الأمم المتحدة

CAT/C/73/D/921/2019

اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة

Distr.: General

5 July 2022

Arabic

Original: French

لجنة مناهضة التعذيب

قرار اعتمدته اللجنة بموجب المادة 22 من الاتفاقية بشأن البلاغ رقم 921/2019 * **

بلاغ مقدم من: م. د. (يمثلها محام من الرابطة السويسرية لمكافحة الإفلات من العقاب)

الشخص المدعى أنه ضحية: صاحبة الشكوى

الدولة الطرف: بوروندي

تاريخ تقديم الشكوى: 13 آذار/مارس 2019 (تاريخ الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية: القرار المتخذ عملا ً بالمادتين 114 و115 من النظام الداخلي للجنة، الذي أحيل إلى الدولة الطرف في 29 آذار/مارس 2019 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ صدور هذا القرار: 29 نيسان/أبريل 2022

الموضوع: التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ عدم إجراء تحقيق فعال وعدم التعويض

المسائل الإجرائية: عدم تعاون الدولة الطرف

المسائل الموضوعية: التعذيب؛ المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ منع التعذيب؛ إجراء تحقيق فوري ونزيه؛ معاملة السجناء؛ التعويض

مواد الاتفاقية: 1 و2 و11 و12 و13 و14 و16

1-1 صاحبة الشكوى هي م. د.، وهي مواطنة بوروندية وُلدت في عام 1970. وهي تدّعي أنها ضحية انتهاكات الدولة الطرف لحقوقها بموجب المادة 2(1) والمواد من 11 إلى 14 من الاتفاقية، مقروءة بالاقتران مع المادة 1، ثم مع المادة 16، بالإضافة إلى المادة 16 من الاتفاقية مقروءة على حدة. وقد أصدرت الدولة الطرف الإعلان المنصوص عليه في المادة 22(1) من الاتفاقية في 10 حزيران/ يونيه 2003. وتتولى الرابطة السويسرية لمكافحة الإفلات من العقاب تمثيل صاحبة الشكوى.

1-2 وفي 29 آذار/مارس 2019، طلبت اللجنة، عملا ً بالمادة 114(1) من نظامها الداخلي، إلى الدولة الطرف أن تمنع منعاً فعالاً، أثناء النظر في القضية، أيّ تهديد أو عمل من أعمال العنف قد تتعرض له صاحبة الشكوى وأسرتها، لا سيما نتيجةً لتقديم هذه الشكوى، وأن تبقي اللجنة على علم بالتدابير المتخذة لتحقيق هذه الغاية.

الوقائع كما عرضتها صاحبة الشكوى

2-1 شهدت بوروندي منذ نيسان/أبريل 2015 تصعيداً مخيفاً للعنف والعديد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سياق يسوده الإفلات التام من العقاب. ويؤثر هذا القمع بصفة خاصة في معارضي الحكومة أو الأشخاص الذين ينظر إليهم على أنهم كذلك بمن فيهم أعضاء حزب "حركة التضامن والديمقراطية" المعارض ( ) . وكانت الهجمات على أربع قواعد عسكرية في 11 كانون الأول/ديسمبر 2015، برعاية مسلحين مجهولي الهوية، نقطة تحول حقيقية في الأزمة البوروندية. فقد شنت قوات الأمن في أعقاب هذه الهجمات حملة قمع غير مسبوقة في العديد من الأحياء المرتبطة بالمعارضة. وتفيد بعض التقديرات بمقتل حوالي 160 شخصاً نتيجة لهذه الهجمات. ولكن حتى وإن شارك بعض القتلى في الهجمات أو قاتلوا قوات الأمن علناً في الأحياء المستهدفة، فإن الواقع كان غير ذلك بالنسبة إلى الكثيرين منهم. وقد ترافقت عمليات الإعدام خارج نطاق القانون هذه مع العديد من الاعتقالات التعسفية وأعمال التعذيب والاغتصاب.

2-2 وكانت صاحبة الشكوى وزوجها عضوين في حركة التضامن والديمقراطية. وفي صباح يوم 12 كانون الأول/ديسمبر 2015، أي غداة الهجمات المذكورة، عمد أفراد عسكريون إلى تفتيش منزل صاحبة الشكوى دون أن يقدموا إليها أي وثائق داعمة. وبينما كانت مع العسكريّيْن اللّذين سمحت لهما بالدخول ( ) ، دخل عسكري ثالث منزلها دون علمها وادّعى أنه "عثر" على سلاح من نوع كلاشينكوف في غرفتها.

2-3 ورغم أنّ صاحبة الشكوى نفت معرفتها مصدر السلاح، فقد اقتادها العساكر وذهبوا بها سيراً إلى سوق كوكانسوكو. وأجبرها العساكر طوال الرحلة وأمام أعين المارة على حمل السلاح البالغ الثقل الذي زعموا العثور عليه في منزلها، وأظهروها على أنها مجرمة على مرأى من الجميع بينما كانوا يلتقطون لها صوراً في هذا الوضع المهين. وكان العساكر خلال الرحلة على اتصال هاتفي مع عملاء من جهاز الاستخبارات الوطني وبدا وكأنهم يقترحون عليهم إعدام صاحبة الشكوى. غير أن العساكر رفضوا إعدامها وواصلوا سيرهم إلى السوق حيث سلّموا صاحبة الشكوى إلى مجموعة من أفراد الشرطة. وتعرضت صاحبة الشكوى، أثناء استجوابها عن انتمائها السياسي واتهامها بالمشاركة في هجمات 11 كانون الأول/ديسمبر 2015، للضرب بالهراوة لمدّة ساعة على يد شرطيّة، في حين هددها أفراد آخرون من الشرطة بالقتل.

2-4 وبعد الضرب الذي تعرضت له صاحبة الشكوى، زُجّ بها في زنزانة في موساغا طوال الليل قبل أن تُنقل في اليوم التالي إلى مقر جهاز الاستخبارات الوطني في روهيرو حيث خضعت للاحتجاز. واستجوبها أحد ضباط الشرطة القضائية في 13 كانون الأول/ديسمبر 2015. ودام هذا الاستجواب نصف ساعة. ولم تُخطَر خلاله صاحبة الشكوى بحقوقها ولم تبلغ بحقها في التزام الصمت ولم تتمكن من مقابلة محام. ورغم تظلم صاحبة الشكوى شفهياً من التعذيب الذي خضعت له، ورغم ما تكبدته من آلام في أردافها والتهابات في ظهرها، فقد أورد الضابط في المحضر أنها مثلت أمامه في حالة صحية عادية.

2-5 وظلت صاحبة الشكوى محتجزة في مقر جهاز الاستخبارات الوطني لمدة تسعة أيام في زنزانة ضيقة اضطرت إلى تقاسمها مع خمسة أشخاص آخرين دون أن يقدّم إليها مرتبة أو غطاء. ولم تتمكن من مقابلة محام أو الاتصال بأقاربها أو حتى تلقي الرعاية الطبية اللازمة لعلاج إصاباتها.

2-6 وفي 22 كانون الأول/ديسمبر 2015، مثلت صاحبة الشكوى أمام النيابة العامة للجمهورية في بوجومبورا حيث أُخطرت بحقوقها وتمكنت من مقابلة أقاربها وتسنى لها تلقي المساعدة القانونية. واشتكت مرة أخرى من التعذيب الذي تعرضت له ولكن تشكياتها لم تُوثّق ولم تلق أعمال التعذيب هذه أيّ اهتمام.

2-7 ووُضعت صاحبة الشكوى على إثر مثولها أمام النيابة العامة رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة في سجن مبيمبا المركزي حيث أبلغت سلطات السجن مجدداً بالتعذيب الذي تعرضت له. وتمكنت من تلقي قدر من الرعاية الطبية كان مجرد أقراص لتهدئة الالتهابات في ظهرها والآلام التي لم تبارح أردافها.

2-8 ومُدّد احتجاز صاحبة الشكوى السابق للمحاكمة بأمر من المحكمة الابتدائية لبلدية بوجومبورا في 6 كانون الثاني/يناير 2016 ثمّ بأمر من محكمة الاستئناف في بوجومبورا في 9 حزيران/يونيه 2016. ورغم أنها اشتكت مجدداً من أعمال التعذيب إلى قضاة المحكمة العليا، إلا أنّ تشكّيها لم يُضمّن في الحكم. وبعد ذلك، مثلت صاحبة الشكوى أمام محكمة موها الابتدائية في 20 شباط/فبراير 2017 فأدينت بجريمة حيازة أسلحة نارية بصفة غير قانونية وحُكم عليها بالسجن لمدة ثلاث سنوات وستة أشهر. ولم تطعن صاحبة الشكوى في الحكم وأُودعت في سجن مبيمبا في ظروف مزرية ( ) إلى حين أُفرج عنها في 16 آذار/مارس 2018.

2-9 وعلى الرغم من أن صاحبة الشكوى أبلغت كيانات مختلفة في مناسبات عديدة بالتعذيب الذي تعرضت له، فقد تجاهلت السلطات تشكّياتها. أمّا الانتهاكات التي تعرضت لها فقد تركت فيها أثراً بالغاً. فرغم أنّ الآلام الجسدية لصاحبة الشكوى قد خفّت حدتها بعد بضعة أشهر، فلا تزال آثارها النفسية المؤلمة قائمة: فهي تشكو من اضطرابات شديدة في النوم وتراودها كوابيس عنيفة ومتواترة. وبما أن السلطات لم تسلّم بأعمال التعذيب هذه، لم يُجرَ أي تحقيق فيها ولم يُتخذ أي إجراء بشأنها بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على ارتكابها.

2-10 وقد أُبلغت السلطات البوروندية في عدة مناسبات بالتعذيب الذي تعرضت له صاحبة الشكوى، ولذلك ليس من الوارد أنّها لم تكن على علم بها. ولكن عند تقديم هذه الشكوى إلى اللجنة، كان قد انقضى أكثر من ثلاث سنوات على الوقائع، ولم يكن قد اتُخذ أي إجراء من إجراءات التحقيق. وإلى جانب رفض السلطات رفضاً واضحاً تحديد المسؤولية في هذه القضية، تشير صاحبة الشكوى إلى حالة الإفلات من العقاب السائدة في بوروندي، ولا سيما فيما يتعلق بأعمال التعذيب، وهي حالة تناولتها تقارير عديدة صادرة عن هيئات تابعة للأمم المتحدة. وأعربت اللجنة في ملاحظاتها الختامية بشأن التقرير الدوري الثاني لبوروندي عن قلقها إزاء ضعف التحقيقات والمحاكمات وبطء وتيرتها، وهو ما يؤكد صحة الادعاءات التي تشير إلى حالة الإفلات من العقاب السائدة فيما يخص مرتكبي أعمال التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء التي تتورط فيها بوجه خاص الشرطة الوطنية البوروندية وجهاز الاستخبارات الوطني ( ) .

2-11 وبناء عليه، تدفع صاحبة الشكوى بما يلي: (أ) أنّ سبل الانتصاف المحلية المتاحة لم توفر لها أي ترضية لأن السلطات لم تردّ على تشكّياتها في حين كان عليها أن تباشر تحقيقاً جنائياً على أساس ادعاءاتها؛ و(ب) أنّ سبل الانتصاف هذه تأخرت إلى حد غير معقول، إذ لم يبدأ بعدُ أيّ تحقيق رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على ادعائها أنها تعرضت للتعذيب؛ و(ج) أنّ اتخاذ إجراءات أخرى كان يشكل خطراً عليها لأنها كانت تخشى الاقتصاص بسبب احتجازها هي وزوجها في سجن مبيمبا نفسه ( ) .

الشكوى

3-1 تدّعي صاحبة الشكوى أنها ضحية انتهاك الدولة الطرف لحقوقها المكفولة بموجب المادة 2(1) والمواد من 11 إلى 14، مقروءة بالاقتران مع المادة 1، ثم مع المادة 16 من الاتفاقية، وكذلك المادة 16 من الاتفاقية مقروءة على حدة.

3-2 وتفيد صاحبة الشكوى بأنّ الاعتداء الذي سُلّط عليها تسبّب لها في معاناة شديدة، جسدية ونفسية على حد سواء. وتعاني صاحبة الشكوى من آثار نفسية جراء التعذيب الذي تعرضت له في 12 كانون الأول/ديسمبر 2015، منها اضطرابات حادة في النوم وكوابيس عنيفة. وكان غرض أفراد الشرطة الذين عنفوها هو التسبب في هذه المعاناة وإبقاؤها في ضيق نفسي شديد. وهي حُرمت علاوة على ذلك من الحصول على الرعاية. وكان هذا التعذيب المتعمد على أيدي أفراد الشرطة يهدف إلى تخويفها ومعاقبتها والضغط عليها بسبب انتمائها السياسي. وعليه، تؤكد صاحبة الشكوى أن هذا الاعتداء يشكل عملاً من أعمال التعذيب بالمعنى المقصود في المادة 1 من الاتفاقية.

3-3 وبموجب المادة 2(1) من الاتفاقية، تدفع صاحبة الشكوى بأن الدولة الطرف لم تتخذ تدابير فعالة بغرض منع ارتكاب أعمال التعذيب في الأقاليم الخاضعة لولايتها القضائية. وعلى وجه الخصوص، لم تتلق صاحبة الشكوى طوال فترة احتجازها الرعاية المناسبة باستثناء أقراص لتهدئة بعض الآلام التي كانت تعاني منها. ولم يتسن لصاحبة الشكوى الاتصال بمحام إلا في جلسة الاستماع التي عُقدت في مكتب المدعي العام في 22 كانون الأول/ديسمبر 2015، أي بعد عشرة أيام من اعتقالها، ولم يُسمح لها بالاستعانة بمحام أثناء استجوابها في مقر جهاز الاستخبارات الوطني في 13 كانون الأول/ديسمبر 2015. ولم تتمكن من الاتصال بأقاربها إلا في 22 كانون الأول/ديسمبر 2015. وعلاوة على ذلك، ورغم الادعاءات التي ساقتها صاحبة الشكوى، لم تف الدولة الطرف بالتزاماتها بالتحقيق في أعمال التعذيب التي تعرضت لها وبتقديم المسؤولين عن هذه الأفعال إلى العدالة. وعليه، تؤكد صاحبة الشكوى أنّ الدولة الطرف لم تعتمد التدابير التشريعية وغيرها من التدابير التي تقتضيها المادة 2(1) من الاتفاقية.

3-4 واستناداً إلى المادة 11 من الاتفاقية والممارسة التي دأبت عليها اللجنة ( ) ، تدفع صاحبة الشكوى بأنها لم تتلق الرعاية المناسبة على الرغم من حالتها الحرجة وقت اعتقالها. وقد اعتُقلت دون إبلاغها بالتهم الموجهة إليها؛ ولم تُتح لها سبل انتصاف فعالة للطعن في أعمال التعذيب؛ واحتُجزت في ظروف مزرية في سجن مبيمبا على الرغم من حالتها الصحية الحرجة.

3-5 وعلاوة على ذلك، تدعي صاحبة الشكوى أنّ السلطات البوروندية لم تُجرِ تحقيقاً سريعاً وفعالاً في ادعاءات التعذيب التي ساقتها على الرغم من اطّلاعها على ما خضعت له من تعذيب في إثر شكاواها الشفهية العديدة، وهو ما يشكل انتهاكاً للالتزام الذي تفرضه المادة 12 من الاتفاقية. وتدعي صاحبة الشكوى أيضاً أن الدولة الطرف لم تحترم حقها في رفع دعوى بغرض النظر على وجه السرعة وبنزاهة في مزاعمها ، منتهكة بذلك المادة 13 من الاتفاقية.

3-6 وبحرمان الدولة الطرف صاحبة الشكوى من الإجراءات الجنائية، فقد حرمتها أيضاً من أي سبيل انتصاف من أجل التعويض عن تعرضها لجرائم خطيرة مثل التعذيب. وبالإضافة إلى ذلك لم تستفد من أي تدابير لإعادة تأهيلها في أعقاب التعذيب الذي تعرضت له، وذلك بهدف تحقيق تعافيها بدنياً ونفسياً واجتماعياً ومالياً على أكمل وجه ممكن. وفي ضوء عدم مبالاة السلطات القضائي ة، فإن سبل الانتصاف الأخرى للحصول على الجبر برفع دعوى مدنية للتعويض عن الأضرار، على سبيل المثال، ليس لها أيّ احتمال موضوعي لأن تتكلل بالنجاح. فقلّما اتخذت السلطات البوروندية تدابير لتعويض ضحايا التعذيب، وهي مسألة أشارت إليها اللجنة من قبل في عام 2006 في ملاحظاتها الختامية بشأن تقرير بوروندي الأولي ( ) . وفي عام 2014، أحاطت اللجنة علما ً بالتنصيص على تعويض ضحايا التعذيب في قانون الإجراءات الجنائية البوروندي الجديد، وأعربت عن قلقها من عدم تنفيذ هذا الحكم، وهو ما يشكل انتهاكاً للمادة 14 من الاتفاقية ( ) . وأخيراً، أكدت اللجنة مجدداً في عام 2016 أن الدولة الطرف ملزمة بضمان حصول ضحايا التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة على سبل الإنصاف المناسب ( ) . ومن ثم، فإن السلطات البوروندية لم تمتثل التزاماتها بموجب المادة 14 من الاتفاقية لأن الانتهاكات المرتكبة في حق صاحبة الشكوى ظلت بلا عقاب بسبب عدم مبالاة الدولة من جهة، ولأن صاحبة الشكوى لم تتلق أي تعويض ولم تستفد من أي تدابير لإعادة التأهيل من جهة أخرى.

3-7 وتكرر صاحبة الشكوى من جديد أن أعمال العنف التي سُلّطت عليها تشكل تعذيباً وفقاً للتعريف الوارد في المادة 1 من الاتفاقية. أمّا إذا اعتبرت اللجنة أنّ هذا العنف لا يعدّ بمثابة تعذيب، فتؤكد صاحبة الشكوى أنّ الاعتداء الذي تعرضت له يشكل معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة وأنّ الدولة الطرف ملزمة أيضاً في هذا الصدد، بمقتضى المادة 16 من الاتفاقية، بمنع الموظفين الحكوميين من ارتكابها أو التحريض عليها أو السكوت عنها وبمعاقبتهم على هذه الأفعال. وتذكّر أيضاً بظروف الاحتجاز التي فُرضت عليها في زنزانات جهاز الاستخبارات الوطني وفي سجن مبيمبا المركزي. وتحيل صاحبة الشكوى مجدداً إلى الملاحظات الختامية للجنة بشأن التقرير الأولي لبوروندي، التي رأت فيها اللجنة أنّ ظروف الاحتجاز في بوروندي تبلغ مبلغ المعاملة اللاإنسانية والمهينة ( ) . وتذكّر صاحبة الشكوى في الختام بأنها لم تتلقّ أيّ رعاية طبية خلال احتجازها رغم حالتها الحرجة، وتستنتج من ذلك أنّ ظروف الاحتجاز التي تعرضت لها تشكل انتهاكاً للمادة 16 من الاتفاقية.

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

عدم تعاون الدولة الطرف

4- دُعيت الدولة الطرف في 29 آذار/مارس 2019 و9 أيلول/سبتمبر 2020 و11 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 و18 كانون الثاني/يناير 2022 إلى تقديم ملاحظاتها بشأن مقبولية الشكوى وأسسها الموضوعية. وتشير اللجنة إلى أنها لم تتلق أيّ ردّ، وتعرب عن أسفها لعدم تعاون الدولة الطرف بتقديم ملاحظاتها على هذه الشكوى ( ) . وتذكّر بأنّ الدولة الطرف المعنية مطالبة بموجب الاتفاقية بتقديم تفسيرات أو بيانات كتابية إلى اللجنة توضح فيها المسألة وتبيّن، عند الاقتضاء، أيّ تدابير اتُّخذت لتدارك الوضع.

النظر في المقبولية

5-1 قبل النظر في أيّ ادعاء يرد في بلاغ ما، يتعين على اللجنة أن تقرر ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب المادة 22 من الاتفاقية. وقد تحققت اللجنة، على نحو ما تقتضيه المادة 22(5)(أ) من الاتفاقية، من أنّ المسألة نفسها لم تُبحث وليست قيد البحث حالياً بموجب أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية.

5-2 وفي غياب أيّ عقبات أخرى تحول دون مقبولية البلاغ، تشرع اللجنة في النظر في الأسس الموضوعية لادعاءات صاحبة الشكوى بموجب المادة 2(1) والمواد من11 إلى 14 و16 من الاتفاقية.

النظر في الأسس الموضوعية

6-1 عملاً بالمادة 22(4) من الاتفاقية، نظرت اللجنة في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أتاحها لها الطرفان. وإذ لم تقدم الدولة الطرف أيّ ملاحظات بشأن الأسس الموضوعية، ينبغي إيلاء المصداقية الواجبة للادعاءات التي ساقتها صاحبة الشكوى، وهي ادعاءات مدعومة بما يكفي من الأدلة.

6-2 وتحيط اللجنة علماً بادعاء صاحبة الشكوى أنها تعرضت للضرب لمدة ساعة على يد شرطية ضربتها بهراوة ضرباً مبرحاً على ظهرها وأردافها. وتلاحظ اللجنة أيضا ً ما يلي: (أ) أنّ صاحبة الشكوى ظلت تعاني جرّاء عدم تلقيها الرعاية المناسبة وظروف الاحتجاز غير الصحية ونقص الغذاء؛ و(ب) أنّ الجيش والشرطة وجّها إليها وابلاً من الإهانات، وهدّداها وأجبراها على حمل سلاح ثقيل وأظهراها على أنها مجرمة، وصوّراها في هذه الحالة المهينة؛ و(ج) أنها احتُجزت في "ظروف مزرية" في مقر جهاز الاستخبارات الوطني وفي سجن مبيمبا المركزي. وتلاحظ اللجنة كذلك أنّ صاحبة الشكوى لم تتمكن لمدة عشرة أيام من تلقي الرعاية الصحية أو الاتصال بمحام أو بأسرتها. وتذكّر اللجنة بآرائها السابقة التي تنص على وجوب منح أيّ شخص محروم من حريته إمكانية الحصول فوراً على مساعدة قانونية ومساعدة طبية مستقلتين، ويجب السماح له بالاتصال بالأقارب من أجل منع التعذيب ( ) . وتحيط اللجنة علماً أيضاً بادعاءات صاحبة الشكوى أنّ الضربات التي أصابتها ألحقت بها آلاماً ومعاناة شديدة، بما فيها الآلام النفسية والمعنوية، وأنّ الموظفين الحكوميين تعمّدوا ضربها قصد معاقبتها وتخويفها. وتلاحظ اللجنة أيضاً أنّ الدولة الطرف لم تطعن في هذه الوقائع في أيّ وقت من الأوقات. وفي ظل هذه الظروف، تخلص اللجنة إلى أنّ الوقائع كما عرضتها صاحبة الشكوى تشكل تعذيباً بالمعنى المقصود في المادة 1 من الاتفاقية ( ) .

6-3 وتحيط اللجنة علماً بادعاء صاحبة الشكوى أنّ ما خضعت له من أفعال ومعاملة، إن لم تكن تشكل تعذيباً، فهي تشكل عقوبة أو معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة وفقاً للمادة 16 من الاتفاقية. بيد أنّ اللجنة ترى أنّ هذه الادعاءات تتعلق بوقائع تشكل تعذيباً بالمعنى المقصود في المادة 1 من الاتفاقية. وبناء عليه، لا ترى اللجنة ضرورة للنظر على حدة في الادعاءات المقدمة بموجب المادة 16 ( ) .

6-4 وتحيط اللجنة علماً بحجة صاحبة الشكوى على أساس المادة 2(1) من الاتفاقية ومفادها أنّ الدولة الطرف كان ينبغي لها أن تتخذ تدابير تشريعية وإدارية وقضائية وغيرها من التدابير الفعالة من أجل منع ارتكاب الأعمال التي تشكل تعذيباً في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية. وتشير اللجنة في هذا الصدد إلى استنتاجاتها وتوصياتها بشأن التقرير الأولي لبوروندي، التي حثّت فيها الدولة الطرف على اتخاذ تدابير تشريعية وإدارية وقضائية فعالة بغرض منع جميع أعمال التعذيب وسوء المعاملة، واتخاذ تدابير عاجلة كي تخضع جميع أماكن الاحتجاز لسلطة القضاء من أجل منع موظفيها الحكوميين من اللجوء إلى الاحتجاز التعسفي وممارسة التعذيب ( ) . وتحيط اللجنة علماً في هذه القضية بالادعاءات التي ساقتها صاحبة الشكوى والتي تفيد بأنها تعرضت للضرب على أيدي أفراد الشرطة ثم احتُجزت دون مذكرة توقيف ودون أن تتاح لها إمكانية الاتصال بمحام لمدة عشرة أيام، وهي فترة ظلّت خلالها خارج نطاق حماية القانون. وتلاحظ اللجنة أيضاً أنّ الدولة الطرف لم تتخذ أيّ تدابير لحماية صاحبة الشكوى. وأخيراً، لم تتخذ سلطات الدولة أيّ خطوات نحو التحقيق في أعمال التعذيب التي تعرضت لها صاحبة الشكوى وفرض العقوبات اللازمة، على الرغم من تظلّمها مراراً وتكراراً في هذا الصدد. وفي ضوء ما تقدم، تخلص اللجنة إلى حدوث انتهاك للمادة 2(1)، مقروءة بالاقتران مع المادة 1 من الاتفاقية ( ) .

6-5 وتحيط اللجنة علماً كذلك بحجة صاحبة الشكوى التي تفيد بانتهاك المادة 11 من الاتفاقية، التي تقتضي من الدولة الطرف أن تبقي قيد الاستعراض المنظم الترتيبات المتعلقة بحجز ومعاملة الاشخاص الذين تعرضوا لأي شكل من أشكال التوقيف أو الاعتقال أو السجن في أي اقليم يخضع لولايتها القضائية، وذلك بقصد منع حدوث أي حالات تعذيب. وتدعي صاحبة الشكوى على وجه الخصوص ما يلي: (أ) أنها لم تتلق الرعاية الطبية المناسبة رغم حالتها الحرجة وقت اعتقالها؛ و(ب) أنها لم تتمكن من الاتصال بمحام إلا بعد عشرة أيام من اعتقالها، ولم يُسمح لها بالاستعانة بمحام خلال استجوابها في مقر جهاز الاستخبارات الوطني في 13 كانون الأول/ديسمبر 2015؛ و(ج) أنها اعتُقلت دون إبلاغها بالتهم الموجهة إليها؛ و(د) لم تتح لها سبل انتصاف فعالة للتظلم من أعمال التعذيب؛ و(ه) أنها احتُجزت في "ظروف مزرية" في مقر جهاز الاستخبارات الوطني وفي سجن مبيمبا، على الرغم من حالتها الصحية الحرجة. وتشير اللجنة إلى ملاحظاتها الختامية بشأن التقرير الدوري الثاني لبوروندي، التي أعربت فيها عن قلقها إزاء طول فترة الحبس على ذمة التحقيق، والحالات العديدة لتجاوز فترة الحبس على ذمة التحقيق، وعدم حفظ سجلات إيداع السجناء أو نقصانها، وعدم احترام الضمانات القانونية الأساسية الواجبة للأشخاص المحرومين من الحرية، والافتقار إلى أحكام تنص على إمكانية حصول المعوزين على الخدمات الطبية والمساعدة القانونية، وسوء استغلال الحبس الاحتياطي في ظلّ انعدام رقابة منتظمة لقانونية هذا الحبس وحدود فترته الإجمالية ( ) . ويبدو في هذه القضية أنّ صاحبة الشكوى حُرمت من أيّ مراجعة قضائية. ونظرا ً إلى عدم ورود أيّ معلومات ذات صلة من الدولة الطرف تدفع بعكس ذلك، فإنّ وجود هذه الظروف والمعاملة المشينة كافيان لإثبات أنّ الدولة الطرف لم تفِ بالتزامها بإجراء استعراض منتظم للترتيبات المتعلقة بالحبس على ذمة التحقيق ومعاملة الأشخاص المعتقلين أو المحتجزين أو المسجونين بأيّ شكل من الأشكال في أيّ إقليم يخضع لولايتها القضائية، بقصد منع حدوث أي حالات تعذيب، وأنّ عدم الوفاء بهذا الالتزام تسبّب في إلحاق الضرر بصاحبة الشكوى. ومن ثمّ تستنتج اللجنة حدوث انتهاك للمادة 11 من الاتفاقية ( ) .

6-6 وفيما يخص المادتين 12 و13 من الاتفاقية، تحيط اللجنة علماً بادعاءات صاحبة الشكوى أنها تعرضت للضرب لمدة ساعة على يد شرطية في 12 كانون الأول/ديسمبر 2015 وتلقت تهديدات بالقتل. وقد تظلّمت صاحبة الشكوى لدى ضابط جهاز الاستخبارات الوطني والمدعي العام والقضاة من التعذيب الذي خضعت له، ومع ذلك لم يُجرَ أي تحقيق بعد مرور أكثر من ست سنوات على الوقائع التي أبلغت عنها. وترى اللجنة أنّ الانتظار طيلة هذه الفترة قبل الشروع في أيّ تحقيق في ادعاءات التعذيب واضح التعسف. وتذكّر في هذا الصدد بالتزام الدولة الطرف بموجب المادة 12 من الاتفاقية بأن تبادر إلى إجراء تحقيق فوري ونزيه كلما وُجدت أسباب وجيهة تحمل على الاعتقاد أن عملاً من أعمال التعذيب قد ارتُكب ( ) . وعليه، تلاحظ اللجنة أنّ المادة 12 قد انتُهكت في هذه القضية.

