الأمم المتحدة

CAT/C/52/D/402/2009

Distr.: General

13 June 2014

Arabic

Original: French

لجنة مناهضة التعذيب

البلاغ رقم 402 / 2009

القرار الذي اتخذته ال لجنة في دورتها الثانية والخمسين ( 28 نيسان/ أبريل - 2 3 أيار/مايو 2014)

المقدم من: نوار عبد المالك (يمثله المحامي فيليب غرانت من منظمة ترايل، الجمعية السويسرية لمكافحة الإفلات من العقاب)

الشخص المدعي أنه الضحية: نوار عبد المالك

الدولة الطرف: الجزائر

تا ر يخ تقديم الشكوى : 17 تموز/يوليه 2009 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

تاريخ اتخاذ القرار السابق: 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 (بخصوص المقبولية)

تاريخ اتخاذ هذا القرار: 23 أيار/مايو 2014

الموضوع: التعرض للتعذيب أثناء الاحتجاز بقصد الحصول على اعترافات

المسائل الإجرائي ة : لا توجد

المسائل الموضوعية : التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ واجب الدولة الطرف مراقبة ممارسات الاستجواب بصورة منهجية؛ واجبها إجراء تحقيق فوري ونزيه؛ الحق في سبيل انتصاف فعال؛ الحق في الجبر؛ منع استخدام ال اعترافات التي تنتزع تحت التعذيب

مواد الاتفاقية : المواد 1 و 2 (الفقرة 1 )، و6 و7 و11 و12 و13 و14 و15 وعلى سبيل التحوط المادة 16 من الاتفاقية

ال مرفق

قرار اتخذته لجنة مناهضة التعذيب بموجب المادة 22 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (الدورة الثانية والخمسون)

بشأن

البلاغ رقم 402 /20 09

المقدم من: نوار عبد المالك (يمثله المحامي فيليب غرانت من منظمة ترايل، الجمعية السويسرية لمكافحة الإفلات من العقاب)

الشخص المدعي أنه الضحية: نوار عبد المالك

الدولة الطرف: الجزائر

تا ر يخ تقديم الشكوى: 17 تموز/يوليه 2009 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

إن لجنة مناهضة التعذيب، المنشأة بموجب المادة 17 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة،

وقد اجتمعت في 23 أيار/مايو 2014 ،

وقد فرغت من نظرها في الشكوى رقم 402 /20 09 ، المقدمة إلى لجنة مناهضة التعذيب نيابة عن نوار عبد المالك ، بموجب المادة 22 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة،

وقد وضعت في اعتبارها جميع المعلومات التي أتاحها لها ص ا حب الشكوى ومحاميه والدولة الطرف،

تعتمد القرار التالي:

قرار بموجب الفقرة 7 من المادة 22 من اتفاقية مناهضة التعذيب

1- صاحب البلاغ هو نوار عبد المالك ، وهو مواطن جزائري مولود في 18 تموز/ يوليه 1972. ويدعي أنه وقع ضحية انتهاك الجزائر لحقوقه المكفولة بموجب المادة 1 والمادة 2 (الفقرة 1) والمواد 6 و7 و11 و12 و13 و14 و15 وعلى سبيل التحوط المادة 16 من اتفاقية مناهضة التعذيب ( ) . ويمثل صاحب البلاغ المحامي فيليب غرانت من منظمة ترايل، (الجمعية السويسرية لمكافحة الإفلات من العقاب).

الوقائع كما عرضها صاحب البلاغ

إلقاء القبض على صاحب البلاغ في المرة الأولى والثانية

2-1 التحق صاحب البلاغ بالجيش الجزائري في شهر آب/أغسطس 1991. وفي سياق أحداث العنف الذي عمَّ في الجزائر أثناء تسعينات القرن العشرين، رفض عدة مرات طاعة أوامر تدعوه للاضطلاع بمهام تتعارض مع ما يمليه عليه ضميره. ففي عام 1994، رفض صاحب البلاغ، وكان حينها رئيس قسم المحافظة السياسية، المشاركة في مهمة تقودها فرقة مكافحة الإرهاب في قرى منطقة بومرداس، لعلمه أن تجاوزات ومجازر في حق مدنيين كانت ترتكب في مثل هذه المهمات. ولكي يتنصل من هذه المهمة، تحصل على شهادة طبية. لكن عند عودته، يوم 7 أيار/مايو 1994، كان قد صدرت في حقه مذكرة توقيف بدعوى أنه فار من الخدمة العسكرية، فاحتجز في ثكنة رغاية. ثم أفرج عنه بقرار من مدعي المحكمة العسكرية بالبليدة لدى تسلم هذا الأخير نسخة من الشهادة الطبية المشار إليها أعلاه. ومع ذلك، أدين صاحب البلاغ يوم 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1994 بالحبس ثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ بتهمة الفرار من الخدمة العسكرية.

2-2 وفي أيار/مايو 1997، وفي ليلة كان فيها صاحب البلاغ مداوماً في ثكنة رغاية، رفض المشاركة في حصة تعذيب كان يخضع له أحد الأشخاص، وقرر مغادرة الثكنة في اليوم التالي. وبناءً على نصيحة ضابط صديق له أخبره بأن المسألة قد سُوّيت، عاد إلى الثكنة بعد يومين من مغادرتها. وبعد الالتحاق بمنصبه، تلقى مكالمة هاتفية من رئيسه، وهو برتبة عقيد، وقال له إنه قرر منحه إجازة. وعلى ذلك الأساس، غادر صاحب البلاغ الثكنة والتحق بأسرته في تبسّة. ولدى العودة من الإجازة مساء يوم 31 أيار/مايو، ألقت عليه مصالح الجيش القبض في اليوم التالي واحتجز في السجن العسكري بالبليدة. وتعرض للملاحقة القضائية بتهمة عصيان الأوامر، وبتهمة نشر مقالات في الصحف دون إذن مسبق، وبتهمة الفرار من الخدمة العسكرية. وكانت هذه التهمة الأخيرة هي الوحيدة التي أخذت بها المحكمة العسكرية بالبليدة التي أدانته، يوم 23 حزيران/يونيه 1997، بالسجن لمدة شهرين. وقررت المحكمة إسقاط وقف التنفيذ الذي أقر في عام 1994، فقضى صاحب البلاغ 5 أشهر في الاحتجاز ولم يخرج من السجن إلا يوم 31 تشرين الأول/أكتوبر 1997. وعلى إثر هذه الملاحقات، عاد صاحب البلاغ إلى منصبه كرئيس قسم المحافظة السياسية بثكنة رغاية.

2-3 وفي عام 1998، أعد صاحب البلاغ، في إطار عمله، تقريراً أمرت به وزارة الدفاع، يتناول على وجه الخصوص تجنيد شبان إسلاميين في أفغانستان، وجّه فيه أصابع الاتهام لوزير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ورئيس حزب إسلامي فيما بعد (حركة مجتمع السلم) بوجرة سلطاني. وعلى إثر هذا التقرير، مُنح صاحب البلاغ وجوباً "إجازة نقاهة" "لأسباب إدارية" ثلاث مرات 29 يوماً، ثم "إجازة مفتوحة" حتى إشعار آخر. ولم يتمكن من الحصول على أي تفسير من قسم الموظفين بالوزارة. وفي عام 1999، لم يعد يتلقى مستحقاته، وعَلِم أن الوزارة تعتبره فاراً من عمله. وخلال فترة "الإجازة المفتوحة" هذه، كتب صاحب البلاغ مقالات، باسم مستعار حين تكون ذات طابع سياسي، نشرت في جرائد جزائرية مختلفة.

