الأمم المتحدة

CCPR/C/128/D/3043/2017

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

Distr.: General

28 April 2021

Arabic

Original: English

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

قرار اعتمدته اللجنة بموجب البروتوكول الاختياري بشأن البلاغ رقم 3043/2017 * ** ***

بلاغ مقدم من : أ. س.، ود. أي . ، و أو .أي . ، وج. د. (يمثلهم محام، أندريا ساكوتشي)

الأشخاص المدعى أنهم ضحايا : أصحاب البلاغ وس. أ. وآخرون.

الدولة الطرف : مالطة

تاريخ تقديم البلاغ : 19 أيار/مايو 2017 (تاريخ الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية : القرار المتخذ عملاً بالمادة 92 من النظام الداخلي للجنة، والمحال إلى الدولة الطرف في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2017 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد القرار : 13 آذار/مارس 2020

الموضوع : عمليات الإنقاذ في البحر

المسائل الإجرائية : الولاية القضائية؛ استنفاد سبل الانتصاف المحلية؛ وضع الضحية

المسائل الموضوعية : الحق في الحياة؛ والمعاملة اللاإنسانية والمهينة؛ والحق في سبيل انتصاف فعال

مواد العهد : 2(3) و6 و7

مواد البروتوكول الاختياري : 1 و5(2)(ب)

1-1 أصحاب البلاغ هم أ. س. من مواطني دولة فلسطين ومواليد عام 1958، ود. أي، وأو. أي، وج. د. من مواطني الجمهورية العربية السورية، ومن مواليد أعوام 1983 و1988 و1977، على التوالي. وهم يقدمون هذا البلاغ أصالة عن أنفسهم ونيابة عن 13 من أقاربهم الذين كانوا، في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2013، على متن مركب غرق في البحر الأبيض المتوسط، على بعد 113 كيلومترا جنوب جزيرة لامبيدوسا، إيطاليا، وعلى بعد 218 كيلومترا ً من مالطة، مما تسبّب في وفاة أكثر من 200 شخص. ويقدم السيد أ. س. البلاغ نيابة عن 11 فردا من أفراد أسرته: شقيقه المولود في عام 1952؛ وصهره، المولود في عام 1977؛ وابنة أخيه، المولودة في عام 1983؛ وابنه، المولود في عام 1987؛ وابنته، المولودة في عام 1987؛ وزوجة ابنه، المولودة في عام 1992؛ وابنه، المولود في عام 1997؛ وحفيدته، المولودة في عام 2004؛ وابن أخيه، المولود في عام 2005؛ وابن أخيه، المولود في عام 2007؛ وحفيده، المولود في عام 2008، وجميعهم من مواطني الجمهورية العربية السورية. ويقدم البلاغ د. أي، وأو. أي، نيابة عن شقيقهما، وهو من مواطني الجمهورية العربية السورية، ومن مواليد عام 1995 . وتقدم ج. د. البلاغ نيابة عن شقيقها، وهو من مواطني الجمهورية العربية السورية، ومن مواليد عام 1992.

1-2 ويدعي أصحاب البلاغ أن سلطات الدولة الطرف لم تتخذ الإجراءات المناسبة لإغاثة أقاربهم الذين كانوا معرضين للخطر في عرض البحر في انتهاكٍ لحقوق أقربائهم بموجب المادة 6 من العهد. ويدعي أصحاب البلاغ أن سلطات الدولة الطرف لم تُجر تحقيقاً فعالاً في أحداث الغرق، في انتهاكٍ لحقوق أقربائهم بموجب المادة 6، مقروءة بالاقتران مع المادة 2(3). ويدعي أصحاب البلاغ كذلك انتهاك حقوقهم بموجب المادة 7 مقروءة بالاقتران مع المادة 2(3). وقد دخل البروتوكول الاختياري حيز النفاذ بالنسبة للدولة الطرف في 13 كانون الأول/ديسمبر 1990. ويمثل أصحاب البلاغ محام.

الوقائع كما عرضها أصحاب البلاغ

2-1 يلاحظ أصحاب البلاغ أن أقرباءهم حاولوا الهرب من أخطار شديدة كانت تحيق بحياتهم وبحياة أطفالهم في الجمهورية العربية السورية. وفي 10 تشرين الأول/أكتوبر 2013، وصل أقرباء أصحاب البلاغ إلى ليبيا ونُقلوا، بمعية مجموعة كبيرة من الناس أغلبهم من اللاجئين السوريين، على متن مركب صيد كان راسيا ً خارج ميناء زوارة، وأبحر المركب في اليوم التالي حوالي الساعة الواحدة صباحاً. وتفيد تقارير بأن المركب كان يحمل ما يزيد على 400 شخص. وبعد ساعات من إبحار المركب، تم إطلاق النار عليه من مركب آخر كان يحمل العلم البربري. ف تسرّبت كميات كبيرة من المياه إلى المركب، مما أدى بأحد الأشخاص الموجودين على المركب، م. ج.، إلى الاتصال بخط الطوارئ في البحار الإيطالي حوالي الساعة 11 صباحاً، حيث قال إن المركب كان يغرق وأخبر مشغّل خط الطوارئ بأن هناك أطفالا ً على متن المركب. وأرسل م. ج. أيضاً إحداثيات المركب الجغرافية إلى المشغّل الذي أخذ المكالمة.

2-2 وتلت المكالمة الأولى عدةُ مكالمات. وقال مركز تنسيق الإنقاذ البحري في روما (المسمى بعده "مركز الإنقاذ الإيطالي") إنه تلقى المكالمة الأولى على الساعة 26/12 بعد الظهر تلتها مكالمة ثانية على الساعة 39/12 بعد الظهر وثالثة على الساعة 56/12 بعد الظهر. وفي كل نداءات الاستغاثة تلك، كانت السلطات الإيطالية تهدئ من روع الأشخاص الموجودين على متن المركب وتؤكد أنه سيتم إنقاذهم. ولأن شيئاً لم يحدث، اتصلوا برقم الطوارئ في البحار الإيطالي على الساعة 17/13. وحينها، شرح المشغل أن مركبهم كان في منطقة البحث والإنقاذ التابعة للسلطات المالطية ثم أعطاهم رقم هاتف مركز تنسيق الإنقاذ في مالطة (المسمى بعده "مركز الإنقاذ المالطي").

2-3 وأجريت عدة مكالمات على متن المركب للاتصال بالقوات المسلحة لِمالطة (المسماة بعده "القوات المسلحة المالطية") ما بين الساعة الواحدة والثالثة بعد الظهر. وأجريت مكالمتان أيضاً للاتصال بمركز الإنقاذ الإيطالي على الساعة 22/14 و37/15. وقيل للأشخاص الذين كانوا على متن المركب إنه تم تحديد موقع مركبهم أخيرا وإن وحدات الإنقا ذ ستصل في حدود 45 دقيقة. غير أن أصحاب البلاغ يقولون إن القوات المسلحة المالطية صرحت بأن التعرف على المركب، حسب بيان صحفي صدر عقب الأحداث، لم يحدث قبل الساعة الرابعة بعد الظهر وأن أول قارب إنقاذ - وهو قارب دورية تابع للقوات المسلحة المالطية - لم يصل إلى مكان الغرق حتى الساعة 50/17، ومعه السفينة الحربية الإيطالية آي. تي. إس . ليبرا، التي وصلت إلى الموقع حوالي الساعة السادسة بعد الظهر. ويدعي أصحاب البلاغ أن القوات المسلحة المالطية لم تتصل بمركز الإنقاذ الإيطالي لطلب المساعدة إلا بعد أن انقلب المركب. وهم يدعون كذلك أن آي. تي. إس . ليبرا لم تتلق أي تعليمات بمساعدة الأشخاص الذين كانوا على متن المركب إلا بعد أن انقلب، وأنها في الواقع تلقت الأمر بدايةً بالابتعاد عن المركب، حيث كان ثمة اعتقاد من ناحية أخرى أن سلطات مالطة لن تقبل تحمل المسؤولية عن جهود الإنقاذ. ويلاحظ أصحاب البلاغ أن عدد الأشخاص الذين ماتوا في حادثة الغرق، رغم أنه لم يحدَّد بدقة، يقدَّر بأكثر من 200 شخص، من بينهم 60 طفلاً.

