الأمم المتحدة

CCPR/C/128/D/2819/2016

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

Distr.: General

30 September 2020

Arabic

Original: French

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

آراء اعتمدتها اللجنة بموجب المادة 5 ( 4 ) من البروتوكول الاختياري، بشأن البلاغ رقم 2016/2819* **

بلاغ مقدم من:

عائشة حبوشي ( تمثلها المحامية نصيرة ديتور، من تجمّع عائلات المفقودين في الجزائر )

الشخص المدعى أنه ضحية:

صاحبة البلاغ وعبد الحكيم هواري ( ابن صاحبة البلاغ )

الدولة الطرف:

الجزائر

تاريخ تقديم البلاغ:

7 نيسان/أبريل 2016 ( تاريخ الرسالة الأولى )

الوثائق المرجعية:

القرار المتخذ بموجب المادة 92 من النظام الداخلي للجنة، والمحال إلى الدولة الطرف في 6 كانون الثاني/يناير 2017 ( لم يصدر في شكل وثيقة )

تاريخ اعتماد الآراء:

27 آذار/مارس 2020

الموضوع:

الاختفاء القسري

المسائل الإجرائية:

استنفاد سبل الانتصاف المحلية

المسائل الموضوعية:

الحق في سبيل انتصاف فعال؛ المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ حق الفرد في الحرية وفي الأمان على نفسه؛ الكرامة الإنسانية؛ الوصول إلى العدالة؛ الاعتراف بالشخصية القانونية

مواد العهد:

2 ( الفقرتان 2 و 3 ) و 6 و 7 و 9 و 10 و 14 و 16

مواد البروتوكول الاختياري:

2 و 3 و 5 ( الفقرة 2 )

1 - 1 صاحبة البلاغ هي عائشة حبوشي، وهي مواطنة جزائرية. وتؤكد أن ابنها عبد الحكيم هواري، المولود في 19 أيار/مايو 1974 ، وهو مواطن جزائري أيضاً، وقع ضحية اختفاء قسري تقف وراءه الدولة الطرف، مما يشكل انتهاكاً للفقرة 3 من المادة 2 فضلا ً عن المواد 6 و 7 و 9 و 10 و 16 من العهد. وتدعي صاحبة البلاغ أيضاً انتهاك حقوقها المكفولة بموجب الفقرتين ( 2 ) و ( 3 ) من المادة 2 ، والمادة 7 مقروءة بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 ، والمادة 14 من العهد. وقد دخل العهد والبروتوكول الاختياري الملحق به حيز النفاذ بالنسبة إلى الدولة الطرف في 12 كانون الأول/ديسمبر 1989 . وتمثل عائشة حبوشي، المحامية نصيرة ديتور، من تجمّع عائلات المفقودين في الجزائر.

1 - 2 وفي 18 أيلول/سبتمبر 2018 ، قررت اللجنة، عن طريق المقرر الخاص المعني بالبلاغات الجديدة والتدابير المؤقتة، ألا تنظر في مقبولية البلاغ بمعزل عن أسسه الموضوعية.

الوقائع كما عرضتها صاحبة البلاغ

2 - 1 حوالي الساعة 30/11 من صباح يوم 13 تشرين الثاني /نوفمبر 1995 ، كان عبد الحكيم هواري يتنزه برفقة أحد أصدقائه في جوار الحي الذي يسكن فيه ( حي البدر، وهران ) ، فتوقفت بجانبهما شاحنة زرقاء اللون من طراز "بيجو J7" وكان على متنها شرطيان يرتديان ملابس مدنية. وارتمى أحدهما على عبد الحكيم هواري وأركبه الشاحنة. عنوةً وجرى كل شيء بسرعة بحيث لم يتمكن صديقه من التدخل. ووقف زبائن المخبز، الذي يقع في الجهة المقابلة لمكان الحادثة، يشاهدون اعتقال عبد الحكيم هواري، وهم عاجزون عن فعل شيء. وأبلغوا والدة الشاب بالوقائع على الفور. ومنذ ذلك اليوم، لم يره أحد قط.

2 - 2 وقبل هذه الحادثة، كان حي البدر في وهران حيا هادئاً جداً. ولم يشهد أي عمل إرهابي أو حتى عمليات تفتيش أو اعتقالات. وقد فوجئ الجميع بهذا الاعتقال لأن عبد الحكيم هواري كان شاباً هادئاً جداً لا ينتمي إلى أي حركة سياسية، ويصلي في مسجد الحي ويشارك في الأنشطة التي تنظمها إحدى الجمعيات الخيرية.

2 - 3 وما أن علمت صاحبة البلاغ باختفاء ابنها في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 1995 حتى سارعت إلى إرسال رسالة إلى النائب العام في محكمة وهران، وهرعت إلى مركز الدرك في حي "سيتي بوتي"، ثم إلى مركز الدرك في حي البدر والثكنة العسكرية في حي الدار البيضاء، في مدينة وهران. وكان كل شخص تقابله من الأشخاص الذين لجأت إليهم، رجال الدرك والجنود، ينكر أن تكون له صلة باحتجاز ابنها ووجوده في المبنى. وبعد مرور عشرين يوماً، أي في 2 كانون الأول/ديسمبر 1995 ، اعتقلت قوات الأمن ثلاثة شبان من نفس الجمعية الخيرية التي كان عبد الحكيم هواري يشارك في أنشطتها وسجنوا في ثكنة الدار البيضاء العسكرية. وأُطلق سراح أحدهم بعد مرور ستة أشهر، وأُطلق سراح الشخصين الآخرين بعد انتهاء محاكمتهما في 28 أيار/مايو 1997 ، بتهمة المشاركة في أنشطة غير مشروعة لسبب وحيد هو أن الجمعية لم تكن جمعية معترفا بها قانوناً. وقد أبلغ كل هؤلاء الأشخاص صاحبة البلاغ بأنهم شاهدوا عبد الحكيم هواري مرات عديدة في ثكنة الدار البيضاء العسكرية. وذكروا في إفاداتهم أن حالته النفسية كانت سيئة للغاية وأن وجوده هناك ربما مر عليه سبعة أشهر على الأقل.

