الأمم المتحدة

CAT/C/67/D/854/2017

اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة

Distr.: General

11 September 2019

Arabic

Original: English

‎لجنة مناهضة التعذيب‏‏

قرار اعتمدته اللجنة بموجب المادة ٢٢ من الاتفاقية، بشأن البلاغ رقم ٨٥٤/٢٠١٧ * **

بلاغ مقدم من: ألف (يمثلها المحامي فيليب غران، الرابطة السويسرية لمكافحة الإفلات من العقاب)

الشخص المدعى أنه ضحية: صاحبة الشكوى

الدولة الطرف: البوسنة والهرسك

تاريخ تقديم الشكوى: ١ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٧ ( تاريخ الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية: القرار المتخذ عملا ً بالمادة ١١٥ من النظام الداخلي للجنة، والمحال إلى الدولة الطرف في ١٠ أيار/مايو ٢٠١٦ (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد هذا القرار: ٢ آب/أغسطس ٢٠١٩

الموضوع: الحق في التعويض العادل والمناسب

المسائل الإجرائية: لا شيء

المسائل الموضوعية: الحق في الانتصاف والتعويض

مواد الاتفاقية: ١٤(١) بالاقتران مع ١(١)

1- صاحبة الشكوى هي ألف، وهي مواطنة من البوسنة والهرسك مولودة في يوغوسلافيا السابقة في عام ١٩٦١. وتدعي صاحبة الشكوى أن الدولة الطرف انتهكت حقوقها بموجب المادة ١٤(١) بالاقتران مع المادة ١(١) من اتفاقية مناهضة التعذيب ( ) . ويمثل صاحبة الشكوى محام ( ) .

الوقائع كما عرضتها صاحبة الشكوى

٢-١ في عام ١٩٩٢ ، كانت صاحبة الشكوى وابنتها البالغة من العمر 10 سنوات ت قطنان في سيميزوفاك ، داخل بلدية فوغوسكا ، وهي منطقة كانت تحت سيطرة قوات جيش جمهورية صربسكا خلال النزاع المسلح غير الدولي في البوسنة والهرسك. وعاشت صاحبة الشكوى خوف اً دائم اً لأن الأقليات العرقية كانت خلال الحرب الأهلية عرضة للتهديد والقتل والاغتصاب والاحتجاز التعسفي.

٢-٢ وفي تاريخ غير معلوم بين شهري أيار/مايو وحزيران/يونيه ١٩٩٣، داهم سلافكو سافيتش ، أحد أعضاء جيش جمهورية صربسكا ، منزل صاحبة الشكوى وهو يحمل مسدساً. فهدد صاحبة الشكوى بسلاحه وأرغمها على ركوب سيارته ، ثم اقتاد ها إلى محطة الحافلات واغتصبها هناك. و اغتصبها مرة أخرى في وقت لاحق.

٢-٣ وبعد أن أصبحت صاحبة الشكوى حاملاً، اضط ُ رت إلى إنهاء حملها. وقد أثرت فيها هذه الأحداث تأثيراً شديداً، و خلفت أضراراً نفسية جسيمة و دائمة. وبسبب الصدمة، بدأت تعاني من الخوف، والأرق، والوساوس، والكوابيس، ومشاهد الاغتصاب. وفي عام ٢٠٠٨، بدأت ت خضع للعلاج النفسي ، وأفاد التشخيص الطبي ب أنها تعاني من اضطراب دائم في الشخصية ومن الاكتراب المزمن التالي للصدمة. وأفاد شاهد خبير استمعت إليه محكمة البوسنة والهرسك بأن "نوع ي ة حياة الطرف المتضرر على العموم تراجعت بصورة دائمة بنسبة ٢٥ في المائة بعد أن تغيرت شخصيتها بشكل دائم جراء تجربتها الكارثية ..." ( ) .

٢-٤ ولم تبل ِّ غ صاحبة الشكوى عن هذه ال أحداث على الفور لأنها كانت خائفة من القيام بذلك وهي لا تزال تعيش في مكان يسيطر عليه جيش جمهورية صربسكا . وحتى بعد انتهاء النزاع، لم تشعر صاحبة الشكوى لسنوات عديدة بأنها مطمئنة ل سرد تجربتها. وبعد أن تجرأت نساء أخريات على الحديث، استجمعت في نهاية المطاف شجاعتها وأبلغت السلطات بهذه الأحداث؛ وفي ٥ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٤، وجه مكتب المدعي العام إلى سلافكو سافيتش لائحة اتهام بارتكاب جرائم حرب ضد السكان المدنيين.

٢-٥ وفي ١٩ كانون الثاني/يناير ٢٠١٥، قررت الدائرة الأولى المعنية بجرائم الحرب في محكمة البوسنة والهرسك أن ال بيانات الشخصية ل صاحبة الشكوى وابنتها بيانات سرية، فحددت لهما اسمين مستعارين هما ألف وهاء على التوالي بغرض حمايتهما. وفي ٢٩ حزيران/يونيه ٢٠١٥، خلصت هذه الدائرة إلى أن سلافكو سافيتش مذنب ب ارتك ا ب جرائم حرب ضد المدنيين ل اغتصابه صاحبة الشكوى، وحكمت عليه بالسجن ثماني سنوات و ب دفع تعويض عن الأضرار غير المالية لصاحبة الشكوى قدره ٠٠٠ ٣٠ مارك ا ً (نحو ٣٤٠ ١٥ يورو) في غضون 90 يوما ً . وفي ٢٤ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٥، أكدت المحكمة، المنعقدة بوصفها شعبة استئناف، هذا الحكم. ولم يدفع السيد سافيتش لصاحبة الشكوى المبلغ الذي حددته المحكمة.

٢-٦ وفي ١٠ حزيران/يونيه ٢٠١٦، قدمت صاحبة الشكوى التماساً لإنفاذ الحكم بغية ضمان دفع التعويض عن الأضرار غير المالية . وفي ٨ آب/أغسطس ٢٠١٦ و ٢٧ آذار/ مارس ٢٠١٧، أبلغت محكمة البوسنة والهرسك صاحبة الشكوى بأن السيد سافيتش لا يملك أي أصول، فاضطُرت إلى سحب التماسها هذا في ٧ نيسان/أبريل ٢٠١٧.