إلقاء القبض على صاحب البلاغ للمرة الثالثة

2-4 لما تيقن صاحب البلاغ أنه لم يعد بوسعه العمل في الجيش ولا الكتابة بحرية وأنه بات يخشى على سلامته، قرر مغادرة الجزائر، بعد أن حصل على وثائق هوية مزورة. وفي 12 نيسان/أبريل 2001، ألقت شرطة الحدود القبض عليه أثناء محاولته مغادرة بلده عبر الحدود الجزائرية التونسية في المعبر الحدودي المعروف باسم بوشبكة. وبعد ذلك سُلِّم إلى شرطة ولاية تبسة التي استجوبته ثم أحالته على مديرية الاستخبارات والأمن بولاية تبسة، حيث استُجوب مرة أخرى. وفي اليوم التالي، سُلِّم صاحب البلاغ إلى مصالح مديرية الاستخبارات والأمن بالمنطقة الشرقية ونقل بالسيارة من تبسة إلى قسنطينة؛ وكان مُعصَّب العينين ومقيد اليدين ولم يتمكن من رؤية وجوه الأشخاص الذين كانوا برفقته. ولدى وصوله، وضع وحيداً في زنزانة ( ) . ثم تعرض لأعمال تعذيب، مثل أسلوب المنشفة (أي إرغام الشخص على ابتلاع كميات كبيرة من المياه القذرة إلى أن يصاب باختناق)، والضرب، وتلقي شحنات كهربائية في أماكن حساسة من الجسم، والبقاء معلقاً من الرجل اليسرى لعدة ساعات. وقد ثُقبت رجله اليمنى بمسمار سميك من الحجم الكبير أو بمفك وقطع زجاجية. وبينما كان معلقاً، كان يُصَب على جسمه ماءٌ باردٌ. وكان الضحية معصوب العينين طوال المدة التي تعرض فيها لهذا التعذيب. وأثناء التحقيق معه، أدرك أن الذين يعملون على تعذيبه يرغبون في أن يكشف لهم عن هوية الشخص الذي أمده بوثائق هوية مزورة، ولكنهم كانوا يخشون أيضاً أن يعلن صاحب البلاغ على الملأ، بمجرد خروجه من الجزائر، عن الوقائع التي شهدها داخل الجيش. وقد تكرر تعذيبه بأسلوب التعليق من الرجل لمدة 15 يوماً متواصلة. وأثناء الأيام التي تلت نقله إلى قسنطينة، عمل القائمون على تعذيبه على غمر رأس الضحية في الماء لكي يختنق وعلى ليّ رجله بعنف، أصيب على إثرها بكسور وتطلب الأمر إحضار طبيب ليضع له جبيرة. وتعرض صاحب البلاغ أيضاً للحرمان من النوم لفترات.

2-5 وأثناء فترة ا ل‍ 15 يوما ً من الاحتجاز في مكان سري (من 13 إلى 27 نيسان/ أبريل 2001)، كان الضحية يوضع، بين فترات التعذيب، في زنزانة مساحتها متراً مربعاً واحداً وارتفاعها متراً و20 سنتمتراً، تقع بالقرب من حجرة التعذيب، ليس بها نوافذ وإضاءتها، بالليل كما بالنهار، من مصباح نيون. وبذلك لم يكن بوسع صاحب البلاغ الاستلقاء ولا الوقوف؛ وكان عارياً ومقيد الأيدي إلى الوراء ليل نهار، وينام مفترشاً الأرض. وكان يتلقى ماءً وقطعة من الخبز مرتين في اليوم لكن لا ترفع عنه الأغلال ليتمكن من الأكل. وكان يكتفي بطلب الخروج مرة واحدة في اليوم ليتفادى الضرب والشتم وكان يحظر عليه النظر إلى سجانيه (كان عليه أن ينظر إلى الحائط) عندما يفتح هؤلاء باب زنزانته. وأثناء الليل، تكون أبواب الممرات (خلف زنزانته المغلقة) موصدة، وبذلك تكون التهوية ناقصة. وفي 27 نيسان/أبريل 2001، نُقل مجدداً إلى تبسة وسُلّم إلى الشرطة التي أخذته مباشرة إلى مستشفى تبسة وأدخل الجناح المخصص للسجناء. وزاره المدعي لدى محكمة تبسة بعد بضعة أيام من وصوله إلى المستشفى. واشتكى صاحب البلاغ من تعرضه للتعذيب، لكن ذلك لم يحدث أي ردة فعل لدى المدعي. وكانت المقابلة سريعة للغاية.

2-6 وفي أواخر أيار/مايو 2001، نُقل إلى العيادة الطبية التابعة لسجن تبسة، ثم وضع، في نهاية حزيران/يونيه 2001، في نظام الحجز في إطار القانون العام، وأودع زنزانة مع سجناء آخرين. وخلال الفترة الفاصلة بين زيارة مدعي محكمة تبسة صاحب البلاغ في المستشفى واحتجازه في إطار القانون العام، وجّه صاحب البلاغ رسالتين إلى المدعي العام بتبسة لإبلاغه بأعمال التعذيب التي تعرض لها، لكن دون جدوى.

2-7 وفي مطلع تموز/يوليه 2001، شرع صاحب البلاغ في إضراب عن الطعام دام سبعة أيام وأدى ذلك، علاوة على وضعه في نظام العزل، إلى اتخاذ المدعي العام قرار بعرض قضيته على قاض تحقيق تابع لمحكمة تبسة. وقدم هذا القاضي لمقابلة صاحب البلاغ وأخبره بأن الوقائع التي يشتكي منها مرتبطة بمسألة تتعلق بالأمن العسكري وهي بذلك ليست من اختصاصه. ولم تجر متابعة هذا الأمر قط. وبعد ذلك وجه صاحب البلاغ من جديد رسائل لا سيما إلى المدعي العام بتبسة، لكن حراس السجن أخبروه بأن رسائله هذه تلقى في المهملات.

2-8 وفي 4 آب/أغسطس 2001، وأثناء جلسة المحاكمة بتهمة التزوير واستعمال المزوَّر وانتحال هوية مزورة، اشتكى صاحب البلاغ مجدداً من التعذيب الذي تعرض له؛ وأظهر آثار هذا التعذيب وطالب بإجراء تحقيق. وحكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة عام واحد، وأخبره القاضي أن مسألة التعذيب ينبغي أن تكون محل دعوى أخرى، حيث إن الدعوى المقدمة للمحكمة لا تتعلق إلا بالأوراق المزورة. وفي 15 تشرين الأول/أكتوبر 2001، اشتكى صاحب البلاغ، مجدداً وبدون جدوى، من التعذيب الذي تعرض له أمام محكمة الاستئناف التي خففت عقوبته إلى 10 أشهر سجناً.

2-9 ولم يطلق سراح صاحب البلاغ إلا يوم 28 نيسان/أبريل 2002. وعندئذ توجه إلى المدعي العام بتبسة لطلب فتح تحقيق في أعمال التعذيب التي تعرض لها. وذكر المدعي العام لصاحب الشكوى أنه سوف يُستدعى، وهو ما لم يحدث البتة. وفي اليوم التالي، هدده شخصان من مديرية الاستخبارات والأمن اللذين قالا له إنه يخاطر كثيراً بنفسه وبأسرته إن استمر في المساعي التي يقوم بها.

إلقاء القبض على صاحب البلاغ للمرة الرابعة واحتجازه

2-10 في 29 حزيران/يونيه 2005، في حدود الساعة الخامسة صباحاً، داهم عناصر من الدرك الوطني لبني مسوس وأفراد مدنيون بيت صاحب البلاغ في سطاولي وفتشوه. وقد استيقظ صاحب البلاغ في ذلك اليوم والسلاح موجّه إلى رأسه واقتيد إلى مقر الدرك الوطني ببني مسوس، حيث عُذّب لمدة يومين. ووضع عارياً في زنزانة ضُبطت تدفئتها إلى الحد الأعلى لمدة ساعتين أو ثلاثة، ثم في زنزانة كان مكيفها أيضاً مضبوطاً إلى المدى الأعلى لمدة مماثلة. وتعرض للركل وللضرب بقضيب معدني وأنبوب وسلك كهربائي. وحُرم خلال هذين اليومين من النوم وكان يتعرض للرش بالماء البارد ليبقى مستيقظاً. وتعرض أيضاً للتعذيب بأسلوب المنشفة وتلقى شحنات كهربائية في عضوه التناسلي وأدخل عودٌ في شرجه. وأدخل مرحاض وأجبر على ابتلاع مياه المرحاض. وأثناء تعرضه لهذا التعذيب، كان صاحب البلاغ يُشتَم ويُهدَّد (خاصة بالاغتصاب إن لم يوقع على اعترافات) وسمع حديثاً فيه إيحاءات جنسية بخصوص أخته. وتعرَّف صاحب البلاغ على قائد كتيبة الدرك، وهو أحد أقارب أسرة وزير الدولة بوجرة سلطاني، على أنه الذي كان يدير جلسات تعذيبه. واتهم صاحب البلاغ باختلاق مؤامرة ضد الوزير، وأنه هو من وضع المخدرات في سيارة الوزير المصفحة، وأن له صلات بالإرهاب.

