الأمم المتحدة

CCPR/C/103/D/1811/2008

Distr.: General

24 January 2012

Arabic

Original: French

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

البلاغ رقم 1811/2008

آراء اعتمدتها اللجنة في دورتها الثالثة بعد المائة (17 تشرين الأول/أكتوبر إلى 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2011)

المقدم من : طاوس جبار والسعدي شيهوب (تمثلهما ترايل(TRIAL) - منظمة مكافحة الإفلات من العقاب)

الشخص المدعى أنه ضحية : جمال ومراد شيهوب (ابناهما المولودان في 1997 و1980 على التوالي) وصاحبا البلاغ

الدولة الطرف : الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ : 25 آب/أغسطس 2008 (تاريخ الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية : قرار المقرر الخاص بمقتضى المادة 97 من النظام الداخل ي ، الذي أُحيل إلى الدولة الطرف في 18 أيلول/سبتمبر 2008 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء : 31 تشرين الأول/أكتوبر 2011

موضوع البلاغ : الاختفاء القسري لشخصين رهن الاحتجاز السري منذ 15 عاماً

المسائل الإجرائية : استنفاد سبل ال انتصاف المحلية

المسائل الموضوعية : الحق في الحياة، وحظر التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية ، و حق الفرد في الحرية وفى الأمان على شخصه ، واحترام كرامة الإنسان المتأصلة ، وحق كل إنسان بأن ي ُ عترف له بالشخصية القانونية ، وحظر التدخل غير القانوني أو التعسفي في حياة الأسرة، والحق في الحياة الأسرية، وحق القاصر في الحماية

مواد العهد : الفقرة 3 من المادة 2، و الفقرة 1 من المادة 6، و المادة 7، والفقرات 1 إلى 4 من المادة 9 ، و الفقرة 1 من المادة 10 ، و المادتان 16 و17، والفقرة 1 من المادة 23 والمادة 24

مادة البروتوكول الاختياري : الفقرتان 2(أ) و2(ب) من المادة 5

المرفق

آراء اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (الدورة الثالثة بعد المائة)

بشأن

البلاغ رقم 1811 / 2008 **

المقدم من: طاوس جبار والسعدي شيهوب (تمثلهما ترايل(TRIAL) - منظمة مكافحة الإفلات من العقاب )

الشخص المدعى أنه ضحية : جمال ومراد شيهوب (ابناهما المولودان في 1997 و1980 على التوالي) وصاحبا البلاغ

الدولة الطرف : الجزائر

تاريخ البلاغ : 25 آب/أغسطس 2008 (تاريخ الرسالة الأولى)

إن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ، المنشأة بموجب المادة 28 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد اجتمعت في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2011،

وقد فرغت من النظر في البلاغ رقم 1811 /2008، المقدم من السيدة طاوس جبار والسعدي شيهوب بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد وضعت في اعتبارها جميع المعلومات المكتوبة التي أتاحها لها صاحب ا البلاغ،

تعتمد ما يلي :

الآراء المعتمدة بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري

1-1 صاحبا البلاغ المؤرخ 25 آب/أغسطس 2008 هما طاوس جبار والسعدي شيهوب اللذان يحملان الجنسية الجزائرية. وهما يقدمان البلاغ نيابةً عن ابنيْهما جمال شيهوب ، المولود في 8 كانون الثاني/يناير 1977 في حسين داي (الجزائر العاصمة) ومراد شيهوب ، المولود في 29 أيلول/سبتمبر 1980 في الحراش (الجزائر العاصمة). ويدعي صاحبا البلاغ أن جمال شيهوب ومراد شيهوب تعرضا للاختفاء القسري الذي يمثل انتهاك الجزائر للفقرة 3 من المادة 2؛ والفقرة 1 من المادة 6؛ والمادة 7؛ والفقرات من 1 إلى 4 من المادة 9؛ والفقرة 1 من المادة 10؛ والمادتين 16 و17؛ و الفقرة 1 من المادة 23 من العهد. ويدعيان، فضل اً عن ذلك، أن مراد شيهوب تعرض لانتهاك حقوقه بموجب الفقرة 1 من المادة 24 من العهد. كما يدعي صاحبا البلاغ أيضاً أنهما ضحية انتهاك للفقرة 3 من المادة 2؛ والمادة 7؛ والمادة 17؛ والفقرة 1 من المادة 23 من العهد. وتمثلهما منظمة ترايل (منظمة مكافحة الإفلات من العقاب). وقد دخل العهد و ا لبروتوكول الاختياري الملحق به حيز النفاذ بالنسبة للجزائر في 12 أيلول/سبتمبر 1989.

1-2 وفي 12 آذار/مارس 2009، قرر المقرر الخاص المعني بالبلاغات الجديدة، متصرفاً باسم اللجنة، رفض طلب الدولة الطرف المؤرخ 3 آذار/مارس 2009، الذي تدعو فيه اللجنة إلى النظر في مسألة مقبولية البلاغ بمعزل عن أسسه الموضوعية.

الوقائع كما عرضها صاحبا البلاغ

2-1 كان جمال وهو شاب أعزب عاطل عن العمل، وأخوه مراد وهو طالب ، يقيمان معا ً في منزل والديهما في ب ر اقي في الجزائر العاصمة. ويدعي صاحبا البلاغ أنه في 16 أيار/مايو 1996، على الساعة الثامنة صباحا ً ، جاء عناصر من الجيش الجزائري إلى منزل الأسرة في براقي. وكانوا حوالي 20 فرداً من أفراد الجيش يرتدون الزي العسكري الخاص بوحدة المظليين التابعة لثكنة براقي، يرافقهم رجلان من مديرية الاستخبارات والأمن بالزي المدني، بالإضافة إلى رجل من المليشيا مقنَّع الوجه. وكان في حوزة عناصر الجيش قائمة تتضمن أسماء وصورا ً . وأبرز قائد المجموعة ( ) للسيد السعدي شيهوب صورة ابنه البكر سعيد شيهوب ، الذي كان قد غادر المنزل منذ حوالي عام ونصف، وسأله عن مكان وجوده فأجاب السيد سعدي شيهوب بأنه لا يعلم. وقبض عناصر الجيش على جمال شيهوب قائلين: "سنخلي سبيل جمال عندما يقوم سعيد بتسليم نفسه". وحاول سعدي شيهوب وابنه الأصغر مراد التدخل لكن الجنود ضربوا مراد فوقع أرضا ً . وبعد أن انتزعوا جمال من بين يدي والده أخذوه معهم وغادروا المكان. وجرت تلك الوقائع ب حضور صاحبيْ البلاغ وبناتهما الخمس وابنهما مراد الذين كانوا موجودين في الشقة. كما حضر العديد من الجيران تلك الواقعة ( ) .

2-2 ويدعي صاحبا البلاغ أن اختطاف ابنهما جمال تم في إطار حملة مداهمة مشتركة قامت بها أجهزة مختلفة تابعة للجيش، وتعرض خلالها العديد من الأشخاص القاطنين في نفس الحي للاعتقال. واقتيد جمال شيهوب إلى ثكنة مديرية الاستخبارات والأمن بيراقي أولا ً ثم إلى مركز قيادة العمليات في شاتونوف وفق اً لإفادة سجين آخر أُطلق سراحه لاحق اً. وتفيد معلومات أخرى غير مؤكدة، بأنه نُقل فيما بعد إلى ثكنة الأمن العسكري في بني مسوس . ومنذ ذلك الحين لم يره أحد من أهله. أما شقيقه البكر سعيد شيهوب الذي كان مطلوب اً يوم حضر عناصر الجيش إلى منزل الأسرة، فقد قتلته قوات الأمن في يوم 27 حزيران/يونيه 1996 على الطريق العام خلال اشتباك مع قوى الأمن. ومع ذلك، لم يتم إطلاق سراح جمال شيهوب الذي أُخذ رهينةً في إطار البحث عن أخيه سعيد وفق اً لما قاله الضابط الذي اعتقله .

2-3 وفي يوم 13 تشرين الثاني/نوفمبر 1996 ، حوالي الساعة الحادية عشرة ليل اً، قام عشرة جنود من ثكنة باراقي بكسر باب منزل أسرة صاحبي البلاغ واعتقلوا ابنهما الأصغر مراد شيهوب ، الذي كان آنذاك في السادسة عشرة من العمر، دون الاستظهار ب أمر توقيف أو حتى توضيح الأسباب. وكان الرائد نفسه الذي تولى اعتقال جمال شيهوب هو من نفذ العملية بمساعدة ملازميْن وضابطيْ صف. وكان برفقة عناصر الجيش أيضا ً عنصر من الميليشيا على الأقل، وهو يسكن في الحي ويعرفه السكان حق المعرفة وغالب اً ما يشارك في إجراءات من هذا النوع. وجرى اعتقال مراد شيهوب في حضور صاحبي البلاغ وأخواته الخمس. وكان هناك العديد من الجيران أيضا ً ( ) . وكاد والده السعدي شيهوب أن يُقتل أثناء محاولته التدخل. وخاطب الرائد الوالد مؤكد اً أنه لا يملك أي دليل يشير إلى تورط الضحية بشكل أو بآخر في أنشطة محظورة.

2-4 وقد اقتيد مراد شيهوب في البداية إلى ثكنة براقي مع أشخاص آخرين قُبِض عليهم. وعلمت أسرته فيما بعد من سجناء آخرين تم إطلاق سراحهم لاحقا ً أنه ظل محتجز اً هناك لمدة ثلاثة أشهر قبل أن يُنقل إلى مركز قيادة العمليات في حي المدنية ( صالومبيي )، ثم إلى مركز الأمن العسكري في بن عكنون . ولم يره أي من أفراد الأسرة وانقطعت أخباره منذ ذلك الحين.

2-5 واستمرت أسرة شيهوب ، وخاصة صاحبا البلاغ، في بذل المساعي بلا كلل من أجل العثور على الابنيْن. ففي أعقاب اعتقال جمال ومن بعده مراد شيهوب ، سعى صاحبا البلاغ فور اً إلى الاستعلام عن مصير ابنيهما وعن مكان احتجازهما، وسألا عنهما في مختلف الثكنات ومراكز الشرطة ومراكز الدرك في المنطقة وكذلك في النيابة العامة في الحراش ولم يتوصلا إلى نتيجة.

