الأمم المتحدة

E/C.12/GC/25

ا لمجلس الاقتصادي والاجتماعي

Distr.: General

30 April 2020

Arabic

Original: English

اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

التعليق العام رقم 25 ( 2020 ) بشأن العلم والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 15 ( 1 )(ب) و( 2 ) و( 3 ) و( 4 ) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) *

أولا ً - مقدمة ومنطلقات أساسية

1 - أنتجت تطورات العلم والتكنولوجيا بوتيرتها المكثَّفة والسريعة الكثير من الفوائد للتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفي الوقت نفسه، كانت المخاطر والتوزيع غير المتكافئ لهذه الفوائد والمخاطر وراء إقامة مناقشة ثرية ومتنامية بشأن العلاقة بين العلم والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وصدرت عدة وثائق هامة عن هذا الموضوع، مثل بيان فينيسيا بشأن الحق في التمتع بفوائد التقدم العلمي وتطبيقاته ، المعتمد في عام 2009 ، والإعلان العالمي لأخلاقيات البيولوجيا وحقوق الإنسان، الذي اعتمدته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في عام 2005 ، والتوصية الخاصة بالعلم والمشتغلين بالبحث العلمي ، التي اعتمدتها اليونسكو في عام 2017 ، وتقرير المقررة الخاصة في مجال الحقوق الثقافية بشأن الحق في التمتع بفوائد التقدم العلمي وتطبيقاته (A/HRC/20/26)، وتعليق اللجنة العام رقم 17 ( 2005 ) بشأن حق كل فرد في الإفادة من حماية المصالح المعنوية والمادية المترتبة على أي إنتاج علمي أو أدبي أو فني من صنعه. والواقع أن اليونسكو، والإعلانات الصادرة في إطار المؤتمرات ومؤتمرات القمة الدولية ( ) ، والمقررة الخاصة المعنية بالحقوق الثقافية، والمنظمات والمنشورات العلمية البارزة ( ) ، تؤيد "حق الإنسان في العلم" الذي يشمل جميع الحقوق والاستحقاقات والالتزامات المتصلة بالعلم.

2 - وعلى الرغم من هذه التطورات، يمثل العلم أحد مجالات العهد التي توليها الدول الأطراف أقل قدر من الاهتمام في تقاريرها وحواراتها مع اللجنة. وهذا ما دفع اللجنة، بعد إجراء عملية تشاورية واسعة النطاق، إلى وضع هذا التعليق العام بشأن العلاقة بين العلم والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

3 - وتركز اللجنة في المقام الأول على حق كل فرد في التمتع بفوائد التقدم العلمي وتطبيقاته بموجب العهد (المادة 15 ( 1 )(ب))، باعتباره أكثر الحقوق التي يتكرر الاستشهاد بها فيما يتعلق بالعلم. غير أن الغرض من هذا التعليق العام لا يقتصر على تناول هذا الحق، بل يشمل أيضاً إنماء العلاقة على نطاق أوسع بين العلم والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما تبحث اللجنة العناصر الأخرى للمادة 15 المتصلة بالعلم، ولا سيما التزامات الدول الأطراف باتخاذ خطوات لصيانة العلم وإنمائه وإشاعته (المادة 15 ( 2 ))، واحترام الحرية التي لا غنى عنها للبحث العلمي (المادة 15 ( 3 ))، وتشجيع الاتصال والتعاون الدوليين في ميدان العلم (المادة 15 ( 4 )). وتسلط اللجنة الضوء أيضاً على أهمية المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالنسبة إلى هذا التحليل.

ثانيا ً - المضمون المعياري

التقدم العلمي وتطبيقاته

4 - وفقاً للتعريف الذي استخدمته اليونسكو في توصيتها الخاصة بالعلم والمشتغلين بالبحث العلمي،

تعني كلمة "العلم" الجهد الذي يبذله البشر، أفراداً أو جماعات صغيرة أو كبيرة، في محاولة منظمة لاكتشاف سلسلة الأسباب والمسببات والعلاقات والتفاعلات المتعلقة بالظواهر المرصودة والتحكم فيها عن طريق دراسة هذه الظواهر دراسة موضوعية وإقرار الدراسة من خلال تشاطر النتائج والبيانات وعمليات استعراض الأقران؛ وجمع ما ينتج عن ذلك من نظم فرعية للمعرفة في صورة منسقة من خلال التفكير والتصور المنهجيين، والتمكن بالتالي من تسخير فهمهم للعمليات والظواهر التي تجري في الطبيعة والمجتمع لمنفعتهم (الفقرة 1 (أ)( 1 )).

وتضيف اليونسكو أن "كلمة "العلوم" تعني كلاً مركباً من المعارف والحقائق والفرضيات يكون فيه العنصر النظري عادة قابلاً للإثبات في الأجل القصير أو الطويل، وفي نطاق هذا المفهوم تشمل هذه الكلمة العلوم التي تُعنى بالحقائق والظواهر الاجتماعية" (الفقرة 1 (أ)( 2 )).

5 - وبناءً على ذلك، يُقصد بالعلم، الذي يشمل العلوم الطبيعية والاجتماعية، عملية تتبَع منهجية معينة ("ممارسة العلوم") ونتائج هذه العملية (المعارف والتطبيقات). وعلى الرغم من جواز المطالبة بالحماية والتعزيز كحق ثقافي لأشكال أخرى من المعرفة، فلا ينبغي اعتبار المعارف علماً إلا إذا كانت قائمة على التقصي النقدي، ومفتوحة لقابلية الدحض والاختبار. فالمعارف التي لا تستند سوى إلى التقاليد أو الوحي أو السلطة، دون إمكانية للمقارنة بالمنطق والخبرة، أو المعارف التي تكون في مأمن من أي قابلية للدحض أو التحقق القائم على التفاعل، لا يمكن اعتبارها علماً.

6 - ويشير كلا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد إلى "التقدم العلمي"؛ وتؤكد هذه العبارة قدرة العلم على الإسهام في تحقيق رفاه الأشخاص والبشرية. ومن ثم، ينبغي للدول أن تولي الأولوية لتطوير العلم في خدمة السلام وحقوق الإنسان أمام الاستخدامات الأخرى.

7 - ويُقصد بالتطبيقات طريقة معينة يطبَّق بها العلم إزاء الشواغل والاحتياجات المحددة للسكان. وتشمل العلوم التطبيقية أيضاً التكنولوجيا المستمدة من المعارف العلمية، مثل التطبيقات الطبية، أو التطبيقات الصناعية أو الزراعية، أو تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ( ) .

التمتع بالفوائد

8 - يشير مصطلح "الفوائد" أولاً إلى النتائج المادية لتطبيقات البحث العلمي، مثل التطعيم والأسمدة والأدوات التكنولوجية وما شابه ذلك. وثانياً، تشير الفوائد إلى المعارف والمعلومات العلمية المستمدة من النشاط العلمي مباشرةً، باعتبار أن العلم يوفر الفوائد من خلال تطوير المعارف نفسها ونشرها. وأخيراً، تشير الفوائد أيضاً إلى دور العلم في تكوين المواطنين المسؤولين ذوي الفكر النقدي والقادرين على المشاركة في مجتمع ديمقراطي مشاركةً كاملة.

المشاركة في الحياة الثقافية

9 - من غير الممكن تفسير الحق في التمتع بفوائد التقدم العلمي بإقامة تمييز جامد بين العالِم الذي ينتج العلم وعامة السكان، الذين لا يُكفل لهم سوى التمتع بالفوائد المستمدة من البحوث التي يجريها العلماء. إذ يتعارض هذا التفسير المقيِّد مع التفسير المنهجي والغائي لهذا الحق، الذي يأخذ في الحسبان سياق هذه المادة وموضوعها وهدفها، وفقاً لأحكام المادة 31 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات.

10 - والثقافة مفهوم شامل يتضمن جميع مظاهر الوجود البشري ( ) . ومن ثم، فإن الحياة الثقافية قائمة على نطاق أكثر اتساعاً من العلم، حيث أنها تشمل جوانب أخرى من الوجود البشري؛ بيد أن بالإمكان اعتبار أن النشاط العلمي يشكل جزءاً من الحياة الثقافية. وبالتالي، فإن حق كل فرد في المشاركة في الحياة الثقافية يشمل حق كل فرد في المشاركة في التقدم العلمي وفي القرارات المتعلقة باتجاه هذا التقدم. ويتفق هذا التفسير أيضاً مع مبدأي المشاركة والشمول اللذين يرتكز عليهما العهد، ومع عبارة "التمتع بفوائد التقدم العلمي". ولا تقتصر هذه الفوائد على الفوائد المادية أو منتجات التقدم العلمي، بل تشمل تنمية الفكر النقدي والقدرات المرتبطة بممارسة العلوم. وهذا الفهم تؤيده الأعمال التحضيرية ( travaux préparatoires) المتعلقة بصياغة المادة 15 من العهد التي تبين أن الغرض من هذه المادة كان وضع المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( ) ، التي لا تعترف فقط بالحق في الإفادة من تطبيقات العلم، بل في المشاركة أيضاً في التقدم العلمي ( ) . وينبغي أن يؤخذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الاعتبار عند تحديد نطاق جميع الحقوق المكرسة في العهد، ليس لأن ديباجة العهد تشير صراحةً إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فحسب، إنما أيضاً لأن كلا الصكين يمثلان محاولات دولية لإعطاء قوة قانونية للحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن طريق اعتماد معاهدات ملزمة. ومن ثم، فإن ممارسة العلوم لا تتعلق فقط بالمهنيين العلميين، بل تشمل أيضاً "علم المواطن" (الناس العاديون الذين يمارسون العلوم) ونشر المعارف العلمية. ولا ينبغي للدول الأطراف أن تُحجم فقط عن منع مشاركة المواطنين في الأنشطة العلمية، بل ينبغي أن تيسّرها بهمّة.

11 - والحق المنصوص عليه في المادة 15 ( 1 )(ب) لا يقتصر على الحق في الحصول على فوائد تطبيقات التقدم العلمي، بل يشمل أيضاً الحق في المشاركة في التقدم العلمي. وهو يمثل بالتالي حق المشاركة في التقدم العلمي من جهة، وحق التمتع بفوائد ه وتطبيقاته من جهة أخرى.

إفادة الفرد من حماية المصالح المعنوية والمادية المترتبة على أي إنتاج علمي أو أدبي أو فني من صنعه

12 - لقد سبق للجنة أن درست هذا الحق في عام 2005 في تعليقها العام رقم 17 ، الذي شددت فيه على الفرق بين هذا الحق من حقوق الإنسان، الذي يحمي منشئي الاكتشافات العلمية، و"معظم الحقوق القانونية التي تقرّها نظم الملكية الفكرية" (الفقرة 1 ). ولا لزوم لتكرار هذا التحليل ههنا. ومع ذلك، يتناول الفرع الخامس العلاقة المحددة بين حقوق الملكية الفكرية والحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائده ما.

