الأمم المتحدة

CAT/C/62/D/493/2012

لجنة مناهضة التعذيب‏‏

اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة

Distr. General

18 January 2018

Arabic

Original : French

قرار اعتمد ته اللجنة بموجب المادة 22 من الاتفاقية، بشأن البلاغ رقم 493/2012 * **

البلاغ مقدم من: داميان نداريسيغارانيي ، تمثله الرابطة السويسرية لمكافحة الإفلات من العقاب

الشخص المدعى أنه ضحية: صاحب الشكوى

الدولة الطرف: بوروندي

تاريخ تقديم الشكوى: ٨ كانون الأول/ديسمبر ٢٠١١ ( تاريخ الرسالة الأولى)

تاريخ صدور هذا القرار: ١٠ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٧

الموضوع: التعذيب على أيدي عناصر من الشرطة؛ استخدام اعترافات منتزعة تحت التعذيب في إجراءات قضائية؛ عدم إجراء تحقيق وعدم توفير الجبر

المسائل الإجرائية: بحث المسألة في إطار إجراء من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية؛ استنفاد سبل الانتصاف المحلية

المسائل الموضوعية: التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ التدابير الرامية إلى منع ارتكاب أفعال التعذيب؛ الرصد المنهجي للتحفظ على الأشخاص المحتجزين ومعاملتهم؛ واجب الدولة الطرف السهر على أن تفتح السلطات المختصة تحقيقات فورية ونزيهة؛ الحق في تقديم شكوى؛ الحق في الحصول على تعويض

مواد الاتفاقية: المواد 2 (الفقرة 1) و11 و14، مقروءة بالاقتران مع المادتين 1 و16 من الاتفاقية

١ -١ صاحب الشكوى هو داميان نداريسيغارانيي ، وهو مواطن بوروندي وُلد في 15 آب/ أغسطس ١٩٥٣ في بورارانا . وهو يدّعي أنه ضحية انتهاكات بوروندي لحقوقه المحمية بموجب المواد ٢ (الفقرة 1) و11 و14، مقروءة بالاقتران مع المادة ١ و على سبيل التحوط مع المادة ١٦ من الاتفاقية. وتمثله الرابطة السويسرية لمكافحة الإفلات من العقاب.

١-٢ وفي 10 حزيران/ يونيه 2003، أعلنت بوروندي اعترافها باختصاص اللجنة لتلقّي البلاغات الواردة من الأفراد والنظر فيها بموجب المادة 22 من الاتفاقية. ‬

١-٣ وفي 27 شباط/فبراير 2012، طلبت اللجنة، طبقاً للفقرة 1 من المادة 114 من نظامها الداخلي، إلى الدولة الطرف أن تعمل بصورة فعالة، طيلة فترة نظر اللجنة في القضية، على منع أي تهديد أو عنف قد يتعرّض له صاحب الشكوى، لا سيما بسبب تقديمه هذه الشكوى، وأن تبلّغ اللجنة بالتدابير المتخذة لهذا الغرض.

الوقائع كما عرضها صاحب الشكوى

٢-١ عند نهاية الحرب الأهلية ( 1993 ‑ 2006 )، شهدت بوروندي صراع اً على السلطة أدى إلى سيادة مناخ من عدم الاستقرار. وفي عام ٢٠٠٦، وقّعت آخر جماعة متمردة نشطة - قوات التحرير الوطنية - اتفاق اً مع الحكومة ينص على وقف إطلاق النار ويأذن من ثم بنهاية الحرب الأهلية رسمي اً في بوروندي. غير أن عدم الاستقرار السياسي وما ينطوي عليه من تهديد لعملية السلام ظلاّ يشكلان مصدر اً للقلق. وفي آب/أغسطس ٢٠٠٦، وُضع ست شخصيات سياسية، بمن فيها الرئيس السابق ونائب الرئيس، في السجن بسبب محاولة انقلاب مزعومة.

٢-٢ وفي هذا السياق، وفي حدود الساعة الثامنة من صباح يوم 2 آب/أغسطس ٢٠٠٦، ألقى سبعة موظفين من جهاز الاستخبارات الوطنية (جهاز الاستخبارات) بزي مدني القبض على صاحب الشكوى، الذي كان يحمل رتبة مقدم في الجيش البوروندي ، في وسط بوجومبورا. وقد وجّهوا مسدس اً إلى صدره وطلبوا إليه مرافقتهم دون أن يقدموا إليه أي تفسير. وكان أحد هؤلاء الموظفين يُدعى جان بوسكو نسابيمانا . واقتيد صاحب الشكوى لدى وصوله إلى مقر جهاز الاستخبارات إلى مكتب حيث كان يوجد ستة موظفين من هذا الجهاز، من بينهم السيد نسابيمانا . وقد كان المدير العام لجهاز الاستخبارات، اللواء أدولف نشيميريمانا ، يتحدث إلى الموظفين بالهاتف. وقد أبلغ الموظفون صاحب الشكوى بأنه متهم بالمشاركة في محاولة انقلاب وطلبوا إليه توقيع بيان يتضمن اعتراف اً بذلك. ولأن صاحب الشكوى رفض توقيع البيان، فإنه تعرض للضرب المبرح في جميع أنحاء جسده لأزيد من ساعتين، وخاصة على ظهره، باستخدام هراوات وعصي وأسلاك حديدية غُمست قبل ذلك في مياه مخلوطة بالرمل حتى يدخل الرمل في جروحه ويتسبب له في معاناة أشد. وكان أحد الموظفين يصور المشهد بالفيديو. ووفق اً لصاحب الشكوى، كان اللواء نشيميريمانا يأمر الموظفين عبر الهاتف باستئناف عملية ضربه عندما كان يرفض الاعتراف بالوقائع المنسوبة إليه. ولأن صاحب الشكوى أصرّ على رفض توقيع بيان الاعتراف فإنه عُلّق من ذراعيه وضُرب مرة أخرى ضرب اً مبرح اً في جميع أنحاء جسده. وقد وضعت حجرة في فمه لكتم صراخه الناجم عن الشعور بالألم، وهو ما تسبب في تكسير أسنانه.

