الأمم المتحدة

CCPR/C/109/D/1874/2009

Distr.: General

7 January 2014

Arabic

Original: French

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

البلاغ رقم 1874 /200 9

آراء اعتمدتها اللجنة في دورتها التاسعة بعد المائة ( 14 تشرين الأول/أكتوبر إلى 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 )

المقدم من: ربيحة ميهوبي (تمثلهما الرابطة السويسرية لمكافحة الإفلات من العقاب ( TRIAL ) )

الشخص المدعى أنه ضحية: نور الدين ميهوبي (ابن صاحبة البلاغ) وباسمها الشخصي

الدولة الطرف : الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ : 4 آذار/مارس 2009 (تاريخ الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية : قرار المقرر الخاص بمقتضى المادة 97 من النظام الداخل ي ، الذي أُحيل إلى الدولة الطرف في 29 نيسان/أبريل 2009 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء : 18 تشرين الأول/أكتوبر 201 3

موضوع البلاغ : الاختفاء القسري

المسائل الإجرائية : استنفاد سبل ال انتصاف المحلية

المسائل الموضوعية : الحق في الحياة، وحظر التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية ، و حق الفرد في الحرية وفى الأمان على شخصه ، واحترام كرامة الإنسان المتأصلة ، وحق كل إنسان في أن ي ُ عترف له بالشخصية القانونية ، والحق في سبيل انتصاف فعال

مواد العهد : الفقرة 3 من المادة 2، والمادة 6، و المادة 7، والفقرات من 1 إلى 4 من المادة 9 ، و المادة 10 ، والمادة 16

مادة البروتوكول الاختياري : الفقر ة 2(ب) من المادة 5

المرفق

آراء اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (الدورة التاسعة بعد المائة)

بشأن

البلاغ رقم 1874 / 2009 *

المقدم من : ربيحة ميهوبي (تمثلهما الرابطة السويسرية لمكافحة الإفلات من العقاب (TRIAL) )

الشخص المدعى أنه ضحية : نور الدين ميهوبي (ابن صاحبة البلاغ) وباسمها الشخصي

الدولة الطرف : الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ : 4 آذار/مارس 2009 (تاريخ الرسالة الأولى)

إن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ، المنشأة بموجب المادة 28 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد اجتمعت في 18 تشرين الأول/أكتوبر 201 3 ،

وقد فرغت من النظر في البلاغ رقم 1874 /200 9 ، المقدم من السيدة ربيحة ميهوبي بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد وضعت في اعتبارها جميع المعلومات المكتوبة التي أتاح ت ها لها صاحب ة البلاغ والدولة الطرف ،

تعتمد ما يلي :

الآراء المعتمدة بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري

1-1 صاحبة البلاغ المؤرخ 4 آذار/مارس 2009 هي ربيحة ميهوبي ، وهي مواطنة جزائرية من مواليد 13 آذار/مارس 1933، وتدعي أن ابنها، نور الدين ميهوبي ، وهو مواطن جزائري من مواليد 15 آذار/مارس 1962، ضحية انتهاك الجزائر الفقرة 3 من المادة 2 والمواد 6 و7 و9 و10 و16 من العهد. وتؤكد إضافة إلى ذلك أنها هي نفسها ضحية انتهاك الفقرة 3 من المادة 2 والمادة 7 من العهد. ويمثل صاحبة البلاغ الرابطة السويسرية لمكافحة الإفلات من العقاب.

1-2 وفي 4 حزيران/يونيه 2009، قررت اللجنة، بواسطة مقررها الخاص المعني بالبلاغات الجديدة والتدابير المؤقتة، عدم فصل النظر في المقبولية عن النظر في الأسس الموضوعية.

الوقائع كما عرضتها صاحبة البلاغ

2-1 في الساعة الرابعة بعد ظهر يوم 27 كانون الثاني/يناير 1993، ألقى أفراد من شرطة مدينة بوسعادة القبض على نور الدين ميهوبي وأخيه حسين ميهوبي وهما في بيت هذا الأخير، الواقع في منطقة ديس ( بوسعادة ). وفي اليوم التالي، أفرج عن حسين الذي أبلغ فورا ً صاحبة البلاغ التي توجهت من توها إلى بوسعادة . وسعت صاحبة البلاغ دون جدوى لاستعلام دوائر الشرطة التي أخبرتها بأنها لا تعلم شيئا ً عن القبض على نور الدين ميهوبي .

2-2 وكُشف مكان وجود نور الدين ميهوبي في أول الأمر في مركز شرطة بوسعادة حيث مكث 11 يوما ً إلى أن سُلم إلى أمن ولاية الجزائر العاصمة. وجاء في معلومات وردت على أسرته في عام 1995 من أصحاب له في السجن أطلق سراحهم أنه نُقل بعدئذ إلى مركز شاتونوف حيث قيل إنه احتجز سرا ً 18 شهرا ً . وتؤكد المصادر ذاتها أنه عُذب أثناء احتجازه في شاتونوف وأن حالته الصحية تدهورت تدهورا ً خطيرا ً . ولم تستطع أسرته بعدئذ تحديد مكان وجوده، ولم تتمكن من الاتصال به بأي وسيلة كانت ولا الحصول على أخباره من السلطات الجزائرية.

2-3 وقدمت صاحبة البلاغ شكوى إلى المدعي العام بمدينة بوسعادة تقول فيها إن ابنها اختطف. وبفضل هذه الشكوى، وبعد مرور ثلاث سنوات ونصف على اختفاء نور الدين ميهوبي ، اعترف نائب المدعي العام ببوسعادة صراحة في 22 تموز/يوليه 1996 بأن أمن دائرة بوسعادة قبض بالفعل على نور الدين ميهوبي وسلمه إلى أمن ولاية الجزائر العاصمة يوم 7 شباط/فبراير 1993. بيد أن التحقيق الذي أجري بناء على طلب النيابة لم يكشف أي معلومة لا عن مكان وجوده ولا عما قد يكون حصل له عندما كان في قبضة دوائر الأمن ولا عن أسباب القبض عليه.

2-4 وأبلغ والد السيد نور الدين ميهوبي ، محمد ميهوبي ، بدوره، المدعي العام بالجزائر العاصمة باختطاف ابنه. وكتب إلى العديد من السلطات الوطنية التي يمكنها أن تساعده، منها ر ئيس الجمهورية ووزير العدل. ونظر ا ً إلى صمت السلطات المذكورة، توجه السيد ميهوبي مجددا ً ، في 21 تشرين الأول/أكتوبر 1995، إلى المدعي العام بالجزائر العاصمة ووزير العدل ورئيس الجمهورية، لكن دون جدوى مرة أخرى.

2-5 وفي أعقاب ذلك، قدمت عائلة ميهوبي إلى المرصد الوطني لحقوق الإنسان طلبا ً تدعو فيه المرصد إلى تحديد مكان وجود نور الدين ميهوبي . ولم يكن الجواب سوى عبارة عن رسالة مؤرخة 12 أيار/مايو 1996 جاء فيها أن نور الدين ميهوبي مطلوب بمقتضى أمر التوقيف رقم 25/93 من النيابة و143/93 من التحقيق، الصادر عن المحكمة الخاصة يوم 31 آذار/مارس 1993، أي بعد شهرين من القبض عليه.

2-6 وفي 16 كانون الثاني/يناير 2000، أرسل أمن دائرة بوروبة استدعاء غير معلّل إلى صاحبة البلاغ يدعوها إلى الحضور في اليوم التالي إلى مقر المفتشية العامة للمديرية العامة للأمن الوطني بالجزائر العاصمة. وتبيّن أن الأمر كان يتعلق بالحصول على إفادتها، بصفتها أمّ المختفي، بخصوص اختطاف ابنها واختفائه. ولم يُتصل بأفراد العائلة بعدئذ في إطار التحريات ولم ينته إلى علمهم وجود أي تحقيق في القضية.

2-7 وعندما أنشئت اللجنة الوطنية الاستشارية لحماية حقوق الإنسان وترقيتها كي تحل محل المرصد الوطني لحقوق الإنسان، رفعت العائلة إليها شكواها أيضا ً ، لكن هذه الشكوى، المسجلة في 28 أيلول/سبتمبر 2002، لم تمكّن هي الأخرى من معرفة مصير المختفي.

2-8 أضف إلى ذلك أن قضية نور الدين ميهوبي أحيلت إلى الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي الذي طلب إلى الجزائر البحث عنه. لكن الدولة الطرف لم تستجب لهذا الطلب حتى الساعة ولم تقدم أي توضيحات عن هذه القضية.

2-9 وفي 9 آذار/مارس 2006، شرعت عائلة ميهوبي في إجراءات إعلان وفاة في إطار الأمر رقم 06-01 الصادر في 27 شباط/فبراير 2006 والمتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وهو ما أدى إلى تحرير الدرك الوطني في بوروبة (الجزائر العاصمة) إثبا ت ا ً بحالة اختفاء نور الدين ميهوبي في 12 نيسان/أبريل 2007.