2 - 4 وبذلت صاحبة البلاغ كل ما في وسعها للعثور على ابنها فكانت تقصد ثكنة الدار البيضاء العسكرية بانتظام وفي يوم من الأيام أمرها بعض الجنود بألا تأتي إلى هناك مرة أخرى، وهددوا بالانتقام منها ومن وأسرتها. ونظراً لأجواء الرعب التي كانت سائدة في البلد في التسعينات، انتظرت فترة تناهز عامين قبل أن ترفع شكوى إلى السلطات القضائية ( ) . وكانت هناك شائعات تُتناقل باستمرار تقول إن الأسرة التي تكثر من اللغط بشأن اختفاء أحد أفرادها تدفع السلطات إلى إعدام الشخص المختفي وتحميل مسؤولية قتله للإرهابيين.

2 - 5 وفي 20 أيلول/سبتمبر 1997 ، وجهت صاحبة البلاغ رسالة إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة وهران طالبة فتح تحقيق بشأن مصير ابنها وضمنت رسالتها معلومات تؤكد أقوال الشابين اللذين اعتقلا وكانا محتجزين مع ابنها في ثكنة الدار البيضاء العسكرية. ولم تتلق ردا على رسالتها. وفي 19 آب/أغسطس 1998 ، وكلت صاحبة البلاغ، هي ومجموعة من أمهات المفقودين، محامياً ليرفع شكوى باسمهن إلى محكمة وهران. ولم يُتَّخذ أي إجراء بشأن هذه الشكوى. وفي 31 أيار/مايو 2000 ، وجهت رسالة أخرى إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة وهران وطلبت فيها إجراء تحقيق بشأن اختفاء ابنها وتظلمت من عدم رده حتى ذلك الحين. وهي لا تزال في انتظار الرد الذي لم يصل حتى الآن.

2 - 6 وفي 13 تموز/يوليه 2008 ، تلقت صاحبة البلاغ شهادة وفاة باسم عبد الحكيم هواري من الشرطة القضائية في وهران، ويفيد نص هذه الشهادة بأن التحقيق أظهر أن هذا الشخص التحق بمعسكر الجماعات المسلحة في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 1995 وأنه توفي لاحقاً في الجبال. ورفضت صاحبة البلاغ تصديق صحة المعلومات المذكورة في هذه الوثيقة، خاصة وأن أحد أصدقاء ابنها وبعض زبائن المخبز شهدوا الواقعة حين أُركب ابنها الشاحنة الزرقاء. وبالإضافة إلى ذلك، أكد الشبان الثلاثة الذين احتُجزوا فيما بعد في ثكنة الدار البيضاء العسكرية أنهم شاهدوه هناك خلال عدة أشهر. ولذلك، لجأت صاحبة البلاغ إلى محكمة وهران وطلبت أن يستمع إلى أقوالها أحدٌ من مكتب وكيل الجمهورية. ولم يكلف أحد نفسه عناء استقبالها، ونصحها أحد القضاة الذي كانوا هناك بإلحاح ألا تستمر في إجراءاتها. وفي 17 تموز/يوليه 2010 ، بعثت برسالة أخرى إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة وهران. وفي 14 أيلول/سبتمبر 2010 ، وجهت صاحبة البلاغ رسالة إلى النائب العام لدى محكمة وهران للطعن في صحة الرواية التي تقول إن ابنها توفي. وطلبت أن يُذكر في شهادة الوفاة أنه اختفى بعد أن اعتقله شرطيان اثنان في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 1995 .

2 - 7 وفي 4 نيسان/أبريل 2011 ، تلقت صاحبة البلاغ استدعاء من وكيل الجمهورية لدى محكمة وهران. وخلال جلسة الاستماع، نصحها وكيل الجمهورية بإلحاح أن توقع شهادة الوفاة حتى تنطلق عملية إعانة الدولة للأسر المحرومة التي ابتُليت بضلوع أحد أقاربها في الإرهاب، بموجب المرسوم الرئاسي رقم 06 - 94 المؤرخ 28 شباط/فبراير 2006 . فرفضت وكررت طلبها تغيير الصيغة التي سردت بها الوقائع في شهادة وفاة ابنها. وفي 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 ، أكدت صاحبة البلاغ خطياً لوكيل الجمهورية لدى محكمة وهران أنها تطعن في صحة الرواية الرسمية لوفاة ابنها.

2 - 8 وفي 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2014 ، استدعى وكيل الجمهورية لدى محكمة وهران صاحبة البلاغ مرة أخرى. وخلال الجلسة، أبلغها وكيل الجمهورية أن الرواية التي تشير إلى وفاة ابنها في الجبال مردها إلى خطأ كتابي ارتكبته الإدارة القضائية. فطلبت صاحبة البلاغ تغيير نص الشهادة وفتح تحقيق. ولكن لم يُستجب لطلبها.

2 - 9 وبالإضافة إلى الالتماسات التي رفعتها صاحبة البلاغ إلى السلطات القضائية، لجأت أيضاً إلى هيئات غير قضائية شتى. فوجهت رسائل إلى وزير العدل ( ) ، ومندوب وسيط الجمهورية ( ) ، ورئيس المرصد الوطني لحقوق الإنسان ( ) ، ووزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي ( ) ، والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان ( ) ، والأمينة العامة لحزب العمال ( ) ، وقائد منطقة وهران العسكرية الثانية ( ) ، ووزير الدفاع ( ) ، وجمعية إنقاذ المفقودين ( ) . ولكن لم تُجدِ أي من هذه الخطوات شيئاً. وفي 21 أيار/ مايو 2007 ، عرضت صاحبة البلاغ قضية ابنها على الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي ‬ .

2 - 10 وفي نهاية المطاف، استُدعيت صاحبة البلاغ، في نيسان/أبريل 2015 ، إلى مركز الدرك في حي جمال في وهران. وكانت تعتقد أنها استُدعيت للإدلاء بأقوالها أمام رجال الدرك الذين سيتولون التحقيق في القضية، ثم تبين أن الغرض الوحيد من استدعائها كان هو تخويفها لثنيها عن مواصلة إجراءاتها. فقد طلب منها رجال الدرك بشكل واضح أن تكف عن كل جهود البحث وتقبل إعانة الدولة للأسر المحرومة. وأكدت صاحبة البلاغ روايتها لملابسات اختفاء ابنها وطلبت استعادة رفات ابنها إذا كان قد توفي في السجن.