2-6 وفي 15 تموز/يوليه 1996، أرسل السعدي شيهوب رسالة إلى رئيس المرصد الوطني لحقوق الإنسان طلب فيها كشف مصير ابنه جمال. ثم وجه خطاب اً إلى رئيس الجمهورية في 26 تموز/يوليه 1996، وكذلك إلى وزير العدل في اليوم التالي. وبعد ذلك، أبلغ السعدي شيهوب المدعي العام لدى المحكمة العليا في الجزائر العاصمة عن اختطاف ابنه جمال شيهوب ، وذلك في رسالتين مؤرختين 7 أيلول/سبتمبر 1996. ولم يتلق أبداً أي رد. وفي 16 آذار/مارس 1997، وجه السعدي شيهوب خطاب اً آخر إلى رئيس الجمهورية ورسالة إلى أمين مظالم الجمهورية ملتمس اً منهما التدخل لكشف مصير ابنيه. وفي 4 حزيران/ يونيه 1997، راسل من جديد وزير العدل ولم يتم اتخاذ أي إجراء.

2-7 ولم يأت إقرار أمين مظالم الجمهورية باستلام التماس السعدي شيهوب إلا بعد مرور 10 أشهر على إبلاغه باختفاء جمال شيهوب ، وكان ذلك في 18 كانون الثاني/يناير 1998. وردَّ أمين المظالم في ذلك الخطاب بأن كل ما في وسعه القيام به هو إبلاغ الأجهزة المختصة بالقضية، وهو ما سبق أن قامت به الأسرة. وفي 4 تموز/ يوليه 1998، وجهت طاوس جبار خطاب اً إلى رئيس الجمهورية تلتمس منه المساعدة في قضية اختفاء ابنيها. ولم تتلق رد اً على خطابها.

2-8 وفي 13 تشرين الثاني/نوفمبر 1999، أي بعد عامين ونصف من إبلاغ الأسرة المرصدَ الوطني لحقوق الإنسان بموضوع اختفاء ابنها جمال، رد المرصد مشير اً إلى أن النتائج التي أسفر عنها تحقيق أجرته وحدة من الدرك الوطني تفيد بأن الابن لم يكن مطلوب اً من السلطات وبأن الأجهزة الأمنية لم تصدر ضده مذكرة توقيف، وبأن التحقيق لم يؤد في جميع الأحوال إلى معرفة أي شيء عن مصيره. وأشار هذا الخطاب أيض اً إلى محضر مؤرخ 18 كانون الثاني/يناير 1997، حرره الدرك الوطني بعد التحقيق في هذه القضية. غير أن صاحبي البلاغ لم يتسن لهما أبد اً الاطلاع على ذلك المحضر الذي كان من شأنه توفير معلومات عن الإجراءات العملية التي تم اتخاذها بشأن اختفاء جمال شيهوب . ولم تُبلَّغ الأسرة بفتح التحقيق وبمجرياته أثناء إجرائه، ولم تعلم بإغلاق ملف التحقيق إلا بعد مرور عامين تقريب اً، وقد علمت بذلك عن طريق المرصد الوطني لحقوق الإنسان .

2-9 وفي 9 تشرين الأول/أكتوبر 1999، رفع السعدي شيهوب شكوى رسمية إلى قاضي التحقيق في محكمة الحراش بشأن اختطاف واختفاء ابنه مراد شيهوب الذي كان قاصرا ً يوم اعتقاله. وبدورها قدمت طاوس جبار شكوى في 22 كانون الأول/ديسمبر 1999 إلى المدعي العام في الجزائر العاصمة، تتعلق باختطاف ابنيها. وفي نفس اليوم، وجهت خطاب اً آخر إلى وزير العدل تسأل فيه عما إذا كان ابناها على قيد الحياة أ م لا وعن مكان وجودهما في حال كانا على قيد الحياة. كما أبلغت السيدة طاوس جبار رئيس الجمهورية عن قضية ابنيها في رسالة مؤرخة 23 أيار/مايو 2004.

2-10 وعندما لم تتلق الأسرة رد اً من السلطات التي خاطبتها، لجأت إلى الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري وغير الطوعي التابع للأمم المتحدة. وأُحيلت إليه قضية الأخوين شيهوب بتاريخ 19 تشرين الأول/أكتوبر 1998. غير أن الدولة الطرف لم تكشف لهذه الآلية عن مكان وجودهما.

2-11 وابتداء ً من عام 1998، قامت سلطات وطنية مختلفة ، ولا سيما جهاز الدرك والنائب العام العسكري وقاضي التحقيق في محكمة الحراش وشرطة دائرة براقي ومدعي عام الجزائر العاصمة واللجنة الوطنية الاستشارية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان ( التي حلت محل المرصد الوطني لحقوق الإنسان) ، باستدعاء صاحبي البلاغ مرات عديدة للاستماع إلى إفاداتهم ا . وكانت الأسرة تجهل طبيعة الإجراء الذي يندرج في إطاره أخذ الإفادات لأن الاستدعاءات لم تكن تتضمن إشارة إلى هذا الأمر. وبالإضافة إلى ذلك، لم يكن لصاحبي البلاغ علم بوجود إجراءات أخرى تتعلق بالتحقيق. ويشير صاحبا البلاغ بصفة خاصة، إلى أن الأشخاص الذين شاركوا في اختطاف ابنيهما المفقودين لم يحدُث قط أن استُجوبوا أو اتُّخذ في حقهم أي إجراء على حد علمهما. كما لم يتم استدعاء الجيران الذين كانوا شهودا ً على عمليتيْ الاختطاف للاستماع إلى إفاداتهم في إطار تلك الإجراءات. ولم تسفر أي من المساعي التي قام بها صاحبا البلاغ عن اتخاذ قرار قضائي ولا حتى عن إجراء تحقيق فوري وكامل نسبي اً. والهيئة الوحيدة التي اتخذت إجراء بشأن القضية هو قاضي التحقيق الذي أنهى الإجراءات بموجب قرار إغلاق ملف القضية المؤرخ 3 نيسان/أبريل 2000، وهو قرار أُبلغت به الأسرة عن طريق مذكرة موجزة مكتوبة بخط اليد وغير معللة. ولم تتلق الأسرة أبدا ً نسخة من القرار الرسمي المتعلق بإغلاق الملف.

الشكوى

3-1 يدعي صاحبا البلاغ أن الوقائع تكشف أن ابنيهما جمال ومراد شيهوب تعرضا للاختفاء القسري ( ) منذ اعتقالهما على يد مسؤولي الدولة الطرف في يومي 16 أيار/مايو 1996 و13 تشرين الثاني/نوفمبر 1996 على التوالي. وعقب اعتقالهما تم رفض الإقرار بحرمانهما من حريتهما و إعطاء معلومات عن مصيرهما، وبذلك حُرما عمداً من حماية القانون ( ) . ويشير صاحبا البلاغ إلى أن الاحتجاز السري ينطوي على خطر حقيقي لانتهاك الحق في الحياة حيث تكون الضحية تحت رحمة سجانيها الذين لا يخضعون لأي مراقبة بالنظر إلى طبيعة ظروف الاحتجاز تحديد اً. وحتى مع افتراض أن حالة الاختفاء قد لا تنتهي بالأسوأ، فإن الخطر الذي يحدق بحياة الضحية في تلك الفترة يشكل انتهاكا ً للمادة 6 باعتبار أن الدولة الطرف لم تف بالتزامها بحماية الحق الأساسي في الحياة ( ) . ويضيف صاحبا البلاغ أن الدولة الطرف لم تتخلف عن الوفاء بالتزامها بضمان حق الضحيتين في الحياة وحسب، بل إنها لم تبذل أي جهد للتحقيق بشأن مصيرهما. وإذ يشير صاحبا البلاغ إلى أن احتمالات العثور على جمال ومراد شيهوب باتت ضئيلة بعد مرور 12 عاما ( ) على اختفائهما إثر احتجازهما في مكان سري، وإلى التعليق العام للجنة رقم 14(1984) بشأن المادة 6، يدعيان أن الشقيقين تعرضا لانتهاك حقوقهما المكفولة بموجب المادة 6 منفصلة ومقروءة بالاقتران مع المادة 2(3) من العهد ( ) .

3-2 ويدعي صاحبا البلاغ علاوة على ذلك أن الاختفاء القسري لجمال ومراد شيهوب ، وما ترتب عنه من كرب ومعاناة، يعتبر معاملة تنطوي على انتهاك لحقوق الضحيتين بموجب المادة 7 من العهد ( ) .

3- 3 ويدعي صاحبا البلاغ فيما ي خص هما، أن اختفاء جمال ومراد شيهوب كان ولا يزال محنةً عصيبة سببت لهما العذاب والمعاناة والجزع لأنهما لا يعلمان شيئ اً عن مصير ابنيْهما ولا عن ظروف وفاتهما أو مكان دفنهما في حال كانا متو فيين. ولا تزال الأسرة كلها تعيش في هذه الحيرة التي تعاني جرَّاءها الأمر ّ ين حتى اليوم، منذ أن اعتُقِلا في أيار/مايو وتشرين الثاني/نوفمبر 1996. ومنذ ذلك التاريخ، لم تحاول السلطات أبداً تخفيف معاناتهما بإجراء تحقيقات فعالة. ويدعي صاحبا البلاغ أن تصرف الدولة الطرف تجاههما فيه انتهاك للمادة 7 من العهد منفصلة ومقروءة بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد ( ) .

3-4 وفيما يتعلق بالمادة 9 من العهد، يذكّر صاحبا البلاغ بأن ابنيهما اعتقلا على يد أفراد من القوات المسلحة في الدولة الطرف دون وجود أمر توقيف ودون إبلاغهما بأسباب اعتقالهما. ولم يتمكن أحد من الأسرة من رؤيتهما أو الاتصال بهما منذ اعتقالهما. ولم تعلم الأسرة بخبر احتجاز جمال شيهوب في مركز قيادة العمليات بشاتونوف وثكنة الأمن العسكري في بني مسوس ، واحتجاز مراد شيهوب في ثكنة براقي وفي مركز قيادة العمليات بالمدنية ( صالومبييه ) إلا عن طريق أشخاص آخرين احتُجِزوا معهما، لأن الدولة الطرف لم تبلغهما بذلك رسميا ً . ويقول صاحبا البلاغ إن جميع المساعي التي بذلاها لاست ي فاء أخبار ابنيهما باءت بالفشل. ويدعيان أن في ذلك انتهاكا ً صارخا ً من الدولة الطرف لالتزاماتها تجاه جمال ومراد شيهوب الفقرة 1 من المادة 9 ( ) .