٢-٧ وفيما يتعلق بمقبولية البلاغ من حيث الاختصاص الزمني ، تدفع صاحبة الشكوى ب أن البوسنة والهرسك دولة طرف في الاتفاقية منذ ١ تشرين الأول/أكتوبر ١٩٩٣. وقد وقعت أحداث الاغتصاب وسوء المعاملة هذه في أيار/مايو - حزيران/يونيه ١٩٩٣. ومع ذلك، فقد نشأ عن ها أن التزمت البوسنة والهرسك ولا تزال بالتحقيق مع مرتكب الجريمة ومقاضاته ومعاقبته، وضمان إنصاف ألف ومنحها حقا ً قابل اً للإنفاذ في التعويض . وجميع الوقائع ذات الصلة بشأن استمرار عدم إنصاف ألف حدثت أيضاً بعد ٤ حزيران/يونيه ٢٠٠٣. ووفقاً لذلك، فإن ا للجنة مختصة ب النظر في هذا البلاغ من حيث الاختصاصين المكاني والزمني على السواء .

٢-٨ وتشير صاحبة الشكوى إلى أن اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة دأب ت على اعتبار أن للانتهاكات المزعومة آثار اً مستمرة ولو كانت قد حدثت قبل بدء نفاذ ا لبروتوكول الاختياري في ا لدولة المدعى عليها. وتحتج بأنه ينبغي للجنة مناهضة التعذيب أن تنظر في تطبيق المنطق نفسه، مع تعديل ما يلزم تعديله ، وتخلص إلى الاستنتاجات نفسها فيما يتعلق بقضيتها، وتعلن أن بلاغها مقبول، وتقيِّم على النحو الواجب أن الانتهاكات المزعومة ليست مستمرة بطبيعتها فحسب، بل إ ن آثار الاغتصاب وسوء المعاملة التي تعرضت لها مستمرة أيضا ً ( ) .

٢-٩ وتشير صاحبة الشكوى أيضا ً إلى أنها استنفدت جميع سبل الانتصاف المحلية المتاحة، وأن هذه السبل، في قضيتها هي، لم تثبت فعاليتها إذ لا يوجد في البوسنة والهرسك أي سبيل انتصاف آخر قد يتيح لها ذلك. وتدفع صاحبة الشكوى ب أن الاتفاقية والنظام الداخلي للجنة ينصان على إعفاء صاحب الشكوى من التماس سبل الانتصاف المحلية إذا كان من غير المحتمل أ ن يحصل على انتصاف فعلي. وقد دأبت اللجنة على اعتبار أن ه ليس لأصحاب الشك ا وى استنفاد سبل الانتصاف المحلية حين لا يوجد احتمال واقعي ل نجاحها ( ) . وتدعي صاحبة الشكوى أن قضيتها تقع تحديداً ضمن هذا الاستثناء لأن تقديم أي ادعاء آخر إلى السلطات البوسنية لا يُتوقع له أي نجاح على الإطلاق. وتشير صاحبة الشكوى، فيما يتعلق بقضيتها، إلى أن مطالبتها بالتعويض عن الأضرار غير المالية في الإجراءات المدنية لن تُ سفر في الحقيقة عن أي نتيجة لها مغزى لأنها ستسقط بموجب قانون التقادم ، وهذا الأمر ي شكل في حد ذاته جزءاً من الانتهاكات التي تدعي ها في بلاغها. ويتضمن القانون المعمول به ( ) تقادم اً فسرته المحكمة الدستورية للبوسنة والهرسك، منذ قرارها المؤرخ ٢٣ كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٣ ( ) ، ب أنه يعني أن أي مطالبات بتعويضات عن أضرار غير مالية ضد كيانات قانونية تُقد َّ م بعد أكثر من خمس سنوات من معرفة الطرف المتضرر بالضرر الواقع وب هوية الشخص المتسبب فيه، هي مطالبات ٌ تسقط بموجب قانون التقادم. و فيما يتعلق بهذا الجانب، ترى صاحبة الشكوى أن من غير الواقعي توقع أن تكون ضحية الاغتصاب أو ضحية أي جريمة أخرى وقعت إبان النزاع قادرة على المطالبة بحقوقها في ال سنوات الأولى التي تلت انتهاء الحرب، في وقت اتسم بعدم الاستقرار وكان الكثيرون لا يزالون يخشون انتقام المؤسسات العامة ، مما جعل سبيل ال انتصاف هذا غير فعال. ووجد الضحايا الذين قدموا مطالبات رغم ذلك أن شكاواهم رُفضت للأسباب المذكورة، وأُرغموا عندئذ على دفع ما بين ٠٠٠ ٢ و ٠٠٠ ١٠ مارك ا ً (نحو ٠٢٠ ١ و ١١٠ ٥ يورو) ( ) .

٢-١٠ وتلاحظ صاحبة الشكوى أن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أعربت في ملاحظاتها الختامية بشأن البوسنة والهرسك المؤرخة آذار/مارس ٢٠١٧ عن قلقها بشأن هذا ال تفسير للاجتهادات القانونية الذي اعتمدته المحكمة الدستورية للبوسنة والهرسك، إذ ارتأت اللجنة أنه لا يترك لضحايا الجرائم المشمولة بالقانون الدولي ، لا سيما العنف الجنسي إبان الحرب، أي سبيل انتصاف فعال ( ) .

٢-١١ وتضيف صاحبة الشكوى أن من غير المحتمل أن ي تيح لها عرض مطالبتها على أي سلطة بوسنية أخرى انتصاف اً فعالاً بالنظر إلى السوابق القضائية للمحاكم المحلية، وإلى إعلان المحكمة الدستورية أن المطالب المتعلقة بالتعويضات عن الأضرار غير المالية فيما يتعلق ب الانتهاكات المرتكبة إبان الحرب تخضع لقانون التقادم، و عدم اعتراف المحكمة بمسؤولية ا لدولة أو غيرها من الكيانات (أي جيش جمهورية صربسكا ) عن عمل الغير .