٢-٣ ولقد توقف الضرب عندما وافق صاحب الشكوى، الذي كان في حالة حرجة، على توقيع البيان الذي أُعدّ مسبّق اً ويتضمن اعترافاته بالمشاركة في محاولة الانقلاب. وبعد ذلك، احتُجز لمدة سبعة أيام في زنزانة من تسعة أمتار داخل مقر جهاز الاستخبارات مع 12 شخص اً آخر وفي ظروف صحية مزرية وبدون طعام لعدة أيام. ولم تكن توجد مرافق الصرف الصحي في الزنزانة وكان صاحب الشكوى ينام على الأرض مباشرة. ولم يتلق صاحب الشكوى أي علاج خلال هذه الفترة، على الرغم من طلباته المتكررة بالخضوع لفحص طبي. ولم يُسمح له بالاتصال بمحام أو بأسرته التي علمت باعتقاله من خلال وسائط الإعلام.

٢-٤ وتلقى صاحب الشكوى، أثناء احتجازه داخل مقر جهاز الاستخبارات، زيارة أعضاء رابطة إتيكا ورابطة إيزير ، وهما جمعيتان بورونديتان للدفاع عن حقوق الإنسان، الذين استطاعوا معاينة تعرضه لأعمال التعذيب. وأجرت وزيرة التضامن وحقوق الإنسان والقضايا الجنسانية (وزيرة التضامن)، فرانسواز نغيداهايو ، في أعقاب تلقيها تقارير متعددة بهذا الخصوص، زيارة شخصية لمقر جهاز الاستخبارات في 3 آب/أغسطس 2006. وصرحت لوسائط الإعلام بما يلي: "ذهبت لرؤية أشخاص موقوفين ... وقد سمعت منهم ورأيت أنهم تعرضوا للضرب. وطلبت من رئيس جهاز الوثائق الوطنية أن يضع حداً لذلك" ( ) .

٢-٥ غير أن هذه التصريحات ظلت مجرد صيحة في واد. وعقب زيارة رابطة إتيكا ورابطة إيزير ، وُجّه إلى السلطات البوروندية في 4 آب/أغسطس 2006 إعلان عام موقّع من عشر منظمات للدفاع عن حقوق الإنسان تدين فيه اعتقال جهاز الاستخبارات لشخصيات سياسية. وأشار هذا الإعلان إلى أن الزيارات التي أجرتها رابطة إتيكا وبعض أفراد أسر المحتجزين ووزيرة التضامن سمحت بإثبات خضوع ثلاثة أشخاص، من بينهم صاحب الشكوى، لأعمال التعذيب وعدم الإذن للموقوفين بتلقي زيارة محام أو طبيب.

٢-٦ وفي 9 آب/أغسطس 2006، عُرِض صاحب الشكوى، بعد احتجازه لمدة أسبوع في زنزانة جهاز الاستخبارات، على المدّعي العام في بلدية بوجومبورا وأُخبِر رسمياً بأنه متهم بالمشاركة في محاولة انقلاب. وعندئذ، نُقِل إلى السجن المركزي في مبيمبا . وفي ١٠ آب/أغسطس ٢٠٠٦، وبالنظر إلى إصرار أقارب صاحب الشكوى والجمعيات الإنسانية، نُقل إلى المستشفى العسكري في كامينغي لتلقي العلاج الطبي. واستناد اً إلى نتائج الفحوصات الطبية، ندّد المحامي الذي عُيّن لصاحب الشكوى بعد نقله إلى سجن مبيمبا بأعمال التعذيب التي تعرض لها موكله عند قاضي التحقيق وطلب إلى هذا الأخير التماس رأي خبير طبي من أجل استصدار شهادة طبية بشأن حالته الصحية. وفي ١٧ آب/أغسطس ٢٠٠٦، أُصدرت، بناء على طلب قاضي التحقيق، شهادة طبية تدل على وجود أمارات خطية وكدمات متعددة على جسد صاحب الشكوى وتخلص إلى أنه "تعرض للضرب والجرح المتعمد ( ) . والآلام المترتبة على ملامسة كل الجروح تعني أنه أصيب بها مؤخر اً. ويوحي وجود جروح متشابهة متعددة على جلّ أنحاء الجسم بأن الضحية تعرض لأعمال تعذيب". ولكن قاضي التحقيق الذي وافق على طلب رأي خبير طبي لم يعر اهتماماً للاستنتاجات الواردة في تقريره ولم يفتح أي تحقيق في الوقائع. وفي ٢٢ أيلول/سبتمبر ٢٠٠٦، واستناد اً إلى هذه الشهادة الطبية، قدّم المحامي شكوى رسمية لدى المدعي العام في بوجومبورا ( ) .

٢-٧ وقد احتُجِز صاحب الشكوى لأزيد من خمسة أشهر في سجن مبيمبا في ظروف مزرية اتسمت باكتظاظ شديد العواقب على وضع المحتجزين الصحي والأمني. وأُطلق سراحه في 16 كانون الثاني/يناير ٢٠٠٧ في إطار إجراءات محاكمته مع عدة أشخاص آخرين بتهمة محاولة الانقلاب، وذلك بعد تبرئته يوم اً قبل ذلك بسبب عدم وجود الأدلة.

٢-٨ وبالإضافة إلى التدابير المتخذة لدى السلطات القضائية، أبلغت عدة منظمات وطنية ودولية للدفاع عن حقوق الإنسان، بطرق منها النداء العام العاجل الذي أطلقته منظمة العفو الدولية في 3 و4 آب/أغسطس 2006 والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في 1 أيلول/ سبتمبر 2006، السلطات الحكومية والإدارية بالأعمال التي تعرّض لها صاحب الشكوى حال اعتقاله. وفي 4 آب/أغسطس 2006، اعتمد تحالف مؤلف من عشر منظمات للدفاع عن حقوق الإنسان مقرها في بوروندي، ومنها مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، إعلاناً يندد فيه علن اً بعمليات توقيف واحتجاز عدة أشخاص، من بينهم صاحب الشكوى الذي ذكره الإعلان باسمه ( ) . وعلاوة على ذلك، اضطلع الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي والمقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب، في 10 آب/أغسطس 2006، بتدخل مشترك من خلال إطلاقهما نداء عاجل اً لفائدة صاحب الشكوى. ويحيل صاحب الشكوى أيضاً إلى الملاحظات الختامية التي قدمتها لجنة مناهضة التعذيب بعد النظر في التقرير الدوري للدولة الطرف في عام 2006، ودعت فيها السلطات إلى أن تُجري تحقيقاً فورياً ونزيهاً إثر ورود معلومات تفيد بأن العديد من المحتجزين بتهمة محاولة تنفيذ انقلاب تعرضوا للتعذيب (انظر الوثيقةCAT/C/BDI/CO/1، الفقرة 12) .