الشكوى

3-1 ترى صاحبة البلاغ أن ابنها ضحية اختفاء قسري، الأمر الذي يخل بالفقرة 3 من المادة 2، والفقرة 1 من المادة 6، والمادة 7، والفقرات من 1 إلى 4 من المادة 9، والفقرة 1 من المادة 10، وال مادة 16 من العهد. وترى أيضا ً أنها هي نفسها ضحية الإخلال بالمادة 7، بمفردها ومقترنةً بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

3-2 ثم إن قبض أعوان للدولة الطرف على نور الدين ميهوبي تلاه إنكار لسلبه حريته وإخفاء مكان وجوده. ويوحي غيابه المطول وملابسات القبض عليه وسياقه أنه لقي حتفه أثناء الاحتجاز. واستندت صاحبة البل اغ إلى تعليق اللجنة العام رقم 6 (1982) على المادة 6 فادعت أن احتمال أن يؤدي الحبس الانفرادي إلى انتهاك الحق في الحياة كبير جدا ً لأن الضحية تحت رحمة جلاديه الذين لا يخضعون لأي رقابة بسبب طبيعة الظروف نفسها. وحتى على افتراض ألا يكون الاختفاء قد انتهى إلى أسوأ العواقب، فإنّ تعرّض حياة الضحية للتهديد ينتهك المادة 6 لأن الدولة الطرف لم تؤد واجبها القاضي بحماية الحق الأساسي في الحياة. ومما زاد هذا الإخلال بالالتزام خطورة أن الدولة الطرف لم تبذل أي جهد للتحقيق في مصير نور الدين ميهوبي . لذا، ترى صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف انتهكت المادة 6 منفردةً ومقترنةً بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

3-3 وأشارت صاحبة البلاغ إلى سوابق اللجنة فادّعت أن مجرد التعرض للاختفاء القسري يشكِّل في حد ذاته معاملة لا إنسانية أو مهينة. فالقلق والمعاناة الناجمان عن احتجاز نور الدين ميهوبي لفترة غير محددة ودون الاتصال بالأسرة أو العالم الخارجي هما بمثابة معاملة ترقى إلى مستوى انتهاك المادة 7 من العهد. وفضلا ً عن ذلك، فإن نور الدين ميهوبي تعرض على الأرجح للتعذيب في مركز شاتونوف . فكل المحتجزين الذين نجوا من هذا المركز أكدوا أنهم عُذبوا وعاينوا تعذيب زملائهم وعانوا الأمرّين. وعلى هذا، من المحتمل جدا ً أن يكون نور الدين ميهوبي لقي المصير نفسه في المركز الذي قضى فيه أكثر من سنة. فكثير ممن احتكّوا به في السجن أبلغوا عائلته بأن جلاديه عاملوه معاملة قاسية ينبغي وصفها بأنها تعذيب، وبأن صحته تدهورت تدهورا ً شديدا ً جراء ذلك. وترى صاحبة البلاغ فضلا ً عن ذلك أن اختفاء ابنها سبب لها ولأقاربها ولا يزال يسبب لهم محنة محبطة ومؤلمة ومقلقة، ذلك أن عائلة المختفي تجهل كل شيء عن مصيره وعن ظروف وفاته ومكان دفنه، إن كان قد توفي. وأشارت إلى سوابق اللجنة ( ) فخلصت إلى أن الدولة الطرف انتهكت أيضا ً حقوقها بمقتضى المادة 7، منفردةً ومقترنةً بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

3-4 وتشير صاحبة البلاغ إلى أن السلطات التي توجهت إليها عائلة ميهوبي أنكرت احتجازها الضحية. ففي تموز/يوليه 1996 اعترف المدعي العام أخيرا ً بالقبض على نور الدين ميهوبي واحتجازه، لكن دون أن يبلغ أقاربه بمكان احتجازه ولا بمصيره. ولم تعلم العائلة بنقله إلى مركز شاتونوف إلا من مصدر غير مباشر وغير رسمي. وعليه، تؤكد صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف تصرفت تصرفا ً يخل بالفقرة 1 من المادة 9 من العهد لأنه قُبض على نور الدين ميهوبي في 27 كانون الثاني/يناير 1993 دون أمر قضائي ودون أن يبلَّغ بأسباب القبض عليه. ولم يره بعدئذ أي فرد من أسرته ولا اتصل به منذ إطلاق سراح أخيه. ولم يُخطر في أي وقت من الأوقات بالتهم الجنائية الموجهة إليه، الأمر الذي يخل بالفقرة 2 من المادة 9. أضف إلى ذلك أنه لم يمثُل أمام قاض أو سلطة قضائية أخرى لا إبان الفترة القانونية للاحتجاز لدى الشرطة ولا بعدها. ولا تشير الوثيقة التي حررها المدعي العام المساعد بمحكمة بوسعادة إلى أن نور الدين ميهوبي مَثُل أمام النيابة قبل تسليمه إلى دوائر أمن الجزائر العاصمة وقد كان قضى 11 يوما ً محتجزا ً لدى الشرطة. ومهما يكن الأمر، فإن صاحبة البلاغ خلصت، بعد أن ذكّرت بأن الحبس الانفرادي قد يؤدي في حد ذاته إلى انتهاك الفقرة 3 من المادة 9، إلى أن هذا الحكم قد انتهك في حالة ابنها. وفي الختام، لم يتمكن نور الدين ميهوبي قط - وقد حُرم حماية القانون أثناء كامل مدة احتجازه، التي لا تزال مجهولة - من الطعن في قانونية احتجازه ولا من طلب القاضي الإفراج عنه، وفي ذلك انتهاك للفقرة 4 من المادة 9 من العهد.

3-5 وتؤكد صاحبة البلاغ أن ابنها، بسبب حبسه الانفرادي، لم يعامل معاملة إنسانية ولم تحترم كرامته الإنسانية، وفي ذلك انتهاك للفقرة 1 من المادة 10 من العهد.

3-6 وتدفع صاحبة البلاغ أيضا ً بأن نور الدين ميهوبي ، بوقوعه ضحية اختفاء قسري، يكون قد حُرم حماية القانون، الأمر الذي ينتهك المادة 16 من العهد.

3-7 وتؤكد صاحبة البلاغ بأن الدولة الطرف، بعدم استجابتها لأي من مساعيها لمعرفة مصير ابنها، تكون قد أخلت بالتزاماتها القاضية بتوفير سبيل انتصاف فعال لنور الدين ميهوبي ، لأنه كان يتعين عليها إجراء تحقيق معمق وجادّ في اختفائه وإبلاغ أسرته بنتائجه. بل إن عدم توفير سبيل انتصاف فعال صار صارخا ً حيث إنّ عفو ا ً شاملاً وعامّ ا ً قد تقرر بعد صدور الأمر رقم 06-01 في 27 شباط/فبراير 2006 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي يمنع، تحت طائلة السجن، اللجوء إلى القضاء لكشف ملابسات الجرائم الأخطر مثل الاختفاء القسري، الأمر الذي يمكّن المسؤولين عن الانتهاكات من الإفلات من العقاب. إن قانون العفو هذا يخل بالتزام الدولة بالتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وينتهك حق الضحايا في سبيل انتصاف فعال. واستنتجت صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف انتهكت حقها وحق ابنها بمقتضى الفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

3-8 وعن استنفاد سبل الانتصاف المحلية، تشدد صاحبة البلاغ على أن جميع المساعي التي قامت بها هي وأسرتها باءت بالفشل. وكرّرت الأسرة طلباتها إلى جميع المؤسسات التي بإمكانها أن تساعدها، منها المرصد الوطني لحقوق الإنسان (الذي تحول إلى اللجنة الوطنية الاستشارية لحماية حقوق الإنسان وترقيتها) ووزارة العدل ورئيس الجمهورية. ولم تستجب أي من هذه المؤسسات لطلباتها رغم اعتراف السلطات القضائية في تموز/يوليه 1996 بأن أمن دائرة بوسعادة قبض واحتجز فعلا ً نور الدين ميهوبي . يضاف إلى ذلك أن عائلة ميهوبي كانت دائما ً جادة. فصاحبة البلاغ كانت دوما ً تستجيب للاستدعاءات التي تَرِد عليها. لكن التحريات لم تسمح قط بالكشف عن مصير نور الدين ميهوبي . فالاستنتاجات التي كانت تبلَّغ إلى الأسرة لم تكن ناقصة فحسب، بل غير ملائمة للمقام أيضا ً ، ذلك أن الأمر بالقبض يكون، وفق ما جاء في رسالة المرصد الوطني لحقوق الإنسان المؤرخة 12 أيار/مايو 1996، قد صدر في حق نور الدين ميهوبي بينما كانت دوائر الأمن تحتجزه أصلا ً منذ شهرين. وعليه، لا يسع المرء إلا أن يتبين مما تقدّم أن جميع مساعي أسرة ميهوبي خابت ولم تحقق المراد.