٢-١٢ وتدفع صاحبة الشكوى بأنه يجب النظر في وقائع قضيتها في سياق ال ممارسة ال واسعة الانتشار بعدم إجراء تحقيق فوري وتقديم تعويض عادل ومناسب عن الجرائم المرتكبة إبان النزاع المسلح؛ الأمر الذي يفضي إلى تفاقم مسؤولية الدولة المدعى عليها ب تقديم تعويض عادل ومناسب للضحايا. وتذكر صاحبة الشكوى أيضا ً أن ما تعرضت له من اغتصاب وعنف جنسي وسوء معاملة هو بمثابة أعمال تعذيب استناداً إلى المادة ١(١) من الاتفاقية ( ) . ولم تتلق صاحبة الشكوى أي شكل من التعويض عن الضرر الذي لحق بها، رغم محاولاتها ل لحصول عليه . ويشكل هذا الأمر بالنسبة لصاحبة الشكوى انتهاكاً مستمراً للمادة ١٤(١)، بالاقتران مع المادة ١(١) من الاتفاقية ، لأن البوسنة والهرسك لم تكفل في نظامها القانوني أو في ممارساتها إمكانية حصول ها على الانتصاف. كما أن الدولة الطرف لم تكفل لصاحبة الشكوى حقاً قابلاً للإنفاذ في الحصول على تعويض عادل ومناسب، بما في ذلك وسائل إعادة تأهيلها بالكامل قدر الإمكان.

٢-١٣ وتلاحظ صاحبة الشكوى أن الاغتصاب محظور بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي ( ) ، وقد ي كون في سياقات معينة بمثابة جريمة من جرائم الحرب ( ) . وفي هذه القضية، أدانت محكمة البوسنة والهرسك في عام ٢٠١٥ الشخص الذي اغتصب صاحبة الشكوى وأساء معاملتها ب ارتكاب جرائم حرب. وتترتب على تطور حظر التعذيب إلى قاعدة آمرة نتائج هامة ، بما في ذلك أن "التعذيب لا يمكن أن يشمله قانون التقادم" ( ) .

٢-١٤ وترى صاحبة الشكوى أن من الحقائق الراسخة، عملاً بالقانون الدولي والاجتهادات القضائية، أن لضحايا التعذيب الحق في الانتصاف، بما في ذلك التعويض، ورد الحق ، وإعادة التأهيل، والترضية، وضمانات عدم التكرار. ويتفرع عن الحق في الحصول على تعويض لضحايا التعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي، وهو حق لا يقبل الجدل، نتيجتان مباشرتان تقعان في صلب هذا البلاغ. فمن ناحية، لا ي مكن إخضاع المطالبات بالتعويض عن الجرائم التي ينص عليها القانون الدولي، بما فيها جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، لقانون التقادم، لأن من شأن ذلك أن يجعل الحق في الانتصاف دون قيمة فعلية. ومن ناحية أخرى، يتعين العمل ب المسؤولية عن عمل الغير ليكون هذا الحق قابلاً للإنفاذ حتى عندما لا تُعرف هوية الجاني أو يكون ، كما هو الحال في هذه القضية، غير قادر على دفع تعويض أو غير راغب في ذلك.

٢-١٥ وتذكر صاحبة الشكوى أنه نظراً لعدم انطباق قوانين التقادم على الإبادة الجماعية والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ف ينبغي ألا ت نطبق على الإجراءات الجنائية أو المدنية التي يسعى بمقتضاها ضحايا هذه الجرائم إلى الحصول على جبر كامل. وبهذا المعنى، هناك اعتقاد سائد، ك توجه ضمن التطور التدريجي للقانون الدولي، ب أن عدم انطباق قوانين التقادم ينبغي أن يشمل أيضا ً المطالبات المدنية المتعلقة بالجرائم المشمولة ب القانون الدولي، سواء ق ُ دمت هذه المطالبات في إطار إ جراءات مدنية أو كانت جزءاً من إجراءات جنائية ( ) .

٢-١٦ إن تطبيق قانون التقادم مع تحديد مهلة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات لتلقي المطالبات المدنية بالحصول على تعويض عن الأضرار غير المالية، التي يقدمها ضحايا أفعال التعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي، التي ارتُكبت إبان النزاع المسلح في البوسنة والهرسك، يجعل حق الضحايا في الانتصاف، بمن فيهم صاحبة الشكوى، حقاً صورياً بحكم الواقع. ويواجه ضحايا الاغتصاب أو غيره من أشكال العنف الجنسي نوعاً خاصاً من الوصم والخوف والتهميش، الأمر الذي يمنعهم في كثير من الأحيان من ال بوح بأنهم ضحايا والإبلاغ عن هذه الجرائم وتقديم الشكاوى بشأنها سعياً إلى الحصول على تعويض. ومن المؤكد أن فرض قانون التقادم على هؤلاء الضحايا بتحديد مهلة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات، على النحو المنصوص عليه بموجب المادة ٣٦٦ من قانون الالتزامات المدنية، تقييدٌ غير مبرر بالمرة، ويمثل عقبة لا يمكن التغلب عليها لإنفاذ حقهم في التعويض. ولا يأخذ هذا الحكم في الاعتبار الطابع الم ستمر لآثار التعذيب أو بطء عملية إعادة بناء نظام قضائي مستقل وجدير بالثقة في أعقاب النزاع، ويحرم الضحايا من الانتصاف والتعويض. وعلاوة على ذلك، ي غفل الاجتهاد القضائي للمحاكم البوسنية في هذا الصدد، الذي أقرته المحكمة الدستورية للبوسنة والهرسك، حقيقة أن الجرائم موضع النظر هي جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، ولا يجوز بناء على ذلك إخضاعها لأي قانون تقادم فيما يتعلق بالإجراءات الجنائية والمدني ة على السواء .