٢-٩ وهكذا، أُخبِرت السلطات البوروندية مرار اً بأعمال التعذيب التي تعرض لها صاحب الشكوى، ومن ثم لم يكن ممكن اً أن تجهلها. بيد أنه عند تقديم البلاغ إلى اللجنة، كان قد مر أكثر من خمس سنوات على وقوع الأحداث، ولم يكن قد اتّخذ أي إجراء بشأن الشكوى. وتعذر على صاحب الشكوى، بسبب أوجه قصور النظام القضائي وكذا المخاطر التي تهدد سلامته الجسدية، اللجوء إلى تدابير أخرى للحصول على حكم لصالحه. وعلى وجه الخصوص، لم يمكن بإمكانه مراسلة المدعي العام للجمهورية ليشتكي من الموقف السلبي لنائبه ويطلب إليه فتح تحقيق لأن ه ذا الأخير أصبح في أثناء ذلك مد ّ ع ي اً عام اً للجمهورية، ومن ثم كان يتعين على صاحب الشكوى أن يقدّم شكواه إلى الشخص نفسه الذي رفض اتخاذ أي إجراءات في حالته. ولقد كانت فرص نجاح هذا الإجراء معدومة.

٢-١٠ وهكذا فإن صاحب الشكوى يبين ‘ 1‘ أن سبل الانتصاف الداخلية المتاحة لم تلب أياً من مطالبه إذ لم تستجب السلطات لشكاواه، بينما كان يجب عليها أن تفتح تحقيقاً جنائياً على أساس ادعاءاته؛ و(ب) أن سبل الانتصاف هذه جاوزت الآجال المعقولة إذ مر أزيد من خمس سنوات على وقوع الأحداث دون أن يفتح أي تحقيق فيها؛ و(ج) أنه كان خطر اً عليه أن يلجأ إلى تدابير أخرى لأن الأشخاص المتورطين في وقائع التعذيب مسؤولون كبار في جهاز الاستخبارات وأشخاص قريبون من الحكومة الموجودة.

الشكوى

٣-١ يدّعي صاحب الشكوى أنه ضحية انتهاكات بوروندي لحقوقه المحمية بموجب المواد ٢ (الفقرة 1) و11 و14، مقروءة بالاقتران مع المادة ١ وعلى سبيل التحوط مع المادة ١٦ من الاتفاقية.

٣-٢ ويرى صاحب الشكوى أن الإيذاء البدني الذي تعرض له سبب له آلاماً ومعاناة حادة ويشكل عملاً من أعمال التعذيب بالمعنى المعرّف في المادة الأولى من الاتفاقية. وقد استعمل موظفو جهاز الاستخبارات، وهم موظفون حكوميون، هراوات وعصيّ اً وأسلاك اً حديدية وضربوه ضرباً مبرحاً لأزيد من ساعتين من أجل الحصول على اعترافاته. وأشكال الإيذاء هذه كانت متعمدة كما يدل على ذلك الغمس المسبق للأدوات المستعملة في ضرب الضحية في الرمل حتى يدخل هذا الأخير في الجروح الناجمة عن الضرب، وكذا تصوير مشهد التعذيب بالفيديو.

٣-٣ ويشير صاحب الشكوى أيض اً إلى أن الدولة الطرف لم تتخذ التدابير التشريعية أو غير التشريعية اللازمة لمنع ممارسة التعذيب في بوروندي، بما يتعارض مع التزاماتها المنصوص عليها في (الفقرة 1) من المادة 2 من الاتفاقية. ولم يستطع صاحب الشكوى، خلال فترة احتجازه لمدة سبعة أيام في زنزانة جهاز الاستخبارات، الاتصال بمحام أو تلقي زيارات أفراد أسرته أو تلقي أي علاج طبي. ووفقاً لصاحب الشكوى، أخلّت الدولة الطرف أيضاً بالتزامها بالتحقيق في أعمال التعذيب التي تعرض لها بغية تقديم المذنبين إلى العدالة. وعلاوة على ذلك، ورغم إصلاح قانون العقوبات في عام 2009 لا تزال ثمة عقبات قانونية تحول دون منع التعذيب بصورة فعالة. وعلى وجه الخصوص، لا يرفض أي حكم قانوني رفضاً صريحاً صلاحية الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، فكل ما تنص عليه المادة 27 من قانون الإجراءات الجنائية هو أنه "تبطل الاعترافات بالذنب عندما يثبت أنها انتُزعت تحت التعذيب". وبالإضافة إلى ذلك، يشير صاحب الشكوى إلى أن القانون البوروندي ينص على تقادم أعمال التعذيب بعد مرور عشرين أو ثلاثين سنة على ارتكابها بحسب الظروف، ما عدا عندما ترتكب في سياق جرائم الحرب أو الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية أو جرائم الإبادة الجماعية ( ) . وهكذا، يؤكد صاحب الشكوى أن الدولة الطرف لم تعتمد تدابير تشريعية أو أي تدابير أخرى تقتضيها المادة 2 (الفقرة 1) من الاتفاقية.

٣-٤ ويدعي صاحب الشكوى أن السلطات البوروندية لم تراقب كما يلزم طريقة معاملته أثناء احتجازه في مقر جهاز الاستخبارات، إذ: لم تتح له إمكانية الاتصال بمحام؛ ولم يكن بإمكانه الطعن في احتجازه؛ ولم يعرض على طبيب؛ ولم يستطع الاتصال بأفراد أسرته لإبلاغهم بتوقيفه. وفي هذا الصدد، يدعي صاحب الشكوى أنه لا يوجد نظام فعال ومنتظم لمراقبة أماكن الاحتجاز وأن ممارسات السلطات البوروندية ، وعلى وجه الخصوص جهاز الاستخبارات، ضد الأشخاص المسلوبة حريتهم لا تمتثل مبادئ المادة ١١ من الاتفاقية.

