الأمم المتحدة

CCPR/C/99/D/1640/2007

Distr.: Restricted *

14 September 2010

Arabic

Original: French

اللجن ة المعنية بحقوق الإنسان

الدورة التاسعة والتسعون

12-30 تموز/يوليه 2010

الآراء

البلاغ رقم 1640 / 2007

المقدم من: عبد الحكيم ونيس العباني ( الورفلي ) (تمثله منظمة الكرامة لحقوق الإنسان)

الشخص المدعى أنه ضحية : ونيس شارف العباني ( الورفلي ) (والد صاحب البلاغ)، صاحب البلاغ، والدة صاحب البلاغ وأشقائه وشقيقاته السبعة

الدولة الطرف : الجماهيرية العربية الليبية

تاريخ تقديم البلاغ : 15 تشرين الأول/أكتوبر 2007 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية : القرار الذي اتخذه المقرر الخاص بموجب المادة 97 من النظام الداخلي، المحال إلى الدولة الطرف في 5 كانون الأول/ديسمبر 2007 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء : 26 تموز/يوليه 2010

الموضوع : توقيف غير قانوني، حبس انفرادي، تعذيب وإساءة معاملة، توقيف دون مذكرة، الحق في محاكمة عادلة، اختفاء قسري

المسائل الإجرائية : عدم تعاون الدولة

المسائل الموضوعية : الحق في الحياة؛ حظر التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية ؛ الحق في الحرية والأمن الشخصي؛ التوقيف والاحتجاز التعسفيين؛ احترام كرامة الإنسان الأصيلة؛ الحق في محاكمة عادلة؛ الاعتراف بالأهلية القانونية للشخص

مواد العهد : الفقرة 3 من المادة 2؛ والفقرة 1 من المادة 6؛ والمادة 7؛ والفقرات من 1 إلى 4 من المادة 9؛ والفقرة 1 من المادة 10؛ والفقرتان 1 و3 ( أ) إلى (د) من المادة 14؛ والمادة 16

مواد البروتوكول الاختياري : الفقرة 2 ( ب) من المادة 5

في 26 تموز/يوليه 2010 ، اعتمدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، النص المرفق بوصفه آراء اللجنة فيما يتعلق بالبلاغ رقم 1640/2007 .

[ ال مرف ق ]

المرفق

آراء اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (الدورة التاسعة والتسعون)

بشأن

البلاغ رقم 1640 / 2007 **

المقدم من : عبد الحكيم ونيس العباني ( الورفلي ) (تمثله منظمة الكرامة لحقوق الإنسان)

الشخص المدعى أنه ضحية : ونيس شارف العباني ( الورفلي ) (والد صاحب البلاغ)، صاحب البلاغ، والدة صاحب البلاغ وأشقائه وشقيقاته السبعة

الدولة الطرف : الجماهيرية العربية الليبية

تاريخ تقديم البلاغ : 15 تشرين الأول/أكتوبر 2007 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

إن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، المُنشأة بموجب المادة 28 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد اجتمعت في 26 تموز/يوليه 2010 ،

وقد فرغت من النظر في البلاغ رقم 1640 / 2007 ، المقدم إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بالنيابة عن عبد الحكيم ونيس العباني ( الورفلي ) بموجب البروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد وضعت في اعتبارها جميع المعلومات المكتوبة التي أتاحها لها صاحب البلاغ ،

تعتمد ما يلي :

آراء بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري

1- صاحب البلاغ المؤرخ 15 تشرين الأول/أكتوبر 2007، هو السيد عبد الحكيم ونيس العباني ( الورفلي )، وهو مواطن ليبي من مواليد عام 1977 يقيم حالياً في بنغازي بالجماهيرية العربية الليبية. وهو يتصرف بالنيابة عن والده، ونيس شارف العباني ( الورفلي ) وبالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن والدته وأشقائه وشقيقاته الذين آثر عدم الكشف عن أسمائهم. ويدّعي صاحب البلاغ أن والده ضحية انتهاكات الجماهيرية العربية الليبية للفقرة 3 من المادة 2؛ والفقرة 1 من المادة 6؛ والمادة 7؛ والفقرات من 1 إلى 4 من المادة 9؛ والفقرة 1 من المادة 10؛ والفقرتين 1 و3 ( ب) و(ج) من المادة 14؛ والمادة 16 من العهد. كما يقول إن والدته وأشقاءه وشقيقاته هم ضحايا انتهاك المادة 7، مقترنةً بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد. وتمثل صاحب البلاغ منظمة الكرامة لحقوق الإنسان. وقد دخل العهد وبروتوكوله الاختياري حيز النفاذ في الجماهيرية العربية الليبية في 15 آب/أغسطس 1970 و16 آب/أغسطس 1989 على التوالي.

الوقائع كما عرضها صاحب البلاغ

2-1 صاحب البلاغ، عبد الحكيم ونيس العباني ، هو ابن الضحية، ونيس شارف العباني ، قاضي المحكمة الابتدائية في بنغازي. وكان ونيس شارف العباني ، المولود في عام 1948، يعمل قاضياً في محكمة بنغازي الابتدائية طيلة سنوات تلقى أثناءها تحذيرات عدة من وزارة العدل، أعقبتها تهديدات بفصله إن لم يحترم التوجيهات الصادرة عن رؤسائه في الأحكام التي يصدرها. وفي 19 نيسان/أبريل 1990، قام وزير العدل باستدعائه مع زميلين له من سلك القضاء إلى مقر وزارة العدل في طرابلس لأسباب تأديبية. وهناك استقبله وزير العدل في مكتبه حيث وبخه وأخبره بأنه رهن الاعتقال. وبالفعل قام أفراد من أجهزة الأمن بتوقيفه في مكتب الوزير دون مذكرة توقيف ودون إبلاغه بالأسباب القانونية لتوقيفه. وقد احتُجز ونيس شارف العباني في حبس انفرادي وعُذّب بقسوة بالغة لمدة ثلاثة أشهر قبل نقله إلى سجن أبو سليم (في طرابلس).

2-2 وباءت بالفشل كل مساعي أسرته لمعرفة مصيره ومكان احتجازه، ولم تعلم زوجته باحتجازه في سجن أبو سليم إلا في عام 1996، رغم أنها لم تتمكن من الحصول على تأكيد رسمي لهذا الخبر. وعندما طلبت إذناً بزيارته في السجن، أنكرت السلطات احتجازه فيه أساساً. وكان السيد العباني محتجزاً في عزلة تامة في قسم خاص من السجن دون أن يتسنى له الاتصال بأحد غير سجانيه، طوال السنوات الست الأولى من مدة احتجازه. ونُقل بعد ذلك إلى زنزانة جماعية قبل بضعة أيام فقط من الأحداث التي وقعت في 28 و29 حزيران/يونيه 1996، والتي راح ضحيتها مئات السجناء قتلاً على أيدي قوات الأمن الداخلي في السجن. وبعد أن نجا العباني من هذه المجزرة، فإنه عُزل من جديد في زنزانة انفرادية عدة أعوام دون أن تتاح له أي فرصة للاتصال بالعالم الخارجي أو بغيره من السجناء، ودون أن يتسنى له تلقي زيارات من أسرته أو الاتصال بمحام.

2-3 وفي 19 نيسان/أبريل 2001، أي بعد مرور 11 عاماً على توقيفه، أبلغه المدّعي العام العسكري للمرة الأولى بالتهم الموجهة إليه، وهي "إقامة اتصالات هاتفية بمعارضين في الخارج" و"عدم إبلاغ السلطات بهذه الاتصالات". ولم يتمكن العباني من التحدث إلى زوجته إلا في 15 كانون الأول/ديسمبر 2001، بعد مرور 11 عاماً على توقيفه، عندما كان على وشك المثول أمام قاضي تحقيق عسكري، حيث منح القاضي زوجته إذناً استثنائياً بالتحدث معه لمدة ربع ساعة قبل جلسة المحاكمة.

2-4 وقد مثل العباني أمام محكمة عسكرية في 1 كانون الثاني/يناير 2002، حيث حُكم عليه بالسجن لمدة 13 عاماً، 10 أعوام منها "لامتناعه عن إبلاغ السلطات" و3 أعوام "لحيازة مواد متفجرة"، وهي تهمة لم يُكشف عنها إلا وقت صدور الحكم بحقه.

2-5 وفي 13 أيار/مايو 2002، أبطلت المحكمة العليا للشعب المسلح الحكم الأول، بناء على طعن من المدعي العام العسكري، وأحالت القضية إلى محكمة عسكرية مختلفة. وفي 29 أيلول/سبتمبر 2002، أكدت المحكمة الثانية الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية. ولم تتمكن أسرة صاحب البلاغ من الحصول على القرارات المذكورة أعلاه أو على نسخ منها، على الرغم من مطالبتها بذلك، فيما خلا الحكم الصادر في 13 أيار/مايو 2002.

2-6 وفي 19 نيسان/أبريل 2003، كان والد صاحب البلاغ قد أنهى مدة العقوبة المفروضة عليه. غير أنه لم يستعد حريته بعد ذلك التاريخ وظل قيد الاحتجاز في نفس السجن وفي نفس الظروف، في حين كان ت أسرته تترقب الإفراج عنه. وخلال عام 2005، قدمت أسرته طلباً لإطلاق سراحه إلى محكمة الشعب التي رفضت الطلب على أساس أن المدّعي العام العسكري لم يعترف بأن الشخص المعني كان محتجزاً في سجن أبو سليم.

2-7 وبعد أن تلقت أسرته تأكيداً من العديد من السجناء المفرج عنهم بأن السيد العباني لم يزل محتجزاً في السجن المذكور، فإنها قامت بتعيين محامي ّ ين لتقديم شكوى ضد مسؤولي السجن. وأخبر المحاميان الزوجة بتعذر تقديم شكوى جنائية ضد مسؤولي الدولة أو أجهزة الأمن بتهمة الاختطاف، وأن جل ما يستطيعان فعله هو السعي إلى إقامة دعوى مدنية للتأكد مما إذا كان السيد العباني لا يزال محتجزاً بالفعل في سجن أبو سليم. وهكذا طلبت الزوجة تعيين خبير للتأكد من وجود زوجها في السجن المذكور. وفي أيلول/سبتمبر 2006، رفضت إدارة السجن إدخال الخبير الذي عينته المحكمة إلى السجن. واستمرت أسرة العباني في تلقي معلومات تفيد باحتجازه في نفس السجن حتى مستهل كانون الثاني/يناير 2007، حيث بلغها أن أجهزة الأمن الداخلي قد نقلته إلى مكان آخر خلال ذلك الشهر.

2-8 وفي 5 نيسان/أبريل 2007، وجّه رئيس الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي مناشدة عاجلة إلى سلطات الدولة الطرف ( ) .

2-9 وقد أطلقت سلطات الدولة الطرف سراح السيد ونيس العباني في 9 نيسان/ أبريل 2008، بعد مرور 18 عاماً على اعتقاله.

الشكوى

3- يدّعي صاحب البلاغ أن والده ضحية انتهاك الفقرة 3 من المادة 2 من العهد. ويزعم أن والده، كونه ضحية اختفاء قسري، قد حُرم فعلياً من ممارسة حقه في الطعن في مشروعية احتجازه، وأنه لم يستطع فعلياً تقديم شكوى إلى المحكمة كونه كان ممنوعاً من الاتصال بالعالم الخارجي. وعلاوة على ذلك، لم تفض جميع المساعي التي اتخذتها أسرته في هذا الصدد إلى أية نتيجة. ويدّعي صاحب البلاغ أن الدولة الطرف خالفت التزامها بإجراء تحقيق شامل في اختفاء والده وملاحقة المسؤولين عنه جنائياً ( ) ، ما يشكل انتهاكاً للفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

3-2 كما يؤكد صاحب البلاغ أن والده وقع ضحية اختفاء قسري منذ اعتقاله في عام 1990 إلى أن تلقت أسرته أول أخبار عنه في عام 2001، أي لمدة 11 عاماً، ثم مرة أخرى في الفترة منذ أنكرت السلطات مرة أخرى احتجازه بعد أن أنهى مدة عقوبته في عام 2003 حتى إطلاق سراحه في نيسان/أبريل 2008. ويرى صاحب البلاغ أن هذا الاختفاء القسري يشكل تهديداً خطيراً لحق والده في الحياة. ويلاحظ أنه، على الرغم من إبلاغ الدولة الطرف رسمياً باختفاء والده عدة مرات، فإن القضية لم تحظ بأية متابعة، وظل مصير والده مجهولاً تماماً لدى أسرته لمدة 12 عاماً تقريباً، ثم لأعوام عدة بعد ذلك قبل إطلاق سراحه. ويشير صاحب البلاغ إلى التعليق العام للجنة رقم 6 ( 1982) بشأن الحق في الحياة، محتجاً بأن التهديد الخطير لحق والده في الحياة الناجم عن اختفائه القسري هو انتهاك من الدولة الطرف للفقرة 1 من المادة 6 من العهد.

3-3 ويحتج صاحب البلاغ كذلك بأن اختفاء والده القسري يشكل أيضاً معاملة لا إنسانية أو مهينة ( ) على نحو ينتهك المادة 7 من العهد. كما يؤكد أن والده تعرض للتعذيب البدني والنفسي أثناء الأشهر الثلاثة الأولى من حبسه الانفرادي في مقر جهاز الأمن الداخلي. ويدّعي صاحب البلاغ أن اختفاء والده كان محنة عصيبة وأليمة شلّت حياة أسرته، إذ لم تتوفر لديهم أية معلومات عن مصير والده طيلة السنوات الإحدى عشرة الأولى من احتجازه، ثم مرة أخرى منذ إنهاء عقوبته حتى إطلاق سراحه في عام 2008. وهو ما كان لا محالة مصدر كرب عميق ومستمر لمدة 12 عاماً لزوجة العباني وأولاده الذين يعتبرون أنفسهم أيضاً ضحية انتهاك الدولة الطرف للمادة 7، مقترنةً بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد ( ) .

3-4 ويدّعي صاحب البلاغ أن اعتقال أجهزة الأمن الداخلي والده في 19 نيسان/ أبريل 1990، دون مذكرة توقيف ودون إعلامه بأسباب اعتقاله، قد تمّ دون أدنى اعتبار للضمانات الواردة في الفقرتين 1 و2 من المادة 9 من العهد. وهو يؤكد أن حبس والده انفرادياً إلى أن وُجهت إليه التهم رسمياً في 19 نيسان/أبريل 2001 يشكل أيضاً انتهاكاً للفقرة 1 من المادة 9. ولم يمثل والده أمام القاضي إلا بعد مرور 11 عاماً على توقيفه، ما يشكل انتهاكاً صارخاً لحقه في المثول أمام قاضٍ أو موظف آخر مخول بممارسة السلطة القضائية بموجب القانون، على النحو الذي تكفله الفقرة 3 من المادة 9 من العهد. وعلاوة على ذلك، فإن عدم الاعتراف باحتجازه واستمرار السلطات في احتجازه بمعزل عن العالم الخارجي وإخفاء مصيره عن أسرته منذ أنهى فترة عقوبته في عام 2003 إلى أن أُطلق سراحه في نيسان/أبريل 2008، يشكل أيضاً احتجازاً تعسفياً بمفهوم المادة 9 من العهد ( ) .

3-5 ويؤكد صاحب البلاغ أيضاً أن احتجاز والده في الحبس الانفرادي وتعذيبه طيلة 12 عاماً يعنيان أنه لم يعامل معاملة إنسانية ولم تُحترم كرامته الأصيلة كشخص إنساني. لذلك فهو يدّعي أن والده ضحية انتهاك الدولة الطرف الفقرة 1 من المادة 10 من العهد.

3-6 وبموجب المادة 14 من العهد، يلاحظ صاحب البلاغ أن والده قد عُرض على محكمة عسكرية بعد مرور 11 عاماً على توقيفه، وحُكم عليه بالسجن لمدة 13 عاماً بعد محاكمة مغلقة. ولم يُتح لوالده قط الاطلاع على ملفه الجنائي، وتولى مساعدته محام عينته المحكمة العسكرية. ويضيف صاحب البلاغ أن أسرته لم تُبلغ بهذا الإجراء إلا بعد أن توصلت المحكمة العسكرية إلى قرارها. ويؤكد أن عدم مثول والده أمام المحكمة إلا بعد مرور 11 عاماً على توقيفه يشكل انتهاكاً خطيراً لحقه في محاكمة سريعة بشكل خاص. كما يقول إن عدم تمكين والده من اختيار محاميه بنفسه ينافي مبدأ حرية الشخص في اختيار المحامي الذي يدافع عنه.

3-7 ويؤكد صاحب البلاغ أيضاً أن محاكمة والده أمام محكمة عسكرية رغم كونه مدنياً، ورغم أنه كان يعمل قاضياً مدنياً في محكمة بنغازي الابتدائية، يعني أن المحكمة لم تكن مختصة بمحاكمته أو إصدار حكم بحقه ولا يمكن اعتبارها محكمة نزيهة أو مستقلة، إذ كانت تتألف من قضاة عسكريين يعملون تحت سلطة وزير الدفاع. ويؤكد صاحب البلاغ أن الدولة الطرف عاجزة عن تقديم أي سبب يبرر محاكمة والده والحكم عليه من قبل محكمة عسكرية، ولا يمكنها أن تثبت كيف يمكن أن تكون المحكمة العسكرية في طرابلس قد ضمنت الحماية الكاملة لحقوق والده كشخص متهم ( ) . وفي ضوء هذه الملابسات، يرى صاحب البلاغ أن والده هو أيضاً ضحية انتهاك الدولة الطرف المادة 14 من العهد.

3-8 ويشير صاحب البلاغ كذلك إلى أن والده، كونه ضحية اختفاء قسري، قد حُرم من الحق في الاعتراف بحقوقه وواجباته، أي بمعنى آخر من الاعتراف به كإنسان جدير بالاحترام. ويضيف أن والده، كونه ضحية اختفاء قسري، قد حُرم من حماية القانون ولم يُعترف بحقه في الأهلية القانونية، ما يشكل انتهاكاً من الدولة الطرف للمادة 16 من العهد ( ) .

3-9 وبخصوص مسألة استنفاد سبل الانتصاف المحلية، يدّعي صاحب البلاغ أن أسرته لجأت إلى مختلف الإدارات الحكومية، ولا سيما في مقر وزارة العدل، منذ يوم توقيف والده. كما اتصل أفراد أسرته بزملاء والده السابقين والقضاة وأفراد مكتب النيابة العامة في بنغازي، ولكنهم سرعان ما أدركوا، إزاء الرفض المتكرر لطلباتهم، أنه ليس من السلطات القانونية من هي مستعدة لاتخاذ أي إجراءات لإطلاق سراح الضحية. كما أن أياً من المحامين الذين اتصلت بهم الأسرة في نقابتي المحامين في بنغازي وطرابلس لم يبد استعداده لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتقديم شكوى ضد السلطات القضائية أو أجهزة الأمن، خوفاً من الانتقام. وعلاوة على ذلك، فإن القاضي رفض طلب إخلاء السبيل الذي قُدم إلى محكمة الشعب بحجة أن المدعي العام العسكري لم يعترف بأن والد صاحب البلاغ كان محتجزاً في سجن أبو سليم. وعُطلت كذلك الإجراءات المدنية التي اتُخذت لتعيين خبير من المحكمة للتحقق من وجود والد صاحب البلاغ في السجن المذكور (انظر الفقرة 2-7 أعلاه). وفي ظل هذه الملابسات، يدّعي صاحب البلاغ أن سبل الانتصاف المحلية كانت بوضوح إما غير متاحة أو غير فعالة، ويؤكد أنه بالتالي لم يعد ملزماً برفع دعاوى أو باتخاذ إجراءات على المستوى المحلي كي يضمن مقبولية بلاغه أمام اللجنة.

عدم تعاون الدولة الطرف

4- في 15 أيلول/سبتمبر 2008، و20 كانون الثاني/يناير 2009، و24 تموز/ يوليه 2009، طلبت اللجنة إلى الدولة الطرف أن تقدم إليها معلومات عن مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية. وتلاحظ اللجنة عدم تقديم هذه المعلومات ، وتعرب عن أسفها لأن الدولة الطرف لم تقدم أي معلومات بشأن مقبولية ادعاءات صاحب البلاغ أو أسسها الموضوعية. وتذكّر اللجنة بأن على الدولة الطرف المعنية، بموجب البروتوكول الاختياري، أن تقدم إلى اللجنة تفسيرات أو بيانات خطية توضح المسألة وتشير إلى تدابير الانتصاف التي اتخذتها، إن وُجدت. وعدم رد الدولة الطرف يدعو إلى قبول ادعاءات صاحب البلاغ، إذا كانت مدعمة بما يكفي من الأدلة ( ) .