٢-١٧ و تتضمن المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في الانتصاف والجبر لضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني حكمين آخرين من الأحكام ذات الصلة ، تنتهكهما الممارسات والسوابق القضائية للبوسنة والهرسك كما هو مبين في قضية ألف. فالمبدأ ١٥ ينص على أن "توفر الدولة [...] الجبر لضحايا ما تقوم به أو تمتنع عنه من أفعال تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وانتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي. وفي الحالات التي يعتبر فيها شخص ما، أو شخصية اعتبارية، أو كيان آخر مطالبا ً بجبر أحد الضحايا، ينبغي أن يوفر الطرف المسؤول عن الانتهاك جبرا ً للضحية، أو للدولة إذا كانت الدولة قد وفرت فعلا ً الجبر للضحية". وعلاوة على ذلك، وعملا ً بالمبدأ ١٧، "ينبغي أن توفر الدول في إطار قوانينها المحلية آليات فعالة لتنفيذ الأحكام المتعلقة بالجبر". وفيما يتعلق بقضية ألف، فإن البوسنة والهرسك لم تقدم أي آلية فعالة لضمان إنفاذ حكم محكمة البوسنة والهرسك الصادر في عام ٢٠١٥ فحسب، بل إن السوابق القضائية المعيبة التي أقرتها المحكمة الدستورية للبوسنة والهرسك تجعل من المستحيل تطبيق ال مسؤولي ة عن عمل الغير ؛ مما يترك الضحية في نهاية المطاف دون أي حق قابل لل إنفاذ في التعويض والانتصاف.

٢-١٨ وتنص النظم القانونية في معظم البلدان على أن الإضرار بشخص ما بشكل غير مشروع تستتبعه مسؤولية الانتصاف ، لا سيما عن طريق دفع تعويض. وقد لوحظ أن " الفرد الجاني والدولة مسؤولان في معظم البلدان . وتتحمل الدولة في غالبية البلدان ال مسؤولية عن عمل الغير بالنسبة للأضرار التي يُحدثها موظفوها، إما صراحة أو على أساس ’ مسؤولية ‘ أرباب العمل" ( ) . وتنخر ال عيوب تشريعات البوسنة والهرسك في هذا الصدد، إذ تتجاهل الاجتهادات القضائية القائمة تماما ً مفهوم المسؤولية عن عمل الغير ، الأمر الذي يترك الضحايا - بمن فيهم ألف - دون أي حق واجب الإنفاذ في ال تعويض.

الشكوى

٣-١ تدعي صاحبة الشكوى أن الوقائع، على النحو الذي قُدمت به، تكشف عن انتهاك مستمر للمادة ١٤(١) بالاقتران مع المادة ١(١) من الاتفاقية لأن الدولة الطرف لم تكفل في نظامها القانوني أو ممارساتها القانونية ما يُمكِّنها من الحصول على الانتصاف وما يمنحها حقاً واجب الإنفاذ في الحصول على تعويض عادل ومناسب، بما في ذلك وسائل إعادة التأهيل على أكمل وجه ممكن.

٣-٢ وعلى الرغم من الضرر الجسيم الذي لحق ب صاحبة الشكوى وما عانته من آثار نفسية وطبية مستمرة بسبب ما تعرضت له من عنف جنسي وسوء معاملة، فإنها لم تستفد من أي انتصاف أو تعويض. ولهذا السبب، تدعو صاحبة الشكوى اللجنة، عملا ً بالفقرة ٥ من المادة ١١٨ من نظامها الداخلي ووفقا ً لممارستها الراسخة، إلى حث الدولة الطرف على اتخاذ تدابير جبر م ناسبة ل صالحها . و هذه التدابير لا يمكن أن تقتصر في واقع الأمر على ال تعويض ال نقدي ( ) ، بل يجب أن ت تضمن أيضا ً إعادة التأهيل ( ) والترضية ( ) وضمانات عدم التكرار ( ) .

٣-٣ وتذكر صاحبة الشكوى بآراء اللجنة التي تشير إلى أن الانتصاف ينبغي أن ي غطي جميع الأضرار التي تلحق ب الضحية وأن يشمل، في جملة تدابير أخرى، رد الحق، والتعويض، وضمانات عدم تكرار الانتهاكات، مع مراعاة ظروف كل قضية. وأشارت اللجنة، على وجه الخصوص، إلى أن "مفهوم الجبر الشامل ينطوي [بالتالي] على رد الحقوق والتعويض وإعادة التأهيل والترضية وضمانات بعدم تكرار الانتهاكات"؛ وأن الجبر "يجب أن يكون مناسباً وفعالاً وشاملاً"؛ وأن "التعويض النقدي وحده قد لا يكون سبيل انتصاف كاف لضحية من ضحايا التعذيب وسوء المعاملة" ( ) . وفيما يتعلق بإعادة التأهيل، أشارت اللجنة إلى أنه ا ينبغي أن تكون شمولية وأن تغطي الرعاية الصحية والنفسية فضلاً عن الخدمات القانونية والاجتماعية ( ) ؛ و ينبغي أن تشمل الترضية إعلانا ً رسمياً أو قراراً قضائياً يعيد للضحية والأشخاص المرتبطين به ا ارتباطاً وثيقاً كرامتهم وسمعتهم وحقوقهم؛ وفرض عقوبات قضائية وإدارية على الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات؛ وتقديم اعتذارات علنية، بما في ذلك الاعتراف بالوقائع وقبول المسؤولية؛ وإحياء ذكرى الضحايا وتكريمهم ( ) . وختاماً، أعلنت اللجنة، فيما يتعلق بضمانات عدم التكرار، أنه ينبغي للدول أن تتخذ تدابير لمكافحة الإفلات من العقاب بسبب الانتهاكات ، بما في ذلك ضمان تقيد جميع الإجراءات القضائية بالمعايير الدولية المتعلقة بالمحاكمة وفقاً للأصول القانونية والعدالة والنزاهة؛ وتقديم تدريب للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، وكذلك للقوات العسكرية وقوات الأمن في مجال قانون حقوق الإنسان؛ وتدريب محدد بشأن دليل التقصي والتوثيق الفعالين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (بروتوكول اسطنبول) للأخصائيين في المجالين الصحي والقانوني والموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين ( ) .

