المتحدث شهيد اً لحرية التعبير يمكنه التظلم من قسوة الدولة وفرضها مبدأ "اللياقة السياسية". وفي حال عدم نشر التصريح الأصلي على نطاق واسع، يمكن أن تزيد الملاحقة الجنائية الطين بلّة بتسليط الضوء على تصريح كان سيذهب طي النسيان بسرعة. وبالفعل، يمكن أن تضاعف الملاحقة الجنائية الألم النفسي الذي تعانيه المجموعات المستهدفة بترويج التصريحات المهينة على نطاق أوسع. وبحسب الظروف، يمكن أن تستنتج دولة طرف بصورة معقولة أن الملاحقة الجنائية ستعطي أهمية في غير محلها لتصريح أتفه من أن يكترث إليه. وخلاصة القول إ ن الدول الأطراف محقة عندما تقرر في حالة محددة أن الملاحقة الجنائية ستلحق بأهداف الاتفاقية ضرر أكبر مما سيلحقه بها شكل آخر من أشكال الرد على التصريح المهين.

13- ولا تمنع الاتفاقية الدول الأطراف من اعتماد سياسة تقتصر فيها الملاحقة على أخطر القضايا. وبالفعل، تبدو هذه السياسة واجبة في ضوء المبدأ القائم على اعتبار أن أي تقييد لحرية التعبير يجب أن يستوفي معياري الضرورة والتناسب الصارمين ( ) . و يقتضي معيار الضرورة معرفة "ما إذا كان الهدف من التقييد يمكن بلوغه بطرق أخرى لا تقيد حرية التعبير " ، بينما يقتضي معيار التناسب معرفة م ا إذا استخدمت الدولة الطرف "أقل الوسائل تدخلاً مقارنة بغيرها من الوسائل التي يمكن أن تحقق" أهدافها المشروعة ( ) .والملاحقة الجنائية على التصريحات العنصرية لن تكون في الغالب أقل الوسائل تدخل اً في حرية التعبير لبلوغ الهدف المشروع المتمثل في القضاء على التمييز العنصري؛ وبالفعل ستفضي الملاحقة الجنائية في بعض الأحيان إلى عكس المنشود. وأقرّت اللجنة بهذه النقطة ضمن اً في قضية تسنترالرات دويتشر سينتي أوند روما وآخرين ضد ألمانيا ، عندما نفت حدوث انتهاك رغم أن الدولة الطرف قررت عدم الملاحقة جنائي اً على تصريحات اعتبرتها اللجنة "تمييزية ومهينة و تشهيرية "، مشيرة إلى أن التصريحات المهينة ترتبت عليها بالفعل تبعات على صاحبها. وللأسف تجاهلت اللجنة هذه النقطة في هذه القضية.

14- ولتحديد ما إذا كانت الملاحقة الجنائية ضرورية ومتناسبة، تأخذ الدول الأطراف بعين الاعتبار عدد اً من العوامل على النحو الواجب. وفي ما يخص هذا البلاغ، تشمل هذه العوامل صيغة نشر التصريح. فالخطاب الملقى أمام حشد من الناس أو على التلفزيون يصح أن يعتبر أكثر إثارة للقلق من لقاء صحفي منشور في صحيفة ثقافية. وينبغي أن تنظر الدول الأطراف أيض اً إلى عدد الأشخاص الذين يصلهم المنشور. فالتصريح الصادر في صحيفة توزع على نطاق واسع يمكن أن يعتبر أكثر إثارة للقلق من تصريح في صحيفة توزع على نطاق محدود نسبي اً. ويمكن أن تبحث الدول الأطراف أيض اً ما إذا كانت التصريحات المهينة موجهة مباشرة إلى المجموعة المهانة أو منشورة بطريقة تجعل من الصعب على أفراد تلك المجموعة تجنبها. وهكذا يمكن اعتبار التصريحات العنصرية المنشورة على لوحة إعلانات أو في قطارات الأنفاق، حيث لا يمكن للمجموعة المستهدفة تفاديها، أكثر إثارة للقلق من تصريحات مهينة مغمورة في سطور لقاء صحفي كثيف ومطوّل يتناول بالأساس مواضيع اقتصادية. وأخيرا ً وليس آخر اً، ينبغي أن تراعي الدول الأطراف سياق ونوع المناقشة التي أدلي فيها بالتصريحات - أي، على سبيل المثال، ما إذا كانت التصريحات جزء اً من هجوم شخصي شرس أو مساهمة، وإن كانت مسرفة، في نقاش معقول لموضوع من مواضيع الشأن العام، على نحو ما استنتجته الدولة الطرف في حالة السيد سارازين ( ) .

15- وتعيب اللجنة على الدولة الطرف "تركيزها على أن تصريحات السيد سارازين ما كانت لتخل بالنظام العام"، علم اً أن المادة 4 لا تتضمن هذا المعيار. غير أنه " ليس من مهام اللجنة أن تقرر نظرياً ما إذا كانت القوانين الوطنية متوافقة مع الاتفاقية "، بل " النظر في ما إذا وقع انتهاك في حالة معينة " ( ) . وعلاوة على ذلك، ذكر النائب العام هذا المعيار فقط من جملة أسباب كثيرة تبرر عدم الملاحقة الجنائية في حين لم يأت المدعي العام على ذكره أصلا ً . ولا تنطبق المادة 130(1) من القانون الجنائي الألماني إلا على التصريحات "التي من شأنها زعزعة السلم العام"، لكن هذا القيد لا يرد في المادة 130(2) التي تجرم أفعال اً منها القيام كتابة أو عن طريق وسائط الإعلام بنشر مواد "تعتدي على كرامة الغير البشرية بشتم [جماعة قومية أو عنصرية أو دينية] أو تعمد قذفها أو التشهير بها". ولا يرد هذا القيد أيض اً في المادة 185 من القانون الجنائي الألماني، التي تجرم الشتم. وأخير اً، يتعين ألا تقرأ الاتفاقية على أنها لا تعير انتباها ً لاعتبارات الأمن العام في تطبيق حكم النشر. بل إنه يجوز للدول الأطراف في رأيي، لدى التوفيق بين واجب مكافحة خطاب الكراهية وحماية حرية التعبير، كما يفرضه عليها حكم "الاعتبار الواجب"، أن تقرر عدم الملاحقة إلا إذا كان الخطاب ينطوي على خطر زعزعة السلم العام.

16- وللأسباب آنفة الذكر، لا يسعني أن أتفق مع اللجنة في أن الدولة الطرف انتهكت أحكام الاتفاقية.

[ اعتُمِد بالإسبانية والإنكليزية والروسية والفرنسية، علماً أن النص الإنكليزي هو النص الأصلي . وسيصدر لاحقاً بالصينية والعربية كجزء من تقرير اللجنة السنوي إلى الجمعية العامة .]