2 - 11 ولم يُفتح أي تحقيق رغم كل الجهود التي بذلتها صاحبة البلاغ. وتقول صاحبة البلاغ إنه لا يجوز لها قانوناً اليوم أن ترفع قضيتها إلى هيئة قضائية، بعد صدور الأمر رقم 06 - 01 المؤرخ 27 شباط/فبراير 2006 الذي ينص على تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وعليه، لم تعد هناك سبل انتصاف محلية متاحة، وهي لم تكن فعالة على أي حال. وينص ميثاق السلم والمصالحة الوطنية على أن "الأفعال الجديرة بالعقاب المقترفة من قبل أعوان الدولة الذين تمت معاقبتهم من قبل العدالة كلما ثبتت تلك الأفعال، لا يمكن أن تكون مدعاة لإلقاء الشبهة على سائر قوات النظام العام التي اضطلعت بواجبها بمؤازرة من المواطنين وخدمة للوطن".

2 - 12 وتفيد صاحبة البلاغ بأن الأمر رقم 06 - 01 يحظر اللجوء إلى القضاء تحت طائلة الملاحقة الجنائية، مما يعفي الضحايا من ضرورة استنفاد سبل الانتصاف المحلية. ويحظر هذا الأمر تقديم أي شكوى بشأن الاختفاء أو الجرائم الأخرى، وتنص المادة 45 على أنه "لا يجوز الشروع في أي متابعة، بصورة فردية أو جماعية، في حق أفراد قوى الدفاع والأمن للجمهورية، بجميع أسلاكها، بسبب أعمال نفذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات، ونجدة الأمة، والحفاظ على مؤسسات الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية". وبموجب هذا الحكم، يجب على الجهة القضائية المختصة التصريح بعدم قبول كل إبلاغ أو شكوى. وبالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 46 من الأمر نفسه على ما يلي: "يعاقب بالحبس من ثلاث ( 3 ) سنوات إلى خمس ( 5 ) سنوات وبغرامة من 000 250 إلى 000 500 [دينار جزائري] كل من يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر، جراح المأساة الوطنية أو يعتد بها للمساس بمؤسسات الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، أو لإضعاف الدولة، أو للإضرار بكرامة أعوانها الذين خدموها بشرف، أو لتشويه سمعة الجزائر في المحافل الدولية. وتباشر النيابة العامة المتابعات الجزائية تلقائياً. وفي حالة العود، تضاعف العقوبة المنصوص عليها في هذه المادة".

الشكوى

3 - 1 تدعي صاحبة البلاغ أن ابنها وقع ضحية اختفاء بسبب تصرفات ضباط الشرطة، وعليه، يعزى هذا الاختفاء إلى الدولة الطرف، وفقاً لتعريف حالات الاختفاء القسري بموجب المادة 2 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. وتؤكد صاحبة البلاغ أنه على الرغم من خلو العهد من حكم يشير صراحة إلى حالات الاختفاء القسري، فإن هذه الممارسة تنطوي على انتهاكات للحق في الحياة، والحق في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والحق في الحرية والأمن. وفي هذه القضية، تدعي صاحبة البلاغ انتهاك الدولة الطرف للفقرتين 2 و 3 من المادة 2 ، وكذلك المواد 6 و 7 و 9 و 10 و 14 و 16 من العهد.

3 - 2 وترى صاحبة البلاغ أن الأمر رقم 06 - 01 المؤرخ 27 شباط/فبراير 2006 المتضمن لتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية يشكل إخلالاً بالالتزام العام المكرّس في المادة 2 ( الفقرة 2 ) من العهد، لكون هذا الحكم يتضمن أيضاً التزاما ً سلبيا ً يقتضي من الدول الأطراف ألا تعتمد تدابير تتعارض مع أحكام العهد. وبإقدام الدولة الطرف على اعتماد هذا الأمر، ولا سيما المادة 45 ، تكون قد اتخذت إجراء تشريعياً يمنع التمتع من الحقوق المعترف بها في العهد، ولا سيما الحق في الحصول على سبيل انتصاف فعال عن انتهاكات حقوق الإنسان ( ) . ومنذ أن صدر هذا الأمر، بات اللجوء إلى المحاكم ممنوعا على صاحبة البلاغ. وهي ترى أن الإخلال بالالتزام المنصوص عليه في الفقرة 2 من المادة 2 من العهد، بطريق الفعل أو الامتناع عن فعل، يمكن أن تنشأ عنه مسؤولية دولية على الدولة الطرف ( ) . وتؤكد أن الشكاوى التي قدمتها لم تُعالج على الرغم من جميع الجهود التي بذلتها بعد دخول ميثاق السلم والمصالحة الوطنية حيز النفاذ. ولذلك، فهي تعتبر نفسها ضحية لهذا الحكم التشريعي الذي يتعارض مع الفقرة 2 من المادة 2 من العهد.

3 - 3 وتضيف صاحبة البلاغ أن أحكام الأمر رقم 06 - 01 تتعارض مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، لأنها تمنع رفع دعوى جنائية ضد مرتكبي جرائم الاختفاء القسري المزعومة، إذا كانوا من موظفي الدولة. وهذا الأمر هو بمثابة عفو فعلي عن مرتكبي الجرائم التي وقعت خلال العقد الماضي، بما في ذلك الجرائم الأشد خطورة مثل الاختفاء القسري. وهو يمنع أيضاً اللجوء إلى القضاء لاستجلاء مصير الضحايا، تحت طائلة الحبس ( ) . ومن الواضح أن السلطات الجزائرية، بما في ذلك السلطة القضائية، ترفض إثبات مسؤولية أجهزة الأمن، بمن في ذلك المسؤولون الذين يُزعم أنهم وراء اختفاء عبد الحكيم هواري قسراً. وهذا الرفض يعوق فعالية سبل الانتصاف التي لجأت إليها أسرته.

3 - 4 وتُذكِّر صاحبة البلاغ بالتطور الذي طرأ على الاجتهاد القانوني للجنة فيما يخص مسألة الاختفاء القسري وترى أن مجرد وجود احتمال أو خطر يهدد بأن يفقد الشخص حياته في سياق الاختفاء القسري يشكل سبباً كافياً لاستنتاج وقوع انتهاك مباشر للمادة 6 من العهد. وهي تُذكِّر بوقائع اختفاء ابنها وترى أن فُرَص العثور عليه تتضاءل يوما بعد يوم، وتعتقد بالفعل أن ابنها قد فقد حياته، أو يخضع للعزل التام، وهو ما يشكل خطورة كبيرة على حياته لأنه تحت رحمة سجانيه من دون أن تكون هناك أي رقابة عليهم. ولذلك، ترى صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف لم تف بواجبها الذي يقتضي منها حماية حق عبد الحكيم هواري في الحياة واتخاذ تدابير للتحقيق فيما حدث له، مما يشكل انتهاكاً للفقرة 1 من المادة 6 من العهد.

