الأمم المتحدة

CCPR/C/130/D/2580/2015

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

Distr.: General

11 March 2021

Arabic

Original: French

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

الآ راء التي اعتمدتها اللجنة بموجب المادة 5(4 ) من البروتوكول الاختياري، بشأن البلاغ رقم 2580/2015 * **

المقدم من : محمد ضافر (يمثله محام من جمعية الكرامة)

الشخص المدعى أنه ضحية : صاحب البلاغ وفاتح ضافر (ابن صاحب البلاغ)

الدولة الطرف : الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ : 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2014 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية : القرار المتخذ عملاً بالمادة 92 من النظام الداخلي للجنة والمحال إلى الدولة الطرف في 5 آذار/مارس 2015 (لم يصدر في شكل وثيقة) ‬

تاريخ اعتماد الآراء : 16 تشرين الأول/أكتوبر 2020

الموضوع : الإعدام بإجراءات موجزة

المسائل الإجرائية : عدم تعاون الدولة الطرف

المسائل الموضوعية : الحق في سبيل انتصاف فعال؛ والحق في الحياة؛ والعقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة

مواد العهد : 2(3) و6(1) و7 و9 و10(1)

مواد البروتوكول الاختياري : 5(2)( ب)

1- صاحب البلاغ هو محمد ضافر، وهو مواطن جزائري. ويدعي أن ابنه فاتح ضافر ، المولود في 6 ش باط/فبراير 1960، وهو جزائري الجنسية أيضاً، أُعدم بإجراءات موجزة في 3 ش باط/فبراير 1995 و أن الدولة الطرف انتهكت بذلك المواد 2(3 ) و 6(1 ) و 7 و9 و10(1) من العهد. ويزعم أيض اً أنه وقع هو وأفراد أسرته ضحايا انتهاك ل لمادة 2(3 )، مقروءة بمفردها وبالاقتران مع المادتين 6 و7 م ن العهد. وقد دخل العهد والبروتوكول الاختياري الملحق به حيز النفاذ بالنسبة إلى الدولة الطرف في 12 كانون الأول/ ديسمبر 1989. ويمثل صاحبَ البلاغ محام من جمعية الكرامة.

الوقائع كما عرضها صاحب البلاغ

2-1 يؤكد صاحب البلاغ أن ولاية جيجل، شأنها شأن العديد من المدن والأرياف الجزائرية، شهدت انتهاكات ممنهجة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان. وجيجل منطقة جبلية في شرق البلد. وخلال التسعينات، تعرض آلاف الأشخاص لعمليات إعدام بإجراءات موجزة، واعتقالات تعسفية، وحالات اختفاء قسري. وخلال سنوات النزاع، ساد مناخ من الرعب الواسع الانتشار في هذه المنطقة المعزولة التي كان فيها وجود عسكري قوي. وهذا يفسر العدد القليل جد اً من حالات الإعدام بإجراءات موجزة التي أُبلغ عنها ، رغم العدد الكبير من ال حالات التي ارتُكِبت ، ذلك أن الخوف من انتقام السلطات منع الأسر من اتخاذ خطوات للعثور على أقاربها المفقودين.

2-2 وكان فاتح ضافر يعمل موظفاً في قباضة الضرائب المختلفة ببلدية العوانة التابعة لمديرية الضرائب بولاية جيجل. وجاء في شهادات أسرته وزملائه، التي أكدتها شهادة من مدير الضرائب بولاية جيجل مؤرخة 6 آ ذار/مارس 1995، أنه اعتقله في مكان عمله في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 1994 ش خصان من الأجهزة الأمن ية . ثم اقتيد إلى مقر فرقة الدرك الوطني المحلية في العوانة، بقيادة النقيب ب.، حيث لبث محتجزاً لمدة 70 يوم اً - من 26 تشرين الثاني/نوفمبر 1994 إ لى 3 ش باط/فبراير 1995 - دون إحالته إلى سلطة قضائية مختصة ودون إبلاغ أسرته بأسباب اعتقاله وبمكان احتجازه. وطوال فترة الاحتجاز هذه مع منع الاتصال، خضع فاتح ضافر لأعمال التعذيب .

2-3 وفي 7 ك انون الأول/ديسمبر 1994، بعث صاحب البلاغ رسالة إلى قائد الناحية العسكرية بولاية جيجل ( ) أعرب فيها عن قلقه إزاء عدم وجود معلومات عن مصير ابنه وطلب تدخله لدى الدرك للحصول عليها. بيد أن هذه الخطوة كانت عديمة الجدوى . ‬

2-4 وفي 3 ش باط/فبراير 1995، في حدود الساعة 00/22، ردّا على هجوم شنته جماعة معارضة مسلحة في العوانة، اقتاد النقيب ب. والدرك العاملون تحت قيادته فاتح ضافر و 6 م حتجزين آخرين من مقر فرقتهم إلى شاطئ الشّالات بالعوانة. ون ُ قل المحتجز و ن على مرأى ومسمع العديد من سكان البلدية. وفي تلك الليلة، شاهد العديد من السكان الذين كانوا حاضرين بالقرب من الشاطئ إعدام المحتجزين السبعة بإجراءات موجزة على يد النقيب ب. ورجال الدرك المرافقين له، تاركين الجثث في عين المكان.

2-5 وفي صباح يوم 4 ش باط/فبراير 1995، وصل إلى المكان المذكور ضباط من الحماية المدنية ورجال إطفاء لأخذ ا لجثامين تحت إشراف رجال الدرك ، ثم نقلوها إلى مشرحة مستشفى جيجل. وبعد تنبيه بعض الشهود، في صباح اليوم نفسه، توجّه العديد من أفراد أسرة فاتح ضافر، بمن فيهم صاحب البلاغ، إلى المشرحة مع أُسَر ثلاثة محتجزين آخرين للتعرف على أبنائهم. وحرّر الطبيب ت. أ. من قطاع الصحة في جيجل شهادة وفاة تتعلق بضحية واحدة فقط من الضحايا السبع بناء على طلب والدها. وتثبت هذه الشهادة، المؤرخة 4 ش باط/فبراير 1995، الموت العنيف لهذا الشخص الذي تعرض لـ "تهشّم كامل" للجمجمة وأصيب برصاص على صدره ( ) . ولما كان ابن صاحب البلاغ أُعدم في الوقت نفسه، فإن هذ ا الوضع يمكن أن ينطبق عليه بالقياس.

2-6 وبعدئذ، توجهت أسر الضحايا الأربعة الذين تم التعرف عليهم معاً إلى محكمة جيجل لرفع شكوى إلى وكيل الجمهورية مُطالِبةً بفتح تحقيق. غير أن الوكيل رفض الطلب " معتبراً أن إرجاء دفن جثث الضحايا لا يفيد في كشف الحقيقة ". وعليه ، أصدر تصريحاً بدفن فاتح ضافر في 7 ش باط/ فبراير 1995 ( ) ، أي بعد أربعة أيام من إعدامه، دون أن يأمر بتشريح الجثة ودون أن يفتح تحقيق اً جنائي اً، الأمر الذي ينتهك القانون الجزائري الذي يلزمه بذلك في حالات القتل. وفي اليوم نفسه، حرّر رئيس أمن ولاية جيجل محضر دفن، وأذنت مديرية التنظيم والإدارة ب نقل الجثة من المستشفى إلى مكان الدفن ( ) .

2-7 وفي 5 أ يلول/سبتمبر 2000، لما لم يُجرَ أي تحقيق مناسب وسريع في ملابسات وفاة ابن صاحب البلاغ، كتب هذا الأخير إلى وزير العدل طالباً تدخّله لدى السلطات المختصة من أجل الشروع في تحقيقات وتحديد هوية الجناة ومقاضاتهم. بيد أن هذه الخطوة كانت هي أيض اً عديمة الجدوى . ‬ وفي 5 أ يار/مايو 2006، عقب التماس رفعه صاحب البلاغ و طلب فيه استجلاء ملابسات وفاة ابنه، أصدر ضابط في مجموعة الدرك الوطني بالعوانة - وهي الوحدة نفسها التي أعدمت فاتح ضافر بإجراءات موجزة - تقريراً مصدَّقاً عن الاختفاء في الظروف الناشئة عن المأساة الوطنية ( ) . ويعتبر صاحب البلاغ أن هذ ا ال تقرير يُعدّ وثيقة رسمية مزورة، وهي جريمة يعاقب عليها بالسجن المؤبد بمقتضى المادة 215 من قانون العقوبات. وفي 13 كانون الثاني/يناير 2007، أصدر نفس الضابط، بناء على إصرار صاحب البلاغ، شهادة وفاة باسم ابنه، دون الإشارة إلى أسباب الوفاة وملابساتها ( ) .

