التعليق العام رقم 31 [80]

طبيعة الالتزام القانوني العام المفروض على الدول الأطراف في العهد

اعتُمد في 29 آذار/مارس 2004 (الجلسة 2187)

1- يحل هذا التعليق العام محل التعليق العام رقم 3، حيث يجسِّد مبادئه ويطوِّرها. وإن الأحكام العامة المتعلقة بعدم التمييز والواردة في الفقرة 1 من المادة 2 من العهد قد عولجت في التعليق العام 18 والتعليق العام 28، وينبغي قراءة هذا التعليق العام بالتلازم معهما.

2- وفي حين أن المادة 2 صيغت بشكل الالتزامات التي تقع على الدول الأطراف تجاه الأفراد بوصفهم أصحاب الحقوق بمقتضى العهد، فلكل دولة طرف مصلحة قانونية في وفاء كل دولة طرف أخرى بالتزاماتها. وهذا ناشئ عن أن "القواعد المتعلقة بالحقوق الأساسية للإنسان" هي التزامات تسري على الجميع، وعن أنه، على النحو المبين في الفقرة الرابعة من ديباجة العهد، على الدول، بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة التزام بتعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان والحريات الأساسية. وعلاوة على ذلك، فإن البُعد التعاقدي للمعاهدة يتعلق بالتزام كل دولة طرف في معاهدة ما تجاه كل دولة طرف أخرى بالوفاء بتعهداتها بمقتضى المعاهدة. وفي هذا الصدد، تذكِّر اللجنة الدول الأطراف باستصواب إصدار الإعلان المنصوص عليه في المادة 41. وتذكِّر كذلك الدول الأطراف التي أصدرت الإعلان بما لقيامها بتطبيق الإجراء المنصوص عليه في المادة المذكورة من قيمة كامنة. غير أن مجرد وجود آلية رسمية مشتركة بين الدول للتظلم إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان فيما يتعلق بالدول الأطراف التي أصدرت الإعلان المنصوص عليه في المادة 41 لا يعني أن هذا الإجراء هو الأسلوب الوحيد الذي يمكن به للدول الأطراف أن تبدي اهتمامها بأداء دول أطراف أخرى. بل على نقيض ذلك، فإن الإجراء المنصوص عليه في المادة 41 ينبغي اعتباره مكملاً للاهتمام بوفاء كل دولة طرف أخرى بالتزاماتها وليس منتقصاً من ذلك الاهتمام. وعليه، تعرب اللجنة للدول الأطراف عن رأيها بأن انتهاك أية دولة طرف الحقوقَ الواردة في العهد هو أمر جدير باهتمامها. وإن توجيه الأنظار إلى إمكانية إخلال دول أطراف أخرى بالتزاماتها بمقتضى العهد ومطالبتها بالوفاء بتلك الالتزامات هو أمر لا ينبغي اعتباره عملاً غير ودي، بل تجسيداً لاهتمام مجتمعي مشروع.

3- تحدد المادة 2 نطاق الالتزامات القانونية التي تتعهد بها الدول الأطراف في العهد. ويُفرض على الدول الأطراف التزام عام باحترام الحقوق المنصوص عليها في العهد وضمانها لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والخاضعين لولايتها (انظر الفقرة 10 أدناه). وعملاً بالمبدأ المنصوص عليه في المادة 26 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، فعلى الدول الأطراف أن تفي بحسن نية بالالتزامات المنصوص عليها في العهد.

4- إن التزامات العهد عموماً والمادة 2 منه خصوصاً ملزِمة لكل دولة طرف إجمالاً. وكل سلطات الحكومة (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وغيرها من السلطات العامة أو الحكومية، أياً كان مستواها – وطنية أم إقليمية أم محلية – مخوَّلة صلاحية استنهاض مسؤولية الدولة الطرف. والسلطة التنفيذية، التي تتولى عادة تمثيل الدول الأطراف دولياً، بما في ذلك أمام اللجنة، قد لا تبين أن فرعاً آخر من فروع الحكومة قد قام بفعل يتنافى مع أحكام العهد كوسيلة للسعي إلى إعفاء الدول الأطراف من المسؤولية عن الفعل وما ينطوي عليه من تعارض مع أحكام العهد. هذا الفهم يُستمدّ مباشرة من المبدأ الوارد في المادة 27 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، التي تنص على أنه لا يجوز لدولة طرف في معاهدة "أن تحتج بأحكام قانونها الداخلي لتبرر عدم تنفيذها المعاهدة". ومع أن الفقرة 2 من المادة 2 من العهد تتيح للدول الأطراف فيه إعمال الحقوق المعترف بها طبقاً لإجراءاتها الدستورية المحلية، فإن المبدأ ذاته يطبَّق لمنع الدول الأطراف من أن تحتج بأحكام القانون الدستوري أو بغير ذلك من جوانب القانون المحلي لتبرير عدم وفائها بالتزاماتها بمقتضى المعاهدة أو عدم تنفيذها تلك الالتزامات. وفي هذا الصدد، تذكِّر اللجنة الدول الأطراف ذات هيكل اتحادي بأحكام المادة 50 من العهد التي تنص على أن أحكام العهد تنطبق "دون أي قيد أو استثناء، على جميع الوحدات التي تتشكل منها الدول الاتحادية".