13 - يتطلب العلم توافر حماية قوية لحرية البحث لكي يزدهر ويتطور. وينص العهد على واجب مح ــ دد على الدول بـ "احترام الحرية التي لا غنى عنها للبح ــ ث العلمي" (المادة 15 ( 3 )). وتشمل هذه الحرية، على الأقل، الأبعاد التالية: حماية الباحثين من التأثير غير المبرر على حكمهم المستقل؛ وإمكانية قيام الباحثين بإنشاء مؤسسات بحث مستقلة وتحديد أهداف وغايات البحث والأساليب التي يتعين اعتمادها؛ وحرية الباحثين في التشكيك بحرية وصراحة في القيمة الأخلاقية لمشاريع معينة وحقهم في الانسحاب من تلك المشاريع إذا كان ضميرهم يملي عليهم ذلك؛ وحرية الباحثين في التعاون مع باحثين آخرين، سواء على الصعيد الوطني أو الدولي؛ وتبادل البيانات والتحليلات العلمية مع واضعي السياسات، ومع الجمهور حيثما أمكن ( ) . ومع ذلك، فإن حرية البحث العلمي ليست مطلقة؛ ويجوز فرض بعض القيود عليها على النحو المبين في الفرع الثالث أدناه.

اتخاذ تدابير لصيانة العلم وإنمائه وإشاعته

14 - ينبغي للدول الأطراف ألا تمتنع فقط عن التدخل في حرية الأفراد والمؤسسات في إنماء العلم وإشاعة نتائجه، بل يجب عليها أن تتخذ تدابير إيجابية للنهوض بالعلم (الإنماء) وحماية ونشر المعارف العلمية وتطبيقاتها (الصيانة والإشاعة).

ثالثا ً - عناصر الحق والقيود ذات الصلة

15 - يتضمن الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما، حريات واستحقاقات على حد سواء. وتشمل الحريات الحق في المشاركة في التقدم العلمي والتمتع بالحرية التي لا غنى عنها للبحث العلمي. وتشمل الاستحقاقات الحق في التمتع، دون تمييز، بفوائد التقدم العلمي. وهذه الحريات والاستحقاقات لا تنطوي فقط على التزامات سلبية بالنسبة للدول، إنما تشمل أيضاً التزامات إيجابية. وبالإضافة إلى ذلك، يتضمن هذا الحق العناصر الخمسة الأساسية والمترابطة الواردة أدناه.

ألف- عناصر الحق

16 - يُقصد بعنصر التوافر التزام الدول الأطراف باتخاذ تدابير لصيانة العلم وإنمائه وإشاعته. وبالتالي، فإن التوافر يعني أن التقدم العلمي يجري بالفعل، وأن المعارف العلمية وتطبيقاتها محمية ومنتشرة على نطاق واسع. وينبغي للدول الأطراف أن توجه مواردها الخاصة وأن تنسق الإجراءات التي تتخذها الجهات الأخرى لكفالة إحراز التقدم العلمي وتوزيع تطبيقاته وفوائده وإتاحتها، ولا سيما للفئات الضعيفة والمهمشة. وهذا يتطلب، في جملة أمور، أدوات لإشاعة العلم (المكتبات والمتاحف وشبكات الإنترنت، وما إلى ذلك)، وبنية تحتية بحثية قوية ذات موارد كافية، وتمويلاً كافياً للتعليم العلمي. وعلى وجه الخصوص، ينبغي للدول أن تشجع العلم المفتوح والنشر المفتوح المصدر للبحوث. وينبغي أن تكون نتائج البحوث وبيانات البحوث التي تمولها الدول متاحة للجمهور.

17 - ويُقصد بإمكانية النفاذ إتاحة التقدم العلمي وتطبيقاته لجميع الأشخاص دون تمييز. ولهذا العنصر ثلاثة أبعاد: أولاً، ينبغي للدول الأطراف أن تكفل لكل فرد إمكانية النفاذ إلى تطبيقات العلم على قدم المساواة مع الآخرين، ولا سيما عندما تكون هذه التطبيقات ذات أهمية أساسية للتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأخرى. ثانياً، ينبغي أن تكون المعلومات المتعلقة بمخاطر وفوائد العلم والتكنولوجيا متاحة دون تمييز. ثالثاً، ينبغي أن تتاح لكل فرد فرصة مفتوحة للمشاركة في التقدم العلمي، دون تمييز. ومن ثم، ينبغي للدول الأطراف أن تزيل الحواجز التمييزية التي تعوق الأشخاص عن المشاركة في التقدم العلمي، بتيسير حصول الفئات السكانية المهمشة على التعليم العلمي على سبيل المثال.

18 - ويُقصد بعنصر الجودة توافر أكثر العلوم تقدماً واستكمالاً واستصواباً وقابليةً للتحقق في وقت معين، وفقاً للمعايير المقبولة بوجه عام في الأوساط العلمية. وينطبق هذا العنصر على عملية الإبداع العلمي والنفاذ إلى تطبيقات العلم وفوائده على حد سواء. وتشمل الجودة أيضاً التنظيم والتصديق، عند الاقتضاء، لكفالة إنماء العلم وتطبيقه بطريقة مسؤولة وأخلاقية. وينبغي للدول أن تعتمد على المعارف العلمية المقبولة على نطاق واسع، عن طريق الحوار مع الأوساط العلمية، لتنظيم عملية انتشار التطبيقات العلمية الجديدة المتاحة للجمهور والتصديق عليها.

19 - ويُقصد بعنصر المقبولية بذل الجهود لكفالة شرح العلوم ونشر تطبيقاتها بطريقة تُيسر قبولها في سياقات ثقافية واجتماعية مختلفة، شريطة ألا يؤثر ذلك على سلامتها وجودتها. وينبغي تكييف التعليم العلمي ومنتجات العلم مع خصوصيات السكان ذوي الاحتياجات الخاصة، مثل الأشخاص ذوي الإعاقة. وتعني المقبولية أيضاً أن يتضمن البحث العلمي معايير أخلاقية لضمان سلامته واحترام كرامة الإنسان، من قبيل المعايير المقترحة في الإعلان العالمي لأخلاقيات البيولوجيا وحقوق الإنسان. ويُذكر من بين هذه المعايير توفير قدر معقول من الحماية والضمانات لكفالة أقصى قدر من الفوائد للمشاركين في البحوث وغيرهم من الأفراد المعنيين والتقليل إلى أدنى حد من أي ضرر محتمل إزاءهم؛ وضمان الاستقلالية الذاتية والموافقة الحرة والمستنيرة للمشاركين؛ واحترام الخصوصية والسرية؛ وحماية الفئات الضعيفة أو الأشخاص الضعفاء بوجه خاص من أجل تجنب أي تمييز؛ وإيلاء الاعتبار الواجب للتنوع والتعددية الثقافيين.

20 - وعلى نحو ما هو موضّح في الفقرة 13 أعلاه، تُعتبر حماية حرية البحث العلمي أيضاً عنصراً من عناصر الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما.

باء- القيود

21 - لعل من الضروري فرض بعض القيود على الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما، حيث أن العلم وتطبيقاته يمكن أن يؤثرا، في سياقات معينة، على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومع ذلك، يجب أن تحترم القيود المفروضة على هذا الحق متطلبات المادة 4 من العهد أي: أولاً، يجب أن تحدَّد القيود بمقتضى القانون؛ ثانياً، يجب أن تعزز هذه القيود الرفاه العام في مجتمع ديمقراطي؛ ثالثاً، يجب أن يكون أي تقييد متوافقاً مع طبيعة الحق المقيَّد. وهذا يعني، على نحو ما تفهمه اللجنة، أن القيود يجب أن تحترم الحد الأدنى من الالتزامات الأساسية لهذا الحق، وأن تكون متناسبة مع الهدف المنشود. وهذا يعني أنه في الحالات التي تتوافر فيها عدة وسائل صالحة على نحو معقول لتحقيق الهدف المشروع من التقييد، يجب اختيار الوسيلة الأقل تقييداً للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ( ) ، وينبغي ألا تفوق الأعباء المفروضة على التمتع بهذا الحق الفوائد المتأتية من التقييد.

22 - ويمكن استخدام القيود المفروضة على تطبيقات العلم والتكنولوجيا لضمان سلامة وجودة المنتجات التي يستخدمها الأشخاص. وقد يكون من الضروري إجراء تقييمات للأثر على حقوق الإنسان من أجل حماية الأشخاص من التطبيقات الخطرة. كما يمكن أن تنشأ الحاجة لفرض قيود على عملية البحث، ولا سيما عندما يؤثر البحث على البشر، وذلك لحماية كرامتهم وسلامتهم وموافقتهم عند مشاركتهم في البحث. وعندما يجري البحث في بلدان أو بين فئات سكانية مختلفة عن بلدان وفئات الباحثين، يجب على الدولة الأصلية أن تضمن حقوق والتزامات جميع الأطراف المعنية. ومع ذلك، فإن أي قيد على محتوى البحث العلمي يستتبع نشوء عبء تبريرٍ صارم على الدول تجنباً لانتهاك حرية البحث.

رابعاً- الالتزامات

ألف- الالتزامات العامة

23 - يجب على الدول الأطراف أن تتخذ خطوات، بأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة، من أجل الإعمال الكامل للحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما. ورغم جواز تحقيق الإعمال الكامل لهذا الحق على نحو تدريجي، فلا بد من اتخاذ خطوات صوب تحقيقه على الفور أو في غضون فترة زمنية قصيرة معقولة. وينبغي أن تكون هذه الخطوات مدروسة وملموسة ومحددة الأهداف، وأن تنفَّذ باستخدام جميع الوسائل المناسبة، بما في ذلك اعتماد تدابير تشريعية وتدابير متعلقة بالميزانية.

24 - ومثلما هي الحال بالنسبة لجميع الحقوق الأخرى في العهد، هناك افتراض قوي بأنه من غير المسموح به اتخاذ تدابير تراجعية فيما يتعلق بالحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما ( ) ومن الأمثلة على التدابير التراجعية إلغاء البرامج أو السياسات اللازمة لصيانة العلم وإنمائه وإشاعته؛ وفرض حواجز على التعليم العلمي والمعلومات المتعلقة بالعلم؛ وفرض حواجز على مشاركة المواطنين في الأنشطة العلمية، بما في ذلك المعلومات المضللة التي تهدف إلى تقويض فهم واحترام المواطنين للعلم والبحث العلمي؛ واعتماد تغييرات قانونية وتغييرات في اتجاه السياسة العامة للحد من مدى التعاون الدولي في المجال العلمي. وفي الظروف الاستثنائية التي قد تكون فيها التدابير التراجعية محتومة، يجب على الدول كفالة أن تكون هذه التدابير ضرورية ومتناسبة. ويجب ألا تظل التدابير قائمة إلا في حدود ما تقتضيه الضرورة؛ وأن تخفف من أوجه التفاوت التي يمكن أن تنمو في أوقات الأزمات وتكفل عدم تضرر حقوق المحرومين والمهمشين بشكل غير متناسب، أفراداً وجماعات؛ وتضمن الحد الأدنى من الالتزامات الأساسية (انظر E/C.12/2016/1).

