الأمم المتحدة

CCP R/C/123/D/2274/2013/Rev.1

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

Distr.: General

22 October 2018

Arabic

Original: English

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

الآراء التي اعتمدتها اللجنة بموجب المادة 5(4) من البروتوكول الاختياري بشأن البلاغ رقم 2274/2013، في صيغتها المنقحة * ** ** *

بلاغ مقدم من : سيما تُركان (لا يمثّلها محام)

الشخص المدعى أنه ضحية : صاحبة البلاغ

الدولة الطرف : تركيا

تاريخ تقديم البلاغ : 26 حزيران/ يونيه 2012 (تاريخ الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية : القرار المتخذ بموجب المادة 97 من نظام اللجنة الداخلي، والمحال إلى الدولة الطرف في ١٩ تموز/يوليه ٢٠١٣ (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء : ١٧ تموز/يوليه ٢٠١٨

الموضوع : رفض الجامعة قبول صاحبة البلاغ التي كانت ترتدي باروكة مستعيضة بها عن الحجاب

المسألة الإجرائية : عدم إثبات الادعاءات بالأدلة اللازمة

المسائل الموضوعية : الافتقار إلى سبل الانتصاف الفعال؛ والتمييز الجنساني؛ والمحاكمة العادلة؛ وحرية الدين؛ والمشاركة في إدارة الشؤون العامة

مواد العهد : 2 و3 و14 و18 و25 و26

مواد البروتوكول الاختياري : 2 و3

١- صاحبة البلاغ هي سيما تُركان، وهي مواطنة تركية من مواليد عام 1987. وتدعي أن تركيا انتهكت حقوقها المكفولة بموجب المواد 2 و3 و14 و18 و25 و26 من العهد. وقد دخل البروتوكول الاختياري حيز النفاذ في تركيا في 24 شباط/فبراير 2007. ولا يمثل صاحبة البلاغ محامٍ.

بيان الوقائع

2-1 صاحبة البلاغ امرأة مسلمة ترتدي حجاباً يغطي شعرها ورقبتها وفقاً لمعتقداتها الدينية. وفي سنة ٢٠٠٦، نجحت في امتحان اختيار وتنسيب الطلاب الذي يُحدد لخريجي المدارس الثانوية الجامعة التي يتابعون فيها دراستهم بحسب أدائهم. وأصبحت مؤهلة للتسجيل في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة كاهرمانماراش سوتشو إمام. وكانت صاحبة البلاغ تغطي شعرها بباروكة لدى اجتياز امتحان اختيار وتنسيب الطلاب. وقد انزعجت من هذا الفعل وأحست بشيء من المهانة، لكنها كانت مجبرة عليه لأن قواعد الامتحان تمنع الطالبات المتحجبات من دخول قاعة الامتحان.

2-2 وفي ٩ أيار/مايو ٢٠٠٦، دفعت صاحبة البلاغ رسومها الدراسية وسافرت إلى الجامعة للتسجيل. ووضعت باروكة مرة أخرى. ورفض موظفان في الجامعة تسجيلها ضمن الطلاب، لأن رئيس الجامعة أصدر تعليمات تقضي بعدم تسجيل الطلاب الذين يضعون باروكة، ولأنها رفضت نزعها. وتؤكد صاحبة البلاغ أن مظهرها كان شبيهاً تماماً بمظهرها عندما سُمح لها بحضور امتحان اختيار وتنسيب الطلاب، إذ كانت رقبتها مكشوفة لكن شعرها كان مغطاً بباروكة. ورُفض طلبها رؤية رئيس مكتب التسجيل.

2-3 وفي ٧ أيلول/سبتمبر ٢٠٠٦ رفضت الجامعة طلب والد صاحبة البلاغ تسجيل ابنته، مشيرة إلى أن طلاب التعليم العالي ملزمون بالامتثال لأنظمة قانونية تستند إلى قرارات صادرة عن المحاكم العليا بشأن المظهر. وعرضت الجامعة على صاحبة البلاغ رد رسومها الدراسية، لكنها أرسلت في ٤ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٠٦ رسالة إلى الجامعة ترفض فيها استرداد المبلغ وتطلب بدلاً من ذلك تسجيلها ضمن الطلاب.

2-4 وفي ٢١ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٠٦، رفعت صاحبة البلاغ شكوى أمام المحكمة الإدارية الثانية في غازي عنتاب . وطلبت أيضاً وقف تنفيذ الأمر الإداري الصادر عن الجامعة. ودفعت بعدم بوجود أي حكم قانوني يحظر وضع باروكة، ومن ثم فإن الأمر الشفوي الصادر عن رئيس الجامعة تعسفي، لأن الجامعة استنتجت أن صاحبة البلاغ وضعت الباروكة لأسباب دينية . وأكدت صاحبة البلاغ أنها تعرضت للتمييز فيما يتعلق بحقها في التعليم، لأنها نجحت في امتحان اختيار وتنسيب الطلاب، ومع ذلك مُنعت من دخول الجامعة لا لشيء سوى أنها تغطي شعرها.

2-5 وفي ٢٠ شباط/فبراير ٢٠٠٧، رفضت المحكمة الإدارية الثانية في غازي عنتاب طلب وقف التنفيذ. وفي ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٠٧، قدمت صاحبة البلاغ إلى المحكمة نفسها حججاً إضافية بشأن شكواها، مشيرة إلى أنها لم تتلق نسخة من الوثائق التي عرضتها الجامعة في دفاعها، مما يشكل انتهاكاً لحقها في محاكمة عادلة. ودفعت بأن قصاصات الصحف التي قدمتها الجامعة تتضمن صورة عنها وهي ترتدي الحجاب التُقطت في اليوم الذي حاولت فيه التسجيل في الجامعة، لكن مظهرها في الصورة يختلف عن مظهرها يوم حضرت إلى الجامعة. وقالت صاحبة البلاغ أيضاً إن حقاً أساسياً كالحق في التعليم لا يمكن أن يُقيَّد إلا بموجب القانون، عملاً بالمادتين ١٣ و٤٢ من الدستور.

2-6 وفي 7 أيلول/سبتمبر 2007، رفضت المحكمة الإدارية الثانية في غازي عنتاب شكوى صاحبة البلاغ. وأشارت إلى حكم المحكمة الدستورية الصادر في ٩ نيسان/أبريل ١٩٩١ بشأن تفسير المادة الانتقالية 17 من قانون التعليم العالي (القانون رقم ٢٥٤٧)، حيث ذكرت المحكمة الدستورية أن "تغطية الرقبة والشعر بحجاب أو وشاح بسبب الاعتقاد الديني، في مؤسسات التعليم العالي، يتعارض مع مبدأي العلمانية والمساواة" ( ) .

2-7 وفي 14 آذار/مارس 2008، استأنفت صاحبة البلاغ القرار أمام مجلس الدولة. وأكدت أن المحكمة الإدارية الثانية في غازي عنتاب أخطأت في تقدير الوقائع، إذ ورد في قرارها أنها كانت تضع حجاباً عندما طلبت التسجيل، بينما كانت ترتدي باروكة. وأشارت صاحبة البلاغ أيضاً إلى أن المحكمة استنتجت من ارتدائها الباروكة أنها كانت تنوي التحايل على مبدأ العلمانية، لكنها لم تعرب قط في واقع الأمر عن هذه النية، ولذلك رأت أن قرار رفض تسجيلها ينبغي أن يعتبر تعسفياً. وادعت صاحبة البلاغ أن حقوقها في التعليم وحرية التعبير والحرية الدينية واحترام الحياة الخاصة، المحمية بموجب العهد واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة قد انتُهكت.

2-8 وفي ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠١١، تلقت صاحبة البلاغ إخطاراً يفيد بأن الإدارة الثامنة في مجلس الدولة قد رفضت، في 2 آذار/مارس 2011، استئنافها من دون تعليل إضافي. وتنص الفقرة 1 من المادة ١٥٥ من الدستور التركي لسنة ١٩٨٢ على أن مجلس الدولة هو آخر هيئة تتولى مراجعة القرارات والأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية.

الشكوى

3-1 تدعي صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف قد انتهكت حقوقها المكفولة بموجب المواد 2 و3 و14 و 18 و25 و26 من العهد.

3-2 وفيما يتعلق بالمادة ١٨ من العهد، تدفع صاحبة البلاغ بأن التدخل في حقها في حرية الدين ليس له سند قانوني، إذ ليس هناك حكم قانوني يحظر رسمياً وضع الحجاب في الدولة الطرف. وتذهب صاحبة البلاغ إلى عدم وجود معنى محدد يمكن أن يقترن بوضع الباروكة، ومع ذلك استنتجت الجامعة والمحاكم المحلية أنها فعلت ذلك لغرض سياسي بل وديني أيضاً. وأكدت أنها لم تسع إلى تحدي العلمانية في الدولة الطرف، ولا إلى المطالبة بأي حق بتغطية شعرها. ولا يمكن اعتبار منعها من التسجيل في الجامعة تدبيراً يرمي إلى تحقيق هدف مشروع بالمعنى المقصود في المادة ١٨، لأن وضع باروكة لا يمكن أن يعتبر فعلاً يشكل خطراً على السلامة العامة أو الصحة العامة أو النظام العام أو الآداب العامة، ولا يمكن اتهامها بالتعدي على حقوق أطراف ثالثة، لأنها تبدو طبيعية تماماً وهي تضع الباروكة.

3-3 وتدعي صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف مارست تمييزاً ضدها بسبب جنسها ودينها. وتدفع بأنها اجتازت الامتحان نفسه الذي اجتازه الطلاب الذكور الذين يعتنقون الدين نفسه، لكنها مُنعت من الدخول إلى الجامعة لمدة خمس سنوات. ولما لم يكن لديها بديل للحصول على التعليم العالي، اضطُرت إلى البقاء في المنزل. وتشير صاحبة البلاغ إلى أن حظر الحجاب يؤثر في المرأة المسلمة أكثر مما يؤثر في غيرها ويؤدي إلى التفاوت في الحصول على التعليم والعمل والمشاركة في الحياة العامة ( ) . وتدعي أيضاً أن المحاكم غير فعالة في حماية المرأة المتحجبة من التمييز، لأنها تخضع لتأثير الحكومة والجيش، وتعتمد على السوابق القضائية للمحكمة الدستورية. وتدّعي صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف انتهكت المواد 2 و3 و25 و26 من العهد.

3-4 وتزعم صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف انتهكت المادة 14 من العهد. وتدعي أن الإضافات التي قدمتها الجامعة إلى المحكمة الإدارية الثانية في غازي عنتاب باعتبارها أدلة لم تُحَل إليها قبل النظر في الدعوى، مما يشكل انتهاكاً لحقها في الدفاع عن نفسها. وتدعي أيضاً أن المحاكم لم تستجب لادعاءاتها حدوث انتهاك لحقوقها بموجب العهد، وأن مدة الإجراءات تجاوزت الحد المعقول، لأن مجلس الدولة أمضى خمس سنوات قبل أن يبت في استئنافها.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية

4-1 قدمت الدولة الطرف، في مذكرة شفوية مؤرخة ٢٠ كانون الثاني/يناير ٢٠١٤، ملاحظاتها على البلاغ، محدِّدة وقائع القضية والأحكام الدستورية ذات الصلة. وتؤكد الدولة الطرف أن الجامعة رفضت تسجيل صاحبة البلاغ وفقاً للأحكام القانونية السارية وقرارات المحكمة الدستورية الملزمة. وطلب موظف التسجيل من صاحبة البلاغ أن تمتثل لقواعد اللباس والمظهر السارية وتخلع الباروكة التي كانت ترتديها لأسباب دينية. ولما رفضت رُفض طلب تسجيلها. والامتثال للقوانين الوطنية المتعلقة باللباس والمظهر المحددة استناداً إلى أحكام المحكمة العليا أمر مبين في الباب المتعلق بـ "شروط التسجيل" من دليل اختيار وتنسيب الطلاب وبرامج التعليم العالي والحصص لسنة 2006. وقد أكدت المحكمةُ الإدارية الثانية في غازي عنتاب في قرارها الصادر في ٧ كانون الأول/ديسمبر 2٠٠٧ مشروعية هذه الأنظمة الإدارية. وخلصت المحكمة إلى أن أنظمة اللباس والمظهر التي تعتمدها مؤسسات التعليم العالي وفقاً للقانون رقم ٢٥٤٧ إلزامية.

4-2 وتؤكد الدولة الطرف أن القانون رقم ٢٥٤٧ قد عُدل في 25 شباط/فبراير 2011 و12 تموز/يوليه ٢٠١٢. وتنص الأحكام الجديدة على أن الطلاب الذين غادروا مؤسسات التعليم العالي من تلقاء أنفسهم، والطلاب الذين رُفضوا لأي سبب باستثناء ارتكاب جرائم متصلة بالإرهاب، والطلاب الذين لم يعمدوا إلى التسجيل لدى السماح لهم بالالتحاق بإحدى مؤسسات التعليم العالي، لهم الحق في تقديم طلب إلى المؤسسة المعنية ومواصلة تعليمهم في السنة الأكاديمية التالية. وبموجب هذه التعديلات، يحق لصاحبة البلاغ الالتحاق بجامعة كاهرمانماراش سوتشو إمام ومواصلة تعليمها فيها إذا قدمت طلباً إلى إدارتها. وتدفع الدولة الطرف بعدم وقوع أي انتهاك لحقوق صاحبة البلاغ. وتؤكد الدولة الطرف كذلك أنه حتى إذا كان هناك انتهاك، فإن من حق صاحبة البلاغ الآن طلب رد عيني، وقد أخطرتها إدارة الجامعة كتابياً بهذه الإمكانية في رسالة مؤرخة ١٩ أيلول/سبتمبر ٢٠١٣. وفي ضوء ما تقدم، تخلص الدولة الطرف إلى أنه ينبغي إعلان البلاغ غير مقبول، لأن ادعاءات صاحبة البلاغ لم يعد لها أساس قانوني عقب التغييرات التشريعية المعنية.

تعليقات صاحبة البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية والأسس الموضوعية

5-1 في ٢٧ شباط/فبراير ٢٠١٤، ادعت صاحبة البلاغ استحالة استرداد حقوقها التي انتُهكت في سنة 2006 برفض الجامعة تسجيلها، على الرغم من التعديلات التشريعية التي أشارت إليها الدولة الطرف. ولو سُمح لها بالتسجيل على النحو الواجب لتخرجت في سنة ٢٠١١، ولكانت تعمل الآن في مؤسسة مالية نظراً إلى سجلها الأكاديمي وإلمامها الجيد باللغة الإنكليزية. وعلاوة على ذلك، لا يمكن للتعديلات التشريعية التي ذكرتها الدولة الطرف أن تضمن عدم تعرضها لانتهاك مماثل في المستقبل إذا بدأت تعليمها الجامعي. وتدعي صاحبة البلاغ عدم وجود أحكام قانونية واضحة تحظر الحجاب، وتقول إن الممارسة تغيرت مراراً على مر السنين. وتقدم أمثلة ملموسة تبين أن حظر الحجاب ممارسة كان معمولاً بها في سنة ١٩٨٧، ولم تُنفذ في الفترة من ١٩٨٨ إلى ١٩٩٧، ثم بدأ إنفاذها من جديد اعتباراً من سنة ١٩٩٧. وفي سنة ٢٠١٤ رُفع الحظر بحكم الواقع على ارتداء الحجاب، من دون أي أحكام قانونية تمنع فرضه من جديد في المستقبل. وتدعي صاحبة البلاغ كذلك أن التعديلات التي أدخلت على القانون رقم ٢٥٤٧ بموجب القانون رقم ٦١١١ والقانون رقم ٦٣٥٣، التي ذكرتها الدولة الطرف، تتعلق بعفو عام على الطلاب ولا تتناول مسألة ارتداء الحجاب، ولا تتيح لها من ثم إمكانية الانتصاف من المعاملة التي تعرضت لها. وتضيف قائلة إنها أضاعت ثماني سنوات منذ أن حاولت التسجيل في الجامعة لأول مرة، ولذا لم يعد بإمكانها الالتحاق بمؤسسة للتعليم العالي وستظل خريجة المرحلة الثانوية.

5-2 وتدعي صاحبة البلاغ أن المحكمة الإدارية الثانية في غازي عنتاب لم تأخذ في الاعتبار أنها لم تكن تضع حجاباً بل باروكة، وتفيد بأن القضاة لم يُبدو استعداداً لاستنتاج وقوع انتهاك في القضايا المماثلة خوفاً من العواقب.

5-3 وترد صاحبة البلاغ على استناد الدولة الطرف إلى الدستور، بالقول إنها تعرضت للتمييز بسبب معتقدها الديني لأنها تغطي شعرها، خلافاً لما تنص عليه المادة ١٠ من الدستور. ولأنها تغطي شعرها فقد مُنعت من الدراسة خلافاً لغيرها من الأشخاص الذين نجحوا في امتحان الدخول نفسه. وعلاوة على ذلك، انتُهك حقها في الخصوصية بموجب المادة ٢٠ من الدستور بالحظر المفروض على الحجاب في البلد. وتدعي أيضاً أن حقها في حرية الدين بموجب المادة ٢٤ من الدستور قد انتُهك بسبب الحظر المفروض على الحجاب الذي تضعه بدافع الاعتقاد الديني، مشيرة إلى أن هذا الحظر لا يسري على النساء اللائي يضعن حجاباً بسبب الإصابة بالسرطان أو الصلع. وتدعي صاحبة البلاغ كذلك أن حقها في حرية الفكر والرأي المنصوص عليه في المادة ٢٥ من الدستور قد انتُهك لأنها مُنعت من الدخول إلى مبنى الجامعة واضطُر والدها إلى التحدث إلى الإدارة نيابة عنها، وأن حقها في التعليم بموجب المادة ٤٢ من الدستور قد انتهك إذ لم يُسمح لها بالدراسة. وتقول إن القيود المفروضة على ارتداء الحجاب في دليل اختيار وتنسيب الطلاب وبرامج التعليم العالي والحصص لا تتوافق مع أحكام الدستور والقانون المتعلق بالتعليم العالي.

القضايا والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في مقبولية البلاغ

6-1 قبل النظر في أي ادعاء يرد في بلاغ ما، يجب على اللجنة أن تقرر، وفقاً لما تقتضيه المادة 93 من نظامها الداخلي، ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب البروتوكول الاختياري.

6-2 وقد استيقنت اللجنة، وفقاً لما تنص عليه الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة نفسها ليست قيد البحث في إطار إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية.

6-3 وتحيط اللجنة علماً بادعاء صاحبة البلاغ أن جميع سبل الانتصاف المحلية المتاحة قد استُنفِدت. وفي غياب أي اعتراض من الدولة الطرف في هذا الصدد، ترى اللجنة أن الفقرة 2(ب) من المادة 5 لا تمنعها من النظر في هذا البلاغ.

6-4 وتلاحظ اللجنة ادعاء الدولة الطرف أن صاحبة البلاغ ليست في وضع الضحية حالياً لأن التعديلات التي أدخلت على القانون رقم ٢٥٤٧ في سنة 2011 تسمح لها بالالتحاق بالجامعة والمطالبة برد عيني، وقد أُخطرت بهذا الأمر في سنة ٢٠١٣. وتلاحظ اللجنة أيضاً أن الدولة الطرف لا توضح المقصود من الرد "العيني" أو مضمونه. وتلاحظ كذلك جواب صاحبة البلاغ أنها أضاعت، في الفترة الممتدة بين محاولتها التسجيل في سنة 2006 وإخطارها في سنة 2013 بأن أمامها فرصة جديدة لفعل ذلك، ثماني سنوات كان يمكنها أن تسجل أثناءها في الجامعة وتجني الثمار الاقتصادية وثمار العمل بفضل التعليم الجامعي، ولم يعد بإمكانها الآن مواصلة دراساتها الجامعية. وترى اللجنة أن إتاحة فرصة التسجيل لصاحبة البلاغ في نهاية المطاف لا يعالج جوهر شكواها، أي رفض تسجيلها في سنة ٢٠٠٦ لأنها كانت تغطي شعرها لدوافع دينية، ولا يعالج الأضرار الناجمة عن ذلك. وتلاحظ اللجنة أيضاً أن صاحبة البلاغ لم تتلق تعويضاً لما لحقها من ضرر.

6-5 وتحيط اللجنة علماً بادعاء صاحبة البلاغ أن حقوقها بموجب المادة ٢ من العهد قد انتُهكت لأن المحاكم المحلية تخضع للتأثير السياسي في عملها. وتشير اللجنة إلى أنه لا يمكن للأفراد الاحتجاج بالمادة 2 من العهد التي تفرض على الدول التزامات عامة إلا بالاقتران بمواد أخرى من العهد، وإلى أن هذه المادة لا يمكن أن تؤدي في حد ذاتها إلى مطالبة بموجب البروتوكول الاختياري ( ) . ومن ثم تستنتج اللجنة أن هذا الجزء من البلاغ غير مقبول بموجب المادة 3 من البروتوكول الاختياري.

6-6 وفيما يتعلق بادعاء صاحبة البلاغ بموجب المادة ١٤ من العهد، تلاحظ اللجنة أنها لم تقدم ما يكفي من التفاصيل التي تبين أن المحكمة الإدارية الثانية في غازي عنتاب لم تُحل إليها المرفقات التي قدمتها الجامعة إلى المحكمة في سياق دفاعها، أو التي تثبت ادعاءها أن المحاكم لم تكن فعالة في حماية حقوقها لأنها كانت خاضعة للتأثير السياسي. ولذلك تعلن اللجنة أن هذا الجزء من البلاغ غير مدعوم بأدلة كافية وغير مقبول بموجب المادة 2 من البروتوكول الاختياري.

6-7 وتلاحظ اللجنة أن صاحبة البلاغ لم تقدم تفاصيل كافية لدعم ادعائها بموجب المادة ٢٥ من العهد. وفي غياب أي معلومات أو إيضاحات في الملف، تعلن اللجنة أن هذا الجزء من البلاغ غير مدعوم بأدلة كافية وغير مقبول بموجب المادة 2 من البروتوكول الاختياري.

6-8 وترى اللجنة أن صاحبة البلاغ قدمت ما يكفي من الأدلة لدعم مزاعمها الأخرى بموجب المواد 3 و18 و26 من العهد لأغراض المقبولية.

النظر في الأسس الموضوعية

7-1 نظرت اللجنة في البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أتاحها لها الطرفان، وفقاً للفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

7-2 وتحيط اللجنة علماً بادعاء صاحبة البلاغ بموجب المادة ١٨ من العهد عدم السماح لها بالتسجيل في جامعة كاهرمانماراش سوتشو إمام والدراسة بها، وهي التي قُبلت فيها على النحو الواجب من خلال عملية الامتحان التنافسي، لأنها كانت تضع باروكة تغطي بها شعرها بدلاً من الحجاب. وتدعي صاحبة البلاغ أن السلطات قيدت من ثم حقها في حرية الدين. وتحيط اللجنة علماً بادعاء صاحبة البلاغ أن هذا التقييد لا ينص عليه القانون وليس ضرورياً لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية، على النحو الوارد في الفقرة 3 من المادة ١٨ من العهد.

7-3 وتشير اللجنة إلى تعليقها العام رقم ٢٢ (1993) بشأن الحق في حرية الفكر والوجدان والدين الذي رأت فيه أن اتباع طقوس الدين أو العقيدة وممارستهما قد يشمل الاكتساء بملابس أو أغطية للرأس متميزة. وتلاحظ اللجنة أن صاحبة البلاغ كانت تضع باروكة بدلاً من الحجاب، لكنها تقول إنها فعلت ذلك لتغطية شعرها وفقاً لمعتقداتها الدينية. وتلاحظ اللجنة كذلك ادعاء صاحبة البلاغ أن الجامعة استنتجت من وضعها الباروكة أنها فعلت ذلك لدوافع دينية، وأن الإذن لها بالتسجيل قد رُفض لأسباب دينية. وتدفع صاحبة البلاغ كذلك بأن هذا الحظر لا ينطبق على من يرتدي باروكة بسبب الإصابة بالسرطان أو الصلع.

7-4 ولا تسمح الفقرة 3 من المادة 18 بتقييد حرية المجاهرة بالدين أو العقيدة إلا إذا كان القانون ينص على قيود ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية. وتشير اللجنة إلى اجتهاداتها السابقة التي تنص على أن تُفسَّر الفقرة 3 من المادة ١٨ تفسيراً ضيقاً. ولا يجوز تطبيق القيود إلا للأغراض التي وضعت من أجلها، ويجب أن تتعلق مباشرة بالغرض المحدد الذي تستند إليه وأن تكون متناسبة معه. ولا يجوز فرض القيود لأغراض تمييزية أو تطبيقها على نحو تمييزي ( ) .

7-5 وفي هذه القضية، تلاحظ اللجنة، فيما يتعلق بشرط التقييد بموجب القانون، ادعاء صاحبة البلاغ أن القانون لا يحظر ارتداء الباروكة ولا وضع الحجاب. وتحيط اللجنة علماً أيضاً بحجة الدولة الطرف أن تقييد وضع الحجاب في الجامعة مبيَّن في دليل اختيار وتنسيب الطلاب وبرامج التعليم العالي والحصص لسنة 2006، الذي يستند إلى القانون رقم ٢٥٤٧ بحسب تفسير المحاكم، ومن ثم فهو تقييد منصوص عليه في القانون. وليس على اللجنة أن تحل هذه المسألة، لأن القيود المفروضة على الحقوق الواردة في الفقرة 1 من المادة ١٨ يجب أن تمتثل أيضاً للشروط الأخرى المنصوص عليها في الفقرة 3 من المادة 18.

7-6 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تحاول توضيح مدى وفاء تقييد المجاهرة بالدين أو المعتقد بالشروط المحددة في الفقرة 3 من المادة 18، أي ما إذا كان هذا التقييد يتوخى تحقيق هدف مشروع يتمثل في حماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية، ومدى ضرورته لهذا الهد ف وتناسبه معه. وتلاحظ اللجنة كذلك أن هذا التقييد الواسع النطاق، الذي لا يُقدَّم مبرر واضح لغرضه، أثّر تأثيراً غير متناسب في صاحبة البلاغ التي ضاعت منها فرصة مواصلة دراساتها الجامعية. وترى اللجنة في هذه الحالة أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن حدوث انتهاك لحقوق صاحبة البلاغ بموجب المادة 18 من العهد.

7-7 وتحيط اللجنة علماً بادعاء صاحبة البلاغ بموجب المادتين ٣ و٢٦ من العهد أن القيد الذي فرضته الجامعة على تغطية الرأس لأغراض دينية ينطوي على تمييز على أساس الدين ونوع الجنس لأنه أثر فيها تأثيراً غير متناسب باعتبارها امرأة مسلمة اختارت تغطية شعرها في سياق ممارسة معتقدها الديني. وتلاحظ اللجنة ادعاء صاحبة البلاغ أن تقييد تغطية الرأس في الجامعة له صلة بالعديد من الطالبات المسلمات في البلد، ومن ثم فإن المرأة التي تغطي شعرها التزاماً بمعتقدها الديني يمكن أن تُمنع فعلياً من مواصلة تعليمها العالي في الجامعة، مثل صاحبة البلاغ.

7-8 وتشير اللجنة إلى أن الأنظمة التي تحدد اللباس الذي ينبغي أن ترتديه المرأة في الفضاء العام قد تنتهك عدداً من الحقوق التي يكفلها العهد، بما في ذلك عدم التمييز ( ) . وتلاحظ اللجنة كذلك أن الدولة الطرف لم توضح مدى استناد التقييد المذكور إلى معايير معقولة وموضوعية تتوخى تحقيق هدف مشروع بموجب العهد ( ) . وتخلص اللجنة إلى أن تقييد تغطية الرأس في الجامعة هو شكل من أشكال التمييز المتعدد الجوانب ضد صاحبة البلاغ باعتبارها امرأة مسلمة اختارت تغطية شعرها، وينتهك من ثم المادتين ٢٦ و٣، مقترنتين بالمادة ١٨ من العهد.

٨- واللجنة، إذ تتصرف بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، ترى أن المعلومات المعروضة عليها تكشف عن انتهاك الدولة الطرف المادتين 18 و26 والمادة 3 مقترنة بالمادة 18 من العهد.

٩- والدولة الطرف ملزمة، وفقاً للفقرة (3)(أ) من المادة 2 من العهد، بأن تتيح للأفراد الذين انتُهكت حقوقهم المشمولة بالعهد سبيل انتصاف فعالاً. وبناءً على ذلك، فإن الدولة الطرف ملزمة، في جملة أمور، بأن تتيح للسيدة ترُكان تعويضاً مناسباً، بما في ذلك تعويضها على الضرر الناجم عما ضاع منها من فرص العمل، وبأن تكفل منحها فرصة كاملة لمواصلة دراساتها العليا، إذا طلبت ذلك. والدولة الطرف ملزمة أيضاً باتخاذ جميع الخطوات اللازمة لمنع وقوع انتهاكات مماثلة في المستقبل.

١٠- واللجنة إذ تضع في اعتبارها أن الدولة الطرف، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، قد اعترفت باختصاص اللجنة في تحديد ما إذا كان قد حدث انتهاك للعهد أم لا، وتعهدت عملاً بالمادة 2 من العهد بأن تكفل تمتع جميع الأفراد الموجودين في إقليمها أو الخاضعين لولايتها بالحقوق المعترف بها في العهد وبأن تتيح سبيل انتصاف فعالاً وقابلاً للإنفاذ إذا ثبت حدوث انتهاك، تود أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون 180 يوماً، معلومات عن التدابير التي اتخذتها لوضع آرائها موضع التنفيذ. وتطلب اللجنة إلى الدولة الطرف أيضاً نشر هذه الآراء على نطاق واسع بلغتها الرسمية. ‬

المرفق

[الأصل بالفرنسية]

رأي فردي موافق أبداه أوليفييه دي فروفيل

١- يؤسفني ألا أؤيد تماماً تعليل اللجنة في هذه القضية.

٢- فالمسألة المطروحة - وهي ارتداء رموز دينية في الجامعة، وبوجه أعم، العلمانية التركية - تثير جدلاً شديداً في المجتمع التركي منذ سنوات عديدة. وكان حرياً باللجنة من ثم أن تحتاط أكثر وتراعي حق المراعاة السياق وتطوره.

٣- أولاً، كان ينبغي للجنة أن تحيط علماً - كما فعلت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في حكمها الصادر في قضية ليلى شاهين ضد تركيا ( ) - أصول العلمانية وأهميتها في تركيا. فقد حرصت المحكمة الأوروبية على التذكير بأن الجمهورية التركية بُنيت على أساس العلمانية وأن الفترة التي أُسست فيها كانت أيضاً فترة تقدم في مجال حقوق المرأة: "إن السمة المميزة للمثل الأعلى في الجمهورية هي وجود المرأة في الحياة العامة ومشاركتها النشطة في المجتمع. ومن ثم فإن تحرير المرأة من القيود الدينية وتحديث المجتمع مبدآن تأسسا معاً منذ البداية" ( ) . وكانت الأنظمة الأولى المتعلقة باللباس في المؤسسات العامة جزءاً من هذه المساعي للدفاع عن قيم الحداثة، بما في ذلك المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة. ولم ينحُ النقاش في هذا الصدد منحى متطرفاً إلا في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، واتُّخذت تدابير أشد تقييداً تشمل حظر الحجاب في الجامعة.

٤- غير أن وصول حزب العدالة والتنمية وزعيمه، الرئيس رجب طيب إردوغان ، إلى السلطة أدى إلى اعتماد سياسة على النقيض تماماً مما كان معمولاً به: فقد انتقلت تركيا من سياسة تعارض معارضة صريحة ارتداء اللباس الديني، إلى سياسة تروج لهذا اللباس، ولا سيما الحجاب الإسلامي، حتى في صفوف الجيش، هذه المؤسسة التي كانت تُعتبر الضامن، أكثر من أي مؤسسة أخرى، لقيم مصطفى كمال وقيم العلمانية.

٥- وبالنظر إلى تطور السياق، ليس من المستغرب البتة ألا تحاول الدولة الطرف، في هذا القضية، حتى أن تدافع عن تدبير تقييدي لم يُتخلَّ عنه فحسب بل أصبح متجاوزاً تماماً باتباع سياسة معاكسة ( ) . فقد أدان السيد إردوغان حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الصادر في سنة 2005 واعتبره مخالفاً لحرية الدين ( ) . ولا شك إذن أن ترحب السلطات بقرار اللجنة هذا. غير أن هذا بالذات هو مكمن الخلل، لأن هذه السلطات تدافع عن رؤية محافظة للدين تعارض مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة الذي يرتكز إلى العلمانية التركية وتعترف به الصكوك الدولية، بما فيها العهد.

٦- وتبين التصريحات الكثيرة التي أدلى بها السيد إردوغان وأعضاء حزب العدالة والتنمية بالفعل أن النظام الحاكم في تركيا يسعى لفرض رؤية مهينة وتمييزية جداً إزاء المرأة لا تتماشى في حد ذاتها مع العهد، ولا سيما المادة ٣، بل والمادتين ٢ و٢٦ أيضاً ( ) . وفي هذا السياق، كان ينبغي للجنة أن تتوخى قدراً أكبر من الحذر في نهجها.

٧- أما فيما يتعلق بالأسس الموضوعية فأنا مقتنع، مثل اللجنة، بحدوث انتهاك بالفعل للمادة 18، لا في هذه القضية فحسب، بل أيضاً فيما يتصل بالحظر العام المفروض على الحجاب في الجامعة. فالجامعة مكان يجب أن تحظى فيه حرية التعبير بحماية قصوى. وفي هذا الصدد، يجب التمييز بوضوح بين الجامعة والمدرسة العامة: فعلى الرغم من ضرورة ضمان حرية التعبير للأطفال، ينبغي حمايتهم من أي شكل من أشكال الدعوة إلى اعتناق دين بعينه أو تلقين عقيدة بعينها. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون فرض قواعد اللباس وسيلة لحماية الأطفال من التمييز، ولا سيما في سياق يتسم بالتوتر بين جماعات مختلفة. أما الجامعة فهي بالذات مكان تنمية التفكير النقدي: فلدى الشباب الموجودين فيها ما يكفي من النضج لتكوين رأيهم، ومقارعةُ حججهم، حتى المتطرفة منها أو المثيرة للجدل أو الصادمة، جزء من تعليمهم ( ) . ولذلك ينبغي أن تكون القيود محدودة جداً، وفقاً للفقرة 3 من المادة ١٩ والمادة ٢٠ من العهد. وفيما يتعلق باللباس، وجب التمييز خصوصاً بين الحجاب أو العمامة والملابس التي تغطي الوجه تماماً، مثل النقاب أو البرقع، التي تدعو إليها جماعات أصولية وتحمل رسالة تنطوي على تمييز واضح ضد المرأة ( ) ، بصرف النظر عما للمرأة التي ترتديها من تصور لها أو خطاب إزاءها.

٨- وكشفت هذه القضية عن انتهاك أوضح لأن صاحبة البلاغ لم تكن ترتدي الحجاب بل كانت تضع باروكة، مما يدل على أنها بذلت بالفعل جهوداً محمودة سعياً للتوفيق بين الأنظمة التقييدية وقناعاتها الدينية. ومن الواضح أن رفض إدارة الجامعة تسجيلها، وسعيها إلى تفسير وضع هذه الباروكة بأنها ممارسة مخالفة لمنع ارتداء الحجاب، تقييد مفرط في ضوء الهدف المشروع المتوخى.

٩- ومع ذلك، أرى في السياق المعروض أعلاه أن الحكمة كانت تقتضي من اللجنة أن تقتصر على استنتاج حدوث انتهاك للمادة 18 بدعوى أن التقييد يفتقر إلى أساس قانوني. فالأنظمة التي كانت سارية في الجامعة آنذاك كانت ترتكز إلى قرار صادر عن المحكمة الدستورية يحظر ارتداء الحجاب لأسباب دينية. ولم يكن هذا الحظر يشمل الباروكة البتة. وعلى هذا الأساس وحده، كان بالإمكان اعتبار منع التسجيل مخالفاً للمادة 18 (إذ تنص الفقرة 3 من هذه المادة على ألا تخضع حرية الدين إلا للقيود التي "يفرضها القانون"). وبالمثل، فإن التمييز على أساس وضع باروكة لا يمكن اعتباره مستنداً إلى معايير "موضوعية ومعقولة" ويشكل من ثم انتهاكاً للمادة 26، من دون داع، في هذه القضية، إلى تناول مسألة حظر الحجاب في الجامعة، الذي لم يعد سارياً في تركيا حالياً.

١٠- ولو أن اللجنة فعلت ذلك لكانت قد أنصفت صاحبة البلاغ - التي وقعت بالفعل ضحية في هذه القضية وتستحق جبر الضرر - من دون تقديم تعليل قد يُستغل لتبرير الترويج لسياسة معارضة تماماً لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة.

١١- وفي الختام، أود أن أضيف نقطتين ترتبطان أكثر بـ "السياسة القانونية" التي ينبغي أن تتبعها اللجنة. فمن جهة، ينبغي للجنة أن تحرص على ضمان اتساق تفسيراتها مع تفسيرات المحاكم الأخرى، بما فيها المحاكم الإقليمية ( ) ، ولا ينبغي لها أن تحيد عنها إلا بعد تفكير ملي ولأسباب مبطلة يُفضَّل توضيحها في التعليل. ولم تبذل اللجنة ما يكفي من الجهد لتبين في هذه القضية وجود هذه الأسباب التي تبرر اتخاذ موقف مخالف لموقف المحكمة الأوروبية في قضية ليلى شاهين . ومن جهة أخرى، أكرر ما سبق أن قلته في رأيي الفردي بشأن قضية رباع وآخران ضد هولندا : من منظور العهد - الذي يجب أن يكون منظور اللجنة إذن - ينبغي معارضة الأصولية الدينية، أياً كان الدين المقصود، مثلها في ذلك مثل معارضة الحركات والخطابات التي تحرض على الكراهية، ولا سيما كراهية الإسلام والمسلمين في أوروبا حالياً ( ) . وينبغي أن تهتم اللجنة بهذا السياق الأعم، حيث أصبحت حقوق الإنسان "بين المطرقة والسندان" إلى حد ما. فلا يجب عليها أن تدافع عن ضحايا الانتهاكات فحسب، بل يجب عليها أيضاً أن تحرص على ألا يكون "في هذا العهد أي حكم يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على حق [...] في مباشرة أي نشاط أو القيام بأي عمل يهدف إلى إهدار أي من الحقوق أو الحريات المعترف بها في هذا العهد" (الفقرة 1 من المادة 5).