2-11 وفي صباح يوم 1 تموز/يوليه 2005، اقتاد عناصر من مديرية الاستخبارات والأمن صاحب البلاغ إلى ملحق مجهول بالقرب من مركز شاتونوف، حيث المقر العام لمديرية الاستخبارات والأمن، المعروف بسمعته السيئة على أنه أكبر مركز تعذيب واحتجاز تعسفي في البلد. وقد أودع صاحب البلاغ في البداية في زنزانة تحت الأرض. وعُلق من رجله اليسرى ورأسه مدلدل إلى الأسفل بحبل مثبت في السقف، ويديه مقيدتان إلى الخلف، ورأسه مغطى. وتعرض أيضاً لأسلوب المنشفة وإلى شحنات كهربائية على البطن والأجزاء التناسلية. ثم قُيِّد إلى سرير وتلقى وهو في هذا الوضع عدة ضربات على مستوى العمود الفقري بعواقب أحذية عسكرية. ثم وضع صاحب البلاغ في زنزانة أخرى أكبر مساحة حيث تعرض مجدداً للتعذيب. وكانت جلسات التعذيب هذه تتم بحضور شخصيات جزائرية رفيعة المستوى، لا سيما بوجرة سلطاني، الذي كان حينها وزيراً للدولة، والعقيد علي تونسي، الذي كان آنذاك مديراً للأمن الوطني، الذين كانوا يشجعون الذين كانوا يعذّبونه. وكان القصد هو حمله على تقديم أسماء مناوئي وزير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة داخل حزبه. واضطر الضحية مكرهاً إلى ذكر بعض الأسماء والتوقيع على اعترافات دون الإحاطة بمحتوى الوثائق التي طلب منه التوقيع عليها. وغادر وزير الدولة ومعه الوثائق التي وقع عليها صاحب البلاغ وقال له أنه لن يخرج من السجن ما دام حياً يرزق. وفي نهاية اليوم، أعيد صاحب البلاغ إلى مقر الدرك في بني مسوس حيث تعرض للتعذيب من جديد لمدة يومين. ووقّع صاحب البلاغ مرة أخرى على وثائق مختلفة تحت الإكراه، ومنها توقيع محاضر على بياض.

2-12 وبعد أن علم ابن عم صاحب البلاغ بإلقاء القبض عليه، توجه إلى مقر الدرك في بني مسوس يوم 1 تموز/يوليه 2005. وعندئذ ألقي القبض على ابن عم صاحب البلاغ وتعرض هو الآخر للتعذيب وألقي به في زنزانة بمقر الدرك. والقصد من ذلك هو إكراهه على الشهادة ضد صاحب البلاغ. وقُدِّم كل من صاحب البلاغ وابن عمه إلى محكمة بئر مراد رايس، في ضواحي العاصمة، يوم 4 تموز/يوليه 2005. واقتيد صاحب البلاغ في أول الأمر إلى مستشفى حكومي لإجراء فحص طبي، وعندها أوضح صاحب البلاغ للطبيب أنه تعرض للتعذيب وأراه آثار ذات التعذيب. وأكد له الطبيب أنه سيشهد على ذلك، لكن الشهادة التي قدمت له في وقت لاحق لم تذكر شيئاً عن تعرضه للتعذيب. وفي المحكمة، وقبل انعقاد جلسة محاكمته، تعرض صاحب البلاغ للضرب على أيدي ضابط صف ورجاله. فقد ألقي برأسه لترتطم بجهاز إطفاء ما سبب له جروحاً في الرأس ونزيفاً، كانت ترى عند مثوله أمام المحكمة. على أن القاضية لدى الغرفة الخامسة رفضت ذكر مسألة التعذيب في الملف واكتفت برواية رجال الدرك الذين ذكروا أن صاحب البلاغ ألحق هذه الجروح التي على رأسه بنفسه متعمداً. ووجهت لصاحب البلاغ اتهامات بالإرهاب، وأودع سجن الحراش.

2-13 وبعد إرسال معلومات، عبر هاتفه النقال، إلى صحافية عن الأوضاع في سجن الحراش، وهي المعلومات التي تناقلتها الصحافة، استُدعي صاحب البلاغ إلى عيادة السجن مساء يوم 12 تشرين الأول/أكتوبر 2005، حيث كان في انتظاره خمسة أشخاص قدّموا أنفسهم على أنهم من عناصر مديرية الاستخبارات والأمن. وبعد استجوابه عن تسريب المعلومات التي وردت في التحقيق الصحفي المشار إليه أعلاه، تعرض صاحب البلاغ مرة أخرى لتعذيب شديد، وتعرض تحديداً لجلسات الصعق الكهربائي. وقضى بعدها سبعة أشهر في الحبس بنظام العزل، دون السماح له بالحديث مع أحد من الناس، في زنزانة مساحتها 3 مترات مربعة، ليس بها نوافذ وإضاءتها، بالليل كما بالنهار، من مصباح نيون قوين، ويعيش على تغذية سيئة. وبالرغم من الرسائل العديدة التي وجِّهت إلى مدير السجن وكذلك إلى وزير العدل للإبلاغ عن حالته، لم ينقل إلى زنزانة أخرى إلا في أيار/مايو 2006، لكن دون مغادرة جناح العزل، وإن كان معه سجناء آخرين.

2-14 وفي 23 تشرين الأول/أكتوبر 2005، قدِم ثلاثة عناصر من مديرية الاستخبارات والأمن وأخرجوا صاحب البلاغ من زنزانته وألقوا به في سيارة. وكانت يداه مقيدتان إلى ظهره ووجهه مغطى بمجرد اجتياز بوابة السجن. واقتيد صاحب البلاغ إلى مؤسسة سرية للاحتجاز حيث نزعت ملابسه ووضع عارياً في زنزانة، وتعرض للضرب بسلك كهربائي سميك، كما تعرض للطم والشتم. وكان الذين يعذّبونه يريدون أن يخبرهم عن أعمال وتحركات السجناء الإسلاميين. وبعد أن رفض الاستجابة، علّقوه طوال ساعات على سلم مثبت إلى جدار. وقضى صاحب البلاغ يوماً واحداً في هذه المؤسسة الاحتجازية السرية. وقد سمع صرخات عدة أشخاص كانوا على الأرجح مثله ضحايا التعذيب.

2-15 وبعد 10 أشهر من التحقيق، حُدد تاريخ 10 أيار/مايو 2006 موعداً لجلسة محاكمة للنظر في موضوع قضية صاحب البلاغ، لكن أُجّلت إلى 24 أيار/مايو 2006، ثم إلى 7 ثم إلى 21 حزيران/يونيه 2006. وفي كل جلسة إرجاء، كان صاحب البلاغ يمثل أمام قاض جديد لأسباب يجهلها. واشتكى صاحب البلاغ بانتظام، أمام كل قاض من قضاة الموضوع، من التعذيب الذي تعرض له، لكن القضاة كانوا يردون عليه بالقول إما أن التعذيب لا يمارس في الجزائر وإما أن مسألة التعذيب لا يمكن بحثها وإنما يتعين أن تكون محل دعوى منفصلة. وحُكم على صاحب البلاغ بالسجن عاماً واحداً.

2-16 ومنذ خروج صاحب البلاغ من السجن، يوم 4 تموز/يوليه 2006، ظل مراقَباً باستمرار من قبل مصالح مديرية الاستخبارات والأمن وتلقى مكالمات هاتفية من مجهولين لحثه على "التزام الهدوء" إن لم يكن يرغب في قضاء ما تبقى من حياته في السجن. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2006، نشر صاحب البلاغ مقابلة على الإنترنت أجراها مع صحيفة تونسية أدان فيها تعرضه للتعذيب متهماً وزير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وبعد أن تلقى تهديدات جديدة عبر الهاتف، قرر مغادرة الجزائر. وتمكن من دخول تونس بوثائق مزورة ثم توجه إلى فرنسا حيث قدم، يوم 26 كانون الأول/ديسمبر 2006، طلباً للحصول على مركز لاجئ، وهو ما حصل عليه يوم 31 آذار/مارس 2008. ولا تزال أسرته، التي بقيت في الجزار وكانت تتلقى تهديدات عبر الهاتف باستمرار أثناء احتجازه في عام 2005، تخضع للمراقبة. وكانت أعمال التعذيب التي تعرض لها صاحب البلاغ قد خلفت آثاراً خطيرة على صحته، فقد أصيبت رجله اليسرى بعجز نهائي شبه كامل، وإصابة في العمود الفقري، وآلام على مستوى الكِلى والأضلاع. وعلاوة على تدهور شامل لحالته البدنية، يعاني صاحب البلاغ أيضاً من آلام حادة في الرأس ومن الكوابيس ومن الأرق المتكرر.