3 - 5 وتشير صاحبة البلاغ إلى ملابسات اختفاء ابنها، ومنها عدم توفر أي معلومات على الإطلاق عن احتمال تعرضه للاحتجاز أو السجن وعن وضعه الصحي، فضلاً عن عدم اتصاله بأسرته وبالعالم الخارجي، فتؤكد أن عبد الحكيم هواري تعرض لشكل من أشكال المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وبالإضافة إلى ذلك، تشير صاحبة البلاغ إلى الاجتهاد القانوني للجنة، وتقول إن المعاناة وحالة عدم اليقين وحالة الكرب التي سببها لها اختفاء عبد الحكيم هواري تشكل شكلاً من أشكال المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لأسرته. وبناء على ذلك، تدعي صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف مسؤولة عن انتهاك حقوق عبد الحكيم هواري المكفولة بمجوب المادة 7 من العهد، وعن انتهاك حقوق أسرته المكفولة بموجب المادة 7 مقروءة بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

3 - 6 وتذكر صاحبة البلاغ بالحق المكفول لكل فرد في الحرية وفي الأمان على شخصه بموجب المادة 9 من العهد، والتي تنص أيضاً على عدم جواز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا ً ، فتقول إن اعتقال عبد الحكيم هواري واحتجازه قد حرماه تعسفاً من الحرية ومن الأمان على شخصه. ولذلك، ترى أن ابنها حُرم من الضمانات المنصوص عليها في المادة 9 من العهد، وهو ما يعد بمثابة انتهاك لحقوقه المكفولة بموجب هذه المادة.

3 - 7 وتذكر صاحبة البلاغ بأحكام المادة 10 من العهد، فتؤكد أيضاً أن تقاعس السلطات الجزائرية عن إجراء تحقيق في حادث الاختفاء أدى إلى حرمان عبد الحكيم هواري من حريته وعدم معاملته معاملة إنسانية تحفظ كرامته، وهو ما يشكل انتهاكاً لحقوقه المكفولة بموجب المادة 10 من العهد.

3 - 8 وتشير صاحبة البلاغ إلى أحكام المادة 14 من العهد والفقرة 9 من التعليق العام 32 ( 2007 ) للجنة بشأن الحق في المساواة أمام المحاكم والهيئات القضائية وفي محاكمة عادلة، فتؤكد أن جميع المساعي التي بذلتها من أجل عرض قضيتها على الهيئات القضائية قد باءت بالفشل. وأصدرت لها الشرطة شهادة وفاة تفيد بأن ابنها توفي في الجبال بعد أن انضم إلى صفوف الإرهابيين، مع أنها جمعت كل الأدلة التي تثبت أن شرطيين اعتقلاه في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 1995 . وبالإضافة إلى ذلك، استدعى وكيل الجمهورية لدى محكمة وهران صاحبة البلاغ لتوقيع شهادة الوفاة، مع أنه كان قد أقرَّ بأن ما ورد في الشهادة نجم عن خطأ كتابي ارتكبته الإدارة القضائية، ولم يأمر بفتح تحقيق جديد أو باتخاذ إجراء آخر بسبب هذا الخطأ الواضح. ولذلك، فإن الدولة الطرف انتهكت حقوق صاحبة البلاغ المكفولة بموجب المادة 14 من العهد.

3 - 9 وبعد ذلك، تُذكِّر صاحبة البلاغ بأحكام المادة 16 من العهد وبالاجتهاد القانوني الثابت للجنة الذي يفيد بأن تعمّد حرمان شخص ما من حماية القانون فترة طويلةً يمكن أن يكون بمثابة امتناع عن الاعترا ف له بالشخصية القانونية إذا كان الشخص موجودا في عهدة سلطات الدولة حين شوهد آخر مرة، وإذا أُعيقت بصورة منهجية جهود أقاربه في سبيل الوصول إلى سبل انتصاف فعالة، بما في ذلك السبل القضائية. وتحيل صاحبة البلاغ إلى الملاحظات الختامية للجنة بشأن التقرير الدوري الثاني للجزائر المقدم بموجب المادة 40 من العهد ( ) ، التي رأت فيها أن الأشخاص المختفين، الذين لا يزالون على قيد الحياة ويخضعون للاحتجاز السري، يُنتهك حقهم في أن يُعترف لهم بالشخصية القانونية، على النحو المنصوص عليه في المادة 16 من العهد. وبناء على ذلك، تؤكد أن استمرار السلطات الجزائرية في احتجاز عبد الحكيم هواري من دون الاعتراف بذلك، قد حرمه من حماية القانون وحرمه من الحق في أن يُعترف له بالشخصية القانونية، مما يشكل انتهاكاً للمادة 16 من العهد.

3 - 10 وتطلب صاحبة البلاغ إلى اللجنة أن تعلن انتهاك الدولة الطرف لحقوق عبد الحكيم هواري المكفولة بموجب الفقرة 3 من المادة 2 والمواد 6 و 7 و 9 و 10 و 16 من العهد، وانتهاكها كذلك لحقوق صاحبة البلاغ وأسرتها المكفولة بموجب الفقرتين 2 و 3 من المادة 2 ، والمادة 7 مقروءة بالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 ، والمادة 14 من العهد. وبالإضافة إلى ذلك، تطلب إلى اللجنة أن تحث الدولة الطرف على احترام التزاماتها الدولية وإعمال الحقوق المعترف بها في العهد، وكذلك الحقوق المعترف بها في كافة الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الإنسان التي صدّقت عليها الجزائر، واتخاذ التدابير المناسبة حتى لا تتكرر مثل هذه الانتهاكات في المستقبل. وتطلب صاحبة البلاغ إلى اللجنة أيضاً أن تدعو الدولة الطرف إلى إصدار الأمر بإجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة من أجل ما يلي: ( أ ) العثور على عبد الحكيم هواري واحترام تعهدها بموجب الفقرة 3 من المادة 2 من العهد؛ ( ب ) تقديم مرتكبي جريمة الاختفاء القسري هذه إلى السلطات المدنية المختصّة من أجل ملاحقتهم أمام القضاء وفقاً للفقرة 3 من المادة 2 من العهد؛ ( ج ) جبر الضرر الذي لحق بحكيم هواري، إذا كان لا يزال على قيد الحياة، وأسرته جبرا ً كافيا ً وفعالا ً وفوريا ً وفقاً للفقرة 3 من المادة 2 والمادة 9 من العهد، ويشمل ذلك التعويض المناسب الذي يتناسب مع خطورة الانتهاك وإعادة التأهيل على أكمل وجه. وفي الأخير، تطلب إلى اللجنة أن تُلزِم السلطات الجزائرية بإلغاء المواد من 27 إلى 39 والمادتين 45 و 46 من الأمر رقم 06 - 01 المتضمن لتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية.