٣-٤ و تطلب صاحبة الشكوى إلى اللجنة حث الدولة الطرف على ضمان حصولها على انتصاف مناسب عن ال أضرار التي لحقت بها . و ي شمل ذلك الأضرار المادية والمعنوية ويتضمن تدابير ترمي إلى رد الحق، وإعادة التأهيل، والترضية (بما في ذلك رد الاعتبار لكرامة الشخص وسمعته)، وضمانات عدم التكرار. وينبغي أن يُطلب إلى ا لدولة الطرف القيام بما يلي على وجه الخصوص: (أ) ضمان ال تعويض ال فوري و ال عادل والكافي الذي يتناسب وجسامة الانتهاكات التي تعرضت لها؛ (ب) إتاحة الرعاية الطبية والنفسية الفورية لها دون مقابل؛ (ج) تقديم اعتذار رسمي إلى صاحبة الشكوى وأسرتها؛ (د) ضمان ألا تخضع المطالبات المدنية بالتعويض عن الأضرار غير المالية فيما يتصل بالمطالبات المشمولة ب القانون الدولي (لا سيما العنف الجنسي والتعذيب) لأي قانون تقادم؛ (ﻫ) ضمان إنفاذ دفع ال تعويضات للضحايا ، عند منحهم إياها في سياق الإجراءات الجنائية، بغض النظر عن العوز المزعوم للجاني؛ (و) إبلاغ اللجنة في غضون ٩٠ يوما ً بالتدابير المتخذة، وترجمة قرار اللجنة هذا .

٣-٥ وتدعو صاحبة الشكوى اللجنة أيضا ً إلى حث الدولة الطرف على إصلاح العيوب الموجودة في تشريعاتها وممارساتها من أجل ضمان ألا تخضع الدعاوى المدنية للتعويض بشأن الجرائم المشمولة ب القانون الدولي لقانون التقادم، وذلك بصرف النظر عما إذا كانت موجهة ضد أفراد جناة أو ال دولة ال مسؤولة أو ال كيان المسؤول ، والعمل على تطبيق المسؤولية عن عمل الغير عندما يكون الأفراد غير قادرين على دفع التعويض. وفي هذا الصدد، يجب التفكير في إنشاء صندوق مخصص لهذا الغرض. وبالمثل، تأمل ألف في أن تحصل على تعويض مناسب وعادل عن ال أضرا ر ال ت ي تكبدت ها ، و أن يُعاد تأهيلها، و أن تتلقى اعتذاراً علنياً من سلطات البوسنة والهرسك.

ملاحظات الدولة الطرف على مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية

٤-١ أشارت الدولة الطرف، في ملاحظاتها المؤرخة 7 كانون الثاني/يناير 2019، إلى رسائل واردة من ثمان من ال مؤسسات والكيانات التابعة ل لدولة ( ) ، تقدم معلومات عن الإجراءات المتخذة بشأن هذه القضية.

٤-٢ وفيما يتعلق بمطالبة صاحبة الشكوى ب ضمان حصولها على تعويض فوري وعادل ومناسب، تشير محكمة البوسنة والهرسك إلى أنها أوفت بالتزاماتها تجاه صاحبة الشكوى، حيث منح ت ها تعويضاً قدره ٠٠٠ ٣٠ مارك ا ً عن الأضرار غير المالية في إطار مطالبتها الخاصة بال ممتلكات ( ) . وفيما يتعلق بتنفيذ القرار، تفيد الوحدة التنفيذية للمحكمة ب أن صاحبة الشكوى قررت سحب مطالبتها الخاصة بال ممتلكات لأنها أدركت أن الـمُدان لم تكن لديه أية ممتلكات يمكن أن تُ ستخدم لتعويضها عن الأضرار ، ولأن بإمكانها إقامة دعوى مدنية بموجب قانون الالتزامات المدنية أو تقديم مطالبة جديدة خاصة بالممتلكات إلى محكمة البوسنة والهرسك. وتدفع المحكمة أيضاً بأن التشريع يراعي إمكانية فرض تدابير مؤقتة من أجل ضمان تنفيذ المطالب ات الخاصة بالممتلكات في الإجراءات الجنائية؛ إلا أن صاحبة الشكوى لم تقدم قط أي طلب من هذا القبيل.

٤-٣ وتكرر الدولة الطرف أحكام قانون الالتزامات المدنية التي تحدد التعويض عن الأضرار غير المالية ، وقانون التقادم ذي الصلة ب ال مطالبات من هذا القبيل، وقانون العقوبات الذي تنص ال ماد ة ١٩ منه على أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم.

٤-٤ وعلاوة على ذلك، تدفع الدولة الطرف بأنه وفقاً لقانون الحماية الاجتماعية وحماية ضحايا الحرب المدنيين والأسر التي لها أطفال، تتلقى صاحبة الشكوى، بصفتها ضحية مدنية من ضحايا الحرب، استحقاقاً نقدياً يسمى "الدخل ال شهري ال شخصي" بمبلغ ٤٩٤ ٥٩ ماركا ً منذ ١ شباط/فبراير ٢٠٠٨ ( ) .

٤-٥ وفي رسالة مؤرخة ١٩ آذار/مارس ٢٠١٨، ذكرت وزارة حقوق الإنسان واللاجئين أن طلب صاحبة الشكوى الانتصاف القانوني مقبول جزئيا ً لأن ألف لم تُمنح تعويضا ً سريعاً وعادلاً ومناسباً، و ل أن حقوقها نُفذت جزئيا ً فقط، و ل أن قانون التقادم الحالي لم يُتح لها المطالبة بتعويض عن الأضرار غير المالية .