الشكوى

3 -1 يدفع صاحب الشكوى ب أن ه عومل معاملة ترقى إلى أفعال تعذيب بالمعنى المقصود من المادة الأولى من الاتفاقية، حيث إنه أصيب بآلام ومعاناة شديدة (انظر أصناف التعذيب المبينة في سرد الوقائع أعلاه) موثّقة بشهادتين طبيتين صدرتا في فرنسا بتاريخ 6 آذار/مارس2007 و28 آب/أغسطس 2008 ( ) . وقد بلغت حدة المعاناة التي لحقت بصاحب البلاغ مبلغاً لدرجة أنه مُنح في فرنسا وضع العامل المعاق بسبب العجز بنسبة 50 في المائة ( ) . وعلاوة على ذلك، فقد تعرض، أثناء احتجازه في مكان سري لمدة 15 يوماً في نيسان/أبريل 2001، لظروف احتجاز يُدّعى أنها ترقى في حد ذاتها إلى شكل من أشكال التعذيب. فقد كان هدف السجانين هو تعريض صاحب البلاغ إلى معاناة شديدة بغية حمله على تقديم معلومات أو اعترافات، أو معاقبته، أو تخويفه، أو الضغط عليه بسبب انتماءاته السياسية المفترضة. ومما لا جدال فيه أيضاً أن مَن سبَّب له هذه الآلام هم عناصر تابعين للدولة. وبالفعل، فإن منفذي هذه الأعمال أفراد من الدرك الوطني ومن مديرية الاستخبارات والأمن، وقد قاموا بذلك متصرفين بصفتهم الرسمية. وأشرف عضو من حكومة الجمهورية شخصياً على حصة من حصص التعذيب وشجع عليه. وكانت هذه الأعمال من تدبير عدة سلطات حكومية (الأمن، والجيش، وسلطة السجون، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية).

3-2 ويدّعي صاحب البلاغ أنه وقع ضحية انتهاك للمواد 2 (الفقرة 1) من الاتفاقية وللمواد 6، و7، و11، و12، و13، و14، و15، مقروءة بالاقتران مع المادة 1 من الاتفاقية.

3-3 وفيما يتعلق بالفقرة 1 من المادة 2 من الاتفاقية، يدّعي صاحب البلاغ أن الدولة الطرف لم تتخذ الإجراءات اللازمة لمنع وقوع أعمال التعذيب. فمن الثابت ابتداءً أن الدولة الطرف تواصل إخلالها بواجبها بأن تجري على الوجه الأكمل تحقيقات جدية وأن تباشر ملاحقات فيما يتعلق بالغالبية العظمى من الجرائم الخطيرة، بما في ذلك جرائم التعذيب المرتكبة منذ عام 1992. وفضلاًَ عن ذلك، فإن الأمر رقم 06-01، المتضمن تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، والذي يحظر توجيه اتهامات لأفراد قوات الأمن الجزائرية بارتكاب جرائم خطيرة خلال الفترة التي تعرف باسم "المأساة الوطنية"، ينص على تعرض كل من يلصق بهؤلاء الأفراد مثل هذه التهم إلى عقوبات قاسية بالسجن. وعلى الرغم من أن هذا الأمر لا يتعلق إلا بالأفعال المرتكبة خلال فترة المأساة الوطنية، فإن آثاره تتجاوز هذه الفترة، ذلك أن الرسالة التي تفهم منه واضحة وهي إرساء حالة من الإفلات المؤسسي من العقاب لصالح أفراد قوات الأمن. وعلاوة على ذلك، لا يتضمن التشريع الجزائري أي نص يحظر استخدام الاعترافات أو التصريحات التي تنتزع تحت التعذيب كأدلة إثبات، وهو ما شجع قوات الأمن على اللجوء إلى مثل هذه الأساليب. وتنص المادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري أيضاً على أن المدة القانونية للاحتجاز الاحتياطي تصل إلى 12 يوماً دون إمكانية الاتصال بالعالم الخارجي، لا مع الأسرة ولا مع محامي ولا مع طبيب مستقل ( ) . وعليه، يرى صاحب البلاغ أن الدولة الطرف متمادية في عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع وقوع انتهاكات من قبيل التعذيب الذي وقع صاحب البلاغ ضحية له.

3-4 ويعتبر صاحب البلاغ أن الدولة الطرف تواصل انتهاك المادة 11 من الاتفاقية لعدم إرسائها أي رقابة على فترة الاحتجاز الاحتياطي وعلى الاستجوابات التي يخضع لها المحتجزون. وبالرغم من أن المدة القانونية للاحتجاز الاحتياطي محددة ب‍ 12 يوماً، فإنها تمدد في الواقع. كما أن التشريع الجزائري لا يكفل الحق في الحصول على مساعدة من محام أثناء الحبس الاحتياطي. ويندد صاحب البلاغ أيضاً باحتكار مديرية الاستخبارات والأمن، وهي السلطة المكلفة ببعض أماكن الاحتجاز المؤقت التي لا تخضع لرقابة فعالة وهو ما يؤدي إلى تجاوزات من قبيل ما تعرض له صاحب البلاغ. وينتقد أيضاً عدم وجود سجل وطني للمساجين في الجزائر. ويشير صاحب البلاغ إلى أنه تعرض، في إحدى المناسبات، للضرب المبرح مباشرة قبل مثوله أمام قاض دون أن يثير ذلك أي رد فعل من جانب القاضي، وهو ما يثبت عدم فعالية نظام الرقابة، وفي ذلك انتهاك للمادة 11 من الاتفاقية.

3-5 ويعتبر صاحب البلاغ أن الدولة الطرف انتهكت المادة 12، مقروءة بالاقتران مع الفقرة 2 من المادة 6 والفقرة 1 من المادة 7، من الاتفاقية. وبالفعل، فبالرغم من الشكاوى المتكررة التي قدمها صاحب البلاغ بخصوص التعذيب الذي تعرض له، لم تأمر الدولة الطرف بإجراء أي تحقيق فوري ونزيه رغم مرور نحو 8 سنوات على الوقائع المزعومة ( ) . ورغم وجود مرتكبي أعمال التعذيب هذه المزعومين على أراضي الدولة الطرف، لم تتحرك هذه الأخيرة على الفور لإجراء تحقيق أولي، وبذلك تكون قد امتنعت عن ملاحقة الأشخاص المتورطين في هذه الأعمال، منتهكة بذلك المادة 12، مقروءة بالاقتران مع المادتين 6 و7 من الاتفاقية.

3-6 ولم تتح الدولة الطرف لصاحب البلاغ أية سبيل انتصاف بحيث ينظر فورا ً وبنزاهة في الوقائع المزعومة، منتهكة بذلك المادة 13 من الاتفاقية. ويذكّر صاحب البلاغ بأن الدولة الطرف ملزمة، بمقتضى اجتهاد اللجنة، بالتحقيق بصرف النظر عن تقديم شكوى رسمية عن وقوع أعمال تعذيب ( ) .

3-7 لقد قوّض موقف النيابة العامة السلبي عملياً كل الفرص لإقامة دعوى مدنية للمطالبة بتعويضات، ذلك أن قانون الإجراءات الجزائية الجزائري ينص على أن ترجئ المحكمة الحكم في الدعوى المدنية المرفوعة أمامها لحين الفصل نهائياً في الدعوى الجنائية. وإذا ما اعتبرنا أن الدعوى الجنائية في هذه الحالة قد جرى تحريكها في عام 2001 عندما أحيلت القضية إلى قاضي التحقيق من قبل المدعي العام لمدينة تبسة بناء على شكوى قدمها صاحب البلاغ، فإن صاحب البلاغ يكون عندئذ، من الناحية العملية، قد حُرم من الحصول على أي تعويض ممكن، وفي ذلك انتهاك للمادة 14 من الاتفاقية. وفضلاً عن ذلك، فإن المادة 15 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تشترط أن تلبي عريضة افتتاح الدعوى المدنية بعض الشروط مثل بيان هوية وعنوان المسؤولين عن الانتهاكات التي وقعت، وهو ما يجهله صاحب البلاغ تماماً. ويعتبر صاحب البلاغ أن هذه العراقيل تشكل أيضاً انتهاكاً للمادة 14 من الاتفاقية.

3-8 ورغم الشكاوى المتكررة من أفعال التعذيب التي تعرض لها صاحب البلاغ، لا سيما أثناء المقابلة مع قاضي التحقيق يوم 4 تموز/يوليه 2005، فقد ظلت التصريحات والاعترافات التي انتزعت من صاحب البلاغ تحت التعذيب في ملفه واتخذت أساساً لإدانته، وفي ذلك انتهاك للمادة 15 من الاتفاقية.

3-9 وفي حال عدم استنتاج اللجنة وقوع انتهاك للمادة 1 من الاتفاقية، فإن صاحب البلاغ يرى أن المعاملة التي تعرض لها تدخل على أقل تقدير في نطاق تطبيق المادة 16 من الاتفاقية ومن ثم وجب على اللجنة أن تخلص إلى أن انتهاكا قد وقع لهذه المادة بمفردها وكذلك إلى انتهاك المواد المذكورة أعلاه، مقروءة بالاقتران مع المادة 16 من الاتفاقية.

3-10 أما بخصوص سبل الانتصاف المحلية، فلم يفوّت صاحب البلاغ أي فرصة للشكوى بصورة منهجية أمام السلطات القضائية الجزائرية المختصة من أفعال التعذيب الذي تعرض له. ففي نيسان/أبريل 2001، وجه التماسات إلى كل من مدعي محكمة تبسة ثم إلى المدعي العام، وإلى قاضي التحقيق، وإلى محكمة تبسة، في جلسة المحاكمة الابتدائية وفي الاستئناف على السواء. واشتكى أيضاً من التعذيب الذي تعرض له في حزيران/يونيه وتموز/يوليه 2005 أثناء مثوله أمام قاضي التحقيق لدى محكمة بئر مراد رايس يوم 4 تموز/يوليه 2005، ثم في كل جلسة من جلسات النظر في موضوع القضية أمام محكمة بئر مراد رايس. وبذلك يكون صاحب البلاغ قد اشتكى من التعذيب الذي تعرض له أمام سبع هيئات قضائية مختلفة، ولكن بدون جدوى.

3-11 ويشير صاحب البلاغ أيضاً إلى القصور في استقلالية الهيئات القضائية المختصة، وهو ما يجعل سبل الانتصاف عديمة الفعالية ولا توحي بأنها تنطوي على أي احتمال حقيقي لأن تحقق الغاية منها. وبذلك ليس على صاحب البلاغ واجب استنفاد سبل انتصاف يرجح ألا تؤدي إلى شيء، بناء على اجتهادات اللجنة. ويدفع أيضاً بالمخاطر على سلامته وحياته، وعدم الإمكان قانوناً للجوء إلى هيئة قضائية بعد سن الأمر رقم 06-01 المؤرخ 27 شباط/ فبراير 2006 المتضمن تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الذي يمنع رفع أي دعوى على أعوان الدولة تتعلق بأفعال ارتكبت أثناء "المأساة الوطنية".

ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية

4- في 1 كانون الأول/ديسمبر 20 09 ، اعترضت الدولة الطرف على قبول البلاغ معتبرة أنه لا يستوفي الشروط المنصوص عليها في النظام الداخلي للجنة بخصوص الإجراء الذي ينظم تقديم البلاغات. ولم تقدم الدولة الطرف أي توضيح إضافي للأسباب التي استندت إليها للاعتراض على مقبولية البلاغ.

معلومات إضافية من صاحب البلاغ

5-1 في 3 آذار/مارس 2010، لاحظ صاحب البلاغ أن الدولة الطرف لم تدعّم طلبها إلى اللجنة بحجج تبرر خلوصها إلى عدم مقبولية البلاغ. ولذلك طلب من اللجنة عدم الاستجابة لطلب الدولة الطرف والفصل في مقبولية البلاغ وفي أسسه الموضوعية.

5-2 وفي 15 كانون الأول/ديسمبر 2010، أبلغ صاحب البلاغ اللجنة برغبته في سحب شكواه ضد الدولة الطرف.

5-3 وفي 4 آذار/مارس 2011، لاحظ محامي صاحب البلاغ أن في اليوم الذي أبلغ فيه صاحب البلاغ اللجنة برغبته في سحب شكواه، أي يوم 15 كانون الأول/ديسمبر 2010، فإن ممثل البعثة الدائمة للجزائر لدى الأمم المتحدة في جنيف يكون قد اتصل باللجنة، عن طريق أمانة مكتبه، للتأكد من اتخاذ صاحب البلاغ هذه الخطوة. ويذكر المحامي أن ثمة عدة أسباب حملت صاحب البلاغ على الإعراب عن رغبته في سحب شكواه. أولاً، أن صاحب البلاغ يكون قد تعرض لضغوط من قبل أفراد من أسرته الذين لا يرغبون في أن يقاضي الدولة الطرف. فطلبْ صاحب البلاغ سحب شكواه تأتي استجابة لإلحاح والده الذي يلومه على النيل من كرامة بلده. ثانياً، أن صاحب البلاغ يكون قد تعرض لضغوط وتلقى تهديدات من منظمات وحركات من المعارضة الجزائرية التي تكون قد قرصنت صندوق بريده الإلكتروني وموقعه على الإنترنت وتجسست عليهما ( ) . ثالثاً، أن صاحب البلاغ يكون قد وقع ضحية تهديدات بالموت دون التمكن من التعرف على هوية الفاعلين. ففي 8 تشرين الثاني/نوفمبر و8 كانون الأول/ديسمبر 2010، قدّم صاحب البلاغ إلى شرطة تولوز شكوى لتعرضه للتهديد بالموت برسالة إلكترونية عبر موقعه على الإنترنت.

5-4 ورغم إعراب صاحب البلاغ عن رغبته في سحب شكواه التي عرضها على اللجنة، إلا أنه يعرب عن رغبته في الإبقاء على شكواه الجنائية ضد وزير الدولة السابق بوجرة سلطاني الذي يتهمه بأنه عذبه والذي رفع ضده، في تشرين الأول/أكتوبر 2009، قضية جنائية أمام المحاكم السويسرية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية ( ) . وقد استطاع الوزير الفرار قبل أن تتمكن شرطة مقاطعة فريبورغ من إحضاره أمام صاحب البلاغ للتأكد من أقواله.

5-5 ويحيط محامي صاحب البلاغ اللجنة علماً بأنه تلقى رسالة لا تحمل توقيع صاحب البلاغ مؤرخة 21 تشرين الأول/أكتوبر 2010 أعرب فيها هذا الأخير عن رغبته في سحب شكواه بدعوى أن المفاوضات التي جرت مع السلطات الجزائرية أفضت إلى استعادته حقوقه المعنوية والمادية وأن الشكوى قد أصبحت بالتالي لاغية. ولما كانت الرسالة بغير توقيع، اتصل المحامي بصاحب البلاغ الذي نفى أن يكون هو صاحب هذه الرسالة.

5-6 وفي 31 آذار/مارس 2011، أبلغ المحامي اللجنة بقرار صاحب البلاغ مواصلة الإجراء أمام اللجنة ( ) . وأوضح صاحب البلاغ أن طلبه الأصلي لسحب شكواه جاء تبعاً لالتماسات من القضاء الجزائري الذي اشترط البيّنة على رغبته في سحب شكواه المقدمة للجنة ليتسنى مواصلة التحقيق في الجزائر في إطار دعوى على الأشخاص الذين شاركوا في أعمال التعذيب الذي تعرض له صاحب البلاغ. وبمجرد سحب الشكوى، وكِّل محامٍ للدفاع عن مصالح صاحب البلاغ أمام المحاكم الجزائرية. لكن المحامي تلقى نسخة من قرار قاضي التحقيق ( ) الذي رفض دون مبررات قبول الدعوى. وفي ظل هذه الظروف، يلتمس صاحب البلاغ من اللجنة النظر في شكواه ضد الجزائر.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية

6-1 أعربت الدولة الطرف، في مذكرة مؤرخة 31 آذار/مارس 2011، عن استغرابها من الطريقة التي يحاول بها محامي صاحب البلاغ فيما يبدو تشويه المعلومات التي تكون قد أرسلت إليه، بحسن نية، من اللجنة فيما يتعلق بالاتصالات التي جرت بينها وبين البعثة الدائمة للجزائر لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف. فالدولة الطرف ترفض رفضاً قاطعاً هذه الأقوال وتوضح أن البعثة الدائمة في جنيف لم تقم سوى بالاتصال باللجنة للتأكد من المعلومات التي تناقلتها الصحافة الإلكترونية الجزائرية يوم 17 كانون الأول/ديسمبر 2010 ومؤداها أن صاحب البلاغ يكون قد سحب، يوم 15 كانون الأول/ديسمبر 2010، شكواه التي قدمها إلى اللجنة. وتلاحظ الدولة الطرف أن اللجنة أكدت بتاريخ 17 كانون الأول/ديسمبر 2010 استلامها رسالة من صاحب البلاغ يطلب فيها سحب شكواه.

6-2 وتضيف الدولة الطرف أن البعثة الدائمة، بمجرد إبلاغها بهذه الرسالة، طلبت تزويدها بنسخة منها بغية استكمال ملفها بشأن هذا البلاغ وطرحت أسئلة كالتي تطرح عادة في مثل هذه الحالات عن الإجراءات اللاحقة التي تعتزم اللجنة اتخاذها. وردت اللجنة بالقول إنها ستوافيها بنسخة من الرسالة بعد عملية التحقق المعتادة التي تكون قد جرت مع محامي المعني بالأمر. وأبلغت اللجنة البعثة الدائمة للجزائر أيضاً أن سحب الشكوى لن يصبح نافذاً إلا بعد اتخاذ اللجنة قراراً رسمياً بشطب القضية من سجل القضايا المعروضة عليها أثناء دورتها المزمع عقدها في شهر أيار/مايو 2011. وفي 10 كانون الثاني/يناير 2011، أبلغت اللجنة البعثة الدائمة للجزائر أن محامي صاحب البلاغ لم يبلغ بخطوتها وأنه يتعين التحقق على النحو اللازم قبل تأكيد سحب الشكوى ومن ثم إحالة رسالة صاحب الشكوى المؤرخة 15 كانون الأول/ديسمبر 2010. وتلاحظ الدولة الطرف أنها لم تتلق حتى الآن نسخة من هذه الرسالة. وتؤكد الدولة الطرف أن على اللجنة أن تبيّن حقيقة الأمر من حيث تسلسل الوقائع وألا يشكك المحامي في حسن نية الدولة الطرف وبعثتها الدبلوماسية في القضية قيد النظر ( ) .

6-3 وأبلغت الدولة الطرف اللجنة، بمذكرتها المؤرخة 22 تشرين الأول/أكتوبر 2013، بأنها ستوافيها بملاحظاتها بمجرد الانتهاء من صياغتها. وكانت اللجنة قد قررت أن تنظر، أثناء دورتها الحادية والخمسين المعقودة في الفترة من 28 تشرين الأول/أكتوبر إلى 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، في شكوى صاحب البلاغ حتى لو لم تردها ملاحظات الدولة الطرف. وبعد النظر في مذكرة الدولة الطرف المؤرخة 22 تشرين الأول/أكتوبر 2013، قررت اللجنة أن تنظر، في دورتها الحادية والخمسين، في مسألة مقبولية الشكوى فقط.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن الأسس الموضوعية

7-1 قدمت الدولة الطرف، يوم 21 آذار/مارس 2014، ملاحظاتها بشأن الأسس الموضوعية للبلاغ. وتذكّر أن صاحب الشكوى عسكري سابق فُصل من الخدمة يوم 16 تشرين الأول/أكتوبر 1998 لفراره من الخدمة وتركه م نصبه مدة طويلة. ووقع بعد ذلك في مشاكل مع القضاء وأصدرت محكمة الحرّاش في حقه مذكرة توقيف يوم 13 شباط/ فبراير 1999 بتهمة السرقة والتزوير واستعمال المزوَّر والتدليس. وفي 2 أيلول/سبتمبر 2000 ، حُكم عليه غيابيا بالسجن لمدة سنتين لإدانته بهذه الجنح. وفي 2 كانون الأول/ديسمبر 2000، صدرت مذكرة توقيف جديدة في حقه لإصداره شيكات بدون رصيد.

7-2 وتدعي الدولة الطرف أن صاحب البلاغ قُبض عليه مجددا ً يوم 30 حزيران/ يونيه 2005 لتورطه المزعوم في قضية حيازة مخدرات والنصب والاحتيال. وقد اعترف، لدى الإدلاء بشهادته، بأنه وضع، في سيارة ليست ملكه لكنه كان على متنها، مخدرات اكتشفتها رجال الدرك يوم 21 أيار/مايو 2005. وفضلا ً عن ذلك، فقد عُثر في بيته لدى تفتيشه أدلة على تورطه في جرائم النصب والاحتيال. وبناء عليه، لاحقت نيابة محكمة بئر مراد رايس صاحب البلاغ بتهمة النصب والاحتيال والإبلاغ الك اذب عن جريمة وحيازة مخدرات. وفي 21 حزيران/يونيه 2006، برّأته محكمة بئر مراد رايس من تهمتي الإبلاغ الكاذب عن جريمة وحيازة مخدرات لكنها أدانته بتهمة النصب والاحتيال. وحُكم عليه بالسجن سنة واحدة. وأكدت الغرفة الجنائية لمحكمة الجزائر العاصمة هذا الحُكم في 12 شباط/فبراير 2007.

7-3 وفي 16 أيار/مايو 2010، قدّم صاحب البلاغ، لدى عميد قضاة التحقيق لدى محكمة بئر مراد رايس، شكوى، مدعيا بالحق المدني، على بوجرة سلطاني، شقيق مالك السيارة التي عُثر فيها على المخدرات والذي كان اشتكى على صاحب البلاغ في سياق نزاع متعلق بقضية بيع عقار. واتهم صاحب البلاغ بوجرة سلطاني بإساءة استغلال السلطة واستغلال جهاز الدولة لأغراض شخصية بغية انتزاع اعترافات من صاحب البلاغ تحت التعذيب، وهي الاعترافات التي أدين على أساسها. وفي 2 أيلول/سبتمبر 2010، أصدر قاضي التحقيق قرارا ً برفض الدعوى المدنية لعدم دفع الكفالة مثلما ينص على ذلك قانون الإجراءات الجزائية عند إيداع شكوى والادعاء بالحق المدني.

7-4 وتعتبر الدولة الطرف أن صاحب البلاغ متورط في العديد من الجرائم وأنه ادعى تعرضه لأعمال التعذيب للتستر على جرائمه والتهرب من الأعمال الإجرامية التي تورط فيها. وتخلص الدولة الطرف إلى أن هذه الشكوى تستند إلى ادعاءات لا تقوم على أي أساس قانوني.

معلومات إضافية من صاحب البلاغ

8-1 في 22 نيسان/أبريل 2014، قدم صاحب البلاغ تعليقات على ملاحظات الدولة الطرف بشأن الأسس الموضوعية للبلاغ. ويلاحظ أن الدولة الطرف أبلغت اللجنة في وقت متأخر جدا ً بالقرار الصادر يوم 2 أيلول/سبتمبر 2010 الذي قضى بحفظ شكواه المتعلقة بادعاء التعرض للتعذيب دون اتخاذ أي إجراء. ويلاحظ صاحب البلاغ أن عدم دفع كفالة لدى إيداع شكوى والادعاء بالحق المدني لا يمكن أن يشكل مبررا ً لعدم التحقيق في وقائع بمثل هذه الخطورة. فقد أبلغت الدولة الطرف بهذه الوقائع وكان عليها أن تباشر تلقائيا إجراء تحقيق فعال ونزيه.

8-2 ويلاحظ صاحب البلاغ أن تذكير الدولة الطرف بال ملاحقات التي تعرض لها لا علاقة له بمسألة النظر في هذا البلاغ الذي يتعلق بموضوع أعمال التعذيب التي تعرض لها في نيسان/ أبريل 2001 وفي حزيران/يونيه 2005، وبموضوع المخالفات التي لازمت فترات احتجازه المختلفة. ويلاحظ أيضا ً أن الدولة الطرف تكتفي بنفي حقيقة أعمال التعذيب هذه دون تقديم توضيحات بشأن الادعاءات بالتعرض للتعذيب التي ساق أدلة مستفيضة عليها في شكواه.

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

9 -1 في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، بحثت اللجنة، أثناء دورتها الحادية والخمسين، مسألة مقبولية الالتماس بمقتضى المادة 22 من الاتفاقية. و تأكدت اللجنة من أن المسألة موضوع هذه الشكوى لم ُتبحث وليست قيد البحث حالياً من قبل هيئة دولية أخرى ل لتحقيق أو التسوية.

9-2 و قد دفعت الدولة الطرف بأن صاحب البلاغ يكون قد سحب شكواه وأن الدولة الطرف، خلافاً لأقوال محامي صاحب البلاغ، سعت بحسن نية لمعرفة إن كان يرغب في الإبقاء على شكواه أمام اللجنة. ولاحظت اللجنة أن صاحب البلاغ، بعد أن أعرب عن رغبته في سحب شكواه على الدولة الطرف في 15 كانون الأول/ديسمبر 2010، أرسل رسالة أخرى إلى اللجنة مؤرخة وموقعة في 31 آذار/مارس 2011 يؤكد فيها رغبته في الإبقاء على شكواه أمام اللجنة. ولاحظت اللجنة أن الدولة الطرف لم تطعن قط في صحة الرسالة المؤرخة 31 آذار/مارس 2011. وبناء عليه، تعتبر اللجنة أن البلاغ مقبول بمقتضى ا لفقرة 1 من المادة 22 في الاتفاقية.