ملاحظات الدولة الطرف

4 - في 3 نيسان/أبريل 2017 ، دعت الدولة الطرف اللجنة إلى الرجوع إلى المذكرة المرجعية الصادرة عن الحكومة الجزائرية بشأن معالجة مسألة الاختفاء في ضوء تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة، من دون أن ترفق ملاحظاتها بنسخة من هذه المذكرة، وطلبت من جهة، أن يُنظر في مقبولية البلاغ بمعزل عن الأسس الموضوعية، وطلبت من جهة أخرى، اعتبار البلاغ غير مقبول. وبعدما رفضت اللجنة الاستجابة لطلب النظر في المقبولية بمعزل عن الأسس الموضوعية، دعت الدولة الطرف اللجنة مرة أخرى في 4 تشرين الأول/أكتوبر 2018 إلى الرجوع إلى مذكرتها المرجعية، وعدم النظر في الأسس الموضوعية.

تعليقات صاحبة البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف

5 - 1 في 16 آذار/مارس 2018 ، قدمت صاحبة البلاغ تعليقات على ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية. وهي تشير إلى أن هذه الملاحظات ليست في محلها لأنها موجهة إلى هيئة أخرى معنية بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، وهي الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، وترى أنه فات أوانها، لأنها تعود إلى تموز/يوليه 2009 . وعلاوة على ذلك، فإن هذه الملاحظات لا تتطرق بتاتا لمقبولية البلاغ أو خصائص القضية أو سبل الطعن التي لجأت إليها أسرة الضحية، مما يدل على عدم جدية السلطات الجزائرية وازدرائها لهذا الإجراء.

5 - 2 وتقول صاحبة البلاغ إن سبل الطعن التي لجأت إليها لم يسفر أي منها عن فتح تحقيق فوري أو ملاحقة جنائية، وإن السلطات الجزائرية لم تقدم أي دليل ملموس على بذل جهود بحث فعلية للعثور على عبد الحكيم هواري وتحديد المسؤولين عن اختفائه، وترى أنها استنفدت سبل الانتصاف المحلية المتاحة وأن اللجنة يجب أن تعتبر البلاغ مقبولاً.

5 - 3 وتستند صاحبة البلاغ إلى الاجتهاد القانوني للجنة الذي رأت فيه أنه لا يجوز الاحتجاج بميثاق السلم والمصالحة الوطنية ضد الأشخاص الذين يقدمون بلاغا فرديا، فتشير إلى أن أحكام الميثاق لا تمثل قطعاً إدارة ملائمة لملف قضية المختفين، التي تتطلب اتباع نهج قائم على احترام الحق في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة والجبر الكامل.

عدم تعاون الدولة الطرف

6 - تذكّر اللجنة بأن الدولة الطرف طعنت في مقبولية البلاغ في 3 نيسان/أبريل 2017 و 4 تشرين الأول/أكتوبر 2018 واستندت في ذلك إلى المذكرة المرجعية الصادرة عن الحكومة الجزائرية في عام 2009 ، بشأن معالجة مسألة الاختفاء في ضوء تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وفي 6 كانون الثاني/ يناير 2017 و 18 أيلول/سبتمبر و 12 كانون الأول/ديسمبر 2018 ، طُلب إلى الدولة الطرف أن تقدم ملاحظاتها بشأن الأسس الموضوعية للبلاغ. وتشير اللجنة إلى أنها لم تتلق أي رد وتعبر عن أسفها لامتناع الدولة الطرف عن تقديم أي معلومات بهذا الشأن. والدولة الطرف ملزمةٌ، بموجب الفقرة 2 من المادة 4 من البروتوكول الاختياري، بالتحقيق بحسن نية في جميع الادعاءات التي تنسب لها ولمن يمثلها ارتكاب انتهاكات لأحكام العهد، وبموافاة اللجنة بما تملكه من معلومات ( ) .

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

7 - 1 قبل النظر في أي شكوى ترد في بلاغ ما، يتعين على اللجنة، وفقاً للمادة 97 من نظامها الداخلي، أن تحدد ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد.

7 - 2 وقد تحققت اللجنة، وفقاً لما تقضيه الفقرة 2 ( أ ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة ذاتها ليست قيد البحث في إطار إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية. وتشير اللجنة إلى أن الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي قد أُبلغ بحالة الاختفاء هذه. إلاّ أنها تذكّر بأن إجراءات أو آليات مجلس حقوق الإنسان الخارجة عن نطاق الاتفاقيات والتي تتمثل ولايتها في دراسة حالة حقوق الإنسان في بلد أو إقليم محدد أو فحص انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم وتقديم تقارير عنها، لا تندرج عموماً ضمن إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية بالمعنى المقصود في الفقرة 2 ( أ ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري ( ) . وبناء على ذلك، ترى اللجنة أن نظر الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في قضية عبد الحكيم هواري لا يجعل البلاغ غير مقبول استناداً إلى هذا الحكم.

7 - 3 وتحيط اللجنة علماً بادعاءات صاحبة البلاغ التي ترى أنها قد استنفدت جميع سبل الانتصاف المحلية المتاحة. وتلاحظ أن الدولة الطرف تكتفي، في معرض الطعن في مقبولية البلاغ، بالإحالة إلى المذكرة المرجعية الصادرة عن الحكومة الجزائرية في عام 2009 ، بشأن معالجة مسألة الاختفاء في ضوء تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وفي هذا الصدد، تشير اللجنة إلى أنها كانت قد أعربت عن قلقها في عام 2018 لأن الدولة الطرف تجاهلت طلباتها المتكررة وظلت تحيل بصورة منهجية إلى وثيقة عامة نموذجية تعرف باسم "مذكرة"، من دون الرد على ادعاءات أصحاب البلاغات على نحو محدد. وبناءً على ذلك، حثت اللجنة الدولة الطرف على أن تتعاون معها بحسن نية في إطار إجراء البلاغات الفردية والتوقف عن الإحالة إلى "المذكرة"، وتقديم رد محدد وفردي بشأن ادعاءات أصحاب البلاغات ( ) .