25 - ويقع على عاتق الدول الأطراف التزام فوري بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد الأفراد والجماعات في تمتعهم بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويكتسي هذا الواجب أهمية بوجه خاص فيما يتعلق بالحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما، لأن أوجه عدم المساواة العميقة لا تزال قائمة في التمتع بهذا الحق. ويتعين على الدول أن تعتمد التدابير اللازمة للقضاء على الظروف والتصدي للمواقف التي تُديم عدم المساواة والتمييز من أجل تمكين جميع الأفراد والجماعات من التمتع بهذا الحق دون تمييز، بما في ذلك التمييز القائم على أساس الدين والأصل القومي والجنس والميل الجنسي والهوية الجنسانية والعنصر والهوية الإثنية والإعاقة والفقر وأي وضع آخر ذي صلة.

26 - ويمثل واجب القضاء على التمييز التزاماً شاملاً ينبغي للدول أن تأخذه في الحسبان عند الوفاء بجميع الالتزامات الأخرى. فعلى سبيل المثال، يشمل واجب الدول أن تتخذ خطوات لإنماء العلم وإشاعته (المادة 15 ( 2 )) الالتزام ببذل جميع الجهود اللازمة للتغلب على أوجه عدم المساواة المستمرة في مجال التقدم العلمي عن طريق وسائل التثقيف والاتصال الملائمة ثقافياً وجنسانياً ، بهدف تشجيع أوسع مشاركة ممكنة في التقدم العلمي لأفراد الفئات المستبعدة عادةً من هذا التقدم.

27 - وتنشأ عن واجب مكافحة التمييز القائم على هذه الأسس انعكاسات على صعيد تصميم وتنفيذ جميع السياسات المتصلة بالحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما. فعلى سبيل المثال، يتعين على الدول أن تصمم وتنفذ بعناية برامج التعليم العلمي الجيد من أجل تمكين جميع الأشخاص من الحصول على فرص متكافئة لبلوغ مستوى أساسي من الإحاطة والمعرفة بالعلم والتدريب اللازمين لاتباع مسار وظيفي في مجال العلوم، وكفالة حصولهم دون تمييز على فرص العمل المتاحة في ميادين البحث العلمي ( ) .

باء- الحماية الخاصة لفئات محددة

28 - دون المساس بواجب الدول في القضاء على جميع أشكال التمييز، ينبغي إيلاء اهتمام خاص للفئات التي عانت من تمييز منهجي في التمتع بالحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما، مثل النساء والأشخاص ذوي الإعاقة والمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين والشعوب الأصلية والأشخاص الذين يعيشون في فقر. وقد يكون من الضروري اتخاذ تدابير خاصة مؤقتة لتحقيق المساواة الفعلية ومعالجة المظاهر الحالية لأنماط الاستبعاد الموجودة مسبقاً إزاء هذه الفئات. ونظراً لضيق الحيز المتاح هنا، يركز هذا التعليق العام على النساء والأشخاص ذوي الإعاقة والأشخاص الذين يعيشون في فقر والشعوب الأصلية.

المرأة

29 - كثيراً ما تكون المرأة ممثلة تمثيلاً ناقصاً في النشاط العلمي. ويعزى ذلك في بعض الأحيان إلى حالات التمييز المباشر إزاءها في الحصول على التعليم أو العمل والترقية المهنيين. وفي حالات أخرى، يكون التمييز أكثر استتاراً ويستند إلى القوالب النمطية أو الممارسات المهنية التي تحاول أن تُثني المرأة عن المشاركة في البحث العلمي. وإن تقدُّم المرأة على وجه الخصوص في المهن العلمية محدود، سواء في الأوساط الأكاديمية أو في القطاع الخاص، نتيجةً للحواجز المتراكمة كلما صعدت السلم الهرمي.

30 - وينطوي عدم المساواة بين الرجل والمرأة في النفاذ إلى الميدان العلمي على تمييز مزدوج. فأولاً، للمرأة الحق في المشاركة في البحث العلمي على قدم المساواة مع الرجل؛ ومن ثم، يشكل عدم المساواة القائم في الحصول على التعليم العلمي أو المهن العلمية تمييزاً من حيث المبدأ. ثانياً، بما أن المرأة ممثلة تمثيلاً ناقصاً في البحث العلمي، فمن الشائع جداً أن تكون ميادين البحث العلمي والتكنولوجيات الجديدة متحيزة جنسانياً وألا تأخذ في الاعتبار خصوصيات المرأة واحتياجاتها.

31 - ولذلك يجب على الدول أن تزيل فوراً الحواجز التي تؤثر على حصول الفتاة والمرأة على التعليم العلمي الجيد والمهن العلمية الجيدة. وعلاوة على ذلك، يجب على الدول أن تتخذ خطوات لكفالة المساواة الفعلية للمرأة في الحصول على التعليم العلمي والمهن العلمية بسبل منها، على سبيل المثال، توعية الجمهور من أجل القضاء على القوالب النمطية التي تستبعد المرأة من العلم أو اعتماد سياسات لمساعدة الرجل والمرأة على حد سواء في تحقيق التوازن بين الحياة المنزلية والمهن العلمية. وقد تنشأ حاجة إلى اتخاذ تدابير خاصة مؤقتة، مثل حصص المرأة في التعليم العلمي، من أجل التعجيل بتحقيق المساواة الفعلية في ممارسة الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما. كما أن توافر روض الأطفال وغيرها من مؤسسات رعاية الطفل يُعتبر من العناصر الرئيسية لتعزيز المساواة.

32 - ولا يُنظر إلى نهج مراعاة الفوارق بين الجنسين بوصفه شكلاً من أشكال الكماليات للبحث العلمي، بل هو أداة حاسمة لكفالة أن يراعي التقدم العلمي والتكنولوجيات الجديدة خصائص واحتياجات المرأة والفتاة على نحو كاف. ولا ينبغي أن يُترك هذا النهج جانباً إلى حين بلوغ المراحل الأخيرة من البحث، إنما يجب اتباعه منذ المرحلة الأولى، عند اختيار الموضوع وتصميم المنهجيات، ولا بد من أن يكون قائماً في جميع مراحل البحث العلمي وتطبيقاته، بما في ذلك أثناء تقييم آثاره. ويجب أيضاً أن تراعي القراراتُ المتعلقة بالتمويل أو السياسات العامة الفوارق بين الجنسين.

33 - ويكتسي النهج المراعي للفوارق بين الجنسين أهمية خاصة بالنسبة للحق في الصحة الجنسية والإنجابية. ويجب على الدول الأطراف أن تكفل الحصول على التكنولوجيات العلمية الحديثة اللازمة للمرأة فيما يتعلق بهذا الحق. وعلى وجه الخصوص، ينبغي للدول الأطراف أن تكفل الحصول على وسائل حديثة ومأمونة لمنع الحمل بما في ذلك الوسائل العاجلة لمنع الحمل، وأدوية الإجهاض، وتكنولوجيات المساعدة على الإنجاب، وغيرها من السلع والخدمات الجنسية والإنجابية، على أساس عدم التمييز والمساواة وعلى النحو المبين في التعليق العام رقم 22 ( 2016 ) بشأن الحق في الصحة الجنسية والإنجابية. وينبغي إيلاء اهتمام خاص لحماية الموافقة الحرة المسبقة المستنيرة للمرأة في العلاجات أو البحوث العلمية المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية.

الأشخاص ذوو الإعاقة

34 - لقد عانى الأشخاص ذوو الإعاقة من تمييز شديد في التمتع بالحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما، إما بسبب العقبات الثقيلة القائمة على الصعيد المادي وفيما يتعلق بالاتصال والاستعلام، وهي عقبات تعوق حصولهم على التعليم العلمي الأساسي والعالي وعلى المهن العلمية، أو لأن منتجات التقدم العلمي لا تأخذ في الاعتبار خصوصياتهم واحتياجاتهم المحددة. ويأتي الأشخاص ذوو الإعاقة بمنظوراتهم وتجاربهم الفريدة إلى المشهد العلمي، مما يسهم على وجه التحديد في تعزيز الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما.

35 - وينبغي للدول الأطراف، على الأقل، أن تعتمد التدابير والسياسات التالية للتغلب على التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة في التمتع بهذا الحق: (أ) تعزيز مشاركة وإسهامات الأشخاص ذوي الإعاقة، بما في ذلك النساء ذوات الإعاقة اللواتي يواجهن تمييزاً متعدد الأوجه، في إجراءات اتخاذ القرارات المتعلقة بالعلم؛ (ب) وضع إحصاءات عن إمكانية الحصول على العلم وفوائده مصنفةً حسب نوع الإعاقة؛ (ج) تنفيذ التصميم العام؛ (د) تعزيز التكنولوجيات التي تيسر حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على التعليم العلمي والوظائف العلمية؛ (هـ) كفالة توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة للأشخاص ذوي الإعاقة لتمكينهم من الحصول على التعليم العلمي والوظائف العلمية وضمان استفادتهم من منتجات التطور العلمي، بما في ذلك إشاعته ونشره في أشكال مكيَّفة؛ (و) اعتماد التدابير المناسبة للتوعية بقدرات وإسهامات الأشخاص ذوي الإعاقة ومكافحة القوالب النمطية والممارسات الضارة المتصلة بهؤلاء الأشخاص ( ) ؛ (ز) كفالة أن يمنح الأشخاص ذوو الإعاقة موافقتهم الحرة المسبقة المستنيرة حين يكونون موضوع بحث.

الأشخاص الذين يعيشون في فقر وأوجه عدم المساواة والعلم

36 - في العقود القليلة الماضية، أدى نمو أوجه عدم المساواة إلى تقويض سيادة القانون، كما نشأت عنه آثار سلبية في التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (انظر A/HRC/29/31). ويعوق التفاوت الاقتصادي تحقيق المساواة في حصول الأسر المعيشية المنخفضة الدخل على التعليم العلمي وعلى فوائد التقدم العلمي، ولا سيما الأشخاص الذين يعيشون في فقر. وهذا بدوره يعزز أوجه عدم المساواة الاقتصادية لأن الأسر المعيشية ذات الدخل المرتفع يمكن أن تتمتع بتعليم علمي أفضل وأن تحصل على آخر الابتكارات العلمية وأكثرها تكلفة، مما يسمح للأشخاص الأثرياء ببلوغ مستويات أعلى من الإنتاجية على الصعيد التكنولوجي مقارنةً بالفقراء، وهو ما يديم أوجه عدم المساواة ويوفر لها تبريراً ظاهرياً.

37 - ولما كانت المساواة تحتل مكاناً في صميم حقوق الإنسان، فلا بد للدول من أن تبذل قصارى جهدها للخروج من هذه الحلقة المفرغة بين أوجه عدم المساواة الفعلية وانعدام المساواة في ممارسة الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما. وينطوي ذلك على استراتيجية ثلاثية الأبعاد: فأولاً، ينبغي للدول الأطراف أن تعتمد سياسات للحد من أوجه عدم المساواة، وهو موضوع يتجاوز نطاق هذا التعليق العام ولكنه في صميم المناقشات الجارية حالياً بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان. ثانياً، تحتاج الدول الأطراف إلى استراتيجية محددة لتعزيز إمكانية حصول الأشخاص الذين يعيشون في فقر على التعليم العلمي الجيد. ثالثاً، ينبغي للدول أن تولي الأولوية للابتكارات العلمية والتكنولوجية التي تستجيب بوجه خاص لاحتياجات الأشخاص الذين يعيشون في فقر وأن تكفل حصول هؤلاء الأشخاص على الابتكارات التكنولوجية.

38 - وينبغي للدول أن تعتمد تدابير من أجل كفالة إمكانية كاملة للأطفال الذين يعيشون في فقر، ولا سيما الأطفال ذوو الإعاقة، لممارسة الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما، إذ يحق لهم الحصول على الرعاية والمساعدة بوجه خاص، ولا سيما من خلال الأدوات التربوية والتعليم العلمي الجيد الذي يسمح بإنماء شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى أقصى إمكاناتها ( ) .

المعارف التقليدية والشعوب الأصلية

39 - تكتسي المعارف المحلية والتقليدية ومعارف الشعوب الأصلية قيمة كبيرة، ولا سيما المعارف بشأن الطبيعة والأنواع (النباتات والحيوانات والبذور) وخصائصها، ولها دور هام تؤديه في الحوار العلمي على الصعيد العالمي. ويجب على الدول أن تتخذ تدابير لحماية هذه المعارف بوسائل مختلفة، بما في ذلك نظم الملكية الفكرية الخاصة، وأن تضمن ملكية المجتمعات المحلية والتقليدية والشعوب الأصلية لهذه المعارف التقليدية وتحكمها بها.

40 - وينبغي للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية في جميع أنحاء العالم أن تشارك في حوار عالمي فيما بين الثقافات لصالح التقدم العلمي، باعتبار أن مدخلاتها قيّمة وأنه لا ينبغي استخدام العلم كأداة لفرض الثقافة. ويجب على الدول الأطراف أن توفر للشعوب الأصلية، في ظل الاحترام الواجب لحقها في تقرير المصير، الوسائل التعليمية والتكنولوجية اللازمة للمشاركة في هذا الحوار. ويجب عليها أيضاً أن تتخذ جميع التدابير اللازمة لاحترام وحماية حقوق الشعوب الأصلية، ولا سيما أراضيها وهويتها، وحماية المصالح المعنوية والمادية المترتبة على معارفها التي هي من صنعها فردياً أو جماعياً على السواء. ومن الضروري إجراء مشاورات حقيقية من أجل الحصول على موافقة حرة مسبقة مستنيرة كلما أجرت الدولة الطرف أو الجهات من غير الدول بحوثاً أو اتخذت قرارات أو وضعت سياسات تتعلق بالعلم وتؤثر على الشعوب الأصلية، أو عند استخدام معارفها.

جيم- واجبات محددة

41 - يقع على الدول الأطراف واجب احترام وحماية وإعمال الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما .

واجب الاحترام

42 - يقضي واجب الاحترام بأن تمتنع الدول الأطراف عن التدخل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في التمتع بهذا الحق. ومن الأمثلة على واجب الاحترام ما يلي: إزالة الحواجز التي تعوق إمكانية الحصول على التعليم العلمي الجيد أو اتباع المسارات المهنية العلمية؛ الامتناع عن التضليل الإعلامي أو ممارسات الاستخفاف أو النشر المتعمد للمعلومات المغلوطة بهدف إضعاف فهم واحترام المواطنين للعلم والبحث العلمي؛ إزالة الرقابة على الإنترنت أو القيود التعسفية المفروضة على إمكانية النفاذ إلى الإنترنت، التي تقوض فرص الحصول على المعارف العلمية ونشرها؛ الامتناع عن فرض العقبات التي تعترض التعاون الدولي فيما بين العلماء، ما لم يكن بالإمكان تبرير هذه القيود وفقاً للمادة 4 من العهد، أو إزالة تلك العقبات.

واجب الحماية

43 - يتطلب واجب الحماية من الدول الأطراف أن تعتمد تدابير لمنع أي شخص أو كيان من التدخل في الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما ، مثلاً عن طريق منع الحصول على المعارف أو ممارسة التمييز على أساس الجنس أو الميل الجنسي أو الهوية الجنسانية أو غير ذلك من الظروف. ويمكن أن يشمل هؤلاء الأشخاص أو الكيانات الجامعات والمدارس والمختبرات والرابطات الثقافية أو العلمية والمرضى في المستشفيات والمتطوعين المشاركين في التجارب العلمية. ويُذكر من الأمثلة على واجب الحماية: كفالة عدم قيام الرابطات العلمية والجامعات والمختبرات وغيرها من الجهات من غير الدول بتطبيق معايير تمييزية؛ حماية الأشخاص من المشاركة في البحوث أو الاختبارات التي تتعارض مع المعايير الأخلاقية السارية للبحث المسؤول وضمان موافقتهم الحرة المسبقة المستنيرة؛ كفالة عدم قيام الأفراد والكيانات الخاصة بنشر معلومات علمية خاطئة أو مضللة؛ كفالة عدم استخدام الاستثمار الخاص في المؤسسات العلمية للتأثير دون وجه حق في توجّه البحوث أو لتقييد الحرية العلمية للباحثين.

44 - وفي بعض الأحيان، قد تضطر الدول الأطراف إلى حماية الأشخاص في السياق الأُسَري أو الاجتماعي أو الثقافي عندما يتضرر حقهم في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما. ويجب أن يحصل الأشخاص الذين لا يستطيعون اتخاذ خيارات مستقلة، بسبب سنهم أو أهليتهم، على حماية خاصة. فعلى سبيل المثال، عندما يقرر الوالدان عدم تطعيم أطفالهما لأسباب تعتبرها الأوساط العلمية خاطئة، ينطوي قرار الوالدين على مخاطر بالنسبة إلى الطفل وأحياناً بالنسبة إلى المجتمع لاحتمال عودة ظهور أمراض مُعدية كانت تحت السيطرة في السابق. وفي هذه الحالات، ينبغي إيلاء الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى. وفي بعض السياقات، قد يتعرض الأشخاص لضغوط كبيرة من بيئتهم الاجتماعية قصد الخضوع لعلاج تقليدي عوضاً عن الاستفادة من أفضل رعاية طبية متاحة. ويجب على الدول الأطراف أن تضمن لكل فرد الحق في اختيار أو رفض العلاج الذي يريده مع المعرفة التامة بمخاطر وفوائد العلاج ذي الصلة، رهناً بأي قيود تستوفي معايير المادة 4 من العهد. ويجب على الدول أيضاً أن تضع تدابير وقائية بشأن الرسائل التي تنقلها العلوم الزائفة، التي تغذي الجهل وتثير التوقعات الخاطئة بين أكثر قطاعات السكان ضعفاً.

واجب الإعمال

45 - يتطلب واجب الإعمال أن تعتمد الدول تدابير تشريعية وإدارية وأخرى متعلقة بالميزانية وغيرها من التدابير وأن تُنشئ سبل انتصاف فعالة بهدف تأمين الممارسة الكاملة للحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما. وتشمل هذه التدابير سياسات التعليم، والمنح، وأدوات المشاركة، والنشر، وتوفير إمكانية النفاذ إلى شبكة الإنترنت وغيرها من مصادر المعرفة، والمشاركة في برامج التعاون الدولي، وكفالة التمويل المناسب.

46 - وواجب الإعمال تعزِّزه وتحدِّده المادة 15 ( 2 ) من العهد، التي تنص على أن تتخذ الدول الأطراف تدابير لصيانة العلم وإنمائه وإشاعته. وليس من واجب الدول الأطراف السماح للأشخاص بالمشاركة في التقدم العلمي فحسب؛ بل يقع أيضاً على عاتقها واجب إيجابي بالعمل بهمّة من أجل النهوض بالعلم عن طريق جملة أمور منها التعليم والاستثمار في العلم والتكنولوجيا. وهذا يشمل الموافقة على السياسات والأنظمة التي تعزز البحث العلمي، وتخصيص الموارد المناسبة في الميزانيات، وتهيئة بيئة مواتية وتشاركية عموماً لصيانة العلم والتكنولوجيا وإنمائهما وإشاعتهما. وينطوي ذلك، في جملة أمور، على حماية وتعزيز الحرية الأكاديمية والعلمية، بما في ذلك حرية التعبير وحرية التماس المعلومات العلمية وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، وحرية تكوين الجمعيات، وحرية التنقل؛ وضمانات المساواة في إتاحة فرص النفاذ والمشاركة لجميع الجهات في القطاعين العام والخاص؛ وبناء القدرات والتعليم ( ) .

47 - ويكتسي واجب الإعمال أهمية بوجه خاص لإتاحة فوائد تطبيقات التقدم العلمي وضمان الحصول عليها. وينبغي للدول أن تستخدم أقصى ما تسمح به مواردها المتاحة للتغلب على العقبات التي قد يواجهها أي شخص للاستفادة من التكنولوجيات الجديدة أو غيرها من أشكال تطبيقات التقدم العلمي. ويكتسي هذا الأمر أهمية بوجه خاص بالنسبة للفئات المحرومة والمهمشة. وينبغي أن يكون التقدم العلمي وتطبيقاته، قدر الإمكان، في متناول الأشخاص المحتاجين إلى سلع أو خدمات محددة وبأسعار معقولة. وينبغي أن تُسند إلى المؤسسات العامة في مختلف القطاعات ولاية واضحة بهدف التغلب فعلياً على الاستبعاد من التقدم العلمي وتطبيقاته، ولا سيما في قطاعي الصحة والتعليم. وينبغي أن تتاح المعارف ذات الصلة بالتقدم العلمي وتطبيقاته على نطاق واسع وأن تكون متوافرة لعامة الجمهور عن طريق المدارس والجامعات والكليات التقنية والمكتبات والمتاحف ووسائط الإعلام المطبوعة والإلكترونية وغيرها من القنوات. وثمة حاجة إلى برامج محددة من أجل التغلب على مشاكل الحصول على المعارف العلمية وتطبيقاتها الناشئة عن السن أو اللغة أو جوانب التنوع الثقافي الأخرى.