٣-٥ وعلى الرغم من إبلاغ السلطات البوروندية بأعمال التعذيب التي تعرض لها صاحب الشكوى، فإنها لم تجر تحقيقاً فورياً وفعالاً في الأمر، منتهكة بذلك التزامها بموجب المادة 12 من الاتفاقية. وعلاوة على ذلك، يشير صاحب الشكوى إلى أن التشريعات الجنائية البوروندية لا تلزم المدعين العامين للجمهورية بمتابعة مرتكبي أعمال التعذيب ولا حتى بالأمر بالتحقيق فيها ( ) .

٣-٦ ويحتج صاحب الشكوى أيض اً بالمادة ١٣ من الاتفاقية بدعوى عدم فتح أي تحقيق في ادعاءاته رغم تقديمه شكوى رسمية في ٢٢ أيلول/سبتمبر ٢٠٠٦ بشأن أعمال التعذيب. ولم تُتخذ أي إجراءات بشأن شكواه رغم أنها كانت مدعومة بعنصر إثبات قوي أُقيم في إطار طلب رأي خبير. وهكذا لم يُنظَر في القضية على نحو فوري ونزيه، خلافاً لما تنص عليه المادة 13. وعلاوة على ذلك، أودع محامي شخص آخر أوقفه موظفو جهاز الاستخبارات في مثل الظروف التي أوقف فيها صاحب الشكوى نفسه السجن بعد تنديده بالتعذيب الذي تعرض له موكله ( ) . وحسب صاحب الشكوى، يشكّل هذا التصرف إجراءً يقصد به تخويف الضحايا في هذه القضية ومحاميهم، وهو ما أثار مخاوف مشروعة على أمنهم. وفي الختام، يدعي صاحب الشكوى أن الدولة الطرف لم تضمن حقه في تقديم شكوى بغرض النظر على نحو فوري ونزيه في الوقائع المزعومة، منتهكة بذلك المادة 13 من الاتفاقية.

٣-٧ ويرى صاحب الشكوى أيض اً أن الدولة الطرف لم تمتثل الالتزام الواقع عليها بموجب المادة 14، ذلك لأن الجرائم المرتكبة ضده قد مرت دون عقاب، من جهة، ولأنه لم يتلق أي تعويض ولم يستفد من أي تدبير من تدابير إعادة التأهيل لقاء ما تعرض له من تعذيب، من جهة أخرى. وبالنظر إلى موقف السلطات القضائية السلبي، تنعدم من الناحية الموضوعية فرص نجاح أي سبل انتصاف أخرى، ولا سيما الحصول على الجبر من خلال رفع دعوى مدنية للحصول على تعويض. وقليلة هي التدابير التي اتخذتها سلطات بوروندي لتعويض ضحايا التعذيب، وهو ما أثارته اللجنة في ملاحظاتها الختامية الصادرة في أعقاب النظر في تقرير الدولة الطرف في عام 2006 (انظر الوثيقة CAT/C/BDI/CO/1، الفقرة 23). ويفيد صاحب الشكوى فيما يتعلق بإجراءات إعادة تأهيله على أكمل وجه ممكن، بدني اً ونفسي اً واجتماعي اً ومالي اً - التي لم يستفد منها - بأن اللجنة لاحظت أيض اً مع القلق في ملاحظاتها الختامية عدم تمكين ضحايا التعذيب من الوسائل التي تضمن لهم هذا الحق. وعلاوة على ذلك، يشير صاحب الشكوى إلى أن واجب الجبر الذي يقع على عاتق الدولة الطرف يشمل تعويضاً عن الضرر المتكبد، دون أن ينحصر فيه، إذ يجب أن يشمل أيضاً اتخاذ تدابير ترمي إلى عدم تكرار الوقائع، مما يعني في المقام الأول إجراء تحقيق وملاحقة المذنبين ( ) . وفيما يتعلق بصاحب الشكوى، تظل الجريمة المرتكبة ضده دون عقاب، وهو ما يكشف عن انتهاك حقه في الجبر بموجب المادة ١٤ من الاتفاقية.

٣-٨ ويؤكد صاحب الشكوى مجدداً أن أعمال العنف التي تعرض لها هي أعمال تعذيب وفقاً للتعريف الوارد في المادة الأولى من الاتفاقية. ولكن، وعلى سبيل التحوط، إذا لم تأخذ اللجنة بهذا التوصيف فمن المؤكد أن الاعتداءات التي تعرض لها صاحب الشكوى تشكل في جميع الأحوال معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة، وأن الدولة الطرف ملزمة أيضاً، بمقتضى ذلك، بمنع وقمع ارتكاب هذه الأفعال أو التحريض عليها أو السكوت عنها من جانب موظفين حكوميين، وذلك بموجب المادة 16 من الاتفاقية. وعلاوة على ذلك، يذكّر صاحب الشكوى بظروف الاحتجاز التي فُرضت عليه لمدة خمسة أشهر وباحتجازه في البداية في زنزانات جهاز الاستخبارات ثم داخل سجن مبيمبا . ويتسم مكانا الاحتجاز المذكوران بالاكتظاظ وببيئة غير صحية ( ) . ويحيل صاحب الشكوى مرة أخرى إلى الملاحظات الختامية للجنة التي كانت قد اعتبرت ظروف الاحتجاز في بوروندي بمثابة معاملة لا إنسانية ومهينة (انظر الوثيقةCAT/C/BDI/CO/1، الفقرة 17). وأخيراً، يذكّر بأنه لم يتلق أي رعاية طبية خلال احتجازه داخل الزنزانة رغم حالته الحرجة ويستنتج من ذلك أن ظروف الاحتجاز التي تعرض لها تشكل انتهاكاً للمادة 16 من الاتفاقية.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية

٤-١ دُعيت الدولة الطرف إلى تقديم ملاحظاتها بشأن مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية في 27 شباط/فبراير 2012. وأرسلت إليها رسائل تذكير في 19 تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٢، و15 أيار/مايو ٢٠١٣، و١٢ آب/أغسطس ٢٠١٣ و١٠ شباط/فبراير ٢٠١٥. وفي 9 حزيران/ يونيه 2015، قدّمت الدولة الطرف تعليقات بشأن "التحقيقات المضطلع بها" وبشأن مقبولية البلاغ. وهي تشير في البداية إلى أن السلطات القضائية باشرت النظر في القضية فور إبلاغها بأعمال التعذيب عن طريق الشكوى المقدمة من المحامي. وفُتحت قضية ضد المتهم جون بوسكو نسابيمانا ، المعروف باسم " ماريغاريج "، تحت الرقم المرجعي D15 5604/ B.V لدى مكتب مدعي عام الجمهورية ببلدية بوجومبورا. وبعد ما لوحظ احتمال وجود دلائل حقيقية للإدانة، أحيلت القضية نفسها إلى مكتب المدعي العام للحكومة وسُجلت لديه تحت الرقمRMP123.256/B.V في 6 تموز/يوليه ٢٠٠٧. واستُدعي شهود الادعاء والدفاع وقدم البعض منهم بالفعل شهادته. ومع ذلك، فإن المتهم يرفض رفض اً قاطع اً الوقائع المنسوبة إليه على أساس أنه لم يكن حاضر اً في عين المكان عند محاولة الانقلاب. وتؤكد الدولة الطرف أن تحقيقات المدعين العامين مازالت جارية حتى الآن بهدف إيجاد أدلة حقيقية لإدانة الجاني، مع مراعاة الضمانات الضرورية لممارسة حقه في الدفاع، وجمع أدلة من شهود الدفاع والادعاء في ظل احترام مبدأ افتراض البراءة.

٤-٢ وفيما يتعلق بالمقبولية، تدفع الدولة الطرف بأنه يتعين على اللجنة رفض البلاغ بموجب المادة 22 (الفقرتان 2 و5(ب)) من الاتفاقية بسبب إساءة استعمال الحقوق، لأن صاحب الشكوى تخلى طوع اً عن سبل الانتصاف المتاحة في القانون المحلي. وترى الدولة الطرف أن توجيه رسائل إلى هيئة حماية إجراء غير كاف، إذ لا يمكن إحاطتها علم اً على نحو واف بالوقائع المذكورة أو بطبيعة الانتهاكات المزعومة إلا عندما تبدي الضحية أو محاميها رغبة حقيقية بالتعاون في التحقيق. وفي هذه القضية، لم يعد المحامي قط لمتابعة إجراءات القضية منذ تقديمه الشكوى إلى مكتب المدعي العام. ولذلك ترى الدولة الطرف أن المحامي قدّم هذه الشكوى دون أن تكون لموكّله نية حقيقية في متابعة الإجراءات، وهو ما يعتبر "تحايل اً فكري اً" وينم عن سوء نية. وتضيف الدولة الطرف أن صاحب الشكوى ينعم بالحرية منذ تبرئته ولا يحضر إلى مكتب المدعي العام أبد اً لمتابعة قضيته. وبالإضافة إلى ذلك، لم يقدّم صاحب الشكوى أي طعن قضائي أو إداري ضد تأخر الإجراءات في مكتب المدعي العام.

٤-٣ وتضيف الدولة الطرف أن الآجال التي اعتُمدت لإغلاق قضية أعمال التعذيب التي تعرض لها الضحية ليست مفرطة لأن إجراءي تقديم الشكوى واللجوء إلى اللجنة متقاربين زمنيا ً . ولذلك فإن هذا الأجل لا يتجاوز الآجال المعقولة ولا يبرر أي استثناء من قاعدة استنفاد جميع سبل الانتصاف المتاحة بموجب النظام القانوني المحلي، وفق اً للماد ة ٢٢ (٥) من الاتفاقية. كما تدعو الدولة الطرف اللجنة إلى أن تشير إلى أن النظام القانوني المحلي يتيح ضمانات حماية كافية لأن اللجوء إلى سلطات الحماية إجراء فعال.

٤-٤ وتخلص الدولة الطرف إلى أن التوصيف الجنائي للأعمال المبلّغ عنها يندرج ضمن اختصاص الهيئات القضائية، وتطلب إلى اللجنة أن تسمح بأن تسير الإجراءات الداخلية في مجراها العادي لأن الادعاءات المقدمة مجرد تخمين ذي طابع سياسي. ولذلك، تبدي استعدادها من جديد لمتابعة هذه القضية.

تعليقات صاحب الشكوى على ملاحظات الدولة الطرف بشأن مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية

٥-١ في 22 تموز/يوليه 2015، قدّم صاحب الشكوى تعليقات على ملاحظات الدولة الطرف. وهو يرفض الحجة القائلة إن البلاغ يشكل إساءة لاستعمال الحقوق. ويشير إلى قضية بن سالم ضد تونس ، حيث لفت اللجنة الانتباه إلى أنه لكي يكون هناك إساءة استعمال للحق في تقديم بلاغ إلى اللجنة بموجب المادة 22 من الاتفاقية، ينبغي أن يتوافر أحد الشرطين التاليين: أن تشكل ممارسة الحق في تقديم بلاغ إلى اللجنة فعلاً كيدياً أو تنطوي على سوء نية أو على الأقل تكون بقصد التضليل أو يكون فيها استخفاف؛ أو ألا يكون للفعل أو التقصير المشار إليه أي صلة بالاتفاقية ( ) . وفي هذه القضية، يرى صاحب الشكوى أن الدولة الطرف لم تثبت وجود هذين الشرطين.

٥-٢ ويرفض صاحب الشكوى أيض اً الحجة التي تفيد بأنه لم يستنفد سبل الانتصاف المحلية، ويكرّر أنه مرّ أكثر من خمس سنوات على وقوع الأحداث وأن شكواه الجنائية، خلاف اً لما تؤكد الدولة الطرف دون الإتيان بالدليل على ذلك، لم تفض إلى إجراء أي تحقيق ( ) . ويذكّر صاحب الشكوى بأن اللجنة لا تشترط سوى استنفاد سبل الانتصاف الفعالة والمفيدة والمتاحة. وفي هذا الصدد، يلاحظ أنه على الرغم من فتح تحقيق ضد السيد نسابيمانا فإنه يوجد عدة أشخاص آخرين ضالعين في أعمال العنف التي تعرض لها. وكما تشير إلى ذلك الدولة الطرف نفسها، مازالت تحقيقات المدّعين العامين جارية حتى الآن بهدف إيجاد أدلة حقيقية لإدانة الجاني. وهكذا قد تكون تحقيقات السلطات القضائية في القضية مازالت جارية بعد انقضاء تسع سنوات على تقديم شكوى صاحب الشكوى في ٢٢ أيلول/سبتمبر ٢٠٠٦.

