الأمم المتحدة

CCPR/C/126/D/2716/2016

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

Distr.: General

24 September 2019

Arabic

Original: English

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

آراء اعتمدتها اللجنة بموجب المادة 5(4) من البروتوكول الاختياري، بشأن البلاغ رقم 2716/2016 * ** ***

بلاغ مقدم من: إيغلي كوسايتي (تمثلها المحامية إيريكا ليونايتي، ومثلتها سابقا ً جورات غوزيفيسيوتي من معهد رصد حقوق الإنسان)

الشخص المدعى أنه ضحية: صاحبة البلاغ

الدولة الطرف: ليتوانيا

تاريخ تقديم البلاغ: 30 تشرين الأول / أكتوبر 2015 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية: القرار المتخذ بموجب المادة 97 من النظام الداخلي للجنة ( المادة 92 حالياً)، والمحال إلى الدولة الطرف في 8 كانون الثاني/يناير 2016 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء: 24 تموز/يوليه 2019

الموضوع: نطاق القيود المفروضة على حرية التعبير؛ قوانين التشهير

المسائل الإجرائية: إساءة استعمال الحق في تقديم البلاغات؛ صفة الضحية؛ المسألة ذاتها

المسائل الموضوعية: حرية الرأي والتعبير

مواد العهد: 19(2)

مواد البروتوكول الاختياري: 1 و 2 و3 و5(2)(أ)

1- صاحبة البلاغ هي إيغلي كوسايتي، وهي مواطنة ليتوانية مولودة في عام 1989. وتدعي أن الدولة الطرف انتهكت حق وق ها المكفولة بموجب المادة ١٩(٢) من العهد. ودخل البروتوكول الاختياري حيز النفاذ بالنسبة لليتوانيا في ٢٠ شباط/فبراير ١٩٩٢. وتمثل صاحبة َ البلاغ محامية.

الوقائع كما عرضتها صاحبة البلاغ

٢-١ خلال الفترة 2009-2013 ، أُقيمت في ليتوانيا ثلاث دعاوى جنائية بتهمة الإرهاب ضد صاحبة البلاغ. وفي ٢٤ آذار/مارس ٢٠١١، طلب المدعي العام م. د.، خلال جلسة المحكمة في إحدى هذه الدعاوى الثلاث ، إلى ال محكمة ا لإقليمية ب فيلنيوس إصدار أمر بالاحتجاز السابق للمحاكمة في حق صاحبة البلاغ. وخلال استراحة تخللت جلسة المحكمة، أجرت صاحبة البلاغ مقابلة مع أحد مراسلي التلفزيون أدلت خلالها ب ال بيان التالي فيما يتعلق بالمدعيي ْ ن العامين الحالي والسابق المكلفي ْ ن بقضيتها الجنائية: "هراء، دولة الهراء، المدعي العام في رأيي ... يرتكب جرائم ... ، كيف لهما أن يقتلا عامة الناس، انظروا ما يفعلانه بخالتي، بأقاربي ... ج. ل. وم. د. مجرمان".

٢-٢ وفي ٢٩ آذار/مارس ٢٠١١، طلب المدعي العام ج. ل. إلى مكتب الادعاء العام بفيلنيوس فتح تحقيق سابق للمحاكمة في حق صاحبة البلاغ، وذلك بموجب المادة ٢٩٠ من قانون العقوبات. وهذه المادة تنص على أن إهانة موظف حكومي، رجلاً كان أو امرأة، أو شخص مكلف بمهام إدارية عمومية أثناء أدائه مهامه، جريمةٌ جنائية.

٢-٣ وفي ١٠ نيسان/أبريل ٢٠١٢، أدانت المحكمة المحلية بفيلنيوس صاحبة البلاغ بالتهم المذكورة أعلاه، وفرضت عليها غرامة مالية قدرها ٣٠٠ ١ ليتاس (حوالي ٣٨٠ يورو). وفي ٢٨ حزيران/يونيه ٢٠١٢، أيدت المحكمة الإقليمية بفيلنيوس قرار محكمة الدرجة الأولى . وفي ٢٢ كانون الثاني/يناير ٢٠١٣، رفضت المحكمة العليا ا لليتواني ة ، ضمن إجراءات النقض، استئناف صاحبة البلاغ.

٢-٤ وقدمت صاحبة البلاغ شكوى إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي أعلنت بهيئتها المكونة من قاض واحد عدم قبول الشكوى في ٣١ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٣.

الشكوى

٣-١ تدعي صاحبة البلاغ أن إدانتها الجنائية بسبب بيانها ال ذ ي انتقدت خلاله المدعيين العامين المكلفين بالإجراءات الجنائية ضدها تشكل انتهاكاً لحقها في حرية التعبير بموجب المادة ١٩(٢) من العهد.

٣-٢ وتؤكد صاحبة البلاغ أن المادة ٢٩٠ من قانون العقوبات تشير حصراً إلى موظف حكومي أو شخص يؤدي مهامَّ إدارية عمومية، وأنه لا يجوز، وف قاً للتشريعات الوطنية، اعتبار المدعين العامين موظفين حكوميين ( ) . وبناء على ذلك، تدفع صاحبة البلاغ بأن المحاكم الوطنية بالغت في تفسير نطاق مضمون المادة ٢٩٠، وهو أمر لا ي ستوفي معايير القانون الدقيق الذي يمكن التنبؤ بعواقبه، ومن ثم فإن التدخل في حقوقها ليس منصوصاً عليه في القانون .

٣-٣ وإضافة إلى ذلك، تؤكد صاحبة البلاغ أن ال هدف من تقييد حرية التعبير المنصوص عليه في المادة ٢٩٠ هو حماية أنشطة الموظفين الحكوميين أو الأشخاص الذين يؤدون مهامَّ إدارية عمومية ( ) . وتدفع بأن هذا الهدف لا يتفق مع أي من الأهداف المشروعة الواردة في المادة ١٩(٣) من العهد. وتصر صاحبة البلاغ على أن عبارة "النظام العام" التي يُحتج بها أساسا ً لتقييد حرية التعبير لا ينبغي توسيع نطاق تفسيرها، وأن حماية أنشطة الموظفين العموميين لا تندرج ضمن تعريف النظام العام. كما أنها لا توافق على ما خلصت إليه المحكمة العليا من أن المادة ٢٩٠ ترمي إلى حماية شرف الموظفين الحكوميين وكرامتهم ، في جملة أمور . وتقر بأن المادة ١٥٥ من قانون العقوبات ترمي في واقع الأمر إلى حماية كرامة الشخص وشرفه؛ ومن ثم، فالإجراءات الجنائية على أساس هذه المادة تقتضي تقديم الضحية شكوى جنائية (المقاضاة الفردية). غير أن إقامة دعوى جنائية بموجب المادة ٢٩٠، التي تنطبق على قضيتها، لا تتوقف على إعراب الضحية صراحة عن إرادتها مقاضاة الجاني. وتلاحظ صاحبة البلاغ أنه حتى لو كان الأمر كذلك، فقد سبق وأن ذكر المدعي العام م. د. أن تعليقات صاحبة البلاغ لم تجعله يشعره بالإهانة. ولهذه الأسباب، لا يمكن القبول بالتبرير القائل إن إدانتها إجراءٌ ضروري لحماية شرف المدعيين العامين وكرامتهما.

٣-٤ وتعترض صاحبة البلاغ على فكرة أن من الممكن تبرير إدانتها، وتدفع بأنه وف قاً لتعليق اللجنة العام رقم ٣٤(٢٠١١) بشأن حرية الرأي وحرية التعبير، يجب أن يكون أي تقييد لحرية التعبير متلائماً مع شرطَي الضرورة والتناسب الصارمين . وتحتج صاحبة البلاغ بأن المادة ٢٩٠ من قانون العقوبات الليتواني لا تستوفي شرط الضرورة لأنها، خلا فاً للاجتهادات السابقة للجنة والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، تضمن للموظفين الحكوميين أو الأشخاص الذين يؤدون مهام إدارية عمومية حماية أكبر مقارنة بغيرهم ( ) . وتذك ّ ر صاحبة البلاغ بأن جريمة إهانة موظف حكومي أو شخص يؤدي مهام إدارية عمومية بموجب المادة ٢٩٠ جريمةٌ يعاقب عليها بالسجن سنتين حداً أقصى بينما يُعاقب على الإهانة بموجب المادة ١٥٥ بالسجن سنة واحدة حداً أقصى . ويزداد هذا الأمر تعقيداً لأن حدود النقد المسموح به ينبغي أن ت كون أوسع نطاقاً عندما ينحصر ما يُدعى تشهيراً في ا لمهام التي يؤديه ا الشخص ، امرأة كان أو رجلاً، بصفته موظفاً حكومياً وليس بصفته يؤدي عملاً خاصاً به . وتحتج صاحبة البلاغ بأن انتقادها انحصر في الحديث عن استراتيجية الادعاء العام، وهي استرا تيجية ترى أنها ترمي إلى ممارسة ض غوط علي ها ضمن الإجراءات الجنائية المتخ ذ ة في حقها بتهمة الإرهاب.

