الأمم المتحدة

CCPR/C/132/D/3065/2017

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

Distr.: General

24 August 2022

Arabic

Original: English

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

الآراء التي اعتمدتها اللجنة بموجب البروتوكول الاختياري، بشأن البلاغ رقم 3065/2017 * ** ***

بلاغ مقدَّم من: لازاروس بتروميليديس (يمثله المحامي جورجيوس كاراتزاس)

الشخص المدَّعى أنه ضحية: صاحب البلاغ

الدولة الطرف: اليونان

تاريخ تقديم البلاغ: 31 كانون الأول/ديسمبر 2015 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية: القرار المتَّخذ عملاً بالمادة 92 من النظام الداخلي للَّجنة، والمحال إلى الدولة الطرف في 8 كانون الأول/ديسمبر 2017 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء: 2 تموز/يوليه 2021

الموضوع: الاستنكاف الضميري من الخدمة العسكرية الإلزامية؛ خدمة مدنية بديلة عقابية

المسائل الإجرائية: عدم استنفاد سبل الانتصاف المحلية؛ وصِفة الضحية؛ وإساءة ممارسة الحق في تقديم البلاغات؛ وعدم المقبولية من حيث الاختصاص الزمني

المسائل الموضوعية: الحق في الحرية؛ وحرية التنقل؛ والحق في محاكمة عادلة؛ والحق في عدم التعرض للمحاكمة أو للعقاب على الجريمة نفسها (مبدأ عدم جواز المحاكمة على ذات الجرم مرتين )؛ وحرية الفكر والوجدان والدين؛ والتمييز

مواد العهد: 9(1 )، و12(2 )، و14( 1) و (7 )، و18( 1) و ( 2)

مواد البروتوكول الاختياري: 1، و3، و5(2)(ب)

1-1 صاحب البلاغ هو لازاروس بتروميليديس، وهو مواطن يوناني من مواليد عام 196 3. وهو يدَّعي أنَّ الدولة الطرف انتهكت حقوقه بموجب المواد 9(1 )، و12(2 )، و14( 1) و (7 )، و18( 1) و ( 2) من العهد. وقد دخل البروتوكول الاختياري حيز النفاذ في اليونان في 5 أيار/مايو 199 7. ويمثِّل صاحبَ البلاغ محامٍ.

1-2 وفي 15 آذار/مارس 2018، قدَّمت الدولة الطرف ملاحظاتها بشأن مقبولية البلاغ وطلبت إلى اللجنة أن تنظر في مقبوليته بمعزل عن أسسه الموضوعية. وبالنظر إلى أنَّ الدولة الطرف كانت قد قدَّمت ملاحظاتها بشأن الأسس الموضوعية للقضية قبل بت اللجنة في طلب الدولة الطرف النظرَ في مقبولية البلاغ بمعزل عن أسسه الموضوعية، لم يعد من الضرو ر ي أن تبتَّ اللجنة في طلب الدولة الطرف.

الوقائع كما عرضها صاحب البلاغ

2-1 صاحب البلاغ مستنكف ضميرياً استدعته الدولة الطرف في مناسبات عديدة لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية، وذلك ابتداء من 17 آذار/مارس 1992 ( ) . ولم تعترف الدولة الطرف بالحق في الاستنكاف الضميري إلا بعد سنِّ قوانين جديدة في 1 كانون الثاني/يناير 199 8. ونتيجة لذلك، لم يكن ممكناً منح أي إعفاء من الخدمة العسكرية الإلزامية قبل عام 1998، كما لم يكن ثمة بديل للخدمة العسكرية الإلزامية متاح للمستنكفين ضميرياً.

2-2 وبسبب رفض صاحب البلاغ أداء الخدمة العسكرية الإلزامية، بوشرت في حقه إجراءات جنائية، وفي 20 تموز/يوليه 1992، فُرض عليه حظر السفر. وفي 6 شباط/فبراير 1997، صدر أمر بإلقاء القبض عليه. وفي 27 أيار/مايو 1998، وُضع رهن الحبس الاحتياطي، ولكن أُطلق سراحه في 2 حزيران/يونيه 1998 على إثر طلبه أداء خدمة مدنية بديلة.

2-3 وفي 23 تشرين الثاني/نوفمبر 1998، عقب اعتماد القانون رقم 2510/1997 بشأن التجنيد، اعتُرف لصاحب البلاغ بصفة مستنكف ضميرياً وأُمر بأداء خدمة مدنية بديلة مدتها 39 شهراً في مركز صحي في كيلكيس يبعد عن منزله الواقع في أثينا بحوالي 550 كيلومتراً ( ) . ولما تخلَّف صاحب البلاغ عن الحضور لأداء الخدمة المدنية، فقد جُرِّد من صفة مستنكف ضميرياً في 10 شباط/فبراير 199 9. وفي 14 شباط/فبراير 1999، قدَّم صاحب البلاغ طعناً إلى مجلس الدولة يشتكي فيه من الطابع العقابي للخدمة المدنية البديلة بالنظر إلى طول مدتها المفرط. وفي 2 آذار/مارس 1999، تقدَّم إلى مجلس الدولة بطعن آخر في تجريده من صفة مستنكف ضميرياً. ورُفض كلا الطعنين في نيسان/أبريل 200 2.

2-4 وفي 15 نيسان/أبريل 1999، أدين صاحب البلاغ بتهمة "العصيان خلال وقت التعبئة العامة" بسبب تخلفه عن التجنيد في الفترة من 18 آذار/مارس 1992 إلى 17 أيار/مايو 1998 (الإدانة الأولى ). وحُكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات. وبدأ يقضي عقوبته في 15 نيسان/أبريل 1999 وظل في السجن لمدة 75 يوماً.

2-5 وفي 17 أيلول/سبتمبر 2002، ألقي القبض على صاحب البلاغ واحتُجز بتهمة العصيان بسبب تخلفه عن أداء خدمة مدنية بديلة في الفترة من 17 كانون الثاني/يناير 1999 إلى 15 نيسان/ أبريل 199 9. ووُضع صاحب البلاغ رهن الحبس الاحتياطي في 17 أيلول/سبتمبر 2002 وأُفرج عنه في 19 أيلول/سبتمبر 200 2. وفي 19 أيلول/سبتمبر 2002، ارتأت المحكمة البحرية في بيرايوس أنها لا تتمتع بالاختصاص في القضايا المتعلقة بالخدمة المدنية البديلة، وأحالت القضية إلى المحكمة البحرية في تسالونيكي وأمرت بالإفراج المشروط عن صاحب البلاغ. وأُمر صاحب البلاغ بدفع كفالة قدرها 000 1 يورو وبالحضور إلى مركز الشرطة المحلي في اليوم الأول والخامس عشر من كل شهر. وفي 19 شباط/فبراير 2004، ارتأت المحكمة البحرية في تسالونيكي أنها لا تتمتع بالاختصاص، وأحالت القضية إلى المدعي العام المدني المختص بالجنح في كيلكيس ورفعت القيود التي كانت سارية وقتئذ. وفي نهاية المطاف، لم يقدَّم صاحب البلاغ إلى المحاكمة بهذه التهمة.

2-6 وفي 12 حزيران/يونيه 2003، أيَّدت محكمة الاستئناف العسكرية إدانة صاحب البلاغ الصادرة في 15 نيسان/أبريل 1999 بتهمة العصيان، ولكنها خفضت عقوبته إلى السجن لمدة 20 شهراً، مع وقف التنفيذ لمدة ثلاث سنوات. ويعزى ذلك إلى عوامل منها أنَّ فترة التعبئة العامة قد انتهت. وفي 2 كانون الأول/ديسمبر 2003، طعن صاحب البلاغ في هذا القرار أمام محكمة النقض التي رفضت الطعن في 7 كانون الأول/ديسمبر 200 4.

2-7 وفي وقت لاحق، تلقَّى صاحب البلاغ عدة مذكرات استدعاء أخرى لأداء الخدمة في الجيش واتُّهم مراراً وتكراراً بالعصيان بسبب رفضه التجنيد. وفي 16 كانون الأول/ديسمبر 2004، حُكم عليه بالسجن لمدة سنتين وستة أشهر، وهي عقوبة قابلة للتحويل إلى غرامة، بتهمتين تتعلقان بالعصيان: من 27 تموز/يوليه 1999 إلى 12 حزيران/يونيه 2003 ومن 4 تموز/يوليه 2003 إلى 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2003 (الإدانة الثانية ). وفي 4 أيار/مايو 2006، خفضت محكمة الاستئناف العسكرية في أثينا الحكم الصادر في حق صاحب البلاغ إلى السجن خمسة أشهر فيما يتعلق بكل من التهمتين المتعلقتين بالعصيان. وفي 31 أيار/مايو 2007، رُفض الطعن الذي قدَّمه صاحب البلاغ لاحقاً إلى محكمة النقض.

2-8 وفي 1 كانون الثاني/يناير 2008، لم يعد واجب أداء صاحب البلاغ الخدمة العسكرية الإلزامية قائماً بالنظر إلى سنه. ومع ذلك، لما كانت تهم جديدة قد وُجِّهت إلى صاحب البلاغ في عام 2006، فقد حكمت عليه المحكمة البحرية في بيرايوس في قرار مؤرخ 20 أيار/مايو 2008 بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمتين تتعلقان بالعصيان: من 23 كانون الثاني/يناير 2004 إلى 19 شباط/فبراير 2004 ومن 8 تشرين الأول/أكتوبر 2004 إلى 1 كانون الثاني/يناير 2008 (الإدانة الثالثة ). وفي 31 آذار/مارس 2009، أيَّدت محكمة الاستئناف العسكرية في أثينا حكم الإدانة الصادر في حق صاحب البلاغ ولكنها خفضت عقوبته إلى السجن لمدة 18 شهراً. ولم يقدِّم صاحب البلاغ طعناً إلى محكمة النقض بسبب تكلفة هذه الإجراءات وطول مدتها وضآلة فرص النجاح، كما تبيَّن من نتيجة طعونه السابقة. وفي 20 حزيران/يونيه 2013، ألقي القبض على صاحب البلاغ لكي يقضي العقوبة الصادرة في حقه، ولكن أفرج عنه في اليوم التالي، حيث حُوِّلت العقوبة بالسجن الصادرة في حقه إلى غرامة قدرها 431 5 يورو، دفعها صاحب البلاغ.