9 - 3 ول م يكن بو سع اللجنة إلا أن تلاحظ الظروف الغامضة والأسباب المتضاربة التي ساقها صاحب البلاغ ومحاميه لتبرير طلبات سحب الالتماس من قبل صاحب البلاغ ثم استئناف الإجراء بناءً على طلبه. و لاحظت اللجنة نقص تعاون الدولة الطرف من حيث تقديم الملاحظات بشأن مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية رغم طلبها ذلك منها في خمس رسائل تذكيرية مؤرخة 22 كانون الثاني/يناير 2010، و11 نيسان/أبريل 2011، و17 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، و6 كانون الأول/ديسمبر 2012 و26 تموز/يوليه 2013. وتؤكد اللجنة مجدداً أن الدولة الطرف ملزمة، في إطار إجراء البلاغات الفردية الوارد في إطار المادة 22، بالتعاون مع اللجنة بحسن نية وبالامتناع عن اتخاذ أي تدبير قد ي ؤدي إلى إعاقة هذا الإجراء. وتود اللجنة توجيه اهتمام الدولة الطرف إلى التزاماتها بموجب المادة 22 وتأسف لاقتصار مداخلاتها حتى الآن على تقديم طلبات للحصول على تأكيد رغبة صاحب البلاغ في سحب شكواه دون تقديم أية ملاحظة بشأن مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية؛ وهو ما لم ي مكِّن اللجنة حتى يومنا هذا من كشف الحقيقة كاملة إزاء الانتهاكات التي يدعي صاحب البلاغ أنه تعرض لها.

9-4 ومع أن الدولة الطرف اعترضت على مقبولية البلاغ، إلا أنها لم تقدم أي تعليل أو توضيح بهذا الخصوص. وحيث أن اللجنة لا ترى مانعا يحول دون مقبولية البلاغ، فقد قررت قبول البلاغ. وعليه، طلبت اللجنة من الدولة الطرف موافاتها بملاحظاتها بشأن الأسس الموضوعية للبلاغ في موعد أقصاه 31 كانون الأول/ديسمبر 2013.

عدم تعاون الدولة الطرف

10- في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2009 و 22 كانون الثاني/يناير 2010 و11 نيسان/أبريل 2011 و17 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 و6 كانون الأول/ديسمبر 2012 و26 تموز/يوليه 2013 و18 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، دُعيت الدولة الطرف إلى تقديم ملاحظاتها بشأن مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية. وأبلغت الدولة الطرف، بمذكرتها المؤرخة 22 تشرين الأول/أكتوبر 2013، أنها سوف تقدم ملاحظاتها بمجرد وضع اللمسات الأخيرة عليها. وبعد خلوص اللجنة إلى قبول الشكوى في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، طلبت من الدولة الطرف تقديم ملاحظاتها في موعد أقصاه 31 كانون الأول/ديسمبر 2013. غير أن اللجنة لم تتلقى ملاحظات الدولة الطرف بشأن الأسس الموضوعية للبلاغ إلا في 21 آذار/مارس 2014. وتأسف اللجنة لعدم تقديم الدولة الطرف أية معلومات جوهرية بشأن مقبولية البلاغ، حيث اكتفت، في مذكرتها المؤرخة 1 كانون الأول/ديسمبر 2009، بالاعتراض على قبول البلاغ، كما أنها لم تقدم ملاحظات جوهرية بشأن موضوع ادعاءات صاحب البلاغ مقتصرة على الإشارة إلى مشاكله مع القضاء. وتذكر بأن الدولة الطرف المعنية ملزمة، بمقتضى المادة 22 من الاتفاقية، بأن تقدم إلى اللجنة خطيا ً توضيحات أو تصريحات توضح المسألة وتبين، عند الاقتضاء، التدابير التي تكون قد اتخذتها لمعالجة الوضع. وفي حال عدم ورود رد من الدولة الطرف، يتعين على اللجنة التسليم بوجاهة الادعاءات التي ساقها صاحب البلاغ ، وهي ادعاءات مدعومة بما يكفي من الأدلة ( ) .

النظر في الأسس الموضوعية للبلاغ

11-1 نظرت اللجنة في هذه الشكوى مراعية في ذلك جميع المعلومات التي أتاحتها لها الأطراف المعنية، عملاً بالفقرة 4 من المادة 22 من الاتفاقية. وإذ لم تقدم الدولة الطرف أية ملاحظات بشأن الأسس الموضوعية للشكوى، فإنه يتعين التسليم بوجاهة الادعاءات التي ساقها صاحب البلاغ.

11-2 وتحيط اللجنة علما ً بادعاء صاحب البلاغ بتعرضه، أثناء فترات احتجازه في 2001 و2005، للضرب مرات عديدة، وخضوعه لأسلوب المنشفة، وتلقيه شحنات كهربائية، وتعليقه من إلى السقف من الرجل اليسرى، وتعرضه لالتواءات عنيفة في الركبة إلى حد الكسر، وتعرضت قدمه اليمنى لثقب حاد، وأُدخل عود في شرجه. وتحيط علما ً أيضا ً بادعاء صاحب البلاغ بأنه احتجز في مكان سري لمدة 15 يوما في نيسان/أبريل 2001، ثم في مراكز تابعة لمديرية الاستخبارات والأمن يوم 1 تموز/يوليه و23 تشرين الأول/أكتوبر 2005. وتلاحظ اللجنة أن صاحب البلاغ تعرض، خلال كل فترات احتجازه، لأصناف أخرى من المعاملة السيئة والإهانة؛ وأنه أبرح ضربا ً قبل جلسة محاكمت ه في 4 تموز/يوليه 2005؛ وأنه لم يتلق أي علاج طبي مناسب؛ وأنه كان طيلة سنوات احتجازه هذه يتلقى تغذية سيئة، وموجودا ً في زنزانات بغير نوافذ، وينام عاريا ً ومقيّد اليدين مفترشا ً الأرض، ولم يكن بوسعه أن يستلقي. وتلاحظ اللجنة أن هذه الادعاءات مؤكدة بشهادتين طبيتين صادرتين في فرنسا، مؤرختين 6 آذار/مارس 2007 و28 آب/أغسطس 2008. وتخلص اللجنة إلى أن المعاملة التي يدعي صاحب البلاغ أنه تعرض لها هي بمثابة آلام ومعاناة حادة بالمعنى المقصود من المادة 1 من الاتفاقية.

11-3 وتحيط اللجنة علما ً بادعاء صاحب البلاغ أن هذه المعاناة والآلام ألحقها به رجال من أعوان الدولة، ينتمون بالأخص إلى مديرية الاستخبارات والأمن وإلى الدرك، بموافقة مسؤولين كبار وإقرار من السلطات القضائية. وتلاحظ اللجنة أيضا ً أن هذه المعاملة يعتقد أن الهدف منها هو الحصول على تصريحات واعترافات من صاحب البلاغ وعلى معاقبته وتخويفه وممارسة الضغط عليه بسبب انتمائه السياسي المزعوم. وتلاح ظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تنف هذه الادعاءات. وترى اللجنة أن الأفعال التي سيقت هي بمثابة تعذيب بالمعنى المقصود من المادة 1 من الاتفاقية. وترى اللجنة أيضا ً أن الاحتجاز السري الذي تعرض له صاحب البلاغ، وأن الإهانات وظروف الاحتجاز اللاإنسانية التي رافقت أعمال التعذيب التي تعرض لها تشكل هي الأخرى انتهاكا ً للمادة 1 من الاتفاقية.

11-4 وبعد تقرير انتهاك المادة 1 من الاتفاقية، لن تبحث اللجنة بصورة منفصلة التظلمات الناجمة عن انتهاك المادة 16 من الاتفاقية.

11-5 ويدعي صاحب البلاغ وقوع انتهاك للفقرة 1 من المادة 2، مقروءة بالاقتران مع المادة 1 من الاتفاقية، من حيث أن الدولة الطرف أخلت بالتزاماتها بمنع وقوع أعمال التعذيب التي تعرضت لها الضحية والمعاقبة عليها. وتحيط اللجنة علما ً بالحجج التي س اقها صاحب البلاغ ومؤداها أنه وقع بشكل مباشر ضحية أوجه القصور في التشريع والممارسات التي تصاحب الاستجوابات في الجزائر، لا سيما كون التشريع يجيز الحبس الاحتياطي لمدة 12 يوما ً دون أي اتصال بالعالم الخارجي، خاصة مع الأسرة، ودون مساعدة من محام أو طبيب مستقل؛ ولإمكانية تمديد مدة الحبس الاحتياطي هذه. وتحيط اللجنة علما ً أيضا ً بادعاء صاحب البلاغ بأنه احتجز في مقرات تابعة لمديرية الاستخبارات والأمن لا تخضع لأي شكل من أشكال الرقابة من جانب السلطات القضائية المختصة. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تعترض على هذه الادعاءات. وفي هذا السياق، تذكر اللجنة بملاحظاتها الختامية الأخيرة الموجهة إلى الدولة الطرف والتي تلاحظ فيها بقلق أن المدة القانونية للحبس الاحتياطي يمكن تمديدها في الواقع عدة مرات، وأن القانون لا يكفل الحق في الاستعانة بمحام أثناء فترة الحبس الاحتياطي، وأن حق الشخص المحبوس احتياطيا في الحصول على خدمات طبيب والاتصال بأسرته ليس محترما ً من الناحية العملية في كل حين ( ) . وفي ضوء المعلومات التي أتيحت للجنة، تخلص هذه الأخيرة إلى وقوع انتهاك للفقرة 1 من الماد ة 2، مقروءة بالاقتران مع المادة 1 من الاتفاقية.