٣-٥ وتضيف صاحبة البلاغ أنها نطقت الكلمات المطعون فيها فور علمها بطلب المدعي العام وضعها رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة. وتذك ّ ر بأن المنظمات الدولية أعربت في عدة مناسبات عن موقفها بأن ظروف الاحتجاز في ليتوانيا هي بمثابة المعاملة اللاإنسانية والمهينة. ولما كانت صاحبة البلاغ قد وُضعت في السابق رهن السجن لفترة طويلة، فإن مجرد احتمال إعادتها مرة أخرى إلى السجن وضعها تحت ضغط شديد، وأفضى إلى انتقاداتها. وفي هذا الصدد، تحيط صاحبة البلاغ علماً ببيان المدعي العام م. د. الذي أعلن أن تعليقات صاحبة البلاغ لم تجعله يشعر بالإهانة. و مع ذلك، حتى إذا اعتُبرت تعليقاتها هذه استفزازاً، فإنها تؤكد، وف قاً لتعليق اللجنة العام رقم ٣٤، أن حرية التعبير تحم ي أيضاً التعليقات المبالغ فيها أو الاستفزازية إلى حد ما.

٣-٦ وفيما يتعلق بمسألة التناسب، تضيف أن طبيعة العقوبة المفروضة عليها وشدتها لا تتوافقان مع خطورة الجريمة والأضرار التي يُدعى أنها لحقت المدعيين العامين، وأنها من ثم غير متناسبة. وتحتج صاحبة البلاغ بأن الحكم عليها بدفع غرامة مالية لا يخفف أثر العقوبة الجنائية عليها. فآثار الإدانة تستمر ثلاث سنوات إضافية بعد دفع الغرامة، ومذكرة إدانتها ستكون جز ءاً من سجلها الجنائي، الأمر الذي سيحد من فرصها في سوق العمل.

٣-٧ وتخلص صاحبة البلاغ إلى أن المحاكم المحلية لم تقدم أسبا باً وجيهة وكافية لتقييد حقها في حرية التعبير، وهو تقييد يبدو غير متناسب، ومن ثم، غير ضروري. وبناء على ذلك، تدعي صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف انتهكت حقها المكفول بموجب المادة ١٩(٢) من العهد.

ملاحظات ا لدولة الطرف بشأن مقبولية البلاغ ( )

٤-١ طلبت الدولة الطرف ، في مذكرة شفوية مؤرخة ٨ آذار/مارس ٢٠١٦ إلى اللجنة ، إعلان عدم مقبولية البلاغ لانعدام صفة الضحية، وعدم الإثبات، وإساءة استعمال الحق في تقديم البلاغات بموجب المواد ١ و٢ و٣ من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد، على التوالي.

٤-٢ وفيما يتعلق بوقائع القضية، تدفع الدولة الطرف بأن الإجراءات الجنائية التي اتُخذت في حق صاحبة البلاغ بتهمة التحضير لعمل إرهابي، وأدلت خلالها صاحبة البلاغ بالبيا ن المطعون فيه، تابعها الجمهور على نطاق واسع. فقد بُثت مقابلتها موضوع هذه القضية في أكبر القنوات التلفزيونية التجارية حينها. وتدفع الدولة الطرف أيضاً بأنه على الرغم من تبرئة صاحبة البلاغ من هذه التهم بموجب القرار النهائي للمحكمة العليا المؤرخ ١٢ كانون الثاني/يناير ٢٠١٦، تجدر الإشارة إلى أنها أدينت، في قرار مؤرخ ٢٠ شباط/فبراير ٢٠١١، إضافة إلى الإدانة التي يطعن فيها هذا البلاغ، بارتكاب أفعال إجرامية على النحو المنصوص عليه في المادة ١٤٥ (تهديد شخص بالقتل أو بالتسبب له في ضرر صحي شديد أو ترهيب شخص ) والمادة ٢٩٠ (إهانة موظف حكومي أو شخص يؤدي مهامَّ إدارية عمومية) من قانون العقوبات الليتواني. وقد ثبت أن صاحبة البلاغ بعثت عدة رسائل نصية إلى المدعي العام ج. ل. هددت فيها سلامته البدنية. وفي ٨ أيار/مايو ٢٠١٣، أُدينت صاحبة البلاغ أيضاً ، بموجب المادة ٢٣٦ من قانون العقوبات ، بتقديم معلومات زائفة عن جرائم زعمت أن عدة موظفين حكوميين، بمن فيهم المدعي العام ج. ل.، ارتكبوها في حقها.

٤-٣ وفيما يتعلق بمقبولية الشكوى من حيث ما يُدعى انعدام صفة الضحية، تدفع الدولة الطرف بأن صاحبة البلاغ، بدلا ً من الطعن في إدانتها التي ترى أنها غير متناسبة، ي بدو أ نها تطعن نظرياً في توافق هذه المادة الجنائية ذات الصلة بأحكام العهد ( ) . ولهذا السبب، ينبغي اعتبار الشكوى دعوى حسبة ورفضها بموجب المادة ١ من البروتوكول الاختياري. وفي هذا الصدد، تشير الدولة الطرف إلى السوابق القضائية الراسخة للمحاكم المحلية وإلى شروح قانون العقوبات الليتواني، وتحتج بأن المادة ٢٩٠ تشمل جميع الأشخاص الذين يؤدون مهامَّ عمومية، بمن فيهم المدعون العامون، ولا تستثني غير فئات معينة من الناس الذين تحميهم مواد منفصلة من قانون العقوبات ( ) . وتلاحظ الدولة الطرف أن المحكمة العليا نظرت في حجة صاحبة البلاغ في هذا الصدد، وخلصت إلى أن المادة المذكورة لا يجوز تفسيرها بمعزل عن غيرها، بل في ضوء نوايا الهيئة التشريعية والنظام القانوني ككل، فضلا ً عن السوابق القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ( ) . و بالإضافة إلى ذلك، من شأن استبعاد المدعين العامين من نطاق المادة أن يجعل كذلك مجموعة من الأشخاص الذين يؤدون وظائف عمومية عرضة لبيانات التشهير. و وفقاً ل ذلك، ينص القانون على هذا التدخل، وهو حكمٌ واضح يمكن التنبؤ بعواقبه.

٤-٤ وفيما يتعلق بمسألة ما إذا كان ا لتدخل يرمي إلى تحقيق هدف مشروع، وبخاصة الحجج التي ساقتها صاحبة البلاغ فيما يتعلق بالثنائية المزعومة لفعل "الإهانة" الإجرامي بموجب المادة ١٥٥، و"إهانة موظف حكومي" بموجب المادة ٢٩٠، تلاحظ الدولة الطرف أن الفعل الثاني فعل جنائي مستقل ينص عليه قانون العقوبات. وأحد الاختلافات بين الجريمتين المذكورتين أعلاه هو أن القانون يرمي، في حالة "الإهانة"، إلى حماية شرف الشخص وكرامته، في حين أنه يرمي، في حالة "إهانة موظف حكومي أو شخص يؤدي مهامَّ إدارية عمومية"، إلى حماية مجموعة معينة من الأشخاص أثناء أدائهم أنشط ة خاصة بهم . وبإيراد هذا الفعل الجنائي المستقل، يرمي القانون في المقام الأول إلى الحفاظ على النظام العام بدلاً من حماية الشخص من الأضرار، وهي حماية لا يمكن أن ت كون غير هدف تكميلي لهذه المادة. ويبين حكم المحكمة العليا صراحة أن هدف هذه المادة هو تمكين موظفي الخدمة المدنية أو الأشخاص الذين يؤدون مهامَّ إدارية عمومية من أداء مهامهم وضمان أنشطتهم العادية. وترى الدولة الطرف أن تقييد حرية التعبير على هذا الأساس يندرج في فئة القيود المسموح بها، لا سيما حماية النظام العام، بموجب المادة ١٩(٣) من العهد.