3-5 ويضيف صاحبا البلاغ أن عدم إبلاغ ابنيهما بالتهم الجزائية الموجهة إليهما ينطوي أيضا ً على انتهاك للفقرة 2 من المادة 9 من العهد. وفيما يتعلق بجمال شيهوب خصوص اً، الذي قال عنه الرائد الذي قاد عملية اعتقاله: "سنخلي سبيل جمال عندما يقوم سعيد بتسليم نفسه"، يبدو أن الهدف الوحيد من اعتقاله كان الضغط على شقيقه سعيد دون مراعاة لمبدأي الشرعية القانونية والعدالة. وبالإضافة إلى ذلك، لم يكن هناك ما يدل على أن جمال قد أتى سلوك اً غير قانوني بحسب ال اعتراف الصريح للرائد الذي قام باعتقاله . وفيما يتعلق بمراد، لا يوجد سبب ظاهر وجيه يمكن أن يبرر اعتقاله في تشرين الثاني/نوفمبر 1996 غير تعمد اضطهاد الأسرة علماً بأن شقيقه سعيد قُتل قبل ذلك بشهر. وقد أكدت السلطات في الدولة الطرف أيضا ً، في وقت لاحق ، أن مراد شيهوب لم يكن مطلوب اً وأنه لم تصدر في حقه أي مذكرة توقيف أو تفتيش ( ) . وعليه، فإن الشقيقين تعرضا لانتهاك حقوقهما بموجب الفقرة 2 من المادة 9 .

3-6 ويؤكد صاحبا البلاغ أن عدم تقديم جمال ومراد شيهوب سريع اً إلى أحد القضاة أو إلى سلطة قضائية ينطوي أيض اً على انتهاك لحقوقهما بموجب الفقرة 3 من المادة 9 ( ) . وأخيراً، يشير صاحبا البلاغ إلى أن جمال ومراد شيهوب تعرضا أيض اً لانتهاك حقوقهما بموجب الفقرة 4 من المادة 9 لأنهما احتجزا في مكان سري منذ عام 1996، وحرما من أي اتصال بالخارج، وبالتالي، لم يكن بإمكانهما عمليا ً ، الرجوع إلى محكمة لكي تفصل في قانونية اعتقالهما أو طلب الإفراج عنهما .

3-7 ويدعي صاحبا البلاغ علاوة على ذلك أن ابنيهما جمال ومراد شيهوب لم يُعاملا معاملة إنسانية تحترم الكرامة المتأصلة في شخص الإنسان نظراً لاحتجازهما في مكان سري. ومن ثم يؤكدان أن الدولة الطرف انتهكت حقوق الشقيقين بموجب الفقرة 1 من المادة 10 من العهد.

3-8 ويدفع صاحبا البلاغ أيضاً بأن تعرض جمال ومراد شيهوب للاختفاء القسري قد حرمهما من الحق في الاعتراف بهما كأصحاب حقوق وواجبات، أي أن صفة الشخص انتفت عنهما، وهو ما ينطوي على انتهاك من جانب الدولة الطرف للمادة 16 من العهد ( ) .

3-9 كما يدعي صاحبا البلاغ أن اقتحام ال قوات المسلحة للدولة الطرف ل منزلهما دون أمر يقضي بتوقيف ابنيهما ، وقد وصل بهم الأمر إلى حد كسر الباب لاعتقال مراد شيهوب وتهديد والده ، يعتبر تدخل اً تعسفي اً في حياتهما الأسرية وبيتهما، وهو ما يشكل انتهاكا ً لحقوقهما بموجب المادة 17 من العهد ( ) . ويضيفان أن ابنيهما جمال ومراد تعرضا أيضا ً لانتهاك حقوقهما بموجب المادة 17 ( ) . لأنهما كانا يسكنان في منزل والديهما.

3-10 ويقول صاحبا البلاغ إنهما فقدا ثلاثة من أبنائهما جراء الاختفاء القسري لجمال ومراد شيهوب ووفاة ابنهم ا البكر سعيد. ومن ثم يدعيان أن سلطات الدولة الطرف قضت ، بأفعالها تلك، على حياتهما الأسرية منتهكة بذلك التزامها تجاههما بحماية الأسرة وفقا ً لما نصت عليه الفقرة 1 من المادة 23 من العهد ( ) .

3-11 وأشار صاحبا البلاغ إلى أن مراد شيهوب كان عمره 16 عام اً عندما اعتقل بشكل تعسفي في منزل والديه واحتجز في مكان سري، ف أكدا أن الدولة الطرف قد انتهكت بفعلها ذاك الفقرة 1 من المادة 24 ( ) .

3-12 ويقول صاحبا البلاغ أيض اً إن عدم اتخاذ أي إجراء بعد كل ما بذلاه من مس اع من أجل كشف مصير ابنيهما اللذين كانا محروميْن في الواقع من استخدام حقهما في الطعن في شرعية احتجازهما، يعتبر تقصيراً من الدولة الطرف عن الوفاء بالتزاماتها بتوفير سبيل طعن فعال لجمال ومراد، إذ كان يتعين عليها إجراء تحقيق شامل وسريع بشأن اختفائهما. ويدعيان فضل اً عن ذلك، أن انعدام سبل الانتصاف الفعالة بات جلي اً، خاصة في ظل صدور عفو كامل وشامل بموجب القانون ، الأمر الذي يكفل إفلات المسؤولين عن الانتهاكات من العقاب. ويعتبر صاحبا البلاغ أن عدم قيام الدولة الطرف بالإجراءات اللازمة لحماية الحقوق المنصوص عليها في المواد 6 و7 و9 و10 و16 و17 و23 و24، يشكل انتهاك اً مستقلا ً للفقرة 3 من المادة 2 من العهد فيما يخص جمال ومراد شيهوب ( ) .

3-13 وفيما يتعلق بمسألة استنفاد سبل الانتصاف المحلية، يؤكد صاحبا البلاغ أن جميع السلطات التي لجآ إليها امتنعت عن إجراء التحقيقات اللازمة. وقد لجآ إلى السلطات القضائية والحكومية والإدارية ولم يتوصلا إلى نتيجة ( ) . ومن ثم، يخلص صاحبا البلاغ إلى أن سبل الانتصاف تفتقر إلى الكفاءة والفعالية. ويضيفان من ناحية أخرى، أنه بات يستحيل عليهما قانوني اً تقديم طعن أمام هيئة قضائية بعد صدور المرسوم رقم 6/01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وهو ميثاق نص على حظر أي ملاحقة قضائية لاستجلاء أخطر الجرائم كحالات الاختفاء القسري ( ) وذلك تحت طائلة عقوبة الحبس. ويخلص صاحبا البلاغ إلى أنه لم يعد لزاما عليهما أن يمضيا أكثر في مساعيهما محلي اً ويعرضا نفسيْهما للملاحقة الجنائية لكي يضمنا قبول اللجنة لبلاغهما.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن مقبولية البلاغ

4-1 في 3 آذار/مارس 2009، طعنت الدولة الطرف في مقبولية هذا البلاغ بالإضافة إلى عشرة بلاغات أخرى قُدِّمت إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، وذلك في "مذكرة مرجعية بشأن عدم مقبولية البلاغات المقدمة إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان فيما يتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية". وترى الدولة الطرف أن هذه البلاغات التي تشير إلى مسؤولية موظفين عموميين أو أشخاص مفوضين من السلطات العامة عن حالات الاختفاء القسري التي جرت في الفترة موضوع الدراسة، أي في الفترة من 1993 إلى 1998، يجب معالجتها في إطار شامل يراعي السياق الداخلي الاجتماعي والسياسي والأمني لتلك الأحداث المزعومة، وهو سياق كانت الحكومة تحاول فيه جاهدةً التصدي للإرهاب.

4-2 ففي تلك الفترة، كان على الحكومة أن تتصدى لجماعات غير منظمة. ونسب المدنيون مرار اً حالات تتعلق بالاختفاء القسري إلى قوات النظام. وقد كانت أسباب حالات الاختفاء القسري عديدة ومتعددة، لكن لا يمكن نسبتها إلى الحكومة. فالبيانات التي قامت بتوثيقها عدة مصادر مستقلة، ولا سيما الصحافة ومنظمات حقوق الإنسان، تشير إلى أن مفهوم الاختفاء في الجزائر أثناء الفترة موضوع الدراسة، يشمل ست حالات مختلفة ليست للدولة يد في أي منها. وتذكر الدولة الطرف حالة الأشخاص الذين أبلغ أهلهم عن اختفائهم، في حين أنهم تواروا عن الأنظار بملء إرادتهم للانضمام إلى الجماعات المسلحة وطلبوا من أسرهم الزعم بأن الدوائر الأمنية قد اعتقلتهم من باب "التمويه" وتجنّب "مضايقات" الشرطة. وتتعلق الحالة الثانية بأشخاص أُبلغ عن اختفائهم بعد قيام الدوائر الأمنية بإلقاء القبض عليهم لكنهم انتهزوا فرصة إطلاق سراحهم ليتواروا عن الأنظار. وهناك أيضاً حالةُ الأشخاص الذين اختطفتهم مجموعات مسلحة اعتُقِد خطأً أنها تابعة للقوات المسلحة أو للأجهزة الأمنية بسبب عدم التعرف على هويتها أو انتحالها صفة عناصر الجيش والأمن بارتداء زيهم أو استخدام وثائق هويتهم. وتتعلق الحالة الرابعة بأشخاص تبحث عنهم أسرهم في حين أنهم هم من قرر هجر الأهل بل ومغادرة البلاد أحيان اً بسبب مشاكل شخصية أو نزاع عائلي. وهناك حالة خامسة تتعلق بإرهابيين مطلوبين للعدالة قُتلوا و دُفنوا في الأحراش في أعقاب نشوب "اقتتال بين الفصائل" أو " حرب عقائدي ة " أو " هراء على الغنائم " بين جماعات مسلحة متنافسة. وأخيراً، تذكر الدولة الطرف احتمال اً سادس اً يتعلق بأشخاص أُبلِغ عن اختفائهم وهم في الواقع يعيشون في الجزائر أو في الخارج بهويات مزورة حصلوا عليها بمساعـدة شبكة لتزوير الوثائق.