2-9 وفي 21 أيار/مايو 2014، جرت محاولة أخرى لإلقاء القبض على صاحب البلاغ لقضاء عقوبة السجن الصادرة في حقه في 4 أيار/مايو 200 6. وحُوِّلت هذه العقوبة بدورها إلى غرامة قدرها 386 1 يورو، دفعها صاحب البلاغ أيضاً.

الشكوى

3-1 يدَّعي صاحب البلاغ أنَّ حقه في الاستنكاف الضميري من الخدمة العسكرية الإلزامية بموجب المادة 18( 1) من العهد قد انتُهك. فمن ناحية، يدفع صاحب البلاغ بأنَّ إدانته الأولى استندت إلى حد بعيد إلى رفضه أداء الخدمة العسكرية خلال فترة لم تكن الدولة الطرف قد اعترفت فيها بعدُ بالمستنكفين ضميرياً ( ) . ويشير صاحب البلاغ، في هذا الصدد، إلى اجتهاد اللجنة الذي أشارت فيه إلى أنَّ الحق في الاستنكاف الضميري "يخول أي فرد الإعفاء من الخدمة العسكرية الإلزامية إذا لم يكن بالإمكان التوفيق بينها وبين دينه ومعتقداته. ويجب عدم الإخلال بفعل الإكراه بهذا الحق" ( ) . وبالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من أنَّ صاحب البلاغ قد مُنح إمكانية أداء الخدمة المدنية بصفته مستنكفاً ضميرياً، فإنَّ هناك اختلافات كبيرة بين النظامين، وهو ما يجعل أيَّ شخص يؤدي الخدمة المدنية في وضع غير مؤات، مما يشكِّل انتهاكاً للمادة 18 من العهد. ويشتكي صاحب البلاغ، على وجه الخصوص، من الاختلاف الجوهري في مُدَّتي الخدمتين، وهما 39 شهراً للخدمة المدنية و21 شهراً للخدمة العسكرية في حالته. وعلى الرغم من أنَّ القوانين السارية التي تحكم مدة كل من الخدمة المدنية والخدمة العسكرية كانت تتغير من وقت لآخر في الفترة ذات الصلة، فإنَّ الفرق في مدة الخدمتين لا يزال كبيراً. وعلاوة على ذلك، يؤكِّد صاحب البلاغ أنه حتى عام 2001 لم يكن هناك أي أساس قانوني لكي تنظر السلطات في وضعه العائلي لدى تحديد مدة خدمته المدنية، بخلاف القوانين التي تحكم الخدمة العسكرية. كما يدَّعي صاحب البلاغ أنَّ غالبية المستنكفين ضميرياً لم يكونوا ملزمين إلا  ب‍‍ 36 شهراً من الخدمة، من حيث إنه كان من المفترض أن يؤدُّوا الخدمة في صفوف الجيش، بينما كان من المفترض أن يؤدِّي هو الخدمة في البحرية ( ) . وفي الختام، يدَّعي صاحب البلاغ أنَّ العقوبات المفروضة عليه بسبب إدانتيه الثانية والثالثة والغرامات التي أُمر بدفعها تنتهك حقوقه بموجب المادة 18( 2) من العهد.

3-2 ويدَّعي صاحب البلاغ أنَّ الدولة الطرف انتهكت حقوقه بموجب المادة 9( 1) من العهد مراراً وتكراراً لأنه احتُجز تعسفاً بسبب ممارسته المشروعة لحقِّه في الاستنكاف الضميري من الخدمة العسكرية ( ) . ويدَّعي صاحب البلاغ أنه اعتُقل تعسفاً في أربع مناسبات واحتُجز لمدة 87 يوماً في المجموع ( ) .

3-3 ويدَّعي صاحب البلاغ أنَّ حقوقه بموجب المادة 14( 1) من العهد قد انتُهكت أيضاً لأنَّ المحاكم العسكرية هي التي نظرت في القضايا المتعلقة به. ويدفع بأنَّ المحاكم العسكرية ليست مختصة للنظر في قضايا المدنيين لأنها لا تتصرف باستقلالية أو بحياد في القضايا المتعلقة بالتهرب من التجنيد لأداء الخدمة العسكرية ( ) . وعلاوة على ذلك، يدَّعي صاحب البلاغ أنَّ إدانتيه الثانية والثالثة تشكِّلان ملاحقتين قضائيتين على نفس الجرم في انتهاك للمادة 14( 7) من العهد ( ) .

3-4 وبالإضافة إلى ذلك، يدَّعي صاحب البلاغ أنَّ الدولة الطرف انتهكت حقوقه بموجب المادة 12( 2) من العهد بسبب حظر السفر الذي فُرض عليه في 20 تموز/يوليه 1992، مما منعه من مغادرة أراضي اليونان.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية

4-1 في مذكرة شفوية مؤرخة 15 آذار/مارس 2018، طلبت الدولة الطرف إلى اللجنة أن تعلن عدم مقبولية البلاغ لانتفاء صفة الضحية، وإساءة ممارسة الحق في تقديم البلاغات، وعدم استنفاد سبل الانتصاف المحلية بموجب المواد 1 و3 و5(2)(ب) من البروتوكول الاختياري.

4-2 وتدفع الدولة الطرف بأنَّ صاحب البلاغ فقد صفة الضحية لأنه اعتُرف له بصفة مستنكف ضميرياً في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 1998 ودعي إلى أداء خدمة بديلة للخدمة العسكرية. وتدفع بأنه تخلَّف عن الالتحاق لأداء الخدمة المدنية البديلة في غضون المهلة الزمنية المحدَّدة لهذا الغرض، أي قبل 16 كانون الثاني/يناير 199 9. وبالنظر إلى أنَّ صاحب البلاغ قد عُرضت عليه طريقة بديلة لأداء واجباته، ولم تباشَر ضده إجراءات لاحقاً إلا لأنه قرر عدم الاستفادة من تلك الفرصة، ترى الدولة الطرف أنه فقد صفة الضحية وفقاً للمادة 1 من البروتوكول الاختياري.

4-3 وتذكر الدولة الطرف كذلك أنَّ آخر قرار قضائي على الصعيد المحلي صدر في 31 آذار/ مارس 2009 وأنَّ صاحب البلاغ لم يقدِّم شكواه إلا في 31 كانون الأول/ديسمبر 201 5. وترى الدولة الطرف أنَّ هذا الإجراء يشكِّل تأخراً كبيراً في ضوء اجتهادات اللجنة ذات الصلة، ولم يقدِّم صاحب البلاغ أيَّ تبرير في هذا الصدد.

4-4 وفي الختام، تلاحظ الدولة الطرف أنَّ صاحب البلاغ لم يطعن أمام محكمة النقض في قرار محكمة الاستئناف العسكرية في أثينا الصادر في 31 آذار/مارس 200 9. وفي هذا الصدد، تعترض الدولة الطرف على ادعاء الطابع المفرط لتكلفة الإجراءات وطول مدتها. وفضلاً عن ذلك، فإنَّ عدم نجاح طعونه أمام محكمة النقض في إجراءات سابقة لا يكفي للدفع بانتفاء فرص نجاح أي قضايا في المستقبل. وعليه، تدعو الدولة الطرف اللجنة إلى إعلان عدم مقبولية البلاغ لعدم استنفاد سبل الانتصاف المحلية عملاً بالمادة 5(2)(ب) من البروتوكول الاختياري.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن الأسس الموضوعية

5-1 قدَّمت الدولة الطرف، في مذكرة شفوية منفصلة مؤرخة 7 حزيران/يونيه 2018، ملاحظاتها بشأن الأسس الموضوعية لهذه القضية. ففيما يتعلق بالانتهاك المزعوم للمادة 9( 1) من العهد، تلاحظ الدولة الطرف أنَّ عمليات اعتقال صاحب البلاغ ومُدَد احتجازه لم تكن تعسفية بل كانت متوافقة مع إجراءات ينص عليها القانون. وتدفع الدولة الطرف بأنه اعتُقل بناء على أمر بإلقاء القبض وأُبلغ بأسباب اعتقاله، وأنه احتُجز لمدة 75 يوماً دون انقطاع و87 يوماً في المجموع، وهي مدة لا تتجاوز الحد الأقصى لمدة الاحتجاز البالغة 18 شهراً على النحو المنصوص عليه في القانون. وعلاوة على ذلك، تمكَّن صاحب البلاغ من الطعن في قانونية احتجازه ولم يُمنع من الاتصال بمحاميه أو بأفراد أسرته. وفي ضوء هذه الظروف، ترى الدولة الطرف عدم حدوث أي انتهاك للمادة 9 من العهد.

5-2 وفيما يتعلق بالانتهاك المزعوم للمادة 12( 2) من العهد، تذكِّر الدولة الطرف بأنَّ الحق في حرية التنقل ليس حقّاً مطلقاً. ففي الحالات التي يبقى فيها الأمر بإلقاء القبض معلَّقاً، يجوز، عملاً بالمادة 12( 3) من العهد، تقييد الحق في مغادرة أي بلد لأسباب تتعلق أساساً بالأمن القومي والنظام العام. وتشير الدولة الطرف إلى الاجتهادات السابقة للَّجنة التي تفيد بأنَّ حرية تنقل بعض الأفراد، مثل المجرمين المدانين والأفراد الذين يؤدون الخدمة العسكرية، قد تخضع لقيود مشروعة ( ) . وتعتبر الدولة الطرف أنَّ التدبير المطعون فيه استند إلى أسس مشروعة، لأنَّ مصلحة النظام العام والأمن القومي هي التي أملت فرضه، وجاء متمشياً أيضاً مع شرط تقاسم الأعباء بالتساوي بين جميع اليونانيين. وتلاحظ كذلك أنه لم تكن لديها تدابير أخرى أقل تقييداً. وفي ظل هذه الظروف، ترى الدولة الطرف أنَّ القيود المفروضة على حق صاحب البلاغ في مغادرة وطنه لها ما يبرِّرها بموجب المادة 12( 3) من العهد.