2-4 ويدعي أصحاب البلاغ أن مركزي الإنقاذ الإيطالي والمالطي حاولا التقاذف بالمسؤولية عن عملية الإنقاذ عوض التدخل بسرعة. ونظراً إلى أن المركب كانت توجد في منطقة البحث والإنقاذ المالطية، فإن مركز الإنقاذ الإيطالي اتصل بمركز الإنقاذ المالطي على الساعة الواحدة بعد الظهر، حيث أخبره بأمر المركب، لكي يسلم العملية للقوات المسلحة المالطية. وحسب مركز الإنقاذ الإيطالي، فإنه عرّف مركز الإنقاذ المالطي بأقرب السفن إلى المركب، بما فيها السفينة الحربية آي. تي. إس . ليبرا وسفينتان تجاريتان. غير أنه لم يحدد موقع السفينة الحربية بدقة لمركز الإنقاذ المالطي. وعلى الساعة 37/15، اتصل أحد ضباط سلاح الجو الإيطالي بقيادة البحرية الإيطالية طلباً للتعليمات بشأن الأوامر التي ستُعطى للسفينة الحربية، التي كانت الأقرب إلى المركب المنكوب. ويلاحظ أصحاب البلاغ أنه، حسب المكالمات الهاتفية التي تم التقاطها ( ) ، صدر أمر للسفينة بالتحرك مبتعدة عن المركب المنكوب لأن قوارب الدورية المالطية، لو رأتها، لتفادت الاضطلاع بعملية الإنقاذ. وعلى الساعة 38/16، طلب مركز الإنقاذ الإيطالي إلى قيادة البحرية الإيطالية أن تربط اتصالا ً مباشرا ً بين آي. تي. إس . ليبرا والسلطات المالطية. ولكن قيادة البحرية لم توافق على ذلك الطلب. وعلى الساعة 44/16، طلب مركز الإنقاذ المالطي إلى مركز الإنقاذ الإيطالي أن يضع آي. تي. إس . ليبرا تحت تصرف عملية الإنقاذ. ورفض مركز الإنقاذ الإيطالي الترخيص بذلك ودعا مركز الإنقاذ المالطي إلى البحث عن حلول أخرى، من قبيل إشراك السفن التجارية ( ) . ولم يصدر أمر للسفينة الحربية بالتدخل إلا في الساعة 07/17 بعد الظهر بعد أن انقلب المركب، وتم توجيهها نحو المركب المنكوب.

2-5 ويدّعي أصحاب البلاغ أنه لم تُتَح لهم سبل انتصاف فعالة تمكنهم من عرض ادعاءاتهم على السلطات المحلية. ولاحظوا أن م. ج. تقدم بشكوى إلى المدعي العام في محكمة آغريدجانتو، إيطاليا، بشأن تأخر السلطتين الإيطالية والمالطية في الاستجابة لنداءات الاستغاثة واختفاء أحد ابنيه في حادثة الغرق. ولكن، لا إيطاليا ولا مالطة فتحت تحقيقاً في ظروف حادثة الغرق وطلب المدعي العام وقف الإجراءات الجنائية. ويلاحظ أصحاب البلاغ كذلك أن أ. س. قد تقدم بشكوى إلى المدعي العام في محكمة سيراكوز، إيطاليا، في 15 أيلول/سبتمبر 2014. وادعى أن 11 من أقربائه قد اختفوا عقب حادثة الغرق مباشرةً التي وقعت بتاريخ 11 تشرين الأول/أكتوبر 2013. واستناداً إلى محاضر الشكوى، يبدو أن دعوى جنائية كانت قد رُفعت على مجهول عقب شكوى سابقة كان قد تقدم بها أ. س. في 6 أيلول/ سبتمبر 2014. غير أن أ. س. لم يتلق أي معلومات عن الدعوى أو نتائجها. وبعد حادثة الغرق، اتصلت واحدة من أصحاب البلاغ، وهي أو. آي. بالصليب الأحمر في مالطة؛ وبالسكرتير الأول في السفارة الإيطالية في أبو ظبي، حيث كانت أو. آي. تقيم في ذلك الوقت؛ وبالصليب الأحمر الإيطالي؛ وبمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، مستفسرةً عن مكان وجود أخيها الذي كان على متن المركب ولأن هذه السيدة لم تتلق أي معلومات عن أخيها، فقد سافرت إلى إيطاليا ومالطة استقصاءً لمعلومات عنه. وتعيش غ. د. في دمشق؛ لذلك لم يتسنّ لها أن تتقدم بشكوى إلى سلطات الدولة الطرف.

2-6 ويدفع أصحاب البلاغ بالقول إن عدم فتح تحقيق في الوقائع التي أدت إلى حادثة الغرق وما أعقبها من وفاة أشخاص كانوا على متن المركب أو اختفائهم، ومن بينهم أقرباء أصحاب البلاغ، يعني أنه ليس لديهم أي سبيل انتصاف في الدولة الطرف للطعن في إخفاقات السلطات أثناء أنشطة الإنقاذ. ويدفع أصحاب البلاغ بالقول كذلك إنهم غير ملزمين باللجوء إلى سبل الانتصاف المدنية لكي يستنفدوا سبل الانتصاف المحلية لأن غايتهم هي كفالة مقاضاة ومعاقبة المسؤولين عن المخاطرة بحياة أقربائهم وعلى التسبب في وفاتهم أو اختفائهم. ويدعون أن الدعوى المدنية لن تحقق تلك الغاية، لأن الدعوى ستركز فقط على مبلغ التعويضات ولن تتناول مسألة تحديد هوية المسؤولين ومعاقبتهم. وحتى لو استُنفدت سبل الانتصاف المحلية، فإنه كان سيتبين انها عديمة الجدوى في غياب أي تحقيق يؤكد الوقائع المحيطة بحادثة الغرق وأي مسؤولية ذات صلة بذلك. ويدفع أصحاب البلاغ بالقول إنهم مُنعوا بحكم الواقع من الاعتداد بسبل الانتصاف المدنية بسبب عدم إجراء تحقيق صحيح في حادثة الغرق وعملية الإنقاذ الفاشلة. ويقولون أيضاً إن هناك ظروفاً خاصة تعفيهم من واجب استنفاد سبل الانتصاف المحلية بالنظر إلى حجم المأساة التي نشأت عنها شكواهم. وهم يقولون إنه ينبغي تطبيق البروتوكول الاختياري ببعض المرونة ودون تمسك مفرط بالرسميات، كما يقولون إنهم لا يملكون الوسائل الثقافية واللغوية والاقتصادية للاعتداد بسبل الانتصاف القانونية في الدولة الطرف.

2-7 ويشير أصحاب البلاغ إلى أن حادثة الغرق وقعت خارج الإقليم الوطني لكل من إيطاليا ومالطة. غير أنهم يدفعون بالقول إن الشكوى تخضع للسلطة القضائية لكل من إيطاليا ومالطة لأسباب عدة. بادئ ذي بدء، الدولتان معاً طرفان في الاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ في البحار، 1979. وكانت السلطات المالطية مسؤولة عن البحث والإنقاذ في المنطقة البحرية التي كان يوجد فيها المركب، غير أن السلطات الإيطالية كانت تمارس بحكم الواقع سيطرة على منطقة البحث والإنقاذ المالطية، لأن إيطاليا في كثير من الأحيان هي الدولة الوحيدة التي تتوفر لديها الإرادة والقدرة على إنجاز عمليات إنقاذ في المنطقة. والدولتان الطرفان، علاوة على ذلك، كانتا على اتصال دائم بالمركب المنكوب وفعّلتا إجراءات الإنقاذ. ولذلك السبب، ورغم النقائص الشديدة التي شابت العمليات، مارست كلتا الدولتان الطرفان سيطرة في منطقة البحث والإنقاذ على الأشخاص المنكوبين. ويدفع أصحاب البلاغ بالقول بوجود علاقة سببية، نتيجةً لذلك، ما بين عدم الإسراع في القيام بأنشطة الإنقاذ وبين حادثة الغرق والخسائر في الأرواح. فالدولتان الطرفان، إذ تصرفتا بإهمال، أو امتنعتا عن الفعل، أنشأتا حلقة حاسمة في السلسلة السببية التي أدت إلى حادثة الغرق. ويلاحظ أصحاب البلاغ أنه تمت المجادلة في ذاك الصدد، بأن نداء الاستغاثة ينشئ علاقة ما بين الدولة التي تتلقاه والشخص الذي يرسله، وإنه ينشأ، بناءً على تلك العلاقة، رابط الولاية القضائية ما بين الشخص المعرض للخطر وسلطات الدولة، نتيجة نداء الاستغاثة، أي أن السلطات تكون نتيجة لذلك ملزمة بتقديم خدمات الإغاثة الطارئة ( ) .