٥-٣ وأشار صاحب الشكوى بعد ذلك إلى قضية نيونزيما ضد بوروندي ليبيّن أن اللجنة اعتبرت عدم توفير المعلومات والأدلّة التي تسمح لها بأن تقيّم التقدم المحرز في التحقيق وبأن تحكم على فعاليته المحتملة، مع أنه فُتح منذ أكثر من ثماني سنوات، بمثابة تقصير من السلطات المختصة قد يحول دون إمكانية اللجوء إلى أي سبيل انتصاف من شأنه توفير جبر فعال، وأن الإجراءات الداخلية تجاوزت، على أي حال، الآجال المعقولة ( ) . وهكذا يشكّك صاحب الشكوى في مدى صحّة تأكيدات الدولة الطرف بشأن التحقيقات المضطلع بها ويرى أن التحقيق، على فرض أنه فُتح، لم يكن سريع اً وفعال اً ونزيه اً.

٥-٤ ويشير صاحب الشكوى كذلك إلى أنه لم يتخلّ قط عن شكواه لكنه اضطُرّ إلى اللجوء إلى المحاكم الدولية بما أن الوقائع ظلت بدون عقاب بعد مرور فترة زمنية طويلة على حدوثها. ويضيف صاحب الشكوى أن هذين الإجراءين لا يستبعدان أحدهما الآخر، وأنه على الرغم من اللجوء إلى اللجنة سيكون من المستصوب أن تباشر السلطات البوروندية الإجراءات وتقاضي الجناة.

٥-٥ وهو يشير في الأخير إلى أن آجال استنفاد سبل الانتصاف المحلية امتدت لفترة زمنية غير معقولة. واستناد اً إلى الاجتهادات السابقة للجنة، فإن الانتظار فترة خمس سنوات وأربعة أشهر قبل فتح التحقيق في ادّعاءات تعذيب يعتبر مهلة مفرطة الطول ( ) . وفيما يتعلق بادّعاء الدولة الطرف أن صاحب الشكوى لم يطعن في بطء وتيرة إجراءات مكتب المدعي العام، فإنه يشير إلى أنه لم يكن بإمكانه مراسلة المدعي العام للجمهورية ليشتكي من الموقف السلبي لنائبه لأن هذا الأخير أصبح في أثناء ذلك مدعّي اً عام اً للجمهورية. ويرى صاحب الشكوى أن اللجوء إلى الشخص نفسه الذي رفض اتخاذ أي إجراء في حالته لم يكن ليفضي إلى أي نتيجة. وعلاوة على ذلك، قد يعرض نفسه للخطر بمتابعة سبل الانتصاف هذه، لأن المتورطين في أعمال التعذيب التي تعرض لها مسؤولون كبار في جهاز الاستخبارات وأشخاص قريبون من الحكومة القائمة ويتمتعون بسلطات وسبل ضغط مهمة.

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في مقبولية البلاغ

٦-١ قد تأكدت اللجنة، وفقاً لما تقتضيه الفقرة 5(أ) من المادة 22 من الاتفاقية، من أن المسألة ذاتها لم تبحث ولا يجري بحثها في إطار أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية ( ) .

٦-٢ وعلاوة على ذلك، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف اعترضت على مقبولية البلاغ بحجة أن صاحب الشكوى أساء استعمال الحق في تقديم هذا البلاغ. وفيما يتعلق بمسألة إساءة استعمال الحقوق التي ذكرتها الدولة الطرف، تشير اللجنة إلى أنه لكي يكون هناك إساءة استعمال للحق في تقديم شكوى إلى اللجنة بمقتضى المادة 22 من الاتفاقية، ينبغي أن يتوافر أحد الشرطين التاليين: أن تشكل الشكوى فعلاً كيدياً أو تنطوي على سوء نية أو على الأقل تكون بقصد التضليل أو يكون فيها استخفاف؛ أو ألا يكون للفعل أو التقصير المشار إليه أي صلة بالاتفاقية ( ) . وفي هذه القضية، لا يمكن الإثبات أن الشكوى قدمت بسوء نية أو فيها استخفاف لأن صاحب الشكوى يندد بأعمال تعذيب و/أو سوء معاملة، ويدفع بأن الدولة الطرف انتهكت أحكام الاتفاقية ( ) . وبناء عليه، تخلص اللجنة إلى أن صاحب الشكوى لم يسئ استعمال حق تقديم البلاغات بالمعنى المقصود في المادة ٢٢ (٢) من الاتفاقية.

٦-٣ وتشير اللجنة بعد ذلك إلى أن الدولة الطرف اعترضت على مدى مقبولية البلاغ لعدم استنفاد سبل الانتصاف المحلية بحيث أنه فُتحت في أعقاب الشكوى المقدمة من المحامي قضية جنائية وسُجّلت لدى مكتب المدعي العام في 6 تموز/يوليه 2006 تحت الرقمRMP123.256/B.V. وتشير اللجنة إلى أن الدولة الطرف أكدت أن الإجراء يظل معلق اً دون تقديم أي معلومة أو عنصر آخر من شأنه أن يسمح للجنة بأن تقيّم التقدم المحرز فيما يتعلق بهذا الإجراء وبأن تحكم على فعاليته المحتملة، مع أنه لايزال مسجل اً لدى مكتب المدعي العام منذ أزيد من إحدى عشرة سنة. وتخلص اللجنة إلى أن تقصير السلطات المختصة في هذه الحالة قد يحول دون إمكانية اللجوء إلى أي سبيل انتصاف من شأنه توفير جبر فعال، وإلى أن الإجراءات الداخلية تجاوزت، على أي حال، الآجال المعقولة. وهكذا، ترى اللجنة أنه ليس ثمة ما يمنعها من النظر في البلاغ بموجب الفقرة 5(ب) من المادة 22 من الاتفاقية.