7 - 4 وتذكّر اللجنة بأن واجب الدولة الطرف لا يقتصر فقط على إجراء تحقيقات شاملة في انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة التي تُبلَّغ بها سلطاتها، ولا سيما ما تعلّق منها بانتهاك الحق في الحياة، بل من واجبها أيضاً ملاحقة كل شخص يُزعم أنه ضالعٌ في هذه الانتهاكات ومحاكمته ومعاقبته ( ) . وقد نبَّهت أسرة عبد الحكيم هواري السلطات المختصة مراراً وتكراراً إلى تعرض الضحية للاختفاء القسري، ولكن الدولة الطرف لم تباشر أي تحقيق شامل ودقيق في هذا الادعاء الخطير بل إنها ادعت أنه توفي في الجبال، وهو ادعاء يتعارض مع جميع الأدلة. وبالإضافة إلى ذلك، لم تقدم الدولة الطرف تفسيرا ً محددا ً في ملاحظاتها بشأن قضية عبد الحكيم هواري، يُمكن أن يُستنتج منه أن ثمة سبيل انتصاف فعالا قد بات متاحاً الآن. ويضاف إلى ذلك أن تطبيق الأمر 06 - 01 لا يزال مستمراً مع أن اللجنة أوصت بمواءمته مع العهد ( ) . وقد ذكرت اللجنة في ملاحظاتها الختامية بشأن التقرير الدوري الرابع للدولة الطرف أنها تأسف على وجه الخصوص لعدم توفير سبيل انتصاف فعال للأشخاص المفقودين و/أو أسرهم، وعدم اتخاذ تدابير لاستجلاء حقيقة اختفاء الأشخاص المفقودين، وتحديد مكان وجودهم وإعادة رفات من توفي منهم إلى أسرته ( ) . وفي ضوء هذه الظروف، ترى اللجنة أنه لا شيء يمنعها من النظر في البلاغ وفقاً للفقرة 2 ( ب ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

7 - 5 وتلاحظ اللجنة أن صاحبة البلاغ أشارت إلى ارتكاب انتهاكات منفصلة لحقوقها المكفولة بموجب الفقرتين 2 و 3 من المادة 2 من العهد. وإذ تشير اللجنة إلى اجتهاداتها القانونية التي رأت فيها أن أحكام المادة 2 من العهد تضع التزامات عامة على الدول الأطراف، ولا تعتبر، بمفردها، أساسا يمكن الاستناد إليه لتقديم ادعاء منفصل بموجب البروتوكول الاختياري، إذ لا يمكن الاحتجاج بها إلا مقترنة مع المواد الموضوعية الأخرى المنصوص عليها في العهد ( ) ، فإنها تعتبر أن ادعاءات صاحبة البلاغ بموجب المادتين 2 ( 1 ) و ( 3 )( أ ) غير مقبولة بمقتضى المادة 3 من البروتوكول الاختياري.

7 - 6 غير أن اللجنة ترى أن صاحبة البلاغ قدمت ما يكفي من الأدلة لإثبات ادعاءاتها الأخرى لأغراض المقبولية، وتشرع في النظر في الأسس الموضوعية للادعاءات المتعلقة بانتهاك الفقرة 3 من المادة 2 ، والفقرة 1 من المادة 6 والمواد 7 و 9 و 10 و 14 و 16 من العهد.

النظر في الأسس الموضوعية

8 - 1 نظرت اللجنة في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي قدمت لها، وفقاً لما تقتضيه المادة 5 ( 1 ) من البروتوكول الاختياري.

8 - 2 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف اكتفت بالإشارة إلى الملاحظات المشتركة والعامة التي كانت قد قدّمتها آنفاً إلى الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، وإلى اللجنة فيما يتعلق ببلاغات سابقة، وذلك من أجل تأكيد موقفها القائل إن هذا النوع من القضايا قد جرت تسويته بالفعل، في إطار تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وتحيل اللجنة إلى اجتهاداتها القانونية وإلى ملاحظاتها الختامية على التقرير الدوري الرابع للجزائر وتذكِّر بأنه لا يجوز للدولة الطرف أن تحتج بأحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ضد أشخاص يحتجون بأحكام العهد أو قدموا أو يمكن أن يقدّموا بلاغات إلى اللجنة. وتقضي أحكام العهد بأن تبدي الدولة الطرف حرصا على مصير كل شخص وبأن تعامل كل شخص معاملة تحترم كرامة الإنسان الأصيلة فيه. ونظرا ً إلى أن الدولة الطرف لم تدخل التعديلات التي أوصت بها اللجنة، فإن الأمر رقم 06 - 01 يُسهم في الإفلات من العقاب في هذه القضية، ولذلك لا يمكن اعتباره، بصيغته الحالية، متفقاً مع أحكام العهد ( ) .

8 - 3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تردّ على ادعاءات صاحبة البلاغ بشأن الأسس الموضوعية، وتذكر باجتهادها القانوني الذي يقضي بأن عبء الإثبات يجب ألا يقع على عاتق صاحب البلاغ وحده، خاصة أن صاحب البلاغ لا يتساوى دائماً مع الدولة الطرف في إمكانية الحصول على عناصر الإثبات وأن المعلومات اللازمة تكون في أغلب الأحيان بحوزة الدولة الطرف فقط ( ) . والدولة الطرف ملزمةٌ، بموجب الفقرة 2 من المادة 4 من البروتوكول الاختياري، بالتحقيق بحسن نية في جميع الادعاءات التي تَنسُب لها ولمن يمثلها ارتكاب انتهاكات لأحكام العهد، وبموافاة اللجنة بما تملكه من معلومات ( ) . وفي حال لم تقدم الدولة الطرف أي توضيح بهذا الشأن، فإنه يتعين إيلاء ادعاءات صاحب البلاغ الاهتمام الواجب ما دامت معللة بما فيه الكفاية.

8 - 4 وتذكّر اللجنة بأنه على الرغم من أن مصطلح "الاختفاء القسري" لا يرد صراحة في أي مادة من مواد العهد، فإن الاختفاء القسري يشكل مجموعة فريدة ومتكاملة من الأفعال التي تمثل انتهاكاً مستمراً لعدة حقوق مكرسة في هذا الصك، مثل الحق في الحياة والحق في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب العقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وحق الفرد في الحرية وفي الأمان على شخصه ( ) .