٤-٦ وفيما يتعلق بالمطالبة بضمان إمكانية حصول صاحبة الشكوى على الرعاية الطبية والنفسية فوراً و دون مقابل ، تشير وزارة حقوق الإنسان واللاجئين، وفقاً لقانون الحماية الاجتماعية وحماية ضحايا الحرب المدنيين و الأسر التي لها أطفال، إلى أن لصاحبة الشكوى الحق في خدمات مجان ية في مراكز الصحة العقلية ومراكز العمل الاجتماعي، وكذلك في الرعاية الصحية الأولية والثانوية. ومعظم هذه الخدمات دون مقابل فيما عدا بعض الخدمات المتخصصة التي يجب أن تدفع رسومها.

٤-٧ وتدفع وزارة حقوق الإنسان واللاجئين بأن صاحبة الشكوى حصلت، أثناء المحاكمة الجنائية، على الدعم النفسي الذي قدمته وحدة دعم الشهود التابعة لمحكمة البوسنة والهرسك. فهذه الوحدة قدمت دعماً نفسياً ووجدانياً ولوجيستياً وإدارياً و ب أشكال أخرى إلى جميع الشهود الذين أدلوا بشهاداتهم أمام المحكمة. وتشير الوزارة إلى عدم الحاجة إلى تقديم التعويض المطلوب لأن صاحبة الشكوى يتاح لها كل ما يلزم من الرعاية الطبية والنفسية.

٤-٨ وفيما يتعلق بال اعتذار ال رسمي المطلوب تقديمه إلى صاحبة الشكوى وأسرتها، تدفع الدولة الطرف بأنه على الرغم من أن التشريع ات وممارسات إنفاذ القانون الحالي ة لا تأخذ في الاعتبار إصدار اعتذار رسمي ( ) ل ضحايا التعذيب، فإنها ارتأت أن سبيل الانتصاف هذا مقبول.

٤-٩ وفيما يتعلق ب قانون التقادم المطبق على مطالبات التعويض عن الأضرار غير المالية الناجمة عن جرائم التعذيب والعنف الجنسي المتصلة ب النزاع ات المسلح ة ، تذكر الدولة الطرف أن سبيل الانتصاف المطلوب والهادف إلى تعديل التشريعات والممارسات القائمة سبيلٌ مقبول لأن البوسنة والهرسك لم توائم تشريعاتها بعدُ مع أحكام الاتفاقية، والاتفاقية الأوروبية المتعلقة بتعويض ضحايا جرائم العنف.

٤-١٠ وفيما يتعلق بطلب ضمان حصول صاحبة الشكوى على تعويض حتى لو كان الجاني معوزاً، وذلك بتنفيذ مبدأ المسؤولية عن عمل الغير ، ارتأت الدولة الطرف أن سبيل الانتصاف مقبول لأنها ملزمة بجعل تشريعاتها متوافقة والمعايير الدولية.

تعليقات صاحبة الشكوى على ملاحظات الدولة الطرف

٥-١ في 21 شباط/فبراير 2019، قدمت صاحبة الشكوى تعليقاتها على ملاحظات الدولة الطرف. وتكرر في تعليقاتها هذه وقائع قضيتها وجميع حججها ومطالباتها. وتضيف أنه منذ تقديم شكواها إلى اللجنة، تدهورت حالتها الصحية والنفسية بسبب ال ضغوط ال إضافية المرتبطة ب الإجراءات .

٥-٢ وقدم ت صاحبة الشكوى بعض الإيضاحات فيما يتعلق برفض الدولة الطرف الطعن في مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية. وذكر ت أن سحبها الالتماس المتعلق ب ال مطالب ة الخاصة بالممتلكات كان نتيجة مباشرة ل إبلاغ محكمة البوسنة والهرسك إياها بأن الجاني لا يملك أي شيء على الإطلاق ؛ مما يوضح أنه لا توجد وسيلة لضمان تنفيذ حكم المحكمة، الأمر الذي يجعل سحب الالتماس الخيار الوحيد القابل للتطبيق.

٥-٣ وتذكر صاحبة الشكوى أنها تتلقى معاش الإعاقة بموجب قانون الحماية الاجتماعية وحماية ضحايا الحرب المدنيين والأسر التي لها أطفال؛ ومع ذلك، فمبلغ هذا المعاش ليس ٤٩٤ ٥٩ ماركا ً شهريا ً ، كما ادعت الدولة الطرف، وإنما ٦٠٠ مارك ا ً . وعلاوة على ذلك، يُعتبر هذا المعاش إعانة اجتماعية، ويختلف بذلك عن التعويض الذي تستحقه صاحبة الشكوى عملاً بالحكم الصادر عن محكمة البوسنة والهرسك، والمادة ١٤(١) من الاتفاقية. ف من شأن التدابير الإدارية المتعلقة برعاية ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أن تكمل، وليس أن تستبدل، التعويض العادل والمناسب عن الأضرار التي تلحق ب هم.

٥-٤ وتلاحظ صاحبة الشكوى أن تعهد الدولة الطرف لا يشمل جميع تدابير الجبر التي طالبت بها. و كررت صاحبة الشكوى في هذا الصدد جميع مطالباتها بالانتصاف. وتضيف أن اعتماد وتنفيذ القانون المتعلق بحقوق ضحايا التعذيب ينبغي أن ي عتبر ا تدبيراً ضروري اً إضافياً يرمي إلى التغلب على مشكلة هيكلية وتوفير ضمانات عدم التكرار.

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

٦-١ قبل النظر في أي ادعاء يرد في بلاغ ما، يجب على اللجنة أن تقرر ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب المادة 22 من الاتفاقية. وقد تأكدت اللجنة، وفق ما تقتضيه المادة 22(5)(أ) من الاتفاقية، من أن المسألة ذاتها لم تُبحث وليست قيد البحث في إطار أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية.

6-2 و وفقاً للمادة 22(5)(ب) من الاتفاقية، لا تنظر اللجنة في أي بلاغ مقدم من فرد من الأفراد إلا بعد أن تكون قد تأكّدت من أنه استنفد جميع سبل الانتصاف المحلية المتاحة. وتلاحظ اللجنة في هذه القضية أن الدولة الطرف لم تدفع بأن صاحبة الشكوى لم تستنفد جميع سبل الانتصاف المحلية المتاحة.

