الأمم المتحدة

CCPR/C/119/D/2148/2012

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

Distr.: General

2 June 2017

Arabic

Original: French

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

قرار اعتمدته اللجنة بموجب البروتوكول الاختياري، بشأن البلاغ رقم 2148/2012 * **

المقدم من: م. أ. ك. (يمثله المحامي أنطوان لوكور)

الشخص المدعى أنه ضحية: صاحب البلاغ

الدولة الطرف: بلجيكا

تاريخ تقديم البلاغ: 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 (تاريخ الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية: ال قرار الذي اعتمده المقرر الخاص بموجب المادة 97 من النظام الداخلي، والذي أحيل إلى الدولة الطرف في 27 نيسان/أبريل 2012 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد القرار: 28 آذار/مارس 2017

الموضوع: إدانة جنائية بسبب الإبلاغ بأفعال فساد

المسائل الموضوعية: الإجراءات القضائية العادلة؛ وعدم رجعية القانون؛ والمساس غير القانوني بالشرف والسمعة

المسائل الإجرائية: غياب صفة الضحية؛ وعدم دعم الادعاءات بأدلة؛ وعدم التوافق الموضوعي مع أحكام العهد؛ وبحث القضية ذاتها من قبل هيئة أخرى من هيئات التسوية الدولية

مواد العهد: 14 و15 و17

مواد البروتوكول الاختياري: 1 و2 و3 و5 ( 2)(أ)

1- صاحب البلاغ هو م. أ. ك.، وهو مواطن باكستاني مولود في 11 تشرين الأول/أكتوبر 1959. وهو يدعي أنه ضحية انتهاكات بلجيكا للمواد 14 و15 و17 من العهد. ويمثله المحامي أنطوان لوكور. وقد دخل البروتوكول الاختياري حيز النفاذ بالنسبة إلى الدولة الطرف في 17 أيار/مايو 1994.

الوقائع كما عرضها صاحب البلاغ

2-1 وصل صاحب البلاغ إلى بلجيكا في عام 1982 وحصل فيها، في العام ذاته، على حق الإقامة. ومنذ نهاية الثمانينات، كان صاحب البلاغ يدير عديد الشركات النشطة، لا سيما في استغلال ما سمي "المضخات البيضاء". وفي ذلك الوقت، كانت الشركات النفطية الكبيرة قد تركت تدريجياً المجال لمحطات البنزين "لبيضاء" - التي سميت كذلك لتمييزها عن محطات البنزين التي تبيع منتجات معلّمة - وذلك بتفويت محطات كانت ترى أنها لم تعد مربحة بما يكفي أو آيلة للإغلاق بسبب احتمال خطورتها (أماكن خطرة، تلوث التربة ...). وقد تسنى للمستغلين الجدد لهذه "المضخات البيضاء" تطبيق أسعار منخفضة نتيجة عدم الاستثمار في التسويق ولا في الموظفين وعدم الاعتماد على هياكل كبيرة مكلفة.

2-2 وفي هذا السياق تندرج الشكوى مجهولة المصدر التي وجهت إلى وزارة المالية في 16 آذار/مارس 1992، بخصوص البيع بأسعار أدنى من الأسعار الرسمية والشراء غير المعلن. وأحالت وزارة المالية هذه الشكوى إلى إدارة التفتيش الضريبي الخاصة، التي بلغت بدورها نيابة بروكسل في 4 حزيران/ يونيه 1992. وبوشرت على هذا الأساس ملاحقات لصاحب البلاغ تضمنت جزأين متمايزين، جزءاً ضريبياً وجزءاً اجتماعياً.

2-3 وبخصوص الجزء الضريبي للقضية، فتح بشأن صاحب البلاغ تحقيق في 15 حزيران/ يونيه 1992 وعهد به إلى القاضي فان إسبن ، الذي تولى إدارته إلى حين تسوية الإجراء في عام 2003. وفي 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1994، فتش منزل صاحب البلاغ وكذلك مكاتب الشركات التي كان يديرها، وصدر في حقه أمر توقيف. وفي 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 1994، أدين صاحب البلاغ بالتهم التالية: التزوير في الكتابة وفي الضريبة على القيمة المضافة، وانتهاك المادتين 449 و450 من قانون الضريبة على الدخل والمواد 45 و50 (الفقرات من 1 إلى 4) و73 و73 مكرراً من قانون الضريبة على القيمة المضافة، والتآمر الإجرامي، والتحيل، وخيانة مؤتمن، وتبيض الأموال.

2-4 وبأمر صادر في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 1994، أكدت غرفة مجلس المحكمة الابتدائية لبروكسل قرار حبس صاحب البلاغ رهن المحاكمة. واستأنف صاحب البلاغ هذا القرار أمام دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف في بروكسل التي أمرت بالإفراج الفوري و اللا مشروط بقرار صادر في 14 كانون الأول/ديسمبر 1994.

2-5 وبقرار صادر في 18 تموز/يوليه 1996، قرر مجلس الشيوخ البلجيكي إنشاء لجنة من أعضائه وتكليفها بالتحقيق في ظاهرة الجريمة المنظمة. وقد استدعت اللجنة في إطار أعمالها أخصائيين وخبراء أكاديميين مختلفين للاستماع إليهم بصفة شهود. وفي هذا السياق، استمعت اللجنة إلى قاضي التحقيق فان إسبن في 14 آذار/مارس 1997. واقترح القاضي، في أثناء شهادته، تعريفاً للجريمة المنظمة، مستنداً إلى حالة المضخات البيضاء وواصفاً في هذا الإطار الأشخاص الضالعين في هذا النظام بأنهم "لصوص" .

2-6 وفي أعقاب هذه الشهادة، استمر التحقيق بإدارة القاضي فان إسبن إلى غاية تشرين الأول/أكتوبر 1998. وتمثلت إجراءات التحقيق في استجوابات لصاحب البلاغ، وتحريات بشأن ممتلكاته، وإضافة معلومات مستقاة من الإدارة الضريبية إلى ملف قضيته. وفي 22 أيلول/سبتمبر 2000، وضعت نيابة بروكسل مذكرة اتهامها لأغراض إحالة صاحب البلاغ إلى محكمة الموضوع المختصة. وفي 8 تشرين الأول/أكتوبر 2002، عقدت جلسة تسوية الدعوى أمام دائرة مجلس المحكمة الابتدائية لبروكسل، حيث لمح القاضي فان إسبن إلى أقواله أمام لجنة التحقيق التابعة لمجلس الشيوخ.

2-7 وإذ اعتبر صاحب البلاغ ومحاموه تلك الأقوال متعارضة مع واجب حياد قاضي التحقيق، فقد قدموا طلبات متعددة من أجل إبطال تقرير القاضي وجميع إجراءات التحقيق التي كان قد اضطلع بها. بيد أن دائرة المجلس (المحكمة الابتدائية) رفضت هذه الطلبات: إذ أصدرت في 8 أيار/مايو 2003 أمراً بإحالة صاحب البلاغ إلى محكمة الجنح على أساس التهم المعروضة في الفقرة 2-3 أعلاه دون أن تضع نزاهة القاضي موضع شكٍ.

2-8 واستأنف صاحب البلاغ هذا القرار، لكن محكمة الاستئناف في بروكسل أكدته (دائرة الاتهام) بقرار صادر في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2003، ورد فيه ما يلي:

"حيث إنه يتبين من عناصر الملف أن قاضي التحقيق أجرى تحقيقه لإثبات التهم أو نفيها واحترم كل الالتزامات التي يمليها عليه القانون (لا سيما المادة 56 من قانون التحقيق الجنائي)؛ وإن ملف التحقيق الضخم المعروض على المحكمة لا يكشف عناصر من شأنها أن تضع استقلال قاضي التحقيق المسلم به حتى يثبت ما يخالف ذلك موضع شك،

وحيث إنه وبالنظر إلى جميع الواجبات المنصوص عليها قانوناً، فإن الأقوال وحدها التي اعتد بها المدانون في الاستنتاجات والاستنتاجات الموجزة والتي أدلى بها قاضي التحقيق في 14 آذار/مارس 1997 أمام اللجنة البرلمانية التابعة لمجلس الشيوخ والمكلفة بالتحقيق في ظاهرة الجريمة المنظمة في بلجيكا لا تكفي للتشكيك بصورة مشروعة في قدرته على إجراء تحقيق نزيه؛ وإن تلك الأقوال صدرت بالفعل في سياق لا علاقة له بالتحقيق، الذي كان قد شارف على نهايته في ذلك الوقت؛ وإن المدانين لم يستغلوا في الوقت المناسب سبل الانتصاف المتاحة لهم قانوناً لطلب تنحية قاضي التحقيق؛ بل إنهم واصلوا طوعاً المثول أمامه إلى حين صدور مذكرة الإحالة عند تسوية الدعوى [...]

وحيث إنه يتبين من هذه الملاحظات والاعتبارات أن قاضي التحقيق لم يخلّ بواجب الحياد الملقى على عاتقه كما لم يبد استناده إلى أحكام مسبقة [...]".

2-9 وطعن صاحب البلاغ في هذا القرار أمام محكمة النقض. واستنتجت محكمة النقض، في قرارها الصادر في 7 نيسان/أبريل 2004، أن قضاة الاستئناف "لم يُبرروا بصورة قانونية قرارهم المتعلق بسلامة أنشطة التحقيق التي اضطلع بها [قاضي التحقيق] بعد 14 آذار/ مارس 1997". وأُحيل الملف إلى دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف في بروكسل.

2-10 وبقرار صادر في 19 تشرين الأول/أكتوبر 2005، أبطلت دائرة الاتهام أمر الإحالة الصادر في 8 أيار/مايو 2003 (الفقرة 2-7) وأمرت بتسمية قاضي التحقيق لوتغينز ، الذي كُلف برفع تقرير إلى دائرة الاتهام بشأن سلامة الإجراءات المتخذة في حق صاحب البلاغ. وفي أثناء الجلسة المعقودة في 15 شباط/فبراير 2006، صرح القاضي بأنه لم يعثر في ملف القضية على إجراءات تحقيق من شأنها أن تشكك في نزاهة قاضي التحقيق فان إسبن .

2-11 وبناءً عليه، خلصت دائرة الاتهام إلى سلامة التحقيق المضطلع به وأمرت، بقرار جديد صادر في 19 نيسان/أبريل 2006، بإحالة صاحب البلاغ أمام محكمة الموضوع المختصة في محاكمته، وهي محكمة الجنح في بروكسل. فطعن صاحب البلاغ بالنقض في هذا القرار.

2-12 وبقرار صادر في 20 أيلول/سبتمبر 2006، رفضت محكمة النقض هذا الطعن بحجة أن قضاة الاستئناف تمكنوا من تقديم تبرير قانوني لقرارهم القاضي بسلامة إجراءات التحقيق التي اضطلع بها قاضي التحقيق بعد 14 آذار/مارس 1997.

2-13 والتمس صاحب البلاغ مرة أخرى أمام محكمة الجنح في بروكسل إبطال إجراءات التحقيق التي اضطلع بها القاضي فان إسبن كما طلب إعلان عدم مقبولية الملاحقة بحجة تقادم الأفعال المنسوبة إليه. ورفض طلبه في 28 أيلول/سبتمبر 2007.

2-14 أما بخصوص الجانب الموضوعي، فقد برّأت محكمة الجنح صاحب البلاغ من تهم التزوير في الكتابة الخاصة وأعلنت ثبوت تهم التزوير الضريبي والتحيل وخيانة مؤتمن وتبييض الأموال والتهرب من الضريبة على القيمة المضافة والتآمر الإجرامي. واستنتجت المحكمة "تجاوزاً أكيداً" لأجل الدعوى الجنائية المعقول المكفول بالمادة 6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وقررت بناءً عليه فرض "عقوبة أدنى بكثير مما كانت ستفرضه لولا تجاوز أجل المحاكمة المعقول".

2-15 وطبّقت محكمة الجنح تخفيض اً على العقوبة الرئيسية المفروضة: فقد حُكم على صاحب البلاغ بالسجن 20 شهراً مع وقف التنفيذ لمدة خمس سنوات، و بغرامة قدرها 000 12 يورو، وبمنع ه من مزاولة نشاط مهني طيلة عشر سنوات، وهو الحد الأقصى المنصوص عليه في الحكم المذكور ( ) . وحُكم أيضاً على صاحب البلاغ بمصادرات مالية فيما يتعلق على التوالي بمبالغ 000 500 1 دولار من دولارات الولايات المتحدة (في إطار تهمة التبييض) و7 9 9.70 016 28 يورو (قيمة الممتلكات المحجوزة في إطار جريمة التحيل). وبخصوص التعويض المدني، فقد حُكم على صاحب البلاغ، مع متهمين آخرين في القضية ذاتها، بدفع مبلغ 194.40 057 56 يورو لفائدة الدولة الطرف.

2-16 وطعن صاحب البلاغ في هذه الإدانة أمام محكمة الاستئناف في بروكسل. وبالاستناد مرة أخرى إلى الأحكام الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، كرر مجدداً الادعاءات المتصلة بالقاضي فان إسبن . وفي 21 تشرين الأول/أكتوبر 2008، رفضت محكمة الاستئناف في بروكسل هذا التعليل، إذ اعتبرت أنه "بعد فحص القضية ككل، وبالنظر إلى ملابساتها الفعلية، فإن المتهم لم يحرم من حقه المطلق في الاستفادة من محاكمة عادلة، وذلك رغم التقصير الصادر عن قاضي التحقيق".

2-17 وبخصوص الادعاء المتعلق بسقوط الدعوى بالتقادم (بدأ أجل تقادم جرائم التزوير الضريبي المنسوبة إلى صاحب البلاغ في 25 تشرين الأول/أكتوبر 1996 على أقصى تقدير، بحيث كان يتعين اعتبار هذا الأجل منقضياً في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2006 على أقصى تقدير)، استندت المحكمة بالأساس إلى مبدأ عدم بدء التقادم إلا بعد انتهاء الأثر المتوخى، أو عند زوال احتمال الضرر الذي قد ينشأ عن التزوير. وهكذا اعتبرت المحكمة في هذه القضية أن الأثر المراد بالتزوير ما زال مستمراً، بحيث لم يكن أجل تقادم الدعوى العامة قد بدأ فيما يتعلق بالأفعال المنسوبة إلى المتهمين.

2-18 وعلاوة على ذلك، أيدت محكمة الاستئناف تحليل محكمة الجنح بخصوص التهم التي يجب أن تنسب إلى صاحب البلاغ وأكدت العقوبات الرئيسية والثانوية المفروضة عليه، مسلّمة بتجاوز أجل الدعوى المعقول. ورفضت محكمة الاستئناف طلب صاحب البلاغ الذي التمس فيه الاكتفاء بإعلان إدانته دون فرض عقوبة عليه، وفقاً لما تجيزه المادة 21 مكرراً ثانياً من الأحكام التمهيدية لقانون الإجراءات الجنائية. وقدم صاحب البلاغ طعناً أخيراً بالنقض في قرار محكمة الاستئناف في بروكسل، مستنفداً بذلك سبل الانتصاف المحلية. ورفضت محكمة النقض هذا الطعن في 3 حزيران/ يونيه 2009.

2-19 وبخصوص الجانب الاجتماعي للقضية، لا سيما فيما يتعلق بمخالفات متنوعة مزعومة للتشريعات واللوائح البلجيكية المتعلقة بتسجيل العمال الإلزامي في نظام الضمان الاجتماعي وبدفع الاشتراكات الاجتماعية، اتهم صاحب البلاغ بأنه استخدم "عمالاً مستقلين مزيفين"، وسمح بتشغيل عاطلين عن العمل وأغفل تعليق ساعات العمل جزءاً من الوقت، وخالف التشريعات المتعلقة بالعمال الأجانب. واتُهم صاحب البلاغ أيضاً بالتزوير في الكتابة لأغراض عقد قران مزيف مع مواطنة بلجيكية بهدف الحصول على حق الإقامة في بلجيكا.

