الأمم المتحدة

CCPR/C/99/D/1588/2007

العهد الدولي الخاص بالحقوقالمدنية والسياسية

Distr.: Restricted *

16 September 2010

Arabic

Original: French

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

الدورة التاسعة والتسعون

12-30 تموز/يوليه 2010

الآراء

البلاغ رقم 15 88 /2007

المقدم من: نجمة بن عزيزة ( تمثلها المحامية نصيرة ديتور من تجمع عائلات المفقودين في الجزائر)

الشخص المدعى أنه ضحية: ضاوية بن عزيزة وأبناءها وصاحبة البلاغ (حفيدة الضحية)

الدولة الطرف: الجزائر

تاريخ البلاغ: 13 آذار/مارس 2007 (تاريخ تقديم الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية: قرار المقرر الخاص بموجب المادة 97 من النظام الداخلي، المرسل إلى الدولة الطرف في 22 آب/ أغسطس 2007 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء: 26 تموز/يوليه 2010

المو ضوع: الاختفاء القسري

المسائل الموضوعية: حظر التعذيب والمعاملة والعقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة؛ وحق الفرد في الحرية والأمان على شخصه؛ والتوقيف والاحتجاز التعسفيان؛ وحق الفرد في أن يُعترف له بالشخصية القانونية؛ والحق في سبيل انتصاف فعال.

المسائل الإجرائية: عدم استنفاد سبل الانتصاف المحلية.

مواد العهد: المواد 7 و9 و16 والفقرة 3 من المادة 2

مواد البروتوكول الاختياري: الفقرة 2(ب) من المادة 5

في 26 تموز/يوليه 2010، اعتمدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، النص المرفق باعتباره يمثل آراءها بشأن البلاغ رقم 1588/2007.

[مرفق]

ال مرفق

آراء اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (الدورة التاسعة والتسعون )

بشأن

البلاغ رقم 1588/2007 * *

المقدم من: نجمة بن عزيزة ( تمثلها السيدة نصيرة ديتور من تجمع عائلات المفقودين في الجزائر)

الشخص المدعى أنه ضحية: ضاوية بن عزيزة وأبناءها وصاحبة البلاغ (حفيدة الضحية)

الدولة الطرف: الجزائر

تاريخ البلاغ: 13 آذار/م ـ ارس 2007 (تاريـخ تقديم الرسالة الأولى)

إن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، المنشأة بموجب المادة 28 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد اجتمعت في 26 تموز/يوليه 2010،

وقد فرغت من النظر في البلاغ رقم 1588/2007 المقدَّم إليها باسم السيدة نجمة بن عزيزة بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد وضعت في اعتبارها جميع المعلومات المكتوبة التي أتاحتها لها صاحبة البلاغ والدولة الطرف،

تعتمد ما يلي:

الآراء بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري

1-1 صاحبة البلاغ هي السيدة نجمة بن عزيزة، وهي مواطنة جزائرية من مواليد 31 كانون الأول/ديسمبر 1976. وهي تؤكد أن جدتها السيدة ضاوية بن عزيزة، وهي من مواليد عام 1929 في شمورة بالجزائر، كانت ضحية انتهاكات الجزائر للمواد 7 و9 و16 وللفقرة 3 من المادة 2 من العهد. وتؤكد أنها شخصياً وكذلك والدها وأعمامها ضحايا انتهاك المادة 7 والفقرة 3 من المادة 2 من العهد. وقد بدأ نفاذ العهد والبروتوكول الاختياري الملحق به بالنسبة للجزائر في 12 كانون الأول/ديسمبر 1989. وصاحبة البلاغ تمثلها السيدة نصيرة ديتور من تجمع عائلات المفقودين في الجزائر.

1-2 وفي 12 آذار/مارس 2009، قرر المقرر الخاص المعني بالبلاغات الجديدة، باسم اللجنة، رفض طلب الدولة الطرف في 3 آذار/مارس 2009 أن تنظر اللجنة في مسألة المقبولية بشكل منفصل عن الموضوع.

الوقائع كما عرضتها صاحبة البلاغ

2-1 ضاوية بن عزيزة هـي جدة صاحبـة البلاغ نجمـة بن عزيزة. وهي من مواليد عام 1929، وقد ألقى أفراد من الأمن العسكري القبض عليها في 2 حزيران/يونيه 1996. وقبل عملية إلقاء القبض التي تمت في العاشرة مساءً تقريباً، بفترة وجيزة، دخل أفراد من الأمن العسكري، وكان معظمهم مقنعين ومسلحين، وبعضهم بالزي الرسمي وآخرون بالزي المدني، المبنى الذي تقيم فيه ضاوية بن عزيزة، بحثاً عن ابنها علي الذي كان يقيم أيضاً بهذا العنوان. وبعد فشل الأفراد في العثور على علي قاموا بعزل ضاوية بن عزيزة في إحدى غرف الشقة لاستجوابها. وبينما كان أفراد الأمن يستعدون لاقتيادها، صعد سليمان وهو أحد أبنائها إلى الشقة وحاول ثنيهم عن ذلك مشيراً إلى سنها المتقدمة (68 عاماً في تاريخ الأحداث) وضعف صحتها. ورد أفراد الأمن بأنهم لن يحتجزوها أكثر من ساعتين لاستجوابها وأنها تستطيع بعد ذلك العودة إلى منزلها ( ) . وقبل اقتيادها طلب أفراد الأمن العسكري منها، خلع حليها وحرصوا على أخذ الهاتف معهم. وقد جرت عملية إلقاء القبض في حضور أبنائها والجيران أيضاً. ومنذ ذلك اليوم، لم يُعثر قط على ضاوية بن عزيزة. وقبل ذلك بشهر، قام أفراد تابعون للدوائر نفسها بتفتيش منزلها مرتين. فقد كان هؤلاء الأفراد يبحثون عن علي بن عزيزة، ابن ضاوية لأسباب غير معروفة حتى الآن.

2-2 وفي اليوم التالي لإلقاء القبض على ضاوية بن عزيزة، ذهب أحد أبنائها إلى قسم الشرطة حيث أكد له رجال الشرطة أنهم لم يلقوا القبض على والدته. وبعد ذلك، حصل أبناؤها على معلومات تفيد بأن والدتهم قد اقتيدت إلى ثكنة بوسط قسنطينة ، مواجهة لمقر الوالي. وتوجه علي بن عزيزة، عند عودته إلى المدينة في 4 حزيران/يونيه 1996، برفقة اثنين من أشقائه، هما عبد القادر ومحمد، إلى مكتب المدعي العام للمحكمة العسكرية بالمنطقة العسكرية الخامسة لقسنطينة . وعرض علي بن عزيزة بصورة خاصة أن يحل محل والدته لكي يطلق سراحها فألقى العسكريون القبض عليه ثم أطلقوا سراحه بعد التحقق من هويته. ووعده العسكريون بإخلاء سبيل ضاوية بن عزيزة سريعاً.

2-3 ونظراً لعدم تلقي أبناء الضحية الأربعة، وهم علي ومحمد وعبد القادر وسليمان، أي معلومات عن والدتهم، فقد تقدموا بمجموعة من العرائض الخطية إلى الهيئات العسكرية والمدنية والقضائية والإدارية المعنية، لفهم أسباب إلقاء القبض على والدتهم والحصول على معلومات أو التمكن من الإفراج عنها. وفي العرائض ا ل ‍  17 الموجهة إلى هذه الهيئات، احتج أبناء الضحية دائماً بسنها المتقدمة وضعف صحتها وعدم وجاهة التهم التي يمكن أن توجه إلى امرأة عجوز وعدم فهمهم لعجز السلطات عن توضيح مصير والدتهم. وكانت الرسالة الأولى للأبناء الأربعة مؤرخة 14 تموز/يوليه 1996، أي بعد مرور شهر ونصف الشهر على إلقاء القبض على ضاوية بن عزيزة. وقد وجهت إلى الأمين العام لوزارة الدفاع كما وجهت نسخ منها إلى رئاسة الجمهورية، ورئيس الحكومة، ووزير العدل، ورئيس البرلمان في ذلك الحين، ورئيس المنطقة العسكرية الخامسة، ورئيسي رابطتي حقوق الإنسان ووسيط الجمهورية.

2-4 وفي أيلول/سبتمبر 1996، قامت أسرة بن عزيزة بتوكيل محامٍ لتقديم شكوى ضد مجهول بشأن الاختطاف إلى محكمة قسنطينة . وبع ـ د مرور قرابة عام على تقديم الشكوى، في 16 آب/أغسطس 1997، استُدعيت الأسرة إلى مركز شرطة الدائرة الثالثة عشرة للأمن الحضري لولاية قسنطينة ، حيث سلمت قراراً بحفظ القضية لعدم التمكن من تحديد الأشخاص أو الدوائر المسؤولة عن إلقاء القبض على الضحية. وفي الفترة ما بين عامي 1996 و1998، ذهب أفراد أسرة بن عزيزة عدة مرات إلى المدعي العام للمنطقة العسكرية الخامسة لقسنطينة (في 4 حزيران/يونيه 1996، و5 حزيران/يونيه 1996، و30 تموز/يوليه 1996). وفي أول لقاءين مع المدعي العام، حاولوا معرفة مصير والدتهم. وعندما علم الأشقاء بوفاة والدتهم من مصادر غير رسمية، قدموا عريضة رسمية إلى المدعي العام. ونظراً لعدم تلقيهم رداً منه، عادوا بعد ذلك في 30 تموز/يوليه 1996 لإيداع ملف كامل. ورُفعت العريضة نفسها إلى المدير الإقليمي للأمن العسكري وإلى رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان الذي أحالها إلى وزارة العدل. وأسفر ذلك عن عقد سلسلة مقابلات مع مكتب رئيس الوزراء (سمح لهم بإجراء مقابلة في 11 آب/أغسطس 1996)، ودوائر رئيس الجمهورية (تم فتح تحقيق في تشرين الأول/أكتوبر 1996)، ودوائر وزارة العدل (أُجريت مقابلات في 21 و25 آب/أغسطس 1996)، ودرك قسنطينة (سمح لهم بإجراء مقابلة في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 1996 في إطار تحقيق أجري بناءً على أمر من رئيس الجمهورية)، والمديرية العامة للأمن الوطني (أجريت مقابلة في 4 نيسان/أبريل 1997 في إطار تحقيق أجري بأمر من النيابة العامة لقسنطينة ) ومع المرصد الوطني لحقوق الإنسان (سمح لهم بإجراء مقابلات في 14 تموز/يوليه 1996 و تشرين الأول/أكتوبر 1997). وبعض هذه العرائض وجهت عدة مرات إلى السلطات نفسها على فترات تفصل بينها عدة شهور. وبالرغم من هذه المحاولات جميعها ومن التحقيق ات المفتوحة، لم تتحقق أي نتيجة حتى الآن.

2-5 وفي أثناء عمليات البحث، حصلت عائلة بن عزيزة، من مصادر سرية، على معلومات متباينة بشأن مصير ضاوية بن عزيزة. فأفادت بعض المعلومات أن ضاوية بن عزيزة قد ماتت من جراء الضرب وبخاصة بسبب انفجار طحالها الذي أفضى إلى وفاتها. بينما أفادت معلومات أخرى أنها توفيت في الأيام الأولى من احتجازها بسبب إصابتها بنوبة قلبية. غير أن الأسرة لم تحصل على أي دليل يثبت بيقين وفاة ضاوية بن عزيزة و لم تحصل على أي رد من شأنه أن يوضح مصير الضحية، ولم يسفر أي تحقيق عن العثور عل يها. واتصلت أسرة بن عزيزة بعد ذلك بجمعية نجدة المفقودين وبتجمع عائلات المفقودين في الجزائر الذي تولى بصورة خاصة تنظيم مظاهرات حتى لا تذهب قضية المفقودين طي النسيان. واتصلت الأسرة أيضاً بالسيدة سيمون فاي ، عضو المجلس الدستوري الفرنسي. وفي 12 كانون الأول/ ديسمبر 1997، عرضت أسرة بن عزيزة حالة اختفاء ضاوية بن عزيزة على فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاختفاء القسري.

2-6 وبعد اعتماد ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في 29 أيلول/سبتمبر 2005، واعتماد نصوص تطبيقه التي نشرت في 28 شباط/فبراير 2006، فقدت أسرة بن عزيزة الأمل في الوصول إلى سبل انتصاف محلي ـ ة فعال ـ ة ومجدي ـ ة ومتاحة للوقوف على مصير جدة صاحبة البلاغ.

الشكوى

3-1 تشير صاحبة البلاغ إلى أن إلقاء القبض على ضاوية بن عزيزة قد تم دون تفويض قانوني، وأن احتجازها لم يُدون في سجلات الاحتجاز للنظر، وأنه لا يوجد أي أثر رسمي يدل على مكانها أو مصيرها، وأن الضمانات القانونية لا تُطبق على هذا الاحتجاز. وبناءً على ذلك، تعتبر صاحبة البلاغ هذا الاحتجاز احتجازاً تعسفياً ينتهك حق الفرد في الحرية وفي الأمان على شخصه الذي تكفله المادة 9 من العهد.

3-2 وتؤكد صاحبة البلاغ أيضاً أن رفض كشف مصير ضاوية بن عزيزة أو مكان وجودها، أو الاعتراف بحرمانها من حريتها يحرمها من حماية القانون، وينتهك حقها في أن يُعترف لها في كل مكان بالشخصية القانونية التي تكفلها المادة 16 من العهد.

3-3 وتلاحظ صاحبة البلاغ أيضاً أن الظروف المحيطة باختفاء ضاوية بن عزيزة تشكل في حد ذاتها شكلاً من أشكال المعاملة اللاإنسانية أو المهينة وأن الاحتجاز التعسفي لفترات ممتدة يزيد خطر التعذيب. وبالإضافة إلى ذلك، كانت ضاوية بن عزيزة، في تاريخ اختفائها، امرأة مُسنة وتعاني من مشاكل صحية خطيرة تستدعي الرعاية التي لم تتلقاها على الأرجح في أثناء احتجازها. ومن ثمّ فإن المعاملة التي يُدعى أن الضحية تلقتها تتنافى مع المادة 7 من العهد. وتؤكد صاحبة البلاغ أيضاً أن ع ـ دم اليقين الذي يعيش فيه أقارب ضاوية بن عزيزة والذي لا يسمح لهم بالحداد عليها يشكل معاملة لا إنسانية أو مهينة بموجب المادة 7 من العهد.

3-4 وتلاحظ صاحبة البلاغ أن ضاوية بن عزيزة التي لم يُعترف باحتجازها قد حُرمت نتيجة لذلك من حقها في التظلم بشكل مفيد على النحو الذي يكفله العهد. وقد حُرمت أسرة بن عزيزة أيضاً من التظلم المفيد بما أنها، رغم العرا ئ ض العديدة التي قدمتها، واجهت صمتاً و جموداً من السلطات التي عُرضت عليها هذه الشكاوى. وتوضح صاحبة البلاغ أن الميثاق يشير بصورة خاصة في الفصل الرابع منه إلى رفض الشعب الجزائري لأي ادعاء يهدف إلى تحميل الدولة مسؤولية ظاهرة الاختفاء العمد. والأمر الرئاسي رقم 6 -1 المؤرخ 27 شباط/فبراير 2006 المتعلق بتنفيذ الميثاق ينص في المادة 45 منه على أنه "لا يجوز الشروع في أي متابعة، بصورة فردية أو جماعية، في حق أفراد قوى الدفاع والأمن للجمهورية، بجميع أسلاكها بسبب أعمال نُفذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات، ونجدة الأمة والحفاظ على مؤسسات الجمهورية. ويجب على الجهة القضائية المختصة التصريح بعدم قبول كل إبلاغ أو شكوى". وهذا الأمر يُعرض أيضاً أسر المفقودين لعقوبات قاسية بالغرامة والسجن إذا ما تحدثت عن هذه الجرائم أو أبلغت عنها. وقد حرم هذا الميثاق بالتالي الأسرة من حقها في رفع دعوى. وبعد مرور عشرة أعوام على اختفاء ضاوية من عزيزة، لا تزال أسرتها تجهل مصيرها. وترى صاحب ـ ة البلاغ بالتالي أن الدولة لم تفِ بالتزاماتها بموجب الفقرة 3 من المادة 2 من العهد.

3-5 وعدم وجود سبيل انتصاف مفيد ل م يسمح لصاحبة البلاغ وأسرتها باستنفاد سبل الانتصاف المحلية بموجب الفقرة 2(ب) من المادة 5 من العهد. وفيما يتعلق بعرض أسرة الضحية الحالة على فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاختفاء القسري، تشير صاحبة البلاغ إلى الآراء السابقة الصادرة عن اللجنة المعنية لحقوق الإنسان، وبخاصة في قضية بازيليو لاوريانو أتاتشاهوا ضد بيرو والتي ذهبت فيها إلى أن "الإجراءات أو الآليات التي تضعها لجنة حقوق الإنسان أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي خارج نطاق الاتفاقيات، والتي تتمثل ولايتها في فحص حالات حقوق الإنسان في بلدان أو أقاليم محددة أو فحص ظواهر رئيسية من ظواهر انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم والإبلاغ عنها علناً لا تشكل، مثلما كان ينبغي أن تدركه الدولة الطرف، إجراء تحقيق أو تسوية على الصعيد الدولي في مفهوم الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري" ( ) . وبناءً على ذلك، ترى صاحبة البلاغ أن الشكوى مقبولة.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن مقبولية البلاغ

4-1 في 3 آذار/مارس 2009، طعنت الدولة الطرف في مقبولية البلاغ ومقبولية عشرة بلاغات أخرى مقدمة إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، وذلك في "مذكرة مرجعية بشأن عدم مقبولية البلاغات المقدمة إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان فيما يتعلق بتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية " . ورأت الدولة في الواقع أن هذه البلاغات التي تشير إلى مسؤولية الموظفين العموميين أو الذين يخضعون في عملهم ل لسلطات العامة عن حدوث حالات الاختفاء القسري في أثناء الفترة موضوع الدراسة، أي في الفترة ما بين عامي 1993 و1998، يجب معالجتها في إطار شامل، وإعادة وضع الأحداث المُدعى وقوعها في السياق الداخلي الاجتماعي السياسي والأمني لفترة كان على الحكومة فيها أن تواجه بصعوبة الإرهاب.

4-2 وكان على الحكومة في أثناء هذه الفترة مكافحة جماعات غير منظمة. ونتيجة لذلك، تمت عدة عمليات بأسلوب مرتبك في أوساط المجتمع المدني. وكان من الصعب على المجتمع المدني أن يُفرق بين عمليات الجماعات الإرهابية وعمليات قوات النظام. وعز ا المدنيون عدة مرات حالات الاختفاء القسري إلى قوات النظام. ومن ثمّ فإن حالات الاختفاء القسري ترجع إلى أسباب متعددة، لكن الدولة الطرف تشير إلى عدم مسؤولية الحكومة عنها. واستناداً إلى البيانات الموثقة من عدة مصادر مستقلة، وبخاصة الصحافة، ومنظمات حقوق الإنسان، يشير المفهوم العام للشخص المختفي في الجزائر في أثناء الفترة موضوع الدراسة إلى ست حالات مختلفة لا تتحمل الدولة المسؤولية في أي منها. وتشير الدولة الطرف إلى حالة الأشخاص التي يُعلن أقاربهم اختفاءهم، في حين أنهم تحولوا إلى العمل السري من تلقاء نفسهم للانضمام إلى الجماعات المسلحة وطلبوا من أسرهم أن تعلن أن الدوائر الأمنية قد ألقت القبض عليهم "للتضليل" وتجنّب "المضايقة" على يد الشرطة. أما الحالة الثانية فتتعلق بالأشخاص الذين يُبلغ عن اختفائهم بعد قيام ا لدوائر الأمنية بإلقاء القبض عليهم لكنهم ينتهزون الفرصة بعد إطلاق سراحهم لممارسة العمل السري. وقد يتعلق الأمر أيضاً بحالة الشخص المفقود الذي اختطفته جماعات مسلحة لا تُعرف هويتها أو انتحلت صفة أف راد الشرطة أو الجيش بارتداء زيهم أو استخدام و ثائق هويتهم، فاعتُبرت خطأً عناصر تابعة للقوات المسلحة أو للدوائر الأمنية. وتتعلق الحالة الرابعة بالأشخاص الذين تبحث عنهم أسرتهم بعد أن قرروا من تلقاء نفسهم هجر أقاربهم، وأحياناً مغادرة البلد أيضاً، بسبب مشاكل شخصية أو خلافات عائلية. وقد يتعلق الأمر في الحالة الخامسة بأشخاص تُبلَّغ أسرتهم عن اختفائهم ويكونون في واقع الأمر إرهابيين يجري البحث عنهم أو قُتلوا أو دُفنوا بالأدغال في أعقاب "حرب مذهبية" أو "حرب عقائدية" أو "صراع حول الغنيمة" بين جماعات مسلحة متنافسة. وأخيراً، تشير الدولة الطرف إلى احتمال سادس يكون فيه الأشخاص الذين يجري البحث عنهم باعتبارهم مفقودين موجودين في الأراضي الوطنية أو في الخارج م ستخدمين هويات مزورة أمكنه ـ م الحصول عليها بمساع ـ دة شبكة مذهلة لتزوير الوثائق.

4-3 وتؤكد الدولة الطرف أنه نظراً لتنوع وتعقيد الحالات التي يغطيها ال مفهوم العام ل لاختفاء، أوصى المشرِّع الجزائري، بعد استفتاء شعبي على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، بمعالجة مسألة المفقودين في إطار شامل بالتكