الأمم المتحدة

CCPR/C/123/D/2747/2016

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

Distr.: General

7 December 2018

Arabic

Original: English and French

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

آراء اعتمدتها اللجنة بموجب المادة 5(4) من البروتوكول الاختياري، بشأن البلاغ رقم 2747/2016 * ** ***

بلاغ مقدم من : صونيا ياكر (يمثلها المحامي روجر كالاس)

الشخص المدعى أنه ضحية : صاحبة البلاغ

الدولة الطرف : فرنسا

تاريخ تقديم البلاغ : 22 شباط/فبراير 2016 (تاريخ الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية : قرار المقبولية الصادر في 26 تموز/يوليه 2017

تاريخ اعتماد الآراء : ١٧ تموز/يوليه ٢٠١٨

الموضوع : الحق في حرية الدين؛ المعاملة التمييزية ضد الدين وضد أعضائه

المسائل الإجرائية : المقبول ي ة، بحث المسألة في إطار إجراءٍ آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية؛ استنفاد سبل الانتصاف المحلية

المسائل الموضوعية : حرية الدين؛ عدم التمييز

مواد العهد : ١٨ و٢٦

مواد البروتوكول الاختياري : 5(2)(أ) و(ب)

١ - ١ صاحبة البلاغ هي صونيا ياكر، وهي مواطنة فرنسية مولودة في عام 1974 وتقطن مدينة سان دوني بفرنسا. وتدعي صاحبة البلاغ أنها ضحية انتهاك فرنسا لحقوقها بموجب المادت ين 18 و26 من العهد ( ) . ويمثلها المحامي روجر كالاس.

١ - ٢ ودخل البروتوكول الاختياري الأول للعهد حيز النفاذ بالنسبة لفرنسا في ١٧ أيار/ مايو ١٩ ٨٤. وقد أبدت فرنسا تحفظاً بشأنه ( ) .

١ - ٣ وفي 5 أيلول/سبتمبر 2016، أبلغ المقرر الخاص المعني بالبلاغات الجديدة والتدابير المؤقتة الدولة الطرف وصاحبة البلاغ بقراره النظر في مقبولية البلاغ بمعزل عن أسسه الموضوعية وفقاً للفقرة 3 من المادة ٩٧ من النظام الداخلي للجنة.

الوقائع كما عرضتها صاحبة البلاغ

٢ - ١ صاحبة البلاغ مسلمة وترتدي النقاب. وقد استوقفت في ٦ تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠١١ للتحقق من هويتها أثناء ارتدائها النقاب في الشارع في مدينة نانت. ثم حوكمت وأدينت بارتكاب مخالفة بسيطة تتمثل في ارتداء ملابس تخفي وجهها في مكان عام.

٢ - ٢ ثم حكمت المحكمة المحلية في مدينة نانت ( ) على صاحبة البلاغ في ٢٦ آذار/ مارس ٢٠١٢ بغرامة مالية قدرها 150 يورو، وهي أشد عقوبة على هذه المخالفة منصوص عليها في القانون رقم 2010 - 1192 المؤرخ 11 تشرين الأول/أكتوبر 2010. وينص هذا القانون في مادته الأولى على ما يلي: "لا يجوز لأي شخص كان ارتداء ملابس بقصد إخفاء الوجه في الأماكن العامة". وتنص المادة ٢ من هذا القانون، التي تحدد نطاق تطبيق هذه المادة، على أن "المراد بالأماكن العامة هو الطرق والممرات العامة، والأماكن المفتوحة للجمهور أو المخصصة لتقديم خدمة عامة". وينص هذا القانون أيض اً على أن "الحظر المنصوص عليه في المادة الأولى لا ينطبق إذا كانت الأحكام القانونية أو التنظيمية تلزم برداء ما أو تجيزه [...]، أو إذا كان للرداء ما يبرره لأسباب صحية أو مهنية، أو إذا كان جزءاً من الممارسات الرياضية، أو من الأعياد، أو المناسبات الفنية أو التقليدية".

٢ - ٣ وتنص المادة ٣ من هذا القانون على أن العقوبة المفروضة عن ارتكاب هذه المخالفة هي "الغرامة المقررة على المخالفات من الدرجة الثانية" و/أو "الإلزام بحضور دورة تدريبية في المواطنة". وأرسى القانون أيض اً المخالفة الأكثر خطورة المتمثلة في إجبار الشخص على إخفاء وجهه والتي أدرجت في المادة 225 - 4 - 10 من القانون الجنائي، على النحو التالي: "كل من أجبر شخصاً أو عدة أشخاص على إخفاء وجههم بالتهديد، أو العنف، أو الإكراه، أو سوء استخدام السلطة، أو النفوذ على أساس نوع الجنس يُعاقب بالسجن عاماً واحداً وغرامة قدرها ٠٠٠ ٣٠ يورو. وإذا كان هذا الفعل ضد شخص قاصر، فتُضاعف العقوبة إلى السجن لمدة سنتين وغرامة قدرها ٠٠٠ ٦٠ يورو".

٢ - ٤ وتطعن صاحبة البلاغ، على أساس المادة ١٨ من العهد، في الحظر المفروض على إخفاء الوجه في الأماكن العامة، الذي يحرم الراغبات في ارتداء النقاب من ذلك.

٢ - ٥ وفيما يتعلق بالخطوات التي اتخذتها صاحبة البلاغ، فقد طعنت في هذا الحكم أمام الدائرة الجنائية لمحكمة النقض لأن قرار القاضي المحلي لا يخضع للاستئناف. ودفعت صاحبة البلاغ بأن القانون رقم 2010 - 1192 الذي يحظر ارتداء ملابس تخفي الوجه في الأماكن العامة، ويشكل الأساس القانوني للمخالفة التي أدينت بسببها، يتنافى مع المادة ٩ من ‎‎اتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية‏‏ (الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان) التي تحمي حق الفرد في المجاهرة بدينه. وفيما يتعلق بالأسس الموضوعية، احتجت صاحبة البلاغ أيضاً بادعاء مفاده أن هذا القانون يتسم بطابع تمييزي، ودعت محكمة النقض إلى التحقق مما إذا كان "ينتهك التعددية بالتمييز ضد ممارسة للدين الإسلامي تتبعها أقلية".

٢ - ٦ ورفضت الدائرة الجنائية لمحكمة النقض في قرارها المؤرخ ٣ نيسان / أبريل ٢٠١٣ طعن صاحبة البلاغ، وذلك لأن "الاحتجاج بوقوع انتهاك للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، بما أنه لم يُعرض على قاضي المحكمة الابتدائية وأنه يشتمل على دليل وقائعي إضافي، يشكل عنصر اً جديد اً ومن ثم فهو غير مقبول". وقد كان هذا القرار نهائياً. وتدعي صاحبة البلاغ أنها استنفدت جميع سبل الانتصاف المحلية المتاحة.

٢ - ٧ وتشير صاحبة البلاغ إلى أنها لم تحظ بمساعدة محام أمام المحكمة المحلية في مدينة نانت، وأن هذا الإجراء سريع للغاية ويقوم به قاض منفرد ليس حتى قاضي اً محترف اً بصفة عامة، وأن الإجراء غير قابل للطعن، وإلا لكانت قد تمكنت من الدفع في الطعن باحتجاجات تتعلق بما هو مكفل لها من حرية الدين وبالطابع التمييزي للقانون.

٢ - ٨ وتضيف صاحبة البلاغ أن محكمة النقض حين قضت بأن "الاحتجاج بوقوع انتهاك للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، بما أنه لم يُعرض على قاضي المحكمة الابتدائية، وأنه يشتمل على دليل وقائعي إضافي، فإنه يشكل عنصر اً جديد اً ومن ثم فهو غير مقبول"، تكون قد أخطأت في تطبيق المادة 619 من قانون الإجراءات المدنية التي تنص على أنه: "لا تُقبل الأسس الجديدة أمام محكمة النقض. لكن يمكن الاحتجاج في المرة الأولى، ما لم يكن هناك حكم ينص على خلاف ذلك، بما يلي: (1) الأسس القانونية الخالصة؛ و(2) الأسس المرتكزة على القرار المطعون فيه".

٢ - ٩ وترى صاحبة البلاغ أنه لما كان الأساس المحتج به، أي عدم توافق قانون ما، يشكل "أساس اً قانوني اً خالصا ً "، فإن الطعن في حظر ارتداء النقاب أمام محكمة النقض كان مقبولاً تماماً، بصرف النظر عن إتيان الاحتجاج بعنصر جديد. وتستشهد صاحبة البلاغ بمثال الرقابة اللاحقة على دستورية القوانين؛ التي بات يتسنى إجراؤها في مرحلة الطعن بالنقض اعتبار اً من عام 2010؛ وتضيف صاحبة البلاغ أن التقييم المجرد لما إذا كان قانون ما متفق اً مع الدستور أم لا يندرج بطبيعته ضمن "القانون الخالص" دون أي اعتبار لظروف قضية معينة. ووفقاً لصاحبة البلاغ، فإن الشيء نفسه ينطبق على تقييم توافق أي قانون محلي، بالقدر نفسه من الموضوعية، في مقابل أحد الالتزامات التعاهدية.

٢ - ١٠ وهكذا، تدعو صاحبة البلاغ اللجنة إلى الانتهاء إلى أنه لا يمكن الاحتجاج بعدم المقبولية ضدها في هذه القضية، لأن الأسس التي احتجت بها أمام محكمة النقض لا تشكل دليل اً إضافي اً يتعلق بوقائع وجوانب قانونية، وإنما يتعلق بـ "أسس قانونية خالصة".

٢ - ١١ وقدمت صاحبة البلاغ طلباً إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ٢٤ حزيران/ يونيه ٢٠١٣ تدعوها فيه إلى الانتهاء إلى وقوع انتهاك للمادتين 6(1)، و9 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. وأعلنت المحكمة في جلستها المعقودة في الفترة من 21 آب/ أغسطس 2014 إلى 4 أيلول/سبتمبر 2014، برئاسة قاض منفرد، أن طلبها غير مقبول على أساس "عدم استيفاء شروط المقبولية المنصوص عليها في المادتين 34 و35 من الاتفاقية".

الشكوى

٣ - ١ ترى صاحبة البلاغ أن حظر إخفاء وجهها في الأماكن العامة، وإدانتها بارتداء النقاب يشكلان انتهاك اً لحقوقها بموجب المادتين ١٨ و٢٦ من العهد.

٣ - ٢ وفيما يتعلق بالمادة ١٨، فإن ارتداء النقاب أو البرقع هو بمثابة ارتداء لملابس تعتبر من عادات شريحة من شرائح المسلمين. وهو سلوك مدفوع بمعتقدات دينية. وبناء على ذلك، فارتداء النقاب إنما هو أداء لشعيرة وممارسة دينية، والمادة ١٨ من العهد تكفل حرية المجاهرة بالدين، ولو لم يكن ارتداء النقاب أو البرقع فريضة دينية مشتركة بين جميع فئات المسلمين الممارسين لدينهم. وتشير صاحبة البلاغ إلى تعليق اللجنة العام رقم ٢٢(1993) بشأن الحق في حرية الفكر والوجدان والدين الذي بموجبه "لا يقتصر اتباع طقوس الدين أو العقيدة وممارستهما على الشعائر فحسب بل إنه قد يشمل أيضاً عادات مثل اتباع قواعد غذائية، والاكتساء بملابس أو أغطية رأس متميزة". وبناء على ذلك، فإن ارتداء النقاب أو البرقع يُعدُّ ارتداء لملابس ترتبط بتقاليد شريحة من المسلمين، وهو عمل يستند إلى عقيدة دينية تتمثل فعلي اً في أداء شعيرة وممارسة دينية، والمادة 18 من العهد تكفل المجاهرة بالدين.

٣ - ٣ ووفق اً لصاحبة البلاغ، من الواضح أن الدولة تتدخل في الحرية الدينية لأقلية من النساء المسلمات اللاتي يرتدين النقاب - واللاتي لا يتجاوز عددهن 000 2 امرأة حسب بعثة برلمانية عكفت على دراسة هذا الموضوع. وتذكّر صاحبة البلاغ في هذا الصدد بالتحفظ الذي قدمه المجلس الدستوري الفرنسي بشأن أماكن العبادة في قراره الصادر في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2010 ( ): "ليس لحظر إخفاء الوجه في الأماكن العامة، دون إخلال مفرط بالمادة 10 من إعلان عام ١٧٨٩، أن يُقيد ممارسة الحرية الدينية في دور العبادة المفتوحة للجمهور". ووفقاً لصاحبة البلاغ، يتعين الاعتراف على العكس من ذلك بأن المشرِّع قيَّد فعلي اً حريتها الدينية في بقية الأماكن العامة.

٣ - ٤ وتشير صاحبة البلاغ إلى الاجتهادات السابقة للجنة، لا سيما الحكم الصادر في قضية سينغ ضد فرنس ا ( ) ، حيث خلصت اللجنة إلى أن أحكام المادة ١٨ انتُهكت في حالة تدخل حدث مرة واحدة وجرى خلاله التقاط صورة شمسية لشخص عاري الرأس بغية تجديد تصريح إقامته. وترى صاحبة البلاغ أن حظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة يمثل بالأحرى تدخلاً فعلياً في حريتها الدينية يجبرها على الظهور باستمرار دون نقابها.

٣ - ٥ وتضيف صاحبة البلاغ أن القيود المفروضة على المادة ١٨ ليست لها مبررات مقبولة كتلك المنصوص عليها في المادة ١٨(3) من العهد. وإذا كانت هناك قيود ينص عليها القانون، فلا هي ضرورية ولا هي متناسبة مع الغرض المنشود. فأول اً وقبل كل شيء، لم تحدد السلطة التشريعية بوضوح الهدف المتوخى منها. ثم إن القانون رقم ٢٠١٠ - ١١٩٢ لا يتضمن أي بيان للغرض، ولا يقدم أي معلومات عن أسسه القانونية؛ بل إنه لا يشير إلى قرار البرلمان المؤرخ ١١ أيار/مايو ٢٠١٠، الذي أكدت فيه الجمعية الوطنية أن ارتداء النقاب يتنافى مع مبادئ الجمهورية الفرنسية ( ) . ويبين الاستعراض السريع لنشأة هذا القانون أن الرغبة السياسية في حظر ارتداء النقاب، من حيث المبدأ، هي التي بررت وحدها نص هذا القانون ( ) ؛ مما يسلب القانون كل هدف مشر وع بالمعنى المقصود في المادة 18 (3) من العهد. ومن ثم، فإن انعدام الهدف المشروع يقوض وجود الضرورة نفسها.

٣ - ٦ وحتى لو افتُرض أن هذا الهدف قد حُدد، فلا يمكن اعتبار هذا القيد ضروري اً ومتناسب اً. وتحتج الدولة ( ) بأن القانون رقم ٢٠١٠ - ١١٩٢ يسعى إلى تحقيق هدفين رئيسيين هما: المساواة بين الرجل والمرأة، وحماية النظام العام. ومع ذلك، لا يمكن لهذين الهدفين أن يبررا انتهاك حق صاحبة البلاغ في المجاهرة بدينها.

٣ - ٧ فبادئ ذي بدء، لا يمكن الربط بين هدف تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، في حد ذاته، وأي من الأغراض المنصوص عليها في الفقرة ٣ من المادة ١٨. وقد ذكرت اللجنة، في تعليقها العام رقم ٢٢ (الفقرة 8)، أنه لا يُسمح بفرض قيود لأسباب غير منصوص عليها في الفقرة ٣. وتضيف صاحبة البلاغ أن إجبار المرأة التي ترغب في ارتداء النقاب في الأماكن العامة على خلعه يمثل قاعدة من قواعد الملبس مفروضة على النساء؛ وأن المقصد الذي يعزى إلى النساء المعنيات فيما يتعلق بعدم المساواة بين الجنسين إنما يستند إلى أحكام مسبقة ربما كانت لدى البعض بشأن أسلوب حياة سكان بعينهم. ولا توجد امرأة واحدة ترتدي النقاب تساند عدم المساواة بين الرجل والمرأة.

٣ - ٨ وأما حماية النظام العام، فهو الأساس الوحيد الذي كان للسلطة التشريعية أن تستند إليه لو أنها اختارت، وفقاً لرأي بعض أعضاء البرلمان، قصر حظر ارتداء النقاب على أماكن ومناسبات معينة، أو فرض التزام بالكشف عن الوجه عند اللزوم لأغراض التحقق من الهوية. لكن هذا لم يكن الاختيار الذي وقعت عليه الحكومة الفرنسية.

٣ - ٩ وتشير صاحبة البلاغ إلى أن أحد اً لم يزعم قط أن النساء اللاتي يرتدين البرقع أو النقاب، وهن قلة قليلة على أية حال، يهددن السلامة العامة، أو يُشِعن الفوضى في النظام العام. ولئن كان يمكن الدفع بصورة مشروعة بأنه يجب، في ظروف محددة بعينها، أن يكون من الممكن التعرف على هوية الأشخاص في الأماكن العامة بكشف وجوههم، فإنه لا يمكن تصور أن يكون هذا الإلزام ب ـ "الكشف عن الوجه" دائم اً ومطلقاً. ولا يمكن القبول إلا بقيود ظرفية. ولا يمكن وصف الحظر الذي نص عليه القانون رقم ٢٠١٠ - ١١٩٢ بأنه ضروري لحماية النظام العام، لأن هذا الحظر يتسم بطابع عام.

٣ - ١٠ وعلى أية حال، فإن هذا الحظر غير متناسب مع الهدف المنشود منه لأنه حظر دائم، ويشمل جميع الأماكن العامة، ويشكل انتهاكه مخالفة جنائية. وتشير صاحبة البلاغ أيضاً إلى أن ارتداء النقاب، الذي يمثل طريقة ستر الوجه المستهدفة على وجه التحديد من المشروع والمناقشات التي سبقت اعتماد هذا القانون، لا يمكن السماح به أبداً على ما يبدو بموجب الاستثناءات المنصوص عليها في المادة 2 - ثانياً من القانون رقم 2010 - 1192 ( ) .

٣ - ١١ وتشير صاحبة البلاغ إلى أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في حكمها ذي الصلة في قضية س. أ. س. ضد فرنسا ، رفضت الهدف المتمثل في حماية القانون العام والسلامة العامة الذي احتجت به فرنسا، مستندة في ذلك إلى مبدأ التناسب ( ) . وتخلص صاحبة البلاغ، بناء على ذلك، إلى أن حظر ستر الوجه في الأماكن العامة غير ضروري لحماية النظام العام والسلامة العامة، ما دام من الواضح أنه غير متناسب مع الهدف المنشود.

٣ - ١٢ وفيما يتعلق بالطلب المقدم في إطار المادة 26، تدفع صاحبة البلاغ بأن تطبيق القانون رقم 2010 - 1192 يؤدي إلى تمييز غير مباشر لأنه يهدد فعلي اً ممارستها لحرية الدين وحرية التنقل. فالقانون لا يعامل صاحبة البلاغ بنفس الطريقة التي يعامل بها بقية السكان. فهو يرغمها على عدم ارتداء النقاب في الأماكن العامة إذا كانت لا تريد التعرض لعقوبة جنائية، بينما كان القيام بذلك بالنسبة لها واجب اً ديني اً. ولما كانت الطريقة الوحيدة لارتدائها النقاب هي تجنب الخروج من المنزل وارتياد الأماكن العامة، فإن ذلك يقيد حريتها في التنقل التي تكفلها لها على نحو التحديد المادة 12 من العهد.

٣ - ١٣ ولئن كان من المفترض أن ينطبق القانون رقم 2010 - 1192 دون تفرقة على أي شخص يخفي وجهه في الأماكن العامة، فيبقى الواقع أن من أثره التمييز بشكل غير مباشر ضد النساء اللاتي يرتدين النقاب. وتشهد المناقشات التي سبقت اعتماد هذا القانون بوضوح على أنه اتخذ حلاً قانونياً عاماً لحظر ارتداء النقاب على وجه التحديد. ويتأكد هذا التمييز غير المباشر أيضاً من الأرقام المتعلقة بتنفيذ هذا القانون الذي يُفترض أن يشمل أي نوع من أنواع إخفاء الوجه بما في ذلك الخوذات أو أقنعة التزلج على الجليد ( ) .

٣ - ١٤ وأخير اً، تكرر صاحبة البلاغ أن هناك ٠٠٠ ٢ امرأة يرتدين النقاب في فرنسا. وهن يشكلن أكثر من نصف الأشخاص الذين تعرضوا للتحقق من الهوية بموجب هذا القانون، الأمر الذي يدل على أنهن يتعرضن للتفتيش على نحو غير متناسب.

٣ - ١٥ وبناء على ذلك، تدعي صاحبة البلاغ انتهاك المادتين 18 و 26 من العهد.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية

٤ - ١ في 17 أيار/مايو 2016، قدمت الدولة الطرف ملاحظاتها بشأن المقبولية، وطلبت إلى اللجنة رفض البلاغ على أساس أنه غير مقبول.

٤ - ٢ تلاحظ الدولة الطرف أنه قد ثبت في مناسبتين أن صاحبة البلاغ أُدينت بارتداء زي لإخفاء وجهها في مكان عام، أي نقاباً على وجه التحديد. وحكمت عليها المحكمة المحلية في مدينة نانت في كلتا المناسبتين بغرامتين قدرهما 140 و150 يورو على التوالي في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وفي 26 آذار / مارس 2012. فهكذا حُكم على صاحبة البلاغ في 21 تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١١ بغرامة قدرها ١٤٠ يورو لارتدائها زياً أخفى وجهها فيِ مكان عام، وهي مخالفة بموجب أحكام القانون رقم 2010 - 1192. وقد سُجلت هذه المخالفة في حملة مرورية. وفي ٢٦ آذار/مارس ٢٠١٢، حكم القاضي المحلي مرة أخرى على صاحبة البلاغ بدفع غرامة قدرها ١٥٠ يورو عن ارتكاب مخالفة مماثلة، بعد أن رفضت خلع نقابها أمام نقطة التفتيش الأمني لدخول المحكمة التي كانت ستبت في مخالفتها الأولى. ولم تحضر صاحبة البلاغ أياً من جلستي المحكمة.

٤ - ٣ وقدمت صاحبة البلاغ طلبين بإعادة النظر في الحكمين المذكورين أعلاه أمام الدائرة الجنائية التابعة لمحكمة النقض. ولم تحتجّ صاحبة البلاغ بأن القانون رقم 2010 - 1192، الذي يمثل الأساس القانوني للمخالفتين اللتين حوكمت بمقتضاهما، يتعارض مع المادتين 9 و14 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان إلا أمام محكمة النقض.

٤ - ٤ وتدفع الدولة الطرف بأن اللجنة سبق أن أشارت إلى أن شرط استنفاد سبل الانتصاف المحلية لم يستوف لأن المرة الأولى التي تقدمت فيها صاحبة البلاغ بشكواها المعروضة على اللجنة كانت أمام محكمة النقض. وأعلنت المحكمة الوطنية العليا عدم قبول هذا السبب على أساس أنه لم يُحتج به أمام المحكمة الابتدائية ( ) .

٤ - ٥ وتلاحظ الدولة الطرف أن الطلب الذي قدمته صاحبة البلاغ أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان استند إلى الوقائع نفسها المقدمة إلى اللجنة، وأن صاحبة البلاغ أُبلغت، في ١١ أيلول/سبتمبر 2014، بأن طلبها غير مقبول بموجب المادتين ٣٤ و٣٥ من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. وتذكّر الدولة الطرف بالتحفظ الذي أبدته عند تصديقها على البروتوكول الاختياري على المادة 5(2)(أ). وتُذكر الدولة الطرف أيضاً بالممارسة التي تتبعها اللجنة والتي تفيد بأنه لا يمكن اعتبار أن هيئة دولية أخرى "تبحث" القضية إذا كانت القضية قد رُفضت لأسباب إجرائية بحتة. بل إن قرار عدم المقبولية الذي يستند إلى النظر في أسسها الموضوعية، ولو كان محدوداً، يشكل بحث اً لها بموجب المادة 5(2)(أ).

٤ - ٦ وفي هذه القضية، لا يشير قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الموجه إلى السيدة ياكر والقاضي بعدم مقبولية طلبها إلى أسباب عدم مقبوليته. ومع ذلك، يمكن الإشارة إلى أن المادتين ٣٤ و٣٥ من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان حددتا ستة أسباب لعدم المقبولية، وهي: (أ) إذا تم تجاوُز مهلة تقديم الطلب المحددة بستة أشهر، وذلك ابتداء من تاريخ اتخاذ القرار المحلي النهائي؛ و(ب) إذا كانت الشكوى مجهولة المصدر؛ و(ج) إذا كانت القضية قيد النظر بالفعل بموجب إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية؛ و(د) إذا لم تكن سبل الانتصاف المحلية قد استنفدت؛ و(ه) إذا تبين بشكل ظاهر أن الطلب يستند إلى أسس واهية أو أنه تعسفي؛ و(و) إذا لم يكن قد لحق ضرر بالغ بصاحب الطلب.

٤ - ٧ وبالنظر إلى أن الطلب قد قُدم إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في غضون ستة أشهر وبشكل حصري وعن طريق مصدر غير مجهول، وأن الضرر المزعوم كان بالغاً وفقاً للمعنى المحدد في المادة ٣ 5 من الاتفاقية، فإن الدولة الطرف ترى أنه يترتب على ذلك ضمني اً، ولكن ليس بالضرورة، أن المحكمة الأوروبية رفضت هذا الطلب لعدم استنفاد سبل الانتصاف المحلية فحسب، أو لأنه اعتُبر بشكل ظاهر واهي اً أو تعسف اً.

٤ - ٨ وفي الحالة الأولى، ترى الدولة الطرف أنه لا يمكن أن تصل اللجنة إلى استنتاج آخر غير استنتاج المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؛ وتلاحظ الدولة الطرف أن صاحبة البلاغ إنما أشارت للمرة الأولى إلى أن رفض المحكمة يشكل انتهاك اً للمادتين 18 و 26 من العهد أمام محكمة النقض. وبناء على ذلك، وعلى غرار ما فعلته اللجنة في قضية ب. سينغ ، ينبغي للجنة أن تعلن عدم مقبولية هذا الطلب لعدم استنفاده سبل الانتصاف المحلية.

٤ - ٩ وفي الحالة الثانية، إذا كانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد رفضت طلب اً تعتبره واهي اً بشكل ظاهر، فلا بد وأنها قد بحثت دعاوى مقدمي الطلب، وهذا يعني أنها راجعت الأسس الموضوعية للقضية. وكان هذا أيض اً سيترك اللجنة بلا ولاية قضائية، بسبب التحفظ المقدم من فرنسا.

٤ - ١٠ ولا يمكن قبول الحجة القائلة بأن القضية الحالية لا تنطبق عليها الحالة نفسها. فالطلب يتعلق بالوقائع نفسها وبالظروف نفسها التي قُدمت إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وبالإضافة إلى ذلك، تثير هذه القضية المسائل نفسها. ونتيجة لذلك، ينبغي للجنة أن تعلن عدم مقبولية البلاغ.

تعليقات صاحبة البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية

٥ - ١ أشارت صاحبة البلاغ في ٢٠ تموز/يوليه ٢٠١٦ إلى أنه ليس لديها أي تعليقات إضافية تبديها، بعد أن عرضت بإسهاب حجة المقبولية القانونية في بلاغها الأولي.

٥ - ٢ ومع ذلك، تنوه صاحبة البلاغ إلى استخفاف الدولة الطرف التي أكدت أن الضرر بالغ بالمعنى المحدد في المادة 35 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان، لكنها طلبت إلى اللجنة عدم النظر في الأسس الموضوعية للطلب، بينما وقعت صاحبة البلاغ بالفعل ضحية لإنكار العدالة أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ومحكمة النقض الفرنسية.

قرار اللجنة بشأن المقبولية

٦ - ١ نظرت اللجنة في مقبولية البلاغ في 26 تموز/يوليه 201 7 .

٦ - ٢ ولاحظت اللجنة أن صاحبة البلاغ قدمت طلب اً يتعلق بالأحداث نفسها أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وأنها كانت قد أُبلغت في رسالة مؤرخة ١١ أيلول/سبتمبر ٢٠١٤ بأن قاضي اً منفرداً أعلن "عدم مقبولية الطلب لعدم استيفاء شروط المقبولية المبينة في المادتين ٣٤ و٣٥ من الاتفاقية". وذكّرت اللجنة بأن فرنسا أبدت تحفظ اً، عند تصديقها على البروتوكول الاختياري، يستبعد اختصاص اللجنة فيما يتعلق بالقضايا التي سبق النظر فيها - أو لا يزال النظر فيها قائم اً - بموجب إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية. غير أن اللجنة لاحظت من الرسالة الموجهة من المحكمة أنه لا يبدو أن عدم مقبولية طلب صاحبة البلاغ قد أُعلن لأسباب إجرائية محضة، وأنه لا يبدو من الطابع المقتضب لتعليل المحكمة أن هناك حجة أو توضيحات تتعلق بقرار عدم المقبولية قد قُدمت إلى صاحبة البلاغ لتبرير رفض الطلب استناد اً إلى الأسس الموضوعية. وبناء عليه، ترى اللجنة أنها ليست في وضع يسمح لها بأن تبت يقيناً فيما إذا كانت القضية التي تعرضها صاحبة البلاغ قد حظيت، ولو بشكل محدود، ببحث لأسسها الموضوعية ( ) ، بالمعنى المحدد في التحفظ الذي أبدته فرنسا. ولهذه الأسباب، ترى اللجنة أن التحفظ الذي أبدته فرنسا بشأن المادة 5(2) من البروتوكول الاختياري لا يشكل، في حد ذاته، عائقاً يحول دون نظر اللجنة في الأسس الموضوعية.

٦ -٣ وفيما يتعلق بشرط استنفاد سبل الانتصاف المحلية المنصوص عليه في المادة 5(2) ( ب) من البروتوكول الاختياري، لاحظت اللجنة أن صاحبة البلاغ لم ترفع شكواها الموضوعية بانتهاك حقوقها، المعروضة حالياً على اللجنة، إلا في أثناء طلبها الطعن في الحكم أمام الدائرة الجنائية لمحكمة النقض التي خلصت إلى عدم قبول الأسباب لأنه كان ينبغي الاحتجاج بها أمام المحكمة الأدنى درجة. ومع ذلك، لاحظت اللجنة أيض اً ما ذكرته صاحبة البلاغ من أن الفرصة الوحيدة التي سنحت لها لطرح ادعاءاتها قبل تقديمها إلى محكمة النقض كانت إثارتها أمام المحكمة المحلية. وأشارت صاحبة البلاغ في هذا الصدد إلى أن إجراءات المحكمة المحلية كانت سريعة للغاية، وأن المحكمة كانت مكونة من قاض منفرد، ليس عامة ً بقاض محترف، وأنها لم تحصل على مساعدة من محام. وتدفع صاحبة البلاغ كذلك بأن تقديم ادعاءاتها إلى محكمة النقض كان سليم اً، بما أنها كانت تستند، كما في قضايا مراجعة الدستورية اللاحقة، إلى أسباب "قانونية خالصة" بالمعنى المحدد في المادة 619 من قانون الإجراءات المدنية.

٦ -٤ ولاحظت اللجنة أن الدولة الطرف لم تعترض على هذه الادعاءات، لا سيما تلك المتعلقة بالإجراءات أمام المحكمة المحلية، وبإتاحتها، وفعاليتها فيما يتعلق بحالة صاحبة البلاغ. ولاحظت اللجنة كذلك أن المحكمة المحلية مكان عام، يشكل ارتداء النقاب فيه مخالفة جنائية بموجب القانون، وأن الدولة الطرف أشارت في ملاحظاتها إلى أن صاحبة البلاغ عندما حاولت حضور جلسة محكمة القاضي المحلي، حُكم عليها للمرة الثانية بدفع غرامة لأنها رفضت خلع نقابها خلال التفتيش الأمني، وأنها لم تحضر الجلسة في نهاية المطاف. ولاحظت اللجنة أيضاً أن قضية ب. سينغ ضد فرنسا التي احتجت بها الدولة الطرف لا تتعلق بإجراء جنائي يتعين فيه ضمان الحق في الطعن، وأن صاحب البلاغ في هذه القضية أتيحت له فرصة تقديم شكاواه أمام محكمتين أدنى درجة قبل محاولته طرح شكاوى جديدة أمام محكمة النقض. وعلى النقيض من ذلك، ارتأت اللجنة في القضية الحالية أن صاحبة البلاغ لم تتمكن من إعادة النظر في شكاواها أمام محكمة أخرى غير محكمة النقض ( ) ، وخلصت إلى أن سبل الانتصاف المحلية المتاحة بشكل معقول قد استنفدت.

٦ -٥ وأعلنت اللجنة أن البلاغ مقبول بقدر ما يطرح مسائل تتصل بالمادتين 18 و26 من العهد.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن الأسس الموضوعية

٧ -١ تدفع الدولة الطرف في ملاحظاتها بشأن الأسس الموضوعية للبلاغ المؤرخة ١٦ أيلول/سبتمبر ٢٠١٦، بأن القانون رقم ٢٠١٠ - ١١٩٢ اعتمدته الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ مع اعتراض صوت واحد فقط، بعد مناقشة ديمقراطية واسعة النطاق. وأنشئت لجنة برلمانية في هذا السياق، جمعت بين ممثلين منتخبين من جميع الأطياف السياسية، وشرعت في الاستماع إلى الآراء المختلفة للعديد من الأشخاص من داخل المجتمع المدني، بمن فيهم مسلمون وغير مسلمين.

٧ -٢ وتفيد الدولة الطرف بأن الجمعية الوطنية اتخذت قرار اً في ١١ أيار/مايو ٢٠١٠ - قبل اعتماد هذا قانون - ينص على أن "الممارسات الأصولية التي تقوض الكرامة والمساواة بين الرجل والمرأة، ومن بينها النقاب، تتنافى مع قيم الجمهورية"، ويدعو إلى اتباع جميع الوسائل المناسبة "لضمان توفير حماية فعالة للنساء اللاتي يعانين من الإكراه أو الضغط، ولا سيما أولئك اللاتي يجبرن على ارتداء النقاب" ( ) .

٧ -٣ وتشير الدولة الطرف إلى أن الحظر العام المنصوص عليه في القانون محدود للغاية في هدفه، بما أنه لا يتعلق إلا بإخفاء الوجه. وعلاوة على ذلك، فإن هذا التدبير ضروري للدفاع عن المبادئ التي حفزت على اعتماده، والعقوبات المقترنة به متناسبة، حيث إن الهيئة التشريعية قد أولت الأولوية لاتباع نهج تثقيفي. وهكذا، يحقق هذا الحق، وفق اً للدولة الطرف، توازن اً معقول اً بين الحفاظ على المبادئ الأساسية في المجتمع الديمقراطي وحرية ارتداء الملابس وفق اً لدين الشخص أو معتقداته الأخرى.

٧ -٤ وتشدد الدولة الطرف على أنها ليست الوحيدة التي تحظر ارتداء الملابس التي تخفي الوجه في الأماكن العامة. فالبرلمان الاتحادي في بلجيكا أقر حظر اً متطابق اً، بينما أقر أيضاً مجلس نواب البرلمان الإيطالي مشروع قانون لهذا الغرض.

٧ -٥ وتضيف الدولة الطرف أن الحظر المنصوص عليه بموجب هذا القانون يشمل جميع الملابس التي يتمثل الغرض منها في إخفاء الوجه في الأماكن العامة، بغض النظر عن كيفية تحقيق ذلك أو السبب فيه. ولا تطبق أي معاملة خاصة فيما يتعلق بالملابس الجاري ارتداؤها لأسباب دينية أو ثقافية. ومع ذلك، فنظر اً لأن بعض الملابس التي تهدف إلى إخفاء الوجه ترتدى لأسباب دينية، فقد يُنظر إلى الحظر على أنه "قيد" مفروض على حرية الفرد في المجاهرة بدينه أو معتقده (العادات الخارجية).

٧ -٦ وتدفع الدولة الطرف بأن القيد المعني، في هذه القضية، منصوص عليه في القانون، وأن له هدف اً مشروع اً، وأنه متناسب سعي اً إلى تحقيق ذلك الهدف المشروع. والحظر المفروض والاستثناءات المنصوص عليها منه مذكورة بعبارات واضحة ودقيقة. وتضيف الدولة الطرف أن التعميم المؤرخ ٢ آذار/مارس ٢٠١١ يقدم شرح اً شامل اً لنطاق القانون وترتيبات تنفيذه، اقترنت به حملة إعلامية في الأماكن العامة، وتوزيع للمنشورات في الأماكن الإدارية التعليمية، وموقع شبكي تثقيفي. وتؤكد الدولة الطرف كذلك أن القانون ينص على فترة ستة أشهر بين سنه ودخوله حيز النفاذ؛ ولذا، فهو يفي بشرط القابلية للتنبؤ، وكانت صاحبة البلاغ على علم بأنها معرضة للعقوبة.

٧ -٧ ويتمثل الهدفان المشروعان للقانون المطعون فيه في حماية حقوق الآخرين وحرياتهم وحماية النظام العام، وهما هدفان منصوص عليهما في المادة ١٨(٣) من العهد. ووفق اً للدولة الطرف، فإن هذين الهدفين محددان بوضوح في بيان الغرض من هذا القانون، الذي يعيد التأكيد على قيم الجمهورية ومتطلبات العيش مع اً. وفي هذا الصدد، خلصت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في حكمها الصادر في قضية س. أ. س . ضد فرنسا إلى أنه لا يمكن تبرير الحظر إلا بقدر ما يهدف إلى ضمان شروط "العيش معا ً " التي وصفتها حكومة فرنسا بأنها احترام المتطلبات الدنيا للحياة في المجتمع. وتحتج الدولة الطرف بأن الأماكن العامة هي المكان الرئيسي الذي فيه تحدث الحياة الاجتماعية ويتواصل الناس فيما بينهم. ويؤدي الوجه في هذه التفاعلات الاجتماعية دور اً مهم اً لأنه ذلك الجزء من الجسد الذي يعكس إنسانية المرء المشتركة مع من يتحاور معه. ولا يقتصر إظهار الوجه على الإشارة إلى قبوله لأن يتعرف عليه الشخص المتحاور معه، بل إنه يشير أيض اً إلى عدم إخفاء الإطار الذهني لتفاعله معه بصورة غير عادلة، ومن ثم فإنه مظهر يدل على الحد الأدنى من الثقة الضرورية للعيش معاً في مجتمع قائم على المساواة والانفتاح مثل فرنسا. ويحول إخفاء الوجه دون تحديد هوية الشخص، ومن المرجح أن يضعف التفاعل بين الأفراد ويقوض شروط العيش معاً في ظل التنوع.

٧ -٨ وتدفع الدولة الطرف بأن ضمانها للسلامة العامة والنظام العام يحتم عليها التمكن من تحديد هوية جميع الأفراد عند الضرورة من أجل تفادي المخاطر التي تهدد أمن الأشخاص أو الممتلكات ومن أجل مكافحة انتحال الهوية. ويستلزم ذلك كشف الناس عن وجوههم، ويبلغ هذا الشرط ذروة أهميته في سياق التهديد العالمي بالإرهاب ( ) .

٧ -٩ وتعترض الدولة الطرف على الادعاء القائل بأن القانون يحظر على المرأة المسلمة المجاهرة بمعتقداتها الدينية من خلال ارتداء الحجاب، وتؤكد أنه يحظر فقط الإخفاء الكامل للوجه، بغض النظر عن الدافع من وراء ذلك، ويتيح لأي فرد ارتداء الملابس في الأماكن العامة بغرض التعبير عن معتقد ديني، مثل الخمار أو الوشاح، شريطة أن تكشف عن الوجه. والمشكلة هنا مختلفة تمام اً عن تلك التي تتعلق بارتداء الرموز الدينية من جانب موظفي الخدمة المدنية في أثناء أداء واجبات عملهم وارتداء هذه الرموز في المدارس، والتي تتعلق باشتراط أن تكون الخدمة العامة محايدة. فالحظر في الحالة الراهنة لا يستند إلى الدلالة الدينية للملابس المعنية، بل إلى كونها ببساطة تخفي الوجه بالكامل. ولا يتأثر بهذا الحظر سوى شكل الملابس المفرط في الأصولية والذي يؤدي إلى تخفّي الشخص في الأماكن العامة. ولن يتعذر على صاحبة البلاغ الوصول إلى الأماكن العامة مرتدية حجاب اً يدل على معتقداتها الدينية دون إخفاء وجهها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المجلس الدستوري قد أوضح أنه لا ينبغي أن يقيد الحظر ممارسة الحرية الدينية في أماكن العبادة المفتوحة للجمهور. ولذا، فإن التدابير متناسبة مع الهدف المنشود، ولم تتجاوز الدولة الطرف هامش التقدير في هذه القضية، كما ذكرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية س. أ. س. ضد فرنسا المذكورة آنف اً. وعلاوة على ذلك، فقد أصدرت محكمة النقض حكم اً في ٥ آذار/مارس ٢٠١٣ يقضي بأن القانون متفق مع المادة ٩ من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (حرية الفكر والوجدان والدين). وأخير اً، تلاحظ الدولة الطرف أن العقوبات المنصوص عليها في القانون، وهي غرامة أقصاها ١٥٠ يورو عن مخالفة من الدرجة الثانية، عقوبة معتدلة ومتناسبة مع الأهداف المنشودة. أما العقوبة البديلة المنصوص عليها والمتمثلة في حضور دورة تدريبية عن المواطنة، فهي عقوبة تُطبق عادة في القانون الجنائي الفرنسي، ويمكن أن تتعلق بجرائم مختلفة؛ وهي مصممة لكي تذكر المخالفين بقيم الجمهورية المتمثلة في التسامح واحترام الكرامة الإنسانية، وتوعيتهم بمسؤوليتهم الجنائية والمدنية وبالالتزامات التي يفرضها عليهم العيش كأعضاء في المجتمع.

٧ -١٠ وينص تعميم رئيس الوزراء المؤرخ ٣١ آذار/مارس ٢٠١١، والموجه إلى مديري الشرطة، على كيفية تعامل الشرطة أو الدرك مع هذه المخالفة، ويشير إلى أن القانون لا يخول الضباط تحت أي ظرف من الظروف سلطة إرغام الفرد أو المرأة على كشف وجهها. وبناء عليه، لا مجال للحديث عن تقييد غير متناسب للحق في الحرية الدينية.

٧ -١١ وفيما يتعلق بشكوى صاحبة البلاغ بشأن انتهاك المادتين ١٢ و٢٦ من العهد، تدفع الدولة الطرف بأن صاحبة البلاغ لم تثبت أن الحظر المستحدث بموجب القانون ينطبق فقط على النساء المرتديات للنقاب، وأن الأشخاص الذين يخفون وجوههم بوسائل أخرى لا يخضعون للتفتيش. بل على العكس من ذلك، ينص القانون على حظر عام، ولا يستهدف أي نوع معين من الملابس، ولا يميز بين الرجال والنساء. وعلاوة على ذلك، لا يمكن للحظر المفروض بموجب هذا القانون في حد ذاته أن يكون تمييزي اً أو مضر اً بحرية التنقل لأن له مبرر اً موضوعي اً ومعقول اً.

القضايا والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في الأسس الموضوعية

٨ -١ نظرت اللجنة في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أتاحها لها الطرفان، وفقاً للفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

٨ -٢ تلاحظ اللجنة ادعاء صاحبة البلاغ بأن حظر إخفاء وجهها في الأماكن العامة، الذي استُحدث بموجب القانون رقم 2010 - 1192، وإدانتها بارتداء النقاب ينتهكان حقوقها بموجب المادة ١٨ من العهد. وتلاحظ اللجنة حجة الدولة الطرف بأن القانون يفرض حظر اً عام اً على أي نوع من الملابس يقصد به إخفاء الوجه في الأماكن العامة، بصرف النظر عن الشكل الذي يتخذه أو سبب ارتدائه، وأن القانون لا يعالج تحديداً الملابس الدينية. وتلاحظ اللجنة، مع ذلك، أن المادة ٢ - ثانياً تستثني عموم اً من القانون ارتداء الملابس ل ـ "أسباب صحية" أو ل ـ "أسباب مهنية" أو ارتداء الملابس "التي تشكل جزء اً من الممارسات الرياضية، أو من الأعياد، أو المناسبات الفنية أو التقليدية"، بما في ذلك "المواكب الدينية،" أو الملابس التي تفرضها أو تأذن بها قانون اً الأحكام التشريعية أو التنظيمية. وتلاحظ اللجنة كذلك تعليقات صاحبة البلاغ، التي لم تعترض عليها الدولة الطرف، بأن أقل من ٠٠٠ ٢ امرأة يرتدين النقاب في فرنسا، وأن الغالبية العظمى من عمليات التفتيش بموجب القانون قد أجريت على نساء يرتدين النقاب ( ) .

٨ -٣ وتشير اللجنة إلى تعليقها العام رقم ٢٢، الذي ذكرت فيه أنه يجوز للفرد ممارسة حريته في المجاهرة بدينه أو عقيدته بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة. ولا يقتصر اتباع طقوس الدين أو العقيدة وممارستهما على الشعائر فحسب بل إنه قد يشمل أيضاً عادات مثل ارتداء ملابس أو أغطية رأس مميزة ( ) . وليست إفادة صاحبة البلاغ بأن النقاب عادة شائعة لدى شريحة من المسلمين وأنه يتعلق بأداء طقس وممارسة دينية محل شك. ولا جدال أيض اً في أن القانون رقم 2010 - 1192 الذي يحظر الملابس التي يتمثل الغرض منها في إخفاء الوجه في الأماكن العامة، ينطبق على النقاب الذي ترتديه صاحبة البلاغ التي يتعين عليها نتيجة لذلك التخلي عن الملابس التي تتفق مع معتقداتها الدينية وإلا تعرضت لعقوبات. وبناء على ذلك، ترى اللجنة أن الحظر المفروض بموجب القانون يشكل قيد اً أو تحديد اً لحرية صاحبة البلاغ في المجاهرة بمعتقداتها أو دينها - بارتداء نقابها - بالمعنى المحد د في المادة ١٨ (١) من العهد.

٨ - ٤ ويجب على اللجنة، من ثم، أن تحدد ما إذا كان هذا التقييد جائز اً بموجب الفقرة 3 من المادة 1 8 من العهد. تذكّر اللجنة بأن المادة 18(3) لا تسمح بتقييد حرية المجاهرة بالدين أو العقيدة إلا إذا كان القانون ينص على قيود ضرورية لحماية السلامة العامة، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية ( ) . وتذكّر اللجنة أيض اً بأنه ينبغي تفسير الفقرة 3 من المادة 18 تفسيراً دقيقا ً : فلا يسمح بفرض قيود لأسباب غير محددة فيها، حتى لو كان يسمح بها كقيود على حقوق أخرى محمية في العهد، مثل الأمن القومي. ولا يجوز تطبيق القيود إلا للأغراض التي وضعت من أجلها، كما يجب أن تتعلق مباشرة بالغرض المحدد الذي تستند إليه وأن تكون متناسبة معه. ولا يجوز فرض القيود لأغراض تمييزية أو تطبيقها على نحو تمييزي ( ) .

٨ - ٥ وفي هذه القضية، تلاحظ اللجنة أنه لا جدال في أن الحظر المفروض على ارتداء النقاب يندرج بوضوح ضمن النطاق المحدد بموجب المادة ١ من القانون رقم 2010 - 1192. ولذا، يتعين على اللجنة تقييم ما إذا كان القيد الذي يفرضه القانون يسعى إلى تحقيق هدف مشروع، وما إذا كان ضروري اً لتحقيق ذلك الهدف، وما إذا كان متناسب اً وغير تمييزي.

٨ - ٦ وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف قد أشارت إلى هدفين يعتزم القانون تحقيقهما، وهما حماية النظام العام والسلامة العامة، وحماية حقوق الآخرين وحرياتهم.

٨ - ٧ فيما يتعلق بحماية السلامة العامة والنظام العام، تدفع الدولة ا لطرف بأنه يج ب أن يتسنى لها تحديد هوية جميع الأفراد عند الضرورة من أجل تفادي المخاطر التي تهدد أمن الأشخاص أو الممتلكات ومكافحة انتحال الهوية. وتدرك اللجنة ضرورة تمكُّن الدول، في سياقات معينة، من اشتراط إظهار الأفراد لوجوههم، وهو ما قد ينطوي على التزامات غير متكررة بكشف الأفراد عن وجوههم في ظروف محددة تنطوي على خطر على السلامة العامة أو النظام العام، أو لأغراض التحقق من الهوية. بيد أن اللجنة تلاحظ أن القانون لا يقتصر على هذه السياقات، بل إنه يحظر بصورة شاملة ارتداء أغطية وجه معينة في الأماكن العامة في جميع الأوقات، ولم تتمكن الدولة الطرف من إثبات كيف يشكل ارتداء النقاب في حد ذاته تهديد اً للسلامة العامة أو النظام العام من شأنه أن يبرر هذا الحظر المطلق. ولم تقدم الدولة الطرف أيض اً أي مبرر أو تفسير من زاوية السلامة العامة لأسباب حظر تغطية الوجه لأغراض دينية معينة - أي النقاب - في حين أن تغطية الوجه لأغراض عديدة أخرى، بما فيها الأغراض الرياضية والفنية وغير ذلك من الأغراض التقليدية والدينية، مسموح به. وتلاحظ اللجنة كذلك أن الدولة الطرف لم تبين أي سياق، أو تقدم أي مثال، يدل على وجود تهديد محدد وكبير على النظام العام والسلامة العامة من شأنه تبرير هذا الحظر الشامل على النقاب. ولا توجد أي من هذه التهديدات في بيان الغرض من القانون رقم 2010 - 1192 أو في قرار الجمعية الوطنية المؤرخ ١١ أيار/مايو ٢٠١٠ الذي صدر قبل اعتماد هذا القانون.

٨ - ٨ وحتى إذا كان بإمكان الدولة الطرف إثبات وجود تهديد محدد وكبير للسلامة العامة والنظام العام من حيث المبدأ، فإنها لم تثبت أن الحظر الوارد في القانون رقم 2010 - 1192 متناسب مع ذلك الهدف، بالنظر إلى تأثيره الكبير على صاحبة البلاغ بصفتها امرأة ترتدي النقاب. ولم تحاول أيض اً إثبات أن الحظر هو التدبير الأقل تقييد اً اللازم لضمان حماية حرية الدين أو المعتقد ( ) .

٨ - ٩ وفيما يتعلق بالهدف الثاني الذي عرضته الدولة الطرف، والذي يُفهم أنه حماية حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية بموجب المادة ١٨(٣)، تلاحظ اللجنة حجة الدولة الطرف المستندة إلى مفهوم "العيش معا ً " أو احترام الشروط الدنيا للحياة في المجتمع، بما أن الأماكن العامة هي أهم مكان تحدث فيه الحياة الاجتماعية ويتواصل فيه الناس فيما بينهم. وترى الدولة الطرف أن إظهار وجه الشخص يدل على قبوله لأن يتعرف عليه الشخص المتحاور معه وعدم إخفاء إطاره الذهني "بصورة غير عادلة"، وهذا يشكل "الحد الأدنى من الثقة الضرورية للعيش معاً في مجتمع قائم على المساواة والانفتاح". وتلاحظ اللجنة أيض اً ادعاء صاحبة البلاغ أن المشرّع لم يحدد بوضوح هذا الهدف، سواء في القانون نفسه أو في بيان الغرض. وتدرك اللجنة أنه قد يكون من مصلحة الدولة تشجيع الروح الاجتماعية والاحترام المتبادل فيما بين الأفراد، على جميع اختلافاتهم، في أراضيها، ومن ثم فقد يعتبر إخفاء الوجه عقبة محتملة أمام هذا التفاعل.

٨ - ١٠ غير أن اللجنة تلاحظ أن حماية حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية تتطلب تحديد ماهية هذه الحقوق الأساسية المحددة المتأثرة، والأشخاص المتضررين من ذلك. ويتعين تفسير الاستثناءات الواردة في المادة ١٨(٣) بدقة وعدم تطبيقها في المطلق ( ) . وفي هذه القضية، تلاحظ اللجنة أن مفهوم "العيش معا ً " موغل في الإبهام والتجرد. ولم تحدد الدولة الطرف أي حقوق أو حريات أساسية محددة للآخرين ستتأثر من وجود بعض الناس في الأماكن العامة وهم يخفون وجوههم، ويشمل هؤلاء النساء المنتقبات. ولم توضح الدولة الطرف أيض اً السبب الذي يعرقل هذه الحقوق "بصورة غير عادلة" عن طريق ارتداء النقاب ولكنه لا يعرقلها بسبب تغطية الوجه في الأماكن العامة من خلال الوسائل العديدة الأخرى المستثناة من القانون. والعهد لا يحمي الحق في التفاعل مع أي فرد في الأماكن العامة والحق في عدم الانزعاج من الأشخاص الآخرين الذين يرتدون النقاب، ومن ثم فلا يمكن أن يوفر هذا الحقان أساس اً لفرض قيود مسموح بها بالمعنى المحدد في المادة ١٨(٣).

٨ - ١١ وحتى مع افتراض أنه يمكن اعتبار مفهوم العيش مع اً "هدف اً مشروعا ً " بالمعنى المحدد في المادة ١٨(٣)، فإن اللجنة تلاحظ أن الدولة الطرف لم تثبت أن الحظر الجنائي المفروض على وسائل معينة لتغطية الوجه في الأماكن العامة، والذي يشكل تقييد اً كبير اً لحقوق صاحبة البلاغ وحرياتها بوصفها امرأة مسلمة ترتدي النقاب، يتناسب مع ذلك الهدف، أو أنه أقل الوسائل تقييد اً لتحقيق حماية الدين أو المعتقد.

٨ - ١٢ وفي ضوء ما تقدم، ترى اللجنة أن الدولة الطرف لم تثبت أن تقييد حرية صاحبة البلاغ في المجاهرة بدينها أو معتقدها، من خلال ارتداء النقاب، ضروري ومتناسب بالمعنى المحدد في المادة ١٨ (3) من العهد. ولذا، تخلص اللجنة إلى أن الحظر المستحدث بموجب القانون رقم 2010 - 1192، وإدانة صاحبة البلاغ بموجب القانون المذكور لارتدائها النقاب يشكلان انتهاك اً لحقوق صاحبة البلاغ بموجب المادة ١٨ من العهد.

٨ - ١٣ وفيما يتعلق بادعاءات صاحبة البلاغ بموجب المادة ٢٦ من العهد، ومفادها أن الأثر المترتب على القانون المعني هو التمييز غير المباشر ضد الأقلية من المسلمات اللاتي يرتدين النقاب، تلاحظ اللجنة حجة الدولة الطرف أن الحظر الذي استحدثه القانون لا يستند إلى دلالة الملابس الدينية المعنية، بل إلى كونها تخفي الوجه. ووفق اً للدولة الطرف، "لا يتأثر بهذا الحظر سوى شكل الملابس المفرط في الأصولية والذي يؤدي إلى تخفّي الشخص في الأماكن العامة"، وهذا يعني بالنسبة لصاحبة البلاغ أنه "سيتسنى لها الوصول إلى الأماكن العامة مع ارتداء حجاب يبين معتقداتها الدينية دون إخفاء وجهها". غير أن اللجنة تلاحظ أن الجمعية الوطنية الفرنسية، في قرارها المتعلق بالالتزام باحترام قيم الجمهورية في مواجهة نشوء الممارسات الأصولية التي تهددها، ترى أن " الممارسات الأصولية التي تقوض الكرامة والمساواة بين الرجل والمرأة، ومن بينها النقاب، تتنافى مع قيم الجمهورية"، وأنها تريد "أن تكون مكافحة التمييز وتعزيز المساواة بين الرجل والمرأة من أولويات السياسة العامة". وتلاحظ اللجنة كذلك أن القانون رقم 2010 - 1192، بالرغم من صياغته بعبارات عامة، يشمل استثناءات لمعظم سياقات تغطية الوجه في الأماكن العامة، مما يحد من إمكانية تطبيق الحظر إلى ما يتجاوز بالكاد النقاب الإسلامي، وأن القانون ينفذ في المقام الأول ضد النساء اللاتي يرتدين النقاب. ومن ثم، تلاحظ اللجنة، من خلال نص القانون، والنقاش الذي دار قبل اعتماده وتنفيذه في الممارسة العملية، أن القانون يطبق في المقام الأول على النقاب الإسلامي، وهو شكل من أشكال الشعائر الدينية وتحديد الهوية لأقلية من النساء المسلمات.

٨ - ١٤ وتذكّر اللجنة بتعليقها العام رقم 22 (الفقرة 2) الذي نظرت فيه مع القلق إلى أي ميل إلى التمييز ضد أي أديان أو معتقدات لأي سبب من الأسباب، بما في ذلك كونها تمثل أقليات دينية قد تتعرض للعداء من جانب طائفة دينية مهيمنة. وتشير اللجنة إلى أن انتهاكاً للمادة 26 قد ينتج عن الأثر التمييزي لقاعدة أو تدبير في ظاهره الحياد أو الافتقار إلى أي نية للتمييز ( ) . ومع ذلك، فكل تفرقة تستند إلى الأسس الواردة في المادة 26 لا ترقى إلى التمييز، طالما كانت قائمة على معايير معقولة وموضوعية ( ) سعياً لتحقيق هدف مشروع بموجب العهد ( ) . ولذا، يتعين على اللجنة أن تقرر ما إذا كانت التفرقة في معاملة صاحبة البلاغ التي ترتدي النقاب الإسلامي، فيما يتعلق بالأشكال الأخرى من تغطية الوجه المأذون بها في إطار الاستثناءات المحددة بموجب المادة ٢ من القانون رقم 2010 - 1192، تستوفي معايير معقولية الهدف وموضوعيته ومشروعيته.

٨ - ١٥ وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي تفسير يوضح السبب في أن الحظر الشامل على نقاب صاحبة البلاغ معقول أو مبرر، خلاف اً للاستثناءات المسموح بها بموجب القانون ( ) . وتلاحظ اللجنة كذلك أن الحظر الشامل على النقاب الذي استحدثه القانون يستند على ما يبدو إلى فرضية أن النقاب عامل تمييزي بطبيعته، وأن النساء اللاتي يرتدينه مرغمات على ذلك. وبينما تقر اللجنة بأن بعض النساء قد يتعرضن لضغوط أسرية أو اجتماعية لتغطية وجوههن، تلاحظ اللجنة أن ارتداء النقاب يمكن أيض اً أن يكون اختيار اً - بل ووسيلة لتقديم مطالبة ما - على أساس معتقد ديني، كما هي الحال في قضية صاحبة البلاغ ( ) . وترى اللجنة كذلك أن فرض الحظر، بدل اً من توفير الحماية للنساء المنتقبات، يمكن أن يكون له تأثير عكسي بحبسهن في منازلهن، مما يعيق حصولهن على الخدمات العامة، ويعرضهن للاستغلال والتهميش. وقد سبق للجنة بالفعل أن أعربت عن قلقها من أن حظر القانون لوسائل تغطية الوجه في الأماكن العامة ينتهك حرية تعبير الشخص عن دينه أو معتقده، وله تأثير غير متناسب على المنتمين لأديان معينة وعلى الفتيات، وأن تأثير القانون على شعور فئات معينة بالاستبعاد والتهميش قد يؤدي إلى نتائج تتعارض مع الأهداف المنشودة ( ) . وتلاحظ اللجنة كذلك أن هناك حكم اً منفصل اً عن هذا القانون، هو المادة 225 - 4 - 10 من القانون الجنائي، يجرم المخالفة الخطيرة المتمثلة في إجبار الفرد على إخفاء الوجه، ويتصدى بذلك على وجه التحديد للشاغل المذكور.

٨ - ١٦ وأخير اً، على الرغم من أن الدولة الطرف تدعي أن الجزاءات المفروضة على النساء اللاتي يقررن ارتداء النقاب في الأماكن العامة "متناسبة"، فإن اللجنة تلاحظ أن للعقوبات طابع اً جنائي اً وأنها طُبقت على بعض النساء، بمن فيهن صاحبة البلاغ، في مناسبات متعددة. وهذه الجزاءات تؤثر بالضرورة تأثير اً سلبي اً على حق صاحبة البلاغ في المجاهرة بدينها من خلال ارتداء الحجاب وربما على حقوق أخرى.

٨ - ١٧ وفي ضوء ما تقدم، ترى اللجنة أن الحظر الجنائي المفروض بموجب المادة الأولى من القانون رقم 2010 - 1192 يؤثر بشكل غير متناسب على صاحبة البلاغ بصفتها امرأة مسلمة تختار ارتداء النقاب، ويقيم بينها وبين غيرها من الناس، الذين يغطون وجوههم أحياناً في الأماكن العامة بصورة قانونية، تمييزاً غير ضروري ولا يتناسب مع مصلحة مشروعة، وهو بذلك غير معقول. وتستنتج اللجنة من ذلك أن هذا الحكم وتطبيقه على صاحبة البلاغ يشكلان شكلاً من أشكال التمييز المتعدد الجوانب القائم على أساس نوع الجنس والدين، في انتهاك للمادة 26 من العهد.

٩ - واللجنة، إذ تتصرف بموجب المادة 5(4) من البروتوكول الاختياري، ترى أن الدولة الطرف انتهكت حقوق صاحبة البلاغ بموجب المادتين 18 و26 من العهد.

١٠ - ووفقاً لأحكام الفقرة (3)(أ) من المادة 2 من العهد، يجب على الدولة الطرف أن توفر لصاحبة البلاغ سبيل انتصاف فعالاً. ويقتضي منها ذلك تقديم الجبر الكامل للأفراد الذين انتُهكت حقوقهم التي يكفلها العهد. والدولة الطرف ملزمة في هذه القضية بجملة أمور من بينها أن توفر لصاحبة البلاغ تدابير الترضية المناسبة والتعويض المالي المناسب عن الضرر الواقع. ويقع أيض اً على الدولة الطرف التزام بمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل، بوسائل منها مراجعة القانون رقم 2010 - 1192 في ضوء التزاماتها بموجب العهد، ولا سيما المادتان 18 و26 ( ) .

١١ - وإذ تضع اللجنة في اعتبارها أن الدولة الطرف، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، قد اعترفت باختصاص اللجنة في تحديد ما إذا كان قد وقع انتهاك للعهد أم لا، وأنها تعهّدت، عملاً بالمادة 2 من العهد، بأن تكفل لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها أو الخاضعين لولايتها الحقوق المعترف بها في العهد، وتؤمن سبيل انتصاف فعالاً وواجب الإنفاذ عند ثبوت الانتهاك، فإنها تود أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون 180 يوماً، معلومات عن التدابير التي اتخذتها لوضع هذه آراء موضع التنفيذ. ويُطلب أيضاً إلى الدولة الطرف نشر هذه الآراء وتعميمها على نطاق واسع .

المرفق الأول

رأي فردي لأعضاء اللجنة، إيلز ه براندس كي ه ريس، وسارة كليفلاند، وكريستوف هاينز، ومارسيا ف. ج. كران، ويوفال شاني (رأي مؤيد)

١ - إننا نتفق مع أغلبية أعضاء اللجنة في أ ن فرنسا، الدولة المدعى عليها، لم تقدم تفسيراً وافياً للأسباب الأمنية التي يمكن أن تبرر فرض حظر كلي على ارتداء المرأة المسلمة للنقاب، ولا سيما في ضوء تطبيق استثناءات، بمقتضى القانون رقم 2010 - 1192، على أشكال أخرى من الستر الكامل للوجه. ونتفق أيضاً مع الأغلبية على أن الدولة الطرف لم تقدم تفسيراً مقنعاً يبين كيف يمكن أن تكون مصلحة " العيش المشترك " مبرراً لإرغام أفراد من أقلية دينية، تحت طائلة التعرض لعقوبات جنائية، على ارتداء لباس يساعد على إقامة علاقات اجتماعية " طبيعية " .

٢ - بيد أننا نميل إلى قبول الزعم الضمني الذي مفاده أن ارتداء النقاب ينطوي على تمييز (الفقرة 8 - 15)، لأننا نعتبر النقاب ممارسة تقليديةً تسمح للرجل بإخضاع المرأة بدعوى الحفاظ على "حشمتها" ( ) ، مما يترتب عليه حرمان المرأة من الحق في ارتياد الأماكن العامة على قدم المساواة مع الرجل. ولذلك، لا نجد صعوبة في القول إن فرنسا يحق لها، بل يجب عليها، وفقاً للمواد ٢ ( ١)، و٣ و٢٦ من العهد، وكذلك بموجب المادة ٥ ( أ) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، أن تتخذ جميع التدابير المناسبة للتعامل مع هذا النمط من السلوك حرصاً على ألاَّ تتعرض المرأة للتمييز من جرائه.

٣ - بيد أن السؤال المطروح هو ما إذا كان حظر ارتداء النقاب حظراً كلياً في الأماكن العامة، وإنفاذ هذا الحظر بفرض عقوبة جنائية على المرأة التي يتوخى حمايتها أصلاً، تدبيراً مناسباً في ظل ملابسات هذه القضية - أي ما إذا كان تدبيراً معقولاً ومتناسباً يستهدف صاحبة البلاغ ومسلمات أخريات. وفي هذا الصدد، نرى أن الدولة الطرف لم تثبت للجنة أن اعتماد تدابير أقل اقتحاماً للخصوصية من الحظر الكلي، مثل التعليم والتوعية بالآثار السلبية المترتبة على ارتداء النقاب، وتجريم جميع أشكال الضغط على النساء لارتدائه، وفرض حظر محدود على ارتداء النقاب في سياقات اجتماعية معينة، عن طريق إنفاذ عقوبات غير جنائية مناسبة، والتشديد على موقف الدولة المناهض لهذه الممارسة (مثل حظر ارتداء النقاب على المدرسات في المدارس العامة أو على الموظفات الحكوميات اللواتي يتعاملن مع الجمهور)، لم يكن ليُغيِّر بالقدر الكافي من الممارسة المتمثلة في ارتداء النقاب من دون الإخلال بحق المرأة نفسها في الخصوصية والاستقلال الذاتي والحرية الدينية، بمن في ذلك المرأة التي ترتدي الحجاب اختياراً.

٤ - وبالنظر إلى ما للحظر التام من عواقب شديدة على قدرة المرأة التي تختار ارتداء الحجاب على التنقل بحرية في الأماكن العامة، فليس لنا أن نأخذ القانون 2010 - 1192 مأخذ تدبير معقول ومتناسب يتوافق مع العهد. ونعتقد أن موقفنا بشأن صرامة الشروط المطلوبة لتبرير فرض حظر على لباس ترتديه المرأة باختيارها، يتسق عموماً مع الأجزاء ذات الصلة من حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الصادر في قضية س . أ. س . ضد فرنسا ، الذي رفضت فيه المحكمة تبرير الحظر المفروض استناداً إلى أسباب من جملتها مناهضة التمييز ( ) .

المرفق الثاني

رأي مشترك لعضويْ اللجنة، إيلز ه براندس كي ه ريس وسار ة كليفلاند (رأي مؤيد )

١ - إننا نشاطر الأغلبية رأيها. وفيما يتعلق بالهدف المعلن المتمثل في تعزيز السلامة العامة والنظام العام، نرى أن الدولة الطرف لم تثبت وجود تهديد شامل وكبير ومحدد من شأنه أن يبرر فرض حظر كلي على ارتداء النقاب في الأماكن العامة (الفقرة 8 - 7)، فضلاً عن أنها لم تشرح وجه القصور في تشريعاتها السابقة، وهي ليست محل اعتراض في هذه القضية، عن ضمان السلامة العامة والنظام العام، وقد نصت على كشف الوجه في الأماكن العامة لأغراض محددة أو في أوقات معينة، مثل عمليات التفتيش الأمني والتحقق من الهوية، أو في مواقع محددة، مثل المدارس والمستشفيات. ومن ثمَّ، فإنه فضلاً عن الطابع الجنائي للعقوبة وأثرها على صاحبة البلاغ وعلى من تختار مثلها ارتداء النقاب من النساء المسلمات، الذي لا يتناسب مع الهدف المعلن (الفقرة 8 - 11)، لم يثبت أن هذا الحظر الكلي ضروري لبلوغها الهدف المشروع المعلن المتمثل في تعزيز السلامة العامة، ولا متناسب معه.

٢ - وفيما يتعلق بحماية حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية وبمفهوم "العيش المشترك"، اللذين تربط بهما الدولة الطرف هذا الهدف، لا يُعرف بوضوح ما هي الحقوق الأساسية المقصودة بالحماية على وجه التحديد (الفقرة 8 - 10). ويكتنف الغموض أيضاً موقف الدولة الطرف بشأن كيفية مراعاة هذا المفهوم لمبدأ احترام حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات، بما في ذلك الأقليات الدينية، من أجل الحفاظ على قيمة التعددية، وتجنب إساءة الأغلبية لاستعمال مركز القوة المهيمن ( ) . وهذا يقوي الشكوك في الادعاء القائل إن مفهوم " العيش المشترك " يشكل هدفاً مشروعاً بمقتضى حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية المنصوص عليها في الفقرة 3 من المادة ١٨ من العهد.

٣ - ومع أن الدولة الطرف لا تشير صراحةً، في الحجج التي دفعت بها، إلى المساواة بين الرجل والمرأة، فقد أظهرت وثائق المعلومات الأساسية المتعلقة بالمناقشات الوطنية والأعمال التحضيرية في الجمعية الوطنية أن موضوع المساواة كان من العوامل المهمة الكامنة وراء اعتماد هذا التشريع. وفي هذا الصدد، تعتبر وجيهةً الحجةُ القائلة إن ارتداء النقاب قمعي بطبيعته ويعود أصله إلى إخضاع المرأة للسلطة الذكورية، الذي يراد به منعها من المشاركة في المجتمع على قدم المساواة مع الرجل. ولكن، في ضوء ورود حكم جنائي آخر في المادة ٤ من نفس القانون، وهو ليس محل اعتراض، ينص على معاقبة من يرغم شخصاً على ارتداء النقاب، باعتبار ذلك جريمة خطيرة، تبدو الحجة التي استُند إليها في فرض حظر شامل على ارتدائه وكأنها تعني ضمناً استبعاد أن تكون جميع النساء المنقبات قد فعلن ذلك بقرار شخصي مستقل اتخذنه عن وعي، وهو ما قد يعزز القوالب النمطية التي تصوِّر المرأة المسلمة على أنها مضطهدة. وعليه، فإن معاقبة المرأة على ارتداء النقاب حمايةً لها، يمكن أن يسهم في تفاقم وصم النساء المسلمات اللواتي اخترن ارتداء النقاب، ووصم عموم المسلمين، على أساس تصور نمطي لدور المرأة في أوساط المسلمين، بدلاً من أن تعزز المساواة بين الجنسين. ويجب على أية حال أن تراعي الدولة أو الأغلبية التي ترى في هذه الممارسة قمعاً، خيار صاحبة البلاغ الصريح ارتداء لباس معين أمام الناس تعبيراً عن معتقدها الديني ( ) . ومن ثم، لا تعتبر حجة المساواة مقنعة كهدف مشروع يبرر فرض حظر كلي على ارتداء النقاب في جميع الأماكن العامة في فرنسا.

٤ - ويشار في الختام إلى أن هذه الآراء روعي فيها سياق القضية المحدد في فرنسا، بما في ذلك وجود عدد قليل جداً من النساء اللواتي اخترن ارتداء النقاب. وعلاوة على قابلية أفراد الأقليات بطبيعتهم للتأثر بالتنميط السلبي، وهم في هذه القضية أقليةٌ ضمن الأقلية، يكتسي عدم التناسب في التدابير التشريعية، التي اعتُمدت ونُفذت بدعوى تعزيز احترام حقوق الآخرين، سمة حادة جداً في سياق تضعف فيه كثيراً احتمالات مصادفة امرأة منقبة في مكان عام. وللسبب عينه، يمكن أن يسفر نشر كتيبات لتوعية عامة الجمهور بشأن قانون وتجريم ارتداء النقاب والبرقع عن أثر غير مرغوب يتمثل في تعاظم التحامل والتعصب حيال هذه الأقلية.

المرفق الثالث

رأي فردي للسيد عياض بن عاشور (رأي مخالف)

١ - تلاحظ اللجنة في كلتا القضيتين، الواردتين في البلاغين رقم 2747/2016 ورقم 2807/2016، أن الدولة الطرف، باعتمادها القانون رقم 2010 - 1192 المؤرخ 11 تشرين الأول/أكتوبر 2010، الذي يحظر ستر الوجه في الأماكن العامة، تكون قد انتهكت حقوق صاحبتيْ البلاغين المكفولة بموجب المادتين 18 و26 من العهد. ولا يسعني للأسف أن أشاطرها الرأي للأسباب التالية.

٢ - أولاً، أستغرب ما ذهبت إليه اللجنة من أن "الدولة الطرف لم تُبيِّن كيف أن ارتداء النقاب يشكل في حد ذاته تهديداً للسلامة العامة أو النظام العام من شأنه أن يبرر هذا الحظر المطلق". ولن أسهب في الحديث عن تهديد السلامة العامة لكونه يبدو لي جلياً في ضوء المعركة المستمرة ضد الإرهابيين الذين تنكر بعضهم في النقاب لينفذ هجمات واغتيالات في فرنسا وأماكن أخرى. وهذه الاعتبارات الأمنية تكفي وحدها لتبرير الحظر والتجريم في آن معاً. غير أنني سأتوقف وقتاً أطول عند المعنى المقصود بعبارة "حماية النظام"، مقروءة بالاقتران مع عبارة "حماية الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية" الواردة في الفقرة 3 من المادة 18 من العهد.