2-8 ورغم ما بذله صاحب البلاغ من جهود، لم يُجرَ أي تحقيق ولم يحاسَب المسؤولون عن إعدام ابنه ( ) . ويؤكد أنه لم يعد يجوز له قانوناً اللجوء إلى القضاء بعد صدور الأمر رقم 06-01 المؤرخ 27 شباط/فبراير 2006 ا لمتضمن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وبناءً عليه، انعدمت كلياً سبل الانتصاف المحلية، التي كانت عديمة الجدوى وغير فعالة. ف ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ينص على أنه " لا يخول لأي كان، في الجزائر أو خارجها، أن يتذرع بـما خلفته المأساة الوطنية من جراح وكلوم، أو يعتد به بقصد المساس بمؤسسات الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، أو زعزعة أركان الدولة، أو وصم شرف جميـع أعوانها الذين أخلصوا خدمتها، أو تشويه صورة الجزائر على الصعيد الدولي ". ويرفض الميثاق " كل زعم يقصد به رمي الدولة بالمسؤولية عن التسبب في ظاهرة الافتقاد ". ويشير علاوة على ذلك إلى أن " الأفعال الجديرة بالعقاب المقترفة من قبل أعوان الدولة الذين تمت معاقبتهم من قبل العدالة كلما ثبتت تلك الأفعال لا يمكن أن تكون مدعاة لإلقاء الشبهة على سائر قوات النظام العام التي اضطلعت بواجبها بمؤازرة من المواطنين وخدمة للوطن ".

2-9 ويفيد صاحب البلاغ بأن الأمر رقم 06-01 يحظر اللجوء إلى القضاء تحت طائلة الملاحقة الجنائية، الأمر الذي يعفي الضحايا من ضرورة استنفاد سبل الانتصاف المحلية. و هذا الأمر يحظر بالفعل رفع أي شكوى بشأن الاختفاء أو الجرائم الأخرى. فالمادة 45 منه تنص على أنه "لا يجوز الشروع في أي متابعة، بصورة فردية أو جماعية، في حق أفراد قوى الدفاع والأمن للجمهورية، بجميع أسلاكها، بسبب أعمال نفذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات، ونجدة الأمة، والحفاظ على مؤسسات الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية". وبموجب هذا الحكم، يجب على السلطة القضائية المختصة التصريح بعدم قبول كل إبلاغ أو شكوى. وإضافة إلى ذلك، تنص المادة 46 من الأمر نفسه على ما يلي: "يعاقب بالحبس من ثلاث ( 3) سنوات إلى خمس ( 5) سنوات وبغرامة من 250 . 000 دج إلى 500 . 000 دج، كلّ من يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أيّ عمل آخر، جراح المأساة الوطنيّة أو يعتدّ بها للمساس بمؤسسات الجمهوريّة الجزائريّة الدّيمقراطيّة الشّعبيّـة، أو لإضعاف الدولة، أو للإضرار بكرامة أعوانها الذين خدموها بشرف، أو لتشويه سمعة الجزائر في المحافل الدولية. تبــاشر النيــابة العـامّة المتابعات الجزائية تلقائيا ً . في حالة العود، تضاعف العقوبة المنصوص عليها في هذه المادّة".

2-10 و يضيف صاحب البلاغ أن هذا القانون هو بمثابة عفو بحكم الواقع عن مرتكبي الجرائم التي اقتُرفت خلال العقد الماضي، بما فيها أشد الجرائم خطورة، مثل الإعدام بإجراءات موجزة. وهو يمنع أيضاً اللجوء إلى القضاء لاستجلاء مصير الضحايا، تحت طائلة الحبس ( ) . ومن الواضح أن السلطات الجزائرية، بما فيها القضاء، ترفض تحميل الدرك الوطني المسؤولية، وهو الذي أعدم ضباط ُ ه فاتح ضافر وستة ضحايا آخرين بإجراءات موجزة. ويحول هذا الرفض دون فعالية سبل الانتصاف التي لجأت إليها أسرته.