48 - وينبغي لجميع الدول أن تسهم، بأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة، في الاضطلاع بالمهمة المشتركة المتمثلة في إنماء العلم. أما التوصية بأن تركز الدول الفقيرة على العلوم التطبيقية حصراً، فإنها تزيد في الواقع من الفجوة القائمة والتوزيع غير العادل فيما بين الدول متى تعلق الأمر بالمعارف والقدرات.

49 - ولا يمكن التقليل من أهمية الواجب الواقع على عاتق الدول في نشر العلم وتعزيز مشاركة المواطنين. وقد أصبحت المعرفة الأساسية بالعلم وأساليبه ونتائجه عنصراً جوهرياً ليكون المواطن مستقلاً بذاته وليمارس حقوقاً أخرى، مثل الحصول على العمل اللائق. ويجب على الدول أن تبذل قصارى جهدها لكفالة النفاذ العادل والمفتوح إلى المؤلفات والبيانات والمحتويات العلمية، بسبل منها إزالة الحواجز القائمة أمام نشر النواتج العلمية وتبادلها وحفظها ( ) . غير أنه لا يمكن للدول وحدها أن تحقق العلم المفتوح. فهذا مسعى مشترك ينبغي لجميع أصحاب المصلحة الآخرين أن يسهموا فيه، على الصعيدين الوطني والدولي، بما في ذلك العلماء والجامعات والناشرون والرابطات العلمية ووكالات التمويل والمكتبات ووسائط الإعلام والمؤسسات غير الحكومية. إذ يضطلع جميع أصحاب المصلحة بدور حاسم في نشر المعارف، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بنتائج البحوث الممولة من الأموال العامة.

50 - ونتيجةً للحق في حرية البحث وواجب الدول في نشر العلم، يتمتع العلماء من حيث المبدأ بالحق في نشر نتائج بحوثهم. وينبغي أن يكون أي تقييد لهذا الحق متوافقاً مع المادة 4 من العهد. وينبغي للدول، على وجه الخصوص، أن تكفل اتساق أي قيد تعاقدي يُفرض على هذا الحق مع المصلحة العامة، وأن يكون القيد معقولاً ومتناسباً، وأن يتيح التسجيل المناسب لإسهامات المشتغلين بالبحث العلمي في نتائج البحوث والاعتراف بها.

دال- الالتزامات الأساسية

51 - يتعين على الدول الأطراف أن تنفذ، على سبيل الأولوية، التزامات أساسية معينة. وإذا لم تفِ الدولة الطرف بهذه الالتزامات الأساسية، يجب عليها أن تثبت أنها بذلت كل جهد معقول للامتثال لها، مع مراعاة كافة الحقوق المكرسة في العهد، وبأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة، منفردة وعن طريق المساعدة والتعاون الدوليين.

52 - وتتطلب الالتزامات الأساسية المتصلة بالحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما، من الدول الأطراف القيام بما يلي:

إلغاء القوانين والسياسات والممارسات التي تحدّ دون مبرر من وصول الأفراد أو جماعات معينة إلى المرافق والخدمات والسلع والمعلومات المتصلة بالعلوم والمعارف العلمية وتطبيقاتها؛

تحديد أي قوانين أو سياسات أو ممارسات أو تحيزات أو صور نمطية تقوّض مشاركة المرأة والفتاة في مجالي العلم والتكنولوجيا، وإزالتها؛

إزالة القيود المفروضة على حرية البحث العلمي التي تتعارض مع المادة 4 من العهد؛

وضع قانون إطاري وطني قائم على المشاركة بشأن هذا الحق يشمل سبل الانتصاف القانونية في حال حدوث انتهاكات، واعتماد وتنفيذ استراتيجية أو خطة عمل وطنية قائمة على المشاركة لإعمال هذا الحق تشمل استراتيجية لصيانة العلم وإنمائه وإشاعته؛

كفالة حصول السكان على التعليم الأساسي والمهارات اللازمة لفهم المعارف العلمية وتطبيقها، وكفالة الالتزام بالتعليم العلمي في المدارس العامة والخاصة على السواء لأفضل المعارف العلمية المتاحة؛

كفالة النفاذ إلى تطبيقات التقدم العلمي ذات الأهمية الحاسمة للتمتع بالحق في الصحة وغيره من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛

كفالة إيلاء الأولوية، عند تخصيص الموارد العامة، للبحوث في المجالات التي تكون في أمسّ الحاجة إلى التقدم العلمي فيما يتعلق بالصحة والغذاء والاحتياجات الأساسية الأخرى المتصلة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ورفاه السكان، ولا سيما بالنسبة إلى الفئات الضعيفة والمهمشة؛

اعتماد آليات ترمي إلى تحقيق المواءمة بين السياسات والبرامج الحكومية من جهة، وأفضل الأدلة العلمية المتاحة والمقبولة عموماً من جهة أخرى؛

كفالة تدريب الأخصائيين الصحيين تدريباً مناسباً على استخدام وتطبيق التكنولوجيات والأدوية الحديثة الناتجة عن التقدم العلمي؛

تعزيز المعلومات العلمية الدقيقة والامتناع عن التضليل الإعلامي وممارسات الاستخفاف وتضليل الجمهور عمداً في محاولة لتقويض فهم المواطنين واحترامهم للعلم والبحث العلمي؛

اعتماد آليات لحماية المواطنين من النتائج الضارة للممارسات الخادعة والمضللة والقائمة على العلوم الزائفة، ولا سيما حين تكون الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأخرى عرضة للخطر؛

تعزيز تنمية الاتصالات والتعاون الدوليين في الميدان العلمي، دون فرض قيود على حركة الأشخاص والسلع والمعارف تتجاوز القيود التي لها ما يبررها وفقاً للمادة 4 من العهد.

خامسا ً- مواضيع خاصة ذات نطاق عام

ألف- المشاركة والشفافية

53 - تُعتبر الشفافية والمشاركة من المبادئ الأساسية التي تجعل العلم مادة موضوعية وموثوقة، وتكفل عدم خضوعه لمصالح غير علمية أو غير متسقة مع مبادئ حقوق الإنسان الأساسية ورفاه المجتمع ( ) . ويتعارض مفهوما السرية والتواطؤ من حيث المبدأ مع سلامة العلم الموجّه نحو خدمة البشرية. ومن ثم، ينبغي للدول أن تتخذ تدابير لتفادي المخاطر المرتبطة بتضارب المصالح، عن طريق تهيئة بيئة يتم فيها الكشف عن تضارب المصالح الفعلي أو المتصور وتنظيمه على نحو كاف، ولا سيما تضارب المصالح الذي يشمل باحثين علميين يقدمون المشورة في مجال السياسات إلى واضعي السياسات وغيرهم من الموظفين العموميين ( ) .

54 - ومن الفوائد الواضحة للتقدم العلمي استخدام المعارف العلمية في اتخاذ القرارات وفي إطار السياسات، وهو ما ينبغي أن يستند، قدر الإمكان، إلى أفضل الأدلة العلمية المتاحة. وينبغي للدول أن تسعى إلى مواءمة سياساتها مع أفضل الأدلة العلمية المتاحة. وعلاوة على ذلك، ينبغي لها أن تعزز ثقة الجمهور بالعلوم ودعمه للعلوم على نطاق المجتمع بأسره، فضلاً عن ثقافة المشاركة الفعالة للمواطنين في المجال العلمي، ولا سيما عن طريق إجراء مناقشة ديمقراطية نشطة ومستنيرة بشأن إنتاج المعارف العلمية واستخدامها، وإقامة حوار بين الأوساط العلمية والمجتمع ( ) .

55 - وفي ظل الاحترام الواجب للحرية العلمية، ينبغي أن تخضع قراراتٌ معينة متعلقة بتوجيه البحث العلمي وباعتماد أوجهٍ معيَّنة للتقدم التقني لتدقيق عام ولمشاركة المواطنين. وينبغي، قدر الإمكان، وضع سياسات علمية أو تكنولوجية عن طريق عمليات تشاركية وشفافة، وتنفيذها مع ما يصاحب ذلك من آليات للشفافية والمساءلة.

باء- المشاركة والمبدأ ال وقائي

56 - تشمل المشاركة أيضاً الحق في الحصول على المعلومات والمشاركة في السيطرة على المخاطر التي تنطوي عليها عمليات علمية معينة وتطبيقاتها. وفي هذا السياق، يؤدي المبدأ الوقائي دوراً هاماً. ويتطلب هذا المبدأ، في غياب اليقين العلمي الكامل، حين قد يؤدي إجراء ما أو سياسة ما إلى إلحاق ضرر غير مقبول بالجمهور أو بالبيئة، اتخاذَ إجراءات لتجنب ذلك الضرر أو التقليل منه. ويشمل الضرر غير المقبول إلحاق ضرر بالبشر أو بالبيئة (أ) على نحو يشكل تهديداً لحياة الإنسان أو صحته؛ أو (ب) على نحو يُعتبر خطيراً ولا يمكن إزالته فعلياً؛ أو (ج) على نحو غير منصف للأجيال الحالية أو المقبلة؛ أو (د) على نحو مفروض دون إيلاء الاعتبار الكافي لحقوق الإنسان للمتضررين ( ) . وتُعتبر تقييمات الأثر التكنولوجي وتقييمات الأثر على حقوق الإنسان أدوات تساعد على تحديد المخاطر المحتملة في وقت مبكر من العملية واستخدام التطبيقات العلمية.

57 - ويثير تطبيق المبدأ الوقائي الجدل في بعض الأحيان، ولا سيما فيما يتعلق بالبحث العلمي نفسه، لأن القيود المفروضة على حرية البحث العلمي لا تتفق مع العهد إلا في الظروف المنصوص عليها في المادة 4 . وعلى النقيض من ذلك، يطبَّق هذا المبدأ على نطاق أوسع في استخدام النتائج العلمية وتطبيقها. وينبغي ألا يعوق المبدأ الوقائي التقدم العلمي أو أن يمنعه، باعتبار أن هذا التقدم مفيد للبشرية. ومع ذلك، ينبغي أن يكون المبدأ الوقائي كفيلاً بالتصدي للمخاطر التي تهدد صحة الإنسان والبيئة، في جملة أمور. وبذلك، في الحالات المثيرة للجدل، يصبح عنصرا المشاركة والشفافية حاسمين حيث أن مخاطر وإمكانات بعض أوجه التقدم التقني أو بعض البحوث العلمية ينبغي أن تُعلن لتمكين المجتمع، عن طريق مداولات عامة مستنيرة وشفافة وقائمة على المشاركة، من تقرير ما إذا كانت المخاطر مقبولة أم لا.

جيم- البحث العلمي الخاص والملكية الفكرية

58 - في العالم المعاصر، تضطلع مؤسسات الأعمال والجهات من غير الدول بنسبة كبيرة من البحوث العلمية. وهذا أمر لا يتفق فقط مع العهد، بل يمكن أن يكون مفيداً أيضاً في ممارسة الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما. غير أن خصخصة البحث العلمي على نطاق واسع دون أي اعتبار آخر قد تكون لها أحياناً آثار سلبية على التمتع بهذا الحق.

59 - وفي بعض الحالات، يمكن أن يؤدي البحث العلمي الذي تجريه أو تموله جهات فاعلة خاصة إلى تضارب المصالح، مثلاً حينما تدعم الشركات التجارية البحوث المتصلة بنوع الأنشطة الاقتصادية التي تشارك هي فيها، كما حدث في الماضي مع بعض شركات التبغ. ولذا ينبغي إنشاء آليات للكشف عن هذا النوع من تضارب المصالح الفعلي أو المتصور.

60 - وقد واكب البحث العلمي الخاص وضع نظم قانونية دولية ووطنية للملكية الفكرية ذات صلة معقدة مع الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما. فمن ناحية، تعزز الملكية الفكرية تطور العلم والتكنولوجيا عن طريق الحوافز الاقتصادية للابتكار، مثل البراءات للمخترعين، التي تحفز مشاركة الجهات الفاعلة الخاصة في البحث العلمي. ومن ناحية أخرى، يمكن للملكية الفكرية أن تؤثر سلباً على التقدم العلمي وبلوغ فوائده، بثلاث طرق على الأقل. ومن الضروري معالجة هذه المشاكل الثلاث لكفالة أن تعزز الملكية الفكرية البحث والابتكار الحاسمين للتمتع الكامل بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون تقويض هذه الحقوق.

61 - فأولاً، يمكن للملكية الفكرية أن تُحدث أحياناً تشوهات في تمويل البحث العلمي حيث أن الدعم المالي الخاص قد لا يذهب إلا إلى مشاريع البحوث المربحة، في حين أن التمويل لمعالجة المسائل ذات الأهمية الحاسمة بالنسبة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية قد لا يكون كافياً، لأن هذه المسائل لا تبدو جذابة من الناحية المالية للأعمال التجارية. وكان هذا هو الحال مع ما يسمى بالأمراض المهمَلة. ثانياً، تحدّ بعض أنظمة الملكية الفكرية من إمكانية تبادل المعلومات بشأن البحوث العلمية لفترة معينة، كما هو الحال مع مبدأ حصرية البيانات لأصحاب براءات الاختراع المدرجة في بعض معاهدات " تريبس بلاس" ( ) . وعلاوة على ذلك، يشكل السعر الباهظ لبعض المنشورات العلمية عقبة أمام الباحثين ذوي الدخل المنخفض، ولا سيما في البلدان النامية. وتعوق كل هذه القيود التقدم العلمي. ثالثاً، على الرغم من أن الملكية الفكرية توفر حوافز إيجابية لأنشطة بحثية جديدة، ومن ثم تؤدي دوراً هاماً في الإسهام في الابتكار وتطوير العلم، فإنها قد تشكل، في بعض الحالات، عقبات كبيرة أمام الأشخاص الراغبين في الحصول على فوائد التقدم العلمي، التي قد تكون حاسمة للتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأخرى، مثل الحق في الصحة. وتمنح براءات الاختراع أصحاب البراءات حقاً حصرياً مؤقتاً لاستغلال المنتجات أو الخدمات التي اخترعوها. وبالتالي، يمكن أن يحدد أصحاب البراءات سعر هذه المنتجات والخدمات. وإذا حُددت أسعار مرتفعة جداً، يصبح الحصول على هذه المنتجات والخدمات مستحيلاً بالنسبة للأشخاص ذوي الدخل المنخفض أو بالنسبة للبلدان النامية، كما حدث مع الأدوية الجديدة الضرورية لصحة وحياة الأشخاص المصابين بأمراض معينة.

62 - وينبغي للدول أن تتخذ التدابير المناسبة لتعزيز الآثار الإيجابية الناشئة عن الملكية الفكرية على الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما، مع تجنب الآثار السلبية المحتملة لذلك. وأولاً، ينبغي للدول، في سبيل مواجهة تشوهات التمويل المرتبطة بالملكية الفكرية، أن تقدم دعماً مالياً كافياً للبحوث الهامة للتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إما عن طريق الجهود الوطنية أو، عند الاقتضاء، باللجوء إلى التعاون الدولي والتقني. ويمكن للدول أيضاً أن تلجأ إلى حوافز أخرى، مثل ما يسمى بمكافآت دخول السوق، التي تفصل بين أجر البحوث الناجحة والمبيعات المقبلة، وهو ما يعزز البحوث التي تُجريها الجهات الفاعلة الخاصة في الميادين التي تكون لولا ذلك مهمَلة. ثانياً، ينبغي للدول أن تبذل قصارى جهدها، في أنظمتها الوطنية وفي الاتفاقات الدولية المتعلقة بالملكية الفكرية، لضمان الأبعاد الاجتماعية للملكية الفكرية وفقاً للالتزامات الدولية التي تعهدت بها في مجال حقوق الإنسان (E/C.12/2001/15، الفقرة 18 ). ويجب تحقيق توازن بين الملكية الفكرية والنفاذ المفتوح إلى المعارف العلمية وتطبيقاتها وتبادلها، ولا سيما تلك المرتبطة بإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأخرى، مثل الحق في الصحة والحق في التعليم والحق في الغذاء. وتكرر اللجنة تأكيدها أن الملكية الفكرية، في النهاية، هي منتج اجتماعي ولها وظيفة اجتماعية، ويقع على عاتق الدول الأطراف بالتالي واجب منع الارتفاع المفرط في تكاليف الأدوية الأساسية أو بذور النباتات أو الوسائل الأخرى لإنتاج الأغذية أو الكتب المدرسية أو مواد التعلم من الإضرار بحقوق شرائح واسعة من السكان في الصحة والغذاء والتعليم ( ) .

دال- الترابط مع حقوق أخرى

63 - الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما، حق من حقوق الإنسان له قيمة جوهرية، ولكنه يكتسي أيضاً قيمة نفعية لأنه يشكل أداة أساسية لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأخرى، ولا سيما الحق في الغذاء والحق في الصحة.

الحق في الغذاء

64 - أدت التطورات العلمية والتكنولوجية إلى رفع مستوى الإنتاجية الزراعية، مما أسهم في زيادة الغذاء المتوافر للفرد الواحد والحدّ من المجاعة. ومع ذلك، فإن الآثار البيئية الناجمة عن تكنولوجيات معينة للثورة الخضراء والمخاطر المرتبطة بزيادة الاعتماد على موردي التكنولوجيا دفعت، في جملة أمور، الجمعية العامة إلى الاعتراف بأن للفلاحين وغيرهم من العاملين في المناطق الريفية الحق في تحديد النظم الغذائية والزراعية الخاصة بهم، وهو ما تعترف به دول ومناطق كثيرة بوصفه الحق في السيادة الغذائية ( ) . وبالتالي، فإن الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته والتمتع بفوائدهما في الزراعة ينبغي أن يحفظ حق الفلاحين وغيرهم من العاملين في المناطق الريفية في اختيار التكنولوجيات التي تناسبهم على أفضل وجه، لا أن ينتهكه. وينبغي أيضاً دعم التقنيات الزراعية الملائمة للبيئة وذات المدخلات القليلة التي تزيد من محتوى المواد العضوية في التربة واحتجاز الكربون، وتحمي التنوع البيولوجي.

65 - وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تتخذ الدول الأطراف تدابير مناسبة لكفالة تعميم مراعاة احتياجات الفلاحين وغيرهم من العاملين في المناطق الريفية ضمن أنشطة البحث والتطوير في المجال الزراعي، فضلاً عن كفالة مشاركتهم الفعالة في تحديد أولويات البحث والتطوير وسير أنشطتهما، في ظل مراعاة خبرتهم واحترام ثقافاتهم. وينبغي النظر، ضمن جميع السياسات المعتمدة أو الإجراءات المتخذة بشأن أنواع الوقود الأحيائي ومبيدات الآفات، في كافة التعقيدات القائمة المترابطة والاستفادة من أفضل المعارف العلمية المتاحة.

66 - وقد أصبح عدم كفاية النظم الغذائية عاملاً رئيسياً من العوامل التي تُسهم في زيادة الأمراض غير السارية في جميع المناطق. وبالنظر إلى النتائج المؤكدة على الأمد الطويل للتغذية الكافية أثناء الحمل وقبل بلوغ الطفل عامه الثاني، ينبغي للدول أن تبذل المزيد من الجهود لتنظيم تسويق بدائل حليب الأم، ونشر المعلومات عن فوائد ممارسات التغذية الملائمة، وتهيئة بيئة مواتية للرضاعة الطبيعية. كما ينبغي لها أن تعيد توجيه الاستثمارات في التنمية الزراعية بعيداً عن التركيز الحصري على تعزيز إنتاج محاصيل الحبوب - الأرز والقمح والذرة - لصالح دعم النظم الغذائية الصحية، بما في ذلك اتخاذ تدابير كافية للحد من الإفراط في استهلاك السكر. فمحاصيل الحبوب هي في المقام الأول مصدر للكربوهيدرات وتحتوي على عدد قليل نسبياً من البروتينات والمغذيات الأخرى الضرورية للنظم الغذائية الكافية ( ) .

الحق في الصحة

67 - ثمة روابط واضحة ومتنوعة بين الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما، والحق في الصحة. فأولاً، يُنتج التقدم العلمي تطبيقات طبية للوقاية من الأمراض، من قبيل التطعيمات، أو تطبيقات تتيح معالجة الأمراض بفعالية أكبر. وبالتالي، يُسهم الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته والتمتع بفوائدهما في إعمال الحق في الصحة. وينبغي للدول أن تشجع البحث العلمي، عن طريق الدعم المالي أو غير ذلك من الحوافز، من أجل إنشاء تطبيقات طبية جديدة وجعلها في متناول الجميع بأسعار معقولة، وإتاحتها على وجه الخصوص لأكثر الأشخاص ضعفاً. وينبغي للدول الأطراف، بوجه خاص، أن تُولي الأولوية وفقاً للعهد لتعزيز التقدم العلمي وتيسير وسائل أفضل وفي المتناول للوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهَنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها (المادة 12 ( 2 )(ج)).