٣ - ففي هذه المادة، يشير مصطلح "النظام" بوضوح إلى نظام الدولة التي فرضت القيود. والنظام في فرنسا هو، بموجب دستورها، نظام جمهوري وعلماني وديمقراطي. والمساواة بين الرجل والمرأة هي من أبسط المبادئ الأساسية التي يستند إليها هذا النظام، مثلما هي جزء من المبادئ الأساسية المنصوص عليها في العهد. والنقاب هو في ذاته رمز لوصم المرأة ومهين لها، ويتعارض بالتالي مع النظام الجمهوري والمساواة بين الجنسين في الدولة الطرف وكذلك مع المادتين 3 و26 من العهد. فأنصار النقاب يحصرون المرأة في وضعها البيولوجي الأصلي كأنثى خُلِقت للمتعة الجنسية، وجسد بلا روح ولا عقل، وربما تتحمل وزر الاختلال الكوني والأخلاقي وعليها، من ثم، أن تتوارى عن نظر الذكر بحيث تكاد تُمنع من الحيز العام. ولا يمكن لدولة ديمقراطية أن تسمح بوصم من هذا القبيل في حق جميع النساء الأخريات. فارتداء النقاب ينتهك "حريات الآخرين وحقوقهم الأساسية"، أي بمعنى أدق حقوق النساء الأخريات وحقوق المرأة كمرأة. وعليه، فإن حظره لا يتعارض مع العهد.

٤ - وأنا أشاطر اللجنة الرأي القائل بضرورة تفسير القيود المنصوص عليها في الفقرة 3 من المادة 18 تفسيراً دقيقاً. بيد أن كلمة "دقيقاً" لا تعني ألاَّ تُراعى في هذه القيود الأحكامُ الأخرى المنصوص عليها في العهد، أو روح المادة 18 نفسها، كما أوضحنا في الفقرة السابقة.

٥ - وفي كلتا القضيتين، تعترف اللجنة بأن "ارتداء النقاب هو عرف عند شريحة من المسلمين المتدينين وتطبيق لشعيرة وممارسة دينية". غير أن اللجنة لا تشرح، في آرائها، هذا التحول الغامض الذي أحال عرفاً إلى فريضة دينية لها طابع تعبدي، بالمعنى المقصود في المادة 18 من العهد. وارتداء النقاب أو البرقع هو في الحقيقة عرفٌ سائدٌ في بعض البلدان "الإسلامية"، افتُعِل ربطه، تحت تأثير الإسلام السياسي والتوجهات المتزمتة، ببعض الآيات القرآنية، ومنها على وجه الخصوص الآية 31 من سورة النور والآية 59 من سورة الأحزاب. غير أن أكبر علماء الإسلام الثقات لا يقولون بوجوب ستر الوجه باعتباره فريضة دينية. وحتى لو فُسر ارتداء النقاب على أنه تعبير عن حرية الدين، كما تريد اللجنة، لا ينبغي أن يغيب عن البال أن التفاسير ليست جميعها سيان في نظر مجتمع ديمقراطي ارتكز في بناء نظامه القانوني إلى حقوق الإنسان، والمبادئ المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي العهد، وأرسى مبدأ العلمانية باعتباره مبدأ ً دستورياً، ولا سيما في السياق التاريخي والقانوني الخاص بفرنسا. فهناك تفاسير لا يمكن الأخذ بها.

٦ - وهذا يسري على الممارسات المتمثلة في تعدد الزوجات، والخفض (ختان الإناث)، وعدم المساواة في الميراث، والطلاق، وحق الزوج في تأديب زوجته، وزواج السلفة، وزواج الأخ من أرملة أخيه، والتي تعتبر في نظر كل من يتبعها ، من فرائض الدين أو الشعائر، مثلما هو النقاب في نظر أنصاره. غير أن اللجنة دأبت على القول إن هذا النوع من الممارسات يتعارض مع الأحكام المنصوص عليها في العهد وطلبت إلى الدول دائماً إلغاءها . فأفلا يكون من التناقض أن نقول، في قضيةٍ، إن حظرَ ممارسة كهذه تمس بمبدأ المساواة في المواطنة وبكرامة المرأة يتعارض مع العهد، ثم نرى، في أخرى، أن هذه الممارسات تتعارض مع المادة 18؟

٧ - وهناك مشكلة أخطر يجب أن تُطرح. وأعني بذلك مسألة "العيش المشترك"، التي دفعت بها فرنسا، واستُمدت منها فكرة اعتماد القانون رقم 2010/1192. إنني أختلف كلياً مع اللجنة التي "رأت أن مفهوم "العيش المشترك" في غاية الغموض والتجريد" وأن "الدولة الطرف لم تذكر أياً من حقوق الآخرين أو حرياتهم الأساسية التي ستتأثر". بيد أن بيان الأسباب الموجبة للقانون توسَّع كثيراً في هذه المسألة، ولم يغفل الإشارة إلى أن ستر الوجه يشكل إخلالاً بالعقد الاجتماعي وبأبسط أصول الكياسة، وبمفهوميْ الإخاء والعيش المشترك. ومن المؤسف أن تغفل اللجنة في آرائها أن الحق الأساسي الذي مُسَّ به في هذه القضية ليس هو حق بضعة أفراد ولا حق مجموعة بعينها، بل هو حق مجتمع برمته في تعرُّفِ هوية أفراده، من خلال ملامحهم التي تمثل في الوقت نفسه دليلاً على قابليتهم لمؤالفة الناس في المجتمع، بل وعلى إنسانيتهم. وخلافاً لما أكدته اللجنة في آرائها، ليس مفهوم العيش المشترك مفهوماً غامضاً ولا مجرداً. بل هو مفهوم دقيق ومحدّد. وهو مبني على فكرة في غاية البساطة مفادها أن المجتمع الديمقراطي لا يستطيع أن يؤدي وظيفته إلا بوجوه مكشوفة. وبعبارة أعم أقول، كما أسلفت، إن التواصل الإنساني الرئيسي يتم عن طريق لغة الوجه قبل أي لغة أخرى. وستر المرء لوجهه بشكل كامل ودائم في الأماكن العامة، ولا سيما في سياق ديمقراطي، يعني إنكاراً لقابليته لمؤالفة الناس في المجتمع وقطعاً للصلة التي تربطه ببني جلدته. وعليه، فإن فرض حظر بموجب القانون على ارتداء النقاب والمعاقبة عليه بغرامة بسيطة ليس تدبيراً مفرطاً ولا غير متناسب. ولا تستقيم، في هذا الصدد، مقارنة الحجاب بالنقاب. فهما مسألتان تختلفان بطبيعتهما.

٨ - ومن ثم، فإن اللجنة عكست تماماً ترتيب الحقوق فرأت أن "الحظر الجنائي المفروض بموجب المادة الأولى من القانون رقم 2010 - 1192 يؤثر بشكل غير متناسب على صاحبة البلاغ، بصفتها امرأة مسلمة اختارت ارتداء النقاب، ويقيم بينها وبين غيرها من الناس، الذين يغطون وجوههم أحياناً في الأماكن العامة بصورة قانونية، تمييزاً غير ضروري ولا يتناسب مع مصلحة مشروعة، ويعد بذلك، غير منطقي". وتستنتج اللجنة من ذلك أن هذه المادة تشكل شكلاً من أشكال التمييز المتعدد الجوانب القائم على أساس الجنس والدين، وهو ما يشكل انتهاكاً للمادة 26 من العهد. ومما لا شك فيه أن هذا الحظر ضروري، ولو من منظور درء المخاطر الأمنية وحده (انظر الفقرة 2 أعلاه) ومتناسب، والدليل على ذلك ضعف العقوبة المفروضة، التي تقوم على دفع غرامة قدرها 150 يورو والخضوع لفترة تدريب عن المواطنة، وهي عقوبة مستحقة تماماً، في هذه القضية، بالنظر إلى جسامة انتهاك مبدأ المساواة في المواطنة وكرامة المرأة.

٩ - ولننتقل الآن إلى مسألة الأشخاص الذين يجيز لهم القانون رقم 2010/1192 تغطية وجوههم، على عكس المنقبات، وهو ما يشكل، وفقاً لآراء اللجنة، تمييزاً يتعارض مع المادة 26. وهؤلاء هم الأشخاص المشار إليهم في الفقرة 2 من المادة 2 من القانون الذي ينص على استثناءات من الحظر المفروض. فهل يمكن أن نساوي بين هذه الاستثناءات وممارسة ارتداء النقاب ونقارن هذه بتلك؟ وهل المادة 2 من القانون رقم 2010/1192 تمييزية ومتعارضة مع المادة 26؟ لا أعتقد ذلك. إن معظم هذه الاستثناءات، التي هي بوجه عام استثناءات ظرفية ومؤقتة، له طابع اللهو أو التسلية أو الاحتفال أو الفولكلور أو الرياضة، أو تمليه ضرورات الخدمة أو السلامة، ولا سيما السلامة على الطرق. وهي استثناءات لا يخلو منها بلدٌ ولا تمثل مطلقاً رموزاً أو رسائل ذات دلالة تمييزية يمكن أن تستدعي تطبيق المادة 26 من العهد، كما هو الشأن بالنسبة للنقاب.

١٠ - واستنتاجي هو أن حظر ارتداء النقاب والمعاقبة عليه بالتغريم لا يتعارض، في سياق فرنسا بوجه خاص، مع المادة 18 ولا مع المادة 26 من العهد.

المرفق الرابع

رأي فردي لعضو اللجنة خوسيه مانويل سانتوس بايس (رأي معارض)

١ - لا يسعني للأسف أن أشاطر اللجنة الاستنتاج الذي توصلت إليه أغلبية الأعضاء ومفاده أن الدولة الطرف انتهكت الحقوق المكفولة لصاحبتيْ البلاغيْن بموجب المادتيْن ١٨ و٢٦ من العهد.

٢ - فالقضيتان كلتاهما تتعلقان بارتداء النقاب، وهما أول قضيتين من هذا النوع تنظر فيهما اللجنة. والمسألة المعروضة فيهما حساسة للغاية. ولذلك، يجدر التوصل إلى حل مدروس بالنظر إلى آثاره البعيدة المدى.

٣ - والشكويان لا تستهدفان دولة إسلامية بل دولة أوروبية ذات تقليد ديمقراطي راسخ وسجل مثير للإعجاب في مجال حقوق الإنسان، وهذا أمر له دلالة إلى حد ما. وتنطوي الحلول الممكنة على معضلة، لأن ثمة حججاً مقنعة يمكن الاستشهاد بها على وقوع انتهاك لحقوق معينة وعلى نفي وقوع هذا الانتهاك في نفس الوقت. وإذا وضعنا جانباً المسائل القانونية الأساسية، سيكون للقرارات التي ستُتَّخذ في كلتا القضيتين أثر سياسي كبير ليس في فرنسا وحسب بل في العديد من البلدان الأخرى في أوروبا وأفريقيا وآسيا التي قد تنشأ فيها مشكلة ارتداء النقاب أيضاً. ولذلك، يلزم إيجاد حل يخفف الضرر إلى أدنى حد، مع مراعاة جميع العوامل ذات الصلة ومنع احتمال تفسير قرار اللجنة تفسيراً متعسفاً ولا مبرر له.

٤ - وأنا أميل إلى القول إن الشكويين، في كلتا القضيتين، شكويان مفتعلتان إلى حد كبير نظراً لاستخدام حجة تقييد حرية الفكر والوجدان والدين فيهما وسيلةً لتناول مشكلة تعد سياسية في المقام الأول. فصاحبتا البلاغين لم تُبينا مطلقاً الأحكام الشرعية التي تفرض عليهما ارتداء النقاب أو الآيات القرآنية التي استندتا إليها في استنتاجاتهما. ومع ذلك، تقران بأن ارتداء النقاب أو البرقع هو بمثابة لباس يمثل عرفاً لدى شريحة من المسلمين المتدينين، وهو فعلٌ تكمن وراءه معتقدات دينية. ومن ثم يعد تطبيقاً لشعيرة وممارسة دينية، مع أن ارتداء النقاب أو البرقع ليس فريضة دينية تشمل جميع المسلمين (الفقرة 3 - 2). فنحن إذن أمام عرف ديني وليس فريضة دينية متفق عليها.