٤-٥ وفيما يتعلق بمسألة التناسب، تدفع الدولة الطرف بأن صاحبة البلاغ لم تقدم إثباتاً كافياً لادعاءاتها، وينبغي من ثم اعتبار بلاغها غير مقبول بموجب المادة ٢ من البروتوكول الاختياري. وتدفع الدولة الطرف بأن المحاكم المحلية أجرت تحليلا ً شاملا ً لظروف هذه القضية، بل إن بعض أجزاء بيان صاحبة البلاغ لم تُقي ّ م لأنها كانت مبهمة أو غير مهينة، ولم يكن لها وفقاً لذلك أن تشكل عناصر من الجريمة بموجب المادة ٢٩٠ من قانون العقوبات. وإضافة إلى ذلك، تسلم المحاكم المحلية بأهمية أشكال التعبير التي تسهم في النقاش العام بشأن الشخصيات العامة في المجال العام والمؤسسات العامة، لكنها ترى أن تعليقات صاحبة البلاغ لم تسهم في النقاش العام ، ولا يمكن اعتبار المدعي َ ين العامين المهانين من فئة الشخصيات العامة أو من فئة السياسيين. ولاحظت المحكمة العليا في هذا الصدد أنه يمكن بل ينبغي الانتقاد علناً لكن دون استخدام عبارات مهينة للغاية لا تسهم في إثراء النقاش العام، وإنما تهدد حسن سير مهام الموظفين وشرفهم وكرامتهم. وفي هذا الصدد، شددت المحكمة العليا على أن صاحبة البلاغ لم تُدَن لانتقادها المدعيين العامين، وإنما لإعرابها عن ذلك بنبرة مهينة.

٤-٦ وإضافة إلى ذلك، تصر الدولة الطرف على أن المحاكم نظرت في القضية برمتها، وأخذت في اعتبارها، على النحو الواجب، ظروفها المشدِدة والمخفِفة. وبناء على ذلك، أحاطت المحاكم علماً بأن المقابلة التي أدلت خلالها صاحبة البلاغ ببيانها بُثت على شاشات التلفزيون على نطاق واسع، وشاهدها من ثم عدد غير محدود من العامة. وارتأت المحاكم أيضاً أن ادعاءات صاحبة البلاغ زائفة. ويذكر قرار المحكمة العليا أيضاً أنه لا يمكن تذرع الشخص المتهم، امرأة كان أو رجلاً، باحتمال وجود انتهاكات إجرائية، وبخطورة التهم والعقوبة، و ب الطابع المعقد للقضية، لإهانة الموظفين الحكوميين المكلفين بقضيته الجنائية. ومع ذلك، أخذت المحاكم المحلية في اعتبارها على النحو الواجب أن صاحبة البلاغ تصرفت تحت ضغط شديد عندما أدلت ب بيانها المطعون فيه ( ) . وعلاوة على ذلك، تذك ّ ر الدولة الطرف بأن فرض غرامة مالية هو من أكثر العقوبات تساهلاً على هذا النوع من الأفعال الإجرامية، وأن مبلغ الغرامة (٣٧٧ يورو تقريبا ً ) يقارب أيضاً الحد الأدنى الذي تسمح به أحكام القانون ذات الصلة. وتلاحظ الدولة الطرف أيضاً أن ادعاء صاحبة البلاغ بشأن الآثار الطويلة الأجل التي ستترتب على إدانتها ادعاءٌ مبهمٌ لأنها لم تحدد الوظائف التي لن تكون قادرة على شغلها، وما إذا كانت إدانتها وحدها هي ما سيمنعها من ممارسة هذه الوظائف. وبالإضافة إلى ذلك، و على النقيض من ادعائها، سيُشطب ، على أي حال ، اسمها من سجلها الجنائي بعد ثلاث سنوات من إدانتها.

٤-٧ وبناء على ذلك، ترى الدولة الطرف أن المحاكم المحلية أجرت تحليلا ً شاملاً للعوامل ذات الصلة بهذه القضية، وتضيف أن اللجنة لا ينبغي أن تتصرف وكأنها "محكمة من الدرجة ال رابعة "، وتعمد إلى استعراض تقييم المحاكم المحلية. وفي ضوء الاعتبارات المذكورة أعلاه، تخلص الدولة الطرف إلى أن معاقبة صاحبة البلاغ أمرٌ ضروري في مجتمع ديمقراطي، وهي متناسبة مع الأهداف المنشودة. ولهذا السبب، ترى الدولة الطرف أنه ينبغي اعتبار الشكوى غير مقبولة لانعدام الإثبات الكافي.

٤-٨ وأخيرا ً ، تدفع الدولة الطرف بأن صاحبة البلاغ ضللت اللجنة فيما يتعلق بما يلي: (أ) القول زوراً بأن المحاكم الوطنية وسعت نطاق تفسير القانون الذي استُند إليه لتحديد مسؤوليتها الجنائية؛ (ب) القول بأن القانون يرمي إلى حماية شرف المدعيين العامين وكرامتهما، و أن ذلك يتعارض والأسس المسموح بها لتقييد حرية التعبير؛ (ج) الإشارة إلى قضايا المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي لا علاقة لها بقضيتها لأن سياقاتها الوقائعية والقانونية تختلف عن قضيتها. ولهذا السبب، ترى الدولة الطرف أنه ينبغي إعلان عدم مقبولية الشكوى بسبب إساءة استعمال الحق في تقديم البلاغات بموجب المادة ٣ من البروتوكول الاختياري.

٤-٩ وفي مذكرة شفوية لاحقة مؤرخة ٧ تموز/يوليه ٢٠١٦، كرَّرت الدولة الطرف موقفها القائل إنه ينبغي للجنة إعلان عدم مقبولية البلاغ بموجب المواد ١ و٢ و٣ من البروتوكول الاختياري. ودفعت الدولة الطرف أيضاً بأنه ينبغي للجنة، إن هي نظرت في الأسس الموضوعية للشكوى، أن تأخذ في اعتبارها ملاحظاتها المؤرخة ٨ آذار/مارس ٢٠١٦ فيما يتعلق بمقبولية ادعاءات صاحبة البلاغ وأسسها الموضوعية على السواء، وأن تخلص إلى أن ا لمادة ١٩(٢) من العهد لم تُنتهك للأسباب الواردة في ملاحظات ها.

تعليقات صاحبة البلاغ على ملاحظات الدولة بشأن مقبولية البلاغ

٥-١ ردَّت صاحبة البلاغ في رسالة مؤرخة ١٠ آب/أغسطس ٢٠١٦ على ملاحظات الدولة الطرف. ف فيما يتعلق بالحجج التي ساقتها الدولة الطرف بموجب المادة ١ من البروتوكول الاختياري، تلاحظ صاحبة البلاغ أن إدانتها الجنائية على أساس بيانها الذي انتقدت فيه المدعيين العامين أضرت بلا شك ب حقوقها المنصوص عليها في المادة ١٩ من العهد. وتصر صاحبة البلاغ على أنها لا تود الطعن في القانون نظرياً، بل في نهج تطبيقه في هذه القضية، و كيف أفضى إلى الإضرار بها. ومن ثم، تدعي صاحبة البلاغ أن لها صفة الضحية لأغراض الإجراءات المعروضة على اللجنة.

٥-٢ وفيما يتعلق بحجة الدولة الطرف بأن البلاغ يفتقر لأدلة تثبته، كما تبين بعد أن دققت المحاكم المحلية في جميع جوانب القضية ، تدفع صاحبة البلاغ بأن ثلاث محاكم من ثلاث درجات نظرت في قضيتها وأن ذلك كاف لإثبات ادعائها بأنها استنفدت سبل الانتصاف المحلية. وليس للدولة الطرف أن تستخدم مسألة نظر المحاكم المحلية في شكواها حجة لطلب إعلان عدم مقبولية بلاغها. وبالنسبة لحجج الدولة الطرف فيما يتعلق بتناسب التدخل، تدفع صاحبة البلاغ بأن هذه الحجج تتجاهل أن شكواها الرئيسية المقدمة إلى اللجنة لا تتعلق ب شدة العقوبة المفروضة عليها بل بكونها خضعت لإجراءات جنائية بسبب انتقاداتها العلنية.