الشكوى

3 - 1 يقول أصحاب البلاغ إن واجب تقديم المساعدة لمن هم معرضون للغرق في البحر قاعدة دولية راسخة بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار والاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحار، 1974 ( ) . وهم يدفعون بالقول إن الدولة الطرف قد انتهكت حقوق أقربائهم بموجب المادة 6 ( 1 ) من العهد بسبب أفعال ناشئة عن الإهمال والامتناع عن الفعل في إطار أنشطة الإنقاذ التي نفذتها في عرض البحر، وهو ما عرّض أرواح أقربائهم للخطر وأدى إلى وفاتهم أو اختفائهم. ويدعي أصحاب البلاغ تحديداً أن سلطات الدولة الطرف أخلّت بواجبها أن تتخذ جميع الخطوات الصحيحة والملائمة للحفاظ على أرواح أقربائهم الذين كانوا معرضين لخطر الغرق عندما لم ت قم بأنشطة الإنقاذ الضرورية وعندما تأخرت في طلب تدخّل البحرية الإيطالية إلى أن انقلبت السفينة، رغم أنها كانت تعلم أن المراكب المالطية غير قادرة على تقديم المساعدة السريعة. ويدعي أصحاب البلاغ أن سلطات الدولة الطرف لم تستجب بسرعة لنداءات الاستغاثة، فتجاهلت بذلك التزاماتها الناشئة عن الاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ في البحار، 1979 . ويلاحظون أنه أثناء أول نداء استغاثة وُجه إلى القوات المسلحة المالطية أُرسل على الساعة الواحدة و 34 دقيقة بعد الظهر، قيل للأشخاص الذين كانوا على متن المركب المنكوب إنه تمّ تحديد مكان المركب وإن وحدات الإنقاذ ستصل في غضون أقل من ساعة واحدة. وأُرسلت نداءات استغاثة أخرى على الساعة الواحدة بعد الظهر، وقدمت السلطات تطمينات بأن المساعدة في طريقها إلى المركب. ولكنّ الطائرة التابعة للقوات المسلحة المالطية لم تكشف عن مكان المركب المنكوب حتى الساعة الرابعة بعد الظهر. ويدعي أصحاب البلاغ أن سلطات الدولة الطرف كانت تعلم أنه لن يكون بإمكانها الوصول بسرعة إلى المركب وأنها لم تسرع في طلب المساعدة من السلطات الإيطالية، التي كانت مراكبها موجودة على مسافة أقرب من المركب المنكوب. وهم يدعون أنه لو تلقت سفينة آي. تي. إس . ليبرا طلباً سريعاً بالتدخل لكان بإمكانها إنقاذ الأشخاص المنكوبين.

3 - 2 ويدعي أصحاب البلاغ كذلك انتهاك حقوق أقربائهم بموجب المادة 6 ( 1 ) مقروءة بالاقتران مع المادة 2 ( 3 ) من العهد، لأن سلطات الدولة الطرف لم تُجر تحقيقاً رسمياً ومستقلاً وفعالاً في حادثة الغرق لأجل التحقق من الوقائع وتحديد من المسؤول عنها ومعاقبته.

3 - 3 ويدعي أصحاب البلاغ أيضاً أن حقوقهم بموجب المادة 7 مقروءة بالاقتران مع المادة 2 ( 3 ) من العهد قد انتُهِكت لأن عدم التحقيق في وفاة أو اختفاء أقاربهم قد تسبب ولا يزال في فجيعتهم، وهو يعادل معاملة لا إنسانية ومهينة.

ملاحظات الدولة الطرف على المقبولية والأسس الموضوعية

4-1 في 19 كانون الثاني/يناير 2018، قدمت الدولة الطرف ملاحظاتها على مقبولية البلاغ. وتقول الدولة الطرف إنه ينبغي اعتبار البلاغ غير مقبول لعدم استنفاد سبل الانتصاف المحلية ولعدم الاختصاص القضائي وعدم توفر مركز الضحية.

4-2 وتحيط الدولة الطرف علما ً بحجة أصحاب البلاغ ومفادها أنهم حُرموا من سبيل انتصاف فعال بسبب عدم إجراء السلطات المالطية تحقيقاً سريعا ً وفعالا ً في سبب حادثة الغرق. وهي تلاحظ، فيما يتعلق بمالطة، أن أصحاب البلاغ لم يتقدموا بأي شكوى إلى سلطات الدولة الطرف ولم يرفعوا أي دعوى أخرى. فالإجراء الوحيد الذي اتخذه أصحاب البلاغ هو الاتصال بالصليب الأحمر في مالطة. وتحيط الدولة الطرف علما بحجة أصحاب البلاغ التي مفادها أنه يصعب عليهم تقديم شكوى في مالطة بسبب كونهم لا يعيشون في البلد ولا تتوفر لديهم الإمكانات المالية. غير أنها تقول إنه بالإمكان تقديم شكاوى بواسطة محامٍ خاص، أي أن حضور أصحاب البلاغ إلى مالطة لم يكن لازما لتقديم شكوى. وإضافةً إلى ذلك، تحتج الدولة الطرف بالقول إن لدى أصحاب البلاغ عدد من وسائل الانتصاف المحلية تحت تصرفهم، في إطار الإجراءات المدنية والجنائية، لم يعتدوا بها. ففيما يتعلق بالدعوى الجنائية، كان بإمكان أصحاب البلاغ أن يتقدموا بشكوى إلى مفوض الشرطة، طالبين إليه التحقيق في الادعاءات التي قدمها أصحاب البلاغ. وفي حال لم تشرع الشرطة في ال تحقيق بعد تلك الشكوى، يمكن تقديم طعن إلى محكمة الصلح يُطلب فيه إلى المحكمة إصدار أمر إلى الشرطة بالبدء في الإجراءات. والمعونة القضائية متوفرة حتى للأشخاص من غير مواطني مالطة. وعلاوةً على ذلك، يحق لأي شخص أيضاً، بموجب القانون الجنائي، أن يطلب إلى أحد القضاة إجراء استجواب في أي جنحة يعاقَب عليها بالسجن ثلاثة أعوام أو أكثر. وفيما يتعلق بالدعوى المدنية، تتاح لأصحاب البلاغ أيضاً إمكانية رفع دعوى للمطالبة بالتعويض، وبإمكانهم طلب سبيل انتصاف للحصول على تعويضات عن الأضرار التي يكونوا قد تعرضوا لها. وكان بإمكان أصحاب البلاغ أيضاً أن يرفعوا دعوى دستورية بالاستناد إلى ما يدّعونه من انتهاك حقوقهم بموجب الدستور الذي يضمِّن أحكام اتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية (الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان) في قوانين البلد. ويجوز لشخص غير موجود في مالطة أن يرفع دعوى دستورية ويحق له أن يطلب الحصول على المعونة القضائية إذا برهن الشخص على عدم امتلاكه الإمكانات المالية لرفع تلك الدعوى. وتتمتع المحكمة الدستورية بصلاحيات واسعة وبإمكانها إتاحة الحصول على سبل الانتصاف لجبر انتهاك معيّن. ويمكن تقديم الطلب إلى المحكمة للنظر في الشكوى على وجه الاستعجال.

4-3 وتلاحظ الدولة الطرف كذلك أن حادثة الغرق قد وقعت في أعالي البحار. وهي تجادل بالقول إن الحادثة وقعت خارج المياه الإقليمية لمالطة، وإن أصحاب البلاغ لم يبرهنوا على وجود رابط الولاية القضائية المطلوب في البروتوكول الاختياري. وهي تقول إن عمليات البحث والإنقاذ لا تعادل ممارسة الولاية القضائية. فالدولة مسؤولة عن تنسيق عمليات البحث والإنقاذ في منطقة البحث والإنقاذ التابعة لها، ولكن لا يجوز اعتبار تلك المنطقة جزءاً من إقليم الدولة. فالاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ في البحار، 1979، تنص على أن منطقة البحث والإنقاذ ينبغي ألا تمس بالحدود المرسومة بين الدول فيُستتبع من ثم أن من الخطأ تفسير منطقة البحث والإنقاذ على أنها تشكل جزءاً من إقليم مالطة أو منطقة تمارس مالطة عليها ولايتها القضائية خارج حدود إقليمها. وتجادل الدولة الطرف بالقول إنه لا يمكن تفسير وفائها بالتزاماتها الدولية في منطقة البحث والإنقاذ على أنه يُنشئ علاقة تخص الولاية القضائية. وتلاحظ أن منطقة البحث والإنقاذ تُعرَّف باعتبارها منطقة ذات أبعاد محددة مرتبطة بمركز تنسيق الإنقاذ ضمن حدود خدمات البحث والإنقاذ المقدمة، وأن التعريف لا يتضمن أي إشارة إلى الولاية القضائية أو الإقليم.

4-4 وتقول الدولة الطرف كذلك إن أصحاب البلاغ لم يقدموا ما يثبت علاقتهم بالمدعى أنهم ضحايا في البلاغ، حيث لم يقدموا أي دليل يُثبت أنهم أقرباء من يُدّعى أنهم ضحايا وأن لهم المصلحة القانونية اللازمة لتقديم بلاغ نيابة عمّن يُدَّعى أنهم الضحايا.