٦-٣ وتلاحظ اللجنة أنه على الرغم من أن الأحداث موضوع الشكوى وقعت قبل تاريخ بدء نفاذ الاتفاقية في الدولة الطرف، فقد أصدر مكتب المدعي العام قراره ب فتح تحقيق جنائي في ادعاءات جرائم الحرب ضد السكان المدنيين في ٥ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٤، وصدر حكم محكمة البوسنة والهرسك في ٢٩ حزيران/يونيه ٢٠١٤ ، وهو حكم أكدته محكمة الدرجة الثانية في ٢٤ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٥، أي بعد أن أصدرت الدولة الطرف الإعلان بموجب المادة ٢٢ من الاتفاقية. وبناء على ذلك، فإن عدم وفاء الدولة الطرف المزعوم بالتزاماتها بتوفير الانتصاف وحق قابل ل لإنفاذ في تعويض عادل ومناسب لصاحبة الشكوى إنما وقع بعد اعتراف الدولة الطرف باختصاص اللجنة بموجب المادة ٢٢ من الاتفاقية. وتلاحظ اللجنة كذلك أن الدولة الطرف لا تطعن في اختصاص اللجنة الزمني. وبالنظر إلى هذه السياقات، ترى اللجنة أن الاختصاص الزمني لا يمنعها من النظر في ادعاءات صاحبة الشكوى فيما يتعلق بانتهاك حقوقها بموجب المادة 14(1)، بالاقتران مع المادة 1(1) من الاتفاقية ( ) .

٦-٤ وأحاطت اللجنة علما ً أيضاً بحجة الدولة الطرف أن بإمكان صاحبة الشكوى إقامة دعوى مدنية بموجب قانون الالتزامات المدنية أو تقديم مطالبة جديدة خاصة بالممتلكات لدى محكمة البوسنة والهرسك عندما تستوفي بعض الشروط. و ترى اللجنة في هذا الصدد أن عدم اعتماد الدولة الطرف ل تشريعات محلية و ممارسات ل إنفاذ ا لقانون تتسم بالملاءمة والفعالية قد جعل تطبيق سبيل انتصاف يمكن أن ي تيح – في الظروف الخاصة لهذه القضية - تعويضاً فعالاً وكافياً لصاحبة الشكوى مسألة شبه مستحيلة. و ترى كذلك أنه ينبغي ، بعد استنفاد أحد سبل الانتصاف دون جدوى ، ألاَّ يطال َ ب المرء، لأغراض الفقرة 5(ب) من المادة 22 من الاتفاقية، باستنفاد سبل قانونية بديلة كانت ستفضي أساساً إلى نفس النتيجة دون إتاحة فرص أفضل لتحقيق النجاح على أية حال ( ) . وقد خلصت اللجنة، في هذه السياقات، إلى أن مقتضيات المادة 22(5)(ب) من الاتفاقية لا تمنعها من النظر في البلاغ.

النظر في الأسس الموضوعية

٧-١ نظرت اللجنة في البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أتاحها الطرفان لها، وفقاً للمادة 22(4) من الاتفاقية.

٧-٢ وتلاحظ اللجنة أن صاحبة الشكوى تدعي انتهاك الماد ة ١٤(١) بالاقتران مع المادة ١(١) من الاتفاقية على أساس أن الدولة الطرف لم تف بواجبها ب ضمان أن يُمك ِّ ن نظامها القانوني ضحايا أفعال التعذيب من الحصول على الانتصاف وعلى حق قابل للإنفاذ في تعويض عادل ومناسب، بما في ذلك وسائل إ عادة ال تأهيل على أكمل وجه ممكن ( ) . وتنطبق هذه الأحكام بقدر ما تُعتبر الأفعال التي تعرضت لها صاحبة الشكوى أفعالَ تعذيب بالمعنى المقصود في المادة ١ من الاتفاقية ( ) . وفي هذا الصدد، تشير اللجنة إلى قرار محكمة البوسنة والهرسك الذي خلص إلى أن صاحبة البلاغ كانت ضحية اغتصاب، باعتباره جريمة حرب ارتُكبت ضد السكان المدنيين إبان الصراع المسلح . وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تطعن في هذه الادعاءات.

٧-٣ وتلاحظ اللجنة أنه خلال الفترة ١٩٩٢ - ١٩٩٥، كانت صاحبة الشكوى ت قطن في إقليم يخضع لسيطرة جيش جمهورية صربسكا ، وأن الأقليات العرقية تعرضت خلال الحرب الأهلية للتهديد والقتل والاغتصاب والاحتجاز التعسفي ( ) . وتحيط اللجنة علماً بادعاء صاحبة الشكوى أنها - في أيار/مايو وحزيران/يونيه ١٩٩٣ - أُخذت قسراً من منزلها تحت تهديد السلاح واغتُصبت على يد أحد أعضاء جيش جمهورية صربسك ا ، الأمر الذي أفضى إلى حملها ، ثم إجهاضها. وتلاحظ اللجنة أن الاغتصاب وغيره من أعمال العنف الجنسي وسوء المعاملة التي تعرضت لها صاحبة الشكوى سبب لها معاناة وآلاماً بدنية ونفسية شديد ة ، وأن ذلك ارتُكب عمداً إبان النزاع المسلح في الدولة الطرف بغرض معاقبتها وتخويفها وإذلالها وإهانتها، وهو ما يمثل شكلاً من أشكال التمييز ( ) على أساس نوع الجنس ( ) والعرق. وتلاحظ اللجنة أنه في ضوء الوصف المفصل والمتسق للاغتصاب الذي قدمته صاحبة الشكوى وأكده حكم محكمة البوسنة والهرسك الصادر في ٢٨ حزيران/يونيه ٢٠١٥، ويتوافق والنمط العام للعنف الجنسي، لا سيما اغتصاب النساء، المرتكب إبان النزاع المسلح الداخلي على النحو الموثق في مختلف التقارير الحكومية الدولية وغير الحكومية ( ) ، فإنه يتعين إيلاء الاعتبار الواجب لادعاءات صاحبة الشكوى. وتخلص اللجنة إلى أن الوقائع كما قُدمت تشكل تعذيباً بالمعنى المقصود في المادة ١ من الاتفاقية.