٥-٣ وأخيرا ً ، تلاحظ صاحبة البلاغ أن مجرد اختلاف حججها وتفسيرها للقانون عن حجج وتفسير الدولة الطرف لا ينبغي أن تعتبره الدولة الطرف محاولة منها لتضليل اللجنة، بل هو جزء لا يتجزأ من تسوية المنازعات أمام محكمة محايدة. ولا يمكن اعتبار ذلك إساءة استعمال للحق في تقديم البلاغات.

٥-٤ وفي ١٨ نيسان/أبريل ٢٠١٧، أكدت صاحبة البلاغ من جديد موقفها بأن إدانتها الجنائية بسبب إهانة لفظية في حق الادعاء العام تشكل تدخلاً في حقها في حرية التعبير بموجب المادة ١٩(٢) من العهد، وأن هذه الإدانة لا تستوفي الشروط المنصوص عليها في المادة ١٩(٣)، ولا يمكن بناء على ذلك تبريرها. وأبلغت صاحبة البلاغ اللجنة كذلك بأن الفعلين الإجراميين المتمثلين في " ال إهانة" الذي تنص عليه المادة ١٥٥، وفي "إهانة موظف حكومي أو شخص يؤدي مهامَّ إدارية عمومية" الذي تنص عليه المادة ٢٩٠ قد شُطبا من قائمة الجرائم الجنائية في ليتوانيا؛ الأمر الذي يدل أيضاً على أن الإجراءات الجنائية التي أفضت إلى إدانتها حينها لم تكن ضرورية ولا متناسبة.

ملاحظات إضافية من الدولة الطرف

٦-١ كررت الدولة الطرف في مذكرة شفوية مؤرخة ١٩ أيار/مايو ٢٠١٧ موقفها القاضي بأنه ينبغي للجنة أن تعلن عدم مقبولية البلاغ لعدم وجود صفة الضحية، ولعدم الإثبات، ولإساءة استعمال الحق في تقديم البلاغات. وفيما يتعلق بشطب ال سلوك الإجرامي ل صاحبة البلاغ، وغيره من الأفعال التي ارتكبتها حينها، من قائمة الجرائم، تدفع الدولة الطرف بأن قانون العقوبات وقانون الجرائم الإدارية يتضمنان أحكاما ً تتعلق بأفعال إهانة الأشخاص الذين يؤدون مهامَّ عمومية. ولمواءمة هذه الأحكام، وللوفاء بمقتضيات مبدأ عدم جواز المحاكمة على ذات الجُرم مرتين، قررت الهيئة التشريعية إلغاء كلتا المادتين، والعمل بمادة موحدة وحيدة هي المادة ٥٠٧ من قانون الانتهاكات الإدارية.

٦-٢ وأخيرا ً ، تُذك ِّ ر الدولة الطرف بأن قضية صاحبة البلاغ لا تخص علاقة حرية التعبير بوسائط الإعلام، وتؤكد من جديد أيضاً أنه لا ينبغي النظر إلى بيانات صاحبة البلاغ أنه ا معلومات أو أفكار تُعنى بالقضايا العامة أو السياسية، وأن المدعيين العامين موضوعَي قضيتها ليسا شخصيتين عامتين وسياسيتين بارزتين. ولهذا السبب، لا توجد أي علاقة بين أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي تناولت قضايا مماثلة احتجت بها صاحبة البلاغ لإثبات أن بياناتها تقتضي حماية أكبر بموجب الحق في حرية التعبير ، وبين الفصل في هذه الشكوى.

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

٧-١ قبل النظر في أي ادعاء يرد في بلاغ ما، يجب على اللجنة أن تقرر، وفقاً للمادة ٩٧ من نظامها الداخلي، ما إذا كان البلاغ مقبولاً بموجب البروتوكول الاختياري.

٧-٢ وتلاحظ اللجنة أن صاحبة البلاغ قدمت دعوى مماثلة إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وأن المحكمة أعلنت عدم مقبوليتها في ٣١ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٢. وتُذكر اللجنة بأن مفهوم "المسألة ذاتها" بالمعنى المقصود في المادة ٥(٢)(أ) من البروتوكول الاختياري يجب أن يُفهم أنه يتضمن الادعاء نفسه المتعلق بالفرد نفسه أمام هيئة دولية أخرى، في حين أن الحكم المانع الوارد في هذه الفقرة يتعلق بكون المسألة ذاتها قيد النظر في الوقت نفسه. وحتى إذا كان الشخص نفسه قد قدم هذا البلاغ إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فإن هذه الهيئة سبق أن بتت فيه . وعلاوة على ذلك، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تتحفظ على المادة ٥(٢)(أ) لمنع اللجنة من دراسة البلاغات التي سبق أن نظرت فيها هيئة أخرى. وقد تأكدت اللجنة، وفقاً لذلك، من أن المسألة ذاتها لا يجري بحثها بموجب إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية لأغراض المادة ٥(٢)(أ) من البروتوكول الاختياري.

٧-٣ وتلاحظ اللجنة أيضاً أن سبل الانتصاف المحلية استُنفدت، على النحو المطلوب بموجب المادة ٥(٢)(ب) من البروتوكول الاختياري.

٧-٤ وتحيط اللجنة علماً بحجة الدولة الطرف بأن البلاغ غير مقبول بسبب إساءة استعمال الحق في تقديم البلاغات، وأن صاحبة البلاغ تعمدت تقديم معلومات مضللة بشأن توسيع المحاكم المحلية نطاق تفسير القانون وأهدافه غير المشروعة. وترى الدولة الطرف إضافة إلى ذلك أن صاحبة البلاغ انتهجت في إشارتها إلى السوابق القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان نهجا انتقائياً. وتدعي صاحبة البلاغ أنه لا ينبغي اعتبار حججها وتفسيرها القانون محاولة منها لتضليل اللجنة، بل بالأحرى جز ءاً لا يتجزأ من حل المنازعات أمام محكمة محايدة. وترى اللجنة أن المعلومات التي قدمتها صاحبة البلاغ تعكس اختلافاً في تفسير نطاق القانون ولا يمكن اعتبارها إساءة استعمال للحق في تقديم البلاغات.

٧-٥ وفيما يتعلق بحجة الدولة الطرف بأن صاحبة البلاغ لم تقدم ما يثبت أنها "ضحية" بالمعنى المقصود في المادة ١ من البروتوكول الاختياري، تُذكر اللجنة بأنه لا يجوز لأي شخص، امرأة كان أو رجلاً، أن يدعي أنه ضحية بالمعنى المقصود في المادة ١ من البروتوكول الاختياري ما لم تُنتهك حقوقه فعلاً، وأنه لا يجوز لأي شخص أن يطعن، بـ دعوى الحسبة ، في قانون أو ممارسة يرى أنها تتعارض نظريا مع العهد. ومع ذلك، ترى اللجنة أنه لا ينبغي النظر إلى حجج صاحبة البلاغ فيما يتعلق بدقة أحكام القانون وإمكانية التنبؤ بعواقبها بأنها تعني أن صاحبة البلاغ تطعن في القانون نظرياً، وإنما هي تطعن في الأسلوب الذي طُبق به هذا التشريع في قضيتها، لا سيما ما إذا كان القانون قد نص على التدخل المزعوم. ولهذا السبب، ترى اللجنة أن قضية صاحبة البلاغ مشروعة لأن صاحبة البلاغ استوفت إثباتها لأغراض المقبولية بموجب المادة ١٩ من العهد.

٧-٦ وفيما يتعلق بادعاءات الدولة الطرف بأن صاحبة البلاغ لم تستوف إثبات الشكوى، ترى اللجنة أن هذه الادعاءات ترتبط ارتباطا ً وثيقا ً بالأسس الموضوعية، وينبغي من ثم تحليلها في سياق النظر في الأسس الموضوعية لهذه القضية. وبناء على ذلك، تعلن اللجنة أن البلاغ مقبول وتشرع في النظر في أسسه الموضوعية.

النظر في الأسس الموضوعية

٨-١ نظرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أتاحها لها الطرفان، وفقا ً للمادة 5(1) من البروتوكول الاختياري.

٨-٢ وتحيط اللجنة علماً بادعاء صاحبة البلاغ أن إدانتها جنائيا ً بسبب انتقادها علناً عمل المدعيين العامين المسؤولين عن الإجراءات الجنائية المتخذة في حقها تشكل قيداً غير مبرر على حقها في حرية التعبير على النحو الذي تحميه المادة ١٩(٢) من العهد. وترى اللجنة أن إدانة صاحبة البلاغ تشكل بالفعل تدخلاً في حقها في حرية التعبير، وأنه يتعين عليها من ثم النظر فيما إذا كان القيد المفروض على حقوقها في هذه القضية مبرراً بموجب أي من المعايير المنصوص عليها في المادة ١٩(٣) من العهد.