الشكوى

3-1 يدعي صاحب البلاغ أن فاتح ضافر كان ضحية إعدام خارج نطاق القانون في إطار ممارسة ممنهجة وواسعة النطاق ( ) .

3-2 ويدعي صاحب البلاغ أيضاً أن إعدام ابنه خارج نطاق القانون نتيجة الفعل المتعمّد الذي اجترحه ضباط فرقة الدرك المحلية في العوانة، وهم أعوان للدولة الطرف، ينتهك حق فاتح ضافر في الحياة بموجب المادة 6(1 ) من العهد.

3-3 ولم تكتف الدولة الطرف بالإخلال بالتزاماتها بضمان الحق في الحياة، بل جاوزَته بإخلالها بواجب التحقيق من أجل استجلاء ملابسات إعدام فاتح ضافر بإجراءات موجزة. ومنذ شباط/ فبراير 2006، أصبح من المحظور، بمقتضى الأمر 05/29، محاكمة أفراد قوات الدفاع والأمن الجزائرية. لذلك، لا يمكن لصاحب البلاغ إعمال حقه في سبيل انتصاف فعال، وهو ما ينتهك المادة 2(3 )، مقروءة بمفردها وبالاقتران مع المادتين 6 و7، من العهد.

3-4 ويرى صاحب البلاغ أيضاً أن فاتح ضافر كان ضحية انتهاك لحقه في عدم التعرض لمعاملة تتعارض مع ا لمادة 7 م ن العهد، وكذلك حقه، بوصفه محتجزاً، في أن يعامل معاملة إنسانية وفقاً للمادة 10(1). ويذكّر بأن ابنه احتُجز مع منع الاتصال في الفترة من 26 تشرين الثاني/نوفمبر 1994 إ لى 3 ش باط/فبراير 1995، أي 70 يوماً، دون أن تبلَّغ أسرته بأسباب احتجازه. ولما كان التعذيب ممنهج اً في مراكز الاحتجاز الجزائرية وأنه مورس في مناخ من الإفلات من العقاب طوال فترة النزاع الداخلي في التسعينات ( ) ، فإن صاحب البلاغ يستنتج أن ابنه تعرض لسوء المعاملة والتعذيب أثناء احتجازه. وعلى أية حال، فإن المعاناة والكرب الناجمين عن إعدام فاتح ضافر بإجراءات موجزة ينتهكان حقوقه بموجب المادتين 7 و10 من العهد.

3-5 ثم إن حالة الكرب والغمّ التي وُضع فيها صاحب البلاغ وأسرته، إلى جانب الشعور بالعجز الناجم عن عدم استجابة السلطات للإجراءات التي اتخذوها، تعدّ أيضاً انتهاكاً لحقوقهم بموجب المادة 7 من العهد.

3-6 ويدعي صاحب البلاغ أيضاً حدوث انتهاك للمادة 9(2) و(3) من العهد في حق فاتح ضافر بالنظر إلى أنه اعتقل دون إبلاغه بأسباب اعتقاله وأنه لم يمثل أمام هيئة قضائية.

عدم تعاون الدولة الطرف

4- في 5 آ ذار/مارس 2015 و10 كانون الأول/ديسمبر 2018، دُعيت الدولة الطرف إلى تقديم ملاحظاتها بشأن مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية. وتشير اللجنة إلى أنها لم تتلق أي رد، وتعرب عن أسفها لامتناع الدولة الطرف عن تقديم أي معلومات في هذا الشأن. والدولة الطرف ملزمةٌ، بمقتضى المادة 4(2 ) من البروتوكول الاختياري، بأن تنظر بحسن نية في جميع ادعاءات انتهاكات العهد التي تنسب إليها وإلى م مث ي لها ، وبأن توافي اللجنة بما تملكه من معلومات ( ) .

القضايا والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

5-1 قبل النظر في أي ادعاء يرد في بلاغ ما، يجب على اللجنة أن تقرر، وفقاً للمادة 97 من نظامها الداخلي، ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب البروتوكول الاختياري .

5-2 وقد استيقنت اللجنة، وفقاً لمقتضيات المادة 5(2 )(أ) من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة نفسها ليست قيد النظر في إطار إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية.