5-3 وفيما يخص الانتهاك المزعوم للمادة 14( 1) من العهد، تشدِّد الدولة الطرف على أنَّ المادة 14( 1) تنطبق على جميع المحاكم والهيئات القضائية، بصرف النظر عما إذا كانت هذه المحاكم عادية أو متخصصة. وترى الدولة الطرف أنَّ محاكمة المدنيين أمام محاكم وهيئات قضائية عسكرية لا تشكِّل في حد ذاتها انتهاكاً للمادة المعنية، كما أنَّ صاحب البلاغ لم يحاكَم، في هذه القضية، بصفته مدنيّاً. فقد حوكم بتهمة العصيان فيما يتعلق برفضه التجنيد في الخدمة العسكرية الإلزامية، في سياق علاقة قانونية تندرج ضمن نطاق التشريع العسكري. وعلاوة على ذلك، أنشئت جميع المحاكم العسكرية في اليونان بموجب الدستور وتشكِّل جزءاً من السلطة القضائية للدولة، التي هي منفصلة ومستقلة عن كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية. وتنطبق جميع الضمانات القضائية الأساسية، بما في ذلك الحق في محاكمة عادلة وعلنية أمام محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة، في إجراءات المحاكم العسكرية. وعليه، تدعو الدولة الطرف اللجنة إلى أن تخلص إلى عدم حدوث أي انتهاك للمادة 14( 1) من العهد.

5-4 وفيما يتعلق بالانتهاك المزعوم للمادة 14( 7) من العهد، تدفع الدولة الطرف بأنَّ صاحب البلاغ لم يُدَن على نفس الجرائم، من حيث إنَّ إدانته الأولى استندت إلى رفضه أداء الخدمة العسكرية الإلزامية، في حين استندت إدانتاه اللاحقتان إلى تخلفه عن الالتحاق لأداء الخدمة المدنية البديلة. وتذكر أنَّ إدانات صاحب البلاغ بعد اعتماد القانون رقم 2510/1997 لا تشكِّل تدخلاً في حقوقه بموجب العهد لأنه تجاهل بمحض إرادته واجباته التي تنص عليها القوانين الوطنية المتسقة مع التزامات اليونان الدولية في مجال حقوق الإنسان. وتدفع الدولة الطرف تبعاً لذلك بعدم حدوث أي انتهاك للمادة 14( 7) من العهد.

5-5 وفيما يتعلق بالانتهاك المزعوم للمادة 18 من العهد، تشير الدولة الطرف إلى الاجتهادات السابقة للَّجنة، التي تفيد بأنَّ العهد يحمي الاستنكاف عن أداء الخدمة العسكرية، باعتباره شكلاً من أشكال إظهار المعتقدات الدينية أو الأيديولوجية؛ غير أنَّ هذه الحماية لا تعني تخويل الشخص حقّاً تلقائيّاً في رفض أداء الواجب متذرعاً بضميره ( ) . وفيما يخص الطابع العقابي المزعوم للخدمة المدنية البديلة بسبب طول مدتها، تلاحظ الدولة الطرف أنه لا يمكن مقارنة الخدمة العسكرية الإلزامية بالخدمة المدنية البديلة. فمن الجدير بالذكر أنَّ نوبات العمل على مدار 24 ساعة في الخدمة العسكرية تختلف اختلافا كبًيراً عن نوبات الخدمة المدنية لمدة 8 ساعات في بيئة مكتبية، مشفوعة بإجازة يومية لزيارة الأسرة. وتعترض الدولة الطرف كذلك على ادعاء الطابع التمييزي للخدمة المدنية البديلة المعنية، وتشدِّد على أنَّ من واجب جميع المواطنين اليونانيين بموجب الدستور أن يساهموا في الدفاع عن وطنهم. فإذا رأت اللجنة أنَّ واجب أداء الخدمة المدنية البديلة يشكِّل تدخلاً في حق صاحب البلاغ في حرية الفكر والوجدان والدين، تؤكِّد الدولة الطرف أنَّ هذا التدخل يشكِّل قيداً ضروريّاً على حقوق الفرد بهدف حماية النظام القومي والسلامة العامة.

تعليقات صاحب البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية

6-1 في 10 آب/أغسطس 2018، قدَّم صاحب البلاغ تعليقاته على ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية. إذ يطعن في حجة الدولة الطرف التي تفيد بأنه فقد صفة الضحية. ويشدِّد على أنه لم تُعرض عليه قط خدمة مدنية بديلة ذات طابع غير عقابي. وفي جميع الأحوال، يؤكِّد صاحب البلاغ أنَّ حجج الدولة الطرف التي تطعن في تمتعه بصفة الضحية تقتصر على الفترة التي أعقبت الاعتراف له بصفة مستنكف ضميرياً في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 199 8. وعلاوة على ذلك، يعترض صاحب البلاغ على تأكيد الدولة الطرف أنَّ جميع الإجراءات التي بوشرت ضده بعد 23 تشرين الثاني/نوفمبر 1998 تعزى إلى عدم أدائه خدمة مدنية بديلة. وفي هذا الصدد، يؤكِّد صاحب البلاغ من جديد أنه لم يقدَّم إلى المحاكمة على التهم المتعلقة برفضه أداء الخدمة المدنية. فقد استندت معظم لوائح اتهامه، حتى بعد 23 تشرين الثاني/نوفمبر 1998، إلى عدم أدائه للخدمة العسكرية وحوكم بشأنها أمام محاكم عسكرية. ويترتب على ذلك أنه كان ضحية انتهاك الدولة الطرف لحقوقه بموجب المادة 14( 7) من العهد.

6-2 ويعترض صاحب البلاغ على ادعاء الدولة الطرف أنه لم يستنفد سبل الانتصاف المحلية. ويدفع بأنَّ حجج الدولة الطرف تقتصر على المجموعة الثالثة من الإجراءات، أي قراره بعدم الطعن أمام محكمة النقض في حكم محكمة الاستئناف العسكرية في أثينا، الصادر في 31 آذار/مارس 200 9. غير أنه ذكَّر بالاجتهادات السابقة للَّجنة، التي تفيد بأنه عندما تبت أعلى محكمة محلية في المسألة المتنازع عليها على نحو ينتفي معه أي احتمال لنجاح سبيل انتصاف أمام المحاكم المحلية، لا يكون أصحاب البلاغ ملزمين باستنفاد سبل الانتصاف المحلية لأغراض البروتوكول الاختياري ( ) . ويكرِّر أنَّ محكمة النقض قد بتَّت مرتين في نفس الموضوع، بما في ذلك بشأن الطابع العقابي والتمييزي المزعوم للخدمة المدنية البديلة التي فُرضت عليه، والفرق الوحيد هو أنَّ القرارين يتعلقان بفترات مختلفة. وبالإضافة إلى ذلك، يؤكِّد صاحب البلاغ أنَّ تكاليف هذه الإجراءات باهظة. ويلاحظ أنه عانى، بحلول عام 2009، وضعاً ماليّاً صعباً بسبب الإجراءات المتَّخذة ضده والتي تشمل دفع كفالة وغرامات وتكاليف قانونية، الأمر الذي زادت من تفاقمه صعوبة العثور على عمل بصفته شخصاً متهماً بالعصيان.

6-3 وفيما يتعلق بحجة الدولة الطرف التي تفيد بأنَّ صاحب البلاغ تأخَّر كثيراً في تقديم شكواه، يلاحظ صاحب البلاغ أنَّ الملاحظات الختامية للَّجنة بشأن التقرير الدوري الثاني لليونان، التي بقي في انتظارها، اعتُمدت بعد تأخير كبير بسبب عدم وفاء الدولة الطرف بالتزامها بتقديم التقرير في الوقت المناسب ( ) . وفي جميع الأحوال، يدفع صاحب البلاغ بأنَّ البروتوكول الاختياري لا يضع أي حد زمني لتقديم البلاغات. ولم توضع قاعدة الخمس سنوات إلا في عام 2012 في اجتهادات اللجنة. ولذلك لم يتسنَّ لصاحب البلاغ أن يتنبأ بتطبيق معيار المقبولية هذا في عام 2009، وقت صدور آخر قرار قضائي. وعلاوة على ذلك، أدين صاحب البلاغ في عامي 2007 و2009، ولكنَّ تلك الأحكام لم تنفَّذ إلا في حزيران/يونيه 2013 وأيار/مايو 201 4. ومن ثم فإنَّ تقديم بلاغه في عام 2015 حدث بعد عامين فقط من إنفاذ إدانتيه الرابعة والخامسة في عام 2013 وبعد عام واحد من إنفاذ إدانتيه الثانية والثالثة في عام 201 4. ويدفع صاحب البلاغ كذلك بأنه كان متوجساً من أن يلفت بلاغه انتباه السلطات المحلية فيؤدي إلى الإنفاذ الفوري لأحكام السجن التي لم تكن قد نُفِّذت في ذلك الوقت.