ملاحظات إضافية من صاحب البلاغ

5- في 28 أيار/مايو 2010، أبلغ صاحب البلاغ اللجنة، عن طريق محاميه، أن سلطات الدولة الطرف قد أخلت سبيل والده في 9 نيسان/أبريل 2008. وأضاف صاحب البلاغ أن والده أعرب عن أمله بمواصلة الإجراءات المعروضة على اللجنة بخصوص قضيته. وفي الرسالة نفسها، أشار صاحب البلاغ إلى أن الطلبات التي قدمها إلى اللجنة في رسالته الأولى المؤرخة 15 تشرين الأول/أكتوبر 2007، بخصوص توصية اللجنة إلى الدولة الطرف بالكشف عن مصير والده وإطلاق سراحه فوراً والسماح له بالاتصال بأسرته لم تعد منطبقة. غير أن صاحب البلاغ أعرب عن رغبته في الحفاظ على ما تبقى من البلاغ برمته.

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

6-1 قبل النظر في أي ادعاء يرد في بلاغ ما، يتعين على اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ، وفقاً للمادة 93 من نظامها الداخلي، أن تبت في ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد.

6-2 وبموجب الفقرة 2 ( أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد، يجب أن تتثبت اللجنة أن المسألة نفسها ليس قيد البحث في إطار أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية. وتلاحظ اللجنة أن القضية نفسها عُرضت في عام 2007 على فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي. غير أنها تلاحظ أن الإجراءات أو الآليات التي تضعها لجنة حقوق الإنسان السابقة أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي خارج نطاق الاتفاقيات، والتي تتمثل ولايتها في فحص أوضاع حقوق الإنسان في بلدان أو أقاليم محددة أو فحص ظواهر رئيسية لانتهاكات حقوق الإنسان حول العالم والإبلاغ عنها علناً، لا تشكل إجراءات تحقيق دولي أو تسوية دولية بالمفهوم المحدد في الفقرة 2 ( أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري ( ) . وعليه ترى اللجنة أن البلاغ الذي قُدّم إلى الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، بخصوص قضية السيد العباني لا يحول دون قبول هذا البلاغ بموجب الحكم المذكور.

6-3 وفيما يخص مسألة استنفاد سبل الانتصاف المحلية، تكرر اللجنة الإعراب عن قلقها إزاء عدم تلقي أي معلومات أو ملاحظات من الدولة الطرف بشأن مقبولية هذا البلاغ أو أسسه الموضوعية، على الرغم من توجيه ثلاثة طلبات تذكيرية بهذا الخصوص إلى الدولة الطرف. وفي ظل هذه المعطيات، ترى اللجنة أن ليس ثمة ما يحول دون نظرها في هذا البلاغ بموجب الفقرة 2 ( ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري. ولا ترى اللجنة سبباً يحول دون قبول البلاغ، وتنتقل من ثم إلى النظر في أسسه الموضوعية فيما يتعلق بالدعاوى المقدمة بموجب الفقرة 3 من المادة 2؛ والفقرة 1 من المادة 6؛ والمادة 7؛ والفقرات من 1 إلى 4 من المادة 9؛ والفقرة 1 من المادة 10؛ والفقرتين 1 و3 ( أ) إلى (د) من المادة 14؛ والمادة 16. كما تلاحظ اللجنة أن ثمة مسائل قد تُثار بموجب المادة 7، مقترنةً بالفقرة 3 من المادة 2، فيما يخص صاحب البلاغ ووالدته وأشقائه وشقيقتيه (أي فيما يتعلق بزوجة الضحية وأولاده).

النظر في الأسس الموضوعية

7-1 نظرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أتيحت لها ، حسبما تنص عليه الفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

7-2 وفيما يتعلق بدعوى الحبس الانفرادي لوالد صاحب البلاغ، تسلّم اللجنة بدرجة المعاناة الناجمة عن الحبس لفترة غير محددة بمعزل عن العالم الخارجي. وتذكّر بتعليقها العام رقم 20 ( 1992) بشأن حظر التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، الذي توصي فيه اللجنة الدول الأطراف باتخاذ تدابير تمنع الحبس الانفرادي. وتلاحظ اللجنة أن والد صاحب البلاغ قد احتُجز انفرادياً، بصورة غير منقطعة تقريباً ( ) ، في سجن أبو سليم منذ توقيفه في 19 نيسان/أبريل 1990 حتى 15 كانون الأول/ديسمبر 2001 عندما أُحضر أمام قاضي التحقيق العسكري وتسنى له التحدث إلى زوجته للمرة الوحيدة التي سُمح فيها له بذلك أثناء احتجازه في السجن المذكور. وعلاوة على ذلك، أُبقي والد صاحب البلاغ في نفس السجن، على الرغم من إنهائه مدة عقوبته في 19 نيسان/أبريل 2003، حيث أنكر المدعي العام العسكري وجوده في السجن.

7-3 وتذكّر اللجنة بتعريف الاختفاء القسري الوارد في المادة 2 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، المؤرخة 20 كانون الأول/ديسمبر 2006، التي يقول نصها " لأغراض هذه الاتفاقية، يقصد ب‍ " الاختفاء القسري " الاعتقال أو  الاحتجاز أو  الاختطاف أو  أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو  أشخاص أو  مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو  دعم من الدولة أو  بموافقتها، و يعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو  إخفاء مصير الشخص المختفي أو  مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون " ( ) . ويشكل أي فعل يؤدي إلى هذا الاختفاء انتهاكاً للعديد من الحقوق المكرسة في العهد، بما فيها الحق في الاعتراف بالشخصية القانونية للفرد أينما كان (المادة 16)، وحق الفرد في الحرية والأمان على نفسه (المادة 9)، والحق في عدم الخضوع للتعذيب أو للمعاملة أو للعقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة (المادة 7)، وحق جميع المحرومين من حريتهم في أن يعاملوا معاملة إنسانية تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني (المادة 10). وقد يشكل هذا الفعل أيضاً انتهاكاً أو تهديداً خطيراً للحق في الحياة (المادة 6) ( ) .