5-3 وبخصوص مسألة استنفاد سبل الانتصاف المحلية، تذكّر اللجنة بأن واجب الدولة الطرف لا يقتصر على إجراء تحقيقات معمّقة فيما تُبلَّغ به سلطاتها من انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان، لا سيما إن تعلّق الأمر بانتهاك الحق في الحياة، وإنما يشمل أيضاً ملاحقة كل من يُزعم ضلوعه في هذه الانتهاكات ومحاكمته ومعاقبته ( ) . وقد نبهت أسرة فاتح ضافر مراراً وتكراراً السلطات المعنية إلى إعدام الضحية بإجراءات موجزة، لكن الدولة الطرف لم تفتح أي تحقيق في هذا الادعاء الخطير. وإضافة إلى ذلك، لم تقدم أي دليل على أن سبيل انتصاف فعال ومتاح سيوفَّر مع أن الأمر 06-01 لا يزال يُنفذ رغم توصيات اللجنة المقدمة في عام 2007 ب جعله يمتثل العهدَ ( ) . وتعرب اللجنة عن قلق ها أيضاً إزاء عدم تقديم الدولة الطرف أي معلومات أو ملاحظات بشأن مقبولية البلاغ أو أسسه الموضوعية ( ) . وفي ضوء هذه الظروف، ترى اللجنة أن لا شيء يمنعها من النظر في البلاغ وفقاً للمادة 5(2)(ب) من البروتوكول الاختياري.

5-4 وإضافة إلى ذلك، تلاحظ اللجنة، في ضوء التغيير الذي حدث في الإطار القانوني في عام 2006، أن صاحب البلاغ لم يتمكن من إعمال حقه في سبيل انتصاف فعال للتنديد بإعدام ابنه بإجراءات موجزة في عام 1995، نظراً لعدم وجود أي سبيل انتصاف في هذا الصدد. وتلاحظ اللجنة أيضاً أن البلاغ محل النظر قُدم إليها في عام 2014. وتذكّر بأنه جاء في المادة 99( ج) من نظامها الداخلي أن البلاغ قد يكون إساءة استخدام للحق في رفع الشكاوى عندما يقدَّم بعد خمس سنوات من استنفاد صاحبه سبلَ الانتصاف المحلية. وتُعطي صيغة هذا الحكم سلطة تقديرية للجنة، التي يمكنها أن تحدد الحالات التي لا يمكن أن يُ طب َّ ق عليها الحكم بصرامة. وسبق للجنة أن نظرت في دعاوى إعدام بإجراءات موجزة مرفوعة على الدولة الطرف. فعلى سبيل المثال، أُبلغت اللجنة في عامي 2010 و2012 ب حالات نصر الدين ومسعود فدسي، ونجمة بوزعوط ، ومحمد بلعمرانية ، مع أن هؤلاء الأشخاص أعدموا بإجراءات موجزة في أعوام 1997 و1996 و1995 ع لى التوالي ( ) . وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تثر في هذه الحالات الثلاث، كما في القضية موضع النظر، الطابع التعسفي للبلاغ. وإضافة إلى ذلك، سبق أن أتيح ت للجنة في عامي 2007 و2008 ف رصة ملاحظة أن الأمر 06-01 يحظر أي ملاحقة لعناصر الدفاع والأمن، الأمر الذي يعزز من ثم على ما يبدو الإفلات من العقاب ( ) . وترى اللجنة أن مناخ الإفلات من العقاب هذا، الذي يؤكده الحظر القانوني للجوء إلى هيئة قضائية، يؤثر تأثير اً سلبي اً لا جدال فيه على قدرة الضحايا على إعمال حقهم في سبيل انتصاف فعال ليس على الصعيد الوطني فحسب، بل أيضاً على الصعيد الدولي. ويمكن أن يؤدي إعلان عدم قبول هذا البلاغ بحجة إساءة استخدام الحقوق إلى تشجيع الدولة الطرف على الاستمرار في عرقلة إعمال حق ضحايا هذه الانتهاكات الخطيرة للحق في الحياة في سبيل انتصاف فعال. ولذلك، لا ترى اللجنة أن هذا البلاغ يشكل، في الملابسات الخاصة للقضية قيد النظر، إساءة استخدام للحقوق.