تعليقات صاحب البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف بشأن الأسس الموضوعية

7-1 قدَّم صاحب البلاغ، في رسالة منفصلة مؤرخة 10 آب/أغسطس 2018، تعليقاته على ملاحظات الدولة الطرف بشأن الأسس الموضوعية. ويذكِّر بالملاحظات الختامية للَّجنة التي نُشرت في عامي 2005 و2015، والتي أعربت فيها عن قلقها إزاء قوانين الدولة الطرف وممارساتها ذات الصلة ( ) . كما يدفع صاحب البلاغ بأنَّ الخدمة المدنية البديلة في حد ذاتها ليست هي التي تجعلها عقابية وتمييزية، بل طول مدتها المفرط. ويكرِّر أنه كان مطلوباً منه أن يقضي 39 شهراً من الخدمة المدنية (أو، فيما بعد، 30 شهراً على الأقل باعتباره أباً لقاصر) مقابل 4 أشهر من الخدمة العسكرية ( ) . وفي هذا الصدد، يلاحظ أنَّ بيانات الدولة الطرف التي تشير إلى يوم عمل في المكتب مدته 8 ساعات هي بيانات مضلِّلة، من حيث إنَّ التقارير السنوية لأمين المظالم اليوناني تؤكِّد وجود العديد من الاختلالات في النظام اليوناني بفعل ممارسة قائمة تتَّبعها بعض المؤسسات وتقتضي من المستنكفين ضميرياً العمل لمدة سبعة أيام في الأسبوع، بما في ذلك عُطل نهاية الأسبوع وأيام العطل، وخارج ساعات العمل المعتادة. ولذلك فهو يؤكِّد أنَّ قوانين الدولة الطرف وممارساتها تنتهك حقوقه بموجب المادة 18 من العهد. وعلاوة على ذلك، وإذ يحيل صاحب البلاغ إلى الاجتهادات السابقة للَّجنة، فإنه يدفع بأنَّ خدمة مدنية بديلة ذات مدة مفرطة في الطول قد تؤدي أيضاً إلى انتهاك حقوقه بموجب المادة 26 من العهد ( ) . ويلاحظ في هذا الصدد أنه تعرَّض للتمييز للأسباب التالية: (أ) أنه طُلب منه في البداية أن يؤدِّي خدمة مدنية بديلة مدتها 39 شهراً بدل 36 شهراً لمجرد أنه استدعي أصلاً للخدمة في صفوف القوات البحرية وليس في صفوف الجيش؛ (ب) أنَّ مدة الخدمة البديلة، حتى وإن خفضت بالنظر إلى وضعه العائلي، لا تتناسب مع مدة الخدمة العسكرية؛ (ج) بالمقارنة مع الأفراد الذين يؤدون الخدمة العسكرية، لم يُمنح قط فرصة قضاء مدة قصيرة من الخدمة ودفع مقابل عن باقي المدة؛ (د) يمكن لمن يؤدون الخدمة العسكرية أن يعودوا إلى وضعهم السابق، ولكن لا يوجد مثل هذا التدبير الوقائي فيما يتعلق بالمستنكفين ضميرياً.

7-2 ويدفع كذلك بأنَّ طول مدة الخدمة المدنية البديلة ليس وحده الذي يجعل منها إجراء عقابياً، بل شروط أخرى أيضاً. وفي هذا السياق، يشير إلى شرط أداء هاتين الخدمتين خارج أماكن الإقامة الدائمة، وتلقّي أجور متدنية دون مستوى الكفاف لمن يُنتدبون للعمل في المنظمات الاجتماعية، والقيود المفروضة على حرية حركة الأشخاص المعنيين. ويشير صاحب البلاغ إلى أنه طُلب منه أداء الخدمة في كيلكيس، على بعد حوالي 550 كيلومتراً من مكان إقامته. وعلاوة على ذلك، لا يحق للمستنكفين ضميرياً في اليونان الحصول على مرتب إلا إذا لم تتمكن المؤسسة التي يؤدون فيها خدمتهم المدنية البديلة من تزويدهم بالغذاء والسكن. وحيث إنَّ صاحب البلاغ كان سيكلَّف بأداء واجباته في مستوصف للأمراض المزمنة، فإنه لم يكن ليحصل على أي بدل مالي خلال مدة خدمته التي تمتد على 39 شهراً.

7-3 وفيما يتعلق بالمادة 14( 7) من العهد، يكرِّر صاحب البلاغ أنَّ جميع إداناته ترتبت على رفضه الالتحاق بالجيش، واستندت إلى الجريمة الجنائية نفسها.

7-4 وبخصوص ادعائه بمقتضى المادة 14( 1) من العهد، يكرِّر صاحب البلاغ حججه بشأن عدم حياد المحاكم ويلاحظ أنَّ المدعي العام في القضية المتعلقة بفترة عصيانه الأولى أصبح فيما بعد رئيساً لمحكمة الاستئناف العسكرية في محاكمته المتعلقة بفترتي العصيان الثانية أو الثالثة. وفي جميع الأحوال، يدفع صاحب البلاغ بأنَّ الدولة الطرف لم تُثْبت ضرورة النظر في قضيته أمام المحاكم العسكرية، مما حرمه من ضمانات هامة.

7-5 وفيما يتعلق بادعائه بموجب المادة 9( 1) من العهد، يلاحظ صاحب البلاغ أنه أمضى في الواقع 75 يوماً في السجن دون انقطاع و87 يوماً في المجموع، وأنَّ عدد الأيام ذات الصلة كما عرضته الدولة الطرف لا يشمل الأيام التي أُفرج عنه فيها. وعلاوة على ذلك، فإنَّ حجج الدولة الطرف فيما يتعلق بطول فترة احتجاز صاحب البلاغ السابق للمحاكمة ليست ذات صلة أصلاً. فمن ناحية، استندت بعض فترات احتجازه إلى حكم نهائي، ومن ناحية أخرى، لم يزعم قط أنَّ احتجازه كان غير قانوني بسبب طول مدته، بل لأنه اعتُقل بسبب ممارسة حقوقه بموجب المادة 18 من العهد.

7-6 وفيما يتعلق بادعائه بمقتضى المادة 12( 2) من العهد، يلاحظ صاحب البلاغ أنه مُنع من مغادرة اليونان، على الأقل خلال فترات عصيانه، التي ناهز مجموعها 14 عاماً. ويحيل إلى قضية غونثاليث ديل ريو ضد بيرو التي خلصت فيها اللجنة إلى حدوث انتهاك للمادة 12( 2) لأنَّ الضحية مُنع من مغادرة بلده استناداً إلى مذكرة توقيف معلَّقة ( ) . ويذكِّر بأنَّ أيَّ قيود بموجب المادة 12( 2) ينبغي أن تكون متسقة مع جميع الحقوق الأخرى المعترف بها بموجب العهد. وبالنظر إلى أنَّ القيود المطعون فيها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بانتهاك حقوقه بموجب المادة 18، وكذلك المواد 9 و14( 1) و ( 7) من العهد، فإنه يدفع بأنه لا يمكن تبرير التدخل في حقوقه بموجب المادة 12 من العهد.

7-7 ويطلب صاحب البلاغ شطب سجله الجنائي وأن تقدِّم إليه الدولة الطرف تعويضاً مناسباً وتتَّخذ التدابير اللازمة لتجنب حدوث انتهاكات مماثلة للعهد في المستقبل.

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

8-1 قبل النظر في أي ادعاء يرد في بلاغ ما، يجب على اللجنة أن تقرر، وفقاً للمادة 97 من نظامها الداخلي، ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب البروتوكول الاختياري.

8-2 وقد استيقنت اللجنة، وفقاً لما تقتضيه المادة 5(2)(أ) من البروتوكول الاختياري، من أنَّ المسألة نفسها ليست قيد البحث في إطار أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية.

8-3 وتحيط اللجنة علماً بحجة الدولة الطرف التي تفيد بأنَّ صاحب البلاغ لم يستنفد سبل الانتصاف المحلية لأنه لم يطعن أمام محكمة النقض، في المجموعة الثالثة من الإجراءات، في قرار محكمة الاستئناف العسكرية في أثينا الصادر في 31 آذار/مارس 200 9. ومن ناحية أخرى، تضع اللجنة في اعتبارها ما ذكره صاحب البلاغ من أنه قرر عدم الطعن أمام محكمة النقض للمرة الثالثة بسبب تكلفة الإجراءات وطولها وضآلة احتمالات النجاح. وتذكِّر اللجنة بأنَّ سبل الانتصاف المتاحة والفعالة في الدولة الطرف هي وحدها التي يجب استنفادها. وفي هذا الصدد، تكرِّر اللجنة التأكيد على أنه عندما تكون أعلى محكمة محلية قد بتت في المسألة المتنازع عليها، على نحو ينتفي معه أي احتمال لنجاح سبيل انتصاف أمام المحاكم المحلية، فإنَّ صاحب البلاغ ليس ملزماً باستنفاد سبل الانتصاف المحلية، التي هي في الواقع غير مجدية، لأغراض البروتوكول الاختياري ( ) . وتلاحظ اللجنة أنَّ الأحكام السابقة الصادرة عن محكمة النقض في قضية صاحب البلاغ تؤكِّد أنَّ اللجوء إلى سبيل الانتصاف الإضافي هذا لن يكون مجدياً. وعليه، تخلص اللجنة إلى أنه إذ يبدو أنَّ ادعاءات صاحب البلاغ بموجب المواد 12( 2) و9 و14( 7) و18( 1) و ( 2) من العهد قد أثيرت في الإجراءات المحلية، ولم تعترض عليها الدولة الطرف، فإنه لا يوجد ما يمنعها من النظر في هذه الادعاءات بموجب المادة 5(2)(ب) من البروتوكول الاختياري.

8-4 وفيما يتعلق بادعاء صاحب البلاغ بموجب المادة 14(1 )، تلاحظ اللجنة أنه لا يبدو من المعلومات المتاحة في الملف أنَّ صاحب البلاغ تقدّم بشكواه أمام المحاكم المحلية، كما لم يذكر أياً من الأسباب التي قد تكون حالت دون ذلك أو التي تُثْبت أنَّ سبل الانتصاف المتاحة لن تجدي نفعاً في قضيته. وفي هذه الظروف، تخلص اللجنة إلى أنَّ صاحب البلاغ لم يستنفد سبل الانتصاف المحلية المتاحة فيما يتعلق بالإخلال المزعوم بالمادة 14( 1) من العهد. ولهذا السبب، يجب إعلان هذا الجزء من الشكوى غير مقبول بموجب المادة 5(2)(ب) من البروتوكول الاختياري.