4-5 وفي 25 أيار/مايو 2018، قدمت الدولة الطرف ملاحظاتها بشأن أسس البلاغ الموضوعية. وهي تلاحظ أن المكالمة الأولى التي أُجريت من المكتب كانت للاتصال بمركز الإنقاذ الإيطالي بواسطة هاتف مرتبط بقمر صناعي وأن مركز الإنقاذ الإيطالي كان أول من قام بتنسيق الحالة ( ) . وتلقى مركز الإنقاذ المالطي أول اتصال هاتفي من مركز الإنقاذ الإيطالي على الساعة الواحدة وخمس دقائق بعد الظهر أُعلم فيه مركز الإنقاذ المالطي أن المركب يحتاج إلى مساعدة. وفي تلك المرحلة، كان المركب يعبر منطقة البحث والإنقاذ الليبية ويهم بالخروج منها. ولم تشر المعلومات التي تم تلقيها من مركز الإنقاذ الإيطالي في المرحلة الأولى إلى وجود حالة خطر ( ) . وعلى الساعة الثانية وخمس دقائق بعد الظهر أرسل مركز الإنقاذ الإيطالي رسالة بالناسوخ إلى مركز الإنقاذ المالطي يطلب إليه فيها أن يقبل رسمياً نقل حالة البحث والإنقاذ وتسليمها إليه. وقبِل مركز الإنقاذ المالطي الطلب على الساعة الثانية و35 دقيقة بعد الظهر، وهي الساعة التي بدأ فيها تنسيق الحالة. وتشير الدولة الطرف إلى أن مركز الإنقاذ الإيطالي، الذي كان لا يزال مركز تنسيق الإنقاذ الوحيد المسؤول عن تنسيق الحالة، قد أصدر في، الساعة الواحدة و34 دقيقة بعد الظهر، تحذيرا ً ملاحيا ً إلى الحركة الملاحية بكاملها في المنطقة المجاورة لكي تساعده، ولم يرسل ذلك الإنذار إلى مركز الإنقاذ المالطي. وفي المدة الفاصلة ما بين الدعوة إلى القيام بالتنسيق وبين لحظة قبول القيام بالتنسيق، اتخذ مركز الإنقاذ المالطي أيضاً سلسلة من الإجراءات الأولية، ففي الساعة الثانية وعشر دقائق بعد الظهر، أصدر مركز تنسيق الإنقاذ المالطي تعليمات إلى سفينة الدورية البحرية P61 ليتوجه إلى المنطقة التي كان يوجد فيها المركب. ولاحظت الدولة الطرف ادعاء أصحاب البلاغ أن من كانوا على المركب المعرض للخطر اتصلوا بمركز الإنقاذ المالطي على الساعة الواحدة و34 دقيقة بعد الظهر. وتقول الدولة الطرف إن هذا غير صحيح لأن الاتصال الأول ما بين مركز الإنقاذ المالطي والمركب الذي كان في خطر حدث على الساعة الثانية و22 دقيقة بعد الظهر عندما هاتف المركز الأشخاص على متن المركب لتحديد موقعهم والتأكد من الوضع على المركب. وتلاحظ أن مركز الإنقاذ المالطي قد أصدر في الساعة الثانية و25 دقيقة بعد الظهر تعليمات إلى طائرة عسكرية مالطية بالطيران فوق المنطقة، وفي الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، أصدر المركز تحذير الطوارئ الملاحية - ما يعرف بالرسائل النصية الملاحية، أو NAVTEX - للحركة الملاحية بكاملها في المنطقة لكي يبدأ بتقديم المساعدة. وتجادل الدولة الطرف بالقول إنه عندما بدأت التحذيرات الملاحية بالصدور، كان من واجب جميع السفن الموجودة على مقربة من المركب، بما فيها آي - تي - إس ليبرا، التوجه نحو موقعه.

4-6 وبعد تولي مهمة تنسيق الحالة، طلب مركز الإنقاذ المالطي إلى مركز الإنقاذ الإيطالي تأكيد استعداد أي مراكب إيطالية في المنطقة بإمكانها التدخل طبقاً لأحكام الاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ في البحار، 1979 ( ) . وأجاب مركز الإنقاذ الإيطالي على الساعة 09/15 بالقول إنه لا يوجد أي وحدات لخفر السواحل، ولكن إحدى السفن الحربية الإيطالية مستعدة للتدخل. ومع ذلك لم يُذكر اسم السفينة ولا موقعها ولا معلومات الاتصال بها. وبعد أن حددت طائرة القوات المسلحة المالطية هوية آي - تي - إس ليبرا طلب مركز الإنقاذ المالطي إلى آي - تي - إس ليبرا البدء بتقديم المساعدة ما دام قد تم تحديدها على أنها السفينة الأقرب إلى المهاجرين، حيث كانت على بعد 17 ميلاً بحرياً. وفي الساعة 22 / 16 ، أرسل مركز الإنقاذ المالطي رسالة بالناسوخ إلى مركز الإنقاذ الإيطالي طالباً إليه إصدار تعليمات إلى آي-تي-إس ليبرا بالتوجه إلى المنطقة حيث لوحظ أن المركب المنكوب كان مكتظاً وغير مستقر. وأجاب مركز الإنقاذ الإيطالي على الهاتف بأن آي - تي - إس ليبرا كانت تقوم بواجبات مراقبة وإنه، حتى لو تم توجيهها إلى هناك، فإنه لم تكن توجد أي وسائل لتغطية المنطقة تحت المراقبة. وتلا هذا التبادل رسالة أخرى بالناسوخ على الساعة 42 / 16 . وعندها أكد مركز الإنقاذ الإيطالي أن السفينة آي-تي-إس ليبرا ستتوجه إلى المنطقة لتقديم المساعدة. واتصل مركز الإنقاذ المالطي أيضاً بسفن تجارية في المنطقة طالباً المساعدة. وعلى الساعة 55 / 16 ، كانت آي-تي-إس ليبرا لا تزال تبحر في نفس اتجاهها الأول فلم تغير اتجاهها لتمضي نحو المركب المكروب وفق ما طُلب منها. وعندها أصدر مركز الإنقاذ المالطي تعليمات إلى طائرة المراقبة المالطية بالاتصال ب آي-تي-إس ليبرا مباشرة بواسطة الراديو ذي التردد العالي جداً. ولكن المكالمات لم تلق أي إجابة. وغرق مركب المهاجرين على الساعة 07 / 17 . ووصل إلى مكان الحادث قاربٌ صلبُ الغاطس وقابل للنفخ، أرسلته السفينة العسكرية المالطية 61P لكي يصل إلى المنطقة في أقرب وقت ممكن على الساعة 45 / 17 وشرع في عمليات الإنقاذ. ووصلت السفينة العسكرية P61 إلى مكان الحادث على الساعة 51 / 17 ووصل ITS Libra على الساعة 57 / 17 بعد الظهر. وأكدت السفينة P61 إنقاذ نحو 140 شخصاً وسفينة آي-تي-إس ليبرا إنقاذ 56 شخصاً. وتقول الدولة الطرف إنها، عندما تحملت مسؤولية تنسيق الحالة، اتخذت جميع تدابير الحيطة الضرورية والمتاحة لأجل تقديم المساعدة في الوقت اللازم عن طريق إرسال الموارد المتاحة، العامة والخاصة، طالبة استخدام الموارد الإيطالية المتاحة عن طريق مركز الإنقاذ الإيطالي، وليس لمركز الإنقاذ الإيطالي أي سلطة قضائية أو غيرها لإصدار أوامر إلى سفينة توجد في ملكية دولة أخرى. وتلاحظ الدولة الطرف كذلك أنها أرسلت تحذيرا ملاحيا إلى جميع السفن في المنطقة، وأنزلت قارب إنقاذ من الطائرة العسكرية لتوفير المساعدة وحوّلت وجهة السفن الحربية التي كانت موجودة في أقرب موقع باتجاه المنطقة.

4-7 وتحيط الدولة الطرف علما بادعاءات أصحاب البلاغ أن حقوق أقاربهم بموجب المادة 6، مقروءة بمفردها وبالاقتران مع المادة 2(3) من العهد، قد انتُهكت. وهي تكرر حجتها التي مفادها أن أصحاب البلاغ لم يتقدموا بأي شكوى إلى سلطات الدولة الطرف طلبا للبدء في إجراء تحقيق.

4-8 وتجادل الدولة الطرف بالقول إن احترام الحياة يتمثل أولاً وقبل كل شيء في أن الفرد لا يعرض حياته لخطر لا ضرورة له وفي أن يتخذ جميع الاحتياطات الممكنة للحد من ذلك الخطر. وتلاحظ أن أوروبا والدول الموجودة على حدودها الخارجية تواجه تدفقات هجرة غير مسبوقة، حيث هناك محاولات لعبور البحر على متن قوارب غير قابلة للإبحار. ومهما أبدت مراكز تنسيق الإنقاذ من سرعة تحرك وإمكانيات من حيث التجهيز وتمسك بأداء الواجب، فإن هناك دائماً إمكانية لوجود حالات بحث وإنقاذ متعددة تحدث في الوقت نفسه، أو عندما تؤدي ظروف جوية إلى الحؤول دون عمليات الإنقاذ لأسباب تتعلق بسلامة المنقذين، وهي تعتد بالقول إن الدولة الطرف وسلطاتها في هذه الحالة لم تأل جهداً ولم تدخر أي عناية في سبيل إنجاح عملية الإنقاذ.