٥ - وقد امتنعت اللجنة في الماضي عن اعتبار بعض الأعراف والممارسات الاجتماعية أو الدينية المتعارضة مع حقوق الإنسان (تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية وجرائم الشرف والقتل الطقوسي، والاعتداءات التي تستهدف الأشخاص المصابين بالمهق وأعراف وممارسات أخرى عديدة) انتهاكات لأحكام العهد. وبناء على ذلك، فإن تذرُّع صاحبتيْ البلاغيْن بانتهاك معتقداتهما الدينية لا يُستنتج منه بالضرورة وقوع انتهاك لحقوقهما.

٦ - فكلتاهما فرنسيتان مولودتان في فرنسا وتقيمان فيها. ومع ذلك، ترفضان التقيد بالتشريعات المعمول بها في الدولة الطرف المعنية رغم إقرارهما بالانتماء إلى أقلية من النساء المسلمات المنقبات. ووفقاً لإحدى اللجان البرلمانية التي درست هذه المسألة، يقل عدد هؤلاء النسوة عن٠٠٠ ٢ امرأة (الفقرتان 3 - 3 و3 - 14)، وهو عدد يشكل أقلية ضئيلة (الفقرة 3 - 9). وترى صاحبتا البلاغين أن هذه الأقلية الضئيلة يمكنها أن تفرض معتقداتها على بقية السكان، وترفضان في المقابل أن يكون لهم نفس الحق. وهو أمر يبدو محيراً جداً، من حيث معيار التناسب، ولا سيما أن صاحبتيْ البلاغين بإمكانهما ارتداء زي يكون شكله أقل تزمتاً وتطرفاً، مثل الحجاب، من دون الإخلال بمعتقداتهما الدينية. وينبغي، في رأيي، توخي الحذر في تناول هذا الشكل المتطرف والمتشدد من المعتقدات الدينية لكي تتمكن اللجنة من التوصل إلى قرار منصف ومعقول، وهو ما لم يحدث، في هذه القضية، للأسف.

٧ - وعندما يجد المرء نفسه في مجتمع ما، لا بد أن يكون همّه الطبيعي ضرورة احترام عادات وأعراف هذا المجتمع فضلاً عن احترام القيم الاجتماعية السائدة. وذلك يصدق أكثر على من تربطه علاقة دائمة مع هذا المجتمع، كما هو الحال بالنسبة لصاحبتيْ البلاغين. ومع ذلك، فإنهما ترفضان تقبل الأمر.

٨ - ولكل دولة صلاحيات مشروعة تخولها تحديد الإطار التشريعي لمجتمعها بطريقة ديمقراطية، مع احترام التزاماتها الدولية. وهذا ما فعلته الدولة الطرف بعناية. فالقانون رقم 2010 - 1192 أُقرّ بالإجماع (باستثناء صوت واحد) في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ بعد إجراء نقاش ديمقراطي واسع النطاق. وأُلفت فرقة عمل برلمانية من ممثلين منتخبين ينتمون إلى التيارات السياسية كافة، وشرعت في الاستماع إلى العديد من الأشخاص الذين يعتنقون آراء مختلفة، بمن في ذلك النساء المسلمات وغير المسلمات على حد سواء وأفرادٌ من المجتمع المدني (الفقرة 5 - 1) ( ) . وفي ١١ أيار/مايو ٢٠١٠، اعتمدت الجمعية الوطنية - قبل اعتماد القانون - قراراً ذكرت فيه أن الممارسات المتشددة التي تضر بالكرامة الإنسانية وبمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، بما في ذلك ارتداء النقاب، هي ممارسات تتعارض مع قيم الجمهورية، ودعت إلى تنفيذ جميع التدابير الممكنة لضمان الحماية الفعالة للنساء المعرضات للعنف أو الضغط، بطرق منها إجبارهن على ارتداء النقاب (الفقرة 5 - 2) ( ) .

٩ - والحظر العام الذي فرض بموجب القانون حظر محدود النطاق، بالنظر إلى أن ستر الوجه هو المحظور دون غيره. والعقوبات المطبقة هي عقوبات مدروسة لأن المشرع أعطى الأولوية لدور التثقيف (الفقرة 5 - 3) ( ) . ويشمل الحظر كل لباس يكون الغرض منه ستر الوجه في الأماكن العامة، بغض النظر عن شكله أو دواعي ارتدائه (الفقرة 5 - 5) ( ) ، ولا يستهدف لباساً بعينه ولا يميز بين رجل وامرأة (الفقرة 5 - 11) ( ) . وعليه، لا توجد معاملة خاصة لزي تمليه موجبات دينية أو ثقافية، وأثر الحظر يقتصر فقط على أكثر أشكال اللباس تشدداً التي تحول دون رؤية الشخص في الأماكن العامة. ولا يجوز في هذا الحظر تقييد ممارسة الحرية الدينية في دور العبادة المفتوحة للجمهور (الفقرة 5 - 9) ( ) . وتشمل الاستثناءات من أحكام القانون كل ما يُلبس لدواع صحية أو مهنية، أو في إطار حفلة أو مناسبة رياضية أو فنية أو تقليدية، بما في ذلك المسيرات الدينية، أو غير ذلك مما يجيزه القانون (الفقرة 7 - 2) ( ) ، الأمر الذي يؤكد أن الحظر يكتسي طابعاً عاماً ومعقولاً. وهناك تعميم صادر في ٢ آذار/مارس ٢٠١١ قدم شرحاً شاملاً لنطاق القانون وطرائق تطبيقه، واستُكمل بحملة نُظمت في الأماكن العامة، ومنشور أتيح في المكاتب الحكومية، فضلاً عن إطلاق موقع شبكي تثقيفي بشأن هذه المسألة. وعلاوةً على ذلك، حدد القانون مهلة ستة أشهر من تاريخ سنه إلى تاريخ دخوله حيز النفاذ لاستيفاء شرط إمكانية التنبؤ بما سيحصل (الفقرة 5 - 6) ( ) .

١٠ - وللقانون هدف مشروع، هو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم، وحماية النظام العام، على النحو المبين بوضوح في بيان الأسباب الموجبة لسنه، الذي يعيد تأكيد قيم الجمهورية ومتطلبات العيش المشترك (الفقرة 5 - 7) ( ) . وقد أقرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في حكمها الصادر في قضية س. أ. س. ضد فرنسا ، بأن التقيد بالمتطلبات الدنيا للعيش في المجتمع يمثل جزءاً من حماية حقوق الآخرين وحرياتهم، وخلصت بذلك إلى أن الحظر المفروض يتناسب مع الهدف المنشود (الفقرات 140 - 159).

١١ - وتتطلب ضرورات السلامة العامة والنظام العام أن يكون بالإمكان تحديد هوية أي شخص عند اللزوم، لمنع المس بأمن الأشخاص والممتلكات ومكافحة انتحال الهوية. وهذا يعني ضمناً أنه يتعين على الناس كشف وجوههم، وهذا من الشواغل الأساسية في سياق وجود تهديدات إرهابية على الصعيد الدولي في الوقت الراهن (الفقرة 5 - 8) ( ) . ولا يبدو أن اللجنة، التي لم تتناول المشكلة الأساسية كما ينبغي، قد قدرت هذه الحاجة تقديراً كافياً (الفقرة 7 - 7) ( ) .

١٢ - صحيح أن المحكمة رفضت في حكمها في قضية س. أ. س. الحجة القائلة بضرورة الحظر، في المجتمع الديمقراطي، حفاظاً على السلامة العامة، ورأت أن فرض "حظر كلي على ارتداء لباس يراد به ستر الوجه في الأماكن العامة لا يمكن اعتباره تدبيراً متناسباً إلا إذا كان السياق ينطوي على تهديد عام يحدق بالسلامة العامة" (الفقرة 139). ومع ذلك، تعرضت فرنسا، منذ صدور هذا الحكم، لعدة هجمات إرهابية نفذها تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في مقاطعة إيل دو - فرانس في كانون الثاني/يناير ٢٠١٥ (٢٠ قتيلاً و22 جريحاً)، وفي باريس في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٥ (١٣٧ قتيلاً و368 جريحاً)، وفي نيس في تموز/يوليه ٢٠١٦ (٨٧ قتيلاً و434 جريحاً). وفي عام ٢٠١٧، بلغ مجموع الاعتداءات الإرهابية التي أبلغت عنها تسع دول من الاتحاد الاوربي ٢٠٥ اعتداءات إرهابية (54 اعتداء في فرنسا) بينها اعتداءات أُحبطت وأخرى فشلت وأخرى نُفذت. وفي عام ٢٠١٧، أُوقف ما مجموعه 975 شخصاً في الاتحاد الأوروبي لارتكابهم جرائم تتعلق بالإرهاب. واستهدف معظم حالات التوقيف (٧٠٥ من أصل ٧٩١) جهاديين إرهابيين (١٢٣ امرأة، ٦٤ في المائة منهن وُلدن في دول الاتحاد الأوروبي ويحملن جنسيات هذه الدول). وفي فرنسا وحدها، بلغت حالات التوقيف 411 حالة فيما بلغت حالات الإدانة ١١٤. أما عدد المشتبه فيهم الموقوفين بتهمة ممارسة الإرهاب استناداً إلى أسس دينية/الإرهاب الجهادي، الذي بلغ ٧٠٥ موقوفين، فقد كان نصيب فرنسا منه 373 ( ) . وفي هذا السياق، من المهم للغاية الإسراع في تعيين مواقع وجود المشتبه فيهم المحتملين وتحديد هذه المواقع، لأنهم يتنقلون بين بلدان مختلفة ليبلغوا وجهتهم، ويمكن أن يستخدموا النقاب كي لا يفطن لهم أحد. ولذلك، يبدو الحظر المفروض، في ظل الظروف الراهنة، تدبيراً متناسباً مع الهدف الذي يرمي إليه هذا القانون، وإن كان يتعين أن يخضع لتقييمات دورية للمخاطر (المادة ٧ من القانون).

١٣ - وخلافاً لما ذهب إليه أغلبية أعضاء اللجنة في رأيهم (الفقرة 7 - 16)، أرى أن العقوبات المطبقة عقوبات مدروسة. وتكتسي هذه العقوبات طابعاً جنائياً في فرنسا، لكن بلداناً أخرى قد تلجأ إلى عقوبات في شكل غرامات إدارية. وتشمل العقوبات المطبقة غرامة من الفئة ٢ (لا تتجاوز ١٥٠ يورو)، وهي عقوبة متوسطة يمكن أن يستعاض عنها مع ذلك بإلزام الشخص بالخضوع لتدريب في المواطنة. ولكن ماذا تفعل الدولة إذا رفض الشخص الامتثال للقانون؟ هل تقبل هذا السلوك؟ لقد حُكم على صاحبة البلاغ في قضية ياكر مرتين، ويعود سبب الحكم الثاني إلى امتناعها عن رفع نقابها لدى وصولها إلى نقطة التفتيش الأمني قبل دخول المحكمة. فهل يُعقل أن يُجبر القاضي على قبول مثول الشخص الذي سيحاكمه أمامه وهو مغطى الوجه أثناء المحاكمة؟ الأرجح أن هذا الطلب لن يلقى قبولاً في أي محكمة في أي بلد كان. وعلاوةً على ذلك، نظرت إحدى محاكم الشرطة في القضيتين، وهو ما يؤكد، إذا كانت هناك حاجة للتأكيد، عدم جسامة المخالفة. وعليه، لا تعتبر هذه العقوبات تدبيراً غير متناسب.

١٤ - وأخيراً، يبدو واضحاً، فيما يتعلق بالادعاء القائل إن الجزاءات فُرضت على نساء مسلمات بوجه خاص، أن سبب ذلك يعود إلى خرقهن الحظر. فهل يمكن على سبيل المثال اعتبار مقاضاة سائق ثمل أو شخص يتجر بالمخدرات تدبيراً يؤثر عليه بشكل غير متناسب؟ أليس ذلك مجرد نتيجة لسياسات إنفاذ القانون؟

١٥ - وبناءً على ذلك، أخلص إلى القول بعدم وقوع انتهاك للمادتين 18 و26 من العهد. فعدم قبول الحظر المفروض يمكن، مع الأسف، أن ترى فيه بعض الدول خطوة تدنينا من اليوم الذي يصبح فيه فرض ارتداء النقاب سياسةً مقبولةً.