8-5 وتحيط اللجنة علماً بدفع الدولة الطرف بأنَّ صاحب البلاغ قد أتيحت له الفرصة لأداء خدمة بديلة للخدمة العسكرية وأنَّ الإجراءات اللاحقة لم تباشَر ضده إلا لأنه قرر عدم استغلال تلك الفرصة. وتدفع الدولة الطرف بأنه فقد من ثم صفة الضحية بموجب المادة 1 من البروتوكول الاختياري. ومن ناحية أخرى، تحيط اللجنة علماً بادعاء صاحب البلاغ أنه بالنظر إلى الطابع العقابي والتمييزي للخدمة المدنية البديلة، لم يكن لديه خيار حر وحقيقي. وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من أنَّ حقوقه قد انتُهكت منذ عام 1992، فإنَّ حجج الدولة الطرف التي تعترض على تمتعه بصفة الضحية لا تشير إلا إلى الفترة التي أعقبت الاعتراف به بصفته مستنكفاً ضميرياً في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 199 8. وحيث إنَّ الحق في الاستنكاف الضميري لم يُعترف به في الدولة الطرف حتى 1 كانون الثاني/يناير 1998، ترى اللجنة أنه من الواضح أنَّ صاحب البلاغ يتمتع بصفة الضحية فيما يتعلق بالانتهاكات المزعومة التي وقعت خلال الفترة من 17 آذار/مارس 1992 إلى 23 تشرين الثاني/نوفمبر 199 8. وفيما يتعلق بالفترة التي تلت تاريخ 23 تشرين الثاني/نوفمبر 1998، تلاحظ اللجنة أنَّ صاحب البلاغ طالما أثار الطابع العقابي والتمييزي للخدمة المدنية البديلة خلال تلك الفترة في شرح سبب عدم تمكنه من الاستفادة منها ثم اتُّهم مراراً بعدم التجنيد في الخدمة العسكرية. وعليه، ترى اللجنة أنَّ صاحب البلاغ احتفظ بصفة الضحية حتى بعد 23 تشرين الثاني/نوفمبر 1998 لأغراض المادة 1 من البروتوكول الاختياري.

8-6 وفي الختام، تحيط اللجنة علماً بحجة الدولة الطرف التي تفيد بأنَّ البلاغ يشكِّل إساءة ممارسة للحق في تقديم البلاغات بموجب المادة 3 من البروتوكول الاختياري لأنَّ صاحب البلاغ قدَّم بلاغه إلى اللجنة بعد مرور ست سنوات على الأقل من استنفاد سبل الانتصاف المحلية. وتلاحظ اللجنة أنَّ صاحب البلاغ يعترض على هذه الحجة لعدة أسباب. وتشير اللجنة إلى أنه على الرغم من عدم وجود مهلة نهائية صريحة لتقديم البلاغات بموجب البروتوكول الاختياري، فإنَّ المادة 99(ج) من نظامها الداخلي تنص على أنه "لا تشكِّل إساءة استخدام الحق في تقديم البلاغات، من حيث المبدأ، أساساً لاتخاذ قرار بعدم المقبولية من حيث الاختصاص الزمني بسبب حدوث تأخير في تقديم البلاغ. إلا أنَّ البلاغ قد يمثل إساءة استخدام للحق في تقديم البلاغات عندما يقدم بعد خمس سنوات من استنفاد صاحب البلاغ لسبل الانتصاف المحلية، أو حيثما انطبق ذلك، بعد ثلاث سنوات من اختتام إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية، ما لم تكن هناك أسباب تبرر هذا التأخير، مع مراعاة جميع ملابسات البلاغ" ( ) . وتذكِّر اللجنة أيضاً بقراراتها السابقة التي تبيِّن أنَّ البلاغ يُعتبر إساءة استخدام للحق في تقديم البلاغات عندما تمر فترة طويلة للغاية دون مبرر كاف، بين الأحداث المذكورة في القضية أو تاريخ استنفاد سبل الانتصاف المحلية وبين تاريخ تقديم البلاغ ( ) . وتلاحظ اللجنة أنه على الرغم من وجود أربع مجموعات متمايزة من الإجراءات في هذه القضية تنتهي في تواريخ مختلفة، فإنها جميعاً مترابطة من حيث إنها كانت تتعلق جميعها بالتزام واحد يقع على عاتق صاحب البلاغ بأداء خدمة إلزامية واستنكافه عن أدائها بفعل قناعاته الداخلية. وعلى الرغم من أنَّ المجموعة الأولى من الإجراءات، والإجراءات المتعلقة برفضه أداء الخدمة المدنية قد انتهت في عام 2004، فقد بوشرت إجراءات إضافية بعد ذلك. وإذ تضع اللجنة في اعتبارها أيضاً المبررات الإضافية التي قدَّمها صاحب البلاغ فيما يتعلق بالتأخر في تقديم شكواه، بما في ذلك حجته التي تفيد بأنه لم يكن بإمكانه التنبؤ بتطبيق قاعدة الخمس سنوات وقت صدور الحكم النهائي بإدانته في عام 2009، والتأخر في اعتماد الملاحظات الختامية للَّجنة بشأن اليونان التي تضمنت بعض الاعتبارات البالغة الأهمية لقضيته، فضلاً عن تخوفه من أعمال انتقامية بسبب أحكام السجن الصادرة في حقه التي لم تكن قد نُفِّذت بعد، فإنها ترى أنه لم تنقضِ فترة طويلة للغاية بين تاريخ الأحداث التي أدت إلى ادعاءات صاحب البلاغ، ولا سيما قرار المحكمة الأخير الصادر في 31 آذار/مارس 2009، وبين تاريخ تقديم البلاغ، ومن ثم لا تمنعها المادة 3 من البروتوكول الاختياري من النظر في البلاغ.

8-7 وعلى الرغم من أنَّ الدولة الطرف لم تدفع بعدم مقبولية البلاغ من حيث الاختصاص الزمني، فإنَّ اللجنة تلاحظ أنَّ الاستدعاءات العديدة للتجنيد التي شكَّلت أساس أول إدانة لصاحب البلاغ كانت قد وُجِّهت قبل بدء نفاذ البروتوكول الاختياري. وتشير اللجنة إلى اجتهاداتها السابقة وتكرِّر التأكيد على أنه لا يجوز لها النظر في بلاغٍ ما إذا كانت الانتهاكات المزعومة قد وقعت قبل بدء نفاذ البروتوكول الاختياري، ما لم تكن الانتهاكات المزعومة مستمرة أو لها آثار مستمرة تشكِّل في حد ذاتها انتهاكاً للعهد ( ) . وعلاوة على ذلك، تتفق اللجنة مع لجان أخرى على أنَّ القرارات القضائية الصادرة عن السلطات الوطنية يجب أن تُعتبر جزءاً من وقائع القضية عندما تستند إلى إجراءات لها صلة مباشرة بالوقائع أو الإجراءات أو أوجه التقصير الأصلية التي أدت إلى وقوع انتهاك، شريطة أن تكون هذه القرارات القضائية كفيلة بجبر الانتهاك المزعوم. وفي حال اعتماد هذه القرارات بعد بدء نفاذ البروتوكول الاختياري بالنسبة للدولة الطرف المعنية، لن يؤثر المعيار الذي تنص عليه المادة 3 من البروتوكول الاختياري على مقبولية البلاغ، إذ يمكن للمحاكم الوطنية، في حالة استفادة الأشخاص المعنيين من سبل الانتصاف، أن تنظر في شكاواهم، وتضع حدّاً للانتهاكات المزعومة، وتوفر لهم سبل جبر الضرر ( ) . وتلاحظ اللجنة أنَّ القرارات ذات الصلة الصادرة عن المحاكم المحلية في هذه القضية قد صدرت في 15 نيسان/أبريل 1999 و12 حزيران/يونيه 2003 و7 كانون الأول/ديسمبر 200 4. وفي ظل هذه الظروف، تخلص اللجنة إلى أنها مؤهَّلة من حيث الاختصاص الزمني للنظر في هذا البلاغ.

8-8 وبناء على ذلك، تعلن اللجنة مقبولية البلاغ من حيث إنه يثير مسائل تندرج ضمن المواد 9 و12( 2) و14( 7) و18( 1) من العهد. وترى اللجنة كذلك أنَّ ادعاءات صاحب البلاغ بشأن تعرضه المزعوم للتمييز على النحو المبيَّن في تعليقاته ردّاً على ملاحظات الدولة الطرف تثير أيضاً فيما يبدو مسائل بموجب المادة 26 من العهد. ومن ثم تعلن اللجنة مقبولية جميع هذه الادعاءات وتنتقل إلى دراستها من حيث أسسها الموضوعية.

النظر في الأسس الموضوعية

9-1 نظرت اللجنة في البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي قدَّمها إليها الطرفان، وفق ما تقتضيه المادة 5( 1) من البروتوكول الاختياري.

9-2 وتحيط اللجنة علماً بادعاء صاحب البلاغ أنَّ حقوقه بموجب المادة 18( 1) من العهد قد انتُهكت بفعل عدم وجود بديل حقيقي غير عقابي للخدمة العسكرية الإلزامية في الدولة الطرف. ونتيجة لذلك، أدى رفضه أداء الخدمة العسكرية لأسباب تتعلق بالضمير ورفضه أداء خدمة مدنية بديلة يزعم أنها عقابية إلى ملاحقته جنائيّاً بصفة متكررة وإصدار أحكام إدانة في حقه. وتحيط اللجنة علماً بما ذكرته الدولة الطرف من أنَّ توفير خدمة بديلة، في حد ذاته، لا يتعارض مع حقوق المستنكف ضميرياً بموجب المادة 18 من العهد. وتضع اللجنة في اعتبارها حجة الدولة الطرف التي تطعن في ادعاء الطابع العقابي والتمييزي للخدمة المدنية البديلة، من حيث إنَّ الفرق في طول مدة هاتين الخدمتين له ما يبرره بالنظر إلى الاختلافات في طبيعة الخدمتين. وعلاوة على ذلك، فإنَّ الواجب الذي يفرضه الدستور بالمساهمة في الدفاع عن الوطن يسري على جميع المواطنين اليونانيين على قدم المساواة.