5- إن التعهد الوارد في الفقرة 1 من المادة 2 من العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه هو تعهد يترتب عليه أثر فوري بالنسبة إلى جميع الدول الأطراف. وتُرسي الفقرة 2 من المادة 2 الإطار الشامل الذي يتعين تعزيز الحقوق المحددة في العهد وحمايتها ضمنه. وانطلاقاً من ذلك، فقد بيّنت اللجنة، في تعليقها العام 24، أن التحفظات على المادة 2 ستكون متعارضة مع أحكام العهد عند النظر فيها في ضوء أهدافه ومقاصده.

6- إن الالتزام القانوني بموجب الفقرة 1 من المادة 2 هو التزام ذو طابع سلبي وإيجابي على السواء. فعلى الدول الأطراف أن تمتنع عن انتهاك الحقوق المعترف بها في العهد، وأية قيود تُفرض على تلك الحقوق يجب أن تكون مباحة بموجب الأحكام ذات الصلة من العهد. وعلى الدول، عند فرضها أية قيود من هذا القبيل، أن تقيم الدليل على ضرورتها وألا تتخذ من التدابير إلا ما يكون متناسباً مع السعي إلى تحقيق الأهداف المشروعة بغية ضمان حماية الحقوق المنصوص عليها في العهد حماية مستمرة وفعالة. ولا يجوز في أي حال فرض القيود أو التذرع بها على نحو يضرّ بجوهر تلك الحقوق.

7- وتقتضي المادة 2 من الدول الأطراف أن تتخذ تدابير تشريعية وقضائية وإدارية وتربوية وغيرها من التدابير المناسبة بغية الوفاء بالتزاماتها القانونية. وتعتقد اللجنة أن من الأهمية رفع مستويات الوعي بشأن العهد، لا بين المسؤولين العامين وموظفي الدولة فحسب، بل بين عامة السكان كذلك.

8- إن الالتزامات الواردة في الفقرة 1 من المادة 2 هي ملزِمة للدول [الأطراف] وليس لها، بصفتها هذه، أثر أفقي مباشر من حيث القانون الدولي. ولا يمكن اعتبار العهد بديلاً عن القانون الجنائي أو المدني المحلي. غير أن ما يقع على الدول الأطراف من التزامات إيجابية بضمان الحقوق المحددة في العهد لن يتم الوفاء بها تماماً إلا إذا حظي الأفراد بحماية الدولة، ليس فقط مما يقوم به موظفوها من انتهاكات لحقوق العهد، بل أيضاً مما يرتكبه أفراد بصفتهم الشخصية أو ما ترتكبه كيانات من أفعال ضارة بالتمتع بحقوق العهد بقدر ما تكون تلك الحقوق قابلة للإعمال بين الأفراد أو الكيانات. وقد يكون ثمة ظروف يسفر فيها عدم ضمان حقوق العهد على نحو ما تقتضيه المادة 2 عن انتهاكات لتلك الحقوق من قِبَل الدول الأطراف، نتيجة لسماح الدول الأطراف لأفراد أو كيانات بارتكاب أفعال من هذا القبيل أو نتيجة لعدم اتخاذها تدابير مناسبة أو عدم بذلها ما يتوجب من مساع لمنع ارتكاب تلك الأفعال أو للمعاقبة عليها أو التحقيق فيها أو جبر الضرر الناجم عنها. وتوجه اللجنة أنظار الدول إلى الترابط القائم بين الالتزامات الإيجابية المفروضة بمقتضى المادة 2 وضرورة توفير سبل انتصاف فعالة في حال وقوع انتهاك بمقتضى الفقرة 3 من المادة 2. ويتضمن العهد نفسه، في بعض مواده، أحكاماً تنص على مجالات معينة تُفرض فيها التزامات إيجابية على الدول الأطراف بالنظر في أنشطة الأفراد أو الكيانات. وعلى سبيل المثال، فإن الضمانات الواردة في المادة 17 والمتصلة بحرمة الحياة الخاصة هي ضمانات يتوجب حمايتها قانوناً. كما أن من المفهوم ضمناً في المادة 7 أن على الدول الأطراف أن تتخذ تدابير إيجابية لضمان عدم قيام أفراد أو كيانات بتعذيب غيرهم ممن يخضعون لسلطتهم أو معاملتهم معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة. وفي المجالات المتعلقة بالجوانب الأساسية من الحياة العادية، كالعمل أو الإسكان، يتعين حماية الأفراد من التمييز بالمعنى المقصود في المادة 26.]

9- إن المستفيدين من الحقوق المعترف بها في العهد هم الأفراد، بيد أن العهد، في ما عدا المادة 1 منه، لا يورد ذكراً لحقوق الشخصيات الاعتبارية أو ما شابهها من الكيانات أو الجماعات، فإن كثيراً من الحقوق المعترف بها في العهد، كحرية الفرد في المجاهرة بدينه أو معتقده (المادة 18)، أو حرية تكوين الجمعيات (المادة 22)، أو حقوق أعضاء الأقليات (المادة 27)، يمكن التمتع بها بالاشتراك مع آخرين. وإن كون اختصاص اللجنة في تلقي البلاغات والنظر فيها مقتصراً على البلاغات المقدمة من أفراد أو نيابة عنهم (المادة 1 من البروتوكول الاختياري) لا يحول دون ادعاء هؤلاء الأفراد أن الأفعال أو التقصيرات المتعلقة بشخصيات اعتبارية وما شابهها من كيانات هي أفعال أو تقصيرات تعد بمثابة انتهاك لحقوقهم.

10- إن الفقرة 1 من المادة 2 من العهد تقتضي من الدول الأطراف أن تحترم الحقوق المعترف بها فيه وأن تكفلها لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها وجميع الأفراد الخاضعين لولايتها. هذا يعني أن على الدولة الطرف أن تحترم وتكفل الحقوق المنصوص عليها في العهد لأي شخص خاضع لسلطة تلك الدولة أو لسيطرتها الفعلية، حتى وإن لم يكن متواجداً داخل إقليم الدولة الطرف. وعلى النحو المبين في التعليق العام 15 المعتمد في الدورة السابعة والعشرين (1986)، فإن التمتع بحقوق العهد لا يقتصر على مواطني الدول الأطراف بل يجب إتاحته أيضاً لجميع الأفراد، بصرف النظر عن جنسيتهم أو انعدامهم الجنسية، كطالبي اللجوء واللاجئين والعمال المهاجرين وغيرهم من الأشخاص، الذين قد يجدوا أنفسهم في إقليم الدولة الطرف أو خاضعين لولايتها. ويسري هذا المبدأ أيضاً على من يكونون خاضعين لسلطة دولة طرف تتصرف خارج حدود إقليمها أو للسيطرة الفعلية لتلك الدولة، بصرف النظر عن الظروف التي تم فيها حيازة هذه السلطة أو تلك السيطرة الفعلية، كالقوى التي تشكل وحدة وطنية تابعة لدولة طرف أُسندت إليها عملية دولية لحفظ السلم أو إقراره.

11- وكما جاء ضمناً في التعليق العام 29 (1) ، فإن أحكام العهد تسري أيضاً في حالات النـزاع المسلح التي تُطبق عليها قواعد القانون الإنساني الدولي. وفيما يتعلق بحقوق معينة واردة في العهد، فمع أن ثمة قواعد أكثر تحديداً في القانون الإنساني الدولي قد تكون مناسبة بشكل خاص لأغراض تفسير حقوق العهد، فإن ميدانيّ القانون كليهما هما مكملان لبعضهما البعض، ولا يستثني أحدهما الآخر.

12- وعلاوة على ذلك، فإن الالتزام الوارد في المادة 2 الذي يقتضي من الدول الأطراف أن تحترم وتكفل حقوق العهد لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها وجميع الأفراد الخاضعين لسيطرتها ينطوي على التزام بعدم تسليم أو ترحيل أو طرد أو نقل أي شخص بأية طريقة أخرى من إقليمها عندما توجد أسباب وجيهة تدعو إلى الاعتقاد باحتمال إصابة ذلك الشخص بضرر يتعذر إصلاحه، على نحو ما يرد في المادتين 6 و7 من العهد، سواء في البلد المتوخى نقله إليه أو في أي بلد قد يتم نقله إليه في وقت لاحق. وينبغي إحاطة السلطات القضائية والإدارية المعنية علماً بضرورة ضمان الامتثال لالتزامات العهد في هذه المسائل.