2-20 وفي كانون الأول/ديسمبر 2004، طلبت مفتشية العمل أن تحال إلى محكمة الموضوع المختصة جميع المخالفات المسجلة فيما عدا تلك المتعلقة بالسماح بتشغيل عاطلين وإغفال تعليق ساعات العمل جزءاً من الوقت، وهي تهم طلبت المفتشية بخصوصها عدم سماع الدعوى لنقص الأدلة الكافية. إلا أن دائرة مجلس المحكمة الابتدائية لبروكسل قضت، بأمرين صادرين على التوالي في 13 كانون الثاني/يناير 2006 و14 شباط/فبراير 2006، بسقوط الدعوى العامة بالتقادم لكل مخالفة طُلبت إحالتها. وفي هذا السياق، رأت دائرة المجلس أن من غير الضروري البت في بطلان التحقيق الذي أجراه القاضي فان إسبن .

2-21 وفي 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2009، رفع صاحب البلاغ دعوى على بلجيكا أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وبهيئة تضم قاضياً واحداً، رفضت المحكمة هذه الدعوى بلا تعليل في 4 تشرين الأول/أكتوبر 2011.

الشكوى

3-1 يدعي صاحب البلاغ أن الإجراءات الجنائية المتخذة في حقه أخلّت بشرط الآجال المعقولة، منتهكة بذلك المادة 14 ( 3)(ج) من العهد. ويذكر بأن الإجراءات استغرقت حوالي 17 عاماً. ويتمسك صاحب البلاغ بأن الهيئات القضائية، إذ أخذت في الحسبان تجاوز الآجال المعقولة، لم تطبق تخفيضاً إلا على العقوبة الرئيسية السالبة للحرية دون تخفيض العقوبات "الثانوية" التي كانت لها عليه، في رأيه، آثار جسيمة.

3-2 ويشير صاحب البلاغ إلى تحيز قاضي التحقيق، كما تجلى في تصريحاته أمام لجنة التحقيق التابعة لمجلس الشيوخ في 14 آذار/مارس 1997، ما يشكل انتهاكاً للمادة 14 من العهد. ويدفع صاحب البلاغ بأن قاضي التحقيق هو الفاعل الرئيسي في المرحلة التمهيدية للمحاكمة الجنائية، ومن ثم فإن تحيزه يضر على نحو غير قابل للإصلاح بسلامة الإجراء وإنصافه. ويؤكد صاحب البلاغ أنه كان دائم الشك في نزاهة القاضي على خلاف ما ارتأته بعض الهيئات القضائية. وقد ندد بهذا التحيز حالما غدا جلياً، وذلك في أثناء الجلسة المعقودة في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2002 أمام دائرة مجلس المحكمة الابتدائية لبروكسل. بيد أن الهيئات القضائية المحلية اعتبرت أن التحيز الواضح من جانب قاضي التحقيق لم يكن له أي تأثير في سلامة التحقيق المضطلع به.

3-3 وعلاوة على ذلك، ألقت الهيئات القضائية البلجيكية على عاتق المدعي عبء إثبات أن تحيز قاضي التحقيق أضر بسلامة الإجراء. ثم إنه ما كان يمكن إثبات ذلك إلا بالاستدلال على عدم شرعية الأفعال الإيجابية المحددة الصادرة عن قاضي التحقيق، وما كان هذا الاستدلال ليأخذ بعين الاعتبار سوى الأفعال الصادرة بعد ظهور التحيز على النحو المتنازع فيه (أي في 14 آذار/مارس 1997). ويعترض صاحب البلاغ على هذا الأمر لسببين: أولهما أنه لا يوجد بالضرورة، في رأيه، تزامن كامل بين بناء حكم سلبي مسبق على شخص ما وظهور ذلك الحكم المسبق علناً. فكون قاضي التحقيق لم يدلي بالتصريحات المتنازع فيها إلا في 14 آذار/ مارس 1997 لا يستبعد وجود الحكم السلبي المسبق الذي بنيت عليه تلك التصريحات قبل التاريخ المذكور آنفاً، علماً أنه ليس لصاحب البلاغ أن يقيم الحجة على هذا الوجود السابق.

3-4 ويرى صاحب البلاغ أن حجة الهيئات القضائية البلجيكية، التي قضت بأن سلامة إجراءات التحقيق لا يمكن أن تكون موضع طعن لمجرد استنتاج أن منفذها لم يتحل بالنزاهة المطلوبة، حجة تفضي إلى إبطال أي فائدة عملية من شرط نزاهة القاضي، ما دام الإخلال بهذا الشرط لا يترتب عليه في الواقع أي أثر عملي وأية عقوبة مستقلة. ومن ثم فإن عدم نزاهة قاضي التحقيق أضرت بإنصاف وسلامة الإجراء بأكمله الذي استند إلى التحقيق الذي أجراه هذا القاضي.

3-5 ويرى صاحب البلاغ أن التصريحات التي أدلى بها قاضي التحقيق أمام لجنة التحقيق البرلمانية قبل صدور الحكم في حقه لا تقتصر على مجرد الاشتباه بل تشكل إدانة حقيقية. ويذكر صاحب البلاغ بأن قاضي التحقيق وصفه بأنه "لص" (الفقرة 2-5 أعلاه) فيما أدلى به من أقوال ترد في التقرير النهائي للجنة التحقيق. وعليه، يدفع صاحب البلاغ بأن مبدأ افتراض البراءة، المكفول في المادة 14(2) من العهد قد انتهك في حالته. ويشير صاحب البلاغ إلى تعليق اللجنة العام رقم 32 ( 2007) بشأن الحق في المساواة أمام المحاكم والهيئات القضائية وفي محاكمة عادلة (الفقرة 30)، الذي جاء فيه أن من واجب جميع السلطات العامة الامتناع عن إصدار أحكام مسبقة بشأن محاكمة ما، نحو الامتناع عن الإدلاء بتصريحات عامة تؤكد إدانة المتهم.

3-6 ويضيف صاحب البلاغ أن الكثير من المخالفات التي نُسبت إليه لم يحتفظ بها في حقه. فلم يكن قط موضوع ملاحقة، لا قبل 14 آذار/مارس 1997 ولا بعد هذا التاريخ، في إطار سلسلة من الأفعال الجنائية التي تنسبها إليه مع ذلك شهادة قاضي التحقيق فان إسبن واستنتاجات لجنة التحقيق البرلمانية. ويتعلق الأمر بالتهرب من الضريبة على البضائع الخاصة، وبجرائم متصلة بالاتجار بالمخدرات والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، وبالتهديد والترهيب والعنف. ويخلص صاحب البلاغ إلى أن المادة 14( 2 ) قد انتهكت في حالته.

3-7 وعلاوة على ذلك، يدفع صاحب البلاغ بأن المنطق الذي اتبعته محكمة الاستئناف في قرارها الصادر في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2008 ومحكمة النقض في قرارها الصادر في 3 حزيران/ يونيه 2009، بنفي سقوط الدعوى العامة المرفوعة على صاحب البلاغ بحكم التقادم، مخالف للمادة 15(1) من العهد بسبب إعادة فتح أجل تقادم قد انقضى بصفة نهائية. ويمنع هذا الحكم إحياء إمكانية المعاقبة على أفعال لم تعد خاضعة للعقاب. ويتمسك صاحب البلاغ بأن اللجنة إذا اعتبرت أن طريقة حساب أجل التقادم التي طبقتها محكمة الاستئناف في بروكسل ومحكمة النقض لا تنتهك المادة 15 من العهد، فينبغي لها على الأقل التسليم بأن أجل التقادم هذا لا يتفق، بالنظر إلى طول هذا الأجل، مع مطلب الإجراء المنصف الوارد في المادة 14 من العهد.

3-8 ويرى صاحب البلاغ أن الإجحاف الناجم عن الإفراط في إطالة أجل تقادم الدعوى العامة المرفوعة عليه يتفاقم بحالة الارتباك التام التي ولدها لديه عدم تيقنه من تاريخ بدء حساب هذا الأجل. فوفقاً لقرار محكمة الاستئناف الصادر في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2008، لم يكن أجل تقادم جرائم التزوير (التي يعود تاريخها إلى عام 1994) قد بدأ، "كون استئناف القرارات المتخذة في المخالفات الضريبية كان قيد النظر". وقد امتنعت محكمة الاستئناف عن أي توضيح إضافي بشأن هوية ذلك الاستئناف المحددة، كما أن محكمة النقض لم تر، في قرارها الصادر في 3 حزيران/ يونيه 2009، أي مخالفة للقانون في عدم التحديد هذا. ولهذه الأسباب يتمسك صاحب البلاغ بأن الإفراط في إطالة أجل التقادم وعدم التيقن الكامل من تاريخ بدء حسابه تسببا في انتهاك المادة 14 من العهد في حالته.

3-9 ويحاج صاحب البلاغ علاوة على ذلك بأن التصريحات التي أدلى بها قاضي التحقيق أمام لجنة التحقيق البرلمانية تنتهك حقه في صون شرفه وسمعته المكفول في المادة 17 من العهد ( ) .

3-10 وإضافة إلى ذلك، يدعي صاحب البلاغ حدوث انتهاك للمادة 17 من العهد بسبب الطابع المفرط للعقوبة الثانوية المفروضة عليه والمتمثلة في منعه من مزاولة نشاط مهني ( ) . ويرى أن هذا المنع يشكل تدخلاً مفرطاً في حقه في الحياة الخاصة. ويشدد على أنه واصل طيلة الأعوام السبعة عشر التي استغرقتها الإجراءات ممارسة وظائفه التي بات ممنوعاً من ممارستها حالياً، دون أن يعاب عليه ارتكاب أفعال إجرامية في أثناء تلك الفترة - وأن شدة العقوبة المفروضة عليه والمتمثلة في منعه من ممارسة نشاط مهني لم يخففها قط الاستنتاج الصادر بالتوازي عن محكمة الجنح في بروكسل، ثم قرار محكمة بروكسل، حيث خلصت الهيئتان إلى حدوث تجاوز صريح لأجل الإجراءات المعقول في حالته. كما يشدد على أنه يجوز اعتبار عقوبة الحظر المهني، إذا بلغت هذا الحد من الصرامة من الناحيتين الموضوعية والزمنية، عقوبة مجحفة بالضرورة عندما تكون ناتجة عن إجراء جنائي خضع لآجال تقادم مفرطة بقدر ما حدث في هذه القضية.

3-11 ولجميع هذه الأسباب، يرجو صاحب البلاغ من اللجنة أن تدعو الدولة الطرف إلى حذف كل المقاطع الخاصة به في التقرير النهائي للجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في ظاهرة الجريمة المنظمة في بلجيكا وإلى إعادة فتح الإجراء الجنائي المتعلق به. وعلاوة على ذلك، يطلب صاحب البلاغ تمكينه في مرحلة لاحقة من تحديد كيفية التصحيح المناسب للانتهاكات المستنتجة.

3-12 وفي 13 تموز/يوليه 2012، أضاف محامي صاحب البلاغ، بخصوص هذا التصحيح، أنه يطالب الدولة الطرف بتسديد تكاليف المحامي المتكبدة أمام الهيئات القضائية البلجيكية وأمام اللجنة.

ملاحظات الدولة الطرف

4-1 في 3 نيسان/أبريل 2013 قدمت الدولة الطرف ملاحظاتها على مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية. وذكَّرت بداية بالوقائع، وتحديداً بأن صاحب البلاغ أدين في الجزء الضريبي من القضية بالتزوير في الكتابة وفي الضريبة على القيمة المضافة والتحيل وخيانة مؤتمن والتبييض وخرق قانون الضريبة على القيمة المضافة والتآمر الجنائي. واختُتِّم التحقيق في الجزء الاجتماعي منها في أيلول/سبتمبر 1998 بمقتضى أمر إخطار موجه إلى قاضي التحقيق فان إسبن . بيد أنه أعلن سقوط الدعوى العامة بالتقادم لكل جريمة بمقتضى الأمرين الصادرين في 13 كانون الثاني/يناير و14 شباط/فبراير 2006. وترى دائرة المجلس أن من غير اللازم البت، بناءً على طلب صاحب البلاغ، في مسألة بطلان التحقيق الذي أجراه القاضي فان إسبن للتأكد من تحيزه المزعوم. كما أن من غير الممكن تبرئة صاحب البلاغ من التهم الموجهة إليه في الجزء الاجتماعي من القضية.

4-2 وتذكِّر الدولة الطرف أيضاً بأن قاضي التحقيق فان إسبن لمح بصورة عفوية، في أثناء جلسة تسوية الدعوى، وفي إطار التقرير الذي وجب عليه إعداده بشأن التحقيق الذي أجراه، إلى أقوال أدلى بها قبل نحو ست سنوات أمام اللجنة البرلمانية المكلفة من مجلس الشيوخ بالتحقيق في ظاهرة الجريمة المنظمة. وقد طلب صاحب البلاغ إبطال تقرير قاضي التحقيق وجميع ما اضطلع به من أنشطة في إطار هذا التحقيق بدعوى أن تلك الأقوال تنم عن تحيزه. ورفضت دائرة مجلس المحكمة الابتدائية لبروكسل هذه الطلبات في قرارها المتعلق بتسوية الدعوى والصادر في 8 أيار/مايو 2003، بحجة أن إبطال التحقيق يجب ألا يشكل عقاباً على التصريحات المنسوبة إلى قاضي التحقيق. واستأنف صاحب البلاغ هذا القرار الذي أكدته دائرة الاتهام في محكمة الاستئناف في بروكسل في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2003.

4-3 وفي 7 نيسان/أبريل 2004، أبطلت محكمة النقض قرار دائرة الاتهام بحجة أن قضاة الاستئناف وإن لم يستنتجوا في سلوك قاضي التحقيق إخلالات أخرى بواجب الحياد، فإنهم لم يعتبروا كذلك أن أقوال قاضي التحقيق لا تدع مجالاً للشك بصورة مشروعة في قدرته على إجراء التحقيقات بنزاهة. بيد أن قاضي التحقيق لوتغينز ، الذي كُلف لاحقاً برفع تقرير إلى دائرة الاتهام بشأن سلامة الإجراء المطبق لم يشر في تقريره إلى أي إجراءات تحقيق كان من شأنها أن تجعل نزاهة القاضي فان إسبن موضع شك. وهكذا أكدت المحكمة أن تحيز القاضي المتنحي لا يشكل عيباً لا يمكن إصلاحه، ولا ينتقص من إنصاف المحاكمة، ولا يترتب عليه بطلان التحقيق بأكمله وعدم مقبولية الملاحقات. وتذكر الدولة الطرف بأن صاحب البلاغ أحيل إلى محكمة الجنح في بروكسل، وهي المختصة في الموضوع. وقد طعن بالنقض في مرحلة لاحقة ورُفِض طعنه في 20 أيلول/سبتمبر 2006.

4-4 وإذ استنتجت المحكمة حدوث تجاوز لأجل الإجراءات الجنائية المعقول، فقد ارتأت تخفيض العقوبة بقدر كبير فحكمت: بالسجن 20 شهراً مع وقف التنفيذ لمدة خمس سنوات، وبغرامة مقدارها 000 12 يورو كعقوبة رئيسية، وبمنعه من مزاولة نشاط مهني طيلة عشر سنوات، وبمصادرة المبالغ المشمولة بجريمة التبييض والممتلكات المشمولة بجريمة التحيل. واستأنف صاحب البلاغ هذا القرار أمام محكمة الاستئناف في بروكسل التي اعتبرت أنه لم يُحرم من حقه في محاكمة عادلة وأكدت العقوبات الرئيسية والثانوية.

4-5 واستناداً إلى هذه العناصر، تحاج الدولة الطرف بأن ادعاءات صاحب البلاغ كانت موضوع فحص دقيق من جانب هيئات قضائية وطنية متنوعة، وأنه لا يجوز للجنة إعادة تقييم الوقائع والأدلة في هذه القضية. وتضيف الدولة الطرف أن صاحب البلاغ يطلب إبطال جميع التهم بدعوة تحيز قاضي التحقيق، لكنه لا ينفي أياً من هذه التهم على وجه التحديد. وعلاوة على ذلك، زعم صاحب البلاغ أن الهيئات القضائية البلجيكية تتبنى فكرة عدم إمكانية الاعتراض على سلامة إجراءات التحقيق بحجة أن من اضطلع بها أخلّ بمطلب النزاهة، وهو ادعاء مغلوط. وتذكِّر الدولة الطرف بأن محكمة النقض رفضت الدعوى في 20 أيلول/ سبتمبر 2006 قائلة إن: "قاضي التحقيق الذي اتخذ موقفاً علني اً من إدانة متهم ما يفقد قدرته على الاضطلاع بنزاهة بمسؤولية التحقيق من أجل الإثبات والنفي. بيد أن ذلك لا يعني أن جميع الإجراءات التي اتخذها ذلك القاضي باطلة بالضرورة". وتنازع الدولة الطرف في استنتاج صاحب البلاغ أن ما ثبت من إخلال بواجب الحياد لم يُفض إلى أي نتائج، وتذكِّر بأن محكمة النقض اعتبرت، في ختام نظرها في القضية، أن صاحب البلاغ ل م يُحرم من حقه في محاكمة عادلة.

4-6 وترفض الدولة الطرف أيضاً سائر ادعاءات صاحب البلاغ بما فيها تلك المتعلقة بافتراض البراءة وبحقه في صون شرفه وسمعته وبإعادة فتح أجل التقادم وبإجحاف عقوبة الحظر المهني، وتعتبر الدولة الطرف أن هذه الادعاءات عديمة الأساس بشكل واضح.

تعليقات صاحب البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف

5-1 في 10 حزيران/ يونيه 2014، قدم صاحب البلاغ تعليقاته على ملاحظات الدولة الطرف. وهو يلاحظ في المقام الأول أن الدولة الطرف لم تطعن في مقبولية البلاغ بل اكتفت بالقول إن ادعاءات صاحب البلاغ غير مدعمة بما يكفي من الأدلة، والحال أنه قدم ادعاءات دقيقة.

5-2 ويكرر صاحب البلاغ جميع ادعاءاته، مشيراً إلى أن الدولة الطرف لم تعلق على مسائل أجل الإجراءات غير المعقول بشكل واضح؛ وافتراض البراءة؛ والتقادم؛ وحق صاحب البلاغ في صون شرفه وسمعته؛ وإجحاف عقوبة الحظر المهني المفروضة عليه طيلة عشر سنوات.

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

6-1 قبل النظر في أي ادعاء يرد في بلاغ ما، يجب على اللجنة، وفقاً للمادة 93 من نظامها الداخلي، أن تحدد ما إذا كان البلاغ مقبولاً بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد.

6-2 وتلاحظ الدولة الطرف أن صاحب البلاغ رفع إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2009، دعوى ضد بلجيكا بشأن القضية ذاتها. وتلاحظ أن هذه الدعوى رُفضت من هيئة مؤلفة من قاضٍ واحد في 4 تشرين الأول/أكتوبر 2011 وليست من ثم قيد النظر في الوقت الحاضر. وفي غياب تحفظ من الدولة الطرف على اختصاص اللجنة في نظر البلاغات التي سبق أن بحثتها هيئة أخرى من هيئات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية، تخلص اللجنة إلى عدم وجود ما يحول دون مقبولية البلاغ بموجب المادة 5(2)(أ) ( ) .

6-3 وتلاحظ اللجنة ادعاء صاحب البلاغ استنفاد جميع سبل الانتصاف المحلية المتاحة له. وفي غياب اعتراض من الدولة الطرف، تخلص اللجنة إلى أن الشروط المعروضة في المادة 5(2)(ب) من البروتوكول الاختياري قد استوفيت.

6-4 وبخصوص ادعاءات صاحب البلاغ بموجب المادة 14(3)(ج) ومفادها أنه لم يُحاكم في أجل معقول ودون تأخير مفرط، بالنظر إلى أن الإجراءات استغرقت نحو 17 عاماً (من عام 1992 إلى عام 2009)، تذكِّر اللجنة بأن الطابع المعقول لمدة إجراء قضائي يجب أن يقيّم على أساس فرادى الحالات، على أن يؤخذ في الحسبان مدى تعقيد القضية، وسلوك المتهم، وكيفية معالجة القضية من قِبل السلطات الإدارية والقضائية ( ) . وفي قضية الحال، تلاحظ اللجنة أن محكمة الجنح في بروكسل، إذ استنتجت حدوث تجاوز لأجل الإجراءات الجنائية، في سياق فصلها في 28 أيلول/سبتمبر 2007 في استئناف صاحب البلاغ المتعلق بموضوع القضية، ارتأت تطبيق "عقوبة أدنى بكثير من تلك التي كانت ستطبقها لولا تجاوز أجل المحاكمة المعقول" (الفقرتان 2-14 و2-15 أعلاه). وبناءً على ما تقدم، ترى اللجنة أن سلطات الدولة الطرف أعادت النظر على النحو المنشود في ادعاء صاحب البلاغ، ولم يعد ثمة حاجة إلى إثارته أمام اللجنة. وعليه، لم يعد باستطاعة صاحب البلاغ الاعتداد بصفة الضحية بالمعنى الوارد في المادة الأولى من البروتوكول الاختياري، ويجب من ثم إعلان هذا الجزء من البلاغ غير مقبول.