٦-٤ وفي ظل غياب أي عوائق أخرى تحول دون مقبولية البلاغ، تباشر اللجنة النظر في الأسس الموضوعية لادعاءات صاحب الشكوى بموجب المواد 1 و2 (الفقرة 1) و11 و14 و16 من الاتفاقية. ‬

عدم تعاون الدولة الطرف

٧- في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 و25 نيسان/أبريل 2016 و29 حزيران/ يونيه 2016 و30 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، دُعيت الدولة الطرف إلى تقديم ملاحظاتها بشأن أسس البلاغ الموضوعية. وتلاحظ اللجنة أنها لم تتلقَّ أي معلومات في هذا الصدد. وتأسف لرفض الدولة الطرف تقديم أي معلومات عن الأسس الموضوعية لادعاءات صاحب الشكوى. وتذكّر بأن الدولة الطرف ملزمة، بموجب الاتفاقية، بأن تقدم إلى اللجنة توضيحات أو تصريحات خطية لتجلية المسألة وتبين، عند الاقتضاء، التدابير التي ربما تكون الدولة قد اتخذتها لمعالجة الوضع. وفي حال عدم ورود رد من الدولة الطرف، يجب إيلاء الاهتمام الواجب لادعاءات صاحب الشكوى، وهي ادعاءات مدعومة بما يكفي من الأدلة.

النظر في الأسس الموضوعية للبلاغ

٨- ١ نظرت اللجنة في الشكوى وهي تأخذ في الحسبان على النحو الواجب جميع المعلومات التي قدمها إليها الطرفان، وفقاً للفقرة 4 من المادة 22 من الاتفاقية. وإذ لم تبد الدولة الطرف أي ملاحظات عن الأسس الموضوعية للبلاغ، يجب إيلاء الاهتمام الواجب لادعاءات صاحب الشكوى.

٨-٢ وتلاحظ اللجنة ادعاء صاحب الشكوى أن سبعة موظفين من جهاز الاستخبارات بزيّ مدني ألقوا القبض عليه في 2 آب/أغسطس 2006 دون أمر قضائي واقتادوه إلى مقر الجهاز. ولاحظت اللجنة كذلك ادعاءات صاحب الشكوى الذي يؤكد أن موظفين من جهاز الاستخبارات ضربوه، بعد إنكاره المشاركة في محاولة الانقلاب المزعوم، ضرب اً مبرح اً في جميع أنحاء جسده؛ ووضعوا حجرة في فمه لكتم صراخه؛ وأن وزيرة التضامن في الدولة الطرف أكدت خلال زيارتها إلى مقر جهاز الاستخبارات في 3 آب/أغسطس ٢٠٠٦، معاينتها وجود أمارات تعذيب على المحتجزين؛ وأن الشهادة الطبية الصادرة في 17 آب/أغسطس ٢٠٠٦ تفيد بأن وجود جروح متشابهة متعددة على جل أجزاء الجسم يوحي بأن الضحية تعرض لأعمال تعذيب؛ وأن صاحب الشكوى لم يتلق، على الرغم من طلباته، أي علاج طبي أثناء احتجازه لمدة سبعة أيام داخل جهاز الاستخبارات؛ وأن الضربات التي تعرض لها بصورة متعمّدة لانتزاع اعترافاته سببت له آلام اً ومعاناة حادة. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تعترض على الوقائع كما قدّمها صاحب الشكوى. وفي هذه الظروف، تستنتج اللجنة أن ادعاءات صاحب الشكوى يجب أن تُؤخذ في الاعتبار كلي اً وأن الوقائع، كما قدمها، تشكل تعذيباً بالمعنى الوارد في المادة الأولى من الاتفاقية.

٨-٣ ويحتج صاحب الشكوى أيضاً بالفقرة 1 من المادة 2 من الاتفاقية التي كان يجب على الدولة الطرف بموجبها أن تتخذ كل "التدابير التشريعية أو الإدارية أو القضائية وغيرها من التدابير الفعالة لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي". وتلاحظ اللجنة، في هذه الحالة، أن صاحب الشكوى ضُرِب ثم احتُجز لمدة سبعة أيام داخل زنزانات جهاز الاستخبارات دون أساس قانوني ودون أن يسمح له بالاتصال بمحام أو أسرته أو طبيب. وتُذكّر اللجنة باستنتاجاتها وتوصياتها التي حثت فيها الدولة الطرف على اتخاذ تدابير تشريعية وإدارية وقضائية فعالة لمنع أي فعل من أفعال التعذيب وسوء المعاملة، واتخاذ تدابير عاجلة لكي تخضع جميع أماكن الاحتجاز للسلطة القضائية من أجل منع موظفيها من اللجوء إلى الاحتجاز التعسفي وممارسة التعذيب (انظر الوثيقة CAT/C/BDI/CO/1، الفقرة 10). وبالنظر إلى ما تقدم، تخلص اللجنة إلى حدوث انتهاك للفقرة 1 من المادة 2، مقروءة بالاقتران مع المادة 1 من الاتفاقية ‬ ( ) .

٨-٤ وتلاحظ اللجنة أيضاً ادعاء صاحب الشكوى الذي يفيد بأن المادة 11 انتُهكت لأن الدولة الطرف لم تراقب كما يلزم طريقة معاملته أثناء احتجازه داخل مقر جهاز الاستخبارات. وقد ادّعى، على وجه الخصوص، أن احتجازه كان مخالف اً للقانون؛ وأنه لم تتح له إمكانية الاتصال بمحام؛ ولم تتح له إمكانية الطعن في احتجازه؛ ولم يستطع الاتصال بأفراد أسرته لإبلاغهم باعتقاله؛ ولم يعرض على طبيب رغم حالته الصحية الحرجة. وتشير اللجنة إلى ملاحظاتها الختامية بشأن التقرير الدوري الثاني لبوروندي التي أعربت فيها عن قلقها إزاء ما يلي: فرط طول فترة الحبس على ذمة التحقيق؛ والحالات العديدة لتجاوز فترة الحبس على ذمة التحقيق؛ وعدم إمساك سجلات للمحتجزين أو إمساكها ناقصة ؛ وعدم احترام الضمانات القانونية الأساسية المتاحة للأشخاص المسلوبة حريتهم؛ وعدم وجود أحكام تنص على إتاحة وصول المعوزين إلى الطبيب وإلى المساعدة القانونية؛ واللجوء التعسفي للحبس الاحتياطي في ظل عدم وجود رصد منتظم لمدى قانونية هذا الحبس وحدود فترته الإجمالية (انظر الفقرة 10 من الوثيقةCAT/C/BDI/CO/2). وفي هذه الحالة، يبدو أن صاحب الشكوى لم يستفد من أي رقابة قانونية. ومما لا شك فيه أن الغياب الواضح لأي آلية لمراقبة الزنزانة التي كان صاحب الشكوى محتجز اً فيها، زاد من خطر تعرّضه لأفعال التعذيب وسوء المعاملة. ولأن الدولة الطرف لم تقدم أي معلومات وجيهة من شأنها أن تثبت أن احتجاز صاحب الشكوى كان بالفعل خاضع اً لمراقبتها، فإن اللجنة تخلص إلى أن الدولة الطرف انتهكت المادة 11 من الاتفاقية ( ) .

٨-٥ وفيما يتعلّق بالمادتين 12 و13 من الاتفاقية، أحاطت اللجنة علماً بادعاءات صاحب الشكوى التي تفيد بأنه احتُجِز دون أساس قانوني من 2 إلى 9 آب/أغسطس 2006، وهو التاريخ الذي عُرض فيه على المدعي العام ووُجّهت إليه رسمي اً تهمة المشاركة في محاولة الانقلاب. وعلى الرغم من أن صاحب الشكوى قدّم شكواه إلى مكتب المدعي العام للجمهورية في ٢٢ أيلول/سبتمبر ٢٠٠٦، وأن هذه الشكوى دُعّمت برأي خبير طبي طلبه قاضي التحقيق وخلص إلى احتمال تعرضه للتعذيب، وأن هذه الوقائع أذيعت على نطاق واسع وأبلغت بها هيئات مختلفة، بمن فيها وزيرة في حكومة الدولة الطرف، لم يجر أي تحقيق بعد مرور أكثر من إحدى عشرة سنة على حدوث الوقائع. وترى اللجنة أن الانتظار طيلة هذه الفترة قبل مباشرة التحقيق في ادعاءات تعذيب يعتبر بوضوح إجراء تعسفي اً. كما ترفض حجة الدولة الطرف التي تُرجع عدم إحراز أي تقدّم في التحقيق إلى عدم تعاون صاحب الشكوى أو محاميه. وتذكر اللجنة بالالتزام الواقع على عاتق الدولة الطرف، بموجب المادة 12 من الاتفاقية، والمتمثل في الشروع في إجراء تحقيق فوري ونزيه بحكم المنصب كلما توافرت أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد أن عمل اً من أعمال التعذيب قد ارتكب ( ) . وفي هذه الحالة، تلاحظ اللجنة حدوث انتهاك للمادة 12 من الاتفاقية.

٨-٦ وبالإضافة إلى عدم امتثال الدولة الطرف لهذا الالتزام، فإنها أخلّت كذلك بالمسؤولية الواقعة عليها بموجب المادة 13 من الاتفاقية بأن تكفل لصاحب الشكوى الحق في تقديم شكوى، وهو ما يفترض أن تستجيب السلطات لهذه الشكوى على النحو المناسب بإجراء تحقيق سريع ونزيه ( ) . وتخلص اللجنة إلى أن المادة 13 من الاتفاقية قد انتُهِكت أيضاً.

٨-٧ وفيما يتعلق بادعاءات صاحب الشكوى بموجب المادة 14 من الاتفاقية، تذكّر اللجنة بأن هذا الحكم لا يعترف بالحق في تلقي تعويض عادل ومناسب فحسب، بل يفرض أيضاً على الدول الأطراف التزام السهر على حصول ضحية أحد أعمال التعذيب على الجبر. وتذكر اللجنة بأن الجبر يجب أن يغطي مجموع الأضرار التي لحقت الضحية وأن يشمل، في جملة تدابير أخرى، رد الحق إلى نصابه والتعويض فضلاً عن تدابير من شأنها أن تضمن عدم تكرار الانتهاكات ، مع مراعاة ظروف كل حالة دائماً ( ) . وفي هذه القضية، وبالنظر إلى عدم إجراء تحقيقات سريعة ونزيهة، على الرغم من وجود أدلة مادية واضحة مفادها أن صاحب الشكوى تعرض لأعمال تعذيب ظلت بدون عقاب، تخلص اللجنة إلى أن الدولة الطرف أخلّت أيض اً بالتزاماتها بموجب المادة ١٤ من الاتفاقية.

٨-٨ وفيما يتعلق بالادعاء المستند إلى المادة 16، أحاطت اللجنة علماً بادعاءات صاحب الشكوى التي تفيد بأنه احتُجز من 2 إلى 9 آب/أغسطس 2006 في زنزانة ضيقة في مقر جهاز الاستخبارات مع 12 محتجزاً آخرين في ظروف صحية مزرية، وبأنه حُرم من رؤية طبيب رغم طلبه ذلك مرار اً ورغم حالته الصحية الباعثة على القلق. ويدّعي كذلك أنه اعتباراً من 9 آب/يوليه 2006 نُقِل إلى سجن مبيمبا الذي يتسم بظروف غير صحية وحالة اكتظاظ شديد تشكلان معاملة لاإنسانية ومهينة. وفي ظل عدم ورود أي معلومات وجيهة من الدولة الطرف في هذا الصدد، تخلص اللجنة إلى أن الوقائع في هذه الحالة تكشف عن انتهاك الدولة الطرف لالتزاماتها بموجب المادة ١٦ من الاتفاقية ( ) .

٩- واللجنة، إذ تتصرف بموجب الفقرة 7 من المادة 22 من الاتفاقية، تخلص إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف وقوع انتهاك للفقرة 1 من المادة 2 مقروءة بالاقتران مع المواد 1 و11 و14 و16 من الاتفاقية.

١٠- وتحث اللجنة، وفقاً للفقرة 5 من المادة 118 من نظامها الداخلي، الدولة الطرف على الشروع في إجراء تحقيق نزيه في الأحداث المذكورة، بغرض مقاضاة الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا متورطين في المعاملة التي تعرض لها الضحية، وعلى إبلاغها في غضون تسعين يوماً من تاريخ إحالة هذا القرار، بالتدابير المتخذة استجابة إلى الآراء الواردة أعلاه، بما في ذلك تقديم تعويض مناسب وعادل، يتضمن الوسائل اللازمة لإعادة تأهيل الضحية على أكمل وجه ممكن.