3-9 وفي المقام الثاني، تدفع صاحبة البلاغ بأنه بات من المستحيل عليها قانونا ً اللجوء إلى هيئة قضائية بعد صدور الأمر رقم 06-01 المشار إليه آنفا ً . فإذا كانت جميع الطعون التي قدمت غير مجدية وغير فعالة أصلا ً ، فإنها لم تعد متاحة منذئذ.

ملاحظات الدولة الطرف

4-1 في 29 أيار/مايو 2009، طعنت الدولة الطرف في مقبولية البلاغ في "مذكرة مرجعية بشأن عدم مقبولية البلاغات المقدمة إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان فيما له علاقة بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية". ورأت الدولة في الواقع أن هذه البلاغات ، التي ت رمي بال مسؤولية على الموظفين العموميين أو الذين يخضعون في عملهم للسلطات العامة عن حدوث حالات الاختفاء القسري في أثناء الفترة موضوع تلك البلاغات ، أي ما بين عامي 1993 و1998، يجب معالجتها في إطار شامل، وإعادة وضع الأحداث المُدعى وقوعها في السياق الداخلي الاجتماعي - السياسي والأمني لفترة كان ت ا لحكومة تكافح فيها الإرهاب.

4-2 وكان على الحكومة في أثناء هذه الفترة أن تكافح جماعات غير منظمة. ونتيجة لذلك، فقد جرت عدة عمليات في ظروف غامضة لدى السكان المدنيين. وكان من الصعب على هؤلاء السكان أن يُفرقوا بين عمليات الجماعات الإرهابية وعمليات قوات الأمن . ومن ثمّ فإن حالات الاختفاء القسري ترجع إلى مصادر متعددة، وهي في نظر الدولة الطرف ليست من فعل الحكومة. واستناداً إلى بيانات موثقة من عدة مصادر مستقلة، يشير المفهوم العام للشخص المختفي في الجزائر في أثناء الفترة موضوع تلك البلاغات إلى ست حالات مختلفة لا تتحمل الدولة المسؤولية في أي منها. و تذكر الدولة الطرف حالة الأشخاص الذين أبلغ أقاربهم عن اختفائهم ، في حين أنهم قرروا من تلقاء أ نفسهم الاختفاء عن الأنظار للانضمام إلى الجماعات المسلحة ، وطلبوا من أسرهم أن تعلن أن الدوائر الأمنية قد ألقت القبض عليهم "للتضليل" وتجنّب "مضايقات" الشرطة. وتتعلق الحالة الثانية بالأشخاص الذين أُبلغ عن اختفائهم بعد إلقاء الدوائر الأمنية القبض عليهم لكنهم انتهزوا الفرصة بعد إطلاق سراحهم للاختفاء عن الأنظار . وقد يتعلق الأمر أيضاً بحالة الشخص المفقود الذي اختطفته جماعات مسلحة لا تُعرف هويتها أو انتحلت صفة أفراد الشرطة أو الجيش بارتداء زيهم أو استخدام وثائق هويتهم، فاعتُبرت خطأً عناصر تابعة للقوات المسلحة أو للدوائر الأمنية. وتتعلق الحالة الرابعة بالأشخاص الذين تبحث عنهم أسرهم بعد أن قرروا من تلقاء أ نفسهم هجر أقاربهم، بل مغادرة البلد أحيانا ً بسبب مشاكل شخصية أو خلافات عائلية. وقد يتعلق الأمر في الحالة الخامسة بأشخاص أبلغت أسرهم عن اختفائهم و هم في واقع الأمر إرهابي و ن مطلوبون أو قُتلوا أو دُفنوا في الأدغال في أعقاب نزاعات بين جماعات مسلحة متنافسة. وأخيراً، تذكر الدولة الطرف حالة أشخاص يجري البحث عنهم باعتبارهم مفقودين وهم يعيشون في واقع الأمر إما في البلد أو خارج ه ب هويات مزورة حصل وا عليها عن طريق شبكة مذهلة لتزوير الوثائق.

4-3 وتؤكد الدولة الطرف أن تنو ّ ع الحالات التي يغطيها المفهوم العام للاختفاء وت َ ع َ ق ُّ دها ه ما اللذان دفع ا المشرِّع الجزائري، بعد الاستفتاء الشعبي على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، إلى اقتراح معالجة مسألة المفقودين في إطار شامل بالتكفل بجميع المفقودين في سياق " المأساة الوطنية " ، ومساندة جميع الضحايا حتى يتسنى لهم التغلب على هذه المحنة، ومنح جميع ضحايا الاختفاء و لذوي الحقوق من أهلهم الحق في تعويض . وتشير إحصاءات وزارة الداخلية إلى أنه أُبْلغ عن 023 8 حالة اختفاء، و أن الجهات المعنية بحث ت 774 6 ملفاً، وق ُ بل دفع تعويض لأصحاب 704 5 ملفات، ورفض 934 ملفاً ، و لا يزال 136 ملفاً قيد البحث . و قد د ُ فع ت تعويض ات بمبلغ 390 459 371 د ينا راً جزائرياً لجميع الضحايا المعنيين. ويُضاف إلى ذلك مبلغ 683 824 320 1 ديناراً جزائرياً يُدفع في شكل معاشات شهرية.

4-4 وتحتج الدولة الطرف أيضاً بعدم استنفاد جميع سبل الانتصاف المحلية. وتلاحظ الدولة الطرف أنه يتبين من إفادات صاحبة البلاغ أن ها وجَّه ت رسائل إلى السلطات السياسية أو الإدارية، وعر ضت قضيتها على هيئات استشارية أو هيئات وساطة ، وأرسل ت عريضة إلى ممثلين للنيابة العامة ، لكنها لم تلتمس سبل الانتصاف القضائي ة بمعناه ا الدقيق وتستمر فيها حتى النهاية باستخدام جميع ال سبل المتاحة في الاستئناف والنقض. ومن بين هذه الهيئات جميعها، لا يحق سوى لممثلي النيابة العامة بموجب القانون فتح تحقيق أولي وعرض المسألة على قاضي التحقيق. ف في النظام القضائي الجزائري، يتلقى وكيل الجمهورية الشكاوى ويتولى تحريك الدعوى العامة عند الاقتضاء. ولكن لحماية حقوق الضحية أو أصحاب الحقوق من أهله ، يُجيز قانون الإجراءات الج ز ائية لهؤلاء تقديم شكوى والادعاء بالحق المدني مباشرة أمام قاضي التحقيق. وفي هذه الحالة، تكون الضحية وليس المدعي العام هي من يحرك الدعوى العامة بعرض الحالة على قاضي التحقيق. ولم يُستخدم هذا السبيل في الانتصاف المنصوص عليه في المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الج ز ائية مع أنه كان يكفي الضحايا تحريك الدعوى العامة و إلزام قاضي التحقيق بإجراء التحقيق، حتى لو كانت النيابة العامة قد قررت خلاف ذلك.

4-5 وتلاحظ الدولة الطرف ، إضافة إلى ذلك، أن أصحاب البلاغ ات يرون أنه لم يعد ممكناً، ب اعتماد الميثاق و نصوص تطبيق ه عن طريق الاستفتاء، وبخاصة المادة 45 من الأمر رقم 0 6- 0 1، تخيل أنه يوجد في الجزائر سبل انتصاف محلية فعالة ومجدية و متاحة لأسر ضحايا الاختفاء. وعلى هذا الأساس، اعتقد أص ح ا ب البلاغ ات أنه م في ح ِ ل ّ من واجب اللجوء إلى الهيئات القضائية المختصة بالحكم مسبقاً على موقف هذه الهيئات وتقديره ا في تطبيق هذا الأمر. و الحال أنه لا يجوز لأصح ا ب البلاغ ات أن ي حتجوا بهذا الأمر و ب نصوص تطبيق ه لتبرئة أنفسهم من ال مسؤولية عن عدم اتخاذ الإجراءات القضائية المتاحة. وتذكِّر الدولة الطرف بالآراء السابقة التي اعتمدتها اللجنة وذهبت فيها إلى أن اعتقاد شخص عدم جدوى سبيل لل انتصاف أو افتراضه ذلك من تلقاء نفسه لا يُعفيه من استنفاد سبل الانتصاف المحلية جميعها ( ) .