13- إن الفقرة 2 من المادة 2 تقتضي من الدول الأطراف أن تتخذ التدابير الضرورية لإعمال حقوق العهد في نظامها المحلي. ومن ثم، فما لم تكن حقوق العهد تحظى أصلاً بحماية القوانين أو الممارسات المحلية للدول الأطراف، يتعين على تلك الدول، لدى مصادقتها على العهد، إجراء ما يلزم من التغييرات في قوانينها وممارساتها المحلية لضمان توافقها مع أحكام العهد. وفي حال وجود تناقضات بين القانون المحلي وأحكام العهد، تقضي المادة 2 بتغيير القانون المحلي أو الممارسة المحلية لاستيفاء المعايير التي تفرضها الضمانات الجوهرية للعهد. وتتيح المادة 2 للدولة الطرف أن تقوم بذلك وفقاً لنظامها الدستوري المحلي الخاص بها، ولا تقضي بالتالي بوجوب تطبيق أحكام العهد مباشرة في المحاكم، وذلك بإدراج تلك الأحكام في القانون الوطني. غير أن اللجنة ترى أن ضمانات العهد قد تحظى بقدر أكبر من الحماية في الدول التي يكون فيها العهد، تلقائياً أو عن طريق الإدماج تحديداً، جزءاً من النظام القانوني المحلي. وتدعو اللجنة الدول الأطراف التي لا يشكل فيها العهد جزءاً من النظام القانوني المحلي أن تنظر في تضمين قانونها أحكام العهد لجعلها جزءاً من القانون المحلي تيسيراً لإعمال حقوق العهد إعمالاً تاماً حسبما تقتضيه المادة 2.

14- إن ما تقضي به الفقرة 2 من المادة 2 من اتخاذ تدابير لإعمال حقوق العهد هو حكم قاطع وذو أثر فوري. وعدم الامتثال لهذا الالتزام لا يمكن تبريره بالإشارة إلى اعتبارات سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية داخل الدولة.

15- أما الفقرة 3 من المادة 2، فتقضي بأن على الدول الأطراف، إضافة إلى حمايتها حقوق العهد حماية فعالة، أن تكفل للأفراد أيضاً سُبل انتصاف فعالة للمطالبة بهذه الحقوق. وينبغي تكييف سُبل الانتصاف هذه على النحو المناسب لمراعاة حالة الضعف الخاصة لفئات معينة من الأشخاص، لا سيما الأطفال. وتعلق اللجنة أهمية على قيام الدول الأطراف بإنشاء آليات قضائية وإدارية مناسبة للنظر في ادعاءات انتهاكات الحقوق بمقتضى أحكام القانون المحلي. وتلاحظ اللجنة أن التمتع بالحقوق المعترف بها في العهد يمكن أن تكفله بشكل فعال السلطة القضائي ة بعدة طرق مختلفة، من بينها إمكانية تطبيق أحكام العهد تطبيقاً مباشراً، أو تطبيق ما يماثلها من أحكام دستورية أو غيره ا من أحكام القانون، أو ما لأحكام العهد من أثر تفسيري في تطبيق أحكام القانون الوطني. وثمة حاجة خاصة للأخذ بآليات إدارية من أجل تفعيل الالتزام العام بالتحقيق في ادعاءات الانتهاكات بسرعة وشمولية وفعالية بواسطة هيئات مستقلة ونزيهة. وبوسع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، بتخويلها سلطات مناسبة، أن تسهم في تحقيق هذه الغاية. وإن تقاعس دولة طرف عن التحقيق في ادعاءات انتهاك قد يفضي، في حد ذاته، إلى حدوث إخلال منفصل بأحكام العهد. وإن وقف استمرار انتهاكٍ ما هو عنصر جوهري من عناصر الحق في سبيل تظلم فعال.

16- والفقرة 3 من المادة 2 تقتضي من الدول الأطراف أن تنتصف للأشخاص الذين انتُهكت حقوقهم التي ينص عليها العهد. فبدون ذلك الانتصاف، لا يكون قد تم الوفاء بالتزام توفير سبيل انتصاف فعال، وهو أمر أساسي في كفاءة تطبيق أحكام الفقرة 3 من المادة 2. وإضافة إلى الانتصاف الصريح الذي تقتضيه الفقرة 5 من المادة 9 والفقرة 6 من المادة 14، ترى اللجنة أن العهد ينطوي عموماً على تعويض مناسب. وتنوه اللجنة بأن الانتصاف قد يشمل، عند الاقتضاء، رد الاعتبار وإعادة التأهيل وتدابير الترضية، كالاعتذارات العلنية وإقامة أنصبة تذكارية عامة، وتقديم ضمانات بعدم التكرار، وإجراء تغييرات في القوانين والممارسات ذات الصلة، فضلاً عن مقاضاة مقترفي انتهاكات حقوق الإنسان.

17- وعلى وجه العموم، فإن عدم نص المادة 2 على الالتزام باتخاذ تدابير لمنع تكرار انتهاك أحكام العهد لن يخدم الغرض المنشود من العهد. وعليه، فقد درجت اللجنة، في الحالات التي تندرج في إطار البروتوكول الاختياري، على تضمين آرائها ضرورة اتخاذ تدابير، فيما يتعدى الانتصاف للضحايا تحديداً، لمنع تكرار حدوث نوع الانتهاك موضع البحث. وقد تقتضي هذه التدابير إجراء تغييرات في قوانين الدولة الطرف أو ممارساتها.

18- وحيثما تكشف التحقيقات المشار إليها في الفقرة 15 عن انتهاكات لحقوق معينة واردة في العهد، على الدولة الأطراف أن تكفل إحضار المسؤولين أمام المحاكم. فعدم القيام بذلك، شأنه في ذلك شأن عدم التحقيق في تلك الانتهاكات، قد يسفر، في حد ذاته، عن إخلال منفصل بأحكام العهد. هذه الالتزامات تنشأ بوجه خاص فيما يتعلق بالانتهاكات المعترف بها كجنائية بموجب إما القانون المحلي أو الدولي، كالتعذيب وما شابهه من معاملة قاسية ولا إنسانية ومهينة (المادة 7)، والإعدام التعسفي وبلا محاكمة (المادة 6)، وحالات الاختفاء القسري (المادتان 7 و9، وفي كثير من الأحيان، المادة 6). وفي الواقع أن مشكلة إفلات مرتكبي هذه الانتهاكات من العقاب، وهي مسألة موضع قلق متواصل لدى اللجنة، يُرجَّح أن تكون عنصراً هاماً يسهم في تكرار الانتهاكات. إن هذه الانتهاكات لأحكام العهد، عندما تُرتكب كجزء من اعتداء واسع الانتشار أو منهجي على السكان المدنيين، تشكل جرائم ضد الإنسانية (انظر نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المادة 7).

ومن ثم، فعندما يرتكب موظفون عموميون وموظفو الدولة انتهاكات لحقوق العهد المشار إليها في هذه الفقرة، لا يجوز للدول الأطراف المعنية أن تعفي مرتكبيها من المسؤولية الشخصية، على غرار ما حدث في حالات عفو معينة (انظر التعليق العام 20(44)) وما سبقها من حصانات قانونية وتعويضات. وعلاوة على ذلك، فإن المركز الرسمي، أياً كان، لا يبرر تمتع من قد يُتهمون بالمسؤولية عن هذه الانتهاكات بالحصانة من المسؤولية القانونية. كما ينبغي إزالة معوقات أخرى أمام تحديد المسؤولية القانونية، كالتذرع بإطاعة أوامر عليا أو قِصَر سريان فترات التقادم إلى حد غير معقول في الحالات التي تسري عليها هذه الفترات. كما ينبغي للدول الأطراف أن تساعد بعضها بعضاً على مقاضاة من يُشتبه في ارتكابهم أفعالاً مخلةً بأحكام العهد يُعاقَب عليها بموجب القانون المحلي أو الدولي.

19- وترى اللجنة كذلك أن الحق في الانتصاف الفعال قد يقتضي من الدول الأطراف في ظروف معينة وضع وتنفيذ تدابير مؤقتة أو انتقالية للحيلولة دون استمرار حدوث انتهاكات والسعي، في أقرب فرصة ممكنة، إلى جبر ما قد تكون هذه الانتهاكات قد سببته من ضرر.

20- وحتى عندما تكون النُظم القانونية للدول الأطراف مخوَّلة رسمياً بالانتصاف المناسب، تحدث مع ذلك انتهاكات لحقوق العهد. وربما يُعزى ذلك إلى قصور سُبل الانتصاف وعدم فعاليتها من الناحية العملية. ومن ثم، يرجى من الدول الأطراف أن تقدم في تقاريرها الدورية معلومات عن العقبات التي تعترض فعالية سُبل الانتصاف القائمة.

الحاشية

(1) التعليق العام رقم 29 المتعلق بحالات الطوارئ، المعتمد في 24 تموز/يوليه 2001، والمستنسخ في التقرير السنوي لعام 2001، A/56/40، المرفق السادس، الفقرة 3.

- - - - -