8 - 5 وتلاحظ اللجنة أن ثلاثة من أصدقاء عبد الحكيم هواري شاهدوه آخر مرة في تاريخ غير محدد بين حزيران/يونيه 1996 وأيار/مايو 1997 ، عندما كان محتجزا في ثكنة الدار البيضاء العسكرية. وتحيط علما بأن الدولة الطرف لم تقدم أي دليل بشأن ما حدث لعبد الحكيم هواري ولم تؤكد قط أنه كان محتجزاً. وتذكّر اللجنة بأن سلب الشخص حريته ثم عدم الاعتراف بذلك، أو عدم الكشف عن مصير الشخص المختفي يعني، في حالات الاختفاء القسري، حرمان هذا الشخص من حماية القانون وتعريض حياته لخطر جسيم ودائم تعتبر الدولة مسؤولة عنه ( ) . وفي هذه القضية، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي دليل يمكن أن يثبت أنها قد أوفت بالتزامها بحماية حياة عبد الحكيم هواري. وعليه، ترى اللجنة أن الدولة الطرف قد أخلَّت بالتزامها بحماية حياة عبد الحكيم هواري، مما يشكل انتهاكاً لحقوقه المكفولة بموجب الفقرة 1 من المادة 6 من العهد .

8 - 6 وتقر اللجنة بمدى المعاناة التي يكابدها الشخص من جراء احتجازه لأجلٍ غير مسمى مع حرمانه من الاتصال بالعالم الخارجي. وتذكّر اللجنة بتعليقها العام رقم 20 ( 1992 ) بشأن حظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، الذي أوصت فيه الدول الأطراف باتخاذ تدابير تمنع الاحتجاز السري. وتلاحظ في هذه القضية، أن صاحبة البلاغ قد بلغتها أخبار ابنها من ثلاثة من أصدقائه شاهدوه في ثكنة الدار البيضاء العسكرية، وبعد ذلك لم تصلها قط أي معلومات أخرى عن مصيره أو مكان احتجازه، مع أنها حاولت عدة مرات زيارة الثكنة ورفعت إلى سلطات الدولة الالتماس تلو الالتماس مرات متعددة. وعليه، ترجح اللجنة أن يكون عبد الحكيم هواري، الذي اختفى في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 1995 ، لا يزال قيد الاحتجاز السري لدى السلطات الجزائرية. وبالنظر إلى أن الدولة الطرف لم تقدم أي توضيح بهذا الشأن، ترى اللجنة أن هذا الاختفاء يشكل انتهاكاً لحقوق عبد الحكيم هواري المكفولة بموجب المادة 7 من العهد ( ) .

8 - 7 وفي ضوء ما تقدّم، لن تنظر اللجنة في الادعاءات المتعلقة بانتهاك المادة 10 من العهد، على حدة ( ) .

8 - 8 وتحيط اللجنة علماً بحالة الأسى والكرب التي يسببها اختفاء عبد الحكيم هواري لصاحبة البلاغ وأسرتها منذ أكثر من أربعة وعشرين عاماً. وترى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاكٍ لحقوق صاحبة البلاغ المكفولة بموجب المادة 7 مقروءة منفردة وبالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد ( ) .

8 - 9 وفيما يتعلق بالانتهاك المزعوم للمادة 9 من العهد، تحيط اللجنة علماً بادعاءات صاحبة البلاغ التي تفيد بأن عبد الحكيم هواري قد احتجز تعسفاً من دون مذكرة ولم يوجه إليه الاتهام ولم يمثل أمام سلطة قضائية حتى تتاح له إمكانية الطعن في مشروعية احتجازه. وبما أن الدولة الطرف لم تقدم أي معلومات بهذا الشأن، فإن اللجنة ترى أنه ينبغي أن تُقدَّر ادعاءات صاحبة البلاغ ( ) حق قدرها. وعليه ترى اللجنة أن حقوق عبد الحكيم هواري المكفولة بموجب المادة 9 من العهد قد انتُهكت ( ) .

8 - 10 وتحتج صاحبة البلاغ أيضاً بالمادة 14 من العهد للتظلم من انعدام إمكانية الوصول إلى الهيئات القضائية في الدولة الطرف. وتذكر اللجنة بتعليقها العام رقم 32 ، الذي رأت فيه أن عدم تمكُّن أحد الأفراد بصورة منهجية من الوصول إلى المحاكم أو الهيئات القضائية المختصة سواء كان ذلك بحكم القانون أو بحكم الأمر الواقع يُعد مخالفاً للضمان الوارد في الجملة الأولى من الفقرة 1 من المادة 14 من العهد. وفي هذه القضية، تلاحظ اللجنة أن جميع المساعي التي بذلتها صاحبة البلاغ من أجل عرض قضيتها على السلطات القضائية قد باءت بالفشل. وتحيل إلى ملاحظاتها الختامية بشأن التقرير الدوري الرابع للجزائر، التي أعربت فيها عن قلقها إزاء المادتين 45 و 46 من الأمر رقم 06 - 01 ، وهما مادتان تنتهكان حق كل شخص تعرض لانتهاكات حقوق الإنسان في اللجوء إلى سبيل انتصاف فعال ( ) . ويشمل هذا الحق أيضاً الحق في اللجوء إلى هيئة قضائية، على النحو المنصوص عليه في الفقرة 1 من المادة 14 من العهد. وعليه، ترى اللجنة أن الدولة الطرف قد أخلَّت بالتزامها بأن تكفل لصاحبة البلاغ إمكانية الوصول إلى هيئة قضائية، مما يشكل انتهاكاً لحقوقها المكفولة بموجب الفقرة 1 من المادة 14 من العهد .

8 - 11 وترى اللجنة أن حرمان الشخص عمداً من حماية القانون يشكل إنكاراً لحق هذا الشخص في أن يُعترف له بالشخصية القانونية، ولا سيما عندما توضع عراقيل بصورة منهجية من أجل تعطيل الجهود التي يبذلها أقارب الضحية الرامية في إطار ممارسة حقهم في الوصول إلى سبل انتصاف فعالة ( ) . وفي هذه القضية، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي توضيح بشأن مصير عبد الحكيم هواري ولا بشأن مكان وجوده، على الرغم من المساعي التي بذلها أقاربه، ووجود عبد الحكيم هواري في عهدة سلطات الدولة عندما شوهد آخر مرة. وتخلص اللجنة إلى أن اختفاء عبد الحكيم هواري قسراً منذ أكثر من 24 عاماً قد حرمه من حماية القانون وحرمه من حقه في أن يُعترف له بالشخصية القانونية، مما يشكّل انتهاكاً للمادة 16 من العهد.