11-6 وفيما يتعلق بالمادة 11، تحيط اللجنة علما ً بحجة صاحب البلاغ ومؤداها أنه لم يستفد من أي حماية قانونية أثناء استجوابه. وتذكّر اللجنة بأنها أوصت الدولة الطرف، في ملاحظاتها الختامية الأخيرة، بأن تحرص على وضع سجل وطني للأشخاص المحتجزين ( ) . ونظراً لقلة المعلومات التي قدمتها الدولة الطرف بشأن هذه الأسئلة والحجج الواردة في ملاحظاتها الختامية، ليس في وسع اللجنة إلا أن تلاحظ أن الدولة الطرف لم تف، في سياق هذه القضية، بالتزاماتها بموجب المادة 11 من الاتفاقية.

11-7 وفيما يتعلق بالانتهاك المزعوم للمادة 12، مقروءة بالاقتران مع المادتين 6 و7؛ وانتهاك المادة 13 من الاتفاقية، تحيط اللجنة علما ً بحجة صاحب البلاغ ومؤداها أن الدولة الطرف، رغم الشكاوى المتكررة لدى السلطات القضائية المختلفة، لم تباشر أي تحقيق فوري ونزيه بعد مرور 12 عاما ً على الوقائع المزعومة. وتذكّر اللجنة ب الالتزام بالشروع فوراً في تحقيق نزيه حيثما وجدت أسباب معقولة تدعو للاعتقاد بأن فعلاً من أفعال التعذيب قد ارتكب ( ) . ونظرا ً لعدم تقديم الدولة الطرف توضيحات بشأن أسباب عدم إجراء أي تحقيق، بعد مرور أكثر من عقد من الزمن على حدوث الوقائع، في أعمال التعذيب أثناء مختلف فترات الاحتجاز التي تعرض لها صاحب البلاغ والتي اشتكى منها هذا الأخير عدة مرات، تخلص اللجنة إلى وقوع انتهاك للمادة 12 مقروءة بمفردها ومقروءة بالاقتران مع المادتين 6 و7 من الاتفاقية. وترى اللجنة أن الدولة الطرف لم تف أيضا ً بالتزامها، بموجب المادة 13 من الاتفاقية، بضمان حق صاحب البلاغ في تقديم شكوى على اعتبار أن هذا الالتزام يتفرع عنه التزام من جانب السلطات بالاستجابة لهذه الشكوى بالشروع فورا في تحقيق نزيه .

11-8 وفيما يتعلق بالانتهاك المزعوم للمادة 14 من الاتفاقية، تحيط اللجنة علماً بادعاءات صاحب البلاغ بأن الدولة الطرف حرمته من أي سبيل للانتصاف، لأنها لم ترد على شكواه ولأنها لم تجر أي تحقيق عام وفوري. وتذكر اللجنة بأن المادة 14 من الاتفاقية لا تعترف فحسب بالحق في التعويض بصورة عادلة وصحيحة، بل تلزم الدول الأطراف أيضاً بالسهر على أن تحصل ضحية التعذيب على الانتصاف. وترى اللجنة أن التعويض يجب أن يشمل مجمل الأضرار التي لحقت بالضحية، ويغطي فيما يغطي من تدابير، رد الاعتبار، والتعويض، وكذلك التدابير التي تكفل ضمان عدم تكرار الانتهاكات، مع مراعاة ظروف كل حالة بالطبع ( ) . ونظراً لعدم إجراء أي تحقيق بصورة فورية ونزيهة رغم الشكاوى المتعددة من أعمال التعذيب التي تعرض لها صاحب البلاغ والآثار البادية على جسده في المرات التي مثل فيها أمام المحاكم، لا سيما في جلسة يوم 4 تموز/يوليه 2005، تستنتج اللجنة أن الدولة الطرف لم تف بالتزاماتها بموجب أحكام المادة 14 من الاتفاقية.

11-9 وتحيط اللجنة علما ً أيضاً بادعاء صاحب البلاغ بأن التصريحات والاعترافات التي أدلى بها تحت التعذيب ظلت في ملفه واتخذت كأساس لإدانته. وتذكّر اللجنة بملاحظاتها الختامية حيث أعربت عن قلقها لعدم وجود حكم في تشريع الدولة الطرف يبيّن بوضوح أن أية إفادة يتبيّن أنها انتزعت عن طريق التعذيب لا يمكن الاحتجاج بها كدليل إثبات في أي دعوى ( ) . وفي ضوء المعلومات التي قدمها صاحب البلاغ، ووفقا للمعلومات التي بحوزة اللجنة عند اعتمادها ملاحظاتها الختام ية، تخلص اللجنة إلى وقوع انتهاك للمادة 15 من الاتفاقية في هذه القضية.

11-10 وفيما يخص احترام الإجراء بموجب المادة 22، تلاحظ اللجنة أن صاحب البلاغ قد أعلم اللجنة في رسالة مؤرخة 15 كانون الأول/ديسمبر 2010، عن رغبته في سحب البلاغ المعروض على اللجنة؛ وأن رسالة أخرى مؤرخة 21 تشرين الأول/أكتوبر 2010 قيل إنها أرسلت إلى محاميه؛ وأن هاتين الرسالتين تذكران أسبابا ً مختلفة لسحب الشكوى؛ وأن في 31 آذار/مارس 2011 قرر صاحب البلاغ في نهاية المطاف الإبقاء على الشكوى أمام اللجنة. ولا يسع اللجنة إلا أن تلاحظ الظروف الغامضة التي أحاطت طلبات سحب الشكوى ثم استئناف الإجراء من قبل صاحب البلاغ، وتلاحظ أيضا ً قلة تعاون الدولة الطرف من حيث تقديم ملاحظات بشأن مقبولية البلاغ وموضوع القضية. وتؤكد اللجنة من جديد أن الدولة الطرف ملزمة، في إطار إجراء البلاغات الفردية الوارد في المادة 22، بالتعاون مع اللجنة بحسن نية وبالامتناع عن اتخاذ أي تدبير قد يعيق هذا الإجراء. وتود اللجنة توجيه اهتمام الدولة الطرف إلى التزاماتها بموجب المادة 22 وتأسف لاقتصار مداخلاتها على تقديم طلبات للحصول على تأكيد رغبة صاحب البلاغ في سحب شكواه ، وهو ما لم ي مكِّن من كشف الحقيقة كاملة إزاء الانتهاكات التي قد يكون تعرض لها صاحب البلاغ .

12- وتخلص لجنة مناهضة التعذيب، متصرفةً بموجب الفقرة 7 من المادة 22 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، إلى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن وقوع انتهاك للمواد 1؛ والفقرة 1 من المادة 2 مقروءة بالاقتران مع المادة 1؛ والمادة 11؛ والمادة 12 مقروءة بمفرده ا ومقروءة بالاقتران مع المادتين 6 و7؛ والمادة 13؛ والمادة 14؛ والمادة 15 من الاتفاقية.

13- وعملاً بالفقرة 5 من المادة 118 من نظامها الداخلي، تدعو اللجنة الدولة الطرف بإلحاح إلى إجراء تحقيق نزيه في الأحداث موضوع هذا البلاغ، بغية مقاضاة الأشخاص الذين قد يكونون مسؤولين عن سوء المعاملة التي تعرض لها صاحب البلاغ، وإلى إبلاغها، في غضون تسعين يوماً من تاريخ إحالة هذا القرار، بالإجراءات التي تكون قد اتخذتها عملاً بالملاحظات المبين أعلاه، بما في ذلك تعويض صاحب البلاغ.

[اعتُمد ب الفرنسية (الصيغة الأصلية) ، و بالإسبانية والإنكليزية والروسية . وس ي صدر لاحقاً ب الصينية والعربية كجزء من تقرير اللجنة السنوي المقدم إلى الجمعية العامة.]