7-4 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي رد على ادعاءات صاحب البلاغ فيما يخص اختفاء والده القسري أو فيما يخص تعرضه للتعذيب أثناء الأشهر الثلاثة الأولى من احتجازه في الحبس الانفرادي. وتكرر اللجنة التأكيد على أن عبء الإثبات لا يمكن أن يقع على عاتق صاحب البلاغ وحده، خاصة أنه ليس دائماً على قدم المساواة مع الدولة الطرف في إمكانية الحصول على عناصر الإثبات وأن المعلومات اللازمة تكون في أغلب الأحيان في حيازة الدولة الطرف وحدها ( ) . ويترتب على الفقرة 2 من المادة 4 من البروتوكول الاختياري ضمناً أنه يجب على الدولة الطرف أن تحقق بحسن نية في جميع الادعاءات الواردة بشأن انتهاكها وانتهاك ممثليها لأحكام العهد وأن تحيل المعلومات المتاحة لديها إلى اللجنة. ويجوز، في الحالات التي يرفع فيها صاحب البلاغ ادعاءات تعززها أدلة يُعتد بها وتكون فيها أي إيضاحات إضافية مرهونة بمعلومات موجودة في حيازة الدولة الطرف فقط، أن تخلص اللجنة إلى أن الادعاءات المقدمة صحيحة ما لم تدحضها الدولة الطرف بتقديم أدلة وإيضاحات مرضية. وإذا لم تقدم الدولة الطرف أي توضيحات بهذا الخصوص وجب إيلاء الاعتبار الواجب لادعاءات صاحب البلاغ. وتخلص اللجنة، على أساس المعلومات المتاحة أمامها، أن تعريض والد صاحب البلاغ للتعذيب وأسره لفترة إجمالية تقارب 18 عاماً وحرمانه من الاتصال بأسرته وبالعالم الخارجي تشكل انتهاكاً للمادة 7 من العهد فيما يتعلق بالسيد العباني ( ) .

7-5 وفيما يتعلق بصاحب البلاغ نفسه وبقية أفراد أسرته، تلاحظ اللجنة ما عانوه من كرب ومحنة بسبب اختفاء والدهم منذ توقيفه في نيسان/أبريل 1990 حتى كانون الأول/ديسمبر 2001، عندما تمكنت زوجة العباني من الحديث مع زوجها. وبعد أن قضى السيد العباني مدة عقوبته كاملة، فإن مصيره ظل مجهولاً بالنسبة إلى أسرته التي لم تتمكن من الحصول على تأكيد باستمرار احتجازه في سجن أبو سليم إلى أن أُطلق سراحه في نيسان/أبريل 2008. لذا ترى اللجنة أن الوقائع المعروضة عليها تكشف حدوث انتهاك لأحكام المادة 7 من العهد، مقترنةً بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد، فيما يتعلق بصاحب البلاغ ووالدته وأشقائه وشقيقتيه ( ) .

7-6 وفيما يخص الشكوى المتعلقة بانتهاك المادة 9 من العهد، فإن المعلومات المتاحة أمام اللجنة تُظهر أن والد صاحب البلاغ قد اعتُقل على يد وكلاء الدولة الطرف دون مذكرة توقيف، وحُبس انفرادياً دون أن تُتاح له فرصة الاستعانة بمحامٍ ودون إطلاعه على أسباب اعتقاله أو التهم الموجهة إليه، إلى أن وجّه المدعي العام العسكري إليه التهم رسمياً في 19 نيسان/أبريل 2001، بعد مرور 11 عاماً على توقيفه. وتذكّر اللجنة أنه، وفقاً للفقرة 4 من المادة 9 من العهد، فإن المراجعة القضائية لمشروعية الاحتجاز يجب أن تتيح إمكانية إصدار أمر بإطلاق سراح المحتجز إذا أُعلن أن احتجازه يتنافى مع أحكام العهد، ولا سيما أحكام الفقرة 1 من المادة 9 من العهد. وفي القضية قيد النظر، احتُجز والد صاحب البلاغ إلى حين عرضه على القاضي في عام 2001. ورغم أنه قضى مدة عقوبته كاملة في السجن بحلول نيسان/أبريل 2003، لم يُطلق سراحه إلا في نيسان/أبريل 2008. ولم يتسن له قط الطعن في قانونية احتجازه. وإذ لم تقدم الدولة الطرف أية توضيحات بهذا الشأن، ترى اللجنة أنه حدث انتهاك للمادة 9 من العهد ( ) .

7-7 وبخصوص شكوى صاحب البلاغ في إطار الفقرة 1 من المادة 10 من العهد، بشأن احتجاز والده في الحبس الانفرادي لفترة أولية مدتها 12 عاماً تعرض خلالها للتعذيب، تكرر اللجنة تأكيدها عدم جواز تعريض الأشخاص مسلوبي الحرية لأي تضييق أو قيود غير تلك الناجمة عن الحرمان من الحرية، ووجوب معاملتهم بإنسانية واحترام كرامتهم. وإذ لم تقدم الدولة الطرف أية معلومات عن المعاملة التي لقيها والد صاحب البلاغ في سجن أبو سليم، تخلص اللجنة إلى أن حقوقه بموجب الفقرة 1 من المادة 10 من العهد قد انتُهكت ( ) .

7-8 أما بالنسبة لادعاءات صاحب البلاغ في إطار المادة 14 من العهد، فتلاحظ اللجنة أن والد صاحب البلاغ قد حوكم بعد مرور 11 عاماً على توقيفه وحُكم عليه بالسجن لمدة 12 عاماً في أعقاب محاكمة مغلقة. ولم تُتح له قط فرصة الإطلاع على ملفه الجنائي، وعيّنت المحكمة العسكرية محامياً لمساعدته. كما تلاحظ اللجنة أن السيد العباني حوكم أمام محكمة عسكرية، رغم أنه كان مدنياً وكان يعمل قاضياً مدنياً في محكمة بنغازي الابتدائية. وتذكّر اللجنة بتعليقها العام رقم 32 ( 2007) الذي تقول فيه أنه مع أن العهد لا يمنع محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، إلا أن هذه المحاكمات ينبغي أن تتم بصورة استثنائية وأن تستوفي جميع الضمانات المنصوص عليها في المادة 14. ويتعين على الدولة الطرف التي تحاكم مدنيين أمام محاكم عسكرية أن تبرر هذه الممارسة. وترى اللجنة أن على الدولة الطرف أن تثبت، فيما يتعلق بهذه الفئة المحددة من الأشخاص الذين يقدمون للمحاكمة أمام محاكم عسكرية، أن المحاكم المدنية العادية ليست قادرة على إجراء هذه المحاكمات، وأن أشكالاً أخرى بديلة من المحاكم المدنية الخاصة أو محاكم الأمن العليا ليست مهيأة للقيام بهذه المهمة وأن اللجوء إلى المحاكم العسكرية يكفل الحماية الكاملة لحقوق المتهم، طبقاً للمادة 14 ( ) . وفي القضية قيد النظر، لم تعلّق الدولة الطرف على دواعي اللجوء إلى المحكمة العسكرية. لذا تخلص اللجنة إلى أن محاكمة والد صاحب البلاغ والحكم عليه بالسجن لمدة 13 سنة من قبل محكمة عسكرية يكشفان انتهاكاً للفقرتين 1 و3 ( أ) إلى (د) للمادة 14 من العهد.

