الأمم المتحدة

CCPR/C/119/D/2259/2013

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

Distr.: General

16 May 2017

Arabic

Original: French

اللجنة المعنية ب حقوق الإنسان

آراء اعتمدتها اللجنة بموجب المادة 5(4) من البروتوكول الاختياري، بشأن البلاغ رقم 2259/2013 * **

البلاغ المقدم من: مليكة البواثي (تمثلها المحامية نصيرة دوتور من تجمع عائلات المفقودين في الجزائر)

الشخص المدعى أنه ضحية: صاحبة البلاغ وبراهيم البواثي (ابن صاحبة البلاغ)

الدولة الطرف: الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ: ٥ نيسان/أبريل ٢٠١٣ ( تاريخ الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية: القرار المتخذ بموجب المادتين 92 و 97 من النظام الداخلي للجنة، والمحال إلى الدولة الطرف في ١٤ حزيران/يوني ه ٢٠١٣ (لم يصدر في شكل وثيقة) ‬

تاريخ اعتماد الآراء: ١٧ آذار/مارس ٢٠١٧

الموضوع: الاختفاء القسري

المسائل الإجرائية: ‬ استنفاد سبل الانتصاف المحلي ة

المسائل الموضوعية: الحق في سبيل انتصاف فعال؛ وحظر التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ وحق الفرد في الحرية وفي الأمان على شخصه؛ واحترام كرامة الشخص الأصيل ة؛ والاعتراف بالشخصية القانونية

مواد العهد: 2(2) و(3)، و6، و7، و9، و10، و16 ‬

١-١ صاحبة البلاغ تدعى مليكة البواثي، وهي مواطنة جزائرية. وتدّعي صاحبة البلاغ أن ابنها براهيم البواثي المولود في ٣ نيسان/أبريل ١٩٦٥ والحامل للجنسية الجزائرية تعرض لاختفاء قسري تتحمل الدولة الطرف المسؤولية عنه، بما يشكل انتهاك اً للمواد 2 (2) و(3)، و٦، و٧، و٩، و١٠، و16، من العهد. وتعتبر صاحبة البلاغ نفسها ضحية انتهاك المادتين 2 (الفقرة 2) و7 مقروءة بالاقتران مع المادة 2 (الفقرة 3) من العهد. وتمثلها نصيرة دوتور من تجمع عائلات المفقودين في الجزائر.

الوقائع كما عرضتها صاحبة البلاغ

٢-١ براهيم البواثي المولود في ٣ نيسان/أبريل 1965 كان متزوج اً وأب اً لطفلين. وكان يعمل كعسكري في ثكنة بوزريعة. وفي ١٧ كانون الثاني/يناير ١٩٩٤ ركب حافلة بساحة الشهداء للذهاب إلى عمله. وقد أُوقف في نقطة تفتيش عند ضاحية كليما دو فرانس، ببلدية واد قريش التابعة لدائرة باب الواد بولاية الجزائر العاصمة. ولم تر ه أسرته منذ ذلك الوقت.

٢-٢ وفي ١٩ كانون الثاني/يناير ١٩٩٤، باشرت مليكة البواثي (يشار إليها لاحق اً بصاحبة البلاغ) إجراءات البحث عن ابنها في مراكز الشرطة الواقعة ضواحي مكان اختفائه. وقد ذهبت صاحبة البلاغ إلى محكمة باينام بالجزائر العاصمة حيث استقبلها وكيل الجمهورية وأبلغها باختفاء ابنها. وطلب وكيل الجمهورية مختلف مراكز شرطة ولاية الجزائر العاصمة. وفي مركز شرطة بلدية واد قريش، تكلم وكيل الجمهورية مع ضابط يدعى أ. ز.، وأكد له هذا الأخير أنه أوقف بنفسه براهيم البواثي. وقد ذهبت صاحبة البلاغ، عمل اً بنصيحة وكيل الجمهورية ومدعومة برسالة موقعة منه، إلى مركز شرطة واد قريش حيث التقت الضابط أ. ز. ف بدا الضابط عنيف اً تجاهها حين اكتش ف هويتها. وعند اطّلاع الضابط على رسالة وكيل الجمهورية هدأ وأقرّ بإيقافه براهيم البواثي وقتله. وقد رفض الضابط أ. ز. تقديم شهادة الوفاة التي طالبت بها صاحبة البلاغ، قائل اً إن الأمر مستحيل.

٢-٣ وعمل اً بنصيحة وكيل الجمهورية لدى محكمة باينام، عادت صاحبة البلاغ إلى مركز شرطة واد قريش لمقابلة أ. ز. وطلب رؤية صور ابنها المتوفى. وأخبر الضابط صاحبة البلاغ بأن الصور موجودة في مركز الشرطة الرئيسي وطلب إليها العودة في اليوم التالي. وفي اليوم التالي، عادت صاحبة البلاغ إلى مركز شرطة واد قريش وأطلعها الضابط على صور 26 شخص اً متوفي اً يحملون جميعهم آثار التعذيب، وأمرها بالتعرف على ابنها. ولم تتعرف صاحبة البلاغ على ابنها في تلك الصور الفوتوغرافية. وبعد خمسة عشر يوم اً، استدعى الضابط أ. ز. صاحبة البلاغ لتزويدها برقم قبر ابنها في مقبرة العالية ، فقامت عندئذ ببناء قبر باسم ابنها هناك . وبعد بضعة أيام، طلب الضابط صاحبة البلاغ من جديد لإبلاغها بأن الشخص المدفون في القبر المشار إليه ليس ابنها في الحقيقة.

٢-٤ ولجأت صاحبة البلاغ إلى وكيل ال جمهورية لدى محكمة الحمامات ف استدعاها ليخبرها بأن قضية ابنها سُوّيت دون أن يقدم إليها تفاصيل أخرى، وبأن الشرطة ستزورها لتشرح لها حيثيات وفاة ابنها. و أما م صمت الشرطة ، عادت صاحبة البلاغ إلى مركز شرطة واد قريش برفقة حفيدها ف تعرضت هناك للإهانة من قبل ضباط شرطة مقنعين ولاذت بالفرار.

٢-٥ وفي 2 أيار/مايو ٢٠٠٠، رفضت محكمة عبان رمضان في الجزائ ر العاصمة إصدار حكم يؤكد اختفاء ابنها ، وهو ما يعتبر إقرار اً ضمني اً من السلطات بأن براهيم البواثي كان لا يزال على قيد الحياة. ومع ذلك، ظلت صاحبة البلاغ، قبل المحاكمة وبعدها، تتلقى معلومات متناقضة عن حالة ابنها. وهكذا، استُدعيت في عام 1999 إلى مركز شرطة المقاطعة الخامسة حيث أخبرها المفوض بعدم وفاة براهيم البواثي، رافض اً إبلاغها بمكان احتجازه. وفي ٥ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٠٠، أقر الملازم بدرك باب الواد بأن براهيم البواثي اختفى في ظروف غامضة. وأبدت زوجة براهيم البواثي موافقتها على الحصول على تعويض. ومنذ ذلك الوقت، اضطلعت صاحبة البلاغ وكذا زوجة براهيم البواثي بالعديد من الخطوات القضائية وغير القضائية للحصول على معلومات بشأن ظروف اختفائه. وقد تعرضت زوجة براهيم البواثي للترهيب وسوء المعاملة مرار اً من جانب الشرطة والأمن العسكري في إطار جهودها الرامية إلى العثور على زوجها.

٢-٦ وفيما يتعلق بالإجراءات غير القضائية، قامت الزوجة بما يلي: ( أ) نشر إعلان بحث عن شخص (2000)؛ و(ب) تقديم شكوى إلى المرصد الوطني لحقوق الإنسان (2001)؛ و(ج) توجيه رسالة إلى رئيس جمعية إنقاذ المختفين (2002). وقامت صاحبة البلاغ من جهتها بما يلي: (أ) تقديم شكوى إلى وزير العدل وإحالة نسخة منها إلى رئيس الجمهورية الفرنسية قبل زيارته إلى الجزائر (2002)؛ و(ب) توجيه رسالة إلى رئيس الحكومة (2003)؛ و(ج) توجيه طلب إلى رئيس اللجنة الاستشارية الوطنية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها لدحض نتائج التحقيقات التي أجرتها هذه الهيئة (2003)؛ و(د) تقديم شكوى إل ى رئيس المؤسسة ذاتها (2004)؛ و( ه ) تقديم شكوى إلى رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ووزيري العدل والشؤون الداخلية (2006)؛ و(و) تقديم طلب إلى رئيس درك بلدية العاشور (2007)؛ و(ز) تقديم شكوى إلى رئيس الجمهورية، ووزير العدل، ووزير الداخلية، وقائد المنطقة العسكرية الأولى بولاية البليدة وإلى مستشار حقوق الإنسان لدى رئيس الجمهورية (2007)؛ و(ح) تقديم طلب تدخل إلى رئيس وفد اللجنة الدولية للصليب الأحمر (2007)؛ و(ط) تقديم طلب تدخل جديد إلى وزير العدل ورئيس الجمهورية (2009). وأقرّت بعض السلطات بتلقّي هذه الطلبات لكنه ا اكتفت بإحالة صاحبة البلاغ إلى المحاكم أو إلى إجراءات طلب التعويض. كم ا أجرت اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايته ا تحقيق اً رفضت صاحبة البلاغ نتائجه رفض اً قاطعا ً .

٢-٧ وفيما يتعلق بالإجراءات القضائية، طلبت أسرة البواثي فتح تحقيق منذ اختفاء براهيم البواثي. واستدعت شرطة باب الواد زوجة براهيم البواثي في 20 شباط/فبراير 1995 ثم في ٢٦ أيلول/سبتمبر 1999 . وفي أعقاب القرار الذي اتّخذته محكمة باب الواد ودائرة الاتهام بمحكمة الجزائر العاصمة في ٢ أيار/مايو ٢٠٠٠ في الاستئناف الذي قضى برفض الدعوى، قدّمت صاحبة البلاغ شكوى إلى وكيل الجمهورية في 1 تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٠٣وشكوى إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة الجزائر العاصمة في ١٤ حزيران/يونيه ٢٠٠٦. كما قدّمت صاحبة البلاغ شكوى إلى رئيس محكمة باينام بولاية الجزائر العاصمة في 31 تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠٠٧ وطلب تدخلٍّ إلى وكيل الجمهورية في حسين داي في ٢٨ كانون الثاني/ يناير ٢٠٠٩.

٢-٨ واستُدعيت صاحبة البلاغ مرار اً من قبل الشرطة والدرك، وكذلك من قبل وكيلي الجمهورية لدى محكمة الشراقة وباب الواد. وكانت تقدم إليها معلومات متضاربة، إذ في الوقت الذي كانت بعض السلطات تؤكد أن الأجهزة الأمنية تفتش عن ابنها كانت سلطات أخرى تؤكد عكس ذلك. بل إن بعض السلطات لم تقر حتى باستلام شكاواها. وأمر وكيل الجمهورية لدى محكمة الشراقة بفتح تحقيق ، فأجرت شرطة واد قريش هذا التحقيق في عام 2011، و أفضى إلى أن براهيم كان مطلوب اً من الأجهزة الأمنية لكنها لم تعتقله قط.

٢-٩ وعُرضت قضية براهيم البواثي أيض اً على الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في كانون الأول/ديسمبر 2007.

الشكوى

٣-١ تدّعي صاحبة البلاغ أن ابنها ضحية لاختفاء قسري تتحمل الدولة الطرف المسؤولية عنه، حسبما هو محدد في المادة 2 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. وترى صاحبة البلاغ أن اختفاء ابنها القسري منذ 17 كانون الثاني/يناير ١٩٩٤ يشكّل (أ) انتهاك اً للمواد 2 (الفقرة 2)، و2 (الفقرة 3)، و6 و7 و9 و10 و16 من العهد في حق براهيم البواثي و(ب) انتهاك اً للمادة ٢ (الفقرة 2) والمادة 7 مقروءة بالاقتران مع المادة 2 (الفقرة 3) من العهد في حق صاحبة البلاغ وأسرتها.

٣-٢ وترى صاحبة البلاغ أن الأمر رقم 06 -01 الصادر في ٢٧ شباط/فبراير 2006 والمتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية يشكل خرق اً للالتزام العام المنصوص عليه في الفقرة 2 من المادة ٢ من العهد، بمعنى أن هذا الحكم يشمل أيض اً التزام اً سلبي اً للدول بعدم اتخاذ تدابير تتعارض مع العهد ( ) . وباعتماد الأمر رقم 06-01، اتّخذت الدولة الطرف تدبير اً تشريعي اً يجرد الحقوق المعترف بها في العهد، ولا سيما الحق في سبيل انتصاف فعال من انتهاكات حقوق الإنسان ، من مفاعيلها ( ) . وتدعي صاحبة البلاغ أنها وابنها ضحيتان لهذا النص التشريعي وأن المادة ٢ (الفقرة 2) من العهد انتُهكت بصورة ملموسة في هذه الحالة.

٣-٣ وإذ تشير صاحبة البلاغ إلى أن جميع سبل الانتصاف المحلية، سواء القضائية منها أو الإدارية، قد استُنفدت، دون بلوغ أي نتائج أو إجراء أ ي تحقيقات فعلية، فإنها تدّعي أن الدولة الطرف ملزمة، بموجب الفقرة 3 من المادة ٢ ، بحماية ابنها، براهيم البواثي، من انتهاكات حقوقه من جانب موظفي الدولة. وبالإشارة إلى الاجتهادات السابقة للجنة ( ) ، تدّعي صاحبة البلاغ أيض اً أن عدم التحقيق في انتهاكات مزعومة قد يؤدي في حد ذاته إلى انتهاك مستقل للعهد وأن مجرد نفي تورط الأجهزة الأمنية لا يمكن أن يشكل امتثال اً للمادة ٢ (الفقرة 3). وتدّعي صاحبة البلاغ أن ابنها حُرم من ممارسة حقه في سبيل انتصاف فعال من موظفي الدولة وأن المادة 2 (الفقرة 3) العهد انتُهكت.

٣-٤ وعلى الرغم من القرار الذي ينطوي على إقرار ضمني من السلطات بأن براهيم البواثي كان لا يزال على قيد الحياة، تؤكد صاحبة البلاغ أن تضارب المعلومات بشأن حالة ابنها منذ اعتقاله في عام ١٩٩٤ وكذا غيابه الطويل يوحيان بأن براهيم البواثي مات. وعلاوة على ذلك، يشكل عزل السجين في نظر صاحبة البلاغ خطر اً كبير اً بانتهاك الحق في الحياة، إذ لا يخضع السجناء ولا حراس السجون لأية مراقبة . وإذ تضع صاحبة البلاغ في اعتبارها أن الاجتهادات السابقة للجنة تطورت في سياق الاختفاء القسري ( ) وأن هذه الأخيرة باتت تقر بمسؤولية الدولة عن انتهاك الحق في الحياة في الحالات التي لم تثبت فيها وفاة الضحية، فإنها تدّعي أن الدولة الطرف لم تف بواجبها المتمثّل في حماية حق ابنها في الحياة، وأن المادة ٦ من العهد انتُهكت.

٣-٥ وإذ تشير صاحبة البلاغ إلى الملابسات التي أحاطت ب اختفاء ابنها، بما في ذلك عدم توفر أية معلومات عن احتجازه وسجنه وحالته الصحية، وعدم تواصله مع أسرته والعالم الخارجي، فإنها تدّعي أن براهيم البواثي تعرض لأحد أشكال المعاملة اللاإنسانية أو المهينة. وهي تشير أيض اً إلى أن الاحتجاز التعسفي المطول يزيد من خطر التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وبالإشارة إلى الاجتهادات السابقة للجنة، تشدّد صاحبة البلاغ أيض اً على أن حالة الكرب وعدم اليقين والضيق الناجمة عن اختفاء براهيم البواثي وتضارب المعلومات الواردة منذ اختفائه أمور تشكل أحد أشكال المعاملة اللاإنسانية أو المهينة بالنسبة للأسرة. وتدّعي صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف مسؤولة عن انتهاك المادة ٧ في حق براهيم البواثي وانتهاك المادة ٧ مقروءة بالاقتران مع المادة ٢ (الفقرة 3) من العهد في حقه وفي حق أسرته.

٣-٦ وإذ تشير صاحبة البلاغ إلى أن براهيم البواثي احتُجز بمعزل عن العالم الخارجي دون إمكانية الاتصال بمحام ودون إبلاغه بأسباب اعتقاله أو بالتهم الموجهة إليه، وإلى أن احتجازه لم يقيّد في سجلات الاحتجاز لدى الشرطة وأنه لا يوجد أي سجل رسمي لمكان وجوده أو مصيره، فإنها تدعي أن ابنها حُرم من حقه في الحرية والأمان على شخصه وأن التحقيقات لم تكن بالفعالية والكفاءة اللازمتين. وتدّعي صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف مسؤولة عن انتهاك المادة ٩ من العهد في حق براهيم البواثي.

٣-٧ وبالنظر إلى أن الاختفاء القسري غالب اً ما يستتبعه انتهاك لأبسط الحقوق الأساسية للشخص المحروم من حريته، ترى صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف تُعتبر، نتيجة للاختفاء وعدم إجراء التحقيقات الجدية ، مسؤولة عن انتهاك المادة ١٠ من العهد فيما يخص براهيم البواثي.

٣-٨ وإذ تشير صاحبة البلاغ إلى أن السلطات الجزائرية لم تقدم قط معلومات واضحة عن مصير براهيم البواثي وأنها احتجزته دون الإقرار بذلك، فإنها تدّعي أن الدولة الطرف لم تعامل براهيم البواثي باعتباره شخص اً وأن كرامته وشخصيته القانونية انتُهكتا. وتدّعي صاحبة البلاغ أن السلطات الجزائرية حرمت ابنها من حماية القانون ومن ثم حرمته من حقه في الإقرار بشخصيته القانونية. وهكذا تعتبر السلطات مسؤولة عن انتهاك المادة ١٦ من العهد.

٣-٩ وتطلب صاحبة البلاغ إلى اللجنة أن تأمر الدولة الطرف بما يلي: (أ) الاستنتاج أن الجزائر انتهكت المواد 2 (الفقرة 2)، و2(الفقرة 3)، و6 و7 و9 و10 و16 من العهد في حق براهيم البواثي والمادة ٢ (الفقرة 2) والمادة 7 مقروءة بالاقتران مع المادة 2 (الفقرة 3) من العهد في حق صاحبة البلاغ وأسرتها؛ و(ب) البحث عن براهيم البواثي؛ و(ج) عرض المتورطين في هذا الاختفاء القسري على السلطات المدنية المختصّة من أجل ملاحقتهم جنائيا ً ؛ و(د) توفير أشكال الجبر المناسبة والفعالة والسريعة ل براهيم البواثي، إذا كان لا يزال حي اً، و ل أفراد أسرته ، عن الضرر الذي لحقهم، بما في ذلك تعويض كاف ومتناسب مع خطورة الحالة، وإعادة تأهيل تامة وكاملة، وضمانات ب عدم تكرار هذا الضرر.

ملاحظات الدولة الطرف

٤-١ في ٤ أيار/مايو ٢٠١٥، طعنت الدولة الطرف في مقبولية جميع البلاغات التي تغطي الفترة من عام 1993 إلى عام 1998 من خلال تقديم نسخة من مذكرتها المرجعية.

٤-٢ وترى الدولة الطرف أن البلاغات التي تلقي بمسؤولية وقوع حالات الاختفاء القسري خلال الفترة الممتدة من عام 1993 إلى عام 1998 على موظفين حكوميين أو أشخاص آخرين يخضعون للسلطات العامة يجب أن ينظر فيها "حسب نهج شامل ". وترى الدولة الطرف أنه ينبغي أن توضع هذه البلاغات في السياق الأعم للحالة الاجتماعية والسياسية والأوضاع الأمنية السائدة في البلد في فترة كانت الحكومة تسعى إلى مكافحة شكل من الإرهاب يهدف إلى "سقوط النظام الجمهوري". ففي ذاك السياق بالذات، وعملاً بالمادتين 87 و91 من الدستور، اتخذت الحكومة الجزائرية تدابير وقائية وأخطرت الأمانة العامة لمنظمة ا لأمم المتحدة بإعلان حالة الطوارئ، وفقاً للفقرة 3 من المادة 4 من العهد.

٤-٣ وتشير الدولة الطرف إلى أنه كان يصعب على المدنيين، في بعض المناطق التي كانت تنتشر فيها المساكن الفوضوية، التمييز بين عمليات الجماعات الإرهابية وعمليات قوات الأمن التي كان المدنيون ينسبون إليها عدداً كبيراً من حالات الاختفاء القسري. وحسب الدولة الطرف كان ينبغي أن ينظر في عدد كبير من حالات الاختفاء القسري في ذلك السياق. والمفهوم العام للشخص المختفي في الجزائر خلال الفترة موضوع الدراسة يشير في واقع الأمر إلى ست حالات مختلفة. فالحالة الأولى تتعلق بالأشخاص الذين أبلغ أقاربهم عن اختفائهم في حين أنهم قرروا من تلقاء أنفسهم التواري عن الأنظار للانضمام إلى الجماعات المسلحة وطلبوا من أسرهم أن تعلن أن دوائر الأمن اعتقلتهم قصد "التضليل" وتجنب "مضايقات" الشرطة. والحالة الثانية تتعلق بأشخاص أُبلغ عن اختفائهم بعد أن اعتقلتهم دوائر الأمن، ثم أخلت سبيلهم فاستغلوا ذلك للتواري عن الأنظار. وتتعلق الحالة الثالثة بأشخاص اختطفتهم مجموعات مسلحة اعتُقد خطأً أنها تابعة للقوات المسلحة أو دوائر الأمن، إما بسبب عدم الكشف عن هويتها أو انتحالها صفة أفراد الشرطة أو الجيش بارتداء زيهم أو استخدام وثائق هويتهم. وتتعلق الحالة الرابعة بأشخاص تبحث أسرهم عنهم، في حين أن هؤلاء أنفسهم هم من قرروا هجران أقاربهم بل أحيان اً حتى مغادرة البلد بسبب مشاكل شخصية أو نزاعات أسرية. وتتعلق الحالة الخامسة بأشخاص أبلغت أسرهم عن فقدانهم وهم في واقع الأمر إرهابيون مطلوبون قُتلوا ودفنوا في الأدغال إثر اقتتال بين الفصائل أو صراعات مذهبية أو تنازع على الغنائم بين الجماعات المسلحة. والحالة السادسة التي تذكرها الدولة الطرف تتعلق بأشخاص مفقودين لكنهم يعيشون إما داخل الإقليم الوطني أو خارجه بهويات مزورة حصلوا عليها بواسطة شبكة لتزوير الوثائق.

٤-٤ وتؤكد الدولة الطرف كذلك أنه نظراً إلى تنوع الحالات التي يشملها المفهوم العام للاختفاء وما اتسمت به من تعقيد، قرّر المشرع الجزائري بعد الاستفتاء الشعبي على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية اعتماد سياسة لدعم "معالجة ملف المفقودين المأساوي". وتعالج مسألة المختفين في إطار شامل من خلال تناول جميع حالات الاختفاء في سياق "المأساة الوطنية" وتقديم الدعم إلى جميع الضحايا حتى يتسنى لهم تجاوز هذه المحنة، ومنح جميع ضحايا الاختفاء وذوي الحقوق من أهلهم الحق في الجبر . وتؤكّد الدولة الطرف أن الأمر يتعلق برد خاص بحالة الأمة الجزائرية حظي بتأييد الأمة عموم اً. وتعكس الحصيلة الإحصائية لتنفيذ الأحكام الواجبة الإنفاذ للأمر رقم 06-01 الصادر في 27 شباط/فبراير ٢٠٠٦ والنصوص اللاحقة المتعلقة بمعالجة قضية المفقودين في ميثاق السلم والمصالحة الوطنية تأييد اً أبداه أكثر من 85 في المائة من أقارب الضحايا أو ذوي الحقوق من أهلهم.

٤-٥ وتشير الدولة الطرف بعد ذلك إلى طبيعة ميثاق السلم والمصالحة الوطنية والأسس التي يستند إليها ومضمونه ونصوص تطبيقه. والميثاق، بعيد اً عن القوالب النمطية والأحكام الصارمة التي تصور الميثاق على أنه عائق أمام الإجراءات الرامية إلى إثبات الحقيقة وإقامة العدل، يشكّل الآلية الوطنية المحلية التي ترمي إلى التصدي للأزمة والخروج منها والتي عُرضت على الشعب للموافقة عليها واعتُمدت عن طريق الاستفتاء. وتبيّن الدولة الطرف بداية ً أسباب الأزمة الجزائرية وخصائصها الرئيسية بغرض تقييم أثر تنفيذ الميثاق. واعتُمد الميثاق في سياق الأزمة السياسية والأمنية التي هزت البلد ووُصفت بـ "الفتنة الكبرى"، وهو مفهوم تاريخي - ديني يشير إلى الخلافات العميقة التي نشبت داخل ال مجتمع الإسلامي بعد وفاة النبي. وتشير ديباجة الميثاق إلى أن الفتنة الكبرى التي حاولت "الانحراف بالجزائر عن جادته الصحيحة" تشكل "عدوان اً إجرامي اً يسعى إلى تقويض أركان الدولة الوطنية ذاتها"، مما أدى إلى حدوث "مأساة وطنية" كلفت الشعب "فدية باهظة من الأرواح والدماء" بسبب "إرهاب همجي" "يتنافى مع قيم الإسلام الحق ومثل السلم والتسامح والتضامن الإسلامية". ويهدف هذا الأمر ومراسيمه التنفيذية الأربعة إلى التصدي لهذه "الفتنة الكبرى" ومنع تكرار الأحداث من خلال تدابير سياسية وقانونية واجتماعية - اقتصادية. وينص الأمر المتعلق بتنفيذ الميثاق على تدابير قانونية يترتب عليها انقضاء الدعوى العمومية واستبدال العقوبات أو تخفيضها بالنسبة إلى كل شخص أُدين بأعمال إرهابية أو استفاد من الأحكام المتعلقة باستعادة الوئام المدني، فيما عدا الأشخاص الذين ارتكبوا مجازر جماعية أو أفعال اغتصاب أو نفذوا تفجيرات في الأماكن العمومية ، أو شاركوا في تلك الأعمال. وينصّ هذا الأمر أيضاً على إجراء يتعلق بتصريح قضائي بالوفاة يمنح ذوي الحقوق من ضحايا "المأساة الوطنية" الحق في التعويض. وبالإضافة إلى ذلك، وُضعت تدابير اجتماعية واقتصادية شملت المساعدة على إعادة الإدماج المهني ودفع تعويضات لجميع الأشخاص الذين يحملون صفة ضحايا "المأساة الوطنية". وأخير اً، يتضمن الأمر تدابير سياسية، مثل منع أي شخص استغلّ في السابق الدين استغلالاً ساهم في حدوث "المأساة الوطنية" من ممارسة أي نشاط سياسي، كما يقضي بعدم قبول أي ملاحقة قانونية فردية أو جماعية تستهدف أفراد قوات الدفاع والأمن التابعة للجمهورية، بجميع مكوناتها، بتهمة ارتكاب أعمال نُفّذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات ونجدة الأمة والحفاظ على مؤسسات الجمهورية.

4 -٦ وبالإضافة إلى إنشاء صناديق لتعويض جميع ضحايا "المأساة الوطنية"، ترى الدولة الطرف أن الشعب الجزائري صاحب السيادة وافق على بدء عملية المصالحة الوطنية باعتبارها السبيل الوحيد لتضميد الجراح التي خلفتها هذه المأساة. وتشدد الدولة الطرف على أن إعلان ميثاق السلم والمصالحة الوطنية يندرج في إطار الرغبة في تجنب المواجهات القضائية والحملات الإعلامية وتصفية الحسابات السياسية. لذا، تعتبر الدولة الطرف أن الوقائع التي تدعيها صاحبة البلاغ فيما يتعلق بفترة المأساة الوطنية مشمولة بالآلية الداخلية الشاملة للتسوية التي تنص عليها أحكام الميثاق.

تعليقات صاحبة البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف

٥-١ في ١٦ تموز/يوليه ٢٠١٥، قدمت صاحبة البلاغ تعليقاتها على ملاحظات الدولة الطرف.

٥-٢ وتؤكد صاحبة البلاغ أن الملاحظات التي قدّمتها الدولة الطرف غير مناسبة لأنها موجهة إلى هيئة أخرى لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها (الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي) وقديمة لأنها أُبديت في تموز/يوليه ٢٠٠٩. وتشدد صاحبة البلاغ على أن ملاحظات الدولة الطرف لا تشير بتات اً إلى مقبولية البلاغ أو خصائص القضية أو الطعون المقدمة من أسرة الضحية، وهو ما يدل على عدم جدية السلطات الجزائرية واستخفافها بهذا الإجراء.

٥-٣ وإذ تشير صاحبة البلاغ إلى أن الطعون المقدمة لم يؤد أي منها إلى إجراء تحقيق سريع أو اتخاذ إجراءات جنائية، وإلى أن السلطات الجزائرية لم تقدم أي أدلة ملموسة توحي ببدئها عمليات تفتيش فعلية لتحديد مكان براهيم البواثي وتحديد المسؤولين عن اختفائه، فإنها تخلص إلى أن سبل الانتصاف المحلية استُنفدت وأن البلاغ ينبغي اعتباره مقبول اً من جانب اللجنة.

٥-٤ وإذ تشير صاحبة البلاغ إلى الاجتهادات السابقة للجنة التي تفيد بأنه لا يمكن الاحتجاج بميثاق السلم والمصالحة الوطنية ضد الأفراد الذين يقدمون بلاغ اً فردي اً، فإنها تذكّر بأن أحكام الميثاق لا تمثل بأي شكل من الأشكال استجابة كافية لمسألة حالات الاختفاء، لأن هذه الاستجابة ينبغي أن تقوم على احترام الحق في معرفة الحقيقة، والعدالة، والجبر الكامل.

القضايا والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

٦-١ قبل النظر في أية ادعاءات ترد في بلاغٍ ما، يجب على اللجنة، وفقاً للمادة 93 من نظامها الداخلي، أن تقرر ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد.

٦-٢ وقد تأكدت اللجنة، كما تنص على ذلك الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، من أن القضية ذاتها ليست موضع نظر أمام أية هيئة أخرى من هيئات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية. وتشير اللجنة إلى أنه جرى إبلاغ الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي بحالة الاختفاء. إلاّ أنها تذكّر بأن الإجراءات أو الآليات الخارجة عن نطاق المعاهدات، التي وضعها مجلس حقوق الإنسان وتتمثل ولايتها في دراسة حالة حقوق الإنسان في بلد أو إقليم ما أو الانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان في العالم وتقديم تقارير عن ذلك، لا تندرج عموماً ضمن إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية بالمفهوم الوارد في الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري ( ) . وهكذا، ترى اللجنة أن نظر الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في قضية براهيم البواثي لا يجعل البلاغ غير مقبول بمقتضى هذه المادة.

٦-٣ وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف تكتفي ، عند الطعن في مقبولية البلاغ ، بالإشارة إلى مذكرتها المرجعية بشأن معالجة مسألة حالات الاختفاء في ضوء تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وتذكر اللجنة بأن الدولة الطرف ليست ملزمة فقط بإجراء تحقيقات معمقة في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان المبلّغ عنها إلى سلطاتها، لا سيما عندما يتعلق الأمر بحالات اختفاء قسري أ و انتهاك للحق في الحياة، بل أيضاً بملاحقة كل من يشتبه في أنه مسؤول عن تلك الانتهاكات ومحاكمته ومعاقبته ( ) . وأخطرت صاحبة البلاغ مرار اً السلطات المختصة، سواء القضائية منها أو الإدارية، باختفاء ابنها. وتلاحظ اللجنة أن اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها أجرت تحقيق اً في قضية براهيم البواثي. بيد أن صاحبة البلاغ اعترضت على نتائج هذا التحقيق، وقبلت اللجنة اعتراضها بالنظر إلى عدم وجود أي معلومات مقدمة من الدولة الطرف. وتلاحظ اللجنة أيض اً أن محكمة الشراقة أمرت بأن تجري الشرطة تحقيقا ً في هذا الصدد؛ غير أن هذ ا التحقيق أجرته شرطة وادي قري ش التي ينتمي إليها أ. ز.، الضابط الذي يُدّعى أنه ألقى القبض على براهيم البواثي وأعدمه، ولا يمكن من ثم للجنة اعتباره محايد اً . ولذا يستنتج من الوقائع كما وصفتها صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف لم تجر أي تحقيق معمق ودقيق ونزيه في عملية الاختفاء. وبالإضافة إلى ذلك، لم تقدم الدولة الطرف أي تفسير محدّد في ملاحظاتها على حالة براهيم البواثي قد يسمح لها بأن تخلص إلى توافر سبيل انتصاف فعال. وإضافة إلى ذلك، يتواصل تطبيق الأمر 06-01 على الرغم من توصية اللجنة بمواءمته مع العهد (انظر الوثيقة CCPR/C/DZA/CO/3، الفقرات 7 و8 و13). وهكذا تخلص اللجنة إلى أن الفقرة 2(ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري لا تمثل عائقاً أمام مقبولية هذا البلاغ.

٦-٤ وتلاحظ اللجنة أن صاحبة البلاغ أشارت إلى انتهاك المادة 2 (الفقرة 2) من العهد فيما يخص براهيم البواثي. وتذكّر اللجنة بأن أحكام المادة 2 من العهد تنص على التزام عام للدول الأطراف ولا يمكن الاحتجاج بها منفردة في بلاغ ما ( ) . وهكذا، تعلن اللجنة أن هذا الجزء من البلاغ غير مقبول بموجب المادة 3 من البروتوكول الاختياري.

٦-٥ وترى اللجنة أن الادعاءات التي تثير مسائل في إطار المواد ٦ و ٧ و ٩ و ١٠ و ١٦، مقروءة بمفردها وبالاقتران مع الفقرة 3 من المادة ٢ من العهد مدعومة بأدلة كافية وأنه لا توجد عقبات تحول دون مقبوليتها. وهكذا تنظر اللجنة في الأسس الموضوعية للبلاغ فيما يتعلق بالانتهاكات المزعومة للمواد 6 و7 و9 و10 و16 و12 و2 (الفقرة 3) من العهد.

النظر في الأُسس الموضوعية للبلاغ

٧-١ نظرت اللجنة في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أتاحها لها الطرفان، وفقاً لأحكام الفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري. ‬

٧-٢ وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف اكتفت بالإشارة إلى ملاحظاتها الجماعية والعامة التي قدّمتها آنفاً إلى ال فريق الع ا مل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي وإلى اللجنة فيما يتعلّق ببلاغات أخرى، من أجل تأكيد موقفها القائل إنه سبق تسوية مثل هذه القضايا في إطار تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وتحيل اللجنة إلى اجتهاداتها السابقة وتذكر بأنه لا يجوز للدولة الطرف أن تحتج بأحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ضد أشخاص يحتجون بأحكام العهد أو قدموا بلاغات إلى اللجنة أو يعتزمون تقديمها. وتقضي أحكام العهد بأن تحرص الدولة الطرف على مصير كل شخص وتعامل كل شخص باحترام الكرامة الأصيلة في الذات البشرية ( ) . وبالنظر إلى عدم إدخال التعديلات التي أوصت بها اللجنة فيما يتعلق بالأمر رقم 06-01 فإن هذا الأخير يساهم في الإفلات من العقاب في هذه القضية ولا يمكن من ثم اعتباره متفقاً وأحكام العهد ( ) .

٧-٣ وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تردّ على ادعاءات صاحبة البلاغ بشأن الأسس الموضوعية وتذكر باجتهاداتها التي مفادها أن عبء الإثبات يجب ألا يقع على عاتق صاحب البلاغ وحده، خاصة أن صاحب البلاغ لا يتساوى دائماً مع الدولة الطرف في إمكانية الحصول على عناصر الإثبات وأن المعلومات اللازمة لا تملكها في أغلب الأحيان سوى الدولة الطرف ( ) . ووفقاً للفقرة 2 من المادة 4 من البروتوكول الاختياري، فإن الدولة الطرف ملزمة بالتحقيق بحسن نية في جميع الادعاءات الواردة بشأن انتهاكات أحكام العهد التي ترتكبها الدولة الطرف نفسها أو ممثلوها، وأن تحيل إلى اللجنة المعلومات التي تكون بحوزتها ( ) . وفي حال عدم تقديم الدولة الطرف أي توضيح بهذا الخصوص، فإنه يتعين إيلاء ادعاءات صاحب البلاغ الاهتمام الواجب ما دامت معللة بما فيه الكفاية.

٧-٤ وتشير اللجنة إلى أن عبارة "الاختفاء القسري" لا ترد صراحة في أي من مواد العهد، غير أن الاختفاء القسري يشكّل سلسلة فريدة من الأعمال التي تمثّل انتهاكاً مستمراً للعديد من الحقوق المعترف بها في هذا الصك ( ) .

٧-٥ وتلاحظ اللجنة أن ابن صاحبة البلاغ شوهد للمرة الأخيرة عندما ركب حافلة بساحة الشهداء في ١٧ كانون الثاني/يناير 1994، وأن صاحبة البلاغ وأفراد أسرتها لم تردهم أي أخبار عنه منذ ذلك اليوم. وتلاحظ اللجنة أن الضابط أ. ز. صرح ل لمدعي العام لدى محكمة الجزائر العاصمة في مخفر شرطة واد قريش بأنه أوقف براهيم البواثي وأكد ل صاحبة البلاغ أنه أوقف ابنها وأعدمه. كما تحيط اللجنة علم اً بوجود معلومات متضاربة عديدة بشأن مصير براهيم البواثي، بما في ذلك قرار ٢ أيار/مايو ٢٠٠٠ القاضي برفض إصدار حكم يؤكد اختفاءه، مما يدفع إلى الافتراض أن السلطات الجزائرية كانت لا تزال تعتبره حي اً آنذاك. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدّم أي معلومات تسمح بتوضيح المعلومات المتناقضة التي قدمتها إلى صاحبة البلاغ بشأن مصير براهيم البواثي، ولم تؤكّد مكان احتجازه أو تاريخ وفاته المحتملة أو ظروفها. وتذكّر بأن سلب الحرية ثم عدم الاعتراف بذلك أو عدم الكشف عن مصير الشخص المختفي يؤدّي، في حالات الاختفاء القسري، إلى حرمان هذا الشخص من حماية القانون ويُعرّض حياته لخطر جسيم ودائم تُعتبر الدولة مسؤولة عنه ( ) . وبالإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى ما أدلى به الضابط أ. ز. من تصريحات وإلى انقضاء عدة سنوات عديدة على اختفاء براهيم البواثي، من المحتمل جد اً أن يكون هذا الأخير قد تعرض لإعدام بإجراءات موجزة على يد الضابط ز. أ. أو توفي أثناء احتجازه على الرغم من عدم العثور على جثته. وفي هذه الحالة، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي معلومات قد تبين أنها وفت بالتزامها بحماية حياة براهيم البواثي. وبناءً عليه، تخلص اللجنة إلى أن الدولة الطرف أخلت بالتزامها بحماية حياته، وهو ما يشكّل انتهاكاً للفقرة 1 من المادة 6 من العهد.

٧-٦ وتقر اللجنة بدرجة المعاناة التي ينطوي عليها التعرض للاحتجاز لمدة غير محددة دون اتصال بالعالم الخارجي. وتذكّر بتعليقها العام رقم 20(1992) بشأن حظـر التعذيب وغيره من ضروب المعاملـة أو العقوبة القاسيـة أو اللاإنسانية أو المهينة، الذي أوصت فيه الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لمنع عزل السجين. وتلاحظ اللجنة أن صاحبة البلاغ وأفراد أسرة براهيم البواثي لم يحصلوا قط على أي معلومات عن مصيره أو مكان احتجازه. وعليه، ترى اللجنة أن براهيم البواثي، الذي اختفى في ١٧ كانون الثاني/يناير ١٩٩٤ وكان لا يزال يعتبر حي اً في ٢ أيار/مايو ٢٠٠٠، ظل طيلة هذه الفترة الزمنية على الأقل محتجز اً لدى السلطات الجزائرية بمعزل عن العالم الخارجي. وبالنظر إلى عدم تقديم الدولة الطرف توضيحات بهذا الخصوص، ترى اللجنة أن هذا الاختفاء يشكل انتهاكاً للمادة 7 من العهد في حق براهيم البواثي ( ) .

٧-٧ وفي ضوء ما تقدّم، لن تنظر اللجنة بصورة مستقلة في المزاعم الم تعلقة بانتهاك المادة 10 من العهد ( ) .

٧-٨ وتحيط اللجنة علماً أيض اً بما تسبب فيه اختفاء براهيم البواثي من قلق وضيق لصاحبة البلاغ وأفراد أسرتها. وهي ترى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف وقوع انتهاكٍ للمادة 7 مقروءة منفردة وبالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد في حق صاحبة البلاغ وأفراد أسرتها ( ) .

٧-٩ وفيما يتعلق بادعاء انتهاك المادة 9، تحيط اللجنة علماً بمزاعم صاحبة البلاغ التي مفادها أن براهيم البواثي قُبض عليه تعسف اً وبدون أمر قضائي ولم توجه إليه تهمة ولم يعرض على سلطة قضائية يمكنه الاعتراض أمامها على مشروعية احتجازه. ونظراً إلى عدم ورود أي معلومات أخرى من الدولة الطرف في هذا الصدد، ترى اللجنة أنه يجب إيلاء ادعاءات صاحبة البلاغ ما تستحقه من اعتبار ( ) . لذا تخلص اللجنة إلى حدوث انتهاك للمادة 9 من العهد في حالة براهيم البواثي ( ) .

٧-١٠ وترى اللجنة أن تعمُّد حرمان الشخص من الحماية القانونية يشكل رفضاً للاعتراف بشخصيته القانونية، لا سيما عند العمل بصورة منهجية على عرقلة جهود أقاربه من أجل ممارسة حقهم في سبل انتصاف فعالة ( ) . وفي هذه القضية بعينها، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي توضيح مقنع بشأن مصير براهيم البواثي ولا بشأن مكان وجوده المحتمل، على الرغم من الطلبات المتعددة التي قدمتها صاحبة البلاغ في هذا الصدد. وتخلص اللجنة إلى أن اختفاء براهيم البواثي قسراً منذ ما يزيد على 23 عاماً حرمه من حماية القانون ومن حقه في أن يُعترف له بالشخصية القانونية، بما يشكّل انتهاكاً للمادة 16 من العهد.

٧-١١ وتحتج صاحبة البلاغ أيض اً بأحكام الفقرة 3 من المادة 2 من العهد التي تقتضي بأن تكفل الدول الأعضاء لأي شخص سبل انتصاف ميسرة و فعالة وواجبة ا لإنفاذ تأكيداً للحقوق المكرسة في العهد. وتُذكر اللجنة بأنها تعلق أهمية على قيام الدول الأطراف بإنشاء آليات قضائية وإدارية مناسبة لمعالجة الشكاوى المتصلة بانتهاكات الحقوق التي يكفلها العهد ( ) . وتذكّر بتعليقها العام رقم 31(2004) بشأن طبيعة الالتزام القانوني العام المفروض على الدول الأطراف في العهد، الذي تشير فيه على وجه الخصوص إلى أن تخلّف الدولة الطرف عن التحقيق في المزاعم المتعلقة بالانتهاكات يمكن أن يؤدي، في حد ذاته، إلى خرق مستقل للعهد. وفي هذه الحالة، وجهت أسرة براهيم البواثي انتباه السلطات المختصة، وتحديداً وكيل الجمهورية لدى محكمة الجزائر العاصمة، إلى اختفاء هذا الأخير بيد أن ا لدولة الطرف لم تبادر إلى فتح أي تحقيق معمّق ودقيق ونزيه في هذا الاختفاء ولم تتلق صاحبة البلاغ سوى معلومات مبهمة ومتضاربة. ثم إن عدم القدرة على اللجوء قانونياً إلى هيئة قضائية بعد صدور الأمر رقم 06-01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، لا يزال يحرم براهيم البواثي وصاحبة البلاغ وأفراد أسرتها من إمكانية الحصول على سبيل انتصاف فعال، ذلك أن الأمر المذكور يمنع من اللجوء إلى العدالة لكشف النقاب عن أكثر الجرائم خطورة، مثل حالات الاختفاء القسري (انظر CCPR/C/DZA/CO/3، الفقرة 7). وتخلص اللجنة إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن حدوث انتهاك الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، مقروءة بالاقتران مع المواد 6 (الفقرة 1) و7 و9 و16 في حق براهيم البواثي وانتهاك المادة 2 (الفقرة 3) مقروءة بالاقتران مع المادة 7 في حق صاحبة البلاغ وأفراد أسرتها.

٨- وتخلص اللجنة، إذ تتصرف وفقاً للفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد، إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاكات الدولة الطرف للمواد 6 (الفقرة 1) و7 و9 و16 من العهد، وللمادة 2 (الفقرة 3) مقروءة بالاقتران مع المواد 6 (الفقرة 1) و7 و9 و16 من العهد، في حق براهيم البواثي. وتلاحظ اللجنة أيضاً انتهاك الدولة الطرف للمادة 7 مقروءة بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 في حق صاحبة البلاغ وأفراد أسرتها.

٩- ووفقاً للفقرة 3(أ) من المادة 2 من العهد، يقع على الدولة الطرف التزام بتوفير سبيل انتصاف فعال لصاحب البلاغ. ويقتضي ذلك أن توفر الدول الأطراف جبراً كاملاً للأشخاص الذين انتهكت حقوقهم المعترف بها في العهد. وفي هذه القضية، فإن الدولة الطرف ملزمة بما يلي: (أ) إجراء تحقيق معمق ودقيق ونزيه في اختفاء براهيم البواثي وتزويد صاحبة البلاغ وأفراد أسرتها بمعلومات مفصلة عن نتائج هذا التحقيق؛ و(ب) الإفراج عن براهيم البواثي فوراً إذا كان لا يزال محبوساً بمعزل عن العالم الخارجي؛ و(ج) في حال ما إذا كان براهيم البواثي قد توفي، إعادة جثته إلى أسرته؛ و(د) مقاضاة المسؤولين عن الانتهاكات المرتكبة ومحاكمتهم ومعاقبتهم؛ و(ه) تقديم تعويض مناسب إلى صاحبة البلاغ عن الانتهاكات التي تعرضت لها وكذلك إلى براهيم البواثي إن كان لا يزال على قيد الحياة؛ و(و) توفير ما يناسب من تدابير الترضية لصاحبة البلاغ وأفراد أسرتها. وبصرف النظر عن الأمر رقم 06-01، يتعين على الدولة الطرف أيضاً أن تحرص على عدم إعاقة ممارسة الحق في سبيل انتصاف فعال ل ضحايا جرائم من قبيل التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري. وهي ملزمة أيضاً باتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون تكرار مثل هذه الانتهاكات في المستقبل. وفي هذا الصدد، ترى اللجنة أنه ينبغي للدولة الطرف أن تنقح تشريعاته ا وفق اً للالتزام المنصوص عليه في الفقرة 2 من المادة 2، وأن تعيد النظر على وجه الخصوص في الأمر 06-01، بحيث يمكن التمتع بالحقوق المكرسة في العهد تمتع اً كامل اً في الدولة الطرف.

١٠- وإذ تضع اللجنة في اعتبارها أن الدولة الطرف، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، قد اعترفت باختصاص اللجنة في تحديد ما إذا كان قد وقع انتهاك للعهد أم لا، وأنها تعهّدت، عملاً بالمادة 2 من العهد، بأن تكفل لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها أو الخاضعين لولايتها الحقوق المعترف بها في العهد، وتؤمن سبيل انتصاف فعالاً وواجب الإنفاذ عند ثبات الانتهاك، فإنها تود أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون 180 يوماً، معلومات عن التدابير التي اتخذتها لوضع آراء اللجنة موضع التنفيذ. وبالإضافة إلى ذلك، تطلب اللجنة إلى الدولة الطرف تعميم هذه الآراء ونشرها على نطاق واسع بلغاتها الرسمية.