4-6 وتتناول الدولة الطرف بعد ذلك طبيعة ميثاق السلم والمصالحة الوطنية والأسس التي يستند إليها ومضمونه ونصوص تطبيقه. وت ؤكد على أن اللجنة مدعوة، بموجب مبدأ عدم قابلية السلم للتصرف فيه و الذي أصبح حقاً دولياً في السلم، إلى أن تهيئ إرساء دعائم السلم وت دعم المصالحة الوطنية حتى تتمكن الدول التي تعاني أزمات داخلية من ت دعيم قدراتها. وفي سياق هذا الجهد من أجل المصالحة الوطنية، اعتمدت الدولة الأمر رقم 06-01 الذي ينص على تدابير قانونية تستوجب انقضاء الدعوى العمومية واستبدال العقوبات أو تخفي ف ها بالنسبة لكل شخص مدان بارتكاب أعمال إرهابية أو استفاد من الأحكام المتعلقة بالوئام المدني، فيما عدا الأشخاص الذين ارتكبوا مجازر جماعية أو انتهكوا الحرمات أو استعم لوا المتفجرات في الاعتداءات على الأماكن العمومية أو تواط ؤوا على ذلك . وينص هذا الأمر أيضاً على إجراءات دعم سياسة التكفل بمسألة المفقودين برفع دعوى لاستصدار حكم قضائي بالوفاة يمنح ذوي الحقوق من ضحايا " المأساة الوطنية " الحق في التعويض. وبالإضافة إلى ذلك، اتخذت تدابير اجتماعية - اقتصادية مثل تقديم مساعدات للعودة إلى الحياة المهني ة أو تعويض كل من تنطبق عليه صفة ضحية " المأساة الوطنية " . وأخيراً، ينص الأمر على تدابير سياسية مثل منع أي شخص استغل ا لدين في الماضي استغلالا ً أدى إلى " المأساة الوطنية " من ممارسة نشاط سياسي؛ كما يقضي ب عدم قبول أي ملاحقة قانونية فردية أو جماعية تستهدف أفراد قو ات الدفاع والأمن التابعة للجمهورية، بجميع مكوناتها، بتهمة ارتكاب أعمال نفذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات، ونجدة الأمة والحفاظ على مؤسسات الجمهورية.

4-7 وترى الدولة الطرف أن شعب الجزائر صاحب السيادة وافق على الشروع في عملية مصالحة وطنية باعتبارها السبيل الوحيد لتضميد جراحه . ويندرج إعلان هذا الميثاق في إطار الرغبة في تجنب حالات المواجهة القضائية، وال تشهير الإعلامي، وتصفية الحسابات السياسية. ولذا تعتبر الدولة الطرف أن الوقائع التي ي دعيها أصحاب البلاغ ات مشمولة بالآلية الداخلية الجامعة للتسوية ، التي تنص عليها أحكام الميثاق.

4-8 وتطلب الدولة الطرف إلى اللجنة أن تلاحظ أوجه الشبه بين الوقائع والأوضاع التي وصف ت ها صاحبة البلاغ والسياق الاجتماعي - السياسي والأمني الذي حدثت فيه؛ وعدم استنفاد أصحاب البلاغات جميع سبل الانتصاف المحلية؛ و تفعيل سلطات الدولة الطرف آلية داخلية لمعالجة الحالات المشار إليها في البلاغات المعنية وتسويتها تسوية شاملة وفق مسار لل سلم و ال مصالحة الوطنية يتفق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والعه ود والاتفاقيات اللاحقة؛ وأن تخلص إلى عدم مقبولية هذا البلاغ؛ وتطالب صاحبته بالتماس سبل الطعن على النحو المطلوب .

تعليقات صاحبة البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف

5-1 ترى صاحبة البلاغ في تعليقاتها المؤرخة 25 نيسان/أبريل 2013 أنه لا يمكن للدولة الطرف أن تحتج، في مرحلة المقبولية ، باعتماد تدابير تشريعية وإدارية داخلية تهدف إلى التكفل بضحايا "المأساة الوطنية" بغية منع الأفراد الخاضعين لولايتها من اللجوء إلى آلية ينص عليها البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد. وفي الحالة موضع النظر، تعد التدابير التشريعية المعتمدة في حد ذاتها انتهاكا ً للحقوق الواردة في العهد، وقد سبق للجنة أن أشارت إلى ذلك ( ) .

5-2 و ت ذكِّر صاحب ة البلاغ بأن إعلان الجزائر حالة الطوارئ في 9 شباط/فبراير 1992 لا ينبغي أن يؤثر في شيء على حق الأفراد في تقديم بلاغات فردية إلى اللجنة. لذا ، فهي ترى أن الاعتبارات التي أثارتها الدولة الطرف بشأن مدى ملاءمة تقديم البلاغ ل يست أساسا ً وجيها ً لعدم المقبولية .

5-3 وفيما يتعلق بالحجة التي ساقتها الدولة الطرف ومؤداها أن استنفاد سبل الانتصاف المحلية يستلزم من صاحبة البلاغ أن تحرك دعوى عامة من خلال تقديم شكوى عن طريق الإدعاء بالحق المدني أمام قاضي التحقيق، عملاً بالمادة 72 وما تلاها من مواد قانون الإجراءات الجزائية، تشير صاحبة البلاغ إلى سوابق اللجنة ( ) ، وترى أنه، نظرا ً للخطورة الجسيمة التي تكتسيها الوقائع المزعومة، لا يمكن الاحتجاج بعدم ادعاء صاحبة البلاغ بالحق المدني للتستر على عدم إجراء ملاحقات جنائية التي كان من المفروض أن تبادر بها الدولة الطرف من تلقاء نفسها. فكل من السلطات القضائية والحكومية أبلِغت باختفاء نور الدين ميهوبي ، لكن ملابسات اختفائه ومصيره الحالي لا يزالان مجهولين. فالدولة الطرف لم تؤد واجبها الذي يقضي بأن تتحرى وتحقق في كل انتهاك خطير لحقوق الإنسان.

5-4 وعن حجة الدولة الطرف القائلة بأن مجرد "الاعتقاد أو الافتراض الشخصي" لا يعفي صاحب بلاغ ما من استنفاد سبل الانتصاف المحلية، ت شير صاحبة البلاغ إلى المادتين 45 و 46 من الأمر رقم 06 / 01 . و لم تبين الدولة الطرف بشكل مقنع كيف كان ل تقديم شكوى عن طريق الادعاء بالحق المدني أن يتيح للجهات القضائية المختصة ليس فقط تلقي الشكوى والتحقيق فيها، الأمر الذي كان سيؤدي إلى انتهاك ا لم ادة 45 من الأمر، بل أيضا ً حماية صاحبة البلاغ من تطبيق المادة 46 من الأمر . و تؤدي قراءة هذه الأحكام موضوعيا ً إلى نتيجة مؤداها أن أي شكوى تتعلق بالانتهاكات التي وقع ضحيتها كل من صاحبة البلاغ وابنها لن تكون مرفوضة فحسب ، بل وسيُعاقب مقدموها جنائيا ً أيضا ً . وتلاحظ صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف لم تضرب أي مثال على أي قضية كانت ستفضي، رغم وجود الأمر المشار إليه، إلى ملاحقة فعلية لمرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في حالة تشبه الحالة محل النظر.

5-5 وفيما يتعلق بموضوع البلاغ، ت لاحظ صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف اكتفت بذكر السياقات العامة المحتملة لاختفاء ضحايا "المأساة الوطنية". فملاحظاتها العامة هذه لا تنفي ألبتة الوقائع المزعومة في هذا البلاغ، وهي ملاحظات تكررت في قضايا مماثلة، الأمر الذي يدل على أن الدولة الطرف مستمرة في عدم رغبتها في تناول كل قضية من هذه القضايا على حدة والتخفيف من معانا تها وأسرتها .

5-6 وتدعو صاحبة البلاغ اللجنة إلى أن تعتبر أن ادعاءاتها مؤيدةً بما يكفي من الأدلة لأنها لا تستطيع تقديم المزيد من العناصر لدعم بلاغها بالنظر إلى أن الدولة الطرف هي وحدها التي تملك معلومات صحيحة عن مصير الشخص المعني.

5-7 وترى صاحبة البلاغ أن في عدم الرد على البلاغ من حيث موضوعه تسليم ا ً ضمنيا ً بحقيقة الوقائع المزعومة. إن صمت الدولة الطرف علامة على اعترافها بعدم أدائها الواجب الملقى على عاتقها والقاضي بالتحقيق في الاختفاء القسري الذي أبلِغت به، وإلا فإنها كانت قادرة على تقديم جواب مفصل بناء على نتائج التحقيقات التي كان عليها أن تجريها. وعليه، تؤكد صاحبة البلاغ، من جهة الموضوع، مجمل الادعاءات الواردة في رسالتها الأولى.

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

6-1 تذكّر اللجنة بدايةً بأن قرار الجمع بين المقبولية والأسس الموضوعية الذي اتخذه المقرر الخاص لا يستبعد أن تنظر اللجنة في كل أمر على حدة. الجمع بينهما لا يعني تزامن النظر فيهما. وعليه، ف قبل النظر في أي شكوى ترد في بلاغ ما، يتعين على اللجنة، وفقاً للمادة 93 من نظامها الداخلي، أن تقرر إن كان البلاغ مقبولا ً بمقتضى البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد.

6-2 و يتعين على اللجنة أن تتأكد، بموجب الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة ذاتها ليست قيد الدراسة أمام هيئة أخرى من هيئات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية. وتلاحظ اللجنة أن فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي قد أُخطر باختفاء نور الدين ميهوبي ، إلاّ أنها تذكّر بأن الإجراءات أو الآليات الخارجة عن نطاق المعاهدات، التي وضعتها لجنة حقوق الإنسان أو مجلس حقوق الإنسان اللذان تتضمن ولايتهما دراسة حالة حقوق الإنسان في بلد أو إقليم ما وتقديم تقارير بهذا الشأن وبشأن الانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان في العالم، لا تندرج عموما ً ضمن إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية بالمفهوم الوارد في الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري ( ) . وعلى هذا، فإن اللجنة ترى أن نظر ا لفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في قضية نور الدين ميهوبي لا يجعل البلاغ غير مقبول بمقتضى هذه المادة.

6-3 وت لاحظ الل جنة أن الدولة الطرف ترى أن صاحب ة البلاغ لم تستنفد سبل الانتصاف المحلية إذ إ نها لم تتوخ إمكانية عرض القضية على قاضي تحقيق عن طريق الادعاء بالحق المدني بموجب المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الجزائية . وتلاحظ أيضا ً أن الدولة الطرف ترى أن صاحبة البلاغ اكتفت بتوجيه رسائل إلى سلطات سياسية أو إدارية، وعر ضت قضيتها على هيئات استشارية أو هيئات وساطة ، وأرسل ت عريضة إلى ممثلين للنيابة العامة ، لكنها لم تلتمس سبل الانتصاف القضائي ة بمعناه ا الدقيق والاستمرار فيها حتى النهاية باللجوء إلى جميع سبل الانتصاف المتاحة في الاستئناف. وتشير اللجنة في هذا الصدد إلى أن صاحبة البلاغ توجهت في اليوم التالي من القبض على نور الدين ميهوبي إلى دوائر الشرطة في بوسعادة ، لكن دون جدوى. ثم قدمت شكوى اختطاف ابنها إلى المدعي العام بمدينة بوسعادة كانت سببا ً في الاعتراف بأن أمن دائرة بوسعادة قبض على نور الدين ميهوبي الذي سُلم لاحقا ً إلى أمن ولاية الجزائر العاصمة في 7 شباط/فبراير 1993. وتوجهت الأسرة أيضا ً إلى المدعي العام بالجزائر العاصمة وقدمت طلبات عدة إلى ممثلين لحكومة الدولة الطرف، والمرصد الوطني لحقوق الإنسان والهيئة التي حلت محله، دون نتيجة. ولم تفض أي من هذه المساعي إلى إجراء تحقيق فعال ولا إلى ملاحقة الجناة وإدانتهم.

6-4 وتذكّر اللجنة بأن الدولة الطرف ليست ملزمة فقط بإجراء تحقيقات شاملة في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان المبلّغ عنها إلى سلطاتها، لا سيما عندما يتعلق الأمر باختفاء قسري وانتهاك الحق في الحياة، بل ملزمة أيضاً بملاحقة كل من يشتبه في أنه مسؤول عن تلك الانتهاكات ومحاكمته ومعاقبته ( ) . ومع أن صاحبة البلاغ أخطرت السلطات المختصة عدة مرات باختفاء ابنها، فإن الدولة الطرف لم تجر أي تحقيق معمّق وجاد رغم أن الأمر يتعلق بمزاعم خطيرة متصلة باختفاء قسري. ثم إن الدولة الطرف لم تقدم معلومات تسمح بالاستنتاج أن سبيل انتصاف فعالا ً ومتاحا ً وقائما ً كان موجودا ً بالفعل في الوقت الذي يستمر فيه العمل بالأمر 06-01 رغم توصيات اللجنة التي طلبت فيها جعل أحكام هذا الأمر منسجمة مع أحكام العهد ( ) . ونظراً للطابع غير الدقيق لنص المادتين 45 و46 من الأمر، ونظراً لعدم تقديم الدولة الطرف معلومات مقنعة عن تفسير نص المادتين وتطبيقهما عملياً، فإن المخاوف التي أعربت عنها صاحبة البلاغ بشأن العواقب المترتبة على تقديم شكوى هي مخاوف معقولة. وتذكّر اللجنة بأنه لكي يكون البلاغ مقبولا ً ، ليس لصاحبه إلا استنفاد سبل الانتصاف الفعالة بغية تصحيح الانتهاك المزعوم، وهي في حالة هذه القضية سبل الانتصاف الفعالة من الاختفاء القسري. وتذكّر أيضا ً بسوابقها مؤكدةً أن الادّعاء بالحق المدني في جرائم خطيرة مثل تلك التي يُدعى ارتكابها في القضية محل النظر لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يحل محل الإجراءات القضائية التي ينبغي أن يتخذها وكيل الجمهورية نفسه ( ) . وتخلص اللجنة إلى أن الفقرة 2(ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري ليست عائقاً أمام مقبولية البلاغ.

6-5 وترى اللجنة أن صاحبة البلاغ علّلت ادعاءاتها بما فيه الكفاية من حيث إن هذه الادعاءات تثير مسائل تتعلق بالمواد 6، و7، و9، و10، و16، و2 (الفقرة 3) من العهد، ومن ثم تنتقل إلى النظر في الأسس الموضوعية للبلاغ.

النظر في الأسس الموضوعية

7-1 نظرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أتاحها لها الطرفان، بموجب الفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري .

7-2 وقدّمت الدولة الطرف ملاحظات جماعية وعامة بخصوص الادعاءات الخطيرة التي أثارتها صاحبة البلاغ واكتفت بالتأكيد على أن البلاغات التي تجرم موظفين عموميين أو خاضعين في عملهم للسلطات العامة عن حالات الاختفاء القسري التي حدثت في الفترة من عام 1993 إلى عام 1998 يجب أن تُعالج في إطار شامل يراعي السياق الداخلي الاجتماعي والسياسي والأمني السائد في البلد في فترة كان على الحكومة أن تكافح فيها الإرهاب. وتلاحظ اللجنة أن على الدولة الطرف، بموجب العهد، أن تهتم بمصير كل فرد من الأفراد الذين يجب معاملتهم معاملة تليق بكرامتهم الإنسانية المتأصلة. وتحيل اللجنة إلى سوابقها ( ) ، وتذكّر بأن على الدولة الطرف ألا تتذرع بأحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في وجه الأشخاص الذين يحتجون بأحكام العهد أو الذين قدموا أو قد يقدمون بلاغات إلى اللجنة. ونظرا ً لعدم إدخال التعديلات التي أوصت بها اللجنة، فإن الأمر رقم 06-01 يبدو أنه يعزّز الإفلات من العقاب؛ وبذلك لا يمكن اعتباره، بصيغته الحالية، متوافقاً مع أحكام العهد ( ) .

7-3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم ترد على ادعاءات أصحاب البلاغات من حيث الأسس الموضوعية، وتذكر بسوابقها ( ) التي جاء فيها أن عبء الإثبات يجب ألا يقع على عاتق صاحب البلاغ وحده، خاصة أن صاحب البلاغ لا يتساوى دائماً مع الدولة الطرف في إمكانية الحصول على عناصر الإثبات وأن المعلومات اللازمة تكون في أغلب الأحيان في حوزة الدولة الطرف فقط. وت ستنتج ضمنياً من الفقرة 2 من المادة 4 من البروتوكول الاختياري أن الدولة الطرف ملزمة بال تحقق بحسن نية في جميع الادعاءات بشأن انتهاكات أحكام العهد التي تنسب إلى الدولة الطرف نفسها أو  إلى ممثل ي ها ، وأن تحيل المعلومات التي تكون في حوزتها إلى اللجنة ( ) . ونظراً لعدم تقديم الدولة الطرف أي توضيح بهذا الخصوص، فلا بد من إيلاء ادعاءات أصحاب البلاغ ات الاهتمام الواجب ما دامت معللة بما فيه الكفاية .

7-4 وتلاحظ اللجنة أن صاحبة البلاغ تقول إن ابنها اختفى منذ القبض عليه في 27 كانون الثاني/يناير 1993 وأن السلطات لم تجر تحقيقا ً فعالا ً جديرا ً بأن يكشف مصيره رغم اعترافها بالقبض عليه. وتلاحظ أيضا ً أن صاحبة البلاغ تقول إن احتمال العثور على نور الدين ميهوبي حيا ً ضعيف جدا ً وأن غيابه الطويل يوحي بأنه توفي أثناء الاحتجاز، وأن ظروف حبسه الانفرادي تنطوي على احتمال كبير للغاية أن يُنتهك حقه في الحياة لأن الضحية يكون تحت رحمة جلاديه الذين لا يخضعون لأي رقابة بسبب طبيعة تلك الظروف نفسها. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي دليل يفند هذا الادعاء. وتخلص اللجنة إلى أن الدولة الطرف أخلّت بالتزامه ـ ا بحماية حياة نور الدين ميهوبي ، وفي ذلك انتهاك للفقرة 1 من المادة 6 من العهد ( ) .

7-5 و تقر اللجنة بدرجة المعاناة التي ينطوي عليها الاحتجاز لمدة غير محددة دون اتصال بالعالم الخارجي . وتذكّر بتعليقها العام رقم 20(1992) على المادة 7، حيث توصي الدول الأطراف بسن أحكام تمنع الحبس الانفرادي. وتلاحظ اللجنة أن صاحبة البلاغ تقول إن شرطة بوسعادة قبضت على نور الدين ميهوبي يوم 27 كانون الثاني/يناير 1993 في ديس ( بوسعادة ) في بيت أخيه الذي قبض عليه أيضا ً في اليوم نفسه. وقيل إنه عُذب إضافة إلى ذلك على يد جلاديه في مركز شاتونوف ، وفق ما قاله رفقاء له في السجن أُفرج عنهم لاحقا ً . ونظرا ً لعدم تقديم الدولة الطرف أي توضيح مرضٍ بهذا الشأن، تلاحظ اللجنة وجود انتهاك متعدد للمادة 7 من العهد بخصوص نور الدين ميهوبي ( ) .

7-6 وتحيط اللجنة علماً أيضاً بما عانته صاحبة البلاغ من قلق وضيق جراء اختفاء نور الدين ميهوبي . وترى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن وقوع انتهاكٍ للمادة 7 في حقها ( ) .

7-7 وعن ادعاءات انتهاك المادة 9، تحيط اللجنة علما ً بمزاعم صاحبة البلاغ التي تؤكد أن الشرطة قبضت على نور الدين ميهوبي في 27 كانون الثاني/يناير 1993 دون توضيح الأسباب، وأنه احتُجز بعد القبض عليه في مركز شرطة بوسعادة حيث قضى 11 يوما ً ، فيما قيل، حتى تسلميه إلى أمن ولاية الجزائر العاصمة. وجاء في معلومات وردت على العائلة لاحقا ً أن نور الدين ميهوبي نُقل بعدئذ إلى مركز شاتونوف حيث احتجز في حبس انفرادي مدة 18 شهرا ً وعُذب. ولم تقدم سلطات الدولة الطرف منذئذ أي معلومات إلى الأسرة عن مصير نور الدين ميهوبي . ومع أن رسالة المرصد الوطني لحقوق الإنسان المؤرخة 12 أيار/ مايو 1996 الموجهة إلى الأسرة تبيّن أن نور الدين ميهوبي كان مطلوبا ً بمقتضى أمر بالقبض عليه أصدرته المحكمة الخاصة في 31 آذار/مارس 1993 - أ ي بعد مرور شهرين على القبض عليه ، فإنه لم يُتّهم ولم يمثل أمام هيئة قضائية يمكن أن يلجأ إليها للطعن في قانونية احتجازه. ومع أن المدعي العام بمدينة بوسعادة اعترف في تموز/يوليه 2006 بالقبض على نور الدين ميهوبي واحتجازه، لم تُقدَّم أي معلومة رسمية إلى صاحبة البلاغ لا عن مكان احتجازه ولا عن مصيره. وبالنظر إلى أن الدولة الطرف لم تقدم أي توضيحات مرضية بهذا الشأن، فإن اللجنة تخلص إلى انتهاك المادة 9 من العهد في حق نور الدين ميهوبي ( ) .

7-8 وفيما يتعلق بالشكوى المقدّمة بموجب الفقرة 1 من المادة 10، تؤكد اللجنة مجدداً أن الأشخاص المسلوبة حريتهم يجب ألا يتعرضوا لأي حرمان أو إكراه عدا ما هو ملازم لسلب الحرية، وأنه يجب معاملتهم بإنسانية واحترام كرامتهم. ونظراً لاحتجاز نور الدين ميهوبي في الحبس الانفرادي ونظراً كذلك لعدم تقديم الدولة الطرف معلومات بهذا الخصوص، تخلص اللجنة إلى أن الفقرة 1 من المادة 10 من العهد قد انتُهكت في حق نور الدين ميهوبي ( ) .

7-9 أما عن مزاعم انتهاك المادة 16، فإن اللجنة تكرر ما جاء في سوابقها الثابتة ومؤداها أن حرمان شخص ما عمداً من حماية القانون لفترة مطولة يمكن أن يشكل رفضاً للاعتراف بشخصيته القانونية إذا كان هذا الشخص في قبضة سلطات الدولة عند ظهوره للمرة الأخيرة، وإذا كانت جهود أقاربه الرامية إلى الوصول إلى سبل انتصاف فعالة، بما فيها المحاكم (الفقرة 3 من المادة 2 من العهد)، تعترضها المعوقات بانتظام ( ) . وفي القضية قيد البحث، تلاحظ اللجنة أن سلطات الدولة الطرف لم تقدّم أي معلومات إلى الأسرة عن مصير نور الدين ميهوبي منذ القبض عليه في 27 كانون الثاني/يناير 1993، على الرغم من الطلبات العديدة المقدمة إلى كثير من سلطات الدولة الطرف. وتخلص اللجنة إلى أن اختفاء نور الدين ميهوبي قسراً منذ أكثر من 20 عاماً حرمه حماية القانون وحرمه حقّه في أن يُعترف له بشخصيته القانونية، وفي ذلك انتهاك للمادة 16 من العهد.

7-10 وتحتج صاحبة البلاغ بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد التي تلزم الدول الأطراف بأن تكفل سبيل انتصاف فعال لجميع الأفراد الذين تكون حقوقهم المكفولة بموجب العهد قد انتهكت. وتُعلّق اللجنة أهمية على إنشاء الدول الأطراف آليات قضائية وإدارية مناسبة لمعالجة الشكاوى المتصلة بانتهاكات الحقو ق. وتذكّر بتعليقها العام رقم 31 (2004 ) الذي يذكر على وجه الخصوص أن عدم تحقيق دولة طرف في انتهاكات مزعومة قد يفضي، في حد ذاته، إلى انتهاك واضح للعهد. وفي القضية محل النظر ، أخطرت أسرة الضحية السلطات المختصة عدة مرات باختفاء نور الدين ميهوبي ، منها سلطات قضائية مثل المدعيين العامين بالجزائر العاصمة وبوسعادة ، لكن لم تسفر الجهود المبذولة عن أي نتيجة، ولم تجر الدولة الطرف أي تحقيق معمق وجاد في اختفاء نور الدين ميهوبي ، علما ً بأن أعوانا ً للدولة الطرف قبضوا عليه، إضافة إلى اعتراف الدولة الطرف بذلك. هذا، و إن استحالة اللجوء إلى هيئة قضائية بنص القانون، بعد صدور الأمر رقم 06-01، سبب في استمرار حرمان نور الدين ميهوبي وأسرته أي إمكانية للانتصاف الفعال، ذلك أن هذا الأمر يمنع، تحت طائلة السجن، اللجوء إلى القضاء لكشف ملابسات الجرائم الأخطر مثل الاختفاء القسري ( ) .

7-11 وتلاحظ اللجنة أيضا ً أن أسرة نور الدين ميهوبي شرعت في إجراءات إعلان الوفاة أدت إلى الإقرار باختفاء الشخص المعني في 12 نيسان/أبريل 2007 بمقتضى المادة 27 وما يليها من الأمر رقم 06-01، التي تنص على أنه يجوز، بعد إصدار الشرطة القضائية محضر معاينة حالة اختفاء ، إصدار حكم قضائي بالوفاة بناء على طلب أصحاب الحق والحصول على تعويض يستثني أي جبر آخر (انظر الفقرة 2-9 أعلاه). وتلاحظ اللجنة إلى أن التعويض المعروض يتوقف على اعتراف الأسرة بأن قريبها المختفي قد تُوفي. وتذكّر اللجنة في هذا الصدد بأن واجب الدول إجراء تحقيقات معمقة وجادة في الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، مثل الاختفاء القسري، بصرف النظر عن التدابير السياسية المتمثلة في "المصالحة الوطنية" التي قد تتخذها. وترى اللجنة بالخصوص أن منح تعويض لا يمكن أن يكون مشروطا ً بوجود تصريح بوفاة المختفي تبعا ً لإجراءات مدنية ( ) .

7-12 وتخلص اللجنة في ضوء ما تَقدّم إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف وقوع انتهاك للفقرة 3 من المادة 2، مقترنةً بالمواد 6، و7، و9، و10، و16 من العهد في حق نور الدين ميهوبي ؛ وانتهاك للفقرة 3 من المادة 2 من العهد، مقترنةً بالمادة 7 في حق صاحبة البلاغ.

8- واللجنة المعنية بحقوق الإنسان، إذ تتصرف وفقاً للفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد، ترى أن المعلومات المعروضة عليها تكشف انتهاك الدولة الطرف للمواد 6، و7 و9 و10، و16 من العهد والفقرة 3 من المادة 2 من العهد مقترنةً بالمواد 6، و7، و9، و10، و16 من العهد في حق نور الدين ميهوبي . وتلاحظ اللجنة أيضا ً انتهاك المادة 7 والفقرة 3 من المادة 2 مقترنةً بالمادة 7 من العهد في حق صاحبة البلاغ.

9- والدولة الطرف ملزمة، بمقتضى الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، بأن تتيح لأسرة نور الدين ميهوبي سبيل انتصاف فعّالاً يشمل على وجه الخصوص ما يلي: (أ) إجراء تحقيق معمق وجاد في اختفاء نور الدين ميهوبي ؛ (ب) تزويد أسرته بمعلومات مفصلة عن نتائج تحقيقها؛ (ج) الإفراج عنه فوراً إذا كان لا يزال في الحبس الانفرادي؛ (د) إعادة جثته إلى أسرته إذا كان قد توفي؛ (ﻫ) ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات المرتكبة ومحاكمتهم ومعاقبتهم؛ (و) تقديم تعويض مناسب إلى أسرته عن الانتهاكات التي تعرضت لها وكذلك إلى نور الدين ميهوبي إن كان لا يزال على قيد الحياة. وبصرف النظر عن الأمر رقم 06-01، يتعين على الدولة الطرف أيضاً أن تحرص على عدم إعاقة ممارسة الحق في سبيل انتصاف فعال بالنسبة لضحايا الجرائم من قبيل التعذيب والإعدام خارج نطاق القانون والاختفاء القسري. والدولة الطرف ملزمة أيضاً باتخاذ التدابير الضرورية لمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل.

10- واللجنة، إذ تضع في اعتبارها أن الدولة الطرف، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، قد اعترفت باختصاص اللجنة في تحديد ما إذا كان قد حدث انتهاك للعهد أم لا، وتعهّدت، عملاً بالمادة 2 من العهد بأن تكفل تمتع جميع الأفراد الموجودين في إقليمها والخاضعين لولايتها بالحقوق المعترف بها في العهد وبأن تتيح سبيل انتصاف فعالاً وقابلاً للإنفاذ متى ثبت حدوث انتهاك، تودّ أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون مائة وثمانين يوماً، معلومات عن التدابير التي اتخذتها لوضع آراء اللجنة موضع التنفيذ. وتطلب اللجنة إلى الدولة الطرف، إضافة إلى ذلك، نشر هذه الآراء على نطاق واسع بلغاتها الرسمية.

[اعتُمدت بالإسبانية والإنكليزية والفرنسية، علما ً بأن النص الفرنسي هو النص الأصلي. وستصدر لاحقاً بالروسية والصينية والعربية أيضاً كجزء من التقرير السنوي المقدم من اللجنة إلى الجمعية العامة.]

التذييل

رأي فردي للسيد فابيان عمر سالفيولي والسيد فيكتور مانويل رودريغيث ريسثيا

1- نحن متفقان مع رأي اللجنة ومع استنتاجاتها في قضية ميهوبي ضد الجزائر (البلاغ رقم 1874/2009). بيد أننا نرى أنه كان عليها أن تلاحظ أن الدولة الطرف خالفت الالتزام العام الملقى على عاتقها بمقتضى الفقرة 2 من المادة 2 من العهد باعتمادها الأمر رقم 06-01 الذي تتعارض بعض أحكامه مع العهد صراحةً، لا سيما المادة 46 منه. وكان عليها أن تلاحظ أيضا ً انتهاك الفقرة 2 من المادة 2، مقترنةً بأحكام أخرى من العهد من جهة الأسس الموضوعية. وفيما يتعلق بالتعويض، نرى أنه كان على اللجنة أن توصي الدولة الطرف بأن تجعل الأمر رقم 06-01 يتوافق مع أحكام العهد. ونعتقد، أخيرا ً ، أن إلزام عائلة الضحية باتخاذ إجراءات إعلان الوفاة يشكل معاملةً قاسية ولا إنسانية بمفهوم المادة 7 من العهد وأنه كان على اللجنة أن تشير إلى ذلك في آرائها.

2- ويوجد داخل اللجنة حاليا ً اختلافات في تطبيق مبدأ "المحكمة أدرى بالقانون" الذي يقضي بأن لكل هيئة دولية حريةَ تحديد القانون المنطبق حسب الوقائع الثابتة بصرف النظر عن الحجج القانونية المقدمة من الأطراف.

3- وتطبق الهيئات الدولية ذلك القانون منذ ما يقرب من قرن. فقد سنّته في أول الأمر محكمة العدل الدولي ة الدائمة التي حلت محلها محكمة العدل الدولية ( ) ، وأخذت به المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ( ) ، التي تعد سوابقها ثابتة في هذا الصدد ( ) ، وعلى أساس هذه السوابق بنت هيئات أخرى، مثل لجنة حقوق الإنسان ومحكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان ( ) واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ( ) ، ممارساتها الراهنة.

4- والموقف الذي يذهب إلى عدم إمكان تطبيق مبدأ "المحكمة أدرى بالقانون" على البلاغات المقدمة إلى اللجنة يتجاهل كون سوابق اللجنة تتضمن أمثلة عدة على آراء كانت اللجنة طبقت فيها بوضوح مواد لم تحتجّ بها الأطراف (مبدأ "المحكمة أدرى بالقانون")؛ وقد استشهدنا بكثير من هذه القضايا في آراء فردية سابقة ( ) .

5- ويتبين مما سلف أن مبدأ "المحكمة أدرى بالقانون" جزء لا يتجزأ من ممارسة الهيئات الدولية القضائية وشبه القضائية، سواء أكانت عالمية أم إقليمية (أوروبية وأفريقية ومشتركة بين البلدان الأمريكية)؛ ولا ينبغي للجنة المعنية بحقوق الإنسان أن تتخلى عن هذا الامتياز والاستعاضة عنه بممارسات تخص نظما ً قانونية وطنية متمثلة في القانون المدني أو القانون العرفي يختلف منطقها كليا ً عن منطق النظم الدولية التي تحكم حماية حقوق الإنسان.

6- ولا يتعلق الأمر لا بالمنفعة ولا بالمناسبة، فهذان معياران يجب عدم أخذهما في الحسبان في مداولات هيئة دولية معنية بحماية حقوق الإنسان؛ بل يتعلق الأمر بتطبيق القانون تطبيقا ً سليما ً . وبالتحديد، على اللجنة، عندما تُبين وقائع القضية بعد سردها وإثباتها وجود انتهاك، أن تدرج القضية في إطار القانون.

7- وبتطبيق اللجنة مبدأ "المحكمة أدرى بالقانون"، أسوةً بالهيئات الدولية لحقوق الإنسان، ترسي اللجنة سوابق قانونية متسقة مع وقائع ثابتة من الطبيعة نفسها (وهذا ليس أمرا ً مرغوبا ً فيه فحسب، بل أمرا ً منطقيا ً أيضا ً )، وفضلا ً عن ذلك تجنّب نفسها فخ المناورات السياسية التي قد تلجأ إليها الأطراف المعنية.

8- وتُظهر وقائع ثابتة عدة في القضية قيد البحث انتهاكات للعهد، وقد أثبتت اللجنة كثيرا ً منها، لكنها أغفلت أن تدرج ضمنها اعتماد نص معياري يتعارض مع العهد (الأمر الذي ينتهك التزام الدولة الطرف العام بموجب الفقرة 2 من المادة 2 من العهد ويخالف العديد من الحقوق الأساسية).

9- وكثيرا ً ما تلاحظ اللجنة انتهاكات للفقرة 3 من المادة 2 من العهد، وهذا ما فعلته في القضية محل النظر، ولا يوجد أي مبرر قانوني وجيه يمنعها من أن تعمد إلى تأويل مماثل بخصوص الفقرة 2 من المادة 2.

10- إن عدم وجود إطار قانوني مناسب ليس مسألة نظرية أو بحثية بحتة، فهي لا تخلو من تداعيات على تدابير التعويض. فمع أن تقدما ً كبيرا ً قد أحرز في هذا المجال في السنوات الأخيرة، فإن أشكال التعويض الموصى بها حتى الآن في قضايا من هذا النوع غير كافية من وجهة نظرنا. فلم توص اللجنة في القضية موضع البحث، على سبيل الجبر، بجعل الأمر رقم 06-01 يتوافق مع أحكام العهد، وهو شرط لا بد منه لمنع تكرار أمور مماثلة.

11- وفي الختام، كان ينبغي للجنة أن تذكر صراحة أن إلزام أسرة المختفي بالإقرار بوفاته للحصول على تعويض معاملة قاسية ولا إنسانية، وتشكل من ثم انتهاكا ً للمادة 7 من العهد. لكن اللجنة، بدلا ً من ذلك، اعتبرت هذا الوضع يَعْدل انتهاك حق ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في التعويض، واستنتجت وجود انتهاك للفقرة 3 من المادة 2، مقترنةً بالمادة 7 (الفقرتان 7-11 و7-12 من الآراء).

12- لقد اكتفت صاحبة البلاغ بالقول إن الأسرة شرعت في إجراءات إعلان الوفاة، وفقا ً لأحكام الأمر رقم 06-01 (الفقرة 2-9 من الآراء)، لكنها لم تستنتج من ذلك وجود انتهاك لحقوقها إذ إ نها لم تذكر ذلك قط لا في شكواها ولا في تعليقاتها على ملاحظات الدولة.

