CRC/C/GC/8

18 August 2006

ARABIC

Original: ENGLISH

لجنة حقوق الطفل

الدورة الثانية والأربعون

جنيف، 15 أيار/مايو - 2 حزيران/ يونيه 2006

التعليق العام رقم 8(2006)

حق الطفل في الحماية من العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة (المادة 19، والفقرة 2 من المادة 28، والمادة 37، في جملة مواد أخرى)

المحتويات

الصفحة

أولاً - الأهداف 3

ثانياً - معلومات أساسية 3

ثالثاً - التعاريف 5

رابعاً - معايير حقوق الإنسان والعقوبة البدنية التي تُمارَس ضد الأطفال 6

خامساً - التدابير والآليات اللازمة للقضاء على العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة 10

1- التدابير التشريعية 10

2- تنفيذ حظر العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة 12

3- التدابير التثقيفية والتدابير الأخرى 13

4- الرصد والتقييم 15

سادساً - شروط تقديم التقارير بموجب الاتفاقية 16

أولاً - الأهداف

1- قررت لجنة حقوق الطفل، عقب يومي مناقشتها العامة بشأن العنف ضد الأطفال، المعقودين في عامي 2000 و2001، إصدار سلسلة من التعليقات العامة المتعلقة بالقضاء على العنف ضد الأطفال، يمثل هذا التعليق العام أولها. وتهدف اللجنة إلى توجيه الدول الأطراف في فهم أحكام الاتفاقية المتعلقة بحماية الأطفال من جميع أشكال العنف. ويركز هذا التعليق العام على العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة، التي تحظى في الوقت الراهن بقبول واسع النطاق، وعلى أشكال العنف التي تمارَس ضد الأطفال.

2- وتعترف اتفاقية حقوق الطفل وغيرها من الصكوك الدولية لحقوق الإنسان بحق الطفل في احترام كرامته الإنسانية وسلامته الجسدية وفي الحماية المتساوية أمام القانون. وتصدر اللجنة هذا التعليق العام لإبراز التزام الدول الأطراف بالإسراع بحظر جميع أشكال العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة التي تستهدف الأطفال والقضاء عليها، وبيان التدابير التشريعية وغيرها من التدابير التوعوية والتثقيفية التي يجب على الدول اتخاذها.

3- ومعالجة ما تحظى به العقوبة البدنية التي تُمارَسُ ضد الأطفال من قبول أو تسامح واسعي النطاق، والقضاء على هذا الشكل من العقوبة داخل الأسرة وفي المدارس والأماكن الأخرى، لا يمثلان التزاماً على عاتق الدول الأطراف بموجب الاتفاقية فحسب، بل يشكلان أيضاً استراتيجية رئيسية للحد من جميع أشكال العنف في المجتمعات ومكافحتها.

ثانياً - معلومات أساسية

4- أولت اللجنة، منذ دوراتها الأولى، اهتماماً خاصاً لتأكيد حق الأطفال في الحماية من جميع أشكال العنف. وقد لاحظت، لدى نظرها في التقارير المقدمة من الدول الأطراف، وفي الفترة الأخيرة في سياق دراسة الأمين العام للأمم المتحدة المتعلقة بالعنف ضد الأطفال، بقلق بالغ ما تحظى به العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة التي تستهدف الأطفال من شرعية واسعة النطاق وقبول مستمر في صفوف المجتمع ( ) . ومنذ عام 1993 لاحظت اللجنة في تقرير دورتها الرابعة أنها "تدرك ما تتسم به مسألة العقوبة البدنية من أهمية في تحسين نظام تعزيز حقوق الطفل وحمايتها، وتقرر مواصلة الاهتمام بهذه المسألة لدى نظرها في التقارير المقدمة من الدول الأطراف" ( ) .

5- وقد أوصت اللجنة، منذ بدأت النظر في التقارير المقدمة من الدول الأطراف، أكثر من 130 دولة في شتى القارات بحظر جميع أشكال العقوبة البدنية داخل الأسرة وفي الأماكن الأخرى ( ) . ومما يشجع اللجنة أن عدداً متزايداً من الدول الأطراف بصدد اتخاذ التدابير التشريعية وغيرها من التدابير الملائمة لتأكيد حق الأطفال في احترام كرامتهم الإنسانية وسلامتهم الجسدية وفي الحماية المتساوية أمام القانون. وتفهم اللجنة أن ما يزيد على 100 دولة قامت، بحلول عام 2006، بحظر العقوبة البدنية في مدارسها وفي إطار نظمها الجنائية الخاصة بالأطفال. وقد استكمل عدد متزايد من الدول ما اتخذه من إجراءات لحظر العقوبة البدنية في البيت وداخل الأسرة وفي جميع مؤسسات الرعاية البديلة ( ) .

6- وفي أيلول/سبتمبر 2000، عقدت اللجنة اليوم الأول من يومي المناقشة العامة بشأن العنف ضد الأطفال. وركزت على "عنف الدولة ضد الأطفال " واعتمدت بعد ذلك توصيات تفصيلية، بما فيها توصيات تتعلق بحظر جميع أشكال العقوبة البدنية وبدء حملات إعلامية "لتوعية الجمهور وتحسيسه بخطورة انتهاكات حقوق الإنسان في هذا المجال وما يترتب عليها من أثر ضار على الأطفال ، وللتصدي لمسألة القبول الثقافي للعنف ضد الأطفال بالتشجيع، بدلاً من ذلك، على ` عدم التسامح مطلقاً ` إزاء العنف" ( ) .