68 - وفي هذا الصدد، يواجه البحث العلمي معوقات في حالة مواد معينة بموجب الاتفاقيات الدولية بشأن مراقبة المخدرات ( ) ، التي تصنف هذه المواد باعتبارها ضارة بالصحة وتفتقر للقيمة العلمية أو الطبية. غير أن بعض هذه التصنيفات أُتيحت بدعم علمي غير كاف لإثبات صحتها، حيث تتوافر أدلة موثوقة بشأن الاستخدامات الطبية لعدد منها، مثل القنّب لمعالجة أشكال معينة من داء الصرع. وبالتالي، ينبغي للدول الأطراف أن توائم الوفاء بالتزاماتها بموجب النظام الدولي لمراقبة المخدرات مع التزاماتها باحترام وحماية الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته والتمتع بفوائدهما وإعمال هذا الحق، عن طريق تنقيحٍ منتظم لسياساتها المتعلقة بالمواد الخاضعة للمراقبة. إذ يفرض حظر البحوث بشأن هذه المواد، من حيث المبدأ، قيوداً على هذا الحق وينبغي أن يستوفي متطلبات المادة 4 من العهد. وعلاوة على ذلك، وبالنظر إلى الفوائد الصحية المحتملة للمواد الخاضعة للرقابة، ينبغي أيضاً النظر بعناية في القيود التي تُفرض في ظل التزامات الدول الأطراف بموجب المادة 12 من العهد.

69 - ثانياً، تشمل الحماية بعض تطبيقات التقدم العلمي بموجب نظم الملكية الفكرية. ويسهم الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته والتمتع بفوائدهما في مساعدة الدول على التأكد من عدم إعمال حقوق الملكية هذه على حساب الحق في الصحة. وبذلك يصبح هذا الحق وسيطاً هاماً بين حق من حقوق الإنسان - الحق في الصحة - وحق من حقوق الملكية. وعلى نحو ما ورد في إعلان الدوحة الصادر عن منظمة التجارة العالمية بشأن الاتفاق المتعلق بالجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية وبالصحة العامة ( 2001 )، ينبغي تفسير نظام الملكية الفكرية وتنفيذه بطريقة تدعم واجب الدول في حماية الصحة العامة، ولا سيما تعزيز حصول الجميع على الأدوية. ومن ثم، ينبغي للدول الأطراف أن تستخدم، عند الاقتضاء، جميع أوجه المرونة في الاتفاق المتعلق بالجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية، مثل الرخص الإلزامية، لكفالة الحصول على الأدوية الأساسية، ولا سيما بالنسبة لأكثر الفئات حرماناً. وينبغي للدول الأطراف أيضاً الامتناع عن منح شروط طويلة بشكل غير متناسب لحماية براءات الأدوية الجديدة، وذلك للسماح في غضون فترة زمنية معقولة بإنتاج أدوية جنيسة مأمونة وفعالة لنفس الأمراض.

70 - ثالثاً، يقع على عاتق الدول الأطراف واجب إتاحة المجموعة الكاملة من أفضل التطبيقات المتوافرة للتقدم العلمي التي تلزم للتمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه لجميع الأشخاص وجعلها في متناولهم، دون تمييز، ولا سيما لأكثرهم ضعفاً. وينبغي للدول الأطراف أن تفي بهذا الواجب بأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة، بما في ذلك الموارد المتاحة عن طريق المساعدة والتعاون الدوليين، مع مراعاة المجموعة الكاملة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وينبغي إيلاء الأولوية للأدوية الجنيسة المأمونة والفعالة لا للأدوية التي تحمل اسم العلامة التجارية ضمن خطط الصحة الوطنية، من أجل الاستفادة على نحو أفضل من الموارد المتاحة لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

71 - رابعاً، يمكن أن تنطوي بعض البحوث العلمية على مخاطر تتعلق بالصحة، سواء بالنسبة للمشاركين في البحث أو نتيجةً للتأثير الناشئ عن تطبيقات البحوث ذات الصلة. وينبغي للدول الأطراف أن تمنع هذه المخاطر أو تخفف من أثرها عن طريق التطبيق الدقيق للمبدأ الوقائي وحماية المشاركين في البحث العلمي. وعلى وجه الخصوص، ينبغي للدول أن تبذل قصارى جهدها لكفالة أن تكون الأدوية والعلاجات الطبية، بما في ذلك في مجال الإدمان على المخدرات، قائمة على الأدلة، وأن تكون المخاطر التي ينطوي عليها ذلك قد تم تقييمها والإبلاغ عنها على النحو المناسب بطريقة واضحة وشفافة، حتى يتسنى للمرضى تقديم موافقتهم المستنيرة على النحو الواجب.

هاء- مخاطر التكنولوجيات الناشئة الجديدة ووعودها

72 - أصبحت التغيرات التكنولوجية تجري بوتيرة كثيفة وسريعة إلى درجة طمس الحدود بين العالم الفيزيائي والرقمي والبيولوجي، وذلك نتيجةً للانصهار المتزايد للتقدم العلمي والتكنولوجي في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والتشغيل الآلي، والطباعة الثلاثية الأبعاد، والتكنولوجيا الحيوية، والهندسة الوراثية، والحواسيب الكمية، وإدارة البيانات الضخمة. وقد لا تغير هذه الابتكارات المجتمع والسلوك البشري فحسب، بل قد تغير حتى البشر أنفسهم، عن طريق الهندسة الوراثية أو إدماج أجهزة تكنولوجية في جسم الإنسان قصد تحويل بعض الوظائف البيولوجية.

73 - وقد تُعزِّز هذه التكنولوجيات الناشئة، من ناحية، التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تؤدي تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاع الصناعة أو قطاع الخدمات إلى تحقيق مكاسب هائلة في الإنتاجية والكفاءة، ويمكن للتكنولوجيا الحيوية أن تمكن من شفاء أو علاج الكثير من الأمراض. ومن ناحية أخرى، قد تؤدي هذه التغيرات إلى تكثيف أوجه عدم المساواة الاجتماعية عن طريق زيادة البطالة والفصل في سوق العمل، كما يمكن للخوارزميات المدمجة في ميدان الذكاء الاصطناعي أن تعزز التمييز، وما إلى ذلك.

74 - ويتعين على الدول الأطراف أن تعتمد سياسات وتدابير لتوسيع نطاق فوائد هذه التكنولوجيات الجديدة والتقليل في الوقت نفسه من مخاطرها. ومع ذلك، لا توجد ثمة حلول سهلة لهذه الغاية بالنظر إلى الطابع المتنوع للتكنولوجيات الجديدة وآثارها المعقدة. ولذلك، سترصد اللجنة باستمرار أثر هذه التكنولوجيات الجديدة على التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وبالنسبة للجنة، تظل هناك ثلاثة عناصر هامة للغاية هي: أولاً، ينبغي تعزيز التعاون الدولي في هذا الميدان باعتبار أن هذه التكنولوجيات تحتاج إلى أنظمة عالمية لكي تُدار بفعالية. ومن شأن الاستجابات الوطنية المجزأة لهذه التكنولوجيات عبر الوطنية أن تخلق ثغرات في الإدارة تضرّ بالتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن تديم الفجوات التكنولوجية والتفاوتات الاقتصادية.

75 - ثانياً، ينبغي اتخاذ القرارات المتعلقة بتطوير هذه التكنولوجيات واستخدامها في إطار حقوق الإنسان ومن منظور كلي وشامل ( ) . وتصبح جميع المبادئ الشاملة لحقوق الإنسان، مثل الشفافية وعدم التمييز والمساءلة واحترام كرامة الإنسان، حاسمة الأهمية في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، ينبغي للدول الأطراف أن تضع آليات لكي تصمَّم النظم الذكية المستقلة بطرق تتجنب التمييز، وتمكّن من تفسير قراراتها، وتتيح المساءلة عن كيفية استخدامها. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي للدول الأطراف أن تضع إطاراً قانونياً يفرض على الجهات من غير الدول واجب بذل العناية الواجبة في مراعاة حقوق الإنسان ( ) ، ولا سيما في حالة شركات التكنولوجيا الكبرى (انظر A/74/493). وينبغي أن يشمل هذا الإطار القانوني تدابير تقتضي من الشركات منع التمييز على مستوى مدخلات ونواتج نظم الذكاء الاصطناعي وغيرها من التكنولوجيات على السواء.

76 - ثالثاً، يجدر إيلاء بعض الجوانب المتصلة بهذه التكنولوجيات الجديدة اهتماماً خاصاً نظراً لأثرها المحدد على التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فعلى سبيل المثال، ينبغي للدول الأطراف أن تعتمد سياسات تكفل تزويد الأشخاص المعرضين لفقدان وظائفهم بصفة مؤقتة أو لفترة طويلة نتيجةً للتقدم العلمي والتكنولوجي بفرص التدريب المهني وغيرها من فرص إعادة الإدماج المهني وتشجيعهم على الاستفادة منها. علاوة على ذلك، ومع الأخذ بعين الاعتبار الصلة القوية بين العديد من أوجه عدم المساواة الناشئة وقدرة بعض الكيانات التجارية على الحصول على البيانات الضخمة وتخزينها واستغلالها، من الضروري تنظيم ملكية البيانات وضبطها وفقاً لمبادئ حقوق الإنسان.

سادساً- التعاون الدولي

77 - يتعزز واجب التعاون على الصعيد الدولي من أجل إعمال جميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، المنصوص عليه في المادة 2 من العهد وفي المادتين 55 و 56 من ميثاق الأمم المتحدة، متى تعلق بالحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما، حيث أن المادة 15 ( 4 ) من العهد تنص تحديداً على أن تقر الدول الأطراف بالفوائد التي تجنى من تشجيع وإنماء الاتصال والتعاون الدوليين في ميداني العلم والثقافة. ويتعين على الدول أن تتخذ خطوات عن طريق التشريعات والسياسات، بما في ذلك العلاقات الدبلوماسية والخارجية، من أجل تهيئة بيئة عالمية مؤاتية للنهوض بالعلم والتمتع بالفوائد الناجمة عن تطبيقاته.

78 - ولهذا الواجب المعزَّز للتعاون الدولي عدة مبررات وأبعاد هامة. فأولاً، وبما أن ميادين معيَّنة للعلم تتطلب بذل جهد عالمي، ينبغي تشجيع التعاون الدولي فيما بين العلماء من أجل تعزيز التقدم العلمي. ومن ثم، ينبغي للدول أن تتخذ خطوات للترويج لـ "الأوساط العلمية والتكنولوجية الدولية" وتمكين المشتغلين بالبحث العلمي من المشاركة في أنشطتها ( ) ، ولا سيما عن طريق تيسير سفرهم داخل بلدانهم وإلى الخارج، وتنفيذ سياسات ترمي إلى تمكين المشتغلين بالبحث العلمي من تبادل البيانات والموارد التعليمية بحرية على الصعيد الدولي، من خلال الجامعات الافتراضية على سبيل المثال ( ) .