٧-٤ وتلاحظ اللجنة ما ذكرته صاحبة الشكوى أن ه بما أن الاغتصاب وأعمال العنف الجنسي وسوء المعاملة التي تعرضت لها مرتين في عام ١٩٩٣ هي بمثابة تعذيب ، وفقاً ل لمادة ١(١) من الاتفاقية، فإن الدولة الطرف ملزمة، في جملة أمور، بتقديم تعويض مناسب وانتصاف كامل إليها ، عملاً بالمادة ١٤(١) من الاتفاقية. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تطعن في هذه الادعاءات.

٧-٥ وفيما يتعلق بالانتهاك المزعوم للمادة ١٤(١) من الاتفاقية، تلاحظ اللجنة ادعاءات صاحبة الشكوى بأن الدولة الطرف حرمتها حقها في الحصول على تعويض عادل ومناسب بعدم ضمان تعويضها، لأنها لم تعتمد تشريعات ملائمة ولم تطور ممارسة لتنفيذ القانون تضمن حصول ضحايا التعذيب على الانتصاف وإنفاذ حقهم في التعويض. وتذكِّر اللجنة بأن المادة 14 من الاتفاقية لا تعترف بالحق في منح تعويض عادل ومناسب فحسب، بل تلزم الدول الأطراف أيضاً بضمان حصول ضحايا أعمال التعذيب على الانتصاف. وتذكِّر اللجنة ب أن لالتزام الدول الأطراف بتوفير الانتصاف بموجب المادة ١٤ من الاتفاقية وجه ي ن: وجه إجرائي وآخر موضوعي. ولكي تفي الدول الأطراف بالتزاماتها الإجرائية، عليها أن تسن تشريعات وأن تنشئ آليات لتقديم الشكاوى، وأن تضمن فعالية هذه الآليات والهيئات وإمكانية وصول جميع الضحايا إليها ( ) . وتشير اللجنة إلى أنه بالنظر إلى الطابع المستمر لآثار التعذيب، ينبغي عدم تطبيق قوانين التقادم حيث إنها تحرم الضحايا مما يستحقونه من إنصاف وتعويض وإعادة تأهي ل ( ) . وتذكِّر اللجنة أيضا ً بملاحظاتها الختامية بشأن التقرير الدوري السادس للدولة الطرف ، التي حثت فيها الدولة الطرف على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتمكين ضحايا التعذيب وسوء المعاملة، بمن فيهم ضحايا العنف الجنسي المرتكب إبان الحرب، من ممارسة حقهم في الحصول على الانتصاف ( ) . وترى اللجنة أن الانتصاف ينبغي أن يغطي جميع الأضرار التي تلحق ب الضحية، بما في ذلك رد الحقوق، و ال تعويض ، وإعادة ال تأهيل، واتخاذ تدابير لضمان عدم تكرار الانتهاك، مع ال مراعاة الدائمة ل ظروف كل حالة على حدة. وبالنظر إلى خطورة فعل التعذيب وحق صاحبة الشكوى في الحصول على تعويض، وبالنظر إلى عدم وجود أي إمكانية لإنفاذ حقها على أكمل وجه ممكن، تخلص اللجنة إلى أن الدولة الطرف انتهكت التزاماتها بموجب المادة ١٤ من الاتفاقية.

٧-٦ وتلاحظ اللجنة أنه على الرغم من منح صاحبة الشكوى تعويضاً، فإنه لا يمكنها عملياً أن تستلم هذا التعويض لأن الجاني لا يملك أي ممتلكات أو موارد مالية لتعويضها عن الانتهاكات المرتكبة. وتلاحظ اللجنة أن التشريع المحلي الذي ينظم المطالبات المدنية المتعلقة بالتعويض عن الأضرار غير المالية ينص على أن هذه القضايا تسقط بالتقادم ( ) ، وأن السوابق القضائية للمحكمة الدستورية بشأن هذه المسألة، التي تفسر المادة ٣٧٧ من قانون الالتزامات المدنية، لا تعترف بمبدأ المسؤولية عن عمل الغير . وبناء على ذلك، ترى اللجنة أن الدولة الطرف لم تف بالتزاماتها بموجب المادة ١٤ من الاتفاقية، وذلك لأنها لم توفر الانتصاف لصاحبة الشكوى، بما في ذلك حصولها على تعويض عادل ومناسب ( ) .

٨- واللجنة، إذ تتصرف بموجب المادة 22(7) من الاتفاقية، تخلص إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاك أحكام المادة 14(1) بالاقتران مع المادة 1(1) من الاتفاقية.

٩- وترى اللجنة أن الدولة الطرف ملزمة ب ما يلي: (أ) ضمان حصول صاحبة الشكوى على تعويض فوري وعادل ومناسب؛ (ب) ضمان حصول صاحبة الشكوى على الرعاية الطبية والنفسية فوراً ودون مقابل؛ (ج) تقديم اعتذار علني و رسمي إلى صاحبة الشكوى؛ (د) ال امتثال ل لملاحظات الختامية المتعلقة بوضع خطة فعالة للجبر على الصعيد الوطني لتوفير جميع أشكال الانتصاف لضحايا جرائم الحرب، بما في ذلك العنف الجنسي، ووضع واعتماد قانون إطاري يحدد بوضوح معايير الحصول على صفة ضحية جرائم الحرب، بما في ذلك العنف الجنسي، ويبين الحقوق والاستحقاقات المحددة المكفولة للضحايا في جميع أنحاء الدولة الطرف ( ) .

١٠- وتدعو اللجنة الدولة ال طرف، عملاً بأحكام المادة 118(5) من نظامها الداخلي، إلى إبلاغها، في غضون 90 يوماً من تاريخ إحالة هذا القرار، بالإجراءات التي اتخذتها استجابة للملاحظات الواردة أعلاه.