7- وفي نيسان/أبريل 2001، اعتمدت اللجنة تعليقها العام الأول بشأن "أهداف التعليم" وأكدت من جديد أن العقوبة البدنية لا تتوافق مع أحكام الاتفاقية: "... لا يجرَد الأطفال من حقوقهم الإنسانية بمجرد عبورهم أبوابَ المدارس. وبناء عليه، يجب مثلاً أن يوفَّر التعليم بطريقة تحترم الكرامة المتأصلة في الطفل وتمكنه من التعبير عن آرائه بحرية وفقاً لأحكام الفقرة 1 من المادة 12، ومن المشاركة في الحياة المدرسية. كما يجب أن يقدَّم التعليم بطريقة لا تحيد عن حدود الانضباط المنصوص عليها في الفقرة 2 من المادة 28 وتشجع عدم اللجوء إلى العنف في المدرسة. وقد أوضحت اللجنة مراراً في ملاحظاتها الختامية أن استخدام العقوبة البدنية لا يحترم الكرامة المتأصلة في الطفل ولا الحدود الدقيقة للانضباط في المدرسة ..." ( ) .

8- وفي التوصيات المعتمدة في أعقاب اليوم الثاني للمناقشة العامة بشأن "العنف ضد الأطفال داخل الأسرة وفي المدارس"، المعقود في أيلول/سبتمبر 2001، طلبت اللجنة إلى الدول "أن تقوم، على سبيل السرعة، بسن أو إلغاء ما يلزم من تشريعاتها بغية حظر جميع أشكال العنف، مهما كانت خفيفة، داخل الأسرة وفي المدارس، بما فيها العنف الذي يستخدم كشكل من أشكال التأديب، على النحو الذي تقتضيه أحكام الاتفاقية ..." ( ) .

9- ومن النتائج الأخرى التي تمخض عنها يوما المناقشة العامة اللذان عقدتهما اللجنة في عامي 2000 و2001، توصية قدمتها اللجنة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن تطلب إلى الأمين العام إجراء دراسة دولية متعمقة بشأن العنف ضد الأطفال . وقد مضت الجمعية العامة قدماً في ذلك الاتجاه في عام 2001 ( ) . وقد أبرزت الدراسة التي أجرتها الأمم المتحدة في الفترة بين 2003 و2006 الحاجة إلى حظر العنف المباح حالياً ضد الأطفال بشتى أشكاله، كما أبرزت ما يساور الأطفال أنفسهم من قلق عميق إزاء الانتشار الواسع في كافة أنحاء العالم تقريباً للعقوبة البدنية داخل الأسرة، واستمرار شرعية هذه الظاهرة لدى العديد من الدول سواء في المدارس أو غيرها من المؤسسات وفي النظم الجنائية الخاصة بالأطفال الجانحين.

ثالثاً - التعاريف

10- "الطفل"، حسب التعريف الوارد في الاتفاقية، هو "كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه" ( ) .

11- والعقوبة "البدنية" أو "الجسدية"، حسب تعريف اللجنة، هي أي عقوبة تستخدم فيها القوة الجسدية ويكون الغرض منها إلحاق درجة معينة من الألم أو الأذى، مهما قلت شدتهما. ويشمل معظم أشكال هذه العقوبة ضرب الأطفال ("الصفع" أو "اللطم" أو "الضرب على الردفين") باليد أو باستخدام أداة - سوط أو عصا أو حزام أو حذاء أو ملعقة خشبية وما إلى ذلك. ويمكن أن يشمل هذا النوع من العقوبة أيضاً، على سبيل المثال، رفس الأطفال أو رجِّهم أو رميهم، أو الخدش أو القرص أو العض أو نتف الشعر أو لكم الأذنين أو إرغام الأطفال على البقاء في وضع غير مريح، أو الحرق أو الكي أو إجبار الأطفال على تناول مواد معينة (كغسل فم الطفل بالصابون أو إرغامه على ابتلاع توابل حارة). وترى اللجنة أن العقوبة البدنية هي عقوبة مهينة في جميع الحالات. وبالإضافة إلى ذلك، ثمة أشكال أخرى من العقوبة غير العقوبة الجسدية، وهي أيضاً أشكال قاسية ومهينة وبالتالي لا تتوافق مع الاتفاقية. وتشمل هذه الأشكال مثلاً العقوبة التي تقلل من شأن الطفل أو تذله أو تشوه سمعته أو تجعل منه كبش فداء أو تهدده أو تفزعه أو تعرضه للسخرية.

12- وتحدث العقوبة البدنية وغيرها من أشكال العقوبة القاسية أو المهينة التي تستهدف الأطفال في أماكن كثيرة، بما فيها البيت والأسرة، وفي شتى مؤسسات الرعاية البديلة والمدارس وغيرها من المؤسسات التربوية ونظم القضاء - سواء في شكل حكم صادر عن المحاكم أو عقاب داخل المؤسسات الجنائية وغيرها من المؤسسات - وفي حالات عمل الأطفال وداخل المجتمع المحلي.

13- واللجنة، إذ تنبذ أي تبرير للعنف والإذلال كشكل من أشكال عقاب الأطفال ، فإنها لا ترفض بأي حال من الأحوال المفهوم الإيجابي للتأديب. ويرتبط النمو السليم للطفل بما يقدمه لـه الوالدان وغيرهما من الكبار من توجيه وإرشاد لازمين بما يتفق مع قدرات الطفل المتطورة لإعداده لحياة تتسم بالمسؤولية في المجتمع.

14- وتسلِّم اللجنة بأن تنشئة الأطفال ، ولا سيما الرضع والأطفال الصغار، ورعايتهم تستلزمان إجراءات وتدخلات بدنية لحمايتهم. وهذا يختلف اختلافاً تاماً عن الاستخدام المتعمد والتأديبي للقوة بهدف إلحاق درجة معينة من الألم أو الأذى أو الإذلال. ونحن ككبار ندرك الفارق بين الإجراء البدني الوقائي والاعتداء التأديبي؛ وبقدر ما ندرك ذلك، يجب أن نفرِّق بين الإجراءات التي تخص الأطفال . فالقانون في شتى الدول يجيز صراحةً أو ضمنياً استخدام قدرٍ كافٍ من القوة لأغراض غير تأديبية بغية حماية الناس.

15- وتسلِّم اللجنة بأن هناك ظروفاً استثنائية يمكن أن يجابه فيها المدرسون وغيرهم، كالعاملين إلى جانب الأطفال في المؤسسات و الأطفال الجانحين، سلوكات خطرة قد تُسوِّغ اللجوء إلى حد معقول من القيود للسيطرة عليها. وفي هذه الحالة أيضاً هناك فرق واضح بين استخدام القوة بداعي حماية الطفل أو الآخرين واستخدام القوة بهدف العقاب. ويجب في جميع الأحوال احترام مبدأ استخدام الحد الأدنى اللازم من القوة ولأقصر فترة زمنية ممكنة. ويجب أيضاً تقديم ما يلزم من إرشادات مفصلة وتدريب للتقليل إلى أدنى حد من الحاجة إلى استخدام القيود، والتأكد من أن أية وسائل تستخدم هي وسائلُ مأمونة وتتناسب مع الحالة ولا تنبع من الإرادة على إلحاق الألم كوسيلة للسيطرة.

رابعاً - معايير حقوق الإنسان والعقوبة البدنية التي تُمارَس ضد الأطفال

16- قبل اعتماد اتفاقية حقوق الطفل، كانت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان - الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية - قد أكدت حق "كل شخص" في احترام كرامته الإنسانية وسلامته الجسدية وفي الحماية المتساوية أمام القانون. واللجنة، إذ تؤكد التزام الدول بحظر جميع أشكال العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة والقضاء عليها، فإنها تلاحظ أن اتفاقية حقوق الطفل تستند إلى هذه الأسس. فكرامة كل فرد هي المبدأ التوجيهي الأساسي الذي يستند إليه القانون الدولي لحقوق الإنسان.

17- وتؤكد ديباجة اتفاقية حقوق الطفل، وفقاً للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، والمكررة في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن "الاعتراف بالكرامة المتأصلة لجميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية وغير القابلة للتصرف، يشكل أساس الحرية والعدالة والسلم في العالم". وتشير الديباجة أيضاً إلى أن الأمم المتحدة قد أعلنت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن "للطفولة الحق في رعاية ومساعدة خاصتين".

18- وتقضي المادة 37 من الاتفاقية بأن تعمل الدول على "ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة". وهو ما تكمله وتتوسع فيه المادة 19 من الاتفاقية التي تقضي من الدول أن "تتخذ جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية، وهو في رعاية الوالد (الوالدين) أو الوصي القانوني (الأوصياء القانونيين) عليه، أو أي شخص آخر يتعهد الطفل برعايته". وليس في هذا النص أي لبس، حيث إن عبارات "كافة أشكال العنف البدني أو العقلي" لا تفسح أي مجال لإباحة العنف ضد الأطفال. فالعقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة هي بعض أشكال العنف ويجب على الدول أن تتخذ جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية بغية القضاء عليها.

19- وبالإضافة إلى ذلك، تشير الفقرة 2 من المادة 28 من الاتفاقية إلى النظام في المدارس وتطلب إلى الدول الأطراف أن "تتخذ كافة التدابير المناسبة لضمان إدارة النظام في المدارس على نحو يتمشى مع كرامة الطفل الإنسانية ويتوافق مع هذه الاتفاقية".

20- ولا تتضمن المادة 19 والفقرة 2 من المادة 28 إشارة صريحة إلى العقوبة البدنية. ولم تسجل الأعمال التحضيرية للاتفاقية أي مناقشة بشأن العقوبة البدنية خلال الجلسات المخصصة للصياغة. غير أنه يجب أن ينظر إلى الاتفاقية، على غرار جميع صكوك حقوق الإنسان، بوصفها صكاً حياً يتطور تفسيره بمرور الزمن. وقد انجلى مدى انتشار العقوبة البدنية التي تمارس ضد الأطفال في البيوت والمدارس وغيرها من المؤسسات خلال السنوات ال‍ 17 التي مضت منذ اعتماد الاتفاقية، سواء من خلال عملية تقديم التقارير بموجب الاتفاقية أو من خلال أنشطة البحث والدعوة التي تقوم بها جهات منها المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية.

21- وفي ضوء ذلك، من الواضح أن هذه الممارسة تتعارض مع حقوق الطفل المتساوية وغير القابلة للتصرف في احترام كرامته الإنسانية وسلامته الجسدية. فالطبيعة المميزة للطفل، ووضعه ككائن متطور ويعتمد على غيره، وإمكاناته البشرية الفذة، وسرعة تأثره، كلها عوامل تتطلب إحاطته بالمزيد من الحماية القانونية وغيرها من أشكال الحماية من شتى ضروب العنف، وليس العكس.

22- وتؤكد اللجنة على أن القضاء على أشكال العقوبة القائمة على العنف والإذلال التي تستهدف الطفل، عن طريق إصلاح القانون وغير ذلك من التدابير اللازمة، يشكل التزاماً فورياً وغير مشروط على عاتق الدول الأطراف. وتلاحظ أن الهيئات الأخرى المنشأة بموجب معاهدات، بما فيها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان واللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ولجنة مناهضة التعذيب، قد أبدت نفس الرأي في ملاحظاتها الختامية بشأن التقارير المقدمة من الدول الأطراف بموجب الصكوك ذات الصلة، حيث أوصت هذه الهيئات بحظر العقوبة البدنية في المدارس وفي إطار النظم الجنائية، وفي بعض الحالات، داخل الأسرة، فضلاً عن تدابير أخرى ترمي إلى مكافحة هذه الظاهرة. وعلى سبيل المثال، ورد في التعليق العام رقم 13(1999) بشأن "الحق في التعليم"، للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ما يلي: "ترى اللجنة أن العقاب البدني لا يتسق مع المبدأ التوجيهي الأساسي لقانون حقوق الإنسان الدولي المكرس في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكلا العهدين وهو: كرامة الفرد. وثمة أنماط أخرى من التأديب في المدرسة، كالإذلال على الملأ، قد لا تتسق أيضاً مع الكرامة الإنسانية" ( ) .

23- وكانت العقوبة البدنية أيضاً محل إدانة من جانب الآليات الإقليمية لحقوق الإنسان. فقد قامت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في سلسلة من الأحكام التي أصدرتها، بإدانة العقوبة البدنية التي تمارس ضد الأطفال بصورة تدرجية، أولاً في إطار النظام الجنائي، ثم في المدارس، بما فيها المدارس الخاصة ثم، وفي الفترة الأخيرة، داخل البيت ( ) . وقد خلصت اللجنة الأوروبية المعنية بالحقوق الاجتماعية، التي تقوم برصد امتثال الدول الأعضاء في مجلس أوروبا للميثاق الاجتماعي الأوروبي والميثاق الاجتماعي بصيغته المنقحة، إلى أن الامتثال لأحكام الميثاقين يستلزم حظراً تشريعياً لجميع أشكال العنف ضد الأطفال، سواء في المدرسة وغيرها من المؤسسات أو داخل البيت أو في أي مكان آخر ( ) .

24- وقد ورد في رأي استشاري صدر عن محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان بشأن المركز القانوني للطفل وحقوقه الإنسانية (2002) أن الدول الأطراف في اتفاقية البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان "عليها التزام ... باتخاذ جميع التدابير الإيجابية اللازمة لضمان حماية الأطفال من إساءة المعاملة، سواء في علاقاتهم مع السلطات العامة أو في علاقاتهم مع الأفراد أو مع الكيانات غير الحكومية". وتستشهد المحكمة بأحكام واردة في اتفاقية حقوق الطفل، وباستنتاجات للجنة حقوق الطفل فضلاً عن أحكام صادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بخصوص التزامات الدول بحماية الأطفال من العنف، بما في ذلك داخل الأسرة. وتخلص المحكمة إلى أن "الدولة عليها واجب اتخاذ التدابير الإيجابية اللازمة كي تضمن على نحو تام التمتع الفعال بحقوق الطفل" ( ) .

25- وتقوم اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب برصد تنفيذ الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. وفي قرار صدر عن هذه اللجنة في عام 2003 بشأن بلاغ فردي يتعلق بإخضاع الطلاب لعقوبة "الجلد"، خلصت اللجنة إلى أن هذه العقوبة تشكل خرقاً لأحكام المادة 5 من الميثاق الأفريقي الذي ينص على حظر العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وطلبت إلى الحكومة المعنية بتعديل قوانينها بما يضمن إلغاء عقوبة الجلد، واتخاذ التدابير الملائمة لضمان تعويض الضحايا. ويرد في قرار اللجنة ما يلي: "ليس للأفراد، وبخاصة حكومة بلد ما، الحق في ممارسة العنف البدني ضد أفراد بداعي ارتكابهم جرائم. فهذا الحق سيُفهم منه أن الميثاق يبيح التعذيب الذي ترعاه الدولة فضلاً عن أنه يتعارض مع طبيعة هذه المعاهدة لحقوق الإنسان ( ) . ويسر لجنة حقوق الطفل أن تلاحظ أن المحاكم الدستورية ومحاكم الدرجة العليا في بلدان كثيرة أصدرت قرارات تدين فيها العقوبة البدنية التي تُمارَس ضد الأطفال في بعض الأماكن أو في جميعها، وتستشهد في معظم الحالات باتفاقية حقوق الطفل ( ) .

26- ولما أثارت لجنة حقوق الطفل مع دول معينة مسألة القضاء على العقوبة البدنية لدى نظرها في تقارير هذه الدول، اقترح ممثلون عن الحكومات في بعض الأحيان أنه يمكن تبرير قدر "معقول" أو "معتدل" من العقوبة البدنية على سبيل خدمة "المصالح الفضلى" للطفل. وحددت اللجنة، كمبدأ عام هام، الشرط الوارد في الاتفاقية بأن يولى الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال (الفقرة 1 من المادة 3). وتؤكد الاتفاقية أيضاً، في مادتها 18، على ضرورة أن تكون مصالح الطفل الفضلى موضع اهتمام الوالدين الأساسي. إلا أن تفسير المصالح الفضلى للطفل يجب أن يكون متوافقاً مع الاتفاقية برمتها، بما فيها الالتزام بحماية الأطفال من جميع أشكال العنف وشرط إيلاء الاعتبار الواجب لآراء الطفل؛ ولا يمكن التذرع بها لتبرير ممارسات، بما فيها العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة، تتنافى مع كرامة الطفل الإنسانية وحقه في السلامة الجسدية.

27- وتعتبر ديباجة الاتفاقية أن الأسرة هي "الوحدة الأساسية للمجتمع والبيئة الطبيعية لنمو ورفاهية جميع أفرادها وبخاصة الأطفال". وتطلب الاتفاقية إلى الدول أن تحترم الأسر وتدعمها. ولا يوجد أي تضارب أياً كانت طبيعته مع التزام الدول بضمان حماية الكرامة الإنسانية والسلامة الجسدية للأطفال داخل الأسرة حماية كاملة على غرار أفراد الأسرة الآخرين.

28- وتقضي المادة 5 بأن تحترم الدول مسؤوليات وحقوق وواجبات الوالدين "في أن يوفروا بطريقة تتفق مع قدرات الطفل المتطورة، التوجيه والإرشاد الملائمين عند ممارسة الطفل الحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية". ومرة أخرى، يجب أن يتوافق تفسير عبارات التوجيه والإرشاد "الملائمين" بما يتوافق مع الاتفاقية برمتها ولا يترك أي مجال لتسويغ التأديب القائم على العنف أو غيره من ضروب التأديب القاسية أو المهينة.