9-3 وتذكِّر اللجنة بتعليقها العام رقم 22(199 3) الذي رأت فيه أنَّ الطابع الأساسي للحريات المنصوص عليها في المادة 18( 1) يتجلى في عدم جواز الحيد عن هذا الحكم حتى في حالة الطوارئ الاستثنائية، على النحو المنصوص عليه في المادة 4( 2) من العهد. كما تُذكِّر اللجنة باجتهادها السابق الذي رأت فيه أنه على الرغم من أنَّ العهد لا يشير صراحة إلى الحق في الاستنكاف الضميري، فإنَّ هذا الحق ينبع من المادة 18، ما دام الالتزام بالمشاركة في استخدام القوة القاتلة قد يتعارض تعارضاً جدياً مع حرية الوجدان ( ) . فالحق في الاستنكاف الضميري من الخدمة العسكرية متأصل في الحق في حرية الفكر والوجدان والدين. وهو يخوّل أي فرد الإعفاء من الخدمة العسكرية الإلزامية إن تعذر التوفيق بين هذه الخدمة وبين دينه أو معتقداته. ويجب ألا يعرَّض أحد لإكراه يخل بهذا الحق ( ) .

9-4 وتلاحظ اللجنة تعقُّد هذه القضية، التي تشمل فترة زمنية طويلة ذات خلفية تشريعية تتسم بالتغيرات، وهو أمر ظل يؤثِّر على وضع صاحب البلاغ. وفي حين أنَّ جميع فترات العصيان متشابكة إلى حد ما، لأنها جميعاً تتعلق بحالة واحدة من الاستنكاف الضميري بدأت في عام 1996، تشدِّد اللجنة على أنَّ هذه الفترات المتمايزة ترتبت عليها إدانات منفصلة. وفي هذا السياق، تشير اللجنة إلى أنَّ أول إدانة لصاحب البلاغ استندت إلى فترة (من 18 آذار/مارس 1992 إلى 17 أيار/مايو 199 8) لم تكن الدولة الطرف تعترف في معظمها بالحق في الاستنكاف الضميري ولم تكن توفِّر بديلاً. وتلاحظ اللجنة كذلك أنَّ رفض صاحب البلاغ التجنيد للخدمة العسكرية الإلزامية نابع من معتقده الوجداني الذي لا جدال في أنه يعتنقه بصدق، وأنَّ الدولة الطرف لم تقدِّم أي سبب لمقاضاة صاحب البلاغ جنائيّاً فيما يتعلق بهذه الفترة نفسها. وفي هذا السياق، تذكِّر اللجنة بأنَّ القمع الذي يمارَس ضد من يرفضون التجنيد لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية لأنَّ وجدانهم يملي عليهم عدم استخدام السلاح أو لأنَّ دينهم يمنع ذلك، يتعارض مع المادة 18( 1) من العهد ( ) ، وترى أنه لم يقدَّم إليها أي سبب يجعلها تخلص إلى خلاف ذلك في هذه القضية.

9-5 وعلاوة على ذلك، تضع اللجنة في اعتبارها أنَّ الدولة الطرف عدَّلت قوانينها في عام 1998 لإتاحة بديل للخدمة العسكرية، وأنَّ صاحب البلاغ قد اعتُرف له بصفة مستنكف ضميرياً، وأنَّ إداناته التي تلت ذلك تعزى إلى اختياره هو نفسه التهرب من التجنيد لأداء الخدمة المدنية والخدمة العسكرية على السواء. وبناء على ذلك، فإنَّ من المسائل التي يتعين على اللجنة أن تنظر فيها ما إذا كانت الخدمة المدنية التي كان من المفترض أن يؤديها صاحب البلاغ بديلاً حقيقياً للخدمة العسكرية في ملابسات قضية صاحب البلاغ. وفي هذا الصدد، تذكِّر اللجنة باجتهاداتها السابقة التي تفيد بأنه يجوز للدولة، إن شاءت، أن تُجبر المستنكف على أداء خدمة مدنية بديلة عن الخدمة العسكرية، خارج المجال العسكري، وتحت قيادة غير عسكرية. ويجب ألا تكون الخدمة البديلة ذات طبيعة عقابية. ويجب أن تكون خدمة حقيقية للمجتمع وتتماشى واحترام حقوق الإنسان ( ) . وتضع اللجنة أيضاً في اعتبارها أولى اجتهاداتها السابقة التي تبيِّن أنَّ الشروط المحدَّدة التي كان يتعين بموجبها أداء الخدمة البديلة كانت ذات طابع تمييزي. وفي هذا الصدد، تكرِّر اللجنة التأكيد على أنَّ "القانون والممارسة قد ينشئان اختلافات بين الخدمة العسكرية والخدمة الوطنية البديلة، وأنَّ هذه الاختلافات قد تسوِّغ، في حالة معيَّنة، فترة خدمة أطول، شريطة أن يستند الفرق بينهما إلى معايير معقولة وموضوعية، مثل طابع الخدمة المحدَّدة المعنية أو الحاجة إلى تدريب خاص لأداء هذه الخدمة" ( ) .

9-6 وترى اللجنة، في هذه القضية، أنَّ الحجج التي قدَّمتها الدولة الطرف فيما يتعلق بالخصائص المطعون فيها للخدمة المدنية البديلة ذات طابع عام ولا تشير تحديداً إلى قضية صاحب البلاغ، مع أنَّ صاحب البلاغ قد أثبت أنَّ بُعد مكان العمل الذي انتُدب إليه عن منزله، وعدمَ منح تعويض كاف طوال الفترة ذات الصلة، وساعات العمل المفرطة المطبَّقة بانتظام في حالة المستنكفين ضميرياً، كلها عوامل تثير شكوكاً بشأن ما إذا كانت هذه الخدمة، في ضوء ملابسات القضية محل النظر، قد وفَّرت له بديلاً حقيقياً للخدمة العسكرية. وبالإضافة إلى ذلك، تلاحظ اللجنة أنَّ عدم تجنيد صاحب البلاغ للخدمة المدنية أدى في نهاية المطاف إلى تجريده من صفة مستنكف ضميرياً وأنه كان من المتوقع مرة أخرى أن يجنَّد في صفوف الجيش، مما استتبع استدعاءات جديدة وإدانات لاحقة. وترى اللجنة أنَّ العواقب التي واجهها صاحب البلاغ أعادته إلى وضع مماثل للحقبة التي لم تكن فيها تشريعات الدولة الطرف تنص على الحق في الاستنكاف الضميري. وفي ظل هذه الظروف، تخلص اللجنة إلى أنَّ إدانات صاحب البلاغ بسبب رفضه أداء الخدمة العسكرية الإلزامية بصفته مستنكفاً ضميرياً، مقترنة بعدم توفير الدولة الطرف خدمة بديلة غير عقابية أو تمييزية له، تشكِّل انتهاكاً لحقوقه بموجب المادة 18( 1) من العهد.

9-7 وبالنظر إلى أنَّ اللجنة قد خلصت إلى حدوث انتهاك لحقوق صاحب البلاغ بموجب المادة 18 بفعل ملاحقاته الجنائية وسجنه بسبب تخلفه عن أداء الخدمة المدنية أو العسكرية، فإنها لا ترى ضرورةً للبت فيما إذا كان هذا التدخل يشكِّل تمييزاً، في انتهاك للمادة 26 من العهد.

9-8 وتحيط اللجنة علماً كذلك بادعاء صاحب البلاغ أنَّ احتجازه السابق للمحاكمة وسجنه بعد إدانته عقاباً له على رفضه الخدمة العسكرية يمثِّلان احتجازاً تعسفياً بموجب المادة 9 من العهد. وتلاحظ اللجنة أنَّ المادة 9( 1) من العهد تنص على أنه لا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفاً. وتذكِّر اللجنة بأنَّ مفهوم "التعسف" لا يعني "مخالفة القانون"، بل يجب تفسيره تفسيراً أوسع نطاقاً ليشمل عناصر عدم الملاءمة والجور وعدم القدرة على التنبؤ ومخالفة الأصول القانونية ( ) . كما تذكِّر كذلك بأنه كما أنَّ الاحتجاز الذي يرمي إلى معاقبة شخص ما على ممارسته المشروعة للحق في حرية التعبير على النحو الذي تكفله المادة 19 من العهد يشكِّل إجراء تعسفياً، فإنَّ الاحتجاز الرامي إلى العقاب على الممارسة المشروعة لحرية الدين والضمير على النحو الذي تكفله المادة 18 من العهد، هو إجراء تعسفي أيضاً ( ) . وبناء على ذلك، تخلص اللجنة إلى أنَّ حق صاحب البلاغ بموجب المادة 9( 1) من العهد قد انتُهك.

9-9 وفيما يتعلق بالانتهاك المزعوم للمادة 12( 2) من العهد، تذكِّر اللجنة بادعاء صاحب البلاغ أنَّ حريته في التنقل قد قُيِّدت لفترة طويلة للغاية، إما بسبب الإجراءات الجنائية المعلَّقة ضده أو بسبب الأحكام النهائية بالسجن التي صدرت في حقه. وتلاحظ اللجنة تأكيد صاحب البلاغ أنه مُنع نتيجة لذلك من مغادرة أراضي اليونان. وتلاحظ اللجنة أيضاً أنَّ الدولة الطرف لم تعترض على ادعاءات صاحب البلاغ المتعلقة بالوقائع، ولا سيما طول الفترة التي طُبِّقت فيها عليه هذه التدابير التقييدية. وفي الوقت نفسه، تضع اللجنة في اعتبارها حجة الدولة الطرف التي تفيد بأنه عملاً بالمادة 12(3 )، يجوز تقييد الحق في مغادرة أي بلد لأسباب تتعلق أساساً بالأمن القومي والنظام العام. وتلاحظ اللجنة كذلك أنَّ الإجراءات القضائية المعلَّقة قد تسوِّغ في الواقع القيود المفروضة على حق الفرد في مغادرة بلده. ومع ذلك، عندما تتأخر الإجراءات القضائية دون مبرر، لا يكون فرض قيود على الحق في مغادرة البلد مبرَّراً ( ) . وفي هذه القضية، ظل القيد المفروض على حرية صاحب البلاغ في مغادرة اليونان سارياً لمدة 14 عاماً بسبب الاستدعاءات المتكررة وأوامر القبض عليه وأحكام الإدانة الصادرة في حقه. وإذ تضع اللجنة في اعتبارها ليس فحسب المدة المفرطة للتدخل المطعون فيه، بل أيضاً لأنه فُرض على صاحب البلاغ لممارسته المشروعة لحقِّه في حرية الوجدان، فإنها ترى أنَّ هذا الوضع ينتهك حقوق صاحب البلاغ بموجب المادة 12( 2) من العهد.