5-5 وترى اللجنة أن صاحب البلاغ قدم ما يكفي من الأدلة لإثبات ادعاءاته لأغراض المقبولية، وتشرع من ثم في النظر في الأسس الموضوعية للشكاوى المتعلقة بانتهاك المواد 2(3 ) و 6(1 ) و 7 و9 و10(1) من العهد.

النظر في الأسس الموضوعية

6-1 نظرت اللجنة في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أتاحها لها الطرفان، على النحو المنصوص عليه في المادة 5(1) من البروتوكول الاختياري. وتلاحظ اللجنة أنه لما لم يرِد أي جواب من الدولة الطرف على ادعاءات صاحب البلاغ، وجب إيلاؤها ما تستحق من اعتبار ما دامت مدعومة بأدلة كافية.

6-2 وتحيط اللجنة علماً بالشهادة التي أصدرها مدير الضرائب في ولاية جيجل في 6 آ ذار/ مارس 1995 و التي تفيد بأن الأجهزة الأمنية اعتقلت فاتح ضافر في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 1994 ف ي مكان عمله. وتحيط علماً أيضاً بأن شهوداً قالوا إن رجال درك أعدموا فاتح ضافر و 6 أ شخاص آخرين على شاطئ في العوانة، ليلة 3 ش باط/فبراير 1995، أي بعد 70 يوماً من اعتقاله، وأن صاحب البلاغ ذهب في صباح اليوم التالي إلى المشرحة للتعرف على ابنه.

6-3 وتحيط اللجنة علماً ك ذلك بادعاء صاحب البلاغ أن السلطات لم تصدر شهادة وفاة إلا بعد مرور 12 عاماً على وقوع الحادث ونتيجة لإصراره، وأن وكيل الجمهورية لدى محكمة جيجل أصدر إذناً بالدفن دون إجراء أي تشريح أو تحقيق. وتلاحظ اللجنة أيضاً أن عدم التحقيق هذا استمر رغم الطلبات التي قدمها صاحب البلاغ وأسرته إلى وكيل الجمهورية، ورغم تأ كيد ات العديد من الشهود التي قالوا فيها إنهم رأوا رجال الدرك يعدمون فاتح ضافر وستة أشخاص آخرين بإجراءات موجزة على شاطئ في العوانة. وإضافة إلى ذلك، تلاحظ اللجنة بقلق أنه على الرغم من أن جميع الأدلة الواردة في الملف تشير، فيما يبدو، إلى أن فاتح ضافر كان ضحية إعدام بإجراءات موجزة على يد رجال درك، ورغم أن وكيل الجمهورية أصدر تصريحاً بدفن جثمانه، فقد سلّمت فرقة الدرك الوطني في العوانة تقريراً مصدَّقاً عن الاختفاء إلى أسرة فاتح ضافر في 5 أ يار/مايو 2006.

6-4 وتحيط اللجنة علماً أيضاً بخوف صاحب البلاغ من التعرض لأعمال انتقامية على يد السلطات بسبب سعيه إلى توضيح ملابسات وفاة ابنه، في ضوء أحكام المادتين 45 و 46 من الأمر رقم 06-01، التي تجرّم أي إبلاغ أو شكوى ضد قوات الدفاع والأمن الجزائرية. وتحيل اللجنة إلى اجتهاداتها السابقة ( ) ، وتذكِّر بأن ا لدولة الطرف لا يمكنها أن تحتج بأحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ضد أشخاص يحتجون بأحكام العهد أو قدموا أو يمكن أن يقدّموا بلاغات إلى اللجنة. ويقضي العهد بأن تحرص الدولة الطرف على استجلاء مصير كل شخص وبأن تعامل كل شخص معاملة تحترم كرامة الإنسان الأصيلة فيه. ونظراً إلى أن الدولة الطرف لم تُدخل التعديلات التي أوصت بها اللجنة، فإن الأمر رقم 06-01 يسهم في الإفلات من العقاب في القضية قيد النظر؛ ولذلك لا يمكن اعتباره، بصيغته الحالية، متوافقاً مع أحكام العهد.

6-5 وتذكّر اللجنة أيض اً بأن عبء الإثبات، وفقاً لاجتهاداتها السابقة، لا يمكن أن يقع على عاتق أصحاب البلاغات فقط، لا سيما عندما لا تتاح لهم وللدولة الطرف نفس الفرص في الحصول على الأدلة، وبأنه كثيراً ما تكون الدولة الطرف هي الوحيدة التي تملك المعلومات ذات الصلة، مثل المعلومات المتعلقة باعتقال فاتح ضافر وإعدامه ( ) . ولما لم يرِد أي تفنيد من الدولة الطرف ل ادعاءات صاحب البلاغ، فإن اللجنة توليها ال اعتبار الواجب و ت خلص إلى أن الدولة الطرف حرمت فاتح ضافر من الحق في الحياة في ظروف خطيرة للغاية، إذ يبدو جلياً أنه أعدم بإجراءات موجزة على أيدي عناصر من الدرك الوطني، الأمر الذي ينتهك المادة 6(1 ) من العهد.

6-6 وتحيط اللجنة علم اً بادعاءات صاحب البلاغ الإضافية التي جاء فيها أن فاتح ضافر تعرض لسوء المعاملة والتعذيب قبل إعدامه، وأنه وقع على الأرجح ضحية غمّ ومعاناة نفس ية حادّ َ ين قبل إعدامه. ولم تقدم الدولة الطرف أي معلومات تناقض هذه الوقائع. و تخلص اللجنة إلى انتهاك حقوق فاتح ضافر بموجب المادة 7 م ن العهد.

6-7 وفي ضوء ما سلف، لن تنظر اللجنة، على ح ِ د َ ة، في الادعاءات المتعلقة بانتهاك المادة 10 من العهد ( ) .

6-8 وتحيط اللجنة علماً أيضاً بما سببه إعدام فاتح ضافر لأسرته من كرب وغمّ، وهو ما يُضاف إلى الشعور بالعجز لسنوات عديدة، بدء اً من اعتقال ابن صاحب البلاغ في عام 1994 إ لى حصول صاحب البلاغ على شهادة وفاة ابنه بعد خطوات عديدة خطاها في عام 2007. وترى اللجنة أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن وقوع انتهاكٍ للمادة 7 م ن العهد، مقروءة منفردة وبالاقتران مع المادة 2(3 ) منه، في حق صاحب البلاغ ( ) .

6-9 وفيما يتعلق بشكاوى انتهاك المادة 9 م ن العهد، تحيط اللجنة علماً بادعاءات صاحب البلاغ - التي أكدتها شهادة من مدير الضرائب في ولاية جيجل مؤرخة 6 آ ذار/مارس 1995 - أن فاتح ضافر اعتقل تعسفاً دون أمر قضائي ولم توجه إليه أي تهمة ولم يمثل أمام سلطة قضائية كان بإمكانه أن يطعن لديها في قانونية احتجازه. ولما لم تقدم الدولة الطرف أي معلومات عن هذه المسألة، فإن اللجنة ترى أنه ينبغي إيلاء ادعاءات صاحب البلاغ ما تستحقه من اعتبار ( ) . وعلى هذا، تخلص اللجنة إلى انتهاك حقوق فاتح ضافر بموجب المادة 9 م ن العهد ( ) .

6-10 و يحتج صاحب البلاغ أيض اً بالمادة 2(3 ) من العهد التي تلزم الدول الأطراف بأن تضمن ل جميع ا لأفراد سبل انتصاف متاحة وفعالة وقابلة للإنفاذ من أجل إعمال الحقوق التي يكفلها العهد. وتُذكِّر اللجنة بأنها تولي أهمية لإنشاء الدول الأطراف آليات قضائية وإدارية مناسبة للنظر في الشكاوى المتعلقة بانتهاكات الحقوق التي يكفلها العهد ( ) . وتذكّر بتعليقها العام رقم 31(2004) حيث تشير على وجه الخصوص إلى أن عدم تحقيق دولة طرف في انتهاكات مزعومة قد يفضي، في حد ذاته، إلى انتهاك منفصل للعهد.