79 - ثانياً، لا بد من التعاون الدولي في ظل وجود تفاوتات دولية عميقة فيما بين البلدان في مجال العلم والتكنولوجيا. وينبغي للدول النامية، عند الاقتضاء، ونظراً للقيود المالية أو التكنولوجية، أن تلجأ إلى المساعدة والتعاون الدوليين بغية الامتثال لالتزاماتها بمقتضى العهد. وينبغي للدول المتقدمة النمو أن تسهم في تطوير العلم والتكنولوجيا في البلدان النامية باعتماد تدابير تحقيقاً لهذا الغرض، مثل تخصيص المعونة الإنمائية والتمويل الإنمائي لتعزيز وتحسين التعليم العلمي والبحث والتدريب في البلدان النامية، والنهوض بالتعاون بين الأوساط العلمية في البلدان المتقدمة النمو والبلدان النامية من أجل تلبية احتياجات جميع البلدان وتيسير تقدمها، في ظل احترام الأنظمة الوطنية. وينبغي تنظيم النفاذ إلى نتائج البحوث وتطبيقاتها بشكل يتيح للبلدان النامية ومواطنيها إمكانية الحصول على هذه المنتجات على نحو ملائم وبأسعار معقولة، مثل الحصول على الأدوية الأساسية. ومع احترام حق العلماء في تقرير مسيرتهم الوظيفية، ينبغي للدول المتقدمة النمو أيضاً أن تنفذ سياسات معقولة لتحديد آثار نزوح الأدمغة والتصدي لها، بدلاً من تعزيزها ( ) .

80 - ثالثاً، ينبغي نشر الفوائد والتطبيقات الناجمة عن التقدم العلمي لصالح المجتمع الدولي، في ظل توافر الحوافز والأنظمة الواجبة، ولا سيما في البلدان النامية والمجتمعات المحلية التي تعيش في فقر، ولدى الفئات ذات الاحتياجات الخاصة والفئات التي تعاني من أوجه ضعف، وبخاصة حينما تكون الفوائد وثيقة الصلة بالتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

81 - رابعاً، يكتسي التعاون الدولي أهمية بالغة لأن أشد المخاطر التي يتعرض لها العالم فيما يتصل بالعلم والتكنولوجيا، مثل تغير المناخ، أو الفقدان السريع للتنوع البيولوجي، أو تطوير تكنولوجيات خطرة من قبيل الأسلحة الذاتية التشغيل القائمة على الذكاء الاصطناعي، أو خطر أسلحة الدمار الشامل، ولا سيما الأسلحة النووية، هي مخاطر عبر وطنية ولا يمكن التصدي لها على نحو كاف دون تعاون دولي قوي. وينبغي للدول أن تعزز إبرام الاتفاقات المتعددة الأطراف لمنع ظهور هذه المخاطر أو للتخفيف من آثارها. وينبغي للدول أيضاً أن تتخذ تدابير بالتعاون فيما بينها لمكافحة القرصنة الحيوية والاتجار غير المشروع بالأعضاء والأنسجة والعينات والموارد الوراثية والمواد ذات الصلة بعلم الوراثة ( ) .

82 - وتوفر الجوائح مثالاً أساسياً على الحاجة إلى التعاون الدولي العلمي لمواجهة التهديدات عبر الوطنية. ذلك أن الفيروسات وغيرها من الممرضات لا تحترم الحدود. وإذا لم تُتخذ تدابير كافية في هذا الصدد، يمكن أن يتحول الوباء المحلي بسرعة كبيرة إلى جائحة ذات عواقب مدمرة. ويظل دور منظمة الصحة العالمية أساسياً في هذا الميدان، وينبغي دعمه. وتتطلب مكافحة الجوائح بفعالية التزاماً أقوى من جانب الدول بمبدأ التعاون الدولي العلمي، حيث أن الحلول الوطنية لا تكفي. ومن شأن تعزيز التعاون الدولي أن يزيد من استعداد الدول والمنظمات الدولية لمواجهة الجوائح في المستقبل، وذلك مثلاً بتبادل المعلومات العلمية بشأن الممرضات المحتملة. وينبغي لها أيضاً أن تحسن آليات الإنذار المبكر استناداً إلى المعلومات التي تقدمها الدول بشفافية في الوقت المناسب عن الأوبئة الناشئة التي يمكن أن تتحول إلى جوائح، وهو ما يسمح بإجراء تدخلات مبكرة بناءً على أفضل الأدلة العلمية لمكافحة الأوبئة ومنعها من أن تصبح جوائح. وإذا نمت جائحة ما، يصبح تبادل أفضل المعارف العلمية وتطبيقاتها، ولا سيما في المجال الطبي، أمراً حاسم الأهمية للتخفيف من أثر المرض والتعجيل باكتشاف علاجات ولقاحات فعالة. وبعد التخلص من الجائحة، ينبغي تعزيز البحث العلمي لاستخلاص الدروس وزيادة مدى التأهب للجوائح المحتملة في المستقبل.

83 - وتقع على عاتق الدول أيضاً التزامات خارج حدودها الوطنية فيما يتعلق بالإعمال الكامل للحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما. وعلى وجه الخصوص، ينبغي للدول الأطراف، عند التفاوض على اتفاقات دولية أو اعتماد نظمها المحلية للملكية الفكرية، أن تكفل حماية المعارف التقليدية، وتسجيل الإسهامات في المعارف العلمية على النحو المناسب، وتعزيز التمتع بالحق أعلاه بمقتضى نظم الملكية الفكرية ( ) . وينبغي أن تمكّن الاتفاقات الثنائية والمتعددة الأطراف البلدان النامية من بناء قدرتها على المشاركة في إنتاج وتبادل المعارف العلمية والاستفادة من تطبيقاتها. وتشير اللجنة إلى أن الدول الأطراف المشاركة في القرارات بوصفها أعضاء في المنظمات الدولية لا يمكنها أن تتجاهل التزاماتها في مجال حقوق الإنسان (انظر E/C.12/2016/1). وبالتالي، ينبغي للدول الأطراف أن توجه جهودها وأن تمارس قوتها التصويتية في هذه المنظمات من أجل ضمان احترام وحماية وإعمال الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما.

84 - كما يقع على عاتق الدول الأطراف التزام خارج حدودها الوطنية بتنظيم ورصد سلوك الشركات المتعددة الجنسيات التي يمكنها أن تمارس سيطرتها عليها، لكي تبذل الشركات العناية الواجبة في احترام الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته والتمتع بفوائدهما وهي تتصرف في الخارج أيضاً ( ) . وينبغي للدول الأطراف أن توفر سبل الانتصاف، بما في ذلك سبل الانتصاف القضائية، لضحايا هذه الشركات.

سابعاً-

85 - في حين أن لدى الدول الأطراف هامشاً واسعاً من السلطة التقديرية لاختيار أنسب الخطوات في نظرها من أجل تحقيق الإعمال الكامل لجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ( ) ، بما في ذلك الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما، فإنه ينبغي تنفيذ أربعة أنواع على الأقل من التدابير.

86 - أولاً، ينبغي للدول الأطراف أن تضع إطاراً معيارياً يكفل التمتع الكامل بالحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما، دون تمييز، ويهيئ بيئة مواتية وتشاركية لصيانة العلم والتكنولوجيا وإنمائهما وإشاعتهما. وينبغي أن يشمل هذا الإطار، في جملة أمور، حماية إمكانية النفاذ دون تمييز إلى فوائد التقدم العلمي، ولا سيما عندما تكون الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأخرى عرضة للخطر بالنسبة لمن هم في أشد الحاجة إليها؛ وحماية حرية البحث في ظل قيود تتفق مع المادة 4 من العهد؛ وتدابير لكفالة احترام الأخلاقيات وحقوق الإنسان في البحث العلمي، بما في ذلك إنشاء لجان معنية بالأخلاقيات عند الاقتضاء؛ وتدابير لمواءمة الملكية الفكرية مع الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما؛ والحماية الكافية من جميع أشكال التمييز.

87 - ثانياً، ينبغي للدول الأطراف أن تضع خطة عمل وطنية لتعزيز التقدم العلمي وتعميم نتائجه ومنتجاته على جميع الأشخاص، دون تمييز. وستساعد هذه الخطة على كفالة عدم تنفيذ مختلف الجهود العلمية بطريقة مجزأة وغير منسقة، إنما في سياق جهد متكامل لتعزيز العلم وصيانته وإشاعته. وينبغي أن تشمل خطة العمل، في جملة أمور، تدابير لتيسير النفاذ دون تمييز إلى تطبيقات التقدم العلمي، ولا سيما عندما تكون هذه التطبيقات ضرورية للتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ وتدابير لتعزيز القدرات العلمية البشرية والمؤسسية في الدولة؛ وتوفير التمويل العام الكافي، ولا سيما للبحوث ذات الصلة بتلبية احتياجات السكان وتعزيز فرص الحصول على التعليم العلمي، وبخاصة للفئات التي تواجه التمييز عادةً في هذا الميدان؛ وآليات لتعزيز ثقافة التقصي العلمي، وثقة الجمهور بالعلوم ودعم الجمهور للعلوم في المجتمع، ولا سيما عن طريق إجراء مناقشة ديمقراطية نشطة ومستنيرة بشأن إنتاج واستخدام المعارف العلمية، وإقامة حوار بين الأوساط العلمية والمجتمع؛ وآليات لحماية المواطنين من الممارسات الخادعة والمضللة والقائمة على العلوم الزائفة، ولا سيما حين تكون الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأخرى عرضة للخطر؛ وتدابير لكفالة الأخلاقيات في العلوم، كإنشاء أو تعزيز لجان أخلاقيات مستقلة ومتعددة التخصصات وتعددية لتقييم القضايا الأخلاقية والقانونية والعلمية والاجتماعية ذات الصلة بمشاريع البحث؛ وتدابير لتحسين الظروف المهنية والمادية للمشتغلين بالبحث العلمي ( ) .

88 - ثالثاً، ينبغي للدول الأطراف أن تحدد المؤشرات والمعايير المناسبة، بما في ذلك الإحصاءات المصنفة والأطر الزمنية، التي تتيح لها أن ترصد بفعالية تنفيذ الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته، والتمتع بفوائدهما.

89 - رابعاً، يُعتبر الحق في المشاركة في التقدم العلمي وتطبيقاته والتمتع بفوائدهما، شأنه شأن جميع الحقوق الأخرى، حقاً واجب النفاذ، وبالتالي يمكن أيضاً التقاضي بشأنه ( ) . وينبغي للدول الأطراف أن تنشئ آليات ومؤسسات فعالة، حيثما لا توجد هذه الآليات والمؤسسات بالفعل، لمنع انتهاكات هذا الحق وكفالة سبل انتصاف قضائية وإدارية وغيرها من سبل الانتصاف الفعالة للضحايا في حال حدوث انتهاكات. وبما أن هذا الحق يمكن أن يكون عرضة للتهديد أو الانتهاك لا بتصرفات الدولة فحسب، إنما أيضاً عن طريق الإهمال، يجب أن تكون سبل الانتصاف فعالة في كلتا الحالتين.