8 - 12 وتحتج صاحبة البلاغ أيضاً بنص الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، بالاقتران مع المادة 7 ، الذي يُلزم الدول الأطراف بأن تكفل لكل فرد سبل انتصاف يسهل الوصول إليها وتكون فعالة وواجبة الإنفاذ من أجل إثبات حقوقه المكفولة بموجب العهد. وتُذكِّر اللجنة بأنها تولي أهمية لأن تنشئ الدول الأطراف آليات قضائية وإدارية مناسبة لمعالجة الشكاوى المتعلقة بانتهاكات الحقوق التي يكفلها العهد ( ) . وتذكّر أيضاً بتعليقها العام رقم 31 ( 2004 ) بشأن طبيعة الالتزام القانوني العام المفروض على الدول الأطراف في العهد، الذي تشير فيه على وجه الخصوص إلى أن تخلف الدولة الطرف عن التحقيق في المزاعم المتعلقة بالانتهاكات يمكن أن يؤدي، في حد ذاته، إلى خرق مستقل للعهد.

8 - 13 وفي هذه القضية، نبَّهت صاحبة البلاغ السلطات المختصة مراراً إلى اختفاء ابنها، ولكن الدولة الطرف لم تجر تحقيقاً شاملاً ودقيقاً في حالة الاختفاء، ولم تقدم لصاحبة البلاغ أي معلومات موثوقة عن مصير الشخص المختفي. وعلاوة على ذلك، فإن عدم توفر إمكانية قانونية للجوء إلى هيئة قضائية بعد صدور الأمر رقم 06 - 01 يحرم عبد الحك يم هواري وصاحبة البلاغ حتى الآن، من أي فرصة للوصول إلى سبيل انتصاف فعال لأن هذا الأمر يمنع عليهما اللجوء إلى العدالة لاستجلاء ملابسات جريمة الاختفاء القسري التي هي من أشد الجرائم خطورة ( ) . وترى اللجنة أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن حدوث انتهاكٍ لحقوق عبد الحكيم هواري المكفولة بموجب الفقرة 3 من المادة 2 ، مقروءةً بالاقتران مع المواد 6 و 7 و 9 و 16 من العهد، ولحقوق صاحبة البلاغ المكفولة بموجب الفقرة 3 من المادة 2 ، مقروءةً بالاقتران مع المادة 7 من العهد.

9 - واللجنة، إذ تتصرف بموجب المادة 5 ( 4 ) من البروتوكول الاختياري، ترى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن ارتكاب الدولة انتهاكات لحقوق عبد الحكيم هواري المكفولة بموجب المواد 6 و 7 و 9 و 16 من العهد، وكذلك للمادة 2 ( 3 ) مقروءةً بالاقتران مع المواد 6 و 7 و 9 و 16 . وترى اللجنة أيضاً أن الدولة الطرف قد انتهكت حقوق صاحبة البلاغ المكفولة بموجب المادة 7 مقروءة منفردة وبالاقتران مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

10 - والدولة الطرف ملزمةٌ، بموجب الفقرة 3 ( أ ) من المادة 2 من العهد، بتوفير سبيل انتصاف فعال لصاحبة البلاغ. ويقتضي منها ذلك جبر ضرر الأشخاص الذين انتُهكت حقوقهم المكفولة بموجب العهد جبراً كاملاً. وفي هذه القضية، تُلزم الدولة الطرف بما يلي: ( أ ) إجراء تحقيق سريع وفعال وشامل ونزيه ومستقل في اختفاء عبد الحكيم هواري وتزويد صاحبة البلاغ بمعلومات مفصلة عن نتائج هذا التحقيق؛ ( ب ) الإفراج فوراً عن عبد الحكيم هواري إن كان لا يزال يخضع للاحتجاز السري؛ ( ج ) إعادة رفات عبد الحكيم هواري، في حالة وفاته، إلى أسرته في ظروف تحفظ الكرامة، وفقاً للمعايير والتقاليد الثقافية للضحايا؛ ( د ) ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات المرتكبة ومحاكمتهم ومعاقبتهم؛ ( ه ) جبر الضرر الذي لحق بصاحبة البلاغ وبعبد الحكيم هواري، إن كان على قيد الحياة، جبرا ً كاملاً، ويشمل ذلك التعويض المناسب؛ و ( و ) اتخاذ تدابير ملائمة لترضية صاحبة البلاغ. وبصرف النظر عن الأمر رقم 06 - 01 ، يتعين على الدولة الطرف أيضاً أن تحرص على أن يمارس ضحايا جرائم مثل التعذيب، والإعدام خارج نطاق القضاء، والاختفاء القسري حقهم في سبيل انتصاف فعال من دون عراقيل. والدولة الطرف ملزمةٌ أيضاً باتخاذ تدابير تمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات في المستقبل. وفي هذا الصدد، ترى اللجنة أن الدولة الطرف ينبغي لها أن تعيد النظر في تشريعاتها وفقاً للالتزام الواقع على عاتقها بموجب الفقرة 2 من المادة 2 من العهد، وأن تلغي على وجه الخصوص، أحكام الأمر المذكور التي تتنافى مع أحكام العهد، حتى يتسنى التمتع بالحقوق المكرسة في العهد تمتعاً كاملاً في الدولة الطرف.

11 - واللجنة، إذ تضع في اعتبارها أن الدولة الطرف، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري قد اعترفت باختصاص اللجنة في تحديد ما إذا كان قد حدث انتهاك لأحكام العهد أم لا، وتعهدت، عملاً بالمادة 2 من العهد، بأن تكفل تمتع جميع الأفراد الموجودين في إقليمها أو الخاضعين لولايتها بالحقوق المعترف بها في العهد وبأن تتيح سبيل انتصاف فعالاً وقابلاً للإنفاذ إذا ثبت حدوث انتهاك، تود من الدولة الطرف أن توافيها، في غضون 180 يوماً، بمعلومات عن التدابير التي اتخذتها لوضع آراء اللجنة موضع التنفيذ. ‬ والدولة الطرف مدعوة أيضاً إلى نشر هذه الآراء وتعميمها على نطاق واسع بلغاتها الرسمية.