7-9 وبخصوص المادة 16 من العهد، فإن اللجنة تعيد تأكيد سوابقها القضائية الثابتة في هذا الصدد، والتي تقضي بأن تعمد حرمان شخص من حماية القانون لفترة طويلة يمكن أن يشكل إنكاراً لشخصيته القانونية لا سيما إذا كان الضحية في عهدة سلطات الدولة عند ظهوره للمرة الأخيرة، شوهد آخر مرة بين أيدي سلطات الدولة، وإذا كانت هناك عرقلة منهجية لجهود أقاربه الرامية إلى الوصول إلى سبل انتصاف فعالة، بما في ذلك سبل الانتصاف القضائية (الفقرة 3 من المادة 2 من العهد) ( ) . وفي القضية قيد النظر، يدّعي صاحب البلاغ أن والده اعتُقل في 19 نيسان/أبريل 1990 دون مذكرة توقيف واحتُجز دون إطلاعه على أسباب توقيفه. ثم نُقل بعد ذلك إلى مكان مجهول حيث تعرض للتعذيب قبل نقله إلى سجن أبو سليم. ولم تسفر جميع المساعي التي قامت بها أسرته عن نتيجة إلى أن تم توجيه التهم إليه رسميا ومحاكمته والحكم عليه في عام 2002. كما تلاحظ اللجنة أن والد صاحب البلاغ اختفى مرة أخرى بعد أن قضى فترة عقوبته كاملة. وأنكرت سلطات الدولة الطرف وجوده في سجن أبو سليم غير أنها لم تجر أي تحقيق للتحقق من مصيره وإخلاء سبيله. وتخلص اللجنة إلى أن الاختفاء القسري لوالد صاحب البلاغ مدة تقارب 12 عاماً، وعدم إجراء أي تحقيق بهذا الشأن، قد حرمه من حماية القانون خلال تلك الفترة ما يشكل انتهاكاً للمادة 16 من العهد.

7-10 ويحتج صاحب البلاغ بأحكام الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، التي تطالب الدول الأطراف بضمان أن تكون للأفراد سبل انتصاف مفتوحة وفعالة وقابلة للإنفاذ لإعمال الحقوق المكرسة في العهد. وتكرر اللجنة تأكيد الأهمية التي توليها لإنشاء الدول الأطراف الآليات القضائية والإدارية الملائمة لتناول ادعاءات انتهاكات الحقوق بموجب القوانين المحلية. وتشير اللجنة إلى تعليقها العام رقم 31 ( 2004) بشأن طبيعة الالتزام القانوني العام المفروض على الدول الأطراف في العهد ، الذي ينص على أن تخلف الدولة الطرف عن التحقيق في المزاعم المتعلقة بالانتهاكات يمكن يؤدي في حد ذاته إلى خرق مستقل للعهد ( ) . وفي القضية قيد النظر، تشير المعلومات المعروضة على اللجنة إلى أن والد صاحب البلاغ لم يحصل على سبيل انتصاف فعال، وتخلص اللجنة من ثم إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاك لأحكام الفقرة 3 من المادة 2 مقترنة بالفقرة 1 من المادة 6، والمادة 7 من العهد ( ) .

8- وإذ تتصرف اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بموجب أحكام الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ترى اللجنة أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاك الدولة الطرف لأحكام الفقرة 3 من المادة 2، مقترنة بالفقرة 1 من المادة 6، والمادة 7 بصفة مستقلة، والمادة 9، والفقرة 1 من المادة 10، والفقرتين 1 و3 ( أ) إلى (د) من المادة 14، والمادة 16 من العهد فيما يتعلق بوالد صاحب البلاغ. كما تكشف الوقائع انتهاكاً لأحكام المادة 7، مقترنة بالفقرة 3 من المادة 2، فيما يتعلق بصاحب البلاغ ووالدته وأشقائه وشقيقتيه.

9- ووفقاً لأحكام الفقرة 3 من المادة 2 من العهد فإن الدولة الطرف مُلزَمة بتزويد صاحب البلاغ بسبيل انتصاف فعال، بما في ذلك إجراء تحقيق شامل وفعال بشأن اختفاء والد صاحب البلاغ، وإتاحة معلومات كافية عن نتائج التحقيقات وتقديم تعويض مناسب لوالد صاحب البلاغ ووالدته وأشقائه وشقيقتيه على ما عانوه من انتهاكات. وترى اللجنة أن الدولة الطرف مُلزَمة بإجراء تحقيقات شاملة بشأن ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، لا سيما بشأن حالات الاختفاء القسري وأعمال التعذيب، ومُلزَمة أيضاً بملاحقة المسؤولين عن هذه الانتهاكات ومحاكمتهم ومعاقبتهم ( ) . والدولة الطرف مُلزَمة أيضاً باتخاذ التدابير الرامية إلى منع حدوث مثل هذه الانتهاكات في المستقبل.

10- وإذ تستحضر اللجنة، أن الدولة الطرف، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، قد أقرت باختصاص اللجنة في البتّ فيما إذا كان حدث انتهاك للعهد أم لا، وأن الدولة الطرف قد تعهدت، بمقتضى المادة 2 من العهد، بأن تكفل لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها أو الخاضعين لولايتها الحقوق المعترف بها في العهد وأن توفر لهم سبيل انتصاف فعالاً قابلاً للإنفاذ في حال تثبت حدوث الانتهاك، تود اللجنة أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون 180 يوماً، معلومات عن التدابير المتخذة لإعمال آراء اللجنة. ويُطلب إلى الدولة الطرف أيضاً أن تعمم آراء اللجنة.

[اعتُمدت هذه الآراء بالإسبانية والإنكليزية والفرنسية، علماً بأن النص الفرنسي هو النص الأصلي. وستصدر لاحقاً بالروسية والصينية والعربية كجزء من تقرير اللجنة السنوي إلى الجمعية العامة.]

تذييل

رأي فردي لعضو اللجنة السيد عبد الفتاح عمر

يقتصر هذا الرأي على جوانب قانونية معينة تتعلق بمقبولية البلاغ.

قدّم البلاغ السيد عبد الحكيم ونيس العباني ( الورفلي ) باسمه وبالنيابة عن والده، السيد ونيس شارف العباني ( الورفلي ) الذي كان محتجزاً في السجن دون أن تُتاح له أي فرصة للاتصال بأسرته وقت تقديم البلاغ - أي في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2007 - والذي أُطلق سراحه في 9 نيسان/أبريل 2008. والبلاغ مقدم أيضاً بالنيابة عن والدة صاحب البلاغ وأشقائه وشقيقاته السبعة.

ولا جدل بشأن الأهلية القانونية للابن في هذه الحالة سواء في وقت تقديم البلاغ الذي وكّل محاميه التصرف فيه حسب الأصول، أو بعد إطلاق سراح والده.

كما أن الأهلية القانونية للأب، كونه الضحية، ليست موضع جدل أيضاً، لا أثناء احتجازه ولا بعد إطلاق سراحه، لأنه أعرب عن رغبته في مواصلة الإجراءات المعروضة على اللجنة بشأن قضيته.

غير أن مسألة مقبولية البلاغ تُطرح مع ذلك فيما يتعلق بوالدة صاحب البلاغ وشقيقتيه وأشقائه الخمسة. وأتصور أنه كان ينبغي للجنة أن تعلن عدم مقبولية البلاغ بشأنهم لسببين. الأول يتصل بكتمان هويتهم في البلاغ، والثاني يتعلق بعدم توفر شروط التوكيل القانوني.

وبخصوص السبب الأول، ينص البروتوكول الاختياري في مادته الثالثة على أن "ترفض اللجنة قبول أية رسالة ... تكون غفلا ً من التوقيع" ويرد الحكم ذاته في المادة 96 ( أ) من النظام الداخلي. ويدّعي صاحب البلاغ أنه يتصرف بالنيابة عن أشقائه وشقيقتيه الذين لم تُذكر ألقابهم أو أسماؤهم الشخصية أو أعمارهم بهدف حمايتهم. لذلك فقد آثر عدم الكشف عن أسماء والدته وأشقائه وش قيقتيه، ما يجعلهم أشخاصاً مجهولي الهوية وقد يطرح إشكالات فيما يتعلق بأهليتهم القانونية ومن ثم بقواعد تمثيلهم في الإجراءات القانونية. وكان ينبغي للجنة أن تأخذ في الاعتبار الفرق الواضح بين كتمان الهوية والحفاظ على السرية. فمما لا شك فيه أن كتمان الهوية يجعل البلاغ غير مقبول. أما الحفاظ على سرية الألقاب والأسماء الشخصية والأعمار وغير ذلك من الظروف المحددة فهو أمر ممكن وقد تقيدت به اللجنة في كثير من الأحيان عملاً بالفقرة 4 من المادة 102 من النظام الداخلي التي تنصّ على أنه " متى اتُخذ قرار بشأن السرية عملاً بالفقرة 3 أعلاه، يجوز للجنة، أو للفريق العامل المُنشأ عملاً بالفقرة 1 من المادة 95 أو للمقرر الخاص المسمى عملاً بالفقرة 3 من المادة 95 اتخاذ قرار بالحفاظ على سرية كل أو بعض البيانات أو المعلومات الأخرى، مثل هوية صاحب البلاغ، بعد اعتماد قرار اللجنة بشأن عدم المقبولية أو الأسس الموضوعية أو الكف عن النظر في البلاغ " .

لذا يبدو أن اللجنة قد تغافلت عن شرط عدم كتمان الهوية المنصوص عليه في المادة 3 من البروتوكول الاختياري ولم تكلف نفسها دعوة صاحب البلاغ إلى تقديم المعلومات الضرورية على أن يتذرع بقواعد الحفاظ على السرية.

كما لم تكلف اللجنة نفسها ضمان امتثال قواعد التمثيل القانوني. فالمادة 96 ( ب) من النظام الداخلي تنص على أنه "ينبغي عادة أن يقوم الفرد شخصياً أو ممثل ذلك الفرد بتقديم البلاغ؛ إلا أنه يجوز قبول البلاغ المقدم نيابة عن شخص يُدّعى أنه ضحية عندما يتضح أن ذلك الشخص غير قادر على تقديم البلاغ بنفسه ".

فهل كان صاحب البلاغ مخولاً التصرف نيابة عن والدته وأشقائه وشقيقتيه، الذين يمكن أن يكونوا راشدين وقادرين على التصرف قانوناً؟ وهل لديه أي تصريح لتمثيل أشقائه وشقيقتيه إذا كانوا قصراً؟ فملف القضية لا يتضمن أي توكيل قانوني أو أي تصريح آخر لتمثيلهم. كما أنه لا يتضمن أية توضيحات بخصوص عدم القدرة المشار إليه في المادة 96 ( ب) من النظام الداخلي. وقد ذكر محامي صاحب البلاغ في رسالة وجهها إلى اللجنة في اليوم السابق لنظرها في البلاغ أنه لم يتمكن من الحصول على توكيل من أشقاء صاحب البلاغ وشقيقتيه، جزئياً بسبب الخوف من انتقام السلطات. ولذلك " فإنه[أي صاحب البلاغ] لا يريد ذكر ألقابهم وأسمائهم في الإجراءات، رغبة في حمايتهم". وأضاف المحامي أن "معظم الأشخاص الذين نتعامل معهم يعتقدون، صحةً أو خطأ، أن الشرطة تراقبهم وأن ثمة من يتنصت على مكالماتهم الهاتفية وبريدهم الإلكتروني". وباختصار، فإن تلك الأسباب لا تستوفي بشكل مباشر متطلبات المادة 96 ( ب) من النظام الداخلي، وإنما تندرج ضمن اعتبارات ما وراء القانون أكثر من ارتباطها بالقانون نفسها. ولعل المحامي كان مدركاً لقصور التوضيحات التي قدمها عندما قبل بإمكانية النظر في البلاغ "بالنيابة عن صاحب البلاغ ووالده، الضحية، وحدهما".

غير أن اللجنة رأت أن البلاغ كان مقبولاً أيضاً فيما يخص والدة صاحب البلاغ وأشقائه وشقيقتيه. وهو موقف مطعون في صحته قانوناً ولا يسعني قبوله، لا سيما أنه يشجع على الأرجح المزيد من الانزلاق نحو دعاوى الصالح العام التي لا يعترف بها البروتوكول الاختياري.

( التوقيع ) عبد الفتاح عمر

[حُرّر بالإسبانية والإنكليزية والفرنسية، علماً بأن النص الفرنسي هو النص الأصلي. وسيصدر لاحقاً بالروسية والصينية والعربية كجزء من تقرير اللجنة السنوي إلى الجمعية العامة.]

رأي فردي لعضو اللجنة السيد فابيان عمر سالفيولي

1- لقد أيّدت بصوتي استنتاجات اللجنة الواردة في البلاغ رقم 1640/2007 المقدم من السيد عبد الحكيم ونيس العباني ضد الجماهيرية العربية الليبية. ومع ذلك أشعر بأنني ملزم بتسجيل أفكاري بشأن مسألة تختلف فيها آرائي للأسف عن آراء غالبية أعضاء اللجنة. وتتمثل هذه المسألة في نطاق الاختصاص العسكري ضمن إطار العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

2- تنصّ الفقرة 7-8 من استنتاجات اللجنة بشأن البلاغ 1640/2007 على أن اللجنة "... تذكّر بتعليقها العام رقم 32 ( 2007) الذي تقول فيه إ نه مع أن العهد لا يمنع محاكم ة المدنيين أمام محاكم عسكرية ، إلا أن هذه المحاكمات ينبغي أن تتم بصورة استثنائية و أن تستوفي جميع الضمانات المنصوص عليها في المادة 14. ويتعين على الدولة الطرف التي تحاكم مدنيين أمام محاكم عسكرية أن تبرر هذه الممارسة".

3- ويجب أن أقول بصورة لا لبس فيها إن التعليق العام رقم 32 قاصر جداً في هذا الصدد. وقد فوتت اللجنة، في قرارها بشأن قضية السيد العباني ، فرصة واضحة كي تعلن أن محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية هو أمر يتنافى مع المادة 14 من العهد وتصحح بذلك جانباً متخلفاً من جوانب قانون حقوق الإنسان.