تعليقات أصحاب البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية والأسس الموضوعية

5 - 1 في 12 نيسان/أبريل 2018 ، قدّم أصحاب البلاغ تعليقاتهم على ملاحظات الدولة الطرف بشأن مقبولية البلاغ. وادعوا أن عدم قيام سلطات الدولة الطرف بالتحقيق بسرعة وفعالية في حادثة الغرق يدل على أن أي سبيل انتصاف فعال لم يكن متاحا لهم. وهم يعتدون بالقول إن وسائط الإعلام في أوروبا بأسرها قد تناقلت خبر حادثة الغرق وإنه كان ينبغي لسلطات الدولة الطرف، لذلك السبب، أن تشرع في التحقيق بمبادرة منها. كما يعتد بالقول إن استخدام أي سبيل انتصاف مدني كان سيكون عديم الفائدة حيث لم يكن سيحقق أي جبر لمن يدّعى أنهم ضحايا انتهاك الحق في الحياة. ويعتدون بالقول أيضاً إن تقديم شكوى إلى المحكمة الدستورية لم يكن ليجدي نفعاً لأنه لا يمكن عرض القضية على المحكمة إلا في مرحلة الاستئناف وفقط عندما تكون المحكمة المدنية الابتدائية قد رفضت ممارسة سلطتها. ويحتجون بالقول إن طلب إجراء مراجعة دستورية لقانونية الوقائع المعروضة في شكواهم هو سبيل انتصاف خارق للعادة وخاضع للسلطة التقديرية.

5 - 2 ويجادل أصحاب البلاغ بالقول إن وقوع حادثة الغرق خارج إقليم مالطة لا يكفي في حد ذاته لاستبعاد نشوء رابط الولاية القضائية. ويعتدون بالقول إنه كانت تقع على عاتق الدولة الطرف المسؤولية الأولى عن تنسيق عملية البحث والإنقاذ في منطقة البحث والإنقاذ التابعة لها، وإنها لم تمارس واجب التنسيق الواقع على عاتقها.

5 - 3 أما فيما يتعلق بما يُدّعى من عدم وجود مركز الضحية، فإن أصحاب البلاغ يلاحظون أنهم قدموا في تعليقاتهم صوراً لأقربائهم وشهادات ميلاد ونسخا من جوازات سفر لأجل إثبات علاقة القرابة مع من يُدّعى أنهم الضحايا.

5 - 4 وفي 4 تشرين الأول/أكتوبر 2018 ، قدّم أصحاب البلاغ تعليقاتهم على ملاحظات الدولة الطرف بشأن أسس البلاغ الموضوعية. وكرروا ادعاءهم إن سلطات الدولة الطرف تأخرت في البدء في عملية الإنقاذ. ولاحظوا أن مركز الإنقاذ المالطي أصدر أوامر إلى سفينة الدورية الساحلية المالطية P61 لأجل الخروج إلى البحر باتجاه المنطقة التي كان يوجد فيها المركب المكروب على الساعة الثانية وعشر دقائق بعد الظهر. وهم يجادلون بالقول إنه لو تلقت سفينة الدورية الساحلية أوامر بالتوجه إلى المنطقة فوراً بعد أن تلقى مركز الإنقاذ المالطي أول مكالمة من مركز الإنقاذ الإيطالي على الساعة واحدة وخمس دقائق بعد الظهر أو بعد أول تحذير ملاحي أطلقه مركز الإنقاذ الإيطالي على الساعة الواحدة و 34 دقيقة، كان سفينة الدورية ستصل إلى مكان المركب المكروب قبل غرقه.

5 - 5 وكرر أصحاب البلاغ كذلك ادعاءهم أن حقوق أقربائهم بموجب المادة 6 ( 1 ) مقروءة بالاقتران مع المادة 2 ( 3 ) من العهد، وحقوقهم بموجب المادة 7 مقروءة بالاقتران مع المادة 2 ( 3 ) من العهد قد انتُهكت لأن سلطات الدولة الطرف لم تُجر أي تحقيق رسمي ومستقل وفعال فيما وقع من أحداث ذات صلة بحادثة الغرق. ويلاحظون حجة الدولة الطرف أن أصحاب البلاغ لم يتقدموا بشكوى بشأن الحادثة. ويكررون حجتهم إن واجب إجراء تحقيق فعال بمبادرة منها يقع على عاتق سلطات الدولة الطرف.

القضايا والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

6-1 قبل النظر في أي ادعاء يرد في بلاغ ما، يجب على اللجنة أن تقرر، وفقاً للمادة 97 من نظامها الداخلي، ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب البروتوكول الاختياري.

6-2 وقد تأكدت اللجنة، وفقاً لما تنص عليه المادة 5(2)(أ) من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة نفسها ليست قيد النظر في إطار إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية.

6 - 3 وتلاحظ اللجنة قول الدولة الطرف إن البلاغ غير مقبول بموجب المادة 1 من البروتوكول الاختياري بسبب انتفاء الولاية القضائية لأن الأحداث وقعت خارج المياه الإقليمية للدولة الطرف. ولاحظت قول أصحاب البلاغ إن الشكوى تقع ضمن الولاية القضائية للدولة الطرف لأن سلطات الدولة الطرف كانت مسؤولة عن منطقة البحث والإنقاذ البحرية التي وقعت فيها حادثة الغرق؛ ولأنها كانت على اتصال دائم مع المركب المكروب؛ ولأنها بدأت في تفعيل إجراءات الإنقاذ ومن ثم كانت تمارس سيطرة على الأشخاص المكروبين.

6 - 4 وتذكر اللجنة بأنها تتمتع، بموجب المادة 1 من البروتوكول الاختياري، باختصاص تلقي بلاغات من الأفراد الخاضعين لولاية الدول الأطراف والنظر فيها. كما تذكر بأنها قالت، الفقرة 10 من تعليقها العام رقم 31 ( 2004 ) بشأن طبيعة الالتزام القانوني العام الواقع على عاتق الدول الأطراف في العهد، إن الدول الأطراف مطالَبة، بموجب الفقرة 1 من المادة 2 ، باحترام الحقوق المكفولة في العهد لجميع الأشخاص الذين قد يكونون موجودين داخل إقليمها ولجميع الأشخاص الخاضعين لولايتها وبكفالة تلك الحقوق. ويعني هذا أنه يتعين على الدولة الطرف احترام الحقوق المنصوص عليها في العهد وكفالتها لكل شخص يقع تحت سلطتها أو سيطرتها الفعلية، حتى لو لم يكن موجوداً داخل إقليم الدولة الطرف. ومثلما جاء في التعليق العام رقم 15 ( 1986 ) بشأن مركز الأجانب بموجب العهد، لا يقتصر التمتع بالحقوق المنصوص عليها في العهد على مواطني الدول الأطراف وإنما يجب أيضاً أن يتاح لجميع الأفراد كملتمسي اللجوء واللاجئين والعمال المهاجرين وغيرهم من الأشخاص الذين قد يجدون أنفسهم داخل إقليم الدولة الطرف أو خاضعين لولايتها، بصرف النظر عن جنسية الشخص أو عدم حمله أي جنسية. ويسري هذا المبدأ أيضاً على جميع من يقع تحت سلطة دولة طرف أو تحت سيطرة قواتها المتصرفة خارج إقليمها، أياً كانت الظروف التي تم فيها اكتساب تلك السلطة أو السيطرة الفعلية كالقوات التي تشكل وحدة وطنية تابعة للدولة الطرف مكلفة بعملية حفظ سلام أو إنفاذ سلام دولية.

6-5 وتشير اللجنة كذلك إلى الفقرة 63 من تعليقها العام رقم 36 (2018) بشأن الحق في الحياة، التي لاحظت فيها أنه، في ضوء الفقرة 1 من المادة 2 من العهد، يقع على كل دولة طرف واجب احترام وكفالة الحقوق بموجب المادة 6 لجميع الأشخاص داخل إقليمها ولجميع الأشخاص الخاضعين لولايتها، أي لجميع الأشخاص الذين تمارس سلطة أو سيطرة فعلية على تمتعهم بالحق في الحياة. ومن ضمن هؤلاء الأشخاصُ الواقعون خارج أي إقليم يخضع فعلياً لسيطرة الدولة، والذين يتأثر حقهم في الحياة مع ذلك بأنشطتها العسكرية أو غيرها من الأنشطة تأثراً مباشراً ويمكن التنبؤ به على نحوٍ معقول. ويتعين على الدول الأعضاء احترام وحماية أرواح الأفراد الموجودين في أماكن تقع تحت سيطرتها الفعلية، كالأقاليم المحتلة، وفي الأقاليم التي تتحمل بشأنها واجباً دولياً بتنفيذ العهد. والدول الأطراف مطالَبة أيضاً باحترام وحماية أرواح جميع الأشخاص الموجودين على متن مراكب بحرية وطائرات مسجلة لديها أو ترفع علمها، ومن بين هؤلاء أولئك الذين يجدون أنفسهم في حالة خطر في عرض البحر، طبقاً لما تنص عليه الالتزامات الدولية بشأن الإنقاذ في عرض البحر ( ) . وتذكر اللجنة كذلك بقراراتها السابقة التي قررت فيها أنه يمكن أن تتحمل دولة طرف ما المسؤولية عن الانتهاكات التي تطال العهد خارج إقليمها في حالات من قبيل تلك التي تتعلق بالتسليم أو الإبعاد، في حال ثبت وجود رابط في السلسلة السببية يجعل الانتهاكات ممكنة في ولاية قضائية أخرى، وعندما يكون احتمال وقوع انتهاك خارج إقليم الدولة نتيجة ضرورية ويمكن التنبؤ بها باعتبار ما كان في عِلم الدولة الطرف في ذلك الوقت ( ) .

6-6 وتحيط اللجنة علماً كذلك بأنه، طبقاً للمادة 98 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، يتعين على كل دولة أن تطلب إلى ربان السفينة التي ترفع علمها أن ينقذ الأشخاص المعرضين للخطر بكل ما يمكنه من سرعة، إذا ما علم بالحاجة إلى المساعدة، حيث يمكن توقع الفعل بصورة معقولة، كما تحيط علماً بأنه يتعين على الدولة الساحلية تعزيز إنشاء خدمة بحث وإنقاذ كافية وفعالة وتشغيلها وصيانتها فيما يتعلق بالسلامة في البحر، وبواسطة ترتيبات إقليمية متبادلة، عندما تستلزم الظروف ذلك، للتعاون مع دول مجاورة توخياً لذلك الغرض. وإضافة إلى ذلك تحيط اللجنة علماً بأن الترتيبات المحددة المتعلقة بتوفير وتنسيق خدمات البحث والإنقاذ منصوص عليها في الاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ في البحار، 1979، وفي اللوائح المعتمدة طبقاً لأحكام الاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحار، 1974، بما في ذلك تنسيق مركز تنسيق إقليمي عمليات البحث والإنقاذ للسفن من مختلف الدول، وواجب الدول أن تتعاون في أنشطة البحث والإنقاذ عند تسلمها معلومات عن حالات كرب في البحر ( ) .

6-7 وفي هذه القضية، تحيط اللجنة علماً، بأنه مما لا جدال فيه بالنسبة للطرفين أن حادثة الغرق قد وقعت خارج إقليم الدولة الطرف وأن أياً من الانتهاكات المدعى ارتكابها وقعت عندما كان أقرباء أصحاب البلاغ على متن مركب يرفع العلم المالطي. والسؤال المطروح أمام اللجنة إذاً هو ما إذا كان يمكن اعتبار أن الضحايا أو من يُدّعى أنهم الضحايا كانوا تحت سلطة الدولة الطرف أو خاضعين لسيطرتها الفعلية، حتى لو أن الحادثة وقعت خارج إقليمها. وتحيط اللجنة علماً بأن مما لا جدال فيه، في هذه القضية، أن المركب المركوب كان موجداً في منطقة البحث والإنقاذ التي تتحمل سلطات الدولة الطرف المسؤولية عن توفير التنسيق العام لعمليات البحث والإنقاذ فيها، طبقاً للمادة 2-1-9 من الاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ في البحار، 1979، والفصل الخامس، المادة 33 من الاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحار، 1974. وتحيط اللجنة علماً كذلك بأنه مما لا جدال فيه أن سلطات الدولة الطرف قبلت رسمياً تولي مهمة تنسيق جهود الإنقاذ على الساعة الثانية و35 دقيقة بعد الظهر في اليوم الذي وقعت فيه حادثة الغرق. وعليه، ترى اللجنة أن الدولة الطرف كانت تمارس سيطرة فعلية على عملية الإنقاذ، وهو ما قد ينشئ علاقة سببية مباشرة ويمكن التنبؤ بها بصورة معقولة ما بين أفعال الدولة الطرف أو إمساكها عن الفعل وما بين نتيجة العملية. وبالنتيجة، ليس في المادة 1 من البروتوكول الاختياري ما يمنع اللجنة من النظر في هذا البلاغ.

6-8 وتحيط اللجنة علماً كذلك بما قالته الدولة الطرف من أنه ينبغي اعتبار البلاغ غير مقبول لعدم استنفاد سبل الانتصاف المحلية. وهي تحيط علماً بقول أصحاب البلاغ إنه لم يكن لديهم أي سبيل انتصاف متاح في الدولة الطرف للطعن في الأخطاء التي شابت ما قامت به السلطات في تنفيذ أنشطة الإنقاذ. غير أن اللجنة تحيط علماً بقول الدولة الطرف إن هناك عدة سبل انتصاف متاحة كان بإمكان أصحاب البلاغ أن يطلبوا النظر في الادعاءات من خلالها، ومن جملتها التقدم بشكوى إلى مفوض الشرطة، طالبين إلى المفوض التحقيق في الادعاءات التي قدمها أصحاب البلاغ؛ أو تقديم طلب إلى أحد القضاة للتحري في الأحداث المحيطة بحادثة الغرق؛ أو رفع دعوى مدنية للضرر؛ أو رفع دعوى دستورية للجبر بالاستناد إلى الانتهاك الذي يُدعى أنه نال من حقوقهم وحقوق أقربائهم المنصوص عليها في الدستور، الذي يعتبر الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان قانوناً داخلياً. وتحيط اللجنة علماً كذلك بأن الدولة الطرف تؤكد أنه بالإمكان تقديم تلك الشكاوى بواسطة محام خاص ودون أن يضطر أصحاب الشكوى إلى التواجد في الدولة الطرف لتقديم الشكوى. وتحيط علماً أيضاً بتأكيد الدولة الطرف أن المعونة القضائية متاحة للأشخاص الذين يثبتون عدم امتلاكهم الإمكانات المالية لرفع دعاوى داخل البلد.

6-9 وتشير الدولة الطرف إلى قراراتها السابقة التي جاء فيها إنه يجب على أصحاب البلاغات بذل العناية الواجبة في الاعتداد بسبل الانتصاف المتاحة، حتى لو انتفى واجب استنفاد سبل الانتصاف المحلية عندما لا يكون ثمة أمل من نجاحها، وهي تشير كذلك إلى أن مجرد الشكوك أو الافتراضات بشأن فعالية سبل الانتصاف المحلية لا تعفي أصحاب البلاغ من استنفادها ( ) . وتلاحظ اللجنة أن أصحاب البلاغ، في هذه القضية، لم يتقدموا بادعاءاتهم إلى سلطة قضائية أو شبه قضائية في الدولة الطرف، بما في ذلك إمكانية التقدم بشكوى جنائية، ولم ينفوا ما قالته الدولة الطرف من أن سبل انتصاف فعالة متاحة بالفعل. وفي هذه الظروف، ترى اللجنة أن أصحاب البلاغ لم يستنفدوا سبل الانتصاف المحلية المتاحة. وعليه، ترى اللجنة أن البلاغ غير مقبول بموجب المادة 5(2)(ب) من البروتوكول الاختياري.

7- وعليه، تقرر اللجنة:

(أ) أن البلاغ غير مقبول بموجب المادة 5(2)(ب) من البروتوكول الاختياري؛

(ب) أن يبلَّغ بهذا القرار الدولة الطرف وأصحاب البلاغ.

المرفق الأول

رأي فردي لعضو اللجنة أندرياس زيمرمان (رأي مخالف)

1- أتفق مع نتيجة الشكوى، بالصيغة التي اعتمدتها أغلبية أعضاء اللجنة، غير أني أود أن أنأى بنفسي بكل احترام عن رأيها فيما يتعلق بمسألة ما إذا كان أصحاب البلاغ حين وقوع الكارثة خاضعين للولاية القضائية لمالطة بالمعنى المقصود في المادة 2(1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

2- وعليه، كنت سأرفض الشكوى ليس لعدم استنفاد سبل الانتصاف المحلية، وإنما أيضا ً لأن الشكوى تخرج عن نطاق اختصاص اللجنة بموجب البروتوكول الاختياري.

3- ومما لا جدال في ه أن أقرباء أصحاب البلاغ كانوا موجودين حينها خارج المياه الإقليمية لمالطة؛ ولم يكونوا في أي لحظة من اللحظات على متن سفن ترفع العلم المالطي . أما الوقائع الوحيدة التي كان يمكن أن تدعم ادعاء الوجود ضمن ا لولاية القضائية لمالطة لأغراض العهد ف هي أنهم وجدوا أنفسهم داخل منطقة ال بحث و ال إنقاذ الواقعة تحت مسؤولية مالطة بموجب ال قواعد السارية ل قانون البحار؛ وأن سلطات مالط ة كانت على اتصال بالراديو مع المركب المكروب وفعّلت إجراءات الإنقاذ.

4- ف في البداية، تشير الأغلبية ، وهي محقة في ذلك نظريا، إلى المعيار الصحيح في تحديد ما إذا كان شخص من الأشخاص يخضع ل ل ولاية القضائية ل دولة من الدول الأ طر ا ف، أي أنه يقع تحت سلطة تلك الدولة الطرف أو تحت سيطرتها الفعلية، حتى لو كان موجودا ً خارج إقليم ا لدولة الطرف. غير أنه يُدفع بالقول بكل احترام إن طريقة صياغة الأغلبية لهذا المعيار بالإحالة إلى قرار سبق أن أصدرته في قضية مناف ضد رومانيا ( ) مضلل ة ف صاحب البلاغ ، في تلك القضية، كان موجوداً داخل سفارة رومانيا، حيث تتمتع الدولة الطرف بالطبع بال ولاية القانونية التامة في مقارها الدبلوماسية و أفعال الأشخاص الموجودين فيها جميعهم - وهي ظروف من ال صعب جداً مقارنته ا بأعالي البحار.

5- وتحاول الأغلبية كذلك الاستناد إلى المادة 98 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التي تنص على أن ه يتعين على كل دولة طرف في الاتفاقية أن تطلب إلى ربابنة السفن التي ترفع علمها إنقاذ أشخاص مكروبين بكل سرعة ممكنة إذا ما أُخبروا بحاجتهم إلى المساعدة، بحيث يمكن توقع ذلك الفعل منهم. وتنص المادة المذكورة كذلك على أن كل دولة ساحلية مطالَبة بتعزيز إنشاء مصلحة بحث وإنقاذ كافية وفعالة وبتشغيلها وصيانتها فيما يتعلق بالسلامة في البح ا ر، وعلى أنه يتعين عليها أن تتعاون مع الدول المجاورة لذلك الغرض بواسطة ترتيبات إقليمية متبادلة، إذا ما استلزمت الظروف ذلك. ولكن، مثلما قيل عن حق في موقع آخر، لا يمكن أن ينشأ التزام باحترام حقوق الإنسان - في القضية محل النظر بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، عن قرار بعدم حمايتهم؛ فالأول يسبق منطقياً الأخير ( ) . وبالإضافة إلى ذلك، من الأرجح ألا ينشأ مثل ذلك الالتزام بحماية الحقوق المكفولة بموجب العهد بسبب انتهاك التزام ناشئ بموجب مجموعة مختلفة تماماً من القواعد، وهي المعايير السارية بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

6- وبالطبع، لا تعادل فكرة الولاية القضائية في معاهدات حقوق الإنسان بأي شكل من الأشكال مفهوم الولاية القضائية كما هو منصوص عليه في المادة 98 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. فالأول يتعلق بتمتع الأفراد بحقوق الإنسان إزاء دولة طرف في العهد، بينما يتعلق الثاني بالتزام الدولة بموجب الاتفاقية بتنظيم بعض الحالات بواسطة قانونها الداخلي.

7- وتسري الاعتبارات نفسها أيضاً على الالتزامات الناشئة عن الاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ في البحار، 1979، وبالاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحار، 1974. فبموجب هاتين الاتفاقيتين، يقع على عاتق مالطة مرة أخرى التزامٌ بجعل أولئك الأشخاص خاضعين لولايتها عن طريق اتخاذ التدابير اللازمة لإنقاذهم، لكنهم لم يكونوا بعد خاضعين للولاية القضائية المالطية بالمعنى المنصوص عليه في العهد، ما لم يتم ذلك الإنقاذ.

8- وكون أصحاب البلاغ لم يجدوا أنفسهم خاضعين للولاية القضائية لمالطة حين وقوع الكارثة أمر أكدته اللجنة في ملاحظاتها الختامية الأخيرة بشأن مالطة، التي اقتُبِسَ منها في قرار الأغلبية. وفي تلك الملاحظات، تشير اللجنة حصراً، وهي محقة في ذلك، إلى حالات الطرد الجماعي لمهاجرين تمّ اعتراضهم وإنقاذهم في البحر (التشديد مضاف) ( ) ، أي الأشخاص الذين دخلوا إلى الولاية القضائية المالطية أو أصبحوا خاضعين لها فقط بعدما تمّ اعتراضهم وإنقاذهم، وليس قبل عملية الإنقاذ تلك.

9- وعلى العموم، يحوّل رأي الأغلبية، لهذه الأسباب، انتهاكَ اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار و/أو الاتفاقية الدولية المتعلقة بالبحث والإنقاذ في البحار، 1979، والاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحار، 1974، وهو ما وقع فعلاً، حسب فهمي للوقائع المستنَد إليها في الشكوى - إلى انتهاك للعهد. غير أن الأغلبية، بفعلها ذاك، ربما تكون قد أضرّت في نهاية الأمر بالقيم التي ت توخى حمايتها لأن الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار قد تصبح أكثر تلكؤاً عندما يتعلق الأمر بتحمُّل التزامات تتصل بقانون البحار بموجب هاتين الاتفاقيتين، حيث إن الوفاء بها قد يجعلها مسؤولة بموجب العهد عن أحداث مأساوية تقع في منطقة البحث والإنقاذ التابعة لكل منها.

المرفق الثاني

رأي مشترك لأعضاء اللجنة عارف بلقان ودنكان لاكي مهيموزا وجنتيان زيبيري (رأي مخالف)

1- نختلف مع استنتاج اللجنة القائل إن البلاغ غير مقبول بموجب المادة 5(2)(ب) من البروتوكول الاختياري، نظراً إلى أن الدولة الطرف لم تبادر إلى التحقيق في ظروف حادثة الغرق. وبالإضافة إلى ذلك، سننظر أدناه في رابط الولاية القضائية والأثر على التزامات الدولة الطرف بموجب المادة 6(1) من العهد.

البحث والإنقاذ في البح ا ر ورابط الولاية القضائية

2 - تتعلق هذه القضية بعملية بحث وإنقاذ باءت بالفشل في يوم 11 تشرين الأول/أكتوبر 2013 . وفي تلك العملية، ورغم أن عدد الضحايا غير معلوم بدقة، ذهبت التقديرات إلى أن ما يزيد على 200 شخص كانوا على متن المركب قد ماتوا، من بينهم 60 طفلاً (الفقرة 2 - 3 ). وتنصّ اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ في البحار، 1979 ، والاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحار، 1974 ، على التزام الدول بالتعاون لأجل إنقاذ الأشخاص الذين تقطعت بهم السبل في عرض البحر. وبالنظر إلى ظروف القضية هذه، تقاسمت إيطاليا ومالطة تلك المسؤولية، ولكن القسمة بينهما لم تكن على حد سواء ( ) .

3 - ودفعت الدولة الطرف بالقول إن من الخطأ تفسير منطقة البحر والإنقاذ على أنها تشكل جزءاً من إقليم مالطة أو منطقة تمارس عليها مالطة ولايتها القضائية خارج إقليمها (الفقرة 4 - 3 ). ويدفع أصحاب البلاغ بالقول إن شكواهم تخضع لولاية الدولة الطرف، لأن سلطات الدولة الطرف كانت مسؤولة عن منطقة الإنقاذ والبحث في عرض البحر التي وقعت فيها حادثة الغرق؛ وكانت على اتصال مستمر بالمركب المنكوب؛ وفعّلت إجراءات الإنقاذ، ومن ثم مارست سيطرة على الأشخاص المنكوبين (المادة 6 - 3 ).

4 - وأوضحت اللجنة، في تعليقها العام رقم 36 ( 2018 ) بشأن الحق في الحياة، أنه، بموجب الفقرة 1 من المادة 2 من العهد، يقع على عاتق الدولة الطرف التزامٌ باحترام وكفالة الحقوق بموجب المادة 6 لجميع الأشخاص الذين يوجدون في إقليمها ولجميع الأشخاص الخاضعين لولايتها، أي لجميع الأشخاص الذين تمارس سلطة أو سيطرة فعلية على تمتعهم بالحق في الحياة. والدول الأطراف مطالبة أيضاً باحترام وحماية أرواح جميع الأشخاص الموجودين على متن مراكب بحرية وطائرات مسجلة لديها أو ترفع علمها، وأرواح جميع الأشخاص الذين يجدون أنفسهم في حالة خطر في عرض البحر، طبقاً لالتزاماتها الدولية بالإنقاذ في البحار ( ) . وقد أعربت اللجنة عن شواغل بشأن عمليات تتعلق بالبحث والإنقاذ في عرض البحر فيما يتعلق بالدولة الطرف ( ) . وتستلزم ممارسة العناية الواجبة اتخاذ تدابير معقولة وإيجابية وأكيدة لا تفرض أعباء مبالغاً فيها على الدول الأطراف في درئها لأخطار تهدد الحياة يمكن التنبؤ بها بصورة معقولة ( ) . ويستلزم هذا من الدول، كواجب من واجبات التصرف، أن تبذل كل ما في وسعها لمحاولة إنقاذ الأشخاص المنكوبين في البحر. وفي هذه القضية، تحمّلت الدولة الطرف المسؤولية الأولى عن تنسيق عملية البحث والإنقاذ في منطقة البحث والإنقاذ التابعة لها. وتكشف وقائع القضية عن أوجه خلل كبيرة شابت عملية الإنقاذ التي قامت سلطات الدولة الطرف بتنسيقها (الفقرتان 4-5 و5-4)، مما أدى إلى موت أكثر من 200 شخص غرقاً، من بينهم 60 طفلاً.

واجب التحقيق في الظروف المحيطة بحادثة الغرق

5- تحتج الدولة الطرف بالقول إنه كان بإمكان أصحاب البلاغ الاستفادة من عدد من وسائل الانتصاف المحلية، في إطار دعاوى مدنية وجنائية معاً، ولكنهم لم يستخدموا وسائل الانتصاف هذه (الفقرة 4-2). ويجادل أصحاب البلاغ بالقول إن من واجب سلطات الدولة الطرف أن تجري تحقيقاً فعالاً بمبادرة منها (الفقرة 5-5). وتقول اللجنة، في تعليقها العام رقم 36، إن من العناصر المهمة في الحماية التي يوفرها العهد للحق في الحياة التزام الدول الأطراف، عندما تعلم أو في حال كان ينبغي عليها أن تعلم بحالة حرمان من الحياة يُحتمل أن يكون غير قانوني، أن تحقق في الحادث وأن تقاضي المسؤولين عنه، عند الاقتضاء ( ) . ورغم أن ما يزيد على 200 شخص كانوا على متن المركب قد ماتوا في هذه الحادثة المأساوية، فإن الدولة الطرف لم تشرع، بعد مرور سبع سنوات أو أكثر، حتى الآن في أي إجراءات قانونية للكشف عن الظروف الدقيقة التي وقعت فيها حادثة الغرق ولم تسائل أي مسؤول عنها.

6- وفي هذا البلاغ، لا يسعى أصحاب البلاغ وراء تعويض أو أي سبيل انتصاف مدني آخر لجبر خسارتهم الشخصية وإنما ما يهمهم هو مساءلة الأشخاص الذين أدى امتناعهم عن الفعل إلى المأساة التي أزهقت أرواح ما يقدر بـ 200 شخص، بمن فيهم أقرباؤهم. وحيثما تحدث وفاة لأسباب غير طبيعية، يكون من واجب الدولة التحقيق في ظروف تلك الوفاة ومقاضاة أي شخص قد يكون مسؤولاً عنها ومعاقبته، سواء أطالب بذلك أقرباء الضحية أم لا. ويكون ذلك الواجب أشد قوة بالأحرى في سياق حادثة بهذا الحجم، التي من المرجح أن تكون نتيجة عدم تنفيذ الدولة الطرف التزاماتها القانونية فيما يتعلق بعمليات البحث والإنقاذ. وعليه، نخلص إلى القول في هذه الظروف إن من واجب الدولة الطرف أن تجري بمبادرة منها تحقيقاً في الأحداث موضوع هذا البلاغ، ولا يجوز المساس بادعاء أصحاب البلاغ في ضوء امتناع السلطات المعنية عن التحقيق. وعليه، نختلف مع أغلبية أعضاء اللجنة الذين وجدوا أن هذا البلاغ غير مقبول بموجب المادة 5(2)(ب) من البروتوكول الاختياري.

7- وبالنظر إلى عدم ممارسة سلطات الدولة الطرف العناية الواجبة في جهودها لإنقاذ مئات الأشخاص المكروبين، الذين لقي العديد منهم حتفهم في نهاية الأمر، فقد وجدنا أن هناك انتهاكاً لحقوق أقرباء أصحاب البلاغ بموجب المادة 6(1)، مقروءة بالاقتران مع المادة 2(3) من العهد.

المرفق الثالث

رأي فردي لعضو اللجنة إيلين تيغرودجا (رأي مخالف)

1- إني غير مقتنعة بالطريقة التي عالجت بها الأغلبية المسائل ذات الأهمية البالغة المتعلقة بعمليات البحث والإنقاذ ومسؤولية الدول التي أثارتها الشكوى الأولى المرفوعة على إيطاليا ومالطة. وانزعاجي من الحل الذي توصلت إليه الأغلبية يستند إلى ثلاثة عناصر.

2- أولاً، قسمت الأغلبية البلاغ الذي قُدم في البداية ضد كل من إيطاليا ومالطة إلى نصفين، وهي بذلك جعلت مسألة تقاسم المسؤولية بين الدولتين المعنيتين بحادثة الغرق أكثر تعقيداً بكثير. فالشكوى الأولى شرحت بوضوح الادعاءات المقدمة ضد إيطاليا وتلك المقدمة ضد مالطة. وبالإضافة إلى ذلك، استند أصحاب البلاغ في تحليلهم المنطقي إلى عدم التعاون والتنسيق فيما بين الدولتين، الأمر الذي أدى إلى العواقب الوخيمة التي اشتملت على موت ما يزيد على 200 شخص. فقد أضاعت الفرصة لبحث وتفسير هذه المسؤولية التي تقتَسمها الدولتان عن التعاون والتنسيق ولتقديم توضيحات فيما يتعلق بالفقرة 63 من التعليق العام رقم 36(2018) للجنة المعنية بحقوق الإنسان بشأن الحق في الحياة، بما يؤكد واجبات الدول في حال وقوع حالة كرب في عرض البحر. وفي هذا السياق المحدد، الذي تحتج فيه الدول في كثير من الأحيان بوجود ثقوب سوداء أو فراغات قانونية للتقليل من واجباتها، كان ينبغي للجنة أن تتمسك بالشكوى بالصيغة التي عرضها بها أصحاب البلاغ والإجابة على حججهم بشكل أدق.

3- ثانياً، أكدت اللجنة في تعليقها العام رقم 36 - المشار إليه في الفقرة 6-5 من هذا البلاغ - أن واجب الدول الأطراف حماية الأرواح في البحار يجب أن يتفق مع التزاماتها الدولية بشأن الإنقاذ في البحار. وقد أوضح أصحاب البلاغ بدقة في شكواهم متن الالتزامات الدولية التي تتناول عمليات البحث والإنقاذ. فأدرجوا كلاً من الاتفاقيات الأساسية - أي اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (المادة 98)، والاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحار، 1974، والاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ في البحار، 1979 - واللوائح التي اعتُمدت بعد ذلك والتي تفسِّر محتوى واجب التعاون وواجب الإنقاذ. وبصورة أدق، أكد أصحاب البلاغ، بالاستناد إلى متن كبير من الاتفاقيات واللوائح التي يشير إليها التعليق العام رقم 36، أنه تم تعزيز واجبي التنسيق والتعاون فيما بين الدول المشارِكة في عمليات البحث والإنقاذ. وفي هذا القرار، ذكرت الأغلبية متناً من اللوائح عفا عليه الزمن. لذلك، فإن التفسير الذي قدمته لواجبات الدول لم يكن مقنعاً قانونياً.

4- ثالثاً - وهذه النقطة مرتبطة بالنقاط السابقة - ركزت الأغلبية في تحليلها المنطقي في هذه القضية على عدم استنفاد أصحاب البلاغ وسائل الانتصاف المحلية المتاحة في مالطة. غير أن أصحاب البلاغ قد شرحوا، في شكواهم الأولى، في عام 2013، أنهم حاولوا الحصول على معلومات من السلطات المالطية بشأن أماكن أفراد أسرهم. وأقر أصحاب البلاغ بأنهم لم يتقدموا رسمياً بدعاوى مدنية أو جنائية أمام السلطات المالطية ولكنه لا يمكن لمالطة أن تتجاهل المأساة بالنظر إلى عدد الوفيات. وفي تلك الظروف، وبالاستناد إلى أن أصحاب البلاغ حاولوا الاستعلام عن أقاربهم في مالطة، فإنهم ادعوا أن من واجب الدولة التحقيق بمبادرة منها. وبالإضافة إلى ذلك، اعتبروا أنه ينبغي ألا ينطبق عبء استنفاد سبل الانتصاف المحلية في هذا السياق الاستثنائي. ولم تأت مالطة، في ردها إلى اللجنة، على ذكر أي محاولة للتحقيق فيما وقع في منطقة البحث والإنقاذ التابعة لها (الفقرتان 4-2 و4-3) بل جادلت مالطة، على العكس من ذلك، بالقول إن حادثة الغرق قد وقعت في أعالي البحار (الفقرة 4-3) حيث لا تمارس أي ولاية قضائية.

5- وقبلت أغلبية أعضاء اللجنة في ردها (الفقرة 6-8) حجة الدولة بعدم استنفاد سبل الانتصاف المحلية - الأمر الذي لم يطعن فيه أصحاب البلاغ - ولكنها لم تتناول الادعاء القائل إن استنفاد سبل الانتصاف لا ينطبق في تلك الظروف الاستثنائية. ونتيجة لذلك، لم تتناول اللجنة مسألة ما إذا كان على مالطة أن تحقق بمبادرة منها، كما لم تتناول، بصورة أشمل، نطاق ومضمون واجب بذل العناية الواجبة الواقع على البلد عندما تزهق أرواح في عرض البحر بسبب عدم التعاون والتنسيق على النحو الواجب وبكفاءة في إطار عمليات البحث والإنقاذ.

6- وإني أرى أنه كان ينبغي دراسة هذا البلاغ ضد مالطة والبلاغ ضد إيطاليا ( ) معاً وفق طلب أصحاب البلاغ. فقد كان من شأن ذلك أن يوضح أكثر أن إخفاقات مالطة في حماية الأشخاص في عرض البحر لم تعالَج بردود أفعال سريعة وبمبادرة من سلطاتها. وفي هذه القضية، لا تكون الدولة قد أخفقت في حماية الأرواح في البحار بموجب المادة 6 من العهد فحسب، وإنما يكون نظامها الداخلي قد أخفق أيضا في التصرف بسرعة وكفاءة وبمبادرة منه.