9-10 وتحيط اللجنة علماً كذلك بادعاء صاحب البلاغ بموجب المادة 14( 7) من العهد أنه أدين وعوقب مراراً بسبب استنكافه عن أداء الخدمة العسكرية الإلزامية. وفي هذا الصدد، تلاحظ اللجنة أنَّ محكمة الاستئناف العسكرية أيَّدت في 12 حزيران/يونيه 2003 إدانة صاحب البلاغ لرفضه أداء الخدمة العسكرية الإلزامية، وأصدرت حكماً بالسجن المشروط مدتها 20 شهراً. وفي 4 أيار/مايو 2006، أدانته المحكمة نفسها مرة أخرى بتهمتين تتعلقان بالعصيان وحكمت عليه بالسجن لمدة 5 أشهر فيما يتعلق بكل من التهمتين. وتلاحظ اللجنة أيضاً أنه أدين مرة أخرى في 31 آذار/مارس 2009 بتهمتين تتعلقان بالعصيان وحُكم عليه بالسجن لمدة 18 شهراً. وتحيط اللجنة علماً كذلك بدفع صاحب البلاغ بأنَّ قوانين الدولة الطرف ذات الصلة تسمح بتكرار استدعائه لأداء الخدمة العسكرية، بصرف النظر عن أحكام الإدانة الصادرة في حقه. وتضع اللجنة في اعتبارها حجج الدولة الطرف في هذا الصدد، التي تدَّعي فيها أنَّ صاحب البلاغ لم يُحكَم عليه على ذات الجرم، من حيث إنَّ إدانته الأولى استندت إلى رفضه أداء الخدمة العسكرية الإلزامية، في حين استندت إداناته اللاحقة إلى تخلفه عن أداء الخدمة المدنية البديلة. ومع ذلك، تلاحظ اللجنة أنه يبدو من المعلومات المتاحة في الملف أنَّ إدانات صاحب البلاغ، التي صدرت عقب رفضه أداء الخدمة المدنية، استندت مرة أخرى إلى رفضه التجنيد في صفوف الجيش. وتلاحظ اللجنة أنَّ الدولة الطرف لم تدحض تعليقات صاحب البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف في هذا الصدد.

9-11 وتذكِّر اللجنة بتعليقها العام رقم 32(200 7) الذي ذكرت فيه، في جملة أمور، أنَّ المادة 14( 7) من العهد تنص على أنه لا يجوز تعريض أحد مجدداً للمحاكمة أو للعقاب على جريمة سبق أن أدين بها بحكم نهائي وفقاً للقانون وللإجراءات الجنائية في كل بلد. وعلاوة على ذلك، فإنَّ تكرار معاقبة المستنكفين ضميرياً على عدم استجابتهم لأمر مجدَّد بأداء الخدمة في الجيش قد يعادل المعاقبة على الجريمة نفسها مرتين إذا كان الرفض اللاحق يرتكز إلى استمرار العزم على الامتناع عن أداء الخدمة لأسباب ضميرية ( ) . وفي هذه القضية، تلاحظ اللجنة أنَّ صاحب البلاغ قد حوكم وعوقب أمام المحكمة العسكرية نفسها ثلاث مرات فيما يتعلق بخمس تهم بالعصيان بسبب رفضه أداء الخدمة العسكرية الإلزامية في أوقات مختلفة. وترى اللجنة أنَّ رفض صاحب البلاغ أداء الخدمة كان يستند في كل مناسبة إلى نفس الأسباب الضميرية وأنه أدين على نفس الجريمة التي تنطوي على نفس الفعل الجرمي، بصرف النظر عن كون إداناته تتعلق بارتكاب نفس الجرم في مراحل زمنية مختلفة. وفي ظل ظروف القضية محل النظر وعدم توافر معلومات مخالفة من جانب الدولة الطرف، تخلص اللجنة إلى انتهاك حقوق صاحب البلاغ المكفولة بموجب المادة 14( 7) من العهد.

10- واللجنة، إذ تتصرف بموجب المادة 5( 4) من البروتوكول الاختياري، ترى أنَّ الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاك الدولة الطرف لحقوق صاحب البلاغ التي تكفلها المواد 9( 1) و12( 2) و14( 7) و18( 1) من العهد.

11- والدولة الطرف ملزمة، بمقتضى أحكام المادة 2(3)(أ) من العهد، بتقديم سبيل انتصاف فعال لصاحب البلاغ. وهذا يتطلب منها أن تمنح تعويضاً كاملاً للأفراد الذين انتُهكت حقوقهم التي يكفلها العهد. وبناء على ذلك، فإنَّ الدولة الطرف ملزمة، في جملة أمور، بشطب السجل الجنائي لصاحب البلاغ، وبردِّ جميع المبالغ المدفوعة في إطار الغرامات، وتقديم تعويض مناسب. والدولة الطرف ملزمة أيضاً باتخاذ جميع الخطوات اللازمة لمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل. وتكرِّر اللجنة في هذا الصدد أنَّ على الدولة الطرف، عملاً بالتزامها بموجب المادة 2( 2) من العهد، أن تنقِّح تشريعاتها بحيث تكفل توفير ضمانة فعلية للحق في الاستنكاف الضميري بمقتضى المادة 18( 1) من العهد، مثلاً عن طريق توفير إمكانية أداء خدمة مدنية بديلة ليست ذات طابع عقابي وتمييزي.

12- وإذ تضع اللجنة في اعتبارها أنَّ الدولة الطرف قد اعترفت، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، باختصاص اللجنة في البت في مسألة حدوث انتهاك للعهد من عدمه، وأنها تعهدت، عملاً بالمادة 2 من العهد، بأن تكفل تمتع جميع الأفراد داخل إقليمها والخاضعين لولايتها بالحقوق المعترف بها في العهد وتوفِّر لهم سبيل انتصاف فعالاً وقابلاً للإنفاذ متى ثبت وقوع انتهاك، فإنها تودُّ أن تتلقى من الدولة الطرف في غضون 180 يوماً معلومات عن التدابير المتخذة لإنفاذ آراء اللجنة. وتطلب إلى الدولة الطرف أيضاً أن تنشر هذه الآراء وتوزِّعها على نطاق واسع باللغة الرسمية للدولة الطرف.

المرفق الأول

رأي فردي لعضو اللجنة خوسيه مانويل سانتوس بيس (رأي مخالف)

1- يؤسفني أنه ليس في وسعي أن أؤيِّد قرار اللجنة الذي خلصت فيه إلى حدوث انتهاكات عديدة لحقوق صاحب البلاغ في هذا البلاغ.

2- فالبلاغ يكشف عن إساءة استعمال للحق في تقديم البلاغات نظراً لحدوث تأخر لأكثر من ست سنوات بين تاريخ صدور آخر قرار قضائي (آذار/مارس 200 9) وتاريخ تقديم شكوى صاحب البلاغ (كانون الأول/ديسمبر 201 5). والتفسيرات التي قدَّمها صاحب البلاغ في تبريره للتأخر غير مقنعة تماماً (الفقرة 6- 3). ولذلك كان ينبغي اعتبار البلاغ غير مقبول بموجب المادة 3 من البروتوكول الاختياري.

3- ولم يطعن صاحب البلاغ في قرار محكمة الاستئناف العسكرية في أثينا الصادر في آذار/ مارس 2009 أمام محكمة النقض (الفقرة 2-8 )، ولا يسعنا إلا أن نخمِّن مآل هذا المسعى. وهكذا كان ينبغي اعتبار البلاغ غير مقبول لعدم استنفاد سبل الانتصاف المحلية، عملاً بالمادة 5(2)(ب) من البروتوكول الاختياري. وعلاوة على ذلك، ليس واضحاً ما إذا كانت ادعاءات صاحب البلاغ بموجب المواد 12( 2) و9 و14( 7) و18( 1) و ( 2) من العهد قد أثيرت فعلاً في الإجراءات المحلية (انظر الصياغة الغامضة الواردة في الفقرة 8- 3).

4- فقد تلقَّى صاحب البلاغ عدداً من الاستدعاءات إلى التجنيد (الفقرة 2-1، الحاشية 1). وفيما يتعلق بالاستدعاءين الأولين في عامي 1992 و1993، لم يكن القانون في ذلك الوقت ينص على إمكانية وجود بديل للخدمة العسكرية. بيد أنَّ العهد لم يدخل حيز النفاذ في اليونان إلا في أيار/مايو 1997، ومن ثم كان ينبغي عدم تناول هذه الوقائع من حيث الاختصاص الزمني في هذه الآراء.

5- وبموجب القانون رقم 2510/1997، المعتمد في عام 1998، قدَّم صاحب البلاغ طلباً لأداء خدمة بديلة واعتُرف له بصفة مستنكف ضميرياً في تشرين الثاني/نوفمبر 199 8. غير أنه تخلَّف عن الالتحاق لأداء الخدمة المدنية، ولذلك جُرِّد من صفة مستنكف ضميرياً في شباط/فبراير 199 9. وكانت أحكام الإدانة التي صدرت لاحقاً في حق صاحب البلاغ لعدم أدائه الخدمة العسكرية نتيجةً مباشرة لفقدانه صفة مستنكف ضميرياً (الفقرتان 2-2 و2- 3). ولعدم أدائه كلاًّ من الخدمة العسكرية والخدمة البديلة، فقد صاحب البلاغ صفة الضحية (الفقرة 4- 2).

6- وقد كانت المحاكم المحلية متساهلة للغاية مع صاحب البلاغ بتخفيض عقوبته بالسجن باستمرار في مرحلة الاستئناف (الفقرات 2-6 إلى 2-8 )، أو تعليقها (الفقرة 2-6 )، أو تمكينه من دفع غرامة بدلاً من العقوبة الصادرة في حقه (الفقرتان 2-8 و2- 9). ولذلك احتُجز لمدة 87 يوماً في المجموع، 75 منها تخص حكمي إدانة صدرا في عامي 1992 و1993، قبل دخول العهد حيز النفاذ في اليونان.

7- وفيما يتعلق بانتهاك المادة 9، لم تكن عمليات اعتقال صاحب البلاغ تعسفية بل كانت تُقرَّر دائماً وفقاً لإجراء ينص عليه القانون (الفقرة 5-1 )، وأُبلغ بأسباب توقيفه، وكانت فرصة الطعن في هذه القرارات متاحة له. وهو نفسه يعترف بأنَّ عمليات احتجازه كانت قانونية، واستند بعضها إلى حكم نهائي (الفقرة 7- 5).

8- وفيما يخص انتهاك المادة 12، يجوز، عملاً بالمادة 12( 3) من العهد، أن يقيَّد بصورة مشروعة حق الشخص في مغادرة بلده، لأسباب تتعلق بالأمن القومي والنظام العام (الفقرة 5-2 )، وذلك في الحالات التي يكون فيها الأمر بإلقاء القبض معلَّقاً. وبحسب الدولة الطرف، لم تكن هناك تدابير أخرى أقل تدخلاً، ويعترف صاحب البلاغ نفسه بأنه تجنب مغادرة البلد حتى عام 2015 خوفاً من إلقاء القبض عليه بموجب مذكرات توقيف معلَّقة (الفقرة 6- 5).

9- وفيما يتعلق بانتهاك المادة 14(7 )، لم يُدَنْ صاحب البلاغ على نفس الجريمة، بالنظر إلى أنَّ بعض الإدانات استندت إلى رفضه أداء الخدمة العسكرية الإلزامية (الفقرة 2-4 )، فيما استندت إدانات أخرى إلى عدم أدائه خدمة مدنية بديلة طلبَ الحصول عليها بمحض إرادته (الفقرة 2- 5). ولذلك حوكم بتهمة العصيان في إجراءات مختلفة وأمام محاكم مختلفة، وحُكم عليه في كل مرة بشأن جريمة منفصلة. وكما تلاحظ الدولة الطرف، لو كان صاحب البلاغ قد أدى الخدمة المدنية لألغيت الملاحقات القضائية بتهمة العصيان، ولألغيت الأحكام التي سبق أن صدرت في حقه. واللجنة نفسها تقر بوجود أحكام إدانة منفصلة (الفقرة 9- 4) في إجراءات جنائية مختلفة، ولكنها تخلص إلى أنَّ أحكام الإدانة تتعلق بنفس الجريمة في مراحل زمنية مختلفة (الفقرة 9-1 1). وأنا أميل إلى القول إننا أمام أحكام إدانة عديدة صادرة عن محاكم مختلفة بتهم مختلفة تتعلق بالعصيان، وليس بجريمة واحدة، بل بعدة جرائم من نوع واحد. فقد كان صاحب البلاغ مخالفاً يكرِّر المخالفة، ومن ثم مجرماً معاوداً.

10- وفيما يخص انتهاك المادة 18، لا يمس توفير خدمة مدنية بديلة، في حد ذاته، بحقوق المستنكف (الفقرة 5- 5). وعلاوة على ذلك، وفيما يتعلق بالطابع العقابي المزعوم للخدمة المدنية البديلة بسبب طول مدتها، لا يمكن بالضرورة مقارنة الخدمة العسكرية بالخدمة المدنية البديلة بالنظر إلى اختلاف القيود الخاصة بكلتا الخدمتين (الفقرة 9-5 )، وفضلاً عن ذلك، فإنَّ الفرق في طول مدة الخدمتين ليس مفرطاً. ويعترف صاحب البلاغ نفسه بأنَّ المدة الأولية المتوقعة للخدمة البديلة، وهي 39 شهراً، قد خُفضت بصورة كبيرة في اليونان إلى 28 شهراً في عام 2001 ثم إلى 17 شهراً فقط في عام 200 4.

11- والحجج التي ساقها صاحب البلاغ فيما يتعلق بالجوانب العقابية للخدمة المدنية قائمة في معظمها على التخمين (الفقرة 7-1 )، لأنه لم يؤدِّها قط. وقد خُفضت مدة الخدمة المدنية بصورة كبيرة في الدولة الطرف، كما أنَّ ما يسمى بالممارسات القائمة التي أشار إليها صاحب البلاغ، وهي العمل سبعة أيام في الأسبوع، بما في ذلك عطلات نهاية الأسبوع وأيام العطل، وخارج ساعات العمل المعتادة وبمرتب منخفض، لم تُثبَت قط بالأدلة (الفقرتان 7-1 و7- 2). أما فيما يتعلق بمطالبة صاحب البلاغ بأداء الخدمة بعيداً عن مكان إقامته، فإنَّ هذا الأمر لا يختلف في حد ذاته عما ينطبق على أي موظف عمومي يعيَّن للعمل بعيداً عن مكان إقامته في جميع أنحاء إقليم الدولة الطرف.

وإذ أعترف اعترافاً كاملاً بحقوق المستنكف ضميرياً، فإنني كنت سأخلص تبعاً لما تقدَّم إلى عدم مقبولية هذا البلاغ أو، إذا اعتُبر مقبولاً، إلى أنَّ حقوق صاحب البلاغ لم تُنتهك.

المرفق الثاني

رأي فردي لعضو اللجنة إيلين تيغرودجا (رأي مخالف جزئياً)

1- أتفق تماماً مع الاستنتاج الذي توصلت إليه أغلبية أعضاء اللجنة في الفقرة 10 من هذه الآراء، بيْد أنني لا أتفق مع الرأي الوارد في الفقرة 9-7، التي ذكرت فيها اللجنة أنه ليس من الضروري تقرير ما إذا كان قد حدث انتهاك للمادة 26 من العهد.

2- فهذا الاستنتاج يتعارض مع الاجتهادات السابقة للَّجنة ومع البيانات التي تتضمنها هذه الآراء. فقد ركَّزت اللجنة تحليلها، في حالات مماثلة سُويت في الماضي، على الطابع التمييزي للفرق بين مدة الخدمة المدنية ومدة الخدمة العسكرية. ففي قضية فوان ضد فرنسا شدَّدت على ما يلي: "في هذا السياق، تسلِّم اللجنة بأنَّ القانون والممارسة قد ينشئان اختلافات بين الخدمة العسكرية والخدمة الوطنية البديلة، وهذه الاختلافات قد تسوِّغ، في حالة معيَّنة، فترة خدمة أطول، شريطة أن يستند الفرق بينهما إلى معايير معقولة وموضوعية، مثل طابع الخدمة المحدَّدة المعنية أو الحاجة إلى تدريب خاص لأداء هذه الخدمة. غير أنَّ الأسباب التي ساقتها الدولة الطرف في هذه القضية لا تشير إلى هذه المعايير أو هي تشير إلى معايير بعبارات عامة دون الإشارة تحديداً إلى حالة صاحب البلاغ، بل تستند إلى الحجة القائلة بأنَّ مضاعفة مدة الخدمة هي السبيل الوحيد لاختبار مدى صدق قناعات الشخص" ( ) . وأدينت فرنسا لانتهاكها المادة 2 6.

3- وبالإضافة إلى ذلك، تسلِّط اللجنة، في هذه الآراء، الضوء على الطابع التمييزي للتشريعات اليونانية وتستند أساساً في استنتاجها انتهاكَ المادة 18 إلى هذا العنصر (الفقرتان 9-5 و9-6 من هذه الآراء ).

4- صحيح أنَّ موقف اللجنة من الاستنكاف الضميري قد تغيَّر في الفترة الفاصلة بين قضية فوان ضد فرنسا والوقت الحاضر، وأُدرج هذا الحق ضمن النطاق المادي للمادة 18 من العهد، وهي خطوة هامة وإيجابية. بيد أنه من الصعب أن نفهم الأسباب التي تجعل اللجنة تخلص إلى حدوث انتهاك للحق في حرية الوجدان والدين (المادة 1 8) بسبب "عدم توفير الدولة الطرف خدمة بديلة غير عقابية أو تمييزية له" (الفقرة 9- 6) ثم تؤكِّد في الفقرة اللاحقة أنها "لا ترى ضرورةً للبت فيما إذا كان هذا التدخل يشكِّل تمييزاً، في انتهاك للمادة 26 من العهد". (الفقرة 9- 7).

5- وكما أكَّد الفقهاء عن حق، فإنَّ الاجتهادات السابقة للَّجنة غير متسقة إلى حد ما بشأن بند المساواة ( ) ، من حيث إنَّ هذا البند كان "موضوع العهد الوحيدَ المهيمن في إرثها الهائل الذي يمتد على مدى 50 عاماً" ( ) .

6- واستراتيجية الحكم بأقل من المطلوب، التي تتَّبعها اللجنة، أمر مؤسف، وهي لا تساعد على توضيح التزام الدول فيما يتعلق بالمساواة وعدم التمييز. ولذلك، أرى أنه بدلاً من أن ترى أغلبية الأعضاء أنَّ من غير الضروري البت في مدى انتهاك المادة 26، وهي لبُّ القضية برمَّتها، كان ينبغي لها أن تخلص في نهاية الفقرة 9-6 إلى أنَّ الوقائع تنطوي أيضاً، لأسباب مماثلة، على حدوث انتهاك للمادة 26 من العهد.