4- فصحيح أن العهد، كما ذكرت اللجنة، "لا يحظر محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية" ولكن هل يعني ذلك أنه يبيح هذه الممارسة؟ إن إجراء قراءة دقيقة للمادة 14 من العهد تُظهر أنه لا يتضمن حتى إمكانية تطبيق القضاء العسكري على المدنيين. فالمادة 14 التي تضمن الحق في العدالة وفي محاكمة عادلة لا تتضمن أية إشارة إلى المحاكم العسكرية. وقد مكّنت الدول في العديد من الحالات - وبعواقب وخيمة دائماً على صعيد حقوق الإنسان - من محاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية، غير أن العهد التزم الصمت تماماً في هذا الجانب.

5- وكان ينبغي للجنة أن تتخذ منطلقاً معاكساً تماماً لدى صياغة التعليق العام رقم 32. فبما أن محاكمة المدنيين من قبل محاكم عسكرية هي ممارسة استثنائية (أي محاكمة غير العسكريين ضمن الاختصاص القضائي العسكري) وهي فضلاً عن ذلك تجري ضمن اختصاص قضائي استثنائي (حيث يمثل القضاء العسكري استثناء للقضاء العادي) فإنها ممارسة استثنائية مرتين ولذا كان ينبغي أن ينصّ العهد صراحةً على ضمان امتثالها أحكامه، لأنها تبعد المدنيين بوضوح عن قضاتهم الطبيعيين.

6- ولئلا ننسى، فإن الاستثناءات والقيود المفروضة على الحقوق - وفي هذه الحالة تقييد حق المثول أمام "قاض طبيعي" كجزء من الحق في العدالة وفي محاكمة عادلة - يجب أن تُفسر بدورها في نطاق تقييدي وأن لا تعتبر ببساطة ممارسات متوافقة مع العهد.

7- وكان الأمر ليبدو معقولاً أكثر جداً لو أن اللجنة أشارت إلى أن العهد لا يسمح بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، بدلاً من أن تشير، بصورة غير مجدية نوعاً ما، إلى أن العهد لا يحظر مثل هذه المحاكمات.

8- فالهدف ليس تفسير العهد على نحو يأخذ في الحسبان الممارسات الفعلية للدول التي تنطوي في الواقع على انتهاكات مثبتة لحقوق الإنسان، وليس ذلك هو دور اللجنة. وإنما الهدف هو مساعدة الدول الأطراف على استيفاء المعايير العصرية للمحاكمة العادلة والإشارة بوضوح، عند الاقتضاء، إلى التعديلات الواجب إدخالها على التشريعات المحلية لضمان توافقها مع العهد.

9- وما فتئ القضاء العسكري، على النحو المطبق بنتائج مأساوية في مختلف أنحاء العالم منذ الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا، ينطوي ، دون استثناء، على تثبيت إفلات العسكريين المتهمين بانتهاكات جماعية جسيمة لحقوق الإنسان من العقاب. وعلاوة على ذلك، عندما تُطبق العدالة الجنائية العسكرية على المدنيين، فإن النتيجة هي إصدار إدانات قائمة على أساس إجراءات تخللتها تجاوزات من كل نوع، بحيث لا يصبح الحق في الدفاع عن النفس وهماً فحسب، وإنما يُحصل على معظم الأدلة عن طريق التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية .

10- إن العهد لا يحظر المحاكم العسكرية وليس القصد من هذا الرأي إلغاءها. غير أن العدالة الجنائية العسكرية هي ولاية قضائية يجب احتواؤها ضمن حدود ملائمة إذا كان يُراد لها أن تمتثل لأحكام العهد امتثالاً تاماً. ويجب أن تكون هذه الحدود محكومة بالاختصاص الشخصي، أي أن القضاء العسكري يجب أن ينطبق على العسكريين العاملين وحدهم وليس على المدنيين أو العسكريين المتقاعدين قط؛ و بالاختصاص المادي ، أي أن القضاء العسكري ينبغي أن يكون مختصاً بالمحاكمة في سياق الجنايات التأديبية وليس الجرائم العادية، وبالتأكيد ليس في سياق انتهاكات حقوق الإنسان. وبهذه الشروط فقط يمكن أن يصبح القضاء العسكري متوافقاً مع أحكام العهد.

11- إن التعليق العام رقم 32 وثيقة قانونية مهمة لحق الإنسان في المحاكمة العادلة، غير أنه قاصر جداً فيما يتعلق بالمسألة قيد النقاش هنا. وقد مضت ثلاثة أعوام منذ اعتماد هذا التعليق العام، وينبغي للجنة أن تتخذ خطوات لتصحيح المفهوم القائل إن المحاكم العسكرية يمكن أن تحاكم المدنيين؛ فموقف اللجنة الحالي يتعارض تماماً مع المعايير الحديثة للحماية الدولية لحقوق الإنسان ومع المذاهب الفقهية الأكثر استنارةً بهذا الشأن.

12- وليس على اللجنة أن تصيغ تعليقاً عاماً جديداً للمضي قدماً لصالح البشرية بخصوص هذه النقطة بالذات، وإنما عليها فقط أن تأخذ في الاعتبار التطورات الحاصلة في نظام حماية حقوق الإنسان. فالبلاغات الفردية المقدمة بموجب البروتوكول الاختياري - والتي تتضمن قضايا تُعرض على اللجنة وتنطوي على محاكمة شخص مدني أمام محكمة عسكرية على غرار قضية العباني - والملاحظات الختامية على تقارير الدول المقدمة بموجب المادة 40 من العهد، تتيح هي الأخرى فرصاً ملائمة لتأدية هذه المهمة القانونية الضرورية والمساهمة بذلك في تحقيق موضوع العهد وغرضه على نحو أفضل.

13- وما أن يُعتمد موقف من هذا النوع، فإن الدول الأطراف، بوصفها أعضاء في المجتمع الدولي، ستسارع إلى تعديل تشريعاتها المحلية بحسن نية، وستصبح المحاكم العسكرية التي تملك صلاحية محاكمة المدنيين جزءاً من ماضٍ تعيس نخلفه بسرور وراء ظهورنا.

14- لقد قدمت اللجنة، طوال تاريخها، إسهامات ملحوظة في القانون الدولي لحقوق الإنسان ولم تزل مصدر إلهام للولايات القضائية الدولية والإقليمية الأخرى. غير أنها في المسألة التي يتناولها هذا الرأي تتحرك في الاتجاه المعاكس تماماً.

15- وكما لوحظ في آلاف القضايا، ومرة أخرى للأسف في قضية العباني ، فإن إلغاء الاختصاص العسكري بمحاكمة مدنيين لا يزال مسألة عالقة تنتظر بفروغ الصبر رداً واضحاً وملائماً من اللجنة المعنية بحقوق الإنسان.

(التوقيع) فابيان عمر سالفيولي

[حُرّر بالإسبانية والإنكليزية والفرنسية، علماً بأن النص الإسباني هو النص الأصلي. وسيصدر لاحقاً بالروسية والصينية والعربية كجزء من تقرير اللجنة السنوي إلى الجمعية العامة.]