4-3 وتشير الدولة الطرف إلى أن تنوع وتعقُّد الحالات التي يشملها مفهوم الاختفاء هو الذي دفع المشرِّع الجزائري، بعد الاستفتاء الشعبي على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، إلى طرح نهج شامل في معالجة مسألة المفقودين يقضي بالتكفل بجميع الأشخاص الذين فقدوا في سياق "المأساة الوطنية"، وتقديم الدعم لهؤلاء الضحايا كافة حتى يتسنى لهم تجاوز هذه المحنة، وإقرار حق جميع ضحايا الاختفاء وذوي الح قوق في التعويض. وتقول إن إحصاءات وزارة الداخلية تشير إلى الإبلاغ عن 023 8 حالة اختفاء، وفحص 774 6 ملفاً، وإقرار التعويض في 704 5 حالات، ورفضه في 934 حالة، ووجود 136 حالة قيد البحث. وتم دفع تعويضات بقيمة 390 459 371 ديناراً جزائرياً ( ) لجميع الضحايا المعنيين. ويُضاف إلى ذلك مبلغ قدره 683 824 320 1 ديناراً جزائرياً ( ) يُدفع كمعاشات شهرية.

4-4 وتدفع الدولة الطرف أيضاً بأن سبل الانتصاف المحلية لم تُستنف د جميعها. وتشدد على أهمية التمييز بين القيام بإجراءات غير رسمية لدى ال سلطات ال سياسية أو ال إدارية، وتقديم طعون غير قضائية إلى ال هيئات ال استشارية أو هيئات الوساطة، وتقديم طعون قضائية إلى مختلف الهيئات القضائية المختصة. وتستنتج الدولة الطرف من إفادات أصحاب البلاغات ( ) أن المشتكين عرضوا قضيتهم على سلطات سياسية أو إدارية، وهيئات استشارية أو على هيئات الوساطة وممثلي النيابة العامة (المدّعون العامون أو وكلاء الجمهورية) ولم يقوموا بإجراء قضائي بالمعنى الحرفي، أو يستخدموا كافة طرق الطعن استئنافا ً ونقضا ً . فممثلو النيابة العامة وحدهم هم المخولون بموجب القانون ل فتح تحقيق أولي وإحالة القضية على قاضي التحقيق. ويقضي النظام القضائي الجزائري باختصاص وكيل الجمهورية في تلقي الشكاوى والقيام، عند الاقتضاء، بتحريك دعوى عامة. غير أنه حرص اً على حماية حقوق الضح ايا أو ذوي الحقوق، يُجيز قانون الإجراءات الجزائية لهؤلاء الادعاء مدني اً برفع شكوى إلى قاضي التحقيق مباشرة. وفي هذه الحالة، يتولى الشخص المتضرر ، وليس المدعي العام، تحريك الدعوى العامة عن طريق إحالة القضية على قاضي التحقيق. وتقول الدولة الطرف إنه لم يتم استخدام وسيلة الانتصاف هذه التي نصت عليها المادتان 72 و73 من قانون الإجراءات الجزائية مع أنه كان يكفي أن يحرك الضحايا الدعوى العامة ويُلزموا قاضي التحقيق بإجراء التحقيق، حتى ولو كانت النيابة العامة قد قررت خلاف ذلك.

4-5 وتقول الدولة الطرف أيضاً إن أصحاب البلاغات اعتقدوا خطأ أن المادة 45 التي وردت في المرسوم الرئاسي تجعلهم في حل من الالتزام باللجوء إلى الهيئات القضائية المختصة. وتذكِّر الدولة الطرف بالآراء السابقة التي اعتمدتها اللجنة وذهبت فيها إلى أن "اعتقاد الشخص بعدم جدوى سبيل الانتصاف أو افتراضه ذلك من تلقاء نفسه لا يُعفيه من استنفاد سبل الانتصاف المحلية جميعها" ( ) .

4-6 وتتطرق الدولة الطرف بعد ذلك إلى طبيعة ومبادئ ومضمون ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ومراسيم تنفيذه. وتشير إلى أنه عمل اً بمبدأ عدم قابلية السلم للتصرف الذي تحول إلى حق دولي في السلم، ينبغي للجنة أن تواكب هذا السلم وتدعمه وتشجع المصالحة الوطنية حتى يتسنى للدول التي تعاني من أزمات داخلية تعزيز قدراتها. وفي إطار الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة الوطنية، اعتمدت الدولة هذا الميثاق الذي ينص مرسوم تنفيذه على تدابير قانونية تتعلق بإبطال المتابعات القضائية والعفو، أو تخفيف العقوبات واستبدالها للأشخاص الذين تورطوا في أعمال إرهاب أو استفادوا من أحكام قانون الوئام المدني، باستثناء الأشخاص الذين ارتكبوا أو شاركوا في ارتكاب جرائم أدّت إلى تقتيل جماعي أو اغتصاب أو اعتداءات بالمتفجّرات في أماكن عمومية. وينص هذا المرسوم أيض اً على إجراءات تتعلق بدعم سياسة التكفل بملف المفقودين، وتتمثل في رفع دعوى لاستصدار تصريح قضائي بالوفاة يحصل بموجبه ذوو الحقوق على تعويض. وبالإضافة إلى ذلك، اعتُمدت إجراءات ذات طابع اجتماعي واقتصادي من قبيل المساعدة في إعادة إدماج الأشخاص في عالم الشغل أو تعويضهم. وأخيراً، ينص المرسوم على إجراءات سياسية منها ، على سبيل المثال، منع ممارسة النشاط السياسي على كلّ شخص كان مسؤولا ً عن الاستعمال المغرض للدين، وعلى عدم جواز مباشرة أي ملاحقة بصورة فردية أو جماعية في حق أفراد قوى الدفاع والأمن للجمهورية بسبب أعمال نفذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات و صون الأمة والحفاظ على مؤسسات الجمهورية.

4-7 وتدعي الدولة الطرف أنها أنشأت صندوق اً لتعويض الضحايا، فضل اً عن أن الشعب الجزائري أعطى موافقته على الانخراط في نهج المصالحة الوطنية. وتقول إن ادعاءات أصحاب البلاغات تندرج في إطار هذه الآلية الداخلية الشاملة للتسوية.

4-8 وتسترعي الدولة الطرف انتباه اللجنة إلى أوجه الشبه بين الوقائع والحالات التي وصفها أصحاب البلاغات وإلى السياق الاجتماعي والسياسي والأمني الذي حدثت فيه؛ وإلى عدم استنفاد أصحاب البلاغات جميع سبل الانتصاف المحلية؛ وإلى قيام السلطات في الدولة الطرف بتنفيذ آلية داخلية تقضي بمعالجة الحالات المشار إليها في البلاغات ذات الصلة وتسويتها تسوية شاملة وفقاً لأحكام ترمي إلى تحقيق السلم والمصالحة الوطنية، وهي أحكام تتفق مع المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة وفي العهدين والاتفاقيات اللاحقة؛ وتطلب الدولة الطرف إلى اللجنة إعلان عدم مقبولية تلك البلاغات و الإشارة إلى أصحابها ب تقديم طعونهم إلى الهيئات المختصة الأنسب.

الملاحظات الإضافية التي قدمتها الدولة الطرف بشأن مقبولية البلاغ

5-1 في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2009، أرسلت الدولة الطرف إلى اللجنة مذكرة إضافية أكدت فيها مجدد اً أن البلاغات المعروضة على اللجنة تندرج في سياق تاريخي عام لا تُلِم اللجنة بما ينطوي عليه من أسباب وملابسات.

5-2 وتؤكد الدولة الطرف أنها لن تبدي رأيها بشأن المسائل الموضوعية المتعلقة بالبلاغات المذكورة قبل أن يتم البت في مسألة المقبولية؛ وأن واجب أي هيئة قضائية أو شبه قضائية يتمثل أولاً في معالجة المسائل المبدئية قبل مناقشة الأسس الموضوعية. وترى الدولة الطرف أن القرار المتعلق بالجمع ، في القضايا ذات الصلة، بين بحث مسائل المقبولية والمسائل المتصلة بالأسس الموضوعة بشكل متزامن هو قرار لم يتم الاتفاق بشأنه فضل اً عن أنه يؤثر كثير اً على معالجة البلاغات المعروضة معالجة سليمة، سواء فيما يتعلق بطبيعتها العامة أو بخصائصها الجوهرية. وأشارت الدولة الطرف إلى النظام الداخلي للجنة المعنية بحقوق الإنسان ( ) فلاحظت أن أجزاءه المتعلقة بنظر اللجنة في مقبولية البلاغ وتلك المتعلقة بالنظر في الأسس الموضوعية منفصلة عن بعضها البعض، وخلصت إلى أنه يمكن بحث كل مسألة على حدة. وفيما يتعلق بمسألة استنفاد سبل الانتصاف المحلية بصورة خاصة، تؤكد الدولة الطرف أنه ما من بلاغ من البلاغات التي قدمها أصحابها اتبع المسار القضائي الداخلي ليتسنى للسلطات القضائية الداخلية أن تنظر فيه. ولم يصل سوى عدد ضئيل من تلك البلاغات إلى دائرة الاتهام، وهي هيئة تحقيق قضائي من الدرجة الثانية ترقى إلى م ستوى المحاكم ( ) .

5-3 وتذكَّر الدولة الطرف بالآراء السابقة للجنة بشأن واجب استنفاد سبل الانتصاف المحلية، فتؤكد أن مجرد الشك في احتمالات النجاح أو الخوف من التأخير لا يعفي أصحاب البلاغات من استنفاد سبل الانتصاف هذه. وفيما يتعلق بالقول إن إصدار ميثاق السلم والمصالحة يحول دون تقديم أي طعن بهذا الشأن، ترد الدولة الطرف بأن عدم قيام أصحاب البلاغات بأي إجراءات حال دون تمكن السلطات الجزائرية ، حتى الآن، من اتخاذ موقف بشأن نطاق أحكام هذا الميثاق وحدوده. وفضل اً عن ذلك، فإن المرسوم الرئاسي قضى فقط بعدم جواز مباشرة أي ملاحقة في حق "أفراد قو ات الدفاع والأمن للجمهورية" بسبب تنفيذ أعمال تقتضيها مهامهم الرسمية الأساسية المتمثلة في حماية الأشخاص والممتلكات و صون الأمة والحفاظ على المؤسسات. غير أن الهيئات القضائية المختصة يمكنها التحقيق في أي ادعاء يتعلق بأعمال قد تُنسب إلى قوات الدفاع والأمن ويثبت أنها وقعت خارج هذا الإطار.