29- ويثير البعض تبريرات عقائدية للعقوبة البدنية، فيشير إلى أن تفسيرات معينة للنصوص الدينية لا تسوغ ممارسة العقوبة البدنية فحسب بل تنص على واجب ممارستها. ويكرس العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 18) حرية كل فرد في المعتقد الديني، غير أن ممارسة دين أو معتقد ما يجب أن تتوافق مع احترام الكرامة الإنسانية للآخرين وسلامتهم الجسدية. ويجوز شرعاً تقييد حرية الفرد في ممارسة دينه أو معتقده بغية حماية الحقوق والحريات الأساسية للآخرين. وفي دول معينة، خلصت اللجنة إلى أن الأطفال قد يخضعون، منذ سن مبكرة للغاية في بعض الحالات، ومنذ بلوغهم سن الرشد في حالات أخرى، لعقوبات تتسم بالعنف الشديد، بما فيها الرجم بالحجارة وبتر الأعضاء، على النحو الذي تقضي به تفسيرات معينة للقوانين الدينية. وتشكل هذه العقوبات خرقاً واضحاً للاتفاقية وغيرها من المعايير الدولية لحقوق الإنسان، على غرار ما أبرزته أيضاً اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ولجنة مناهضة التعذيب، ويجب حظرها.

خامساً - التدابير والآليات اللازمة للقضاء على العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة

1- التدابير التشريعية

30- تستند صياغة المادة 19 من الاتفاقية إلى المادة 4 وتبين بوضوح أن التدابير التشريعية وغيرها من التدابير لازمة للوفاء بالتزامات الدول بحماية الأطفال من جميع أشكال العنف. وقد رحبت اللجنة بإدراج الاتفاقية أو مبادئها العامة في القوانين المحلية للعديد من الدول. فكل الدول لها قوانين جنائية تحمي المواطنين من الاعتداء. وهناك دول كثيرة لها دساتير و/أو تشريعات تعكس المعايير الدولية لحقوق الإنسان وأحكام المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل التي تكرس حق "كل شخص" في الحماية من التعذيب ومن المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وهناك بلدان كثيرة أيضاً لها قوانين محددة لحماية الأطفال تجرِّم "إساءة المعاملة" أو "الإيذاء" أو "القسوة". غير أن اللجنة قد تعلمت من نظرها في التقارير المقدمة من الدول أن هذه الأحكام التشريعية لا تضمن عموماً حماية الطفل من جميع أشكال العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة داخل الأسرة وفي الأماكن الأخرى.

31- وقد لاحظت اللجنة، لدى نظرها في التقارير، أن القانون الجنائي و/أو المدني (للأسرة) لدى بلدان كثيرة يتضمنان أحكاماً قانونية صريحة تحمي الوالدين وغيرهما من مقدمي الرعاية من تبعات استخدام قدر معين من العنف في "تأديب" الأطفال أو تبيح لهم ذلك. وعلى سبيل المثال، شكلت إباحة العقاب أو الإصلاح "القانوني" أو "المعقول" أو "المعتدل" جزءاً من القانون العام الإنكليزي على مدى قرون طويلة، على غرار "حق الإصلاح" في القانون الفرنسي. كما توفرت نفس الحماية في وقت من الأوقات لدى بلدان عديدة لتبرير عقاب الزوج لزوجته والسيد لعبيده وخادميه وصبيانه. وتؤكد اللجنة على أن الاتفاقية تقضي بإلغاء أية أحكام (في القانون التشريعي أو العام أو العرفي) تجيز استخدام قدر معين من العنف ضد الأطفال (كالعقاب أو الإصلاح "المعقول" أو "المعتدل") في بيوتهم/أسرهم أو في أي مكان آخر.

32- وهناك بعض الدول حيث تكون العقوبة البدنية مباحة على وجه التخصيص في المدارس وغيرها من المؤسسات، مع وجود قواعد تنظيمية تبين الكيفية التي تُمارس بها العقوبة والجهة التي تمارسها. ولا تزال العقوبة البدنية باستخدام السوط أو العصا مباحة لدى أقلية من الدول كعقوبة تُقِرها المحاكم بحق الأطفال الجانحين. وعلى غرار ما أكدته اللجنة تكراراً، تقضي الاتفاقية بإلغاء جميع هذه الأحكام.

33- ولدى بعض الدول، لاحظت اللجنة أنه على الرغم من أن التشريعات لا تتضمن أحكاماً صريحة تُبيح العقوبة البدنية أو تبررها، فإن المواقف التقليدية إزاء الأطفال تدل ضمنياً على أن العقوبة البدنية ممارسة مسموح بها. وفي بعض الأحيان تتجلى هذه المواقف في أحكام صادرة عن القضاء (تقضي بتبرئة الوالدين أو المدرسين أو غيرهم من مقدمي الرعاية من تهمة الاعتداء أو إساءة المعاملة بداعي ممارستهم لحق أو حرية استخدام قدر معتدل من "الإصلاح").

34- وفي ضوء القبول التقليدي لأشكال معاقبة الأطفال القائمة على العنف والإذلال، هناك عدد متزايد من الدول التي اعترفت بأن مجرد إلغاء إباحة العقوبة البدنية وأية دفوع قائمة هو إجراء غير كافٍ. فبالإضافة إلى ذلك، يجب أن تنص التشريعات المدنية أو الجنائية لهذه الدول صراحة على حظر العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة كي يصبح واضحاً تمام الوضوح أنه لا يجوز قانوناً ضرب الأطفال أو "لطمهم" أو "صفعهم"، مثلما لا يجوز فعل ذلك مع الكبار، كما يجب تطبيق أحكام القانون الجنائي المتعلقة بالاعتداء بالعنف على هذا الشكل من العنف، وذلك بصرف النظر عما إذا سُمي "تأديباً" أو "عقاباً معقولاً".

35- وتطبيق القانون الجنائي بشكل تام على حالات الاعتداء على الأطفال، من شأنه أن يضمن حماية الطفل من العقوبة البدنية أينما ارتُكبت هذه العقوبة وأياً كان مرتكبها. غير أن اللجنة ترى، بالنظر إلى القبول التقليدي للعقوبة البدنية، أنه من المهم أن تنص التشريعات القطاعية الواجبة الانطباق، كقانون الأسرة أو قانون التعليم أو القانون المتعلق بشتى أشكال الرعاية البديلة والنظم القضائية أو قانون العمالة - بوضوح على حظر استخدام هذه العقوبة في الأماكن ذات الصلة. وبالإضافة إلى ذلك، من الأهمية بمكان أن تؤكد مدونات آداب السلوك المهنية وأدلة التوجيه الخاصة بالمدرسين ومقدمي الرعاية وغيرهم، وكذلك لوائح أو مواثيق المؤسسات، على عدم شرعية العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة.

36- وتشعر اللجنة بالقلق أيضاً إزاء ما وردها من تقارير تشير إلى ممارسة العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة في حالات عمل الأطفال، بما فيها في سياق الأسرة. وتعيد اللجنة التأكيد على أن الاتفاقية وغيرها من صكوك حقوق الإنسان الواجبة التطبيق تنص على حماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يُرجَّح أن يكون خطيراً أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضاراً بنموه، وتقضي بوضع ضمانات معينة تكفل الإنفاذ الفعال لهذه الحماية. وتؤكد اللجنة ضرورة إنفاذ الحظر المتعلق بالعقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة في جميع الحالات التي تنطوي على عمل الأطفال.

37- وتقضي المادة 39 من الاتفاقية أن تتخذ الدول كل التدابير المناسبة لتشجيع التأهيل البدني والنفسي وإعادة الإدماج الاجتماعي للطفل الذي يقع ضحية "أي شكل من أشكال الإهمال أو الاستغلال أو الإساءة، أو التعذيب أو أي شكل آخر من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة". وقد تُلحق العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة المهينة ضرراً جسيماً بالنمو البدني والنفسي والاجتماعي للأطفال يستلزم رعاية وعلاجاً صحيين وغير ذلك من أشكال الرعاية والعلاج المناسبة. ويجب أن تندرج هذه الرعاية في إطار بيئة تشجع الصحة الشاملة للطفل واعتزازه بنفسه وكرامته، وأن تشمل، حسب الاقتضاء، المجموعة الأسرية للطفل. وينبغي اتباع نهج متعدد التخصصات إزاء التخطيط للرعاية والعلاج وتقديمهما، مع توفير التدريب المتخصص للفئات المهنية المعنية. وينبغي إيلاء الاعتبار الواجب لآراء الطفل فيما يتصل بكل جوانب العلاج الذي يتلقاه ولدى مراجعة هذا العلاج.

2- تنفيذ حظر العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة

38- تؤمن اللجنة بأن تنفيذ الحظر المتعلق بجميع أشكال العقوبة البدنية يستلزم توعية جميع الجهات المعنية وتوجيهها وتدريبها (انظر الفقرة 45 وما بعدها أدناه). ويجب أن يضمن ذلك إعمال القانون على نحو يخدم المصالح الفضلى للأطفال المتأثرين - وبخاصة في الحالات التي يكون فيها الوالدان أو غيرهما من الأقرباء في الأسرة مرتكبي العقوبة. والوقاية هي الغرض الأول من إصلاح القانون لحظر العقوبة البدنية التي تُمارَس ضد الأطفال داخل الأسرة: أي الوقاية من العنف الذي يستهدف الأطفال عن طريق تغيير المواقف والممارسات، مع التأكيد على حق الأطفال في الحماية المتساوية وتوفير أسس لا لبس فيها لحماية الطفل وتشجيع أشكال إيجابية لتربية الطفل تكون خالية من العنف وقائمة على المشاركة.

39- والتوصل إلى حظر واضح وغير مشروط لشتى أشكال العقوبة البدنية سيستلزم إصلاحات قانونية مختلفة في دول أطراف عدة. فقد يتطلب إدراج أحكام محددة في قوانين قطاعية تشمل التعليم ونظام قضاء الأحداث ومختلف أشكال الرعاية البديلة. غير أنه ينبغي أن يكون واضحاً تمام الوضوح أن أحكام القانون الجنائي المتعلقة بالاعتداء بالعنف تشمل أيضاً كافة أشكال العقوبة البدنية، بما في ذلك داخل الأسرة. وقد يستلزم ذلك إدراج أحكام إضافية في القانون الجنائي للدولة الطرف. بيد أنه يمكن أيضاً إدراج حكم في القانون المدني أو قانون الأسرة يحظر استخدام شتى أشكال العنف، بما فيها كل أشكال العقوبة البدنية. ويؤكد هذا الحكم على أنه لم يعد بإمكان الوالدين أو غيرهما من مقدمي الرعاية التذرع بأية دفوع تقليدية مفادها أنه من حقهم استخدام العقوبة البدنية (في حدود "المعقول" أو "الاعتدال") في صورة مقاضاتهم بموجب القانون الجنائي. كما ينبغي أن يؤكد قانون الأسرة بشكل إيجابي على أن مسؤولية الوالدين تشمل تقديم الإرشاد والتوجيه المناسبين للأطفال دون اللجوء إلى أي شكل من أشكال العنف.

40- ولا يعني مبدأ الحماية المتساوية للأطفال والكبار من الاعتداء بالعنف، بما في ذلك داخل الأسرة، أن جميع الحالات المسجلة عن ممارسة الوالدين للعقوبة البدنية ضد الأطفال ينبغي أن تفضي إلى مقاضاة الوالدين. ومبدأ الحد الأدنى - الذي قوامه أن القانون لا يُعنى بالمسائل التافهة - يضمن عدم نظر المحاكم في الاعتداءات البسيطة عدا في ظروف استثنائية للغاية؛ وستنطبق نفس القاعدة على الاعتداءات البسيطة التي يتعرض لها الأطفال. وتحتاج الدول إلى وضع آليات فعالة لتقديم التقارير والإحالة. وبينما ينبغي التحقيق على النحو المناسب في جميع التقارير المتعلقة بالعنف ضد الأطفال وضمان حماية هؤلاء الأطفال من التعرض لضرر جسيم، فإن الهدف هو رد الوالدين عن استخدام العنف باتخاذ تدابير مواتية وتربوية وغير قائمة على العقاب.

41- ونظراً إلى وضع الطفل ككائن يعتمد على غيره وإلى الطابع الحميمي للعلاقات الأسرية، يجب التزام الحذر الشديد لدى اتخاذ أية قرارات تتعلق بمقاضاة الوالدين أو التدخل بشكل رسمي في حياة الأسرة بأية طريقة أخرى. حيث يُستبعد في معظم الحالات أن تخدم مقاضاة الوالدين المصالح الفضلى للأطفال. وترى اللجنة أن المقاضاة وغيرها من الإجراءات الرسمية (كنقل الطفل أو نقل القائم بالعنف) ينبغي أن تقتصر على الحالات التي تُعتبر فيها هذه الإجراءات ضرورية لحماية الطفل من التعرض لضرر جسيم ومتماشية مع المصالح الفضلى للطفل المتأثر. وينبغي إيلاء آراء الطفل المتأثر الاعتبار الواجب وفقاً لسن الطفل ونضجه.

42- وينبغي أن تؤكد خدمات المشورة والتدريب التي تقدم إلى الجهات المعنية بنظم حماية الطفل، بما فيها الشرطة والسلطات القضائية والمحاكم، على هذا النهج إزاء إنفاذ القانون. وينبغي أن يؤكد التوجيه أيضاً على ما تقضي به المادة 9 من الاتفاقية من أنه لا يجوز فصل الطفل عن والديه إلا إذا تقرر أن هذا الفصل ضروري لصون مصالح الطفل الفضلى، ورهناً بإجراء إعادة نظر قضائية، وفقاً للقوانين والإجراءات المعمول بها، ومع اشتراك جميع الأطراف المعنية، بمن فيها الطفل. وفي الحالات التي يُعتبر فيها الفصل مبرراً، ينبغي بحث الحلول البديلة لإيداع الطفل خارج الأسرة، بما في ذلك نقل مرتكب العنف وإصدار الأحكام مع وقف التنفيذ، وما إلى ذلك.

43- وحيثما تنكشف حالات عقوبة بدنية خارج البيت العائلي - كالمدارس وغيرها من المؤسسات وأشكال الرعاية البديلة - رغم الحظر وبرامج التثقيف والتدريب الإيجابية، يمكن أن تشكل المقاضاة استجابة معقولة. وينبغي أيضاً تهديد مرتكب العنف بالتعرض لإجراءات تأديبية أخرى أو بالفصل كوسيلة ردعية واضحة. ومن الأهمية بمكان أن يُنشر حظر العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة، والعقوبات التي قد تنجر عن ممارستها، على نطاق واسع في صفوف الأطفال وجميع الأطراف التي تعمل إلى جانب الأطفال أو لأجلهم في جميع الأماكن. ويجب أن يشكل رصد النظم التأديبية ومعاملة الأطفال جزءاً من الرقابة المستمرة التي تقضي بها الاتفاقية فيما يتصل بجميع المؤسسات وحالات الإيداع. ويجب أن تتاح للأطفال وممثليهم في كافة حالات الإيداع هذه إمكانية الوصول الفوري والسري إلى خدمات المشورة التي تراعي خصوصيات الطفل، والدعوة، وإجراءات تقديم الشكاوى، وفي نهاية المطاف إلى المحاكم، مع حصولهم على المساعدة القانونية وغيرها من أشكال المساعدة الضرورية. وينبغي أن يُشترط في المؤسسات الإبلاغ عن أية أحداث عنف واستعراضها.

3- التدابير التثقيفية والتدابير الأخرى

44- تؤكد المادة 12 من الاتفاقية على أهمية إيلاء الاعتبار الواجب لآراء الطفل بشأن وضع وتنفيذ التدابير التثقيفية والتدابير الأخرى الرامية إلى استئصال العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة.

45- ونظراً لما تحظى به العقوبة البدنية من قبول تقليدي واسع النطاق، فإن الحظر بمفرده لن يحقق التغيير اللازم في السلوكات والممارسات. حيث يجب القيام بتوعية شاملة بحق الأطفال في الحماية وبالقوانين التي تكرس هذا الحق. وتتعهد الدول، بموجب المادة 42 من الاتفاقية، بأن تنشر مبادئ الاتفاقية وأحكامها على نطاق واسع بالوسائل الملائمة والفعالة بين الكبار والأطفال على السواء.

46- وبالإضافة إلى ذلك، يجب على الدول أن تسعى باستمرار إلى تشجيع العلاقات والأنماط التربوية الإيجابية والخالية من العنف في صفوف الوالدين ومقدمي الرعاية والمدرسين وغيرهم من الأطراف التي تعمل إلى جانب الأطفال والأُسر. وتؤكد اللجنة على أن الاتفاقية لا تقضي بإلغاء العقوبة البدنية فحسب، وإنما تنص على إلغاء جميع أشكال العقوبة القاسية أو المهينة التي تستهدف الأطفال. وليست الاتفاقية هي التي تُملي على الوالدين بالتفصيل كيفية تنظيم العلاقات مع أطفالهم أو توجيههم. بل إن الاتفاقية توفر إطاراً من المبادئ لتوجيه العلاقات داخل الأسرة وبين المدرسين ومقدمي الرعاية وغيرهم من الأطراف والأطفال. ويجب احترام احتياجات الطفل للنمو. فالأطفال يتعلمون مما يفعله الكبار، وليس مما يقوله الكبار فقط. فعندما يلجأ أقرب الناس إلى الطفل من الكبار إلى استخدام العنف والإذلال في علاقاتهم مع الطفل، فهم بذلك يُبدون ازدراءهم لحقوق الإنسان ويلقنون درساً مؤثراً وخطيراً قوامه أن العنف يشكل أحد السبل الشرعية في البحث عن تسوية الخلافات أو تغيير السلوكات .

47- وتؤكد الاتفاقية وضع الطفل بوصفه شخصاً يتمتع بحقوق الإنسان. فالطفل ليس مُلكاً للوالدين أو للدولة، ولا هو مجرد موضوع اهتمام. ومن هذا المنطلق، تطلب المادة 5 إلى الوالدين (أو، عند الاقتضاء، أعضاء الأسرة الموسعة أو الجماعة) أن يوفروا بطريقة تتفق مع قدرات الطفل المتطورة، التوجيه والإرشاد الملائمين عند ممارسة الطفل الحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية. وتنص المادة 18، التي تؤكد المسؤولية الأولى للوالدين، أو الأوصياء القانونيين، في تربية الطفل ونموه، على أن "تكون مصالح الطفل الفضلى موضع اهتمامهم الأساسي". وتقضي المادة 12 أن تكفل الدول للأطفال الحق في التعبير عن آرائهم بحرية "في جميع المسائل التي تمس الطفل"، مع إيلاء آراء الطفل الاعتبار الواجب وفقاً لسن الطفل ونضجه. ويؤكد هذا الحاجة إلى أنماط من التنشئة والرعاية والتعليم تحترم حقوق الأطفال في المشاركة. وقد أكدت اللجنة، في تعليقها العام رقم 1 بشأن "أهداف التعليم" على أهمية أن يكون التعليم "مُركَّزاً على الطفل ومناسباً لـه وتمكينياً " ( ) .

48- وتلاحظ اللجنة أنه يوجد في الوقت الراهن الكثير من المواد والبرامج التي تشجع أنماط التنشئة والتربية الإيجابية والخالية من العنف، وهي مواد وبرامج موجهة للوالدين وغيرهما من مقدمي الرعاية والمدرسين تقوم بوضعها الحكومات ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وغيرها من الجهات ( ) . ويمكن تكييف هذه المواد والبرامج على النحو الملائم لاستعمالها في دول وحالات مختلفة. ويمكن لوسائط الإعلام أن تؤدي دوراً ثميناً للغاية في التوعية وتثقيف الجمهور. وتستلزم مكافحة التقاليد التي تكرس العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة عملاً دؤوباً. وينبغي أن يقوم تشجيع أنماط التنشئة والتربية الخالية من العنف على جميع نقاط الالتقاء بين الدولة والوالدين والأطفال في إطار خدمات الصحة والرعاية والتعليم، بما فيها مؤسسات رعاية الطفولة المبكرة ومراكز الرعاية النهارية والمدارس. كما ينبغي أن تُدرج هذه الأنماط في التدريب الأولي والتدريب أثناء الخدمة الموجهَين للمدرسين وجميع الأطراف العاملة إلى جانب الأطفال في نظم الرعاية والقضاء.

49- وتشير اللجنة إلى الدول بالتماس المساعدة التقنية من جهات منها منظمة الأمم المتحدة للطفولة ( اليونيسيف ) ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في مجالات التوعية وتثقيف الجمهور والتدريب بهدف تشجيع النهج الخالية من العنف.

4- الرصد والتقييم

50- وتؤكد اللجنة، في تعليقها العام رقم 5 بشأن "التدابير العامة لتنفيذ اتفاقية حقوق الطفل"، على الحاجة إلى قيام الدول الأطراف برصد إعمال حقوق الطفل بطريقة منهجية عن طريق وضع مؤشرات مناسبة وجمع البيانات الكافية والموثوقة ( ) .

51- وبناءً عليه، ينبغي للدول الأطراف رصد ما تحققه من تقدم على درب القضاء على العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة، وبالتالي إعمال حق الأطفال في الحماية. ومن الأهمية بمكان إجراء بحوث تقوم على مقابلات مع الأطفال وآبائهم وغيرهم من مقدمي الرعاية وذلك في كنف الحرية وفي ظل توفر الضمانات الأخلاقية المناسبة بغية تقييم مدى انتشار أشكال العنف هذه داخل الأسرة والمواقف إزاءها تقييماً صحيحاً. وتشجع اللجنة كل دولة على إجراء هذه البحوث أو التكليف بها، قدر الإمكان، مع جماعات تمثل مجموع السكان بغية تقديم معلومات أساسية، ثم قياس التقدم المحرز على فترات دورية منتظمة. ويمكن أن تقدم نتائج البحوث أيضاً توجيهاً قيِّماً لتنفيذ حملات تحسيسية عالمية وهادفة ولتدريب الفئات المهنية العاملة إلى جانب الأطفال ولأجلهم.

52- وتؤكد اللجنة أيضاً، في تعليقها العام رقم 5، على أهمية الرصد المستقل للتنفيذ من جانب اللجان البرلمانية والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأكاديمية والرابطات المهنية وجماعات الشباب والمؤسسات المستقلة لحقوق الإنسان، على سبيل المثال، (انظر أيضاً تعليق اللجنة العام رقم 2 بشأن "دور المؤسسات الوطنية المستقلة لحقوق الإنسان في حماية وتعزيز حقوق الطفل") ( ) . ويمكن لكافة هذه الجهات أن تؤدي دوراً هاماً في رصد إعمال حق الأطفال في الحماية من جميع أشكال العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة.

سادساً - شروط تقديم التقارير بموجب الاتفاقية

53- تتوقع اللجنة أن تضمِّن الدول تقاريرها الدورية المقدمة بموجب الاتفاقية معلومات عما تتخذه من تدابير بغية حظر ومكافحة شتى أشكال العقوبة البدنية وغيرها من ضروب العقوبة القاسية أو المهينة داخل الأسرة وفي جميع الأماكن الأخرى، بما فيها معلومات تتعلق بأنشطة التوعية وتشجيع العلاقات الإيجابية والخالية من العنف وبالعمليات التي تقوم بها الدول لتقييم ما تحرزه من تقدم على درب الاحترام الكامل لحقوق الأطفال في الحماية من شتى أشكال العنف. كما تشجع اللجنة وكالات الأمم المتحدة والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية والهيئات المختصة الأخرى على مدها بمعلومات ذات صلة عن الوضع القانوني للعقوبة البدنية ومدى انتشارها وعن التقدم المحرز نحو القضاء عليها.

- - - - -