6-5 وبخصوص ادعاء صاحب البلاغ بموجب المادة 14(2) من العهد، ومفاده أن تحيز قاضي التحقيق أخل بحقه في افتراض البراءة وحقه في محاكمة عادلة، تلاحظ اللجنة أن الوقائع كانت محل نظر من محكمة الدرجة الأولى في 8 أيار/مايو 2003؛ ومحكمة الاستئناف في بروكسل في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2003؛ ثم محكمة النقض في 7 نيسان/أبريل 2004، وقد قبلت هذه المحكمة الطعن وأحالت القضية إلى محكمة الاستئناف في بروكسل. واستناداً إلى تقرير أعده قاضي تحقيق جديد مكلف من دائرة الاتهام في 19 تشرين الأول/أكتوبر 2005، خلصت دائرة الاتهام في 19 نيسان/أبريل 2006 إلى سلامة التحقيق الأولي. ورفضت محكمة النقض طعناً آخر في 20 أيلول/سبتمبر 2006 بعد أن خلصت إلى أن الإجراءات التي اضطلع بها قاضي التحقيق خالية من أي عيب. وطلب صاحب البلاغ مرة أخرى إلى محكمة الجنح في بروكسل إبطال إجراءات التحقيق المنجزة، لكن طلبه رُفض في 28 أيلول/سبتمبر 2007. وفي 21 تشرين الأول/أكتوبر 2008، أكدت محكمة الاستئناف في بروكسل أيضاً أن صاحب البلاغ استفاد من محاكمة عادلة، وهو استنتاج أيدته محكمة النقض في 3 حزيران/ يونيه 2009 في إطار طعن أخير قدمه صاحب البلاغ.

6-6 وتلاحظ اللجنة على وجه التحديد أن محكمة الاستئناف في بروكسل أشارت إلى أن فحص ملف التحقيق لم يكشف عن أي عناصر من شأنها أن تجعل استقلال قاضي التحقيق أو نزاهته موضع شك؛ وأن التصريحات التي أثارت حفيظة صاحب البلاغ جاءت في سياق بعيد عن سياق التحقيق؛ وأخيراً إلى أن المتهمين لم يستغلوا في الوقت المناسب سبل الانتصاف التي يتيحها لهم القانون لغرض تنحية قاضي التحقيق. وفي ضوء هذه الاستنتاجات واستنتاجات الهيئات المعنية الأخرى، ترى اللجنة أن صاحب البلاغ لم يدعم بما يكفي من الأدلة ادعاءه بموجب المادة 2 من البروتوكول الاختياري ( ) .

6-7 وبالمثل أحاطت اللجنة علماً بادعاء صاحب البلاغ الذي يفيد بأن حقوقه بموجب المادة 15(1) من العهد قد انتُهكت ما دامت محكمة الاستئناف في بروكسل قد اعتبرت، في قرارها الصادر في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2008 ، أن حساب أجل تقادم الدعوى العامة المتعلقة بتهم التزوير الضريبي المنسوبة إلى صاحب البلاغ لم يبدأ بعد ( ) . وتذكر اللجنة بأن المادة 15 تحمي كل الأشخاص من الإدانة بفعل أو بامتناع عن فعل لم يكن وقت ارتكابه يشكل جريمة بمقتضى القانون الوطني أو الدولي. وتلاحظ اللجنة أن ادعاءات صاحب البلاغ بموجب المادة 15 لا تدخل، من حيث الاختصاص الموضوعي، في نطاق تطبيق هذا الحكم، وهي غير مقبولة من ثم وفقاً للمادة 3 من البروتوكول الاختياري.

6-8 وبخصوص الادعاء التبعي أن أجل التقادم الذي أخذت به محكمة الاستئناف في بروكسل في سياق الوقائع ذاتها ينتهك حق صاحب البلاغ في محاكمة عادلة كما تكفله المادة 14من العهد، تحيل اللجنة إلى استنتاجاتها السابقة (المعروضة في الفقرتين 6-5 و6-6)، وترى أن هذا الادعاء غير مدعّم بما يكفي من الأدلة لأغراض المقبولية ويجب من ثم رفضه وفقاً للمادة 2 من البروتوكول الاختياري.

6-9 وبخصوص ادعاء صاحب البلاغ بموجب المادة 17 أن تصريحات قاضي التحقيق انتهكت حقه في صون شرفه وسمعته، تذكّر اللجنة بأن المادة 17 تنص على حق كل شخص في الحماية من التدخل التعسفي أو غير القانوني في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ومن أي مساس غير قانوني بشرفه وسمعته. بيد أن اللجنة تلاحظ أن التقرير البرلماني الذي أثار حفيظة صاحب البلاغ لا يذكر اسمه، وأن صاحب البلاغ لم يثبت وقوع أي تبعات ملموسة على حياته الخاصة أو سمعته كنتيجة مباشرة لأقوال قاضي التحقيق، عدا الضرر المحتّم الناجم عن إدانته الجنائية.

6-10 وبالمثل، لم يدعم صاحب البلاغ بما يكفي من الأدلة ادعاءه أن الحظر المهني المفروض عليه طيلة عشر سنوات انتهك حقه في صون شرفه وسمعته. وتلاحظ اللجنة في هذا الخصوص أنه لا يجوز للفرد الاعتداد بالمادة 17 اعتراض اً على مساس بسمعته نتج عن أفعاله الشخصية، كما في حالة الإدانة بجريمة جنائية. إلا أن هذا الحظر جزء من العقوبة التي فرضتها محكمة الجنح في بروكسل، في قرارها المتعلق بموضوع القضية والصادر في 28 أيلول/سبتمبر 2007، بإدانة صاحب البلاغ بعدد من الجرائم الجنائية. وتخلص اللجنة من ثم إلى أن هذا الجزء من البلاغ أيض اً يجب اعتباره غير مقبول وفق اً للمادة 2 من البروتوكول الاختياري.

7- وبناء على ما تقدم، تقرر اللجنة ما يلي:

(أ) عدم مقبولية البلاغ وفق اً للمواد 1 و2 و3 من البروتوكول الاختياري؛

(ب) إحالة هذا القرار إلى صاحب البلاغ والدولة الطرف للاطلاع عليه.