6-7 وفي ضوء ما تقدم من نتائج، فقد أخلّت الدولة الطرف أيضاً بمسؤوليتها بموجب المادة 13 من الاتفاقية عن ضمان حق صاحبة الشكوى في رفع دعوى تستجيب إليها السلطات استجابة مناسبة بالشروع في تحقيق سريع ونزيه فيها ( ) . وتشير اللجنة إلى أنّ المادة 13 لا تنص على وجوب تقديم شكوى من التعذيب بطريقة تراعي الأصول وحسب الإجراءات المنصوص عليها في التشريعات المحلية، ولا تتطلب كذلك إعلاناً صريحاً عن الرغبة في إقامة دعوى جنائية؛ فمجرّد أن توجّه الضحية انتباهَ سلطة من سلطات الدولة إلى الوقائع يكفي لكي تكون الدولة ملزمةً بأن تعدّ ذلك تعبيراً ضمنياً ولكن لا لبس فيه عن رغبة الضحية في الشروع في تحقيق فوري ونزيه، على النحو الذي يقتضيه هذا الحكم من أحكام الاتفاقية ( ) . وتخلص اللجنة إلى أنّ المادة 13 من الاتفاقية قد انتُهِكت أيضاً.

6-8 وفيما يخص ادعاءات صاحبة الشكوى بموجب المادة 14 من الاتفاقية، تذكّر اللجنة بأنّ هذا الحكم لا يقرّ بالحق في الحصول على تعويض عادل ومناسب فحسب، بل يفرض أيضاً على الدول الأطراف التزاماً بالحرص على إنصاف من يتعرض لعمل من أعمال التعذيب. وتذكّر اللجنة بأنّ الجبر يجب أن يشمل مجموع الأضرار التي تكبدتها الضحية ويشمل، في جملة تدابير أخرى، ردّ الحق والتعويض وتدابير من شأنها أن تضمن عدم تكرار الانتهاكات، وأن يراعي دائماً ظروف كل قضية ( ) . وفي هذه القضية، وبالنظر إلى عدم إجراء تحقيق سريع ونزيه، على الرغم من وجود أدلة مادية واضحة على أنّ صاحبة الشكوى تعرضت لأعمال تعذيب ظلّت بلا عقاب، تخلص اللجنة إلى أن الدولة الطرف أخلّت أيضاً بالتزاماتها بموجب المادة 14 من الاتفاقية ( ) .

7- واللجنة، إذ تتصرف بموجب المادة 22(7) من الاتفاقية، تخلص إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاك لأحكام المادة 2(1) والمواد من 11 إلى 14، مقروءة بالاقتران مع المادة 1.

8- وإذ لم تردّ الدولة الطرف على طلبات اللجنة تقديم ملاحظات على هذه الشكوى ورفضت من ثمّ التعاون مع اللجنة ومنعتها من النظر بفعالية في عناصر الشكوى، فإنّ اللجنة، وهي تتصرف بموجب المادة 22(7) من الاتفاقية، تقرّر أنّ الوقائع المعروضة عليها تشكل انتهاكا ً من الدولة الطرف لأحكام المادة 22 من الاتفاقية.

9- وتحث اللجنة الدولة الطرف على ما يلي: (أ) إجراء تحقيق نزيه وشامل في الوقائع المذكورة بما يتفق تماماً مع دليل التقصي والتوثيق الفعالين للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (بروتوكول اسطنبول) بغرض مقاضاة الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا متورطين في المعاملة التي تعرضت لها صاحبة الشكوى؛ و(ب) منح صاحبة الشكوى تعويضاً مناسباً وعادلاً، بما يشمل الوسائل اللازمة لإعادة تأهيلها على أكمل وجه ممكن؛ و(ج) اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع أي تهديد أو عمل من أعمال العنف قد تتعرض له صاحبة الشكوى أو أسرتها لا سيما بسبب تقديم هذه الشكوى.

10- وتدعو اللجنة الدولة الطرف، عملاً بأحكام المادة 118(5) من نظامها الداخلي، إلى إبلاغها في غضون تسعين يوماً من تاريخ إحالة هذا القرار إليها بما اتخذته من تدابير استجابةً إلى الملاحظات الواردة أعلاه.