٨-٣ وتذكر اللجنة بأن المادة ١٩(٣) من العهد تجيز فرض بعض القيود لكن شريطة أن تكون هذه القيود محددة بنص القانون، وأن تكون ضرورية لاحترام حقوق وسمعة الآخرين، أو لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. وتشير اللجنة إلى تعليقها العام رقم ٣٤ الذي ذكرت فيه أن هاتين الحريتين شرطان لازمان لنمو وتطور الفرد بالكامل، و أ نهما عنصران أساسيان من عناصر أي مجتمع ، وأنهما يشكلان حجر الأساس لكل مجتمع تسوده الحرية والديمقراطية. ويجب أن يكون أي تقييد لممارسة هذه الحريات متلائما ً مع شرطَي الضرورة والتناسب الصارمين . ولا يجوز تطبيق القيود إلا للأغراض التي وضعت من أجلها، و يجب أن تتعلق مباشرة ب الحاجة المحدد ة التي استدعت وضعها . وتُذكر اللجنة بأن على الدولة الطرف أن تثبت أن القيود المفروضة على حقوق صاحبة البلاغ بموجب المادة ١٩ كانت ضرورية ومتناسبة ( ) .

٨-٤ وفيما يتعلق بمسألة ما إذا كان القانون ينص على التدخل، تلاحظ اللجنة أن الطرفين يختلفان بشأن تفسير القانون المحلي، لا سيما ما إذا كانت المادة ٢٩٠ من قانون العقوبات، من حيث نطاقها، تشمل المدعيين العامين ضمن نطاق الموظفين الحكوميين الذين يحميهم القانون من الإهانة. وفي هذا الصدد، تحيط اللجنة علماً بحجج الدولة الطرف التي تدعي أن التدخل وقع وفقا ً للمادة ٢٩٠ من قانون العقوبات، التي كانت سارية المفعول حينها، وأن هذه المادة فُسرت وفقاً لشروح قانون العقوبات الليتواني ( ) . وتلاحظ اللجنة أيضاً حجة الدولة الطرف بأن المحكمة العليا الليتوانية استعرضت هذه المسألة بعمق، وأكدت أن تفسير صاحبة البلاغ القانون يجعل المدعيين العامين خارج حماية القانون، وهو تفسير لا يتسق وأحكام المحاكم المحلية، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ( ) ، ويتعارض مع هدف الهيئة التشريعية.

٨-٥ وتذكر اللجنة باجتهاداتها السابقة التي تفيد بأنه ينبغي إيلاء أهمية كبيرة للتقييم الذي تجريه الدولة الطرف، وأنه يتعين على أجهزة الدول الأطراف في العهد ، بوجه عام، أن تستعرض وتقيم الوقائع والأدلة بغية تحديد ما إذا كان هذا الخطر قائما ً ، ما لم يثبت بوضوح أن التقييم كان تعسفياً، أو أنه يشكل خطأ صريحاً أو ميلا ً في الحكم ( ) . وفي هذه القضية، لا يمكن القول إن تقييم المحكمة العليا كان تعسفياً، أو أنه بلغ حد الميل في الحكم لأن التدخل موضوع هذه القضية استند إلى أساس قانوني، و ل أن تطبيق المادة القانونية المذكورة على قضية صاحبة البلاغ لم يتجاوز ما يمكن التنبؤ ب عواقبه في ظروف معقولة. وبناء على ذلك، ترى اللجنة أن هذا التدخل منصوص عليه في القانون بالمعنى المقصود في المادة ١٩(٣) من العهد. وفيما يتعلق بما ساقته صاحبة البلاغ من حجج بشأن الطابع الجنائي لقانون التشهير، و من حجج مؤداها أن حماية الموظفين العموميين من التشهير حمايةً أفضل من غيرهم ينبغي اعتباره إجراء ً تمييزي اً فإنما هي حجج ترتبط في جوهرها بمسألة ما إذا كان التدخل الناجم عن تطبيق القانون ذي الصلة في هذه القضية ضرورياً ومتناسباً.

٨-٦ وفيما يتعلق بمسألة ما إذا كان التدخل موضوع القضية يرمي إلى تحقيق هدف مشروع، تتشبث صاحبة البلاغ بالقول إن الدولة الطرف لم توضح، لأسباب بعينها ، كيف أن من شأن بيانها أن ي ُ عرض عمل المدعيين العامين للخطر ل أغراض أحد الأهداف المشروعة المنصوص عليها في المادة ١٩(٣) من العهد. وتحيط اللجنة علماً أيضاً بحجة صاحبة البلاغ القائلة إن هدف المادة ٢٩٠ لا يمكن أن يكون حماية شرف الآخرين وكرامتهم لأن فعل "الإهانة" المنفصل، المنصوص عليه في المادة ١٥٥ من قانون العقوبات ، هو الذي له هذا الهدف. وتطعن الدولة الطرف في هذه الادعاءات. وتحتج بأن هذه المادة ترمي إلى تمكين الموظفين الحكوميين من أداء مهامهم، ولو أن حماية شرفهم وكرامتهم قد تخدم أيضاً غرضاً مساعداً فيما يتعلق بالقيود المسموح بها.

٨-٧ و تلاحظ اللجنة أنه خدمة لإقامة العدل على نحو سليم، سبق أن اعتُرف بأن القيود المفروضة على الحق في حرية التعبير ترمي إلى تحقيق أهداف مشروعة في عدد من قضايا الطعن في الإدانات الجنائية بتهمة انتهاك حرمة المحكمة ( ) . وتذكر اللجنة بتعليقها العام رقم 34 الذي تشير في الفقرة 47 منه إلى ما يلي :

يجـب أن تصاغ قـوانين التشهير بعناية لضمان امتثالها أحكام الفقرة 3 [من المادة 19]، وعدم استخدامها ، عملياً، لخنق حرية التعبير. وينبغي لجميع هذه القوانين، لا سيما قوانين التشهير الجنائية، أن تشمل أحكاماً للدفاع مثل الدفاع عن الحقيقة، و لا ينبغي أن تطبق على أشكال التعبير التي لا يمكن التحقق من صحتها بالنظر إلى طبيعتها. وفيما يخص التعليق على الشخصيات العامة على الأقل، ينبغي العمل على تفادي المعاقبة على البيانات غير الصحيحة التي تُنشر خطأ ً ودون سوء نية، أو جعلها بيانات غير مسموح بها قانوناً. وعلى أي حال، ينبغي الاعتراف بالاهتمام العام بموضوع الانتقاد باعتباره وسيلة للدفاع. وينبغي أن تتوخى الدول الأطراف الحيطة لتفادي التدابير العقابية والعقوبات المفرطة.

وفي الوقت نفسه، تعترف اللجنة بأن المدعين العامين ليسوا على قدم المساواة مع الشخصيات العامة، فهم يحتاجون، مثل الموظفين القضائيين، إلى قدر من ثقة العامة بهم لأداء مهامهم بفعالية. وتدرك اللجنة حجة الدولة الطرف بأن المادة ٢٩٠ من قانون العقوبات الليتواني ت رمي إلى توفير الحماية للمدعين العامين عند أداء المهام المحددة لهم، وأن ذلك يسهم في الحفاظ على ثقة العامة في إقامتهم العدل بشكل عام. وفي ضوء هذه الاعتبارات، ترى اللجنة أن من الممكن تفسير المادة ٢٩٠ بأنها تعزيز لهدف مشروع هو حماية النظام العام.

٨-٨ وفيما يتعلق بتناسب هذا التدبير، تلاحظ اللجنة أن صاحبة البلاغ تطعن في الطبيعة الجنائية لقانون التشهير على أساس أنه قانون تمييزي لأنه يوفر حماية من التشهير أ وسع للموظفين الحكوميين مقارنة بغيرهم من الأشخاص. وتلاحظ اللجنة أيضاً ادعاء صاحبة البلاغ بأنه ينبغي توسيع نطاق النقد المسموح به عندما يتعلق الأمر بعمل الشخص، امرأة كان أو رجلاً، بصفته موظف اً حكومي اً ، وأن الحق في حرية التعبير يتيح أيضاً الحماية للبيانات التي تكون، إلى حد ما، مبالغا فيها أو حتى استفزازية. وإضافة إلى ذلك، تحيط اللجنة علماً أيضاً بأن صاحبة البلاغ أشارت في بيانها إلى أنها كانت تشعر بإجهاد شديد عندما تلفظت كلماتها المنتقدة تلك. وعلاوة على ذلك، تلاحظ اللجنة تظلمات صاحبة البلاغ بشأن الآثار السلبية لعقوبتها الجنائية.

٨-٩ وتلاحظ اللجنة من ناحية أخرى دفع الدولة الطرف بأن المحاكم المحلية درست ظروف القضية دراسة مستفيضة ، وخلصت إلى أن الحاجة إلى حماية النظام العام، أي حماية عمل المدع ي ين العامين ، وهو عمل يسهم في إقامة العدل على نحو سليم، فضلا ً عن ضرورة حماية حقوقهم ا وسمعتهم ا ، تفوق مصالح صاحبة البلاغ في هذه القضية. وتلاحظ اللجنة كذلك حجة الدولة الطرف أن السلطات المحلية أخذت في اعتبارها، عند تقييمها بيانات صاحبة البلاغ، أنها بُثَّت على شاشة التلفزيون وشاهدها عدد غير محدد من الناس ، وأن ذلك قد قوَّض أكثر الحقوق والقيم التي ترمي التشريعات المطعون فيها إلى حمايتها. وارتأت السلطات أيضاً أن صاحبة البلاغ لم تُثبت صحة بياناتها . وتلاحظ اللجنة كذلك حجة الدولة الطرف بأن صاحبة البلاغ لم تُد َ ن، كما يبدو من حكم المحكمة العليا، لإدلائها ببيانات منتقدة في حق المدعيين العامين في حد ذاتها، بل لتعبيرها عن ذلك بنبرة مهينة. وأخيرا ً ، تلاحظ اللجنة دفع الدولة الطرف بأنه على الرغم من أن بيان صاحبة البلاغ تترتب عليه مسؤولية جنائية بموجب القوانين الليتوانية ذات الصلة التي كانت سارية حينها، لم تكن العقوبة ذات طبيعة جنائية، و كانت الغرامة المفروضة قريبة من الحد الأدنى، وأن عقوب تها ستُشطب من سجلها الجنائي بعد ثلاث سنوات.

٨-١٠ وقد أولت اللجنة الحجج التي ساقها الطرفان كل عنايتها، عند تقييمها ضرورة التدخل في هذه القضية ومدى تناسب ه . وتدرك اللجنة أن المحكمة العليا ترى أن صاحبة البلاغ لم تُد َ ن لانتقادها المدعيين العامين في حد ذاته، بل لتعبيرها عن ذلك بنبرة مهينة. غير أن اللجنة تلاحظ أن بعض أجزاء بيان صاحبة البلاغ استُبعدت من تقييم المحاكم المحلية لأنها كانت مبهمة أو غير مهينة، ولم تقدم سوى نسخة مبتورة من أقوالها، ولم يُقد َّ م أي سياق، وهو ما يجعل كامل البيان مبهماً. وعلاوة على ذلك، لا ترى اللجنة أن الاعتبار الواج ب قد أولي لكون صاحبة البلاغ أدلت ببيانها في سياق الإجراءات الجنائية التي نظرت في التهم الجنائية الخطيرة الموجهة إليها، وأن بيانها هذا كان بمثابة رد فعل تلقائي عندما علمت بأنها ستوضع رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة. وقد استأثرت القضية باهتمام واسع من العامة، ولربما كانت لها أبعاد سياسية؛ ومن ثم، فإن عتبة الانتقاد ال ذي ي سهم في النقاش العام يمكن اعتبارها أعلى بشكل معقول. وتلاحظ اللجنة أيضاً أن صاحبة البلاغ ، على الرغم من الحكم عليها بدفع غرامة فقط و الإشارة إلى أن عقوبتها ستُشطب من سجلها الجنائي، أُخضعت مع ذلك لإجراءات جنائية بسبب بيانها ذي الصلة بقضيتها الجنائية هذه. وإضافة إلى ذلك، قد يكون فرض الغرامة على صاحبة البلاغ بمثابة عبء مفرط بالنظر إلى صغر سنها وكونها عاطلة عن العمل حينذاك. وتُذكر اللجنة كذلك، عند إجراء تقييمها، بتعليقها العام رقم ٣٤ الذي يرد في ال فقر ة ٤٧ منه ما يلي: "ينبغي [للدول الأطراف] أن تنظر في نزع صفة الجرم عن التشهير؛ ولا ينبغي في أي حال من الأحوال، الإقرار بتطبيق القانون الجنائي إلا في أشد الحالات خطورة، وألا تكون عقوبة السجن على الإطلاق هي العقوبة المناسبة". وفي هذا الصدد، تلاحظ اللجنة أن المادة ٢٩٠ من قانون العقوبات الليتواني قد ألغيت في ١ كانون الثاني/يناير ٢٠١٧، و أن المادة ٥٠٧ من قانون الانتهاكات الإدارية الجديد، المنطب قة على قضايا مماثلة لقضية صاحبة البلاغ، لا تنص إلا على عقوب ة إدارية بدلاً من المسؤولية الجنائية. وفي ضوء هذه الاعتبارات، ترى اللجنة أن هذه القضية بالذات لا يمكن اعتبارها "من أشد الحالات خطورة"، وتخلص إلى أن القيود المفروضة على حقوق صاحبة البلاغ غير متناسبة، وأنه لم يثبت بناء على ذلك أنها مبررة وفقاً للشروط المحددة في المادة ١٩(٣) من العهد.

٩- وفي ضوء الاعتبارات المذكورة أعلاه، ترى اللجنة أن الدولة الطرف لم تبرر القيود المفروضة على صاحبة البلاغ، وتخلص إلى أن حقوق صاحبة البلاغ المنصوص عليها في المادة ١٩(٢) من العهد قد انتُهكت.

١٠- وترى اللجنة، وهي تتصرف بموجب المادة ٥(٤) من البروتوكول الاختياري، أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاك الدولة الطرف للمادة ١٩(٢) من العهد.

١١- وعملا ً بالمادة ٢(٣)(أ) من العهد، يقع على عاتق الدولة الطرف التزام توفير سبيل انتصاف فعال لصاحبة البلاغ. ويقتضي هذا الأمر من الدولة الطرف تقديم الجبر الكامل للأفراد الذين انتُهكت حقوقهم المنصوص عليها في العهد. وبناء على ذلك، فإن الدولة الطرف ملزمة، في جملة التزامات، باتخاذ الخطوات المناسبة لتعويض صاحبة البلاغ تعويضا ً كافيا ً وسداد أي تكاليف قانونية تكبدتها. والدولة الطرف ملزمة أيضاً باتخاذ جميع الخطوات اللازمة لمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل.

١٢- واللجنة إذ تضع في اعتبارها أن الدولة الطرف، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، اعترفت باختصاص اللجنة في تحديد ما إذا كان قد حدث انتهاك للعهد، وأن ها تعهدت، عملا ً بالمادة ٢ من العهد، بأن تكفل لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها أو الخاضعين لولايتها الحقوق المعترف بها في العهد ، و ب أن توفر سبيل انتصاف فعالا ً إذا ثبت حدوث انتهاك، تود أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون ١٨٠ يوما ً ، معلومات عن التدابير المتخذة لتنفيذ آراء اللجنة. وتطلب أيضاً إلى الدولة الطرف نشر هذه الآراء وتعميمها على نطاق واسع بلغات ها الرسمية.

المرفق

رأي فردي (مخالف) لعضوي اللجنة خوسي مانويل سانتوس بايس وعياض بن عاشور

١- لا نستطيع للأسف تأييد أعضاء اللجنة الآخرين الذين خلصوا إلى أن حقوق صاحبة البلاغ انتُهكت بموجب المادة ١٩(٢) من العهد.

٢- ف في هذه القضية، نتناول مسألة إهانة موظف قضائي، هو مدع عام تحديداً. ولا نتناول مسألة ترتبط بشخصية عامة أو شخصية سياسية، بل بموظف قضائي تدخل في إجراءات المحكمة. ففي الكثير من البلدان، تُصنف هذه القضية في خانة انتهاك حرمة المحكمة أو إهانة موظف قضائي، امرأة كان أو رجلاً، أثناء إداء مهامه. لذا ف استنتاج أن المادة ١٩(٢) من العهد انتُهكت يفضي للأسف إلى تفسيرات تعسفية، لا سيما عندما تتعرض السلطة القضائية لانتقادات شديدة أو تعاني من تدخلات غير مبررة كما هو الحال في كثير من البلدان. و بدلاً من الإسهام في الحفاظ على استقلالية المحاكم وحرية تصرف ات ها، أي ضمان الاحترام الواجب للهيئة القضائية والادعاء العام، وتعزيز سيادة القانون، يبدو أن اللجنة، بآرائها هذه، إنما تمهد الطريق ل اتجاه غير ذلك.

٣- وفي كثير من النظم القضائية، يُعتبر المدعي العام عضواً في السلطة القضائية، إلى جانب القضاة، ويتصرف نيابة عن المجتمع، وخدمة للمصلحة العامة.

٤- وقد جاء في ا لرأيين المشتركين رقم ١٢(٢٠٠٩) للمجلس الاستشاري للقضاة الأوروبيين، ورقم ٤(٢٠٠٩) للمجلس الاستشاري للمدعين العامين الأوروبيين ("إعلان بوردو") ما يلي :

"٣- الأداء السليم للأدوار المتميزة والمتكاملة في آن التي يضطلع بها القضاة والمدعون العامون ضمان ة ضرورية لإقامة العدل بطريقة نزيهة ومحايدة وفعالة. ويجب أن يكون القضاة والمدعون العامون مستقلين فيما يتعلق بمهامهم، و أيضاً مستقلين بعضهم عن بعض، و أن يظهروا أنهم كذلك.

...

٦- ويتطلب إنفاذ القانون ، وعند الاقتضاء الصلاحيات التقديرية المخولة ل لمدعين العامين في المرحلة السابقة للمحاكمة ، كفالة مركزهم قانوناً، على أعلى مستوى ممكن ، شأنهم في ذلك شأن القضاة. فيجب أن يكون المدعون العامون أحراراً في تصرفاتهم ومستقلين في قراراتهم، و أن يؤدوا مهامهم بنزاهة وموضوعية وحيادية".

٥- ويرد في المذكرة الإيضاحية لإعلان بوردو كذلك ما يلي:

"١٠- ويمثل استقلال الادعاء العام نتيجة لازمة لاستقلال القضاء. وأفضل طريقة لأداء المدعين العامين دوره م في تأكيد حقوق الإنسان المكفولة للمشتبه فيهم والمتهمين والضحايا على السواء والذود عنها ، هي أن يكون وا مستقلين في قراراته م عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، و أن يُ حترم الدور المتميز الذي يؤديه القضاة والمدعون العامون احترام اً صحيح اً . ففي أي ديمقراطية قائمة على سيادة القانون، القانون هو الذي يوفر الأساس لسياسة الادعاء (الإعلان، الفقرة ٣).

...

٢٧- واستقلال المدعين العامين شرطٌ ضروريٌ لتمكينهم من أداء مهامهم. وهو يعزز دورهم في دولة القانون وفي المجتمع، ويضمن أيضاً عمل نظام العدالة بنزاهة وفعالية، و تحقيق الفوائد الكاملة لاستقلال القضاء (الفقرتان ٣ و٨ من الإعلان). ومن ثم، فاستقلال المدعين العامين، شأنه شأن الاستقلال الذي يح ظ ى به القضاة، ليس حقاً أو امتيازاً يُمنحونه خدمة لمصالحهم، بل ضمان ة تخدم مصلحة إقامة عدالة نزيهة ومحايدة وفعالة تحمي المصالح العامة والخاصة على السواء.

...

٣٤- ولا ي نفصل استقلال كل من القاضي والمدعي العام عن سيادة القانون. فالقضاة والمدعون العامون يتصرفون خدمة للمصلحة العامة ، باسم المجتمع ومواطنيه الذين لا يطمحون لغير ضمان جميع جوانب حقوقهم وحرياتهم. فهؤلاء المسؤولون يتدخلون في مجالات حقوق الإنسان الأكثر حساسية (الحرية الفردية، الخصوصية، حماية الممتلكات، وغيرها) التي تستحق أعظم قدر من الحماية".

٦- وينص الرأي رقم ٩(٢٠١٤) للمجلس الاستشاري للمدعين العامين الأوروبيين ("ميثاق روما") بشأن القواعد والمبادئ الأوروبية المتعلقة بالمدعين العامين على ما يلي :

"خامسا ً - ينبغي أن يكون المدعون العامون أحراراً في قراراتهم، وأن يؤدوا واجباتهم دون ضغط أو تدخل خارجيين، مع مراعاة مب دأي فصل السلطات والمساءلة".

ويرد في المذكرة الإيضاحية لميثاق روما ما يلي:

"٣٦- [ يجب أن] تكفل الدول تمكين أعضاء النيابة العامة من أداء وظائفهم المهنية دون ترهيب أو تعويق أو مضايقة أو تدخل غير لائق، ودون التعرض، بلا مبرر، للمسؤولية المدنية أو الجنائية أو غير ذلك من المسؤوليات " ( ) .

7- ويشير الرأي رقم ١٣(٢٠١٨) الصادر عن المجلس الاستشاري للمدعين العامين الأوروبيين بشأن استقلال المدعين العامين ومساءلتهم وأخلاقياتهم كذلك إلى مفهوم استقلال المدعين العامين كما يلي:

15- تعني عبارة " الاستقلال " أن المدعين العامين أحرارٌ من التدخلات غير المشروعة في ممارسة مهامهم لضمان الاحترام والتطبيق الكاملين للقانون ولمبدأ سيادة القانون، وأنه لا يجوز إخضاعهم لأي ضغوط سياسية أو نفوذ غير قانوني من أي نوع كان".

٨- وفي هذه القضية، رأت اللجنة أن إدانة صاحبة البلاغ تشكل تدخلاً في حقها في حرية التعبير (الفقرة ٨-٢) ؛ ومع ذلك، قررت أن هذا التدخل منصوص عليه في القانون بالمعنى المقصود في المادة ١٩(٣) من العهد (الفقرتان ٨-٤ و٨-٥). وأقرت اللجنة كذلك أن المادة ٢٩٠ من قانون العقوبات الليتواني ترمي إلى توفير الحماية للمدعين العامين أثناء أداء مهامهم المحددة لهم؛ وهذا الأمر ي ُ سهم في الحفاظ على ثقة العامة في إقامة العدل بشكل عام. وبناء على ذلك، يمكن تفسير هذه المادة بأنها تعزيز لهدف مشروع هو حماية النظام العام (الفقرة ٨-٧) الذي يتضمن احترام القضاة والمدعين العامين.

٩- وقد خلصت اللجنة مع ذلك إلى أن القيود التي فُرضت على حقوق صاحبة البلاغ غير متناسبة، ولم تكن من ثم مبررة بموجب المادة ١٩(٣) من العهد. لكننا نرى أن هذا الاستنتاج يستعصي على فهمنا، ولا يعكس بدقة وقائع هذه القضية.

١٠- وكما تعترف اللجنة بذلك (الفقرة ٨-١٠)، ارتأت المحكمة العليا الليتوانية أن صاحبة البلاغ لم تُد َ ن لإدلائها ببيان منتقد ل لمدعيين العامين في حد ذاته، بل لأنها أعربت عن ذلك بنبرة مهينة. ومع ذلك، ف طريقة عرض اللجنة منطقها هذا طريقة ٌ غير بريئة تماماً . ف في الواقع، تذكر الدولة الطرف أن المحاكم المحلية أجرت تحليلاً شاملاً لظروف هذه القضية، بل إن بعض أجزاء بيان صاحبة البلاغ لم يُقيَّم لكونها مبهمة أو غير مهينة، ولم يكن من ثم ممكنا أن تُعتبر ضمن أركان الجريمة بموجب المادة ٢٩٠ من قانون العقوبات (الفقرة ٤-٥). وإضافة إلى ذلك، تسلم المحاكم المحلية بأهمية أشكال التعبير التي تسهم في النقاش العام بشأن الشخصيات العامة في المجال العام والمؤسسات العامة، لكنها ترى أن تعليقات صاحبة البلاغ لم ت ُ سهم في هذا النقاش ، ولا يمكن اعتبار المدعي َ ين العام َ ين المهانين من فئة الشخصيات العامة أو من فئة السياسيين (انظر أيضاً الفقرة ٦-٢). ولاحظت المحكمة العليا في هذا الصدد أن ه يمكن وينبغي توجيه النقد علناً لكن دون استخدام عبارات مهينة للغاية لا تسهم في إثراء النقاش العام، وتشكل تهديدا لحسن سير عمل الموظفين وشرفهم وكرامتهم. وفي هذا الصدد، شددت المحكمة العليا الليتوانية على أن صاحبة البلاغ لم تُد َ ن لإدلائها ببيان منتقد في حق المدعيين العامين في حد ذاته، بل لأنها أعربت عن ذلك بنبرة مهينة. ونتفق مع ما خلصت إليه المحاكم المحلية الليتواني ة .

١١- ورأت اللجنة أيضاً أنه لم تقد َّ م سوى نسخة مبتورة من أقوال صاحبة البلاغ ، ولم يقد َّ م أي سياق، وهو ما يجعل البيان مبهما بالكامل (الفقرة ٨-١٠). لكننا نخالف هذا الاستنتاج.

١٢- فالنسخة "المبتورة" قدمت ها صاحبة البلاغ نفسها، بل هي حتى أوضحت سياق بيانها (الفقرة ٢-١): أُقيمت ثلاث دعاوى جنائية ضدها في ليتوانيا بتهمة الإرهاب، وهي جريمة خطيرة ( ) . وفي ٢٤ آذار/مارس ٢٠١١، طلب مدع عام إلى المحكمة، أثناء جلسة الاستماع في إحدى هذه الدعاوى ، أن تأمر باحتجاز صاحبة البلاغ احتجازاً سابق اً للمحاكمة ( ) . وخلال استراحة تخللت جلسة المحكمة، أوحت صاحبة البلاغ في بيان أدلت به خلال مقابلة مع أحد مراسلي التلفزيون أن المدعي العام ارتكب جرائم، وقد يقتل أناساً، وأنه مجرم.

١٣- ولا يمكن اعتبار بيان صاحبة البلاغ، خلا فاً لما استنتجت ه اللجنة، مجرد رد فعل تلقائي. فقد سبق أن أُقيمت ثلاث دعاوى جنائية بتهمة الإرهاب في حقها كما تشير إلى ذلك الدولة الطرف (الفقرتان ٤-٢ و٤-٦)؛ و بُثت المقابلة التي أدلت خلالها صاحبة البلاغ ببيانها على نطاق واسع و على أكبر قنوات التلفزيون التجاري حينها، وشاهدها عدد غير محدد من الناس ، وكانت ادعاءات صاحبة البلاغ نفسها كاذبة . ولا يمكن استخدام الانتهاكات الإجرائية المفترضة، وخطورة التهم والعقوبة، وتعقد القضية، ذريعة للمتهم، امرأة كان أو رجلا، لإهانة الموظفين الحكوميين المكلفين ب قضيته الجنائية. وعلى الرغم من ذلك، أخذت المحاكم المحلية في اعتبارها على النحو الواجب أن صاحبة البلاغ لربما تصرفت تحت ضغط شديد عندما أدلت ببيانها المطعون فيه.

١٤- ومن ناحية أخرى، لم تكن هذه أول جريمة ترتكبها صاحبة البلاغ ( ) ؛ فقد سبق أن أدينت بارتكاب أفعال إجرامية بموجب المادة ١٤٥ (تهديد شخص بالقتل أو ب التسبب له في ضرر صحي شديد، أو ترهيب شخص ) و المادة ٢٩٠ (إهانة موظف حكومي أو شخص يؤدي مهامَّ إدارية عمومية ) من قانون العقوبات الليتواني. وقد ثبت أن صاحبة البلاغ بعثت عدة رسائل نصية إلى مدع عام هدد ت فيها سلامته البدنية. وفي ٨ أيار/مايو ٢٠١٣، أُدينت صاحبة البلاغ أيضاً بتقديم معلومات كاذبة عن جرائم زعمت أن عدة موظفين حكوميين ارتكبوها في حقها (الفقرة ٤-٢). ويجب اعتبار أن بيان صاحبة البلاغ في هذه القضية يعوق قدرة المدعي العام على ممارسة مهامه بنزاهة وحياد ، في قضية جنائية بالغة الحساسية والخطورة، و أن له أثر اً واسع اً على العامة ( ) .

١٥- وتشدد اللجنة كثيراً أيضاً على أن عقوبة جنائية - غرامة - فُرضت على صاحبة البلاغ، وهو ما يمثل "عبئاً مفرطاً على صاحبة البلاغ بالنظر إلى صغر سنها وكونها عاطلة عن العمل حينذاك" (الفقرة ٨-١٠). ومع ذلك، لا توجد أي إشارة في هذه الآراء إلى أن صاحبة البلاغ كانت عاطلة عن العمل . وبالنظر إلى أننا نتناول، علاوة على ذلك، مسألة تطبيق المادة ٢٩٠ من قانون العقوبات الليتواني، فمن الطبيعي أن تكون العقوب ة المفروضة ذات طابع جنائي. غير أن الغرامة المفروضة (٣٠٠ ١ ليتاس أو ما يناهز ٣٨٠ يورو) كانت، وف قاً للدولة الطرف، من أكثر العقوبات تساهلاً على هذا النوع من الأفعال الإجرامية، و تقارب أيضاً الحد الأدنى الذي تسمح به أحكام القانون ذات الصلة (الفقرة ٤-٦). وتُعتبر هذه العقوبة نفسها في بلدان أخرى مجرد انتهاك إداري. ومن الحجج التي تبعث على القلق القول إنه ينبغي اعتبار عقوبة جنائية من قبيل الغرامة "عبئا ً مفرطاً"، وإنه لا ينبغي فرضها إذا لم يكن الشخص قادر اً على دفعها. لكن ماذا عن الردع الكامن في العقوبات الجنائية؟ هذه الحجة في غير محلها بوجه خاص لأن المادة ٤٧(٦) من قانون العقوبات الليتواني تنص على إمكانية الاستعاضة عن الغرامة بأداء خدمة مجتمعية إذا لم يكن الشخص قادراً على دفعها. وعلاوة على ذلك، ماذا سيتبقى للسلطات فعله إن هي لم تتمكن من إنفاذ الحكم ذي الصلة من قانون العقوبات؟ فهل ينبغي للمدعي العام المعني أن يرفع بنفسه دعوى مدنية في حق صاحبة البلاغ؟ لا نعتقد ذلك.

١٦- ولا نتفق أيضا ً مع ال حجة القائلة إن المادة ٢٩٠ من قانون العقوبات أُلغيت لاحقاً. فقد أوضحت الدولة الطرف سبب إدخال تلك التغييرات (الفقرة ٦-١). ذلك أن كل اً من قانون العقوبات وقانون الجرائم الإدارية يتضمن مادة تتعلق بإهانة الأشخاص الذين يؤدون وظائف عمومية. ولمواءمة هاتين المادتين، ولتلبية مقتضيات مبدأ عدم جواز المحاكمة على ذات الجرم مرتين، قررت الهيئة التشريعية إلغاء كلتا المادتين، وتطبيق حكم موحد وحيد بموجب المادة ٥٠٧ من قانون الانتهاكات الإدارية. ومع ذلك، لا يمكن إنكار حقيقة أن المادة ٢٩٠ من قانون العقوبات كانت سارية حينها، وتعيَّن على الادعاء إنفاذها، وذلك لأن النظام في ليتوانيا يتبع مبدأ الشرعية وأن جميع الجرائم المبلغ بها يجب التحقيق فيها .

١٧- وبناء على ذلك، ما كان لنا غير أن نخلص، في هذه القضية، إلى أن صاحبة البلاغ لم تثبت ادعاءات شكواها أو، في حال اعتبارها مقبولة، أن المادة ١٩(٢) من العهد لم تُنتهك.

١٨- وفي هذا الصدد، ينطوي قرار عدم المقبولية الذي اتخذته اللجنة في الدورة نفسها ( فلان ضد أستراليا ، البلاغ رقم ٣٥٨٠/٢٠١٩) على أمور مفيدة للغاية. ففي هذه القضية التي استُخدمت فيها لغة أقل عدوانية مما ورد في هذه القضية، خلصت اللجنة إلى أن المعلومات تشير إلى أن تدابير الدولة الطرف استندت إلى القانون ، وأنها كانت ترمي إلى حماية نزاهة القضاء باعتباره عنصراً من عناصر النظام العام، وأن العقوبة المفروضة على صاحب البلاغ ( ) كانت متناسبة و سوء سلوكه المهني الذي أدين بسببه.