5-4 وأخيراً، تؤكد الدولة الطرف من جديد موقفها فيما يتعلق بمدى جدوى آلية التسوية التي أُنشِئت بموجب ميثاق السلم والمصالحة الوطنية.

تعليقات صاحبي البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف

6-1 في 22 تموز/ يوليه 2011، قدم صاحبا البلاغ تعليقات على ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية، وقدما حججا ً أخرى بشأن الأسس الموضوعية للبلاغ.

6-2 فيما يتعلق بالاختصاص الموضوعي للجنة، يذكِّر صاحبا البلاغ بأن الدولة الطرف اعترفت، عندما صدقت على العهد والبروتوكول الاختياري اللذين دخلا حيز التنفيذ بالنسبة لها في 12 كانون الأول/ديسمبر 1989 - أي قبل حصول الوقائع المادية التي أفضت إلى تقديم هذا البلاغ - باختصاص اللجنة في تلقي وبحث الشكاوى المقدمة من أفراد خاضعين للولاية القضائية للدولة الطرف يدّعون أنهم ضحايا انتهاك تلك الدولة لحق يكفله العهد. وهذا الاختصاص ذو الطابع العام لا يخضع لتقدير الدولة الطرف. ولا يحق لحكومة الدولة الطرف أن تقيّم، على وجه الخصوص، مدى ملاءمة اللجوء إلى اللجنة في حالة معينة. بل إن هذا التقييم يندرج ضمن اختصاص اللجنة عندما تبت في اختصاصها الموضوعي، وتنظر فيما إذا كانت الوقائع المزعومة تشكل انتهاكا ً للحقوق التي يحميها العهد. وبالمثل، لا يمكن التذرع باعتماد الحكومة الجزائرية لأنظمة تشريعية وإدارية داخلية لحماية ودعم ضحايا "المأساة الوطنية" في مرحلة البت في المقبولية لمنع الأفراد الخاضعين لولايتها القضائية من إعمال حقهم بموجب المادة 5 من البروتوكول الاختياري. ورغم أن هذه التدابير قد تؤثر على حل النزاع، فإن تحليلها يجب أن يتم في إطار بحث الأسس الموضوعية للقضية وليس في مرحلة البت في المقبولية. ويشير صاحبا البلاغ أيضا ً إلى أن حجة الدولة الطرف مثيرة للدهشة في القضية قيد البحث، لأن التدابير التشريعية التي اعتُمدت، كما لاحظت اللجنة، تشكل في حد ذاتها انتهاكا ً للحقوق الواردة في العهد ( ) .

6-3 ويذكِّر صاحبا البلاغ بأن إعلان الجزائر لحالة الطوارئ في 9 شباط/فبراير 1992 لا ينبغي أن يؤثر إطلاقا ً على حق الأفراد في تقديم بلاغات فردية إلى اللجنة. وتنص المادة 4 من العهد على أن إعلان حالة الطوارئ يتيح عدم التقيد ببعض أحكام العهد دون غيرها، وبالتالي لا يؤثر على ممارسة الحقوق المنصوص عليها في البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد. لذا يرى صاحبا البلاغ أن الاعتبارات التي أثارتها الدولة الطرف بشأن مدى ملاءمة تقديم البلاغ لا تشكل أساسا ً وجيها ً لعدم المقبولية.

6-4 وفيما يتعلق بالحجة القائلة بأن صاحبي البلاغ لم يستنفدا وسائل الانتصاف المحلية، لأنهما لم يرفعا دعوى عامة من خلال تقديم شكوى عن طريق الإدعاء بالحق المدني أمام قاضي التحقيق، يشير صاحبا البلاغ إلى اجتهاد اللجنة الأخير في قضية بنعزيزة ( ) ، الذي رأت فيه أن "الدولة الطرف لا يجب عليها فقط إجراء تحقيقات شاملة بشأن الانتهاكات المفترضة لحقوق الإنسان، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بحالات الاختفاء القسري والمساس بالحق في الحياة، بل يتعين عليها كذلك أن تلاحق جنائياً أي شخص يفترض أنه مسؤول عن تلك الانتهاكات وأن تحاكمه وتصدر بحقه عقوبة. وليس من الممكن أن يحل الادعاء بالحق المدني لجرائم خطيرة مثل تلك المزعوم ارتكابها في القضية قيد البحث محل الملاحقات القضائية التي كان يتعين على المدعي العام للجمهورية الشروع فيها بنفسه." ( ) ولذلك يرى صاحبا البلاغ أنه كان على السلطات المختصة أن تفصل في هذه القضية لما تنطوي عليه من وقائع خطيرة. وفي القضية قيد البحث، خابت جميع مساعي العائلة، بما في ذلك الشكاوى الجنائية، والبلاغات المقدمة إلى وزارة العدل ورئيس الجمهورية والمرصد الوطني لحقوق الإنسان. وكانت الشرطة و كذلك المدعي العام على علم باختفاء جمال ومراد شيهوب ، ومع ذلك لم يصدر أي أمر بالتحري ولم يُفتح أي تحقيق، ولم يُستدع أي من الأشخاص المتورطين في الاختفاء القسري. ولا يمكن بالتالي اتهام صاحبي البلاغ بأنهما لم يستنفدا وسائل الانتصاف المحلية فيما يتعلق بهذا الانتهاك الخطير الذي ما كان ينبغي للدولة الطرف تجاهله.

6-5 أما بالنسبة لحجة الدولة الطرف القائلة بأن مجرد "الاعتقاد أو الافتراض الشخصي" لا يعفي صاحب البلاغ من استنفاد سبل الانتصاف المحلية، ف يشير صاحبا البلاغ إلى المادة 46 من الأمر رقم 06 / 01 الصادر في 27 شباط/فبراير 2006، التي تنص على أنه يجب على الجهة القضائية المختصة التصريح بعدم قبول أي إبلاغ أو تشكّ ي ُقدَّم بصورة فردية أو جماعية، في حق أفراد قوى الدفاع والأمن للجمهورية. ويُعاقب بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وبغرامة تتراوح بين 000 250 و 000 500 دينار جزائري ، كل من يتقدم بمثل هذه الشكوى أو هذا ا لإبلاغ. لذلك ، لم تبين الدولة الطرف بشكل مقنع كيف كان من شأن تقديم شكوى عن طريق الادعاء بالحق المدني أن يتيح للجهات القضائية المختصة تلقي الشكوى والتحقيق فيها، مع العلم أن هكذا شكوى ربما كانت مخالفة للمادة 45 من الأمر، أو كيف كان يمكن ل صاحبي البلاغ أن يكونا بمنأى عن تطبيق المادة 46 من الأمر بحقهما. ويتبين بالتالي من القراءة الموضوعية للأحكام المعمول بها أن أي شكوى تتعلق بالانتهاكات التي وقع ضحيتها كل من مراد وجمال شيهوب لن تكون مقبولة، بل وسيُعاقب مقدموها جنائيا ً . واستنتج صاحبا البلاغ عدم جدوى سبل الانتصاف التي ذكرتها الدولة الطرف.

6-6 وفيما يتعلق بموضوع البلاغ، يلاحظ صاحبا البلاغ أن الدولة الطرف اكتفت بذكر السياقات العامة المحتملة لاختفاء ضحايا "المأساة الوطنية". فملاحظاتها العامة لا تنكر الوقائع المزعومة في هذا البلاغ، وهي ملاحظات تكررت في سلسلة من القضايا المماثلة، مما يدل على أن الدولة الطرف لا ترغب في التعامل مع كل قضية من هذه القضايا بشكل فردي والرد على ادعاءات أصحاب البلاغات والتخفيف من معاناتهم.

6-7 ويلاحظ صاحبا البلاغ أنه وفقا ً للنظام الداخلي للجنة، ليس من حق أي دولة طرف أن تطلب النظر في مقبولية البلاغ بصورة مستقلة عن أسسه الموضوعية. إنها صلاحية استثنائية تدخل في إطار الاختصاصات الحصرية للجنة. وفي حالة هذا البلاغ، لا شيء يميزه عن غيره من البلاغات المتعلقة بحالات الاختفاء القسري التي نظرت فيها اللجنة ويبرر بالتالي النظر في المقبولية بشكل مستقل.

6-8 أخيرا ً ، يخلص صاحبا البلاغ إلى أن الدولة الطرف لم تدحض ادعاءاتهما. ويشير صاحبا البلاغ إلى أن القرارات السابقة للجنة ( ) تؤكد كل الوقائع الواردة في بلاغهما، مشيرين إلى أن العديد من التقارير المتعلقة بما قامت به الشرطة خلال الفترة المحددة، والمساعي الكثيرة التي بُذلت تثبت ادعاءاتهما وتكسبها المزيد من المصداقية. وبالنظر إلى مسؤولية الدولة الطرف في اختفاء ابن صاحبي البلاغ الذي لا يعرفا ن أي شيء عنه منذ أكثر من 15 عاما ً ، فإنهما لا يستطيعان تقديم المزيد من العناصر التي تدعم بلاغهما وهي عناصر لا تملكها سوى الدولة الطرف. وفي الختام، يجدد صاحبا البلاغ طلبهما إلى اللجنة إعادة النظر في الأسس الموضوعية للدعوى، على اعتبار أنهما قدما ما يكفي من ال أدلة فيما ي تعلق بالوقائع المزعومة. ويرى صاحبا البلاغ أن عدم إعطاء أي رد بشأن الأسس الموضوعية للبلاغ يشكل، من جهة أخرى، موافقة ضمنية على مزاعم الدولة الطرف، وبالتالي، ينبغي للجنة أن تعتبر هذه الأسس صحيحة.

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

7-1 قبل النظر في أي شكوى ترد في بلاغ ما، يتعين على اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، وفقاً للمادة 93 من نظامها الداخلي، أن تبت في مقبولية البلاغ بموجب الب روتوكول الاختياري الملحق بالعهد .

7-2 ويتعين على اللجنة أن تتأكد، بموجب الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة ذاتها ليست قيد الدراسة أمام هيئة أخرى من هيئات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية. وتلاحظ اللجنة أن اختفاء جمال شيهوب ومراد شيهوب أُبلغ إلى فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي. إلاّ أنها تذكّر بأن الإجراءات أو الآليات الخارجة عن نطاق المعاهدات، التي وضعتها لجنة حقوق الإنسان أو وضعها مجلس حقوق الإنسان، والتي تتمثل ولايتها في دراسة حالة حقوق الإنسان في بلد ما أو إقليم ما وتقديم تقارير عن ذلك أو عن الانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان في العالم، لا تندرج عموماً ضمن إجراءات دولية للتحقيق أو التسوية بالمفهوم الوارد في الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري ( ) . وبالتالي، ترى اللجنة أن نظر فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في قضية جمال ومراد شيهوب لا يجعل البلاغ غير مقبول بمقتضى هذه المادة.

7-3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف ترى أن صاحبي البلاغ لم يستنفدا سبل الانتصاف المحلية لأنه لم يتم النظر في إمكانية عرض القضية على قاضي تحقيق عن طريق الادعاء بالحق المدني. وتلاحظ اللجنة مع ذلك أنه، في 9 تشرين الأول/أكتوبر 1999، تقدم سعدي شيهوب بشكوى إلى قاضي التحقيق في الحراش حول اختطاف واختفاء ابنه مراد شيهوب . ومن ناحية أخرى، تحيط اللجنة علما ً بالمساعي المتعددة التي قام بها صاحبا البلاغ للكشف عن مصير ابنيهما جمال ومراد شيهوب بما في ذلك مساعيهما لدى شخصيات سياسية ولدى النيابة العامة في الحراش ولدى قاضي التحقيق، وكذلك لدى الهيئات الإدارية المختصة. وتذكِّر اللجنة بقراراتها السابقة التي يتعين بموجبها أن يستخدم صاحبا البلاغ جميع سبل الطعن القضائية لكي يستوفيا شرط استنفاد جميع سبل الانتصاف المحلية المتاحة، بقدر ما تبدو تلك الطعون مفيدة في القضية قيد البحث ومتاحة فعلياً لصاحبي البلاغ ( ) ، وتستنتج أن الدولة الطرف لم تقدم أية عناصر تتيح استنتاج أن سبل الانتصاف هذه كانت متاحة فعليا ً أمام صاحبي البلاغ، ما دام الأمر 06 / 01 الصادر في 27 شباط/فبراير 2006 ساريا ً ، على الرغم من توصيات اللجنة بضرورة مواءمته مع أحكام العهد ( ) ، ولذ لك، تخلص اللجنة إلى أن الفقرة 2 (ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري لا يمكن أن تشكل عائقا ً أمام مقبولية البلاغ.

7-4 وترى اللجنة أن صاحبي البلاغ دعما ادعاءاتهما بأدلة كافية طالما أن هذه الادعاءات تثير مسائل تتعلق بالفقرة 1 من المادة 6؛ والمادة 7؛ والفقرات 1-4 من المادة 9؛ والمواد 10 و16 و17 و23 و24؛ والفقرة 3 من المادة 2 من العهد، وعليه تشرع في النظر في الأسس الموضوعية للبلاغ.

النظر في الأسس الموضوعية

8-1 نظرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في هذا البلاغ آخذة في الحسبان جميع المعلومات التي قدمها الطرفان، وفقاً للفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

8-2 وخلصت اللجنة إلى أن الدولة الطرف اكتفت بالتأكيد على أن البلاغات التي تدعي مسؤولية موظفين عموميين أو يخضعون في عملهم للسلطات العامة عن الاختفاء القسري في الفترة من عام 1993 إلى عام 1998، يجب أن تُعالج في إطار شامل كما يجب إعادة وضع الأحداث المزعومة في السياق الداخلي الاجتماعي - السياسي والأمني لفترة كان من الصعب على الحكومة فيها أن تواجه الإرهاب؛ وبالتالي لا يمكن أن تنظر فيها اللجنة في إطار آلية الشكاوى الفردية. وتود اللجنة أن تذكِّر الجزائر بالملاحظات الختامية التي أبدتها اللجنة في دورتها الحادية والتسعين ( ) وبآرائها السابقة ( ) التي ذهبت فيها إلى أنه لا يجوز للدولة الطرف أن تحتج بأحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ضد أشخاص يحتجون بأحكام العهد أو قدموا بلاغات إلى اللجنة أو يعتزمون تقديمها. ويبدو للجنة، وفق ما أكدته في ملاحظاتها الختامية ( ) ، أن الأمر رقم 0 6 /0 1، من دون التعديلات التي أوصت بها اللجنة، يعزز الإفلات من العقاب، ومن ثمَّ لا يمكن، في هذه الحالة، أن يكون متماشيا ً مع أحكام العهد.

8-3 وتذكِّر اللجنة بالآراء التي اعتمدتها في البلاغات السابقة ( ) ، وتلاحظ أن الدولة الطرف لم ترد على ادعاءات صاحبي البلاغ بشأن الأسس الموضوعية. وتذكِّر اللجنة علاوة على ذلك بأن عبء الإثبات يجب ألا يقع على عاتق صاحبي البلاغ وحدهما، خاصة أن صاحبي البلاغ لا يتساويان دائماً مع الدولة الطرف في إمكانية الحصول على عناصر الإثبات وأن المعلومات اللازمة ( ) تكون في أغلب الأحيان في حوزة الدولة الطرف دون سواها . وتشير الفقرة 2 من المادة 4 من البروتوكول الاختياري ضمنياً إلى أنه يجب على الدولة الطرف أن تحقق بحسن نية في جميع الادعاءات الواردة بشأن انتهاكها وانتهاك ممثليها لأحكام العهد وأن تحيل إلى اللجنة ما تملك من معلومات.

8-4 وتلاحظ اللجنة أن جمال شيهوب أُلقي عليه القبض في 16 أيار/مايو 1996 على يد أفراد من جيش الدولة الطرف. أما مراد شيهوب فقد أُلقي عليه القبض في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 1996 عندما كان عمره 16 عاما ً ، على يد ضباط عسكريين من ثكنة براقي تحت إمرة القائد نفسه الذي نفذ عملية اعتقال جمال شيهوب قبل ذلك ببضعة أشهر. ولم  تصل أي فرد من العائلة أية أخبار عنه منذ ذلك الحين. ووفقا ً لصاحبي البلاغ، باتت فرص العثور على مراد وجمال شيهوب على قيد الحياة بعد خمسة عشر عاما ً من اختفائها ضئيلة لل غاية، ويوحي غيابهما لفترة طويلة وسياق وظروف اعتقالهما بأنهما توفيا أثناء الاعتقال. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي معلومات يمكن أن تدحض هذه الادع اءات، وتخلص إلى أن الدولة الطرف أخلت بالتزامها بضمان حق مراد وجمال شيهوب في الحياة، منتهكة بذلك المادة 6 من العهد ( ) .

8-5 وفيما يتعلق بادعاء الاحتجاز السري لجمال ومراد شيهوب ، تدرك اللجنة درجة المعاناة التي ينطوي عليها عزل المحتجز عن العالم الخارجي لمدة غير محددة. وتذكّ ِر اللجنة بتعليقها العام رقم 20 (1992) بشأن المادة 7، الذي أوصت فيه الدول الأطراف باتخاذ ترتيبات لمنع الاحتجاز السري. وتخلص اللجنة، على أساس الأدلة المتوفرة لديها، إلى أن الاحتجاز السري لكل من جمال ومراد شيهوب منذ عام 1996، ومنعهما من التواصل مع أسرتهما ومع العالم الخارجي، يشكلان انتهاكاً للمادة 7 من العهد تجاههما ( ) .

8-6 وفيما يتعلق بصاحبي البلاغ، طاوس جبار والسعدي شيهوب ، تلاحظ اللجنة ما عانياه من قلق وكرب من جراء اختفاء ابنيهما، اللذين انقطعت عنهما أخبارهما منذ ما يناهز 15 عاماً، خاصة أنه لم يُجر أي تحقيق فعال للكشف عن مصير الضحيتين رغم المساعي الكثيرة التي بذلاها منذ توقيف ابنيهما. وبالتالي، ترى اللجنة أن الحقائق المعروضة عليها تكشف انتهاكاً للمادة 7 وحدها، وبالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، تجاه صاحبي البلاغ ( ) .

8-7 وفيما يتعلق بادعاء انتهاك المادة 9، يتبين من المعلومات المعروضة على اللجنة أن جمال ومراد شيهوب اعتُقلا من قبل موظفي الدولة الطرف دون أمر قضائي، ثم احتُجزا في مكان سري دون تمكينهما من الوصول إلى محام ودون إطلاعهما في أي وقت على أسباب اعتقالهما أو على التهم الموجهة إليهما. وتذكِّر اللجنة بأن الفقرة 4 من المادة 9 تنص على ضرورة أن تتضمن أي مراقبة قضائية لمشروعية الاحتجاز إمكانية إصدار أمر بالإفراج عن المحتجز إذا تقرر أن الاحتجاز يتعارض مع أحكام العهد، ولا سيما الأحكام الواردة في الفقرة 1 من المادة 9. وبما أن سلطات الدولة الطرف نفسها أقرت بعدم توجيه أي تهمة لجمال شيهوب وعدم صدور أي مذكرة توقيف بحقه ( ) ، وفي غياب أي تفسير إضافي مقدم من الدولة الطرف، تخلص اللجنة إلى أن احتجاز جمال شيهوب ومراد شيهوب ينطوي على انتهاك للمادة 9 ( ) .

8-8 وفيما يتعلق بادعاء صاحبي البلاغ بموجب الفقرة 1 من المادة 10، تؤكد اللجنة مجددا ً أن الأشخاص المحرومين من الحرية يجب ألا يتعرضوا لأي حرمان أو إكراه عدا ما هو ملازم للحرمان من الحرية، ويجب أن يعاملوا بإنسانية وبطريقة تضمن احترام كرامتهم. وإذ تلاحظ اللجنة احتجاز جمال ومراد شيهوب في مكان غير معروف مدة 15 عاما ً ، وحرمانهما بالتالي من أي اتصال بعائلتهما وبالعالم الخارجي، وغياب أي معلومات مقدمة من الدولة الطرف بشأن المعاملة التي لقياها أثناء احتجازهما في مؤسسات عسكرية مختلفة، تخلص اللجنة إلى وجود انتهاك للفقرة 1 من المادة 10 من العهد فيما يتعلق بالضحيتين ( ) .

8-9 وفيما يخص المادة 16، تكرر اللجنة آراءها الثابتة القاضية بأن حرمان شخص ما عمداً من حماية القانون لفترة طويلة يمكن أن يشكل رفضاً للاعتراف بشخصيته القانونية إذا كان ذلك الشخص في عهدة سلطات الدولة عند ظهوره للمرة الأخيرة، وإذا كانت هناك إعاقة منتظمة لجهود أقاربه الرامية إلى الوصول إلى سبل انتصاف فعالة، بما في ذلك المحاكم ( ) . وفي الحالة قيد البحث ، التي أُبلغت فيها سلطات الدولة الطرف باختفاء جمال ومراد شيهوب ومع ذلك لم تقدم لصاحبي البلاغ أية معلومات بشأنهما، تخلص اللجنة إلى أن الاختفاء القسري لجمال ومراد شيهوب خلال ما يقرب من 15 عاماً جردهما من حماية القانون خلال تلك الفترة وحرمهما من حقهما في الاعتراف بشخصيتهما القانونية، في انتهاك للمادة 16 من العهد.

8-10 وترى اللجنة أن الوقائع المعروضة عليها تبين أن الدولة الطرف لم تضمن الحماية الخاصة للأطفال الذي ن تقل أعمارهم عن 18 عاما ً لأنها ا عتقلت مراد شيهوب عندما كان قاصرا ً يبلغ السادسة عشرة من العمر ، دون مذكرة توقيف ودون أي تفسير، واحتجزته في مكان سري وعزلته عن العالم الخارجي وحرمته من أي اتصال بعائلته لمدة 15 سنة. وبالتالي، ترى اللجنة حدوث انتهاك للحقوق التي تكفلها المادة 24 فيما يتعلق بمراد شيهوب ( ) .

8-11 ويحتج صاحبا البلاغ أيضاً بأحكام الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، التي تلزم الدول الأطراف بأن تضمن لجميع الأشخاص سبل انتصاف مفتوحة وفعالة وقابلة للإنفاذ لإعمال الحقوق التي يكفلها العهد. وتؤكد اللجنة من جديد الأهمية التي توليها لقيام الدول الأطراف بوضع آليات قضائية وإدارية ملائمة في نظمها القانونية الداخلية للنظر في الشكاوى المتعلقة بانتهاك الحقوق . وتذكِّر بتعليقها العام رقم 31 (2004) الذي تشير فيه بالخصوص إلى أن تقاعس دولة طرف عن التحقيق في انتهاكات مزعومة قد يشكل، في حد ذاته، إخلالا ً منفصلا ً بأحكام العهد ( ) . وتذكِّر اللجنة أيضا ً بأن أي اختفاء قسري يشكل انتهاكاً لعدد كبير من الحقوق المكرسة في العهد، وينتهك أيضاً الحق في الحياة أو يشكل تهديداً خطيراً له ( ) . وفي الحالة قيد النظر، تبين المعلومات المقدمة إلى اللجنة أن والدي جمال ومراد شيهوب لم يتمكنا من الوصول إلى سبل انتصاف فعالة وأن جميع مساعيهما للكشف عن مصير ولديهما لم تؤد إلى نتيجة. ومن ناحية أخرى، ما زالت استحالة اللجوء، من الناحية القانونية، إلى هيئة قضائية بعد صدور الأمر رقم 06 / 01 بشأن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، تحرمهما من كل سبل الانتصاف المجدية، لأن هذا الأمر يحظر، تحت طائلة السجن، اللجوء إلى القضاء لتسليط الضوء على أشد الجرائم خطورة مثل حالات الاختفاء القسري ( ) . وتخلص اللجنة إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف انتهاكا ً للفقرة 3 من المادة 2 مقروءة بالاقتران مع الفقرة 1 من المادة 6، والمادتين 7 و9 والفقرة 1 من المادة 10، والمادة 16 من العهد ، فيما يتعلق بمراد وجمال شيهوب ، و بالاقتران مع المادة 24 من العهد ، فيما يتعلق بمراد شيهوب . وتخلص اللجنة أيضا ً إلى حدوث انتهاك للفقرة 3 من المادة 2، مقروءة بالاقتران مع المادة 7 فيما يتعلق بصاحبي البلاغ.

8-12 وبعد أن ثبت حدوث انتهاك للمادة 7 من العهد، لن تنظر اللجنة في الضرر الناجم عن انتهاك المادتين 17 و23 من العهد.

9- وتلاحظ اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، عملاً بالفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاكات من جانب الدولة الطرف للفقرة 1 من المادة 6 والمادتين 7 و9 والفقرة 1 من المادة 10 والمادة 16 فيما يتعلق بجمال شيهوب ومراد شيهوب . وتخلص من ناحية أخرى إلى وجود انتهاك للمادة 24 من العهد فيما يتعلق بمراد شيهوب . وتخلص اللجنة أيضا ً إلى أن تصرف الدولة الطرف يشكل انتهاكا ً لأحكام الفقرة 3 من المادة 2 مقروءة بالاقتران مع الفقرة 1 من المادة 6، والمادة 7، والمادة 9، والفقرة 1 من المادة 10، والمادة 16 فيما يتعلق بجمال ومراد شيهوب ، وبالاقتران مع المادة 24 فيما يتعلق بمراد شيهوب . وأخيرا ً ، تخلص اللجنة إلى وجود انتهاك للمادة 7 مقروءة بمفردها وبالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2، فيما يتعلق بصاحبي البلاغ (والد ا الضحيتين).

10- ووفقاً للفقرة 3 من المادة 2 من العهد، يتعين على الدولة الطرف أن تضمن لصاحبي البلاغ سبيل انتصاف فعال اً ، يشمل على وجه الخصوص ما يلي: ‘ 1‘ إجراء تحقيق شامل وصارم في اختفاء ج مال ومراد شيهوب ؛ ‘ 2‘ تزويد أسرته بم علومات مفصلة عن نتائج تحقيقها؛ ‘ 3‘ الإفراج عنهما فوراً إذا كانا لا يزالان رهن الاحتجاز السري؛ ‘ 4‘ في حال وفاة جمال ومراد شيهوب ، إعادة رفاتهما إلى أسرتهما؛ ‘ 5‘ ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات المرتكبة ومحاكمتهم ومعاقبتهم؛ ‘ 6‘ تقديم تعويض مناسب إلى صاحبي البلاغ وأسرتهما عن الانتهاكات التي عانوا منها وكذلك إلى جمال ومراد شيهوب إذا كانا على قيد الحياة. والدولة الط رف ملزمة، رغم صدور الأمر رقم 06 / 01 باتخاذ التدابير اللازمة لعدم إعاقة الحق في اللجوء إلى سبيل انتصاف فعال لضحايا التعذيب والإعدامات غير القانونية والاخ تفاء القسري وغيرها من الجرائم. والدولة الطرف ملزمة علاوة على ذلك باتخاذ التدابير اللازمة لمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل.

11- وبما أن الدولة الطرف اعترفت، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، باختصاص اللجنة في تحديد ما إذا كان هناك انتهاك للعهد، وأنها تعهدت، بموجب المادة 2 من العهد، بأن تكفل لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والمشمولين بولايتها الحقوق المعترف بها في العهد وبأن تضمن لهم سبيل انتصاف فعالا ً وقابلا ً للإنفاذ في حالة ثبوت وقوع انتهاك، فإن اللجنة تود أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون مائة وثمانين يوماً، معلومات عما اتخذته من تدابير لوضع آراء اللجنة موضع التنفيذ. كما تدعو اللجنة الدولة الطرف إلى نشر هذه الآراء على نطاق واسع.

[اعتُمدت هذه الآراء بالإسبانية والإنكليزية والفرنسية علماً، بأن النص الفرنسي هو النص الأصلي. وستصدر لاحقاً بالروسية والصينية والعربية كجزء من تقرير اللجنة السنوي المقدم إلى الجمعية العامة.]

تذييل

رأي فردي أبداه السيد كريستر ت يلين وأيده السيد مايكل أوفلاهرتي (رأي مخالف)

خلصت اللجنة إلى وجود انتهاك مباشر للمادة 6 من العهد مستنتجة أن الدولة الطرف لم تف بالتزامها بضمان الحق في الحياة لمراد وجمال شيهوب . و أنا لا أوافق على هذا الاستنتاج للأسباب التالية.

لقد ركزت الآراء السابقة التي اعتمدتها ا للجنة منذ زمن طويل في قضايا الاختفاء القسري التي لا تسمح الوقائع المقدمة فيها ب استنتاج وفا ة الضحية على التزام الدولة الطرف بضمان الحماية وضمان سبل انتصاف فعالة وقابلة للإنفاذ وفقا ً للفقرة 3 من ا لم ادة 2، واستشهدت اللجنة بالتالي بالفقرة 1 من المادة 6 فقط مقروءة بالاقتران مع هذه الأحكام. وأكدت اللجنة في الآونة الأخيرة هذا النهج في قضيتين من قضايا الاختفاء القسري رُفعتا ضد الدولة الطرف نفسها وتنطويان على نفس السياق الوقائعي ( ) .

لكن اللجنة خلصت، في القضية قيد البحث، ودون الدخول في أي نقاش، وحتى دون الرجوع إلى الحجج المقدمة في القضية ( ) ، إلى استنتاج يتماشى مع ما كان حتى الآن موقف أقلية من الأعضاء فقط، مما يعني انتهاكا ً مباشرا ً للفقرة 1 من المادة 6 دون ربطها بالفقرة 3 من المادة 2.

وهذا التفسير الواسع للحق في الحياة الذي يكفله العهد يوصل اللجنة إلى مسار غير معروف سيؤدي بها في المستقبل إلى استنتاج حدوث انتهاكات مباشرة للمادة 6، بغض النظر عن افتراض وجود الضحية على قيد الحياة، وذلك في حالات مختلفة خارج سياق الاختفاء القسري . وكان على الأغلبية، كحد أدنى، أن تقدم مبررات لما باتت تعتبره انتهاكا ً للمادة 6.

( التوقيع ) كريستر ت يلين

( أيد ه ) مايكل أوفلاهرتي

[ حُرر بالإسبانية والإنكليزية والفرنسية ، علماً بأن النص الإنكليزي هو النص الأصلي. وسيصدر لاحقاً بالروسية والصينية والعربية كجزء من تقرير اللجنة السنوي المقدم إلى الجمعية العامة.]

رأي فردي أبداه السيد فابيان سالفيولي وأيد ه السيد كورنيليس فلنترمان (رأي مؤيِّد)

1- أتفق تماماً مع قرار اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التي خلصت إلى حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان في قضية شيهوب ضد الجزائر (البلاغ رقم 1811/2008)، والتي بينت فيه اللجنة أن الوقائع المثبتة تكشف عن انتهاكات لحقوق الإنسان وقع ضحيتها كل من مراد وجمال شيهوب ووالديهما، طاوس جبار والسعدي شيهوب ، بسبب الاختفاء القسري لل ا بنين.

2- وأرى مع ذلك، للأسباب التي أوضحها أدناه، أنه كان على اللجنة في هذه القضية أن تستنتج أيضا ً أن الدولة الطرف انتهكت الفقرة 2 من المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وأخيرا ً ، كان على اللجنة، أن تشير إلى أنها ترى وجوب أن تعدل الدولة الطرف أحكام الأمر رقم 06 / 01، لضمان عدم تكرار مثل هذه الأعمال.

(أ) اختصاص اللجنة في استنتاج حدوث انتهاكات لمواد غير مشار إليها في الشكوى

3- منذ أن أصبحت عضوا ً في اللجنة، وأنا أُؤكد باستمرار أن اللجنة قلصت، على نحو غير مفهوم، قدرتها على استنتاج انتهاك للعهد في غياب شكوى قانونية محددة. فكلما أظهرت الوقائع بوضوح حدوث انتهاك، أ مكن للجنة ، بل وكان لزاماً عليها - بموجب مبدأ أن المحكمة تعرف القانون - أن تنظر في الإطار القانوني للقضية. ويمكن الاطلاع على الأساس القانوني لهذا الموقف وعلى الأسباب الداعية إلى عدم ترك الدول بدون دفاع مناسب ، في الفقرات 3 إلى 5 من رأيي المخالف جزئيا ً في قضية ويراوانسا ضد سري لانكا ، وأنا أحيل إلى هذه الاعتبارات ( ) .

4- وعلى أي حال، لا بد من الإشارة إلى أن صاحبي البلاغ في هذه القضية ( شيهوب ضد الجزائر ) يزعمان صراحة حدوث انتهاك للمادة 2 (انظر، على سبيل المثال، الفقرتين 1- 1 و3-12) رغم أنهما يستشهدان بالفقرة 3 من تلك المادة.

( ب) انتهاك الفقرة 2 من المادة 2 من العهد

5- يجوز أن تقع مسؤولية دولية على دولة ما من خلال جملة أمور، منها اتخاذها لإجراءات معينة أو تجاهلها لأي من سلطاتها، بما في ذلك، بطبيعة الحال، السلطة التشريعية، أو أي هيئة أخرى لديها سلطة التشريع بموجب الدستور. وتنص الفقرة 2 من المادة 2 من العهد على أن: "تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلاً إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ، طبقاً لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضرورياً لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية". ولئن كان الالتزام الوارد في الفقرة 2 من المادة 2 التزاماً عاماً، فإن عدم الامتثال له قد يجعل الدولة مسؤولة دولياً.

6- والحكم قاعدة ذاتية التنفيذ. وأشارت اللجنة عن حق ، في تعليقها العام رقم 31(2004)، إلى أن "الالتزامات المنصوص عليها في العهد بصورة عامة، وفي المادة 2 بصورة خاصة، ملزمة لكل دولة من الدول الأطراف. ذلك أن جميع فروع الحكومة (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وغيرها من السلطات العامة أو الحكومية، على أي مستوى من المستويات - الوطنية أو الإقليمية أو المحلية - هي ذات وضع يستتبع مسؤولية الدولة الطرف ..." ( ) .

7- ومثلما يجب على الدول الأطراف في العهد أن تعتمد تدابير تشريعية، فإن عليها التزاما ً سلبيا ً مستمدا ً من الفقرة 2 من المادة 2: لا يمكن للدول الأطراف في العهد أن تأمر بإجراءات تتنافى مع أحكام العهد؛ واعتماد أحكام كهذه يشكل في حد ذاته انتهاكا ً للالتزامات المنصوص عليها في الفقرة 2 من المادة 2.

8- وقد صادقت الجزائر على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في 12 أيلول/سبتمبر 1989؛ وهي بذلك التزمت بالامتثال لجميع أحكام العهد والوفاء بالتالي بجميع الالتزامات المنصوص عليها في المادة 2 والمستمدة من أحكامها. وفي التاريخ نفسه، أي في 12 أيلول/سبتمبر 1989، انضمت الدولة الطرف إلى البروتوكول الاختياري، معترفة باختصاص اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في تلقي ودراسة البلاغات التي يتقدم بها أفراد.

9- وفي البلاغ قيد النظر، تتمتع اللجنة بصلاحية كاملة للنظر في الإطار القانوني للوقائع المعروضة عليها: اعتمدت الدولة الطرف، في 27 شباط/فبراير 2006، المرسوم 06 / 01 الذي يحظر اللجوء إلى القضاء واستجلاء الحقيقة حول أشد الجرائم خطورة مثل حالات الاختفاء القسري، مما يتيح للمسؤولين عن ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان الإفلات من العقاب. ومما لا جدال فيه أن الدولة الطرف أرست، باعتمادها هذا القانون التشريعي، معايير منافية للالتزام المحدد في الفقرة 2 من المادة 2 من العهد، مما يعتبر، في حد ذاته، انتهاكا ً كان على اللجنة أن تشير إليه في قرارها إضافة إلى الانتهاكات التي خلصت إليها، لأن صاحبي البلاغ وابنيهما وقعوا ضحايا لهذا التشريع من بين أمور أخرى.

10- وينطبق هذا الحكم انطباقا ً مباشرا ً في القضية قيد النظر، وبالتالي فإن استنتاج وجود انتهاك للفقرة 2 من المادة 2 في قضية شيهوب ليس استنتاجا ً مجردا ً ولا محض كلام. أخيرا ً ، يجب ألا ننسى أن لهذه الانتهاكات تأثير اً مباشر اً على الجبر الذي ينبغي للجنة أن تطلبه عندما تصدر قرارها في كل بلاغ.

( ج) الجبر في قضية شيهوب

11 - تشكل الفقرة 10 من القرار مثالا ً ممتازا ً حول وضع نهج شامل للجبر: فهي تنص على طلب تدابير جبر غير مالية وتدابير ترضية وضمانات بعدم تكرار ما حدث (إجراء تحقيق شامل في الوقائع، وإطلاق سراح الضحيتين إذا كانا لا يزالان رهن الاحتجاز السري، وإعادة رفاتهما إلى العائلة في حال وفاتهما، وملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات المرتكبة ومحاكمتهم ومعاقبتهم)؛ وتطلب اللجنة أيضا ً اتخاذ تدابير جبر مالية (تعويض ملائم لصاحبي البلاغ على ما ارتُكب من انتهاكات ولابنيهما إذا كانا على قيد الحياة).

12- لكن اللجنة تشير، في نهاية الفقرة 10، إلى ضرورة أن " ... تتخذ الدولة الطرف التدابير اللازمة لعدم إعاقة الحق في اللجوء إلى سبيل انتصاف فعال لضحايا التعذيب والإعدامات غ ير القانونية والاختفاء القسري. والدولة الطرف ملزمة علاوة على ذلك باتخاذ التدابير اللازمة لمنع ح دوث انتهاكات مماثلة في المستقبل " .

13- ولا تدع الفقرة المذكورة مجالا ً للشك فهي تنص على ما يلي: ترى اللجنة أن أحكام الأمر 06 / 01 تتعارض مع العهد، وتدعو الدولة الطرف إلى ضمان سبل انتصاف فعالة للضحايا، "رغم صدور الأمر". لذلك ... ف هل تقول اللجنة إن على السلطة القضائية عدم تطبيق ذلك الأمر الذي يمنع إجراء تحقيقات في وقائع تشكل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان؟

14- الجواب هو نعم؛ إذ أن من واجب السلطة القضائية "مراقبة مدى الامتثال" للمعاهدات، وليس تطبيق قانون داخلي يتعارض مع أحكام العهد. وهذا الأمر أساسي ليس فقط للوفاء بالالتزامات المتعلقة بحقوق الإنسان، بل وأيضا ً لتجنب أن تقع على الدولة الطرف مسؤولية دولية.

15- بيد أن العهد لا يلزم فقط السلطة القضائية، بل إن على السلطات الأخرى في الدولة أن تعتمد التدابير اللازمة لضمان حماية حقوق الإنسان، وتقصد الفقرة 2 من المادة 2 من العهد صراحة "التدابير التشريعية".

16- ودرجت اللجنة على اعتماد صيغة عامة تشير إلى ضرورة أن تلتزم الدولة بعدم ارتكاب انتهاكات مماثلة في المستقبل، وهذا ما تفعله أيضاً في الفقرة 10 من قرارها. ولكن، كيف يمكن ضمان عدم تكرار نفس الانتهاكات ؟ هناك مجموعة من التدابير التي يمكن للدولة أن تتخذها (تثقيف الموظفين العموميين في مجال حقوق الإنسان، خاصة أفراد الشرطة والقوات المسلحة، واعتماد إجراءات عملية فعالة عند ورود شكاوى حول حالات اختفاء قسري، واتخاذ مبادرات للحفاظ على تسجيل ما حدث، وما إلى ذلك). ودون الإخلال بكل ما تقدم ، كان على اللجنة أن تشير في الفقرة 10 من قرارها إلى أن ه على الحكومة الجزائرية أن تعدِّل القانون الداخل ي (الأمر 06 / 01 المعتمد في 27 شباط/فبراير 2006) لجعله ي تماش ى مع الالتزامات المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. والاستمرار في تطبيق قانون يتنافى في حد ذاته مع أحكام العهد يتعارض مع المعايير الدولية المعمول بها حاليا ً فيما يتعلق بالجبر عن انتهاكات حقوق الإنسان.

( التوقيع ) فابيان سالفيولي

( أيده ) كورنيليس فلنترمان

[ حُرر بالإسبانية والإنكليزية والفرنسية ، علماً بأن النص الإسباني هو النص الأصلي. وس ي صد ر لاحقاً بالروسية والصينية والعربية كجزء من تقرير اللجنة السنوي المقدم إلى الجمعية العامة.]