الأمم المتحدة

CCPR/C/128/D/2893/2016

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

Distr.: General

3 November 2020

Arabic

Original: French

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

آراء اعتمدتها اللجنة بموجب المادة 5 ( 4 ) من البروتوكول الاختياري، بشأن البلاغ رقم 2893/2016* **

المقدم من:

مليكة بن جاعل ومروان ين جاعل (تمثلهما المحامية نصيرة ديتور ، من تجمّع عائلات المفقودين في الجزائر)

الأشخاص المدعى أنهم ضحايا:

صاحبا البلاغ ومراد بن جاعل (ابن مليكة بن جاعل، وشقيق مروان بن جاعل)

الدولة الطرف:

الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ:

8 نيسان/أبريل 2016 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية:

القرار المتخذ عملاً بالمادة 92 من النظام الداخلي للجنة، والمحال إلى الدولة الطرف في 12 كانون الأول/ديسمبر 2016 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء:

27 آذار/مارس 2020

الموضوع:

الاختفاء القسري

المسائل الإجرائية:

استنفاد سبل الانتصاف المحلية

المسائل الموضوعية:

الحق في سبيل انتصاف فعال؛ والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ وحق الفرد في الحرية وفي الأمان على شخصه؛ والكرامة الإنسانية؛ والاعتراف بالشخصية القانونية؛ وانتهاك حرمة المنزل؛ وحرية التجمع

مواد العهد:

2 (الفقرتان 2 و 3 ) و 6 و 7 و 9 و 10 و 14 و 16 و 17 و 21

مواد البروتوكول الاختياري:

2 و 3 و 5 (الفقرة 2 )

1 - صاحبا البلاغ هما مليكة بن جاعل ومروان بن جاعل، الحاملان للجنسية الجزائرية. ويدعيان أن مراد بن جاعل، ابن الأولى وشقيق الثاني، المولود في 12 آب/أغسطس 1967 ، وهو جزائري الجنسية أيضاً، وقع ضحية اختفاء قسري منسوب إلى الدولة الطرف، مما يشكل انتهاكاً للفقرة 3 من المادة 2 وكذلك المواد 6 و 7 و 9 و 10 و 16 من العهد. ويدعي صاحبا البلاغ أن حقوق مليكة بن جاعل بموجب الفقرتين 2 و 3 من المادة 2 ، وكذلك المواد 7 و 14 و 17 و 21 من العهد انتُهكت، كما انتُهكت حقوق مروان بن جاعل بموجب الفقرتين 2 و 3 من المادة 2 والمواد 7 و 9 و 10 و 17 و 21 من العهد. وقد دخل العهد والبروتوكول الاختياري الملحق به حيز النفاذ في الدولة الطرف في 12 كانون الأول/ ديسمبر 1989 . وتمثل صاحبيْ البلاغ المحامية نصيرة ديتور ، من تجمّع عائلات المفقودين في الجزائر.

الوقائع كما عرضها صاحبا البلاغ

2 - 1 في 4 أيار/مايو 1994 ، في الساعة 00 / 11 تقريبا ً ، اعتُقل مراد بن جاعل وصديقه أ. ب. في الجزائر العاصمة على أيدي عناصر تابعين لدائرة الاستعلام والأمن. ووصل هؤلاء العناصر إلى المكان الذي جرى فيه الاعتقال على متن سيارة مغطاة، وكانوا مقنعين ومسلحين ويرتدون زياً مدنياً. وأجبروا الشابيْن على ركوب السيارة بتهديدهما بالسلاح، ومن دون إظهار وثيقة أو مذكرة توقيف صادرة عن جهة رسمية، ودون توضيح أسباب تدخلهم. وقد شهد بعض المارة الواقعةَ.

2 - 2 وفي 6 أيار/مايو 1994 ، الساعة 00 / 2 ، نُشر نحو 20 من أفراد دائرة الاستعلام والأمن، يرتدون زياً مدنياً ويحملون سلاحاً، في منطقة وسط العاصمة. وعند وصولهم إلى منزل عائلة بن جاعل، قدموا أنفسهم على أنهم ضباط شرطة وزعموا أنهم يبحثون عن مراد بن جاعل رغم أنه كان قد اعتُقل قبل يومين على أيدي أفراد تابع ي ن لدائرتهم. وقاموا بتفتيش المنزل من دون إظهار تكليف، وبعثروا كل شيء في طريقهم. واستجوبوا جم ي ع أفراد العائلة واعتقلوا ابنيْ مليكة بن جاعل الآخريْن، كريم ومروان ( ) . وفي 12 أيار/مايو 1994 ، عاد الضباط إلى منزل عائلة بن جاعل لإجراء تفتيش جديد. وكان يرافقهم مروان الذي كان يرتدي سترة شقيقه المفقود. وفي 7 حزيران/ يونيه 1994 ، أُفرج عن أ. ب.، الذي أبلغ مليكة بن جاعل أنه اقتيد هو وابنها، بعد إلقاء القبض عليهما، إلى ثكنة شاتونوف (Châteauneuf) في بن عكنون. وأكد أيضاً أنهما تعرضا للتعذيب.

2 - 3 واحتُجز مروان بن جاعل في ثكنة شاتونوف ، حيث تعرض للتعذيب لمدة أربعة أيام. ولدى وصوله، تمكن من رؤية شقيقه مراد بن جاعل ممدداً على الأرض، مربوطاً بأنبوب في استراحة أحد الممرات. وقد بدا ضعيفاً منهكاً وعلى جسمه كدمات عديدة بسبب ما تعرض له من تعذيب واضح. وخلال الأيام الأربعة التي قضاها في الاحتجاز داخل الثكنة، تمكن مروان من رؤية شقيقه مراد في كل مرة يُقتاد فيها شقيقه عبر الممر إلى غرفة التعذيب. وظل مراد في نفس المكان وفي نفس الحالة خلال كامل تلك الفترة. ولم يقدر قطّ على التحدث إليه.

2 - 4 وبعد أسبوعين من تاريخ اعتقاله، التقى مروان بن جاعل شقيقه مراد في مكتب الضابط م.، وقد تعرف عليه بصعوبة بسبب التشوه الناتج عما تعرض له من تعذيب. ووضع الضابط فتحة المسدس على صدغ مروان وهدده بالقتل إذا أصر مراد على الامتناع عن الكلام. ثم ضغط على الزناد، لكن المسدس لم يكن محشواً. وفي 12 حزيران/ يونيه 1994 ، عُرض مروان على النيابة العامة لدى محكمة سيدي أمحمد في الجزائر العاصمة ( ) ؛ ثم نُقل إلى سجن سركاجي بمقتضى مذكرة إيداع صدرت بحقه ( ) . وأُطلق سراح كريم، وهو الأخ الثالث، في 12 حزيران/ يونيه 1994 من دون محاكمة.

2 - 5 وفي 21 حزيران/ يونيه 1994 ، قدم محامي أسرة بن جاعل شكوى إلى النائب العام لدى محكمة الجزائر العاصمة ( ) . وفوجئت الأسرة، عقب هذه الشكوى، بتلقيها استدعاء من محكمة الحراش مؤرخاً 28 أيار/مايو 1994 ، يتضمن دعوة موجهة إلى مراد بن جاعل لحضور جلسة استماع في 7 حزيران/ يونيه 1994 بسبب محاولة الفرار ( ) . وفي 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1994 ، استُدعيت مليكة بن جاعل من قبل كتيبة الدرك في باب جديد في إطار تحقيق في قضية تهم ابنها. وانتقلت مليكة بن جاعل إلى مقر الكتيبة، لكن المقابلة لم تسفر عن أي نتائج ولم تتبعها إجراءات تُذكر. ثم تلقت مليكة بن جاعل استدعاءين آخرين موجَّهيْن إلى ابنها مراد في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 1995 و 25 كانون الأول/ديسمبر 1995 .

2 - 6 وفي عام 1999 ، تلقت مليكة بن جاعل بياناً من رئيس كتيبة الدرك في باب جديد يفيد بأن ملف مراد بن جاعل قد أُحيل إلى النائب العام لدى محكمة الجزائر العاصمة في 22 أيار/مايو 1999 . وفي عام 2004 ، تلقت استدعاء من كتيبة الدرك في باب جديد في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2004 . وفي 31 آب/أغسطس 2006 ، طلبت الحصول على تقرير عن اختفاء مراد من رئيس الكتيبة الإقليمية للدرك الوطني عملاً بالأحكام الواردة في النصوص التطبيقية لميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وتلقت هذا التقرير المؤرخ 20 أيلول/سبتمبر 2006 عن طريق كتيبة الدرك في البليدة. وفي 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2006 ، رفعت شكوى أخرى إلى النائب العام لدى محكمة الجزائر العاصمة. وفي أعقاب هذه الشكوى، استدعتها قوات الدرك عدة مرات خلال عام 2006 وعام 2007 . وفي كل مرة، طلبت منها قوات الدرك اتخاذ الخطوات اللازمة للحصول على التعويضات التي يخوّلها ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وفي وقت لاحق، تلقت عائلة بن جاعل استدعاءيْن آخريْن موجّهين إلى مراد، الأول بتاريخ 25 نيسان/أبريل 2009 ، والثاني بتاريخ 2 أيار/مايو 2009 .

2 - 7 وفي نهاية عام 2011 ، اكتشفت شقيقة مراد بن جاعل اسم شقيقها في سجلات مقبرة العالية في الجزائر العاصمة. ويرد في السجل أن مراد كان يبلغ من العمر 19 عاماً وقت وفاته، في حين أنه كان في الواقع يبلغ من العمر 27 عاماً يوم اعتقاله؛ وأنه قُتل برصاص جماعات مسلحة في القبة ودُفن في مقبرة مخصصة للإرهابيين. وحصلت على شهادة وفاة من بلدية القبة تفيد بأن موظفاً في مشرحة سانت أوجين (Saint-Eugène) بالجزائر العاصمة هو من صرّح بالوفاة. ووفقا ً لما ذكره الموظف المعني، فإن أفراداً في الشرطة التابعة للمصلحة المركزية لقمع الإجرام أحضروا جثة مراد إلى المشرحة في 7 حزيران/ يونيه 1994 ثم دفنت الجثة في 15 آب/أغسطس 1994 في مقبرة العالية( ).

2 - 8 ونظراً لتضارب المعلومات، قدمت مليكة بن جاعل شكوى في 8 نيسان/أبريل 2013 إلى النائب العام لدى محكمة سيدي أمحمد، طالبةً فتح تحقيق. وفي 3 تشرين الأول/أكتوبر 2013 ، قدمت طلباً إلى محكمة الجزائر العاصمة من أجل الحصول على إذن باستخراج الجثة. وفي أعقاب هذا الطلب، استدعاها النائب العام لدى محكمة سيدي أمحمد في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 وفي 13 كانون الثاني/يناير و 20 شباط/فبراير 2014 . وفي المقابلة الأخيرة، أبلغها المدعي العام بأنه لن يلبي طلب استخراج الجثة وحاول إقناعها باتخاذ الإجراءات اللازمة للحصول على تعويض وفق ما تنص عليه النصوص التطبيقية لميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وفي 26 نيسان/أبريل 2014 ، استُدعيت للحضور بمقر كتيبة الدرك في باب جديد، حيث أبلغها رئيس الكتيبة بأنه تلقى وثيقة من المديرية العامة للدرك الوطني تفيد بأن مراد بن جاعل قُتل في جماعة مسلحة في عام 2006 . فطلبت مليكة بن جاعل نسخة من هذه الوثيقة، لكن رئيس الفرقة أخبرها أنه غير مخوّل إعطاءها إياها.

2 - 9 ولجأت مليكة بن جاعل أيضاً إلى هيئات غير قضائية شتى، بالتوازي مع المساعي التي قامت بها لدى السلطات القضائية، وبعثت رسائل عديدة وأودعت ملفاً لدى اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها ( ) . وفي 8 نيسان/أبريل 2003 ، أرسلت طلبا ً مشتركا ً إلى رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ووزير الداخلية، ووزير العدل، وكذلك إلى اللجنة الاستشارية الوطنية لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها. وفي 12 آب/أغسطس 2004 ، لجأت إلى السلطات المذكورة أعلاه مرة أخرى. ووجهت رسالة إلى مستشار حقوق الإنسان لدى رئاسة الجمهورية، وكتبت مرة أخرى إلى اللجنة الاستشارية الوطنية لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، ورئيس الحكومة، ووزير العدل ( ) . وتلقت أسرة بن جاعل محضر شرطة بتاريخ 19 آب/أغسطس 2009 يتضمن توصية باتباع إجراءات التعويض المنصوص عليها في ميثاق السلم والمصالحة الوطنية.

2 - 10 وتفيد مليكة بن جاعل أيضاً بأنها تعرضت مراراً للاعتقال والعنف خلال مظاهرات سلمية شاركت فيها تلبية لنداء من جمعية " SOS Disparus " ( إغاثة المختفين ) . وأُلقي القبض على صاحبيْ البلاغ وتعرضا لسوء المعاملة عدة مرات خلال تجمعات لأسر المختفين، بما في ذلك في 8 آذار/ مارس 2008 ، بمناسبة الاحتفال باليوم الدولي للمرأة.

2 - 11 ورغم الجهود التي بذلها صاحبا البلاغ، لم يُفتح أي تحقيق لتحليل التناقضات الكبيرة بين المعلومات الواردة في السجلات الرسمية وإفادات السلطات وشهادات الشهود، بما في ذلك أ. ب. ومروان بن جاعل. ويؤكد صاحبا البلاغ أنه لم يعد يجوز لهما قانوناً اللجوء إلى القضاء، بعد صدور الأمر رقم 06 - 01 المؤرخ 27 شباط/فبراير 2006 المتضمن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وبناءً عليه، انعدمت كلياً سبل الانتصاف المحلية، وهي لم تكن مفيدة وفعالة على أي حال. حيث إن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ينص على أن "الأفعال الجديرة بالعقاب المقترفة من قبل أعوان الدولة الذين تمت معاقبتهم من قبل العدالة كلما ثبتت تلك الأفعال، لا يمكن أن تكون مدعاة لإلقاء الشبهة على سائر قوات النظام العام التي اضطلعت بواجبها بمؤازرة من المواطنين وخدمةً للوطن".

2 - 12 ويفيد صاحبا البلاغ بأن الأمر رقم 06 - 01 يمنع من اللجوء إلى القضاء تحت طائلة الملاحقة الجنائية، مما يعفي الضحايا من واجب استنفاد سبل الانتصاف المحلية. ويحظر هذا الأمر تقديم أي شكوى بشأن الاختفاء أو الجرائم الأخرى، حيث إن المادة 45 منه تنص على أنه "لا يجوز الشروع في أي متابعة، بصورة فردية أو جماعية، في حق أفراد قوى الدفاع والأمن للجمهورية، بجميع أسلاكها، بسبب أعمال نفذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات، ونجدة الأمة، والحفاظ على مؤسسات الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية". وبموجب هذا الحكم، تكون الجهة القضائية المختصة ملزمة بعدم قبول كل إبلاغ أو شكوى. وبالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 46 من الأمر نفسه على ما يلي: "يعاقب بالحبس من ثلاث ( 3 ) سنوات إلى خمس ( 5 ) سنوات وبغرامة من 000 250 إلى 000 500 [ دينار جزائري ] كل من يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر، جراح المأساة الوطنية أو يعتد بها للمساس بمؤسسات الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، أو لإضعاف الدولة، أو للإضرار بكرامة أعوانها الذين خدموها بشرف، أو لتشويه سمعة الجزائر في المحافل الدولية. وتباشر النيابة العامة المتابعات الجزائية تلقائياً. وفي حالة العود، تضاعَف العقوبة المنصوص عليها في هذه المادة".

2 - 13 ولم يتمكن مروان بن جاعل من تقديم شكوى أمام المحاكم الوطنية للاعتراض على احتجازه التعسفي أو الحصول على تعويض عن احتجازه غير المبرر. ولم يباشر أي إجراءات قضائية عندما أُطلق سراحه من السجن لأنه كان خائفاً جداً من العودة إلى السجن ولم يكن يرغب في المغامرة. وبالإضافة إلى ذلك، ينص القانون رقم 01 - 8 0 المؤرخ 26 حزيران/ يونيه 2001 ، الذي يقضي بتضمين قانون الإجراءات الجزائية إجراءً يتيح طلب الحصول على تعويض في هذه الحالات، على وجوب تقديم هذا الطلب في غضون ستة أشهر من صدور قرار نهائي بإغلاق ملف القضية أو إطلاق السراح أو التبرئة. ولذلك لم يتمكن مروان بن جاعل من الاستفادة من هذا الحكم الذي دخل حيز النفاذ بعد مضي سنتين على تبرئته. وبسبب ما تعرض له من تعذيب ( ) ، يشعر مروان بن جاعل بأنه مهدد ويخشى أن يتعرض مرة أخرى للتهديد والانتقام على يد السلطات إن قرر أن يباشر أي إجراءات ( ) . ويوضح أنه لم يذكر عند إطلاق سراحه من السجن تعرضه للتعذيب وسوء المعاملة لأنه لا يوجد أي سبيل قانوني للتظلم من التعذيب وسوء المعاملة.

2 - 14 ويشير صاحبا البلاغ إلى أن ملف قضية مراد بن جاعل أُحيل أيضاً إلى الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في 12 أيلول/سبتمبر 2007 .

الشكوى

3 - 1 يدعي صاحبا البلاغ أن مراد بن جاعل وقع ضحية اختفاء وفقاً لتعريف الاختفاء القسري الوارد في المادة 2 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. وعلى الرغم من أن العهد لا يتضمن حكماً محدداً يشير صراحةً إلى حالات الاختفاء القسري، فإن هذه الممارسة تنطوي على انتهاكات للحق في الحياة، والحق في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والحق في الحرية والأمن الشخصي. وفي هذه القضية، يدعي صاحبا البلاغ انتهاك الدولة الطرف للفقرتين 2 و 3 من المادة 2 ، وكذلك المواد 6 و 7 و 9 و 10 و 14 و 16 و 17 و 21 من العهد.

3 - 2 ويرى صاحبا البلاغ أن الأمر رقم 06 - 01 يشكل إخلالاً بالالتزام العام للدولة الطرف المكرّس في الفقرة 2 من المادة 2 من العهد، من حيث أن هذا الحكم يقتضي أيضاً تحمّل الدول الأطراف التزاماً سلبياً بعدم اتخاذ إجراءات منافية لأحكام العهد. وباعتماد الأمر المذكور، لا سيما المادة 45 منه، تكون الدولة الطرف بذلك قد اتخذت إجراء تشريعياً يمنع تلقائياً التمتع بالحقوق المكفولة بموجب العهد ( ) ، لا سيما الحق في إمكانية اللجوء إلى سبيل انتصاف فعال من انتهاكات حقوق الإنسان. ومنذ أن صدر هذا الأمر، تعذر على صاحبي البلاغ اللجوء إلى العدالة. وهما يريان أن الإخلال بالالتزام المنصوص عليه في الفقرة 2 من المادة 2 من العهد، بطريق الفعل أو الامتناع عن فعل، يمكن أن تنشأ عنه المسؤولية الدولية للدولة الطرف ( ) . ويؤكدان أن الشكاوى التي قدماها لم تُثمر أي نتائج رغم المساعي التي بذلاها بعد دخول ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ونصوصه التطبيقية حيز النفاذ. ولذلك، فهما يعتبران أنهما تضررا من هذا الحكم التشريعي الذي يتعارض مع الفقرة 2 من المادة 2 من العهد.

3 - 3 ويضيف صاحبا البلاغ أن أحكام الأمر رقم 06 - 01 تتعارض مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، لأنها تمنع من رفع دعوى جنائية مستقبلاً ضد المشتبه في ارتكابهم جرائم الاختفاء القسري، إذا كانوا من موظفي الدولة. ويمنع هذا الأمر أيضاً اللجوء إلى القضاء لاستجلاء مصير الضحايا، تحت طائلة عقوبة السجن ( ) . وعلى الرغم من المساعي العديدة التي بذلتها مليكة بن جاعل لدى السلطات الإدارية والقضائية قبل اعتماد ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، لم تجر السلطات الجزائرية أي تحقيق فعال وشامل في قضية اختفاء ابنها. وأخيراً، تقضي الفقرة 3 من المادة 2 من العهد بأن توفر الدولة الطرف التعويض لكل شخص انتُهكت حقوقه المكفولة بالعهد ( ) . وتنص المواد من 27 إلى 39 من الأمر رقم 06 - 01 على التعويض المالي فقط، وشريطة صدور حكم بثبوت الوفاة بعد إجراء تحقيق لم يصل إلى نتيجة، وتستبعد المادة 38 أي شكل آخر من أشكال الجبر. ولكن في الممارسة لا يُجرى أي تحقيق في مصير الشخص المختفي ولا بشأن مرتكبي الاختفاء. ويذكّر صاحبا البلاغ بأن اللجنة رأت أن الحق في سبيل انتصاف فعال يشمل بالضرورة الحق في التعويض المناسب والحق في معرفة الحقيقة، وأوصت الدولة الطرف بأن تلتزم بضمان أن يُتاح للأشخاص المختفين و/أو أسرهم سبيل انتصاف فعال وباتخاذ ما يلزم من إجراءات المتابعة، مع الحرص على أن يكون إعمال هذا الحق في التعويض والجبر شاملاً قدر الإمكان ( ) . ولذلك، انتهكت الدولة الطرف الفقرة 3 من المادة 2 من العهد ليس فقط في حق مليكة بن جاعل ومراد بن جاعل، بل أيضاً في حق مروان بن جاعل، الذي حُرم كل إجراء قضائي متاح وفعال يمكّنه من الحصول على جبر للضرر الذي لحقه من جراء احتجازه التعسفي وتعذيبه.

3 - 4 ويشير صاحبا البلاغ إلى التطور الذي طرأ على الاجتهاد القانوني للجنة فيما يخص حالات الاختفاء القسري، ويريان أن مجرد وجود خطر يهدد بأن يفقد الشخص حياته في سياق الاختفاء القسري يشكل سبباً كافياً لاستنتاج وقوع انتهاك مباشر للمادة 6 من العهد. وبالنظر إلى الظروف التي أحاطت بقضية اختفاء مراد بن جاعل، فإنهما يعتقدان أن فرص العثور عليه تتضاءل يوماً بعد يوم. وتوحي ظروف اختفائه والمعلومات المقدمة من السلطات الجزائرية بأنه فارق الحياة أثناء احتجازه. ولذلك، يعتبر صاحبا البلاغ أن الدولة الطرف لم تف بواجبها حماية حق مراد بن جاعل في الحياة وواجبها اتخاذ خطوات للتحقيق فيما حدث له، مما يشكل انتهاكاً للفقرة 3 من المادة 2 مقروءة بالاقتران مع الفقرة 1 من المادة 6 من العهد.

3 - 5 ويشير صاحبا البلاغ إلى الظروف المحيطة باختفاء مراد بن جاعل، وهي الانعدام التام للمعلومات المتعلقة باحتجازه، وحالته الصحية عندما رآه شقيقه في ثكنة شاتونوف ، وحرمانه من الاتصال بأسرته وبالعالم الخارجي، ولهذه الأسباب يعتبران أن مراد بن جاعل تعرض لمعاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة. ويشيران أيضاً إلى أن الاحتجاز التعسفي المطول يزيد من خطر التعرض للتعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وإذ يشير صاحبا البلاغ إلى الاجتهادات السابقة للجنة، يؤكدان أن حالة القلق وعدم اليقين والكرب التي سببها اختفاء مراد بن جاعل تمثل شكلاً من أشكال المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لأسرته. ويعتبران أيضاً أن مروان بن جاعل تعرض للمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة وللتعذيب، دون أن يحصل على سبيل انتصاف متاح فعال. وبناء على ذلك، يدعي صاحبا البلاغ أن الدولة الطرف مسؤولة عن انتهاك حقوق مراد بن جاعل ومروان بن جاعل المكفولة بمجوب المادة 7 من العهد، وعن انتهاك حقوق مراد بن جاعل وأسرته المكفولة بموجب المادة 7 مقروءة بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

3 - 6 ونظراً لأن مراد بن جاعل قد احتُجز بمعزل عن العالم الخارجي دون أن يُسمح له بالاتصال بمحاميه ودون يُبلغ بأسباب اعتقاله أو التهم الموجهة إليه، وأن احتجازه لم يُذكر في سجلات الاحتجاز لدى الشرطة، وأنه لا يوجد سجل رسمي يحدد مكان وجوده أو مصيره، يؤكد صاحبا البلاغ أنه حُرم حقه في الحرية وفي الأمن على شخصه، وأن التحقيقات لم تكن فعالة بالقدر المطلوب. وبناء عليه، يعتبر صاحبا البلاغ أن مراد بن جاعل قد حُرم الضمانات المنصوص عليها في المادة 9 من العهد، بما في ذلك الحصول على سبيل انتصاف فعال، مما يشكل انتهاكاً للمادة المذكورة، منفردةً وبالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 .

3 - 7 ويذكّر مروان بن جاعل بأنه تعرض أيضاً للاحتجاز التعسفي: فقد أُلقي القبض عليه في 6 أيار/مايو 1994 دون أمر قضائي، واستمر احتجازه بمعزل عن العالم الخارجي خمسة وثلاثين يوماً، حُرم خلالها أي اتصال بالعالم الخارجي، ومُنع من الاتصال بمحام. زد على ذلك أنه قضّى عامين ونصف العام قبل مثوله أمام قاض. وفي نهاية المطاف، بُرئت ساحته في إطار طعن بالنقض بعد أن قضى مدة عقوبته في السجن، ولكنه لم يحصل على أي تعويض عن هذا الاحتجاز غير القانوني، مما يشكل انتهاكاً للفقرة 5 من المادة 9 من العهد. ولذلك لم يحصل مروان بن جاعل على سبيل انتصاف متاح وفعال، في انتهاك للفقرة 3 من المادة 2 ، مقروءة بالاقتران مع المادة 9 من العهد.

3 - 8 وإذ يشير صاحبا البلاغ إلى أحكام المادة 10 من العهد، يؤكدان أيضاً أن تقاعس السلطات الجزائرية عن إجراء تحقيق في اختفاء مراد بن جاعل أدى إلى حرمانه حريتَه ومعاملته معاملةً لا إنسانية لا تحفظ كرامته، وهو ما يشكل انتهاكاً لحقوقه المكفولة بموجب المادة 10 من العهد. وهما يعتبران أن المادة نفسها قد انتُهكت في حق مروان بن جاعل، الذي احتُجز سراً ثم قضى مدة في الاحتجاز لدى الشرطة، وحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات دون أي دليل قوي ضده.

3 - 9 وإذ وتشير مليكة بن جاعل إلى أحكام المادة 14 من العهد والفقرة 9 من التعليق العام للجنة رقم 32 ( 2007 ) ، تؤكد أن جميع المساعي التي بذلتها لدى الهيئات القضائية باءت بالفشل. وبالإضافة إلى ذلك، يمنع ميثاق السلام والمصالحة الوطنية، والمادة 45 من الأمر رقم 06 - 01 ، أي إمكانية لرفع دعوى قضائية ضد أعوان الدولة، الأمر الذي حرم مليكة بن جاعل إمكانية عرض قضيتها. ولذلك، انتهكت الدولة الطرف الحقوق التي تكفلها لها المادة 14 من العهد.

3 - 10 ثم يشير صاحبا البلاغ إلى أحكام المادة 16 من العهد والاجتهادات الراسخة للجنة ومؤداها أن تعمّد حرمان شخص ما من حماية القانون لفترة مطوّلة يمكن أن يشكل إنكاراً للشخصية القانونية للشخص إذا كان الشخص في عهدة سلطات الدولة عند ظهوره للمرة الأخيرة، وإذا كانت هناك إعاقة منتظمة لجهود أقاربه الرامية إلى اللجوء إلى سبل انتصاف فعالة، بما في ذلك أمام المحاكم. وفي هذا الصدد، يحيل صاحبا البلاغ إلى الملاحظات الختامية للجنة بشأن التقرير الدوري الثاني للجزائر المقدم بموجب المادة 40 من العهد ( ) ، حيث رأت اللجنة أن الأشخاص المختفين، الذين لا يزالون على قيد الحياة ويخضعون للاحتجاز السري، يُنتهك حقهم في أن يُعترف لهم بالشخصية القانونية، على النحو المنصوص عليه في المادة 16 من العهد. ولذلك، يدفعان بأن السلطات الجزائرية، بإبقاء مراد بن جاعل رهن الاحتجاز دون إبلاغ أسرته وأقاربه رسمياً، حرمته من حماية القانون ومن حقه في الاعتراف بشخصيته القانونية وفي سبيل انتصاف فعال، في انتهاك للمادة 16 من العهد، منفردةً ومقروءةً بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 .

3 - 11 وإذ يذكّر صاحبا البلاغ بأن المادة 17 من العهد تحمي الأفراد من التدخل التعسفي أو غير القانوني في حياتهم الخاصة أو منازلهم أو مراسلاتهم، وإذ يستندان إلى اجتهادات اللجنة، يؤكدان أن ظروف تفتيش قوات الأمن العسكري لمنزلهما بصورة مفاجئة ومن دون إذن قضائي، بعد يومين من إلقاء القبض على مراد بن جاعل، في الوقت الذي لا يوجد أي سبيل انتصاف متاح وفعال، تشكل انتها كاً من جانب الدولة الطرف لحقوقهما المكفولة بموجب المادة 17 من العهد، منفردةً ومقروءةً بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 ( ) .

3 - 12 وأخيراً، يشير صاحبا البلاغ إلى أن المادة 46 من الأمر رقم 06 - 01 تحظر التعبير الجماعي لأسر المختفين والمدافعين عن حقوق الإنسان، بما في ذلك الاجتماعات أو المظاهرات السياسية، في انتهاك للحق في حرية التجمع السلمي المنصوص عليه في المادة 21 من العهد. وبناءً عليه، يؤكدان أن الدولة الطرف انتهكت حقهما في حرية التجمع السلمي.

3 - 13 ويطلب صاحبا البلاغ من اللجنة أن تخلص إلى أن الدولة الطرف قد انتهكت الفقرة 3 من المادة 2 والمواد 6 و 7 و 9 و 10 و 16 من العهد فيما يتعلق بمراد بن جاعل؛ والفقرتين 2 و 3 من المادة 2 والمواد 7 و 14 و 17 و 21 من العهد فيما يتعلق بمليكة بن جاعل؛ والفقرتين 2 و 3 من المادة 2 والمواد 7 و 9 و 10 و 17 و 21 من العهد فيما يتعلق بمروان بن جاعل. إضافةً إلى ذلك، يطلبان إلى اللجنة أن تحث الدولة الطرف على احترام التزاماتها الدولية وإعمال الحقوق المعترف بها في العهد، وكذلك الحقوق المعترف بها في مجمل المعاهدات الدولية لحماية حقوق الإنسان التي صدّقت عليها الجزائر. ويطلبان أيضاً إلى اللجنة أن تحث الدولة الطرف على الإذن بإجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة من أجل ما يلي: ( أ ) العثور على مراد بن جاعل والوفاء بتعهدها بموجب الفقرة 3 من المادة 2 من العهد؛ و ( ب ) تقديم مرتكبي جريمة الاختفاء القسري هذه، من منفذين ومدبرين، إلى السلطات المدنية المختصّة من أجل ملاحقتهم أمام القضاء وفقاً للفقرة 3 من المادة 2 من العهد؛ و ( ج ) جبر الضرر الذي لحق بمراد بن جاعل، إذا كان لا يزال على قيد الحياة، وبصاحبي الشكوى، جبراً كافياً وفعالاً وفورياً وفقاً للفقرة 3 من المادة 2 والمادة 9 من العهد، ويشمل ذلك التعويض المناسب الذي يتناسب مع خطورة الانتهاك، وإعادة التأهيل على أكمل وجه، وضمانات بعدم التكرار. وفيما يتعلق بمروان بن عاجل، يطلب صاحبا البلاغ إلى اللجنة أن تأمر الدولة الطرف بأن تضمن له جبر الضرر الذي لحقه جبراً كافياً وفعالاً وفورياً، وفقاً للفقرة 3 من المادة 2 والمادة 9 من العهد. وفي الأخير، يطلبان إلى اللجنة أن تُلزِم السلطات الجزائرية بإلغاء المواد من 27 إلى 39 والمادتين 45 و 46 من الأمر رقم 06 - 01 .

ملاحظات الدولة الطرف

4 - في 3 نيسان/أبريل 2017 ، دعت الدولة الطرف اللجنة إلى الرجوع إلى المذكرة المرجعية الصادرة عن الحكومة الجزائرية بشأن معالجة مسألة الاختفاء في ضوء تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة، من دون أن ترفق ملاحظاتها بنسخة من هذه المذكرة.

تعليقات صاحبي البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف

5 - 1 في 15 آذار/مارس 2018 ، قدم صاحب البلاغ تعليقاتهما على ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية. وأشارا إلى أن هذه الملاحظات موجهة إلى الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي ولا تر دّ على هذه الشكوى. ويؤكدان في هذا الصدد أن الملاحظات لا تتطرق بتاتا إلى مقبولية البلاغ أو خصائص القضية أو الطعون التي تقدمت بها أسرة الضحية، مما يدل على عدم جدية السلطات الجزائرية وازدرائها للبلاغ المعروض على اللجنة. ويشيران أيضاً إلى أن هذه الملاحظات قد عفا عنها الزمن، لأن تاريخها يعود إلى تموز/يوليه 2009 .

5 - 2 وإذ يشير صاحبا البلاغ إلى أن سبل التظلم التي مارساها لم يسفر أي منها عن إجراء تحقيق فوري أو ملاحقة جنائية، وأن السلطات الجزائرية لم تقدم أي دليل ملموس على بذل جهود فعلية من أجل العثور على مراد بن جاعل وتحديد المسؤولين عن اختفائه، فإنهما يخلصان إلى أنهما استنفدا سبل الانتصاف المحلية المتاحة وأن اللجنة يجب أن تعتبر البلاغ مقبولاً.

5 - 3 وإذ يحيل صاحبا البلاغ إلى الاجتهادات السابقة للجنة التي مفادها أنه لا يجوز الاحتجاج بميثاق السلم والمصالحة الوطنية ضد الأشخاص الذين يقدمون بلاغا ً فرديا ً ، يذكّران بأن أحكام الميثاق لا تمثل بأي شكل من الأشكال استجابة كافية لمسألة حالات الاختفاء، لأن هذه الاستجابة ينبغي أن تقوم على احترام الحق في معرفة الحقيقة، والعدالة، والجبر الكامل.

عدم تعاون الدولة الطرف

6 - تذكّر اللجنة بأن الدولة الطرف طعنت في مقبولية البلاغ في 3 نيسان/أبريل 2017 واستندت في ذلك إلى المذكرة المرجعية الصادرة عن الحكومة الجزائرية بشأن معالجة مسألة الاختفاء في ضوء تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وفي 12 كانون الأول/ديسمبر 2016 و 8 تشرين الأول/أكتوبر و 12 كانون الأول/ديسمبر 2018 ، طُلب إلى الدولة الطرف أن تقدم ملاحظاتها بشأن الأسس الموضوعية للبلاغ. وتلاحظ اللجنة أنها لم تتلق أي رد وتأسف لعدم تعاون الدولة الطرف التي لم تقدم تعليقاتها على هذه الشكوى. والدولة الطرف ملزمةٌ، بموجب الفقرة 2 من المادة 4 من البروتوكول الاختياري، بالتحقيق بحسن نية في جميع الادعاءات المتعلقة بانتهاكات أحكام العهد التي تُنسَب إليها وإلى من يمثلها، وبموافاة اللجنة بما تملكه من معلومات ( ) .

القضايا والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

7 - 1 قبل النظر في أي شكوى ترد في بلاغ ما، يتعين على اللجنة، وفقاً للمادة 97 من نظامها الداخلي، أن تحدد ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد.

7 - 2 وقد تأكدت اللجنة، وفقاً لما تنص عليه المادة 5 ( 2 )( أ ) من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة نفسها ليست قيد البحث في إطار إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية. وتشير اللجنة إلى أن الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي قد أُبلغ بحالة الاختفاء هذه. إلاّ أنها تذكّر بأن إجراءات أو آليات مجلس حقوق الإنسان الخارجة عن نطاق الاتفاقيات والتي تتمثل ولايتها في دراسة حالة حقوق الإنسان في بلد أو إقليم محدد، أو فحص ظواهر تتعلق بانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، من جهة أولى، وتقديم تقارير عن تلك الحالات والانتهاكات، من جهة أخرى، لا تندرج عموماً ضمن إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية بالمعنى المقصود في الفقرة 2 ( أ ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري ( ) . ولذلك ترى اللجنة أن نظر الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في حالة مراد بن جاعل لا يجعل هذا البلاغ غير مقبول بمقتضى هذه المادة.

7 - 3 وتحيط اللجنة علماً بما أكده صاحبا البلاغ من أنهما استنفدا جميع سبل الانتصاف المتاحة في حالة اختفاء مراد بن جاعل. وتلاحظ أن الدولة الطرف تكتفي، في معرض الطعن في مقبولية البلاغ، بالإحالة إلى المذكرة المرجعية الصادرة عن الحكومة الجزائرية بشأن معالجة مسألة الاختفاء في ضوء تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وفي هذا الصدد، تشير اللجنة إلى أنها كانت قد أعربت عن قلقها في عام 2018 لأن الدولة الطرف تجاهلت طلباتها المتكررة وظلت تحيل بصورة منهجية إلى وثيقة عامة نموذجية تعرف باسم "مذكرة"، من دون الرد على ادعاءات أصحاب البلاغات على نحو محدد. وبناءً على ذلك، حثت اللجنة الدولة الطرف على أن تتعاون معها بحسن نية في إطار إجراء البلاغات الفردية والتوقف عن الإحالة إلى "المذكرة"، وتقديم رد محدد وفردي بشأن ادعاءات أصحاب البلاغات ( ) .

7 - 4 وتذكّر اللجنة بأن واجب الدولة الطرف لا يقتصر على إجراء تحقيقات شاملة في انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة التي تُبلَّغ بها سلطاتها، ولا سيما ما تعلّق منها بانتهاك الحق في الحياة، فحسب، بل من واجبها أيضاً ملاحقة كل شخص يُزعم أنه ضالعٌ في هذه الانتهاكات ومحاكمته ومعاقبته ( ) . وقد أخطرت أسرة مراد بن جاعل مراراً السلطات المختصة في الدولة الطرف باختفائه القسري. بيد أن السلطات لم تجر تحقيقاً فعالاً وشاملاً في هذا الاختفاء. زد على ذلك أن الدولة الطرف لم تقدم أي دليل على أن الإمكانية قائمة لممارسة سبيل انتصاف فعال ومتاح. ويضاف إلى ذلك أن الأمر رقم 06 - 01 لا يزال نافذاً رغم أن اللجنة أكدت على ضرورة مواءمته مع مبادئ العهد ( ) . وفي هذا الصدد، تذكر اللجنة أيضاً بأنها كانت قد أشارت في ملاحظاتها الختامية على التقرير الدوري الرابع للدولة الطرف إلى أنها تأسف على وجه الخصوص لعدم توفير سبيل انتصاف فعال للأشخاص المختفين و/أو أسرهم، وعدم اتخاذ تدابير لاستجلاء حقيقة اختفاء الأشخاص المفقودين، وتحديد مكان وجودهم وإعادة رفات من توفي منهم إلى أسرته ( ) . وفي ضوء هذه الظروف، ترى اللجنة أنه لا شيء يمنعها من النظر في البلاغ وفقاً للفقرة 2 (ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

7 - 5 ثم تلاحظ اللجنة أن مروان بن جاعل نفسه يدعي أنه وقع ضحية احتجاز تعسفي وتعرض خلال فترة الاحتجاز للتعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة دون أن يتاح له سبيل انتصاف فعال للمطالبة بجبر ما لحقه من ضرر بعد أن قضت المحكمة بتبرئته. وفي هذا الصدد، يستشهد بالقانون رقم 01 - 08 الذي عدّل قانون الإجراءات الجزائية في عام 2001 ، ويوضّح أنه لم يرفع دعوى أمام المحاكم المحلية احتجاجاً على احتجازه التعسفي وما تعرض له من تعذيب ومعاملة قاسية ولا إنسانية ومهينة بسبب خوفه من الانتقام ولأنه لم يكن هناك سبيل للانتصاف من هذه الانتهاكات.

7 - 6 وبخصوص استنفاد مروان بن جاعل سبلَ الانتصاف المتاحة محلياً، تكرر اللجنة ما أكدته سابقاً ومؤداه أن الدولة الطرف ليس من واجبها فقط إجراء تحقيقات شاملة في ما تُبلَّغ به سلطاتها من انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان، لا سيما إذا تعلّق الأمر بانتهاك الحق في الحياة، وإنما من واجبها أيضاً ملاحقة كل من يُزعم ضلوعه في هذه الانتهاكات ومحاكمته ومعاقبته ( ) . وفي هذا الصدد، تشير اللجنة إلى أنها قد أعربت، في ملاحظاتها الختامية على التقرير الدوري الرابع للجزائر، عن القلق إزاء انخفاض عدد الملاحقات والعقوبات ضد الضباط المدانين بأعمال التعذيب وسوء المعاملة، وكذلك إزاء حالات الاحتجاز التعسفي التي لا تخضع، فيما يبدو، للتحقيق أو الملاحقة القضائية ( ) . ولم تقدم الدولة الطرف أي دليل على أن الأشخاص الذين يجدون أنفسهم في مثل هذه الحالات، مثل مروان بن جاعل، لايزال باستطاعتهم ممارسة سبيل انتصاف متاح وفعال. وفي ظل هذه الظروف، ترى اللجنة أنه لا شيء يمنعها من النظر في ادعاءات مروان بن جاعل وفقاً للفقرة 2 (ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

7 - 7 وتلاحظ اللجنة أن صاحبيْ البلاغ أشارا إلى انتهاك حقوقهما المكفولة بموجب الفقرتين 2 و 3 من المادة 2 من العهد. وإذ تشير اللجنة إلى اجتهاداتها السابقة التي رأت فيها أن أحكام المادة 2 من العهد تضع التزامات عامة على الدول الأطراف، ولا يمكن أن تشكل بمفردها أساسا يمكن الاستناد إليه لتقديم دعوى منفصلة بموجب البروتوكول الاختياري، إذ لا يمكن الاحتجاج بها إلا بالاقتران مع المواد الموضوعية الأخرى المنصوص عليها في العهد، فإنها تعتبر أن ادعاءات صاحبيْ البلاغ بموجب الفقرتين 2 و ( 3 ) من المادة 2 من العهد غير مقبولة بمقتضى المادة 3 من البروتوكول الاختياري ( ) .

7 - 8 وتلاحظ اللجنة أن صاحبيْ البلاغ أثارا أيضاً انتهاك المادة 21 من العهد. غير أنها ترى أن صاحبيْ البلاغ لم يثبتا ادعاءاتهما بما فيه الكفاية في هذا الصدد، وتلاحظ أنهما لم يتخذا على ما يبدو أي إجراء أمام المحاكم الوطنية فيما يتعلق بادعاءات انتهاك حريتهما في التظاهر. وبناء عليه، تعتبر اللجنة أن هذا الجزء من البلاغ غير مقبول بموجب المادة 2 والفقرة 2 (ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

7 - 9 غير أن اللجنة ترى أن صاحبيْ البلاغ قدما ما يكفي من الأدلة لإثبات ادعاءاتهما الأخرى لأغراض المقبولية، وتشرع في النظر في الأسس الموضوعية للادعاءات المتعلقة بانتهاك الفقرة 3 من المادة 2 ، والفقرة 1 من المادة 6 والمواد 7 و 9 و 10 و 14 و 16 و 17 من العهد.

النظر في الأسس الموضوعية

8 - 1 نظرت اللجنة في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي تلقتها، وفقاً لما تقتضيه الفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

8 - 2 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف اكتفت بالإشارة إلى ملاحظاتها الجماعية والعامة التي كانت قد قدّمتها سابقاً إلى الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، وإلى اللجنة نفسها فيما يتعلّق ببلاغات أخرى، وذلك من أجل تأكيد موقفها الذي مفاده أنه سبق تسوية مثل هذه القضايا في إطار تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وتحيل اللجنة إلى اجتهاداتها السابقة وإلى ملاحظاتها الختامية على التقرير الدوري الرابع للجزائر وتذكِّر بأنه لا يجوز للدولة الطرف أن تحتج بأحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ضد أشخاص يحتجون بأحكام العهد أو قدموا أو يمكن أن يقدّموا بلاغات إلى اللجنة. وتقضي أحكام العهد بأن تبدي الدولة الطرف حرصا ً على مصير كل شخص وبأن تعامل كل شخص معاملة تحترم كرامة الإنسان الأصيلة فيه. ونظراً إلى أن الدولة الطرف لم تُدخل التعديلات التي أوصت بها اللجنة، فإن الأمر رقم 06 - 01 يُسهم في الإفلات من العقاب في هذه القضية، ولذلك لا يمكن اعتباره متفقاً مع أحكام العهد ( ) .

8 - 3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم ترُد على ادعاءات صاحبيْ البلاغ بشأن الأسس الموضوعية، وتذكّر اللجنة باجتهاداتها السابقة ومفادها أن عبء الإثبات لا يجب أن يقع على عاتق صاحب البلاغ وحده، خاصة أن صاحب البلاغ لا يتساوى دائماً مع الدولة الطرف في إمكانية الحصول على أدلة الإثبات، وأن المعلومات اللازمة تملكها الدولة الطرف دون غيرها في معظم الأحيان ( ) . والدولة الطرف ملزمةٌ، بموجب الفقرة 2 من المادة 4 من البروتوكول الاختياري، بالتحقيق بحسن نية في جميع الادعاءات المتعلقة بانتهاكات أحكام العهد التي تُنسَب إليها وإلى من يمثلها، وبموافاة اللجنة بما تملكه من معلومات ( ) . وفي حال لم تقدم الدولة الطرف أي توضيح في هذا الشأن، فإنه يتعين إيلاء ادعاءات صاحب البلاغ الاهتمام الواجب ما دامت معللة بما فيه الكفاية.

8 - 4 وتذكّر اللجنة بأنه على الرغم من أن مصطلح "الاختفاء القسري" لا يرد صراحة في أي مادة من مواد العهد، فإن الاختفاء القسري يشكل مجموعة فريدة ومتكاملة من الأفعال التي تمثل انتهاكاً مستمراً لعدة حقوق مكرسة في هذا الصك، مثل الحق في الحياة والحق في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب العقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وحق الفرد في الحرية وفي الأمان على شخصه ( ) .

8 - 5 وتلاحظ اللجنة أن مراد بن جاعل شوهد آخر مرة من قبل أخيه مروان بن جاعل وصديقه أ. ب. في نهاية أيار/مايو 1994 ، وكان ذلك أثناء احتجازه في ثكنة شاتونوف في بن عكنون. وتحيط علماً كذلك بالمعلومات العديدة المتضاربة بشأن وفاة مراد بن جاعل المزعومة، وبالاستدعاءات التي أرسلت باسمه، مما يوحي بأن السلطات الجزائرية كانت لا تزال تعتبره على قيد الحياة بعد تاريخ وفاته المزعومة كما يبيّنه التقرير المتعلق بالاختفاء الصادر باسمه. وتلاحظ اللجنة كذلك أن الدولة الطرف لم تقدم أي معلومات تسمح بتحديد مصير مراد بن جاعل، ولم تؤكد قط أنها تحتجزه. وتذكّر اللجنة بأن سلب الشخص حريته ثم رفض الاعتراف بذلك، أو رفض الكشف عن مصير الشخص المختفي يعني، في حالات الاختفاء القسري، حرمان هذا الشخص من حماية القانون وتعريض حياته لخطر مستمر وجسيم تكون الدولة مسؤولة عنه ( ) . وفي هذه القضية، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي معلومات من شأنها أن تبيّن أنها أوفت بالتزامها بحماية حياة مراد بن جاعل. وبناءً عليه، تخلص اللجنة إلى أن الدولة الطرف قد أخلَّت بالتزامها بحماية حياة مراد بن جاعل، وهو ما يشكل انتهاكاً للفقرة 1 من المادة 6 من العهد.

8 - 6 وتقر اللجنة بحجم المعاناة التي يكابدها الشخص من جراء احتجازه لأجلٍ غير مسمى مع حرمانه من الاتصال بالعالم الخارجي. وتذكّر اللجنة بتعليقها العام رقم 20 ( 1992 ) بشأن حظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، الذي أوصت فيه الدول الأطراف باتخاذ تدابير تمنع الاحتجاز السري. وتلاحظ في هذه القضية أن مروان بن جاعل هو آخر من شاهد شقيقَه مراد بن جاعل في ثكنة شاتونوف في أيار/مايو 1994 ، وأن الأسرة، بمن فيها صاحبا البلاغ، لم تتمكن بعد ذلك من الحصول على أي معلومات عن مصير مراد بن جاعل أو مكان احتجازه على الرغم من طلباتها المتكررة إلى السلطات المختصة في الدولة الطرف. ولذلك، ترى اللجنة أن مراد بن جاعل، الذي اختفى في 4 أيار/مايو 1994 وشوهد حياً في نهاية أيار/مايو 1994 ، قد احتجزته السلطات الجزائرية في الحبس الانفرادي خلال تلك الفترة الزمنية على الأقل. ونظراً إلى أن الدولة الطرف لم تقدم أي توضيح بهذا الخصوص، ترى اللجنة أن اختفاء مراد بن جاعل يشكل انتهاكاً لحقوقه المكفولة بموجب المادة 7 من العهد ( ) .

8 - 7 وتلاحظ اللجنة أن مروان بن جاعل احتُجز أيضاً بمعزل عن العالم الخارجي لمدة خمسة وثلاثين يوماً. ونظراً إلى أن الدولة الطرف لم تقدم أي توضيح بهذا الخصوص، ترى اللجنة أن احتجازه هذا بمعزل عن العالم الخارجي يشكل انتهاكاً لحقوقه المكفولة بموجب المادة 7 من العهد.

8 - 8 وفي ضوء ما تقدّم، لن تنظر اللجنة في الادعاءات المتعلقة بانتهاك المادة 10 من العهد على حدة ( ) .

8 - 9 وتحيط اللجنة علماً أيضاً بحالة القلق والشدة التي يسببها اختفاء مراد بن جاعل لصاحبيْ البلاغ وأسرتهما منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً. وترى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف أيضاً عن انتهاك المادة 7 من العهد في حق صاحبيْ البلاغ ( ) .

8 - 10 وفيما يتعلق بالادعاءات المتصلة بانتهاك المادة 9 من العهد، تحيط اللجنة علماً بمزاعم صاحبيْ البلاغ التي مفادها أن مراد بن جاعل ومروان بن جاعل قد اعتُقلا تعسفاً دون أمر قضائي ولم توجه إليهما تهمة ولم يقدَّما إلى سلطة قضائية حتى يتسنى لهما الطعن في قانونية احتجازهما. وبالنظر إلى أن الدولة الطرف لم تقدم أي معلومات عن هذه المسألة، ترى اللجنة أنه يجب إيلاء ادعاءات صاحبيْ البلاغ ما تستحقه من اعتبار ( ) . وعليه، تخلص اللجنة إلى حدوث انتهاك للمادة 9 من العهد في حق مراد بن جاعل ومروان بن جاعل ( ) .

8 - 11 وتلاحظ اللجنة أيضاً ادعاءات مليكة بن جاعل بأن الصعوبات التي اعترضتها للوصول إلى السلطات القضائية في الدولة الطرف تشكل انتهاكاً للمادة 14 من العهد. وتذكر اللجنة بتعليقها العام رقم 32 ، الذي رأت فيه أن عدم تمكُّن أحد الأفراد بصورة منهجية من الوصول إلى المحاكم أو الهيئات القضائية المختصة سواء أكان ذلك بحكم القانون أو بحكم الأمر الواقع يُعد مخالفاً للضمان الوارد في الجملة الأولى من الفقرة 1 من المادة 14 من العهد. وفي هذه القضية، تلاحظ اللجنة أن جميع المساعي التي بذلتها صاحبة البلاغ من أجل عرض قضيتها على السلطات القضائية قد باءت بالفشل. وتحيل إلى ملاحظاتها الختامية على التقرير الدوري الرابع للجزائر، التي أعربت فيها عن قلقها إزاء المادتين 45 و 46 من الأمر رقم 06 - 01 ، وهما مادتان تنتهكان حق كل شخص تعرض لانتهاكات حقوق الإنسان في اللجوء إلى سبيل انتصاف فعال ( ) . ويشمل هذا الحق أيضاً الحق في اللجوء إلى محكمة، على النحو المنصوص عليه في الفقرة 1 من المادة 14 من العهد. وبناءً عليه، ترى اللجنة أن الدولة الطرف قد أخلَّت بالتزامها بأن تكفل لمليكة بن جاعل إمكانية الوصول إلى محكمة، مما يشكل انتهاكاً لأحكام الفقرة 1 من المادة 14 من العهد.

8 - 12 وترى اللجنة كذلك أن حرمان الشخص عمداً من حماية القانون يشكل إنكاراً لحق هذا الشخص في أن يُعترف له بالشخصية القانونية، ولا سيما عندما توضع عراقيل بصورة منهجية من أجل تعطيل الجهود التي يبذلها أقارب الضحية في إطار ممارسة حقهم في الوصول إلى سبيل انتصاف فعال ( ) . وفي هذه القضية، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي توضيح بشأن مصير مراد بن جاعل ولا بشأن مكان وجوده، على الرغم من المساعي التي بذلها أقاربه، وعلى الرغم أيضاً من أنه كان في عهدة سلطات الدولة الطرف عندما شوهد آخر مرة. وتخلص اللجنة إلى أن اختفاء مراد بن جاعل قسراً منذ ما يزيد على خمسة وعشرين عاماً قد حرمه من حماية القانون ومن حقه في أن يُعترف له بشخصيته القانونية، وهو ما يشكل انتهاكاً للمادة 16 من العهد.

8 - 13 وفيما يتعلق بادعاء صاحبيْ البلاغ انتهاكَ المادة 17 من العهد، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي عنصر يبرر أو يشرح سبب دخول العسكريين في منتصف الليل بالقوة ودون أمر إلقاء قبض إلى منزل أسرة مراد بن جاعل. وتخلص اللجنة إلى أن دخول موظفي الدولة إلى منزل أسرة مراد بن جاعل في ظل هذه الظروف يشكل تدخلاً غير مشروع في منزلهم، وهو ما يشكل انتهاكاً للمادة 17 من العهد ( ) .

8 - 14 ويدعي صاحبا البلاغ أيضاً حدوث انتهاك للفقرة 3 من المادة 2 من العهد، مقروءةً بالاقتران مع المواد 6 و 7 و 9 و 16 و 17 من العهد، التي تُلزم الدول الأطراف بأن تكفل لكل فرد سبل انتصاف يسهل الوصول إليها وتكون فعالة وواجبة الإنفاذ من أجل إثبات حقوقه المكفولة بموجب العهد. وتُذكِّر اللجنة بأنها تعلق أهمية على إنشاء الدول الأطراف آليات قضائية وإدارية مناسبة لمعالجة الشكاوى المتعلقة بانتهاكات الحقوق التي يكفلها العهد ( ) . وتذكّر بتعليقها العام رقم 31 ( 2004 ) بشأن طبيعة الالتزام القانوني العام المفروض على الدول الأطراف في العهد، الذي تشير فيه على وجه الخصوص إلى أن عدم قيام الدولة الطرف بالتحقيق في الانتهاكات المزعومة قد يفضي، في حد ذاته، إلى انتهاك مستقل للعهد.

8 - 15 وفي هذه القضية، أخطرت مليكة بن جاعل السلطات المختصة مراراً باختفاء ابنها دون أن تجري الدولة الطرف تحقيقاً شاملاً ودقيقاً في حالة الاختفاء، ودون موافاة صاحبيْ البلاغ بأي معلومات عن سير عمليات البحث والتحقيق، أو عن مصير مراد بن جاعل. وعلاوة على ذلك، فإن عدم توفر إمكانية قانونية للجوء إلى هيئة قضائية بعد صدور الأمر رقم 06 - 01 يحرم مراد بن جاعل وصاحبيْ البلاغ حتى الآن من أي فرصة للوصول إلى سبيل انتصاف فعال لأن هذا الأمر يمنع عليهما اللجوء إلى العدالة لاستجلاء ملابسات أشد الجرائم خطورة، مثل جرائم الاختفاء القسري ( ) . وتخلص اللجنة إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن حدوث انتهاكٍ للفقرة 3 من المادة 2 ، مقروءةً بالاقتران مع المواد 6 و 7 و 9 و 16 من العهد، في حق مراد بن جاعل، وللفقرة 3 من المادة 2 ، مقروءةً بالاقتران مع المادتين 7 و 17 من العهد، في حق صاحبيْ البلاغ.

9 - واللجنة، إذ تتصرف بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، ترى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن ارتكاب الدولة الطرف انتهاكات لحقوق مراد بن جاعل المكفولة بموجب المواد 6 و 7 و 9 و 16 من العهد، وكذلك الفقرة 3 من المادة 2 مقروءةً بالاقتران مع المواد 6 و 7 و 9 و 16 من العهد. وترى اللجنة أيضاً أن الدولة الطرف قد انتهكت حقوق مليكة بن جاعل المكفولة بموجب المادة 7 والمادة 17 ، منفردتيْن ومقروءتيْن بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، وبموجب المادة 14 من العهد.

10 - والدولة الطرف مُلزمة، بموجب الفقرة 3 ( أ ) من المادة 2 من العهد، بتوفير سبيل انتصاف فعال لصاحبيْ البلاغ. ويقتضي منها ذلك أن توفر جبراً كاملاً للأشخاص الذين انتُكت حقوقهم المكفولة لهم بموجب العهد. وفي هذه القضية، تُلزم الدولة الطرف بما يلي: ( أ ) إجراء تحقيق سريع وفعال وشامل ومستقل ونزيه وشفاف في اختفاء مراد بن جاعل وموافاة صاحبيْ البلاغ بمعلومات مفصلة عن نتائج هذا التحقيق؛ و ( ب ) الإفراج فوراً عن مراد بن جاعل إن كان لا يزال محبوساً انفرادياً في مكان سري؛ و ( ج ) إعادة رفات مراد بن جاعل، في حالة وفاته، إلى أسرته في ظروف تحفظ الكرامة، وفقاً للمعايير والتقاليد الثقافية للضحايا؛ و ( د ) ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات المرتكبة ومحاكمتهم ومعاقبتهم؛ و ( ه ) جبر الضرر الذي لحق بصاحبيْ البلاغ وبمراد بن جاعل، إن كان على قيد الحياة، جبراً كاملاً، ويشمل ذلك التعويض المناسب؛ و ( و ) اتخاذ تدابير ملائمة لترضية صاحبيْ البلاغ. و ( ز ) ضمان وصول مروان بن جاعل إلى إجراءات التعويض عن الضرر الذي لحق به نتيجة تبرئته في 22 نيسان/ أبريل 1999 . وعلى الرغم من سريان الأمر رقم 06 - 01 ، يتعين على الدولة الطرف أيضاً أن تحرص على أن يمارس ضحايا جرائم مثل التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري حقهم في سبيل انتصاف فعال من دون عراقيل. والدولة الطرف ملزمةٌ أيضاً باتخاذ تدابير تمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات في المستقبل. وفي هذا الصدد، ترى اللجنة أن الدولة الطرف ينبغي لها أن تعيد النظر في تشريعاتها وفقاً للالتزام الواقع على عاتقها بموجب الفقرة 2 من المادة 2 من العهد، وأن تلغي على وجه الخصوص أحكام الأمر المذكور التي تتنافى مع أحكام العهد، حتى يتس نى التمتع بالحقوق المكرسة في العهد تمتعاً كاملاً في الدولة الطرف.

11 - ولما كانت الدولة الطرف، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، قد أقرت باختصاص اللجنة بالبتّ فيما إذا كان العهد قد انتُهك أم لا، وتعهدت، بمقتضى المادة 2 من العهد، بأن تكفل لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها أو الخاضعين لولايتها الحقوق المعترف بها في العهد وأن توفر لهم سبيل انتصاف فعالاً وقابلاً للإنفاذ في حالة ثبوت الانتهاك، فإن اللجنة تودّ أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون 180 يوماً، معلومات عن التدابير المتخذة لإعمال آراء اللجنة هذه. والدولة الطرف مدعُوَّة أيضاً إلى إعلان هذه الآراء ونشرها على نطاق واسع بلغاتها الرسمية.