6-11 و في القضية محل النظر، طلب صاحب البلاغ مراراً إجراء تحقيق في إعدام ابنه لتوضيح ملابسات وفاته. وبدلاً من التعجيل بهذا التحقيق، ورغم أنه كان من الواضح أن الأمر يتعلق بإعدام بإجراءات موجزة نفذه عناصر من الدرك، فإن السلطات الجزائرية رفضت إجراءه. بل إن الدرك الوطني أصدر في 5 أ يار/مايو 2006 ت قريراً مصدَّقاً يفيد بأن فاتح ضافر اختفى. ثم أصدر، بناء على إصرار صاحب البلاغ، شهادة وفاة في 13 كانون الثاني/يناير 2007، دون الإشارة إلى أسبابها وملابساتها، مع ذِكر أنه عُثر على فاتح ضافر ميتاً على أحد الشواطئ. بيد أن اللجنة تلاحظ أن السلطات القضائية المختصة لم تجر أي تحقيق، مع أنه لا يمكن أن تكون جاهلة بالوقائع. وتلاحظ أيضاً أن الجناة لم يلاحقوا، في حين أن المشتبه فيهم كانوا على الأرجح من فرقة الدرك الوطني في العوانة، بقيادة النقيب ب.، ومن ثم يسهل التعرف عليهم. وتخلص إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن حدوث انتهاك للمادة 2(3 ) ، مقروءة بالاقتران مع المواد 6 و7 و9، من العهد في حق فاتح ضافر، وللمادة 2(3)، مقروءة بالاقتران مع المادة 7، من العهد في حق صاحب البلاغ.

7- واللجنة، إذ تتصرف بمقتضى المادة 5(4 ) من البروتوكول الاختياري، ترى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاك الدولة الطرف حقوق فاتح ضافر بموجب المواد 6 و7 و9 م ن العهد، وكذلك المادة 2(3 )، مقروءة بالاقتران مع المواد 6 و7 و9، منه. وترى أيضاً انتهاك اً من الدولة الطرف ل لمادة 7، مقروءة بمفردها وبالاقتران مع المادة 2(3 ) ، من العهد في حق صاحب البلاغ.

8- وعملاً بأحكام المادة 2(3)(أ) من العهد، يقع على عاتق الدولة الطرف التزام بتوفير سبيل انتصاف فعال لصاحب البلاغ. ويستوجب منها ذلك جبر الأضرار التي لحقت بمن انتُهِكت حقوقهم التي يكفلها العهد جبراً تاماً. وفي القضية موضع النظر، يتعين على الدولة الطرف: (أ) أن تجري دون إبطاء تحقيقاً فعالاً ومعمقاً وصارماً ومستقلاً ونزيهاً وشفافاً في ادعاء إعدام فاتح ضافر بإجراءات موجزة؛ (ب) إمداد الأسرة بمعلومات مفصلة عن نتائج هذا التحقيق؛ (ج) ملاحقة مرتكبي الانتهاكات ومحاكمتهم ومعاقبتهم؛ (د) تقديم تعويض كاف لأسرة الضحية. وبصرف النظر عن الأمر رقم 06-01، يتعين على الدولة الطرف أيضاً أن تحرص على أن يمارس ضحايا جرائم مثل التعذيب، والإعدام بإجراءات موجزة، والاختفاء القسري، حقهم في سبيل انتصاف فعال من دون عراقيل. وهي ملزمة أيض اً باتخاذ التدابير اللازمة لمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل. وترى اللجنة في هذا الصدد أنه ينبغي للدولة الطرف، وفقاً لالتزاماتها بموجب المادة 2(2 ) من العهد، أن تراجع تشريعاتها، لا سيما إلغاء أحكام الأمر المذكور آنف اً التي تتنافى مع العهد، وذلك كي يتسنى التمتع بالحقوق المكرسة في العهد تمتعاً كاملاً في الدولة الطرف.

9- وإذ تضع اللجنة في اعتبارها أن الدولة الطرف قد اعترفت، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، باختصاص اللجنة في البتّ في مسألة وقوع انتهاك لأحكام العهد من عدمه، وأنها تعهدت، عملاً بالمادة 2 م نه، بأن تكفل تمتع جميع الأفراد المقيمين في إقليمها والخاضعين لولايتها بالحقوق المعترف بها في العهد وتوفر لهم سبل انتصاف فعالة متى ثبت وقوع انتهاك، فإنها تودّ أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون 180 يوماً، معلومات عن التدابير المتخذة لإنفاذ آراء اللجنة. والدولة الطرف مدعوة أيضاً إلى نشر هذه الآراء وتعميمها على نطاق واسع بلغاتها الرسمية.