الأمم المتحدة

CCPR/C/106/D/1779/2008

Distr.: General

27 February 2013

Arabic

Original: French

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

البلاغ رقم 1779 /2008

آراء اعتمدتها اللجنة في دورتها السادسة بعد المائة ( 15 تشرين الأول/ أكتوبر - 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2012)

المقدم من: عيسى مزين ( تمثله منظمة ترايل، وهي منظمة سويسرية معنية بمكافحة الإفلات من العقاب )

بالنيابة عن : بوزيد مزين (شقيق صاحب البلاغ) وصاحب البلاغ

الدولة الطرف: الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ: 31 آذار/مارس 2008 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية: قرار المقرر الخاص المتخذ بموجب المادة 97 من النظام الداخلي، الذي أحيل إلى الدولة الطرف في 24 نيسان/أبريل 2008 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء: 25 تشرين الأول / أكتوبر 2012

الموضوع: اختفاء قسري

المسائل الإجرائية: استنفاد سبل الانتصاف المحلية

المسائل الموضوعية: الحق في الحياة، وحظر التعذيب والمعاملة القاسية واللاإ نسانية، وحق الفرد في الحرية وفي الأمن على شخصه، واحترام الكرامة البشرية الأصيلة، والاعتراف بالشخصية القانونية، والحق في سبيل انتصاف فعال.

مواد العهد: الفقرة 3 من المادة 2؛ والفقرة 1 من المادة 6؛ والمادة 7؛ والفقرات من 1 إلى 4 من المادة 9؛ والفقرة 1 من المادة 10؛ والماد ة 16.

مواد البروتوكول الاختياري: الفقرة 2(ب) من المادة 5 .

ال مرفق

آراء اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (الدورة السادسة بعد المائة)

بشأن

البلاغ رقم 1779 /2008 *

المقدم من: عيسى مزين ( تمثله منظمة ترايل، وهي منظمة سويسرية معنية بمكافحة الإفلات من العقاب )

بالنيابة عن: بوزيد مزين (شقيق صاحب البلاغ) وصاحب البلاغ

الدولة الطرف: الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ: 21 آذار/مارس 2008 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

إن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، المُنشأة بموجب المادة 28 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد اجتمعت في 25 ت شرين الأول / أكتوبر 2012 ،

وقد فرغت من النظر في البلاغ رقم 1779 /2008، المقدم إليها من عيسى مزين بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد وضعت في اعتبارها كل المعلومات الكتابية التي أتاحها لها ص ا حب البلاغ والدولة الطرف،

تعتمد ما يلي:

آراء بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري

1-1 صاحب البلا غ المؤرخ 31 آذار/مارس 2008 هو السيد عيسى مزين ، وهو مواطن جزائري وُلد في 6 تموز/يوليه 1960، في بلدية القبّة في ولاية الجزائر العاصمة. ويدعي صاحب البلاغ أن حقوق شقيقه، بوزيد مزين ، وهو مواطن جزائري وُلد في 1 كانون الأول/ديسمبر 1963 في بلدية القبّة (الجزائر العاصمة)، المكفولة بموجب الفقرة 3 من المادة 2؛ والفقرة 1 من المادة 6؛ والمادة 7؛ والفقرات 1 و2 و3 و4 من المادة 9؛ والفقرة 1 من المادة 10، والمادة 16 ، والفقرة 1 من المادة 17 من العهد ، قد انتهكت من قِبل الجزائر . ويؤكد أنه وقع هو أيضاً ضحية انتهاك الدولة الطرف لحقوقه المكفولة في الفقرة 3 من المادة 2، والمادة 7، والفقرة 1 من المادة 17 من العهد. وتمثل منظمة ترايل (وهي منظمة سويسرية معنية بمكافحة الإفلات من العقاب) صاحب البلاغ وأخاه .

1-2 وفي 12 آذار/مارس 2009، قررت اللجنة عن طريق المقرر الخاص المعني بالبلاغات الجديدة والتدابير المؤقتة عدم الفصل بين النظر في مقبولية القضية والنظر في أسسها الموضوعية.

الوقائع كما عرضها صاحب البلاغ

2-1 اقتحم ت مجموعة من العسكريي ن ، في 11 آب/أغسطس 1996 ما بين الساعة 30/1 والساعة 2 صباحا ً، منزل أسرة مزين الواقع في الجزائر العاصمة. وكان يرافقهم رجال يرتدون زيا ً مدنيا ً قدّموا أنفسهم على أنهم تابعون لمصالح الأمن العسكري. وألقوا القبض على بوزيد مزين على مرأى ومسمع من أسرته وجيرانه. وباشر حوالي 20 فرد اً تفتيش المنزل. لكنهم لم يظهروا قط أي أمر بإلقاء القبض أو بال تفتيش. وسألهم والد الضحية عن أسباب القبض على ابنه و ال مكان الذي سيقتاد إليه . فأجابه العسكريون بأنهم سيقتادونه إلى ثكنة شراربة لكنهم انطلقوا في اتجاه آخر (صوب بن عكنون).

2-2 ولم يعد الض حية إلى منزله منذ تلك الليلة ولم يتمكن أي من أفراد أسرته رؤيته أو الاتصال به. ولم تقدم السلطات إلى أسرته أية معلومات عن مصيره رغم تكرار الأسرة طلباتها في هذا الصدد. وفي تشرين الأول/أكتوبر 1996، أكّد شخص مفرج عنه كان معه في السجن أن المختفي كان موجود اً في سجن ال بليدة العسكري. وأكّد أحد العسكريين، متحدّث اً باسمه الشخصي، هذه المعلومات لأسرة الضحية.

2-3 وانتظر والد الضحية انقضاء الأجل القانوني للحبس الاحتياطي وهو 48 ساعة، ليشرع في البحث عن ابنه في ثكنات المنطقة ومخافرها العديدة. و أجرى كذلك مساعٍ لدى مختلف محاكم الجزائر العاصمة لمعرفة ما إذا كان الضحية قد عُرض على النيابة العامة. وراسل الأب السلطات المدنية والعسكرية مرار اً لكنه لم يتلق أي رد منها. وراسل رئيس مرصد حقوق الإنسان ورئيس الجمهورية ووزير العدل لطلب البحث عن ابنه المختفي وتزويده بمعلومات عن مصيره وتوضيحات عن أسباب اعتقاله. و قدّم صاحب البلاغ طلبا ً في هذا الشأن أيضاً إلى وسيط الجمهورية. وفي 23 شباط/فبراير 1997، ردّ الوسيط على طلبه لكن دون تزويده بمعلومات عن مصير الضحية.

2-4 وبالموازاة مع ذلك، طلب والد الضحية إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة حسين داي، وإلى رئيسه النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر العاصمة، إبلاغه بالتهم الموجهة إلى ابنه وفتح تحقيق في عملية اختطافه. وفي 21 آذار/مارس 1999، أصدر قاضي التحقيق لدى الغرفة الأولى ب محكمة حسين داي الابتدائية قرار اً بردّ الدعوى بحجة أن المتهم كان مجهول الهوية آنذاك. وفي وقت لاحق، أبلغ مكتب وكيل الجمهورية لدى محكمة حسين داي الأسرة بأن ه نظراً إلى أن أفراد الجيش هم من ألقى القبض على الضحية ، فإ ن النائب العام لدى المحكمة العسكرية ب ال بليدة هو ا لوحيد المخول بسلطة التحقيق في هذه القضية والشروع ، عند الاقتضاء ، في ملاحقة المذنبين. وفي 2 آب/أغسطس 1999، أودعت شكوى لدى هذه المحكمة المختصة.

2-5 وبعد مرور سبعة أشهر على إيداع هذه الشكوى، أبلغ والد الضحية محكمة حسين داي المدنية أن الشهود الذين عاينوا حادث الاختطاف لم ي ُ ستدعوا بعدُ للإدلاء بشهاداتهم. ولم يجر أي تحقيق مع أن اثنين من الجيران عاينا الأحداث ليلة وقوعها وأدليا بروايتهما في بيان صُدّق عليه في ولاية الجزائر العاصمة في 12 شباط/فبراير 1998. كما أدلى والد الضحية ببيان في 7 آذار/مارس 2000. ولم تدرج هذه البيانات في ملف المحكمة العسكرية. ونظرا ً لعدم إجراء أي تحقيق فعّال ، لم يتقرر مباشرة الإجراءات لا أمام القضاء المدني ولا أمام القضاء العسكري. ولم تتلقّ أسرة الضحية أية معلومات تفيد بإجراء تحقيق رسمي في مصير الضحية.

2-6 و قدم وكيل الجمهورية لدى محكمة حسين داي ، الذي أغلق الملف الجنائي للقضية، عريضة إقامة دعوى أمام القاضي المدني لتمكينه من إعلان اختفاء الضحية. وفي 28 شباط/ فبراير 2000، استُدعي والد الضحية للمثول أمام الجلسة التي عقدتها محكمة حسين داي في 11 آذار/مارس 2000. و شددت على أنه ما دامت ال تحقيقات جارية أمام المحكمة العسكرية ، ينبغي ألا تدلي المحكمة المدنية برأيها في إمكانية اختفاء اب نه، و طلب إليها بالتالي تأجيل البت في الموضوع . وقبلت المحكمة طلب التأجيل المقدم من والد الضحية.

2-7 وفي 19 تشرين الأول/أكتوبر 1998، عرضت أسرة الضحية القضية على الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي التابع للأمم المتحدة . ولم ترد الجزائر على ال طلبات الموجهة إليها من الفريق العامل لتزويده بمعلومات .

2-8 ولا يستطيع صاحب البلاغ رفع قضية عدلية بسبب سن الأمر رقم 6/1 المؤرخ 27 شباط/فبراير 2006 والمتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. ف إذا كانت سبل الانتصاف المحلية غير مجدية وغير فعالة في ما مضى فهي اليوم غير متاحة.

الشكوى

3-1 في 11 آب/أغسطس 1996، تعرّض بوزيد مزين للاختفاء قسري. ويستند صاحب البلاغ في دعواه إلى الفقرة 2 ‘ 1‘من المادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والمادة 2 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. و قد مُنع بوزيد مزين ، بوقوعه ضحية اختفاء قسري، من ممارسة حقه في الطعن في مشروعية احتجازه. و قد استنفد أقاربه جميع السبل القانونية المتاحة لمعرفة حقيقة مصيره، لكن مساعيهم لم تلق أي تجاوب .

3-2 وبعد مرور خمس عشرة سنة على اختفاء الضحية في أحد مراكز الاحتجاز ( ) ، أصبح احتمال العثور على بوزيد مزين حيا ً ضئيلاً جداً . ويعت َ بر صاحب البلاغ أن الاحتجاز الانفرادي يترتب عليه خطر كبير ل انتهاك الحق في الحياة. وبذلك يشكل التهديد الجاثم على حياة الضحية جراء الاختفاء القسري انتهاك اً للمادة 6، إذ تكون الدولة الطرف قد أخلّت بواجبها المتمثل في حماية الحق الأساسي في الحياة أو تقاعست عن اتخاذ الإجراءات اللازمة ل لتحقيق فيما حدث لبوزيد مزين . وبناء عليه، يدّعي صاحب البلاغ أن الدولة الطرف انتهكت المادة 6 ، مقروءة بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

3-3 وفيما يتعلق بالضحية، فإن مجرد التعرض ل لاختفاء القسري يشك ّ ل معاملة لا إنسانية أو مهينة له . ثم إن حالة القلق والمعاناة الناجمة عن الاحتجاز لفترة غير محددة ودون الاتصال بالأسرة والعالم الخارجي هو بمثابة معاملة تتنافى وأحكام المادة 7 من العهد. ويعتبر صاحب البلاغ أن اختفاء بوزيد مزين يشكّل محنة عصيبة وأليمة شلّت حياته، وهو ما يعدّ انتهاك اً للمادة 7 من العهد.

3-4 و قد قُبض على بوزيد مزين على أيدي عسكريين دون أمر قضائي ودون إبلاغه بأسباب القبض عليه . ول م يخطر أثناء استجوابه بالتهم الموجهة إليه. وعلاوة على ذلك، لم يقدم في أقص ر مهلة ممكنة إلى قاض أو سلطات مؤهلة قانونا ً لممارسة مهام قضائية . ويجب ألا تتجاوز مهلة الإحالة على القضاء بضعة أيام، ويمكن أن يفضي الاحتجاز الانفرادي في حد ذاته إلى انتهاك للفقرة 3 من المادة 9. كما أنه تعذّر على بوزيد مزين ، بوقوعه ضحية اختفاء قسري، أن يطعن في مشروعية احتجازه و لا أن يطلب إلى القضاء الإفراج عنه. وتشكل هذه الوقائع انتهاك اً للفقرات 1 و 2 و3 و4 من المادة 9 من العهد.

3-5 و إذا ما سلمنا أن حقوق الضحية بوزيد مزين المكفولة بموجب المادة 7 قد انتهكت ، فلا يمكن القول إنه حظي بمعاملة إنسانية ومراعية ل لكرامة التي تليق بكل إنسان . وبناء عليه، يعتبر صاحب البلاغ أن الدولة الطرف انتهكت أيض اً أحكام الفقرة 1 من المادة 10 من العهد.

3-6 ولما كان بوزيد مزين ضحية اعتقال لم يعترف به، فقد عومل أيضاً معاملة تزري بإنسانيته، وفي ذلك انتهاك للمادة 16 من العهد. وفي هذا الصدد، يلاحظ صاحب البلاغ أن الاختفاء القسري ينطوي بالأساس على إنكار لحق الشخص في الاعتراف له بصفته القانونية لأن رفض السلطات الكشف عن مصير الضحية أو مكان احتجازه أو حتى الاعتراف بحبسه يحرمه من حماية القانون.

3-7 و قد فتّش موظفون حكوميون منزل أسرة مزين في جنح الليل، على الساعة الثانية صباح اً، دون أن يقدموا أمر اً قضائي اً بذلك، و في ذلك انتهاك ل لمادة 17 من العهد بالمعنى الذي حددته اللجنة في تعليقها العام رقم 16(1988) ( ) .

3-8 و لما كان بوزيد مزين ضحية اختفاء قسري ، فقد كان محروماً بحكم الواقع من ممارسة حقه في الطعن في مشروعية احتجازه، وهو الحق الذي كفلته له الفقرة 3 من المادة 2 من العهد. أما صاحب البلاغ وأسرته فقد استنفدوا جميع السبل القانونية لمعرفة حقيقة مصير الضحية ، غير أن الدولة لم تستجب لأي من المساعي التي قاموا بها، مع أن من واجبها ضمان سبيل انتصاف فعال، لا سيما إجراء تحقيقات معمّقة ودقيقة. وهكذا يعتبر صاحب البلاغ أن الدولة الطرف انتهكت حقوقه وحقوق بوزيد مزين المكفولة بموجب الفقرة 3 من المادة 2.

3-9 وأفراد أسرة بوزيد مزين ليسوا متيقنين على سبيل الجزم بأنه توف ي ، ولا يزال يحدوهم ال أمل في أن ي كون على قيد الحياة في مكان سري ما . بل إن هذا الأمل تعزّز ب تواتر معلومات مفادها أن الجزائر مازالت تحتفظ بمراكز احتجاز سرية عديدة، سواء في الجنو ب حيث يوجد مركز الاحتجاز السري في وادي ال ناموس الذي حُبس فيه آلاف الأشخاص في إطار الاحتجاز الإداري في الفترة من عام 1992 إلى عام 1995، أو في الشمال و لا سيما في الثكنات ومراكز مديرية الاستخبارات والأمن. وهكذا، يخشى صاحب البلاغ أن تكون فكرة تصفيته النهائية تراود ، في الظروف الحالية، الجهات والأجهزة التي تحتجزه ، إن كان لا يزال على قيد الحياة. ومن جهة أخرى، تنص المادة 46 من الأمر المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية على عقوبات بالسجن في حق من يقدم شكوى بسبب اعتداءات مشابهة لما تعرض له بوزيد مزين. و لذلك يطلب صاحب البلاغ من اللجنة أن تدعو الحكومة الجزائرية إلى الإفراج عن بوزيد مزين إن كان لا يزال في الحبس الانفرادي واتخاذ كل ما يلزم من تدابير لتفادي إلحاق أضرار لا يمكن جبر ها ب الضحية ، وكذلك الامتناع عن تطبيق أحكام المادتين 45 و46 من الأمر المؤرخ 27 شباط/فبراير 2006 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية على صاحب البلاغ أو أي من أقارب الضحية، وعن الاستناد إلى هاتين المادتين و عن تهديد صاحب البلاغ بغية حرمانه من حق ه في تقديم دعواه إلى اللجنة.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن مقبولية البلاغ

4-1 في 3 آذار/مارس 2009، طعنت الدولة الطرف في مقبولية هذا البلاغ و عشرة بلاغات أخرى مقدمة إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، وكان ذلك في "مذكرة مرجعية بشأن عدم مقبولية البلاغات المقدمة إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان فيما يتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية". و بالفعل، فقد رأت الدولة أن هذه البلاغات التي تشير إلى مسؤولية الموظفين العموميين أو الذين يخضعون في عملهم للسلطات العامة عن حدوث حالات الاختفاء ال قسري أثناء الفترة موضوع الدراسة، أي ما بين عامي 1993 و1998، يجب معالجتها في ال إطار ال أعم للوضع الاجتماعي السياسي و الظروف الأمني ة السائدة في البلد في فترة كانت فيها الحكومة منشغلة بمكافحة الإرهاب.

4-2 فقد كان على الحكومة ، أثناء هذه الفترة ، التصدي ل جماعات غير منظمة. ونتيجة لذلك، كانت الطريقة التي نُفّذت بها عدة عمليات ملتبسة في أذهان السكان المدنيين، الذين كانوا يجدون صعوبة في التمييز بين عمليات الجماعات الإرهابية وعمليات قوات الأمن التي كان المدنيون ينسبون إليها كثيراً من حالات الاختفاء القسري. وبذلك ترى الدولة الطرف أن أسباب حالات الاختفاء القسري متعددة، لكنها لا يمكن أن تعزى إلى الحكومة. واستناداً إلى البيانات الموثقة المقدمة من عدة مصادر مستقلة، وبخاصة الصحافة ومنظمات حقوق الإنسان، فإن المفهوم العام للشخص المختفي في الجزائر أثناء الفترة موضوع الدراسة يشير إلى ست حالات مختلفة لا تتحمل الدولة المسؤولية عن أي منها. وتتمثل الحالة الأولى في نظر الدولة الطرف في الأشخاص الذين أبلغ أقاربهم عن اختفائهم، في حين أنهم قرروا من تلقاء أنفسهم الاختفاء عن الأنظا ر للانضمام إلى الجماعات المسلحة وطلبوا من أسرهم أن تعلن أن مصالح الأمن اعتقلتهم "للتضليل" وتجنّب "مضايقات" الشرطة. وتتعلق الحالة الثانية بالأشخاص الذين أُبلغ عن اختفائهم بعد اعتقالهم من قبل مصالح الأمن لكنهم انتهزوا فرصة الإفراج عنهم للتواري عن الأنظار . وتتعلق الحالة الثالثة بحالة الأشخاص المفقودين الذين اختطفتهم جماعات مسلحة لا تُعرف هويتها أو انتحلت صفة أفراد الشرطة أو الجيش بارتداء زيهم أو استخدام وثائق هويتهم، فاعتُبرت خطأً عناصر تابعة للقوات المسلحة أو لمصالح الأمن. وتتعلق الحالة الرابعة بالأشخاص الذين تبحث عنهم أسرهم بعد أن قرروا من تلقاء أنفسهم هجر أقاربهم، وأحياناً حتى مغادرة البلد بسبب استمرار المشاكل الشخصية أو الخلافات العائلية. وقد يتعلق الأمر، في الحالة الخامسة، بأشخاص أبلغت أسرهم عن اختفائهم وهم في واقع الأم ر إرهابيون مطلوبون أو قُتلوا و دُفنوا في الأدغال في أعقاب الاقتتال بين الفصائل أو مشاجرات عقائدية أو صراع ات على الغنائم بين جماعات مسلحة متنافسة. وأخيراً، تشير الدولة الطرف إلى حالة سادسة تتعلق بأشخاص مفقودين لكنهم يعيشون إما في البلد أو خارجه بهويات مزوّرة حصلوا عليها عن طريق شبكة لتزوير الوثائق.

4-3 وتؤكّد الدولة الطرف أن تنوع وتعقيد الحالات التي يغطيها المفهوم العام للاختفاء هو الذي دفع المشرِّع الجزائري، بعد الاستفتاء الشعبي على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، إلى الدعوة إلى معالجة مسألة المفقودين في إطار شامل بالتكفل بجميع الأشخاص المفقودين في سياق "المأساة الوطنية"، ومساندة جميع الضحايا حتى يتسنى لهم التغلب على هذه المحنة، ومنح جميع ضحايا الاختفاء وذوي الحقوق من أهلهم الحق في الجبر. وتشير الإحصاءات التي أعدّتها دوائر وزارة الداخلية إلى ال إعلان عن 023 8 حالة اختفاء، وبحث 774 6 ملفاً، وقبول تعويض 704 5 ملفات ، ورفض 934 ملفاً ، فيما يجري حالي اً النظر في 136 ملفاً. و دفع ت تعويض ات بلغت في المجموع 390 459 371 ديناراً جزائرياً لجميع الضحايا المعنيين. وبالإضافة إلى ذلك، دفع مبلغ 683 824 320 1 ديناراً جزائرياً في شكل معاش شهري.

4-4 وتجادل الدولة الطرف أيضا ً بأن سبل الانتصاف المحلية لم تستنفد كلها . وتشدد على أهمية التمييز بين المساعي البسيطة المبذولة لدى السلطات السياسية أو الإدارية وسُبُل الانتصاف غير القضائي ة أمام ال هيئات ا لا ستشارية أو هيئات ال وساطة، والطع و ن القضائي ة أمام مختلف الهيئات القضائية المختصة. وتلاحظ الدولة الطرف أن إفادات أصحاب البلاغات ( ) تبين أن أصحاب الشكاوى وجَّهوا رسائل إلى السلطات السياسية أو الإدارية، و قدموا التماسات إلى هيئات استشارية أو هيئات وساطة وأرسلوا عرائض إلى ممثلين للنيابة العامة ( النواب العامون أو وكلاء الجمهورية) دون اللجوء إلى الطعن القضائي بمعناه الدقيق ومتابعته حتى النهاية باستخدام جميع سبل الانتصاف المتاحة في الاستئناف والنقض. ومن بين هذه السلطات جميعها، لا يحق قانوناً سوى لممثلي النيابة العامة فتح تحقيق أولي وعرض المسألة على قاضي التحقيق. وفي النظام القضائي الجزائري، يكون وكيل الجمهورية هو المختص بتلقي الشكاوى ويقوم، بحسب الاقتضاء، بتحريك الدعوى العامة. غير أنه ، ل حماية حقوق الضحية أو أصحاب الحق ، يُجيز قانون الإجراءات الجنائية لهؤلاء الأشخاص تقديم شكوى والادعاء بالحق المدني مباشرة أمام قاضي التحقيق. وفي هذه الحالة، تكون الضحية، وليس المدّعي العام، هي التي تحرك الدعوى العامة بعرض الحالة على قاضي التحقيق. وسبيل الانتصاف هذا المشار إليه في المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الج ز ائية لم يُستخدم رغم أنه كان كفيلاً بأن يتيح ل لضحايا إمكانية تحريك الدعوى العامة وإلزام قاضي التحقيق بإجراء التحقيق، حتى لو كانت النيابة العامة قررت خلاف ذلك.

4-5 وتلاحظ الدولة الطرف، فضلاً عن ذلك، ما ذهب إليه صاحب البلاغ من أنه نتيجة لاعتماد ميثاق السلم والمصالحة الوطنية عن طريق الاستفتاء و سن النصوص الخاصة ب تطبيقه، وبخاصة المادة 45 من الأمر رقم 6-1، لم يعد ممكناً اعتبار أنه توجد في الجزائر سبل انتصاف محلية فعالة و مجدية و متاحة لأسر ضحايا الاختفاء. وعلى هذا الأساس، ظنّ صاحب البلاغ أنه في حِلٍّ من واجب اللجوء إلى الهيئات القضائية المختصة بالحكم مسبقاً على موقف هذه الهيئات وتقديرها في تطبيق هذا الأمر. لكن الدولة ترى أنه لا يجوز لصاحب البلاغ التذرع بهذا الأمر ونصوص تطبيقه لتبرئة نفسه من المسؤولية عن عدم مباشرة الإجراءات القضائية المتاحة. وتذكِّر الدولة الطرف بالآراء السابقة التي تبنتها اللجنة وذهبت فيها إلى أن "اعتقاد شخص ما عدم جدوى سبيل ل لانتصاف أو افتراض ذلك من تلقاء نفسه لا يُعفيه من استنفاد سبل الانتصاف المحلية جميعها" ( ) .

4-6 وتتناول الدولة الطرف بعد ذلك طبيعة ميثاق السلم والمصالحة الوطنية والأسس التي يستند إليها ومضمونه ونصوص تطبيقه. وتشير إلى أنه بموجب مبدأ عدم قابلية السلم للتصرف، الذي أصبح حقاً دولياً في السلم، ينبغي للجنة أن ت ساند هذا السلم وت عززه وت شجع على المصالحة الوطنية حتى تتمكن الدول التي تعاني من أزمات داخلية من تعزيز قدراتها. وفي سياق هذا المسعى لإحقاق المصالحة الوطنية، اعتمدت الدولة الطرف هذا الميثاق الذي ينص الأمر التطبيق ي الخاص به على تدابير قانونية تستوجب انقضاء الدعوى العمومية واستبدال العقوبات أو تخفيضها بالنسبة لكل شخص أُدين بأعمال إرهابية أو استفاد من الأحكام المتعلقة باستعادة الوئام المدني، فيما عدا الأشخاص الذين ارتكبوا أو شاركوا في ارتكاب المجازر الجماعية أو أفعال الاغتصاب أو التفجيرات في الأماكن العمومية. وينصّ هذا الأمر أيضاً على إجراء رفع دعوى لاستصدار حكم قضائي بالوفاة يمنح ذوي الحقوق من ضحايا "المأساة الوطنية" الحق في التعويض. وبالإضافة إلى ذلك، وُضعت تدابير اجتماعية اقتصادية مثل المساعدات المقدمة لاستفادة كل من تنطبق عليه صفة ضحية "المأساة الوطنية" من إعادة الإدماج في عالم العمل أو التعويض. وأخيراً، ينصّ الأمر على تدابير سياسية مثل منع ممارسة النشاط السياسي على كل شخص ساهم في "المأساة الوطنية" ب استغلال الدين في ف ت رة سابقة ، وعلى عدم ج و از الشروع في أي متاب عة ، بصورة ف ردية أو جماعية، في حق أفراد قوى الدفاع والأمن ل لجمهورية، بجميع أسلاكها، بسبب أعمال نفذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات، ونجدة الأمة والحفاظ على مؤسسات الجمهورية.

4-7 وأشارت الدولة الطرف إلى أنه بالإضافة إلى إنشاء صناديق لتعويض جميع ضحايا "المأساة الوطنية"، وافق الشعب الجزائري صاحب السيادة على الشروع في عملية المصالحة الوطنية باعتبارها السبيل الوحيد لتضميد الجراح التي خلّفتها المأساة. وتشدد الدولة الطرف على أن إعلان هذا الميثاق يندرج في إطار الرغبة في تجنب المواجهات القضائية، وال تجيش الإعلامي، وتصفية الحسابات السياسية. ولذا تعتبر الدولة الطرف أن الوقائع التي يدعيها صاحب البلاغ تغطيها الآلية الداخلية الشاملة للتسوية التي تنص عليها أحكام الميثاق.

4-8 وتطلب الدولة الطرف من اللجنة أن تلاحظ أوجه الشبه بين الوقائع والحالات التي يسوقها صاحب البلاغ و مراعاة الإطار الاجتماعي السياسي والأمني الذي حدثت فيه، وأن تخلص إلى أن صاحب البلاغ لم يستنفد جميع سبل الانتصاف المحلية، وأن تقرّ بأن سلطات الدولة الطرف أقامت آلية داخلية لمعالجة الحالات المشار إليها في البلاغات المعروضة على اللجنة وتسويتها تسوية شاملة وفقاً لآلية لل سلم و ال مصالحة ال وطنية تتفق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والعهود والاتفاقيات اللاحق ة، وأن تعلن عدم مقبولية البلاغ وأن تطالب صاحب البلاغ بالتماس سُبُل الانتصاف بصورة أفضل.

الملاحظات الإضافية التي قد ّ متها الدولة الطرف بشأن مقبولية البلاغ

5-1 في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2009، أرسلت الدولة الطرف إلى اللجنة مذكرة إضافية تتساءل فيها عما إذا كانت مجموعة البلاغات الفردية المعروضة على اللجنة لا تشكل بالأحرى إساءة استعمال للإجراءات يقصد منها أن تعرض على اللجنة مسألة شاملة تاريخية تخرج أسبابها وظروفها عن اختصاص اللجنة. وتلاحظ الدولة الطرف في هذا الصدد أن هذه البلاغات "الفردية" تشدد على السياق العام الذي حدثت فيه حالات الاختفاء هذه، وتركز فقط على تصرفات قوات حفظ النظام دون أن تشير قط إلى مختلف الجماعات المسلّحة التي اتبعت تقنيات تمويه إجرامية لإلقاء المسؤولية على القوات المسلحة.

5-2 وتؤكّد الدولة الطرف أنها لن تبدي رأيها بشأن المسائل الموضوعية المتعلقة بالبلاغات المذكورة قبل صدور قرار بشأن مسألة المقبولية، وأن واجب أي هيئة قضائية أو شبه قضائية يتمثل أولاً في معالجة المسائل الأولية قبل مناقشة الأسس الموضوعية. وترى الدولة الطرف أن قرار النظر، بصورة مشتركة ومتزامنة، في مسائل المقبولية والمسائل المتعلقة بالأسس الموضوعية في هذه الحالة بالذات، بالإضافة إلى كونه قراراً لم يتفق عليه، يضر بشكل خطير بمعالجة البلاغات المعروضة معالجة مناسبة، سواء من ناحية طبيعتها العامة أو من ناحية خصوصياتها الذاتية. وفي إشارة إلى النظام الداخلي للجنة المعنية بحقوق الإنسان، لاحظت الدولة الطرف أن الفروع المتعلقة بنظر اللجنة في مقبولية البلاغ تختلف عن المواد المتعلقة بالنظر في الأسس الموضوعية وأنه يمكن من ثم بحث هاتين المسألتين بشكل منفصل. وفيما يتعلق بوجه خاص بمسألة استنفاد سبل الانتصاف المحلية، تؤكد الدولة الطرف أن الشكاوى وطلبات المعلومات المقدمة من صاحب البلاغ لم تكن أيّ منها موجه عبر القنوات الكفيلة بأن تتيح للسلطات القضائية الداخلية النظر فيها.

5-3 وفي معرض التذكير بالآراء السابقة للجنة بشأن واجب استنفاد سبل الانتصاف المحلية، تؤكّد الدولة الطرف أن مجرّد الشك في احتمالات النجاح أو الخوف من التأخير لا يعفي صاحب البلاغ من استنفاد سبل الانتصاف هذه. وفيما يتعلق بالقول إن إصدار الميثاق يجعل أي طعن في هذا المجال مستحيلاً، ترد الدولة الطرف بأن عدم تقديم صاحب البلاغ ادعاءاته للنظر فيها هو ما حال حتى الآن دون تمكين السلطات الجزائرية من اتخاذ موقف بشأن نطاق وحدود سريان أحكام هذا الميثاق. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأمر يشترط فقط عدم قبول الدعاوى المرفوعة ضد "أفراد قوات الدفاع والأمن للجمهورية" بسبب أعمال تقتضيها مهامهم الجمهورية الأساسية، أي حماية الأشخاص والممتلكات، ونجدة الأمة، والحفاظ على المؤسسات. غير أن أي ادعاء يتعلق بأعمال يمكن أن تنسب إلى قوات الدفاع والأمن ويثبت أنها وقعت خارج هذا الإطار هو ادعاء قابل لأن تحقق فيه الهيئات القضائية المختصة.

5-4 وأصدرت الدولة الطرف مذكرة شفوية في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2010 أعادت فيها التأكيد على الملاحظات المتعلقة بالمقبولية التي قدّمتها إلى اللجنة في المذكرة الشفوية المؤرخة 3 آذار/مارس 2009.

تعليقات صا ح ب البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف

6-1 في 23 أيلول/سبتمبر 2011، قدّم صاحب البلاغ تعليقات على ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية وساق حججاً إضافية بشأن الأسس الموضوعية.

6-2 ويشير صاحب البلاغ إلى أن الدولة الطرف قد قبلت باختصاص اللجنة بالنظر في البلاغات الفردية . وهذا الاختصاص ذو طابع عام ولا تخضع ممارسته لتقدير الدولة الطرف. وبوجه خاص، ليس من حق الدولة الطرف أن تقرر مدى استصواب أو  عدم استصواب اللجوء إلى اللجنة في مسألة بعينها. فذلك من اختصاص اللجنة عند إقدامها على النظر في البلاغ. وبالإشارة إلى المادة 27 من اتفاقية فيينا، يعتبر صاحب البلاغ أنه لا  يمكن للدولة الطرف التحجج باعتماد تدابير تشريعية وإدارية داخلية للتكفل بضحايا "المأساة الوطنية" للدفع بعدم مقبولية البلاغات بغية منع الأفراد الخاضعين لولايتها من اللجوء إلى آلية نص عليها البروتوكول الاختياري. ومن الناحية النظرية، يمكن أن يكون لهذه التدابير بالفعل أثر على تسوية النزاع، ولكن يتعين تحليلها في معرض النظر في الأسس الموضوعية للقضية وليس عند النظر في مقبولية البلاغ. وفي القضية قيد البحث، تشكل التدابير التشريعية المعتمدة في حد ذاتها انتهاكاً للحقوق المنصوص عليها في العهد، مثلما أشارت إليه اللجنة في وقت سابق ( ) .

6-3 ويذكّر صاحب البلاغ بأن إعلان الجزائر حالة الطوارئ في 9 شباط/فبراير 1992 لا يؤثر في شيء على حق الأفراد في تقديم بلاغات إلى اللجنة. وبالفعل، تنص المادة 4 من العهد على أن إعلان حالة الطوارئ يتيح للدولة عدم التقيد ببعض أحكام العهد فقط ولا يؤثر بالتالي على ممارسة الحقوق المترتبة على بروتوكوله الاختياري. وعليه، يعتبر صاحب البلاغ أن الاعتبارات التي ساقتها الدولة الطرف بشأن استصواب تقديم البلاغ ليست مبرراً صحيحاً لعدم مقبولية البلاغ.

6-4 وفضلاً عن ذلك، يتناول صاحب البلاغ الحجة التي ساقتها الدولة الطرف ومؤداها أن استيفاء شرط استنفاد سبل الانتصاف المحلية يقتضي من صاحب البلاغ تحريك الدعوى العامة بإيداع شكوى والادعاء بالحق المدني لدى قاضي التحقيق وفقاً للمواد 72 وما تلاها (الفقرة 25 فما بعد) من قانون الإجراءات الجزائية. ويشير إلى الآراء التي اعتمدتها اللجنة في 27 تموز/يوليه 2010 في قضية بن عزيزة حيث رأت اللجنة أن "الدولة الطرف ليست ملزمة بإجراء تحقيقات معمقة في الانتهاكات المفترضة لحقوق الإنسان فحسب، سيما عندما يتعلق الأمر بالاختفاء القسري والمساس بالحق في الحياة، بل ملزمة أيضاً بالملاحقة الجنائية لكل من يشتبه في أنه مسؤول عن تلك الانتهاكات ومحاكمته ومعاقبته. إن الادّعاء بالحق المدني بشأن جرائم خطيرة مثل تلك التي يُدعى ارتكابها في القضية محل النظر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحل محل الإجراءات القضائية التي ينبغي أن يتخذها وكيل الجمهورية نفسه" ( ) . وعليه، يعتبر صاحب البلاغ أن السلطات المختصة هي التي يتعين عليها أن تبادر بالتحقيقات اللازمة في الوقائع الخطيرة كالتي يدعيها صاحب البلاغ. على أن ذلك لم يحدث، بينما قام أفراد أسرة بوزيد مزين من جهتهم بعدة محاولات، منذ إلقاء القبض عليه في 11 آب/أغسطس 1996، للاستعلام عن حالته لدى مختلف ثكنات ومخافر الشرطة والنواب العامون في المنطقة، لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل.

6-5 لقد عرض والد الضحية قضية ابنه على وكيل الجمهورية لدى محكمة حسين داي ونائب عام محكمة الجزائر العاصمة طالباً منهما اتخاذ الإجراءات اللازمة لتقصي الحقائق. وقام بعد ذلك ، بتوجيه من مكتب وكيل الجمهورية لدى محكمة حسين داي، بعرض القضية على النائب العام العسكري في ال بليدة الذي لم  يجر قط أي تحقيق جدي بشأن اختفاء بوزيد مزين. ولم يتقرر قط إقامة أي دعوى بسبب عدم إجراء أي تحقيق فعال . وموازاة مع ذلك، راسل شقيق بوزيد مزين ووالده السلطات الوطنية، بمن فيها وسيط الجمهورية ورئيس المرصد الوطني لحقوق الإنسان ورئيس الجمهورية ووزير العدل. ولم ت قدم أي من هذه السلطات معلومات عن الضحية. ولم تفض هذه المساعي إلى فتح تحقيق فعال في حادث اختفاء الضحية، ولا إلى ملاحقة المسؤولين عنه وإدانتهم، ولا إلى جبر أسرة الضحية. وتقع مسؤولية مباشرة الملاحقات في هذه الحالات على عاتق السلطات، ولا يمكن مؤاخذة صاحب البلاغ على عدم الادعاء بالحق المدني في هذه الحالة .

6-6 وفيما يتعلق بحجة الدولة الطرف القائلة بأن مجرد "الاعتقاد أو الافتراض الشخصي" لا يُعفي صاحب بلاغ ما من استنفاد سبل الانتصاف المحلية، يشير صاحب البلاغ إلى المادة 45 من الأمر رقم 06-01 التي تنصّ على عدم جواز الشروع في أي متابعة، بصورة فردية أو جماعية، في حق أفراد قوى الدفاع والأمن. ويعاقَب بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وبغرامة تتراوح بين 000 250 دينار جزائري و000 500 دينار جزائري كل من يقدم شكوى أو ادعاء من هذا القبيل. وبذلك لم تبيّن الدولة الطرف بطريقة مقنعة كيف يتسنى للشخص أن يقدم شكوى والادعاء بالحق المدني وتتلقى المحاكم المختصة شكواه وتبت فيها، علماً بأن ذلك مخالف لنص المادة 45 من الأمر المذكور، وكيف يكون مقدم مثل هذه الشكوى في مأمن من العقوبة المنصوص عليها في المادة 46 من هذا الأمر. ووفقاً لما تؤكده اجتهادات هيئات المعاهدات، فإن النظر في هذه الأحكام يقود إلى الاستنتاج بأن أي شكوى تتعلق بانتهاكات كالتي تعرض لها صاحب البلاغ وبوزيد مزين سوف لن يعلن أنها غير مقبولة فحسب، بل سيعاقب عليها جنائياً أيضاً. ويلاحظ صاحب البلاغ أن الدولة الطرف لم تقدم أي مثال على قضية من القضايا التي تكون قد أفضت، رغم وجود الأمر المشار إليه، إلى ملاحقة فعلية للمسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في حالة مماثلة للحالة قيد النظر. ويخلص صاحب البلاغ إلى أن سبل الانتصاف التي تشير إليها الدولة الطرف عديمة الجدوى.

6-7 وفيما يتعلق بالأسس الموضوعية للبلاغ، يلاحظ صاحب البلاغ أن الدولة الطرف اكتفت بسرد السياقات التي ربما شكلت الظروف التي اختفى فيها ضحايا "المأساة الوطنية" بشكل عام. وهذه الملاحظات العامة لا تنفي البتّة الوقائع التي سيقت في هذا البلاغ. بل إن تلك السياقات نجدها سُردت بطريقة مماثلة في سلسلة من القضايا الأخرى، مما يبيّن أن الدولة الطرف تظل ترفض تناول هذه القضايا كل واحدة منها على حدة.

6-8 وفيما يتعلق بالحجة التي ساقتها الدولة الطرف ومؤداها أن من حقها أن تطلب فصل مسألة المقبولية عن مسألة الأسس الموضوعية للبلاغ، يشير صاحب البلاغ إلى الفقرة 2 من المادة 97 من النظام الداخلي للجنة التي تنص على أن "بإمكان الفريق العامل أو المقرر الخاص، نظراً للطابع الاستثنائي للقضية، أن يطلب رداً مكتوباً يقتصر على تناول مسألة المقبولية." وهكذا، فإن هذه الصلاحيات ليست من اختصاص صاحب البلاغ ولا الدولة الطرف وإنما من اختصاص الفريق العامل أو المقرر الخاص لا غير. ويعتبر صاحب البلاغ أن الحالة قيد البحث لا تختلف بتاتاً عن بقية حالات الاختفاء القسري وأنه يتعين عدم فصل مسألة المقبولية عن مسألة الأسس الموضوعية.

6-9 وفي الأخير، يلاحظ صاحب البلاغ أن الدولة الطرف لم تدحض ادعاءاته. ويضيف أن التقارير العديدة التي تتحدث عن تصرفات قوات الأمن أثناء الفترة المعنية والمساعي العديدة التي قام بها تدعم ادعاءاته وتزيدها مصداقية. ونظراً إلى أن المسؤولية عن اختفاء شقيقه تقع على عاتق الدولة الطرف، فلا يسع صاحب البلاغ تقديم مزيد من المعلومات لدعم بلاغهم، فالدولة الطرف هي وحدها التي تملك هذه المعلومات. وعلاوة على ذلك، يلاحظ صاحب البلاغ أن عدم تقديم الدولة الطرف أية معلومات بشأن الأسس الموضوعية هو إقرار منها بالانتهاكات المرتكبة.

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

7-1 قبل النظر في أي شكوى ترد في بلاغ ما، يتعين على اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، وفقاً للمادة 93 من نظامها الداخلي، أن تبتّ في مقبولية البلاغ بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد .

7-2 ويتعين على اللجنة أن تتأكد، بموجب الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة ذاتها ليست قيد الدراسة أمام هيئة أخرى من هيئات التحقيق الدولي أو  التسوية الدولية . وتل احظ اللجنة أن حادث اختفاء بوزيد مزين أُبلغ إلى الفريق العامل التابع للأمم المتحدة المعني بحالات الاختفاء القسري في عام 1998. إلا أنها تذكّر بأن الإجراءات أو  الآليات الخارجة عن نطاق المعاهدات، التي وضعتها لجنة حقوق الإنسان أو  وضعها مجلس حقوق الإنسان، والتي تتمثل ولاي ا تها في دراسة حالة حقوق الإنسان في بلد أو  إقليم ما أو  دراسة الظواهر الواسعة النطاق لانتهاكات حقوق الإنسان في العالم وإعلان استنتاجات دراستها تلك على الملأ، لا  تندرج عموماً ضمن ال إجراءات ال دولية للتحقيق أو  التسوية بالمفهوم الوارد في الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري ( ) . وهكذا، ترى اللجنة أن نظر الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو  غير الطوعي في قضية بوزيد مزين لا  يجعل البلاغ غير مقبول بمقتضى هذه المادة .

7-3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف ترى أن ص ا ح ب البلاغ وأسرته لم  ي ستنفد وا سبل الانتصاف المحلية إذ إنه م لم  ي توخ وا إمكانية عرض قضيته م على قاضي التحقيق والادعاء بالحق المدني بناءً على المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الجزائية . و علاوة على ذلك، تلاحظ اللجنة أن إفادات الدولة الطرف تبين أن صا ح ب البلاغ ووالده وجَّها رسائل إلى السلطات السياسية أو الإدارية، وعرضا قضيتهما على هيئات استشارية أو هيئات وساطة وأرسلوا عريضة إلى ممثلين للنيابة العامة (المدّعون العامون أو وكلاء الجمهورية) دون اللجوء إلى إجراءات الطعن القضائي بمعناه الدقيق والاستمرار فيها حتى النهاية باستخدام جميع سبل الانتصاف المتاحة في الاستئناف والنقض. وتلاحظ اللجنة الحجة التي ساقها ص اح ب البلاغ ومؤداها أن والد الضحية أبلغ وكيل الجمهورية لدى محكمة حسين داي والمدعي العام لدى محكمة الجزائر بقضية ابنه وطلب منهما اتخاذ الإجراءات اللازمة لتقصي الحقائق . وعرض القضية فيما  بعد على النائب العام العسكري في ال بليدة . وراسل صاحب البلاغ ووالده السلطات الوطنية . ولم ت قدم أي من هذه السلطات معلومات عن الضحية، ولم يفض أي من هذه المساعي إلى فتح تحقيق فعال في حادث ال اختفاء ولا إلى ملاحقة المسؤولين عنه وإدانتهم . وفي الأخير، تلاحظ اللجنة أن صاحب البلاغ أفاد بأن المادة 46 من الأمر رقم 06-01 تنص على معاقبة كل من يقدم شكوى تندرج ضمن الأعمال المنصوص عليها في المادة 45 من هذا الأمر.

7-4 وتذكر اللجنة بأن الدولة الطرف ملزمة ليس فقط بإجراء تحقيقات شاملة في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان المبلّغ عنها إلى سلطاتها، لا سيما عندما يتعلق الأمر باختفاء قسري وانتهاك الحق في الحياة، ولكنها ملزمة أيضاً بملاحقة كل من يشتبه في أنه مسؤول عن تلك الانتهاكات ومحاكمته ومعاقبته ( ) . والحال أن أسرة بوزيد مزين أخطرت السلطات المختصة مراراً باختفائه، لكن الدولة الطرف لم تجر أي تحقيق معمّق ودقيق بشأن اختفاء شقيق صاحب البلاغ رغم أن الأمر يتعلق بمزاعم خطيرة متصلة بالاختفاء القسري. وعلاوة على ذلك، لم تقدم الدولة الطرف معلومات تسمح باستنتاج أن ثمة سبيل انتصاف فعالاً ومتاحاً قائمٌ بالفعل في الوقت الذي يستمر فيه العمل بالأمر 06-01 المؤرخ 27 شباط/فبراير 2006 رغم توصيات اللجنة التي طلبت فيها جعل أحكام هذا الأمر منسجمة مع أحكام العهد ( ) . وإذ تذكر اللجنة بآرائها السابقة، فهي تؤكد مجدداً أن الادعاء بالحق المدني بشأن جرائم خطيرة مثل تلك المزعومة في هذه الحالة لا يمكن أن يكون بديلاً عن الإجراءات القضائية التي من المفروض أن يتخذها وكيل الجمهورية نفسه ( ) . وعلاوة على ذلك، فنظراً للطابع غير الدقيق لنص المادتين 45 و46 من الأمر المشار إليه أعلاه، ونظراً لعدم تقديم الدولة الطرف معلومات مقنعة بشأن تفسير نص المادتين وتطبيقه عملياً، فإن المخاوف التي أعرب عنها صاحب البلاغ من حيث العواقب المترتبة على تقديم شكوى هي مخاوف معقولة. وتخلص اللجنة إلى أن الفقرة 2(ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري ليست عائقاً أمام مقبولية البلاغ.

7-5 وترى اللجنة أن صاحب البلاغ علّل ادعاءه بما فيه الكفاية من حيث إن هذه الادعاءات تثير مسائل تتعلق بالفقرة 1 من المادة 6، والمادة 7، والمادة 9، والمادة 10، والمادة 16، والفقرة 3 من المادة 2 من العهد، ومن ثم تنتقل اللجنة إلى النظر في الأسس الموضوعية للبلاغ.

النظر في الأسس الموضوعية

8-1 نظرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أتاحها لها الطرفان، بموجب الفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري .

8-2 وكما سبق للجنة أن أكدت لدى النظر في بلاغات سابقة قدّمت الدولة الطرف بشأنها ملاحظات جماعية وعامة بخصوص الادعاءات الخطيرة التي أثارها أصحاب تلك البلاغات، فإن الملاحظ هو أن الدولة الطرف اكتفت بالتأكيد على أن البلاغات التي تدعي مسؤولية موظفين عموميين أو خاضعين في عملهم للسلطات العامة عن حالات الاختفاء القسري التي حدثت في الفترة الممتدة من عام 1993 إلى عام 1998، يجب أن تُعالج في إطار شامل يراعي السياق الداخلي الاجتماعي السياسي والأمني للبلد في فترة كان على الحكومة أن تكافح فيها الإرهاب. وتود اللجنة أن تذكر بملاحظاتها الختامية بشأن الجزائر التي اعتمدتها في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2007 ( ) وبآرائها السابقة ( ) التي ذهبت فيها إلى أنه لا يجوز للدولة الطرف أن تحتج بأحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ضد أشخاص يحتجون بأحكام العهد أو قدّموا أو يعتزمون تقديم بلاغات إلى اللجنة. ويبدو أن الأمر رقم 06-01، ما لم تُدخل عليه التعديلات التي أوصت بها اللجنة، يعزّز الإفلات من العقاب، وبذلك لا يمكن، بصيغته الحالية، أن يتوافق مع أحكام العهد .

8-3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم ترد على ادعاءات صاحب البلاغ بشأن الأسس الموضوعية وتذكر بآرائها السابقة ( ) ومفادها أن عبء الإثبات يجب ألا يقع على عاتق صاحب البلاغ وحده، خاصة أن صاحب البلاغ لا يتساوى دائماً مع الدولة الطرف في إمكانية الحصول على عناصر الإثبات وأن المعلومات اللازمة تكون في أغلب الأحيان في حوزة الدولة الطرف فقط. وتشير الفقرة 2 من المادة 4 من البروتوكول الاختياري ضمنياً إلى أنه يجب على الدولة الطرف أن تحقق بحسن نية في جميع الادعاءات الواردة بشأن انتهاكات أحكام العهد التي ترتكبها الدولة الطرف نفسها أو يرتكبها ممثلوها وأن تحيل المعلومات التي تكون في حوزتها إلى اللجنة ( ) . ونظراً إلى عدم تقديم الدولة الطرف أي توضيح بهذا الخصوص، فلا بد من إيلاء ادعاءات صاحب البلاغ الاهتمام الواجب ما دامت معللة بما فيه الكفاية.

8-4 وتلاحظ اللجنة أن صا ح ب البلاغ أفاد بأن شقيق ه بوزيد مزين قبض عليه عسكريون ليلة 11 آب / أغسطس 1996، وكانت تلك آخر مرة تراه فيها أسرته ؛ وبأن أحد رفاقه في السجن ممن أخلي سبيلهم أكّد أن المختفي كان موجوداً في السجن العسكري في البليدة، وأن هذه المعلومة أكدها للأسرة أحد العسكريين متحدثاً بصفته الشخصية . ورغم تعلق أسرة بوزيد مزين بالأمل في العثور على ابنها حياً، فإن اللجنة تلاحظ أن صاحب البلاغ وأسرته يخشون أن يكون قد توفي نظراً لطول مدة اختفائه. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدّم أية معلومات تدحض هذه الادعاءات . وتذكر اللجنة أن في حالات بالاختفاء القسري ، فإن الحرمان من الحرية ثم عدم الإقرار بذلك أو عدم الكشف عن مصير الشخص المختفي ، يحرم هذا الشخص من حماية القانون ويعرض حياته لخطر جسيم ودائم ت عتبر الدولة مسؤولة عنه. وفي الحالة قيد النظر، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم  تقدم أية معلومات تفيد بأنها احترمت التزامها المتمثل في حماية حياة بوزيد مزين . وبناءً عليه ، تخلص اللجنة إلى أن الدولة الطرف أخلت بالتزامها بحماية حياة بوزيد مزين، وهو ما يشكل انتهاك اً للفقرة 1 من المادة 6 من العهد ( ) .

8-5 و تقر اللجنة بدرجة المعاناة التي ينطوي عليها التعرض للاحتجاز لمدة غير محددة دون اتصال بالعالم الخارجي . وتذكّر بتعليقها العام رقم 20(1992) ( ) بشأن المادة 7، حيث توصي الدول الأطراف بسن أحكام تمنع الحبس الانفرادي. وفي هذه الحالة، تلاحظ اللجنة أن بوزيد مزين قبض عليه في 11 آب/أغسطس 1996 وأن مصيره لا يزال مجهولاً إلى يومنا . ونظراً لعدم تقديم الدولة الطرف توضيحات وجيهة بهذا الخصوص، تعتبر اللجنة أن هذا الاختفاء يشكل انتهاكاً للمادة 7 من العهد في حق بوزيد مزين ( ) .

8-6 وتحيط اللجنة علماً أيضاً بما عانه صاحب البلاغ من قلق وضيق جراء اختفاء بوزيد مزين. وتعتبر أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن وقوع انتهاكٍ للمادة 7 مقروءة منفردة وبالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد في حق صاحب البلاغ ( ) .

8-7 وفيما يتعلق بادعاء انتهاك المادة 9، تحيط اللجنة علماً بمزاعم صاحب البلاغ الذي يؤكد أن بوزيد مزين قُبض عليه في 11 آب/أغسطس 1996 على أيدي عسكريين يرتدون زيّاً رسمياً ومن دون أمر قضائي ودون إطلاعه على أسباب القبض عليه (انظر الفقرة 2-1)، وأنه توجه لبوزيد مزين أي تهمة ولم يُقدم إلى سلطة قضائية يمكنه أن يطعن أمامها في مشروعية اعتقاله، وأنه لم تقدم إلى صاحب البلاغ وأسرته أية معلومات رسمية عن مكان احتجاز بوزيد مزين ولا عن مصيره. ونظراً لعدم تقديم الدولة الطرف توضيحات كافية بهذا الخصوص، تخلص اللجنة إلى أن المادة 9 من العهد قد انتهكت في حق بوزيد مزين ( ) .

8-8 وفيما يتعلق بالشكوى المقدّمة بموجب الفقرة 1 من المادة 10، تؤكد اللجنة مجدداً أن الأشخاص المحرومين من الحرية يجب ألا يتعرضوا لأي حرمان أو إكراه عدا ما هو ملازم للحرمان من الحرية، وأنه يجب معاملتهم بإنسانية واحترام كرامتهم. ونظراً لاحتجاز بوزيد مزين في الحبس الانفرادي ونظراً كذلك لعدم تقديم الدولة الطرف معلومات بهذا الخصوص، تخلص اللجنة إلى أن الفقرة 1 من المادة 10 من العهد قد انتُهكت ( ) .

8-9 أما عن مزاعم انتهاك المادة 16، فإن اللجنة تكرر اجتهاداتها الثابتة ومؤداها أن حرمان شخص ما عمداً من حماية القانون لفترة مطولة يمكن أن يشكل رفضاً للاعتراف بشخصيته القانونية إذا كان هذا الشخص في قبضة سلطات الدولة عند ظهوره للمرة الأخيرة، وإذا كانت جهود أقاربه الرامية إلى الوصول إلى سبل انتصاف فعالة، بما في ذلك المحاكم (الفقرة 3 من المادة 2 من العهد)، تعترضها المعوقات بانتظام ( ) . وفي القضية قيد البحث، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدّم توضيحات كافية بشأن الادّعاءات التي ساقها صاحب البلاغ الذي يؤكد أنه لا يعرف شيئاً عن مصير شقيقه. وتستنتج اللجنة من ثم أن اختفاء بوزيد ميزين قسراً منذ 16 عاماً حرمه من حماية القانون وحرمه من حقه في أن يُعترف له بشخصيته القانونية، وفي ذلك انتهاك للمادة 16 من العهد.

8-10 و فيما  يتعلق بمزاعم انتهاك المادة 17، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم  تقدم أية معلومات تبرر أو  تفسر اقتحام رجال قوات الأمن بيت أسرة مزين في جنح الليل، على الساعة الثانية صباح اً، دون أمر قضائي. وتخلص اللجنة إلى أن دخول موظفين حكوميين إلى بيت بوزيد مزين وأسرته في مثل هذه الظروف يشكل تعدي اً غير قانوني على حياتهم الخاصة وعلى أسرتهم وحرمة بيتهم، وفي ذلك انتهاك للمادة 17 من العهد .

8-11 ويحتج صاحب البلاغ بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد التي تلزم الدول الأطراف بأن تكفل سبيل انتصاف فعالاً لجميع الأشخاص الذين انتهكت حقوقهم المكفولة بموجب العهد. وتُعلّق اللجنة أهمية على قيام الدول الأطراف بإنشاء آليات قضائية وإدارية مناسبة لمعالجة الشكاوى المتصلة بانتهاكات الحقوق. وتذكر بتعليقها العام رقم 31 (80) (2004) ( ) الذي يشير على وجه الخصوص إلى أن تقاعس دولة طرف عن التحقيق في انتهاكات مزعومة قد يفضي، في حد ذاته، إلى انتهاك واضح للعهد. وفي هذه الحالة، أخطرت أسرة الضحية السلطات المختصة عدة مرات باختفاء بوزيد مزين، سيما السلطات القضائية مثل وكيل الجمهورية، إلا أن جميع الخطوات التي اتخذتها أسرة الضحية باءت بالفشل بل كانت مثبّطة، وأن الدولة الطرف لم تجر أي تحقيق شامل ودقيق في قضية اختفاء شقيق صاحب البلاغ. وعلاوة على ذلك، فإن استحالة اللجوء إلى هيئة قضائية بنص القانون، بعد صدور الأمر رقم 06-01 المتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، لا تزال تحرم بوزيد مزين وصاحب البلاغ وأسرته من أي إمكانية للوصول إلى سبيل انتصاف فعال، ذلك أن هذا الأمر يمنع، تحت طائلة السجن، من اللجوء إلى العدالة لكشف ملابسات أكثر الجرائم خطورة مثل حالات الاختفاء القسري ( ) . وتخلص اللجنة إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن وقوع انتهاك للفقرة 3 من المادة 2، مقروءة بالاقتران مع الفقرة 1 من المادة 6، والمادة 7، والمادة 9، والفقرة 1 من المادة 10، والمادة 16 والمادة 17 من العهد في حق بوزيد مزين؛ وانتهاك للفقرة 3 من المادة 2 من العهد، مقروءة بالاقتران مع المادتين 7 و 17 من العهد في حق صاحب البلاغ.

9- واللجنة المعنية بحقوق الإنسان، إذ تتصرف وفقاً للفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ترى أن المعلومات المعروضة عليها تكشف عن انتهاك الدولة الطرف لحقوق بوزيد مزين المكفولة بموجب الفقرة 1 من المادة 6؛ والمادة 7؛ والمادة 9؛ والفقرة 1 من المادة 10؛ والمادة 16؛ والفقرة 3 من المادة 2 مقروءة بالاقتران مع الفقرة 1 من المادة 6؛ والمادة 7؛ والمادة 9؛ والفقرة 1 من المادة 10؛ والمادة 16 والمادة 17 من العهد، كما تكشف عن انتهاكات لحقوق صاحب البلاغ المكفولة بموجب المادة 7 مقروءة منفردة وبالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2؛ والمادة 17 من العهد.

10- ووفقاً للفقرة 3 من المادة 2 من العهد، فإن الدولة الطرف ملزمة بأن تتيح لصاحب البلاغ وأسرته سبيل انتصاف فعّالاً يشمل على الخصوص ما يلي:(أ) إجراء تحقيق شامل ودقيق في اختفاء بوزيد مزين؛ (ب) تزويد صاحب البلاغ وأسرته بمعلومات مفصلة عن نتائج تحقيقها؛ (ج) الإفراج عنه فوراً إذا كان لا يزال في الحبس الانفرادي؛ (د) إعادة جثة بوزيد مزين إلى أسرته في حالة وفاته؛ (ﻫ) ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات المرتكبة ومحاكمتهم ومعاقبتهم؛ (و) تقديم تعويض مناسب إلى صاحب البلاغ عن الانتهاكات التي تعرض لها وكذلك إلى بوزيد مزين إن كان على قيد الحياة. وبصرف النظر عن الأمر رقم 06-01، يتعين على الدولة الطرف أيضاً أن تحرص على عدم إعاقة ممارسة الحق في سبيل انتصاف فعال بالنسبة لضحايا الجرائم من قبيل التعذيب والإعدام خارج نطاق القانون والاختفاء القسري. والدولة الطرف ملزمة أيضاً باتخاذ التدابير اللازمة لمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل.

11- واللجنة، إذ تضع في اعتبارها أن الدولة الطرف، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، قد اعترفت باختصاص اللجنة في تحديد ما إذا كان قد حدث انتهاك للعهد أم لا، وتعهّدت عملاً بالمادة 2 من العهد بأن تكفل تمتع جميع الأفراد الموجودين في إقليمها والخاضعين لولايتها بالحقوق المعترف بها في العهد وبأن تتيح سبيل انتصاف فعالاً وقابلاً للإنفاذ متى ثبت حدوث انتهاك، تودّ أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون مئة وثمانين يوماً، معلومات عن التدابير التي اتخذتها لوضع آراء اللجنة موضع التنفيذ. وبالإضافة إلى ذلك، تطلب اللجنة إلى الدولة الطرف نشر هذه الآراء على نطاق واسع بلغاتها الرسمية.

[اعتُمدت بالفرنسية (النص الأصلي) والإسبانية والإنكليزية. وستصدر لاحقاً بالروسية والصينية والعربية أيضاً كجزء من التقرير السنوي المقدم من اللجنة إلى الجمعية العامة.]