13- ومع ذلك، - نشدد على هذه النقطة مجددا ً - تناول اللجنة هذه الواقعة من الناحية القانونية في الفقرتين 7-11 و7-12، مطبقةً بذلك، في القضية قيد النظر نفسها، حقا ً لم تحتجّ به الأطراف، الأمر الذي يعد تنفيذا ً لمبدأ "المحكمة أدرى بالقانون".

14- لسنا نعارض تطبيق هذا المبدأ على هذا الجزء من البلاغ، لكننا نرى من الأنسب، من المنظور القانوني، النظر إلى إلزام الأسرة بالإقرار بوفاة فرد من أفرادها ضحية اختفاء قسري بأنه انتهاك للمادة 7 من العهد من حيث إ ن هذا الإلزام يشكل بالتأكيد معاملة قاسية ولا إنسانية.

[اعتُمدا بالإسبانية والإنكليزية والفرنسية، علما ً بأن النص الإسباني هو النص الأصلي. وسيصدران لاحقاً بالروسية والصينية والعربية أيضاً كجزء من التقرير السنوي المقدم من اللجنة إلى الجمعية العامة.]

رأي فردي للسي د جيرالد ل. ن ومان

1- أوافق كليا ً على آراء أغلب أعضاء اللجنة في البلاغ محل البحث، سواء بخصوص العناصر التي أبدت فيها اللجنة رأيها أو التي لم تبد فيها رأيها. والهدف من هذه السطور تقديم جواب واضح، بعرض وجهة نظري الشخصية، على حجةٍ مخالِفة ساقها السيدان سالفيولي ورودريغيث ريسثيا في رأيهما الفردي. وتوخّيا ً للإيجاز، سأنطلق من كون القارئ يعرف العهد وتفسيره، وسأتجنب التفاصيل التي ربما كانت مفيدة لقراء غير ملمين بالموضوع.

2- كتب أعضاء في اللجنة مرارا ً منذ عام 2009 آراء فردية يَدْعون فيها اللجنة إلى تعديل ممارستها التي انتهجتها منذ أمد بعيد كي تدرج في آرائها استنتاجات أن الدول الأطراف قد انتهكت الفقرة 2 من المادة 2 من العهد. ويمكن أن يفهم هذا الاستنتاج المقترح أن الأمر يتعلق إما بانتهاك الفقرة 2 من المادة 2 منفردةً أو بانتهاك الفقرة 2 من المادة 2 مقترنةً بحقٍّ أو أكثر من الحقوق المنصوص عليها في المواد من 6 إلى 27 من العهد.

3- أرى أن الحجج المقدمة في كلتا الحالتين لا توضح تماما ً المزايا العملية من هذا التغيير في مجال حماية حقوق الإنسان.

4- وأعلم أن محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، عندما تستنتج وجود انتهاك لمضمون أحكام الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، تقرن عادة المواد المعنية بالفقرة 1 من المادة 1 من الاتفاقية أو بالمادة 2 (أو بكليهما). ولا شك أنه كان للمحكمة مبرراتها لتناول المسألة بهذا الشكل في حكمها الأول والاستقرار عليه على مر الزمن. أما اللجنة المعنية بحقوق الإنسان فأخذت بنهج مخالف إذ إنها تمكنت، منذ مداولاتها الأولى، من أن تستنتج مباشرة وجود انتهاكات لمضمون أحكام العهد دون أن تحتاج إلى الاحتجاج، على سبيل الإض افة، بالفقرتين 1 و2 من المادة 2 .

5- وإذا كانت الممارسة الراهنة للجنة بخصوص الفقرة 2 من المادة 2 تمنعها من تحديد مدى مساهمة قوانين بعينها لدولة طرف في الانتهاك المعني، فقد يكون من المفيد تعديلها. لكن يتجلى من الآراء المعتمدة في القضية موضع البحث أن بإمكان اللجنة النظر في آثار القوانين على مصير الضحايا في القضية محل النظر.

6- وإذا كانت الممارسة الراهنة للجنة بخصوص الفقرة 2 من المادة 2 تمنعها من أن توصي دولة طرفا ً بتعديل إطارها القانوني من أجل حماية الضحية أو أشخاص آخرين يعيشون وضعا ً مشابها ً من انتهاكات جديدة، فقد يكون من المفيد تعديلها. لكن يتجلى من الفقرة 9 من الآراء المعتمدة في القضية موضع النظر أن بإمكان اللجنة تقديم تلك التوصيات. أضف إلى ذلك أن نص التوصية الواردة في الجملة ما قبل الأخيرة من الفقرة 9 يستند إلى دراسة متأنية للوضع في الدولة الطرف وليس إلى ممارسة عامة مجردة.

7- إن أمر تعديل ممارسة اللجنة لا يبدو فقط أن ه يفتقر إلى مزايا، بل لعله ينطوي أيضا ً على سلبيات. ثم إن من شأن إدخال إضافة زائدة في شكل استنتاج بوجود انتهاكات أكثر تجريدا ً أو صيغٍ من شاكلة "الفقرة 2 من المادة 2 مقترنةً بالمادتين 6 و7 والفقرة 1 من المادة 10" أن تقلل من وضوح آراء اللجنة، المعقدة بما يكفي أصلا ً . زِد على ذلك أنه بالنظر إلى حجم البلاغات المقدمة إلى اللجنة ووقت الاجتماعات المحدود المتاح لها، فمن شأن النقاشات الرامية إلى تحديد ما إذا كان يجب استنتاج وجود انتهاك للفقرة 2 من المادة 2 أو لا في قضية معينة أن تقلّص من الوقت الذي يمكن أن تخصصه اللجنة لمناقشة أكثر فائدة بشأن مسائل أخرى أو أن تعرقل البت بسرعة في البلاغات قصد تقليص الفترة التي يقضيها الضحايا في الانتظار.

8- وإذا كان النهج المقترح يذهب إلى أن تستنتج اللجنة وجود انتهاكات للفقرة 2 من المادة 2 بمعزل عن غيرها، فإن من شأن اعتماده أن يتعارض مع الممارسة العامة للجنة التي تقضي بألا يُستنتج وجود انتهاكات منفصلة عن أي فقرة من فقرات المادة 2 في البلاغات. إن هذه الممارسة تساعدها على التأكد من أن البلاغات تتعلق بضحايا تأثروا بشكل ملموس جراء انتهاكات حقوق محددة، وليس بأشخاص يعترضون بصورة مجردة على الطريقة التي تطبق بها دولة طرف ما العهد.

9- ومما يجدر بالذكر أيضا ً أن هذه الآراء الفردية تجمع بين الدعوة إلى استنتاج وجود انتهاك للفقرة 2 من المادة 2، وطرح فهم واسع لمبدأ "المحكمة أدرى بالقانون" ومؤداه أن من واجب اللجنة أن تستنتج أن ثمة انتهاكات تنشأ عن الوقائع، سواء أبلغت الأطراف بهذه الانتهاكات أو لا. والذي أراه أن اللجنة محقة، لدى تطبيقها هذا المبدأ، في الحذر من إعادة صياغة شكاوى أصحاب البلاغات. وفي إطار الفقرة 2 من المادة 2، ينبغي أيضا ً مراعاة أن قوانين الدول الأطراف غالبا ً ما تكون مكتوبة بلغات لا يعرفها أعضاء اللجنة وأن تفسير قانون من القوانين بغية تطبيقه لا يتجلى دائما ً من نصه. فقد تكون المعلومات والحجج التي تقدمها الأطراف مفيدة جدا ً للجنة لتحديد مدى مساهمة قوانين دولة طرف في الانتهاك المطروح للنظر وماهية التغييرات اللازمة لجعل الإطار القانوني للدولة الطرف يتوافق مع العهد.

10- ويضاف إلى ما تَقدّم أن التوصية بتعديل تشريعات دولة من الدول الأطراف تنطوي بوجه عام على تداعيات على مصالح أطراف أخرى لا يمكنها المشاركة في النظر في البلاغ. وبخلاف محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، تعمل هذه اللجنة في إطار قواعد سرية تمنع إبلاغ عامة الناس بالقضايا قيد الدراسة وإمكانية تقديم وجهات نظر أخرى للجنة. وبخلاف محكمة البلدان الأمريكية أيضا ً ، تعمد هذه اللجنة في سياق منفصل إلى بحث علني لتشريعات الدول الأطراف وممارساتها في إطار استعراض التقارير الدورية. قصدي من هذا الكلام ليس أنه ينبغي النظر في القوانين في إطار استعراض التقارير الدورية فقط، وإنما لفت الانتباه إلى الاختلافات التي قد تبرر توخي اللجنة كثيرا ً من الحذر عندما تنظر في قانون من القوانين في إطار بلاغ من البلاغات.

[اعتُمد بالإسبانية والإنكليزية والفرنسية، علما ً بأن النص الانكليزي هو النص الأصلي. وسيصدر لاحقاً بالروسية والصينية والعربية أيضاً كجزء من التقرير السنوي المقدم من اللجنة إلى الجمعية العامة.]