الأمم المتحدة

CCPR/C/130/D/2757/2016

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

Distr.: General

9 June 2021

Arabic

Original: English

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

آراء اعتمدتها اللجنة بموجب المادة 5(4) من البروتوكول الاختياري بشأن البلاغ رقم 2757/2016 * ** ***

بلاغ مقدم من: نيكولاي أليكسييف

الشخص المدعى أنه ضحية: صاحب البلاغ

الدولة الطرف: الاتحاد الروسي

تاريخ تقديم البلاغ: 10 شباط/فبراير 2016 (الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية: القرار المتخذ بموجب المادة 92 من النظام الداخلي للجنة، والمحال إلى الدولة الطرف في 15 شباط/فبراير 2016 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء: 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

الموضوع: الحق في التجمع السلمي؛ وعدم التمييز

المسائل الإجرائية : إساءة استعمال الحق في تقديم البلاغات؛ وعدم دعم الادعاءات بالأدلة

المسائل الموضوعية : القيود غير المبررة المفروضة على الحق في التجمع السلمي؛ والتمييز ضد المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية

مواد العهد : 21 و26

مواد البروتوكول الاختياري: 2 و5

1- صاحب البلاغ هو نيكولاي أليكسييف ( ) ، وهو مواطن روسي وُلِد في عام 1977. ويدعي أنه ضحية انتهاك الاتحاد الروسي حقوقه المكفولة بموجب المادتين 21 و26 من العهد. وقد دخل البروتوكول الاختياري حيز النفاذ بالنسبة للدولة الطرف في 1 كانون الثاني/يناير 1992. ولا يمثل أي محام صاحبَ البلاغ.

الوقائع كما عرضها صاحب البلاغ

2-1 يقول صاحب البلاغ إنه ناشط في مجال حقوق المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية، ورئيس المشروع الروسي لحقوق الإنسان للمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية. ومنذ أيار/مايو 2006، حاول مع آخرين تنظيم احتجاجات سلمية (مسيرات اعتزاز المثليين) في موسكو، حظرتها كُلَّها السلطاتُ المحلية.

2-2 وفي 26 أيلول/سبتمبر 2014، قدم صاحب البلاغ مع ناشطين آخرين إخطاراً إلى عمدة موسكو بشأن اعتزامهم تنظيم مسيرة اعتزاز للمثليين دعماً للتسامح وحقوق المثليين وحرياتهم في الاتحاد الروسي بمناسبة اليوم الدولي للخروج إلى العلن. وفي هذا الإخطار، أبلغ صاحب البلاغ السلطات بوقت تنظيم الحدث وتاريخه ومكانه ( ) . وقدم ضمانات بأن يحترم المشاركون النظام العام ويتلزموا بقواعد الآداب العامة. وأبلغ صاحب البلاغ السلطات أيضاً باستعداد المنظمين لتغيير مسار المسيرة المقترح. وفي 1 تشرين الأول/أكتوبر 2014، أبلغت إدارة الأمن الإقليمي ومكافحة الفساد في موسكو المنظمين أنها لن تأذن بتنظيم الحدث لأن أغراضه تخالف التشريعات التي تحظر الترويج، بين القاصرين، للعلاقات الجنسية غير التقليدية، ومن شأنه أن يفسد أخلاق القاصرين الذين قد يشاهدونه، وأن يستفز مشاعر الآخرين الدينية والأخلاقية، ويثير غضب المجتمع. وأشارت الإدارة أيضاً إلى أن الحدث قد يعرقل حركة المرور.

2-3 وبالتالي، ألغى المنظمون المسيرة المقررة. وفي 10 تشرين الأول/أكتوبر 2014، قدموا شكوى إلى محكمة سفيردلوف المحلية في كوستروما، بحجة أن القوانين والأنظمة لا تجيز حظر المسيرات ما دام غرضها وسلوك منظميها يتوافقان مع التشريعات السارية. وبالإضافة إلى ذلك، لم تتخذ السلطات الخطوات اللازمة لكفالة الطابع السلمي لهذا الحدث ولحماية المشاركين فيه. فبإمكانها تغيير مسار المسيرة. وفي اليوم نفسه، رفضت المحكمة الشكوى ورأت أنه لم يقع أي انتهاك للقانون.

2-4 وفي 25 تشرين الأول/أكتوبر 2014، قدم صاحب البلاغ شكوى إلى محكمة كوستروما الإقليمية. وفي 8 كانون الأول/ديسمبر 2014، أيَّدت تلك المحكمة قرار المحكمة الأدنى درجة. كما لم يتكلل بالنجاح طلب النقض الذي قدمه صاحب البلاغ إلى هيئة رئاسة محكمة كوستروما الإقليمية، التي رفضته في 2 شباط/فبراير 2015.

2-5 وقدم صاحب البلاغ كذلك إلى المحكمة العليا للاتحاد الروسي طعناً، رفضته في 17 نيسان/ أبريل 2015.

الشكوى

3-1 يدعي صاحب البلاغ أن الدولة الطرف، بحرمانه وناشطين آخرين من فرصة تنظيم مسيرة، انتهكت حقوقه المكفولة بموجب المادتين 21 و26 من العهد. ويقول أيضاً إنه تعرض للتمييز على أساس ميله الجنسي.

3-2 ويدّعي صاحب البلاغ أن الدولة الطرف انتهكت حقه في التجمع السلمي المكفول بموجب المادة 21 من العهد، لأنها فرضت حظراً مطلقاً على المسيرة التي كان يعتزم تنظيمها. ولم يكن رفض السلطات متوافقاً مع القانون. وعلى وجه الخصوص، لا يحظر القانون الوطني تجمعاً غرضه وشكله قانونيَّان وسِلميَّان. وعلاوةً على ذلك، لم يكن هذا التقييد ضرورياً في مجتمع ديمقراطي، ولم يتوخَّ تحقيق أيٍّ من الغايات المشروعة المذكورة في المادة 21 من العهد. ويدل عدم اقتراح السلطات مكاناً بديلاً لتنظيم الحدث المعني وتأكيدُها أن تنظيم مسيرة من هذا القبيل في مكان عام من شأنه أن يضر بالقاصرين، وأن يسبب سخطاً أخلاقياً ودينياً، على أن هدفها الحقيقي هو منع أفراد جماعة المثليين والمثليات في الاتحاد الروسي من الخروج إلى العلن ولفت انتباه عامة الناس إلى شواغلهم.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية

4 -1 في 16 حزيران/يونيه 2016، قدمت الدولة الطرف ملاحظاتها بشأن مقبولية البلاغ وطلبت إعلان عدم قبوله بموجب المادة 3 من البروتوكول الاختياري، إذ يشكل إساءة استعمال للحق في تقديم البلاغات.

4-2 ووفقاً للدولة الطرف، ينبغي اعتبار تقديم بلاغ باسم ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان ذاتها المشار إليها في بلاغات سابقة إساءة استعمال للحق في تقديم البلاغات. وفي هذا الصدد، تلاحظ الدولة الطرف أن شكويين أخريين قدمهما صاحب البلاغ ضد قرار السلطات عدم السماح بتنظيم مسيرات اعتزاز للمثليين في مدن مختلفة في الاتحاد الروسي خلال الفترة 2009-2015 لا تزالان معروضتيْن على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وبالإضافة إلى ذلك، أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2010، حكماً بشأن ثلاث شكاوى مماثلة قدمها صاحب البلاغ ( ) .

تعليقات صاحب البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية

5-1 في 12 تموز/يوليه 2016، قدم صاحب البلاغ تعليقاته على ملاحظات الدولة الطرف. ويقول إنه لا يجوز اعتبار شكواه غير مقبولة بوصفها إساءة استعمال للحق في تقديم البلاغات، لأنها تتعلق بحالة محددة متمثلة في رفض السلطات السماح بتنظيم مسيرة اعتزاز للمثليين في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2014 في موسكو. وطعن صاحب البلاغ أمام المحاكم المحلية في قرار الرفض الصادر في هذه الحالة بالتحديد. ولم يجر النظر أيضاً في إطار أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية في الطعن الذي قدمه صاحب البلاغ في قرار رفض السماح بتنظيم مسيرة اعتزاز للمثليين في 11 تشرين ال أ ول/أكتوبر 2014.

5-2 ويقول صاحب البلاغ إن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان اتخذت قرارات بشأن عدة شكاوى متماثلة في موضوعها، ولكنها مختلفة في وقائعها وتواريخها.

5-3 ويذكر صاحب البلاغ أن موقف الدولة الطرف يدل على افتراضها أنه لا يحق له، بصفته ناشطاً في مجال حقوق المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية، أن يقدم شكاوى بشأن الانتهاكات السابقة أو المحتملة لحقوقه إن كانت هذه الانتهاكات المزعومة متماثلة في جوهرها.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية والأسس الموضوعية

6-1 في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2016، قدمت الدولة الطرف ملاحظاتها بشأن مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية وطلبت إلى اللجنة إعلان عدم قبوله بموجب المادة 3 من البروتوكول الاختياري.

6-2 وتشير الدولة الطرف إلى أن المحكمة الدستورية للاتحاد الروسي، إذ رفضت النظر في التماس صاحب الشكوى توضيح قرارها السابق رقم 24-P المؤرخ 23 أيلول/سبتمبر 2014، ذكرت أن المادة 6-21(1) من قانون الجرائم الإدارية، المتعلقة بنشر الدعاية بين القاصرين بشأن العلاقات الجنسية غير التقليدية، لا تسمح بتفسير موسع لمفهوم الحظر الذي تنص عليه. وشددت المحكمة أيضاً على أن تقييم مدى امتثال أي حدث مزمع للقانون في كل حالة على حدة يشمل دراسة جميع الظروف وتقييمها.

6-3 وتكرر الدولة الطرف وقائع القضية وتقول إن حكومة موسكو اتخذت قرار رفض الترخيص لمسيرة اعتزاز المثليين استناداً إلى احتمال انتهاك قانون حماية الأطفال من المعلومات الضارة بصحتهم ونمائهم وقانون الضمانات الأساسية لحقوق الطفل، اللذيْن تهدف أحكامهما إلى منع إشاعة معلومات قد تجعل القاصرين، بحكم عدم قدرتهم على تقييمها بشكل نقدي ومستقل، يتصورون خطأً أن علاقات الزواج غير التقليدية تتساوى اجتماعياً مع علاقات الزواج التقليدية. وأشارت حكومة موسكو في قرارها إلى أنه كان من المقرر تنظيم هذا الحدث في أماكن تتردد عليها أسر لديها أطفال ومجموعات سياحية تضم أطفالاً. وبالتالي، فقد يشاهد الأطفال عن غير قصد مسيرة اعتزاز المثليين، وهو ما قد يُفسد أخلاقهم. وقد درست هذا الموقفَ وقيمته المحاكم المحلية المختصة، وخلصت إلى أنه مبرَّر تماماً.

6-4 وتكرر الدولة الطرف كذلك موقفها بشأن عدم مقبولية البلاغ، لأن أهداف مسيرة اعتزاز المثليين التي كان من المزمع تنظيمها هي نفسها التي ذكرها صاحب البلاغ في الشكاوى التي قدمها إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وقدَّم تلك الشكاوى أيضاً لأسباب مماثلة: حظر تنظيم حدث جماهيري دعماً لحقوق الأقليات الجنسية وحرياتها. وتشكل شكوى صاحب البلاغ بالتالي إساءة استعمال للحق في تقديم البلاغات.

تعليقات صاحب البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية والأسس الموضوعية

7 -1 في 21 كانون الأول/ديسمبر 2016، قدم صاحب البلاغ تعليقاته على ملاحظات الدولة الطرف . ويقول إن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان خلصت، في الحكم الذي أصدرته في 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2010، في قضية ألكسييف ضد روسيا ، إلى أن رفض السماح بتنظيم مسيرات اعتزاز المثليين التي كانت مقررة في أعوام 2006 و2007 و2008 بمثابة انتهاك المادتين 11 و14 من اتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية (الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان). ويرى صاحب البلاغ أن حقوق الأقليات الجنسية تُنتهك بشكل منهجي في الاتحاد الروسي.

7-2 ويقول صاحب البلاغ إن هذه الشكوى لا تشكل إساءة استعمال للحق في تقديم البلاغات، إذ لم يعرض على اللجنة سوى الوقائع المتعلقة بالمسيرة التي كان من المقرر تنظيمها في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2014.

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

8-1 قبل النظر في أي ادعاء يرد في بلاغ ما، يجب على اللجنة أن تقرر، وفقاً للمادة 97 من نظامها الداخلي، ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب البروتوكول الاختياري.

8-2 وقد تأكدت اللجنة، وفقما تقتضيه المادة 5(2)(أ) من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة ذاتها ليست قيد النظر في إطار إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية. وفي هذا الصدد، تحيط اللجنة علماً بحجة الدولة الطرف أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان نظرت في ثلاث دعاوى قدمها إليها صاحب البلاغ، وأصدرت حكمها في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2010. وتعلقت تلك الدعاوى برفض الدولة الطرف السماح لصاحب البلاغ بتنظيم مسيرة لدعم حقوق الأقليات الجنسية. ولا تزال دعويان أخريان قدمهما صاحب البلاغ معروضتين على المحكمة. وتقول الدولة الطرف إن طابع الشكاوى المقدمة إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وهذا البلاغ متماثل، حيث قدمها الشخص نفسه بشأن حقوق الجماعة نفسها (منتمون إلى أقليات جنسية)، وبشأن إجراءات اتخذتها السلطات نفسها. وتحيط اللجنة علماً كذلك بتوضيح صاحب البلاغ أن الدعاوى المقدمة إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تتعلق بوقائع وملابسات مختلفة، هي رفض السماح بتنظيم مسيرات اعتزاز أو اعتصامات خلال الفترة 2006-2015، في حين يتعلق هذا البلاغ برفض السماح بتنظيم مسيرة اعتزاز للمثليين في موسكو، في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2014، دعماً لحقوق الأقليات الجنسية.

8-3 وتُذكّر اللجنة بأن مفهوم "المسألة ذاتها"، بمعناه المقصود في المادة 5(2)(أ) من البروتوكول الاختياري، يشمل نفس أصحاب البلاغات ونفس الوقائع ونفس الحقوق الموضوعية ( ) . وتلاحظ اللجنة أنه يتبين من المعلومات الواردة في ملف القضية أن الدعاوى التي قدمها صاحب البلاغ إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تتعلق بنفس الشخص وبنفس الحقوق الموضوعية التي يحتج بها في هذا البلاغ. ولكن اللجنة تلاحظ أن الدعاوى المعروضة على تلك المحكمة لا تتعلق بالوقائع نفسها، أي الحدث والوقت المحدديْن المشار إليهما في هذا البلاغ. وعليه، ترى اللجنة أن أحكام المادة 5(2)( أ ) من البروتوكول الاختياري لا تمنعها من النظر في هذا البلاغ ( ) .

8-4 وتحيط اللجنة علماً بادعاء صاحب البلاغ أنه استنفد جميع سبل الانتصاف المحلية المتاحة. وتلاحظ أيضاً أن الدولة الطرف لم تطعن في البلاغ على هذا الأساس. وعليه، ترى اللجنة أن أحكام المادة 5(2)(ب) من البروتوكول الاختياري لا تمنعها من النظر في هذا البلاغ.

8-5 وتحيط اللجنة علماً بادعاء صاحب البلاغ أن حقوقه المكفولة بموجب المادتين 21 و26 من العهد قد انتُهكت، إذ حُرم من فرصة تنظيم مسيرة اعتزاز للمثليين وتعرض للتمييز على أساس ميله الجنسي. وترى اللجنة أن صاحب البلاغ دعم هذين الادعاءيْن بما يكفي من الأدلة لأغراض المقبولية. وتعلن بالتالي قبولهما وتنتقل إلى النظر في أسسهما الموضوعية.

النظر في الأسس الموضوعية

9-1 نظرت اللجنة في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي قدمها إليها الطرفان، وفقاً للمادة 5(1) من البروتوكول الاختياري.

9-2 وأحاطت اللجنة علماً بادعاء صاحب البلاغ وقوع انتهاك لحقوقه المكفولة بموجب المادتين 21 و26 من العهد. وتُذكر اللجنة بأن الحق في التجمع السلمي يحمي قدرة الأشخاص على ممارسة استقلالهم الذاتي في تضامنٍ مع غيرهم. ويشكل أيضاً، إلى جانب حقوق أخرى ذات صلة، أساس نظام حكم تشاركي قائم على الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون والتعددية ( ) . وعلاوةً على ذلك، يجب على الدول أن تكفل ألا تؤدي القوانين وإجراءات تفسيرها وتطبيقها إلى التمييز في التمتع بالحق في التجمع السلمي، وذلك مثلاً، على أساس الميل الجنسي أو الهوية الجنسانية ( ) .

9-3 وتذكر اللجنة بأن المادة 21 من العهد تحمي التجمعات السلمية أينما نُظمت، سواء في الهواء الطلق أو في أماكن مغلقة أو عبر الإنترنت، أو في أماكن عامة أو خاصة ( ) . ولا يجوز فرض أي قيود على الحق في التجمع السلمي بأي شكل، ما لم يكن ذلك: (أ) وفقاً للقانون؛ و(ب) ضرورياً في مجتمع ديمقراطي لصون الأمن الوطني أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم. ويقع على الدول الأطراف عبء تبرير تقييد هذا الحق الذي تحميه المادة 21 من العهد وإثبات أن ذلك لا يعوق على نحو غير متناسب ممارسة هذا الحق ( ) . ويجب على السلطات أن تثبت أن أي قيود تفرضها تستوفي شرط الشرعية، وكذلك معياريْ الضرورة والتناسب على الأقل في ضوء أحد أسباب تقييد هذا الحق الجائزة المذكورة في المادة 21. ويجب ألا تتسم هذه القيود بالتمييز، وألا تخل بجوهر هذا الحق، وألا تهدف إلى ردع المشاركة في التجمعات، أو تؤدي إلى ثني الناس عن ذلك ( ) . ويشكل عدم استيفاء هذا الشرط انتهاكاً للمادة 21 من العهد ( ) .

9-4 وتشير اللجنة إلى أنه تقع على الدول الأطراف أيضاً واجبات فعلية معينة بأن تُيسر تنظيم التجمعات السلمية وتُمكِّن المشاركين فيها من تحقيق الأغراض المتوخاة منها ( ) . ويجب على الدول أن تعزز بيئة تمكينية لممارسة الحق في التجمع السلمي من دون تمييز، وأن تضع إطاراً قانونياً ومؤسسياً لممارسة هذا الحق فعلياً. وقد يستلزم الأمر من السلطات اتخاذ تدابير محددة في بعض الأحيان. وعلى سبيل المثال، فقد تحتاج السلطات إلى إغلاق الشوارع أو إعادة توجيه حركة المرور أو توفير الأمن. وعند الاقتضاء، يجب على الدول أيضاً حماية المشاركين من أي اعتداء محتمل من جانب جهات فاعلة غير تابعة للدولة، مثل ما قد يمارسه أفراد آخرون من عامة الناس ( ) ومناوئون ومقدمو خدمات الأمن الخاص من تدخل أو عنف ( ) .

9-5 وفي هذه القضية، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف وصاحب البلاغ يتفقان في أن عدم السماح بتنظيم مسيرة اعتزاز للمثليين في موسكو في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2014 شكَّل مساساً بحق صاحب البلاغ في التجمع السلمي، ولكن الطرفين يختلفان بخصوص ما إذا كان التقييد المعني جائزاً أم لا.

9-6 وتحيط اللجنة علماً بتأكيد الدولة الطرف أن قرارها القاضي بعدم السماح بتنظيم هذه المسيرة، التي يتمثل غرضها المعلن في الترويج لحقوق أفراد الأقليات الجنسية وحرياتهم، كان ضرورياً ومتناسباً وأنه كان التدبير الوحيد الممكن في مجتمع ديمقراطي لتحقيق الغاية الاجتماعية المذكورة أعلاه، وهي حماية القاصرين من معلومات قد تُلحق الضرر بنشأتهم وسلامتهم من الناحية الأخلاقية والروحية. وتحيط اللجنة علماً أيضاً بادعاء الدولة الطرف أن من شأن المسيرة أن تستفز مشاعر الآخرين الدينية والأخلاقية، وأن تثير غضب المجتمع، وأن تدفع من لا يتفقون مع موقف صاحب البلاغ إلى ارتكاب أفعال غير قانونية، وأن تعطل حركة المرور. وتحيط اللجنة علماً أيضاً بالمعلومات التي قدمها صاحب البلاغ والتي مفادها أنه أبدى استعداده لكفالة احترام النظام العام وقواعد الآداب العامة خلال ممارسة حقه في التجمع السلمي من أجل تحقيق الهدف المعلن، وأنه أبلغ السلطات باستعداده لتغيير مسار المسيرة.

9-7 وتلاحظ اللجنة أنه لا ينبغي فرض القيود على التجمعات السلمية إلا في حالات استثنائية لحماية "الآداب". ويجب ألا يهدف هذا الأساس، إن استُند إليه، إلى حماية مفاهيم أخلاقية مستمدة حصراً من تقليد اجتماعي أو فلسفي أو ديني واحد، وينبغي فهم أي قيود من هذا القبيل في ضوء الطابع العالمي لحقوق الإنسان والتعددية ومبدأ عدم التمييز. وتُذكر اللجنة بأنه لا يجوز، على سبيل المثال، فرض قيود بناءً على هذا الأساس بسبب معارضة التعبير عن الميل الجنسي أو الهوية الجنسانية ( ) .

9-8 وقد تتعلق القيود المفروضة على تجمع ما بدعوى حماية حقوق الآخرين وحرياتهم بحماية الحقوق المنصوص عليها في العهد أو حقوق الإنسان الأخرى المكفولة للأشخاص غير المشاركين في التجمع. وفي هذه الحالة، تشترك اللجنة في نهجها مع المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وترى أنه لا يوجد أي أساس لافتراض أن "مجرد ذِكر المثلية الجنسية" ( ) ، أو الإفصاح علناً عن حالة المثلية الجنسية، أو الدعوة إلى احترام حقوق المثليين قد يخلف أثراً سلبياً على حقوق القاصرين وحرياتهم.

9-9 وتُذكر اللجنة أيضاً بأنه يجوز للمشاركين في تجمع سلمي أن يقرروا الغرض منه بحرية، وأن يُبرزوا أفكاراً وأهدافاً طموحة في الميدان العام، ويحددوا مستوى ما تحظى به من دعم أو معارضة. ومن الشروط الأساسية لإعمال الحق في التجمع السلمي أن تكون أي قيود تُفرَض عليه، مبدئياً، محايدة من حيث المحتوى ( ) ، وألا تكون لها بالتالي أي صلة برسالة التجمع. ويتعارض اعتماد نهج مخالف مع غرض التجمعات السلمية ذاته باعتبارها أداة للمشاركة السياسية والاجتماعية ( ) . وعليه، ترى اللجنة، في هذه القضية، أن القيود التي فرضتها الدولة الطرف على حق صاحب البلاغ في التجمع لها صلة مباشرة بهدف التجمع وموضوعه، أي تأكيد المثلية الجنسية وحقوق المثليين.

9-10 وتلاحظ اللجنة أيضاً أن الدولة الطرف تبرر رفض السماح بتنظيم المسيرة المعنية بضرورة كفالة السلامة العامة. وتشير اللجنة إلى أن ضمان حرية التجمع يشمل حماية المظاهرات التي تروج لأفكار قد يعتبرها آخرون مزعجة أو مسيئة، وأنه يجب على الدول الأطراف، في حالات من هذا القبيل، أن تحمي المشاركين في المظاهرات في إطار ممارسة حقوقهم مما قد يتعرضون له من عنف من جانب أشخاص آخرين، بما في ذلك الاعتداءات التمييزية. وتشير أيضاً إلى أن الاحتمال العام وغير المحدد بأن تجري مظاهرة مضادة عنيفة أو مجرد احتمال أن تكون السلطات غير قادرة على منع عنف من هذا القبيل أو تحييده لا يكفي لحظر التظاهر ( ) .

9-11 وتشير اللجنة أيضاً إلى أن مجرد احتمال حدوث بعض الاضطرابات في حركة المرور لا يشكل في حد ذاته أساساً لحظر التجمع، لا سيما وأن المنظمين أبدوا استعدادهم لتغيير مكان المظاهرة ( ) .

9-12 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي معلومات بشأن هذه القضية تدعم ادعاءها أن صدور "رد فعل سلبي" عن أفراد من عامة الناس إزاء مسيرة اعتزاز المثليين التي اقترح صاحب البلاغ تنظيمها قد يشكل تهديداً خطيراً لسلامة المنظمين وأن الشرطة قد لا تكون قادرة على احتواء هذا التهديد. ففي حالات من هذا القبيل، يتمثل واجب الدولة الطرف في تيسير ممارسة صاحب البلاغ حقوقَه المكفولة بموجب العهد وليس في المساهمة في قمع تلك الحقوق. وعليه، تخلص اللجنة إلى أن الدولة الطرف لم تثبت أن تقييد حقوق صاحب البلاغ ضروري في مجتمع ديمقراطي من أجل حماية السلامة العامة، وإلى أنها انتهكت بالتالي أحكام المادة 21 من العهد ( ) .

9-13 وتحيط اللجنة علماً كذلك بادعاء صاحب البلاغ أن السلطات، بحظرها المسيرة، مارست التمييز ضده على أساس ميله الجنسي، وفي ذلك انتهاك للمادة 26 من العهد. وتحيط اللجنة علماً أيضاً بادعاء الدولة الطرف أن سبب رفضها السماح بتنظيم المسيرة لا يكمن بتاتاً في التعصب إزاء الأشخاص ذوي الميول الجنسية غير التقليدية بل أمْلته حصراً ضرورة حماية حقوق القاصرين.

9-14 وتُذكر اللجنة بإشارتها، في الفقرة 1 من تعليقها العام رقم 18(1989)، إلى أن المادة 26 من العهد تكفل لجميع الأشخاص الحق في المساواة أمام القانون والمساواة في التمتع بحماية القانون، وتحظر قانوناً أيَّ تمييز، وتضمن لجميع الأشخاص الحماية المتساوية والفعالة من التمييز على أي أساس، مثل العرق أو اللون أو نوع الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي أو الأصل القومي أو الوضع الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر. وإذ تشير اللجنة إلى آرائها السابقة ( ) ، فهي تذكر بأن حظر التمييز بموجب المادة 26 يشمل أيضاً التمييز على أساس الميل الجنسي والهوية الجنسانية ( ) .

9-15 وترى اللجنة أن السلطات عارضت موضوع المسيرة المتعلق بالمثلية الجنسية، ومارست تمييزاً واضحاً على أساس الميل الجنسي والهوية الجنسانية، وهو ما شكل تفريقاً على أسس محظورة بموجب المادة 26 من العهد.

9-16 وتُذكر اللجنة أيضاً بآرائها التي خلصت فيها إلى عدم اعتبار كل تفريق قائم على الأسس المشار إليها في المادة 26 من العهد تمييزاً، ما دام يقوم على معايير معقولة وموضوعية ( ) ويتوخى تحقيق هدف مشروع بموجب العهد ( ) . وإذ تعترف اللجنة بدور سلطات الدولة الطرف في حماية القاصرين، فهي تلاحظ أن الدولة الطرف لم تُثبت أن تقييد الحق في تنظيم هذا التجمع السلمي استند إلى معايير معقولة وموضوعية. وعلاوةً على ذلك، لم تقدم الدولة الطرف أي دليل على وجود عوامل قد تبرر هذا التقييد.

9-17 وفي ظل هذه الملابسات، كان من واجب الدولة الطرف حماية صاحب البلاغ خلال ممارسة حقوقه المكفولة بموجب العهد وليس المساهمة في قمع تلك الحقوق ( ) . وتشير اللجنة كذلك إلى أنها خلصت في السابق إلى أن قوانين الدولة الطرف التي تحظر الترويج بين القاصرين للعلاقات الجنسية غير التقليدية تفاقِم الأفكار النمطية السلبية تجاه المثليين بسبب ميلهم الجنسي وهويتهم الجنسانية وتشكل تقييداً غير متناسب لحقوقهم المكفولة بموجب العهد، ودعت إلى إلغاء هذه القوانين ( ) . وعليه، ترى اللجنة أن الدولة الطرف لم تثبت أن تقييد حق صاحب البلاغ في التجمع السلمي استند إلى معايير معقولة وموضوعية، وتوخى تحقيق هدف مشروع بموجب العهد. وبالتالي، فقد شكَّل حظر مسيرة اعتزاز المثليين انتهاكاً لحقوق صاحب البلاغ المكفولة بموجب المادة 26 من العهد.

10- وإذ تتصرف اللجنة وفقاً للمادة 5(4) من البروتوكول الاختياري، فهي ترى أن الوقائع المعروضة عليها تبين انتهاك الدولة الطرف حقوقَ صاحب البلاغ المكفولة بموجب المادتين 21 و26 من العهد.

11- ووفقاً للمادة 2(3)(أ) من العهد، يقع على الدولة الطرف التزام بإتاحة سبيل انتصاف فعال لصاحب البلاغ. ويقتضي منها ذلك إتاحة سبل الجبر الكامل لمن انتُهِكت حقوقهم المكفولة بموجب العهد، بما في ذلك منحهم تعويضاً مناسباً. ومن واجب الدولة الطرف أيضاً اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لمنع وقوع انتهاكات مماثلة في المستقبل. وفي هذا الصدد، تؤكد اللجنة من جديد أنه ينبغي للدولة الطرف، عملاً بالتزاماتها بموجب المادة 2(2) من العهد، أن تعيد النظر في تشريعاتها بغرض ضمان التمتع الكامل بالحقوق المكفولة بموجب المادتين 21 و26 من العهد، بما في ذلك الحق في تنظيم التجمعات السلمية.

12- وإذ تضع اللجنة في اعتبارها أن الدولة الطرف قد اعترفت، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، باختصاص اللجنة في تحديد ما إذا كان قد وقع انتهاك لأحكام العهد أم لا، وأنها تعهدت، عملاً بالمادة 2 منه، بأن تكفل تمتع جميع الأفراد الموجودين في إقليمها والخاضعين لولايتها بالحقوق المعترف بها في العهد وبأن توفر لهم سبل انتصاف فعالة متى ثبت انتهاك حقوقهم، فهي تودّ أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون 180 يوماً، معلومات عن التدابير المتخذة لتنفيذ هذه الآراء. وتطلب اللجنة إلى الدولة الطرف أيضاً أن تنشر هذه الآراء وتعممها على نطاق واسع بلغتها الرسمية.

المرفق

رأي مشترك لعضوي اللجنة فاسيلكا سانسين ويوفال شاني (رأي مخالِف)

1- إننا، إذ نتفق تقريباً مع جميع آراء غالبية أعضاء اللجنة بشأن المقبولية والأسس الموضوعية، نختلف مع نهج اللجنة فيما يتعلق بمسألة إساءة استعمال الحق في تقديم البلاغات، ونعارض بالتالي قرار اللجنة بشأن المقبولية.

2- إن المادة 3 من البروتوكول الاختياري تُلزم اللجنة بعدم قبول البلاغات التي ترى أنها تشكل إساءة استعمال للحق في تقديم البلاغات. ورغم أن اللجنة طبقت في معظم الحالات هذا المفهوم حتى الآن فيما يتعلق بالتأخر غير المبرر في تقديم البلاغات ( ) ، فإن نص البروتوكول الاختياري يجيز للجنة النظر في أشكال أخرى من إساءة استعمال الحق في تقديم البلاغات، بما في ذلك ممارسة هذا الحق بطريقة تعوق بشكل غير مشروع أو غير مبرر قدرة الدول الأطراف على ممارسة حقوقها المكفولة بموجب البروتوكول الاختياري ((.

3- وفي هذه القضية، اعترضت الدولة الطرف على مقبولية البلاغ بدعوى أن مجموعة من القضايا المتعلقة بحالات مماثلة من رفض السماح بتنظيم مسيرات اعتزاز المثليين في مدن مختلفة في الاتحاد الروسي، قدمها صاحب البلاغ خلال الفترة 2009-2015، وهي فترة تتقاطع مع التواريخ ذات الصلة بهذا البلاغ، توجد بالفعل قيد النظر أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وتؤكد الدولة الطرف أن صاحب البلاغ يدعي في هذه القضايا وقوع الانتهاكات ذاتها، وأن هذا البلاغ يشكل بالتالي إساءة استعمال للحق في تقديم البلاغات. ولم ينف صاحب البلاغ أنه قدَّم شكاوى مماثلة إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ولكنه ادعى أن القضية المعروضة على اللجنة مختلفة، إذ تتعلق بطلب تنظيم مسيرة في موسكو في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2014 – وهي مسألة محددة لم يُثِرها في الشكاوى التي قدمها سابقاً إلى المحكمة الأوروبية.

4- وفي الفقرة 8-3 من هذه الآراء، لاحظ معظم أعضاء اللجنة ما يلي:

يتبين من المعلومات الواردة في ملف القضية أن الدعاوى التي قدمها صاحب البلاغ إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تتعلق بنفس الشخص وبنفس الحقوق الموضوعية التي يحتج بها في هذا البلاغ. ولكن اللجنة تلاحظ أن الدعاوى المعروضة على تلك المحكمة لا تتعلق بالوقائع نفسها، أي الحدث والوقت المحدديْن المشار إليهما في هذا البلاغ.

5- ونتفق مع معظم أعضاء اللجنة في أن الشروط المنصوص عليها في المادة 5(2)(أ) من البروتوكول الاختياري لم تُستوف بالمعنى الدقيق في هذه القضية، لأن البلاغ يتعلق بأحداث وقعت في تواريخ مختلفة عن التواريخ الواردة في القضايا الموازية المعروضة على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان . غير أن البلاغ يثير على ما يبدو، من حيث الجوهر، القضية نفسها المتعلقة بوقائع متطابقة تقريباً، وبمسائل قانونية متطابقة تخُص نفس الأطراف. ورغم أنه لا يمكن من حيث المبدأ استبعاد أن ملابسات رفض طلب تنظيم مسيرة اعتزاز للمثليين في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2014 كانت لها سمات فريدة ربما ميَّزتها من الناحية القانونية عن القضايا الأخرى المعروضة على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فإن صاحب البلاغ لم يشر إلى أي من هذه السمات، بل اكتفى بالإشارة في ردوده على اعتراض الدولة الطرف إلى "الحالة الخاصة" لرفض تنظيم المسيرة في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2014.

6- ومن الناحية العملية، أدى اختيار صاحب البلاغ عرض المسألة نفسها بشكل متزامن على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان واللجنة إلى حالة قانونية تتعارض مع موضوع المادة 5(2)(أ) وهدفها، أي عدم جواز عرض الشكوى نفسها المتعلقة بحقوق الإنسان على أكثر من آلية دولية لمعالجة الشكاوى. فلهذه الازدواجية في التقاضي آثار سلبية على نظام الحماية الدولية لحقوق الإنسان، لأنها قد تؤدي إلى قرارات غير متسقة وإلى إهدار الموارد القضائية أو شبه القضائية الدولية الشحيحة في معالجة المسألة نفسها المتعلقة بحقوق الإنسان. وعلاوة على ذلك، فإن الازدواجية في التقاضي تقوض فعلياً مصلحة الدول الأطراف في البروتوكول الاختياري المحمية قانوناً في التقليل إلى أدنى حد من احتمال إقحامها في إجراءات متعددة في هيئات مختلفة بشأن المسألة نفسها.

7- ولم يقدم صاحب البلاغ تفسيراً ذا مغزى لقراره، الذي يبدو اختياراً استراتيجياً، مباشرة إجراءات متوازية بتقديم بلاغ إلى اللجنة يثير فيه بالأساس المسألة نفسها الواردة في شكاواه المعروضة على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وعوض ذلك، تعمد صاحب البلاغ، على ما يبدو، مباشرة دعاوى متعددة بشأن مسائل وقائعية وقانونية متماثلة من حيث الجوهر، وأعاق بالتالي، من دون سبب أو مبرر وجيه، تمتع الدولة الطرف بالحق في عدم إجبارها على معالجة دعاوى متزامنة بشأن المسألة نفسها أمام هيئات دولية متعددة. ونرى أن هذا السلوك من جانب صاحب البلاغ يشكل إساءة استعمال للحق في تقديم البلاغات، وهو ما كان ينبغي أن يجعل بلاغه غير مقبول بموجب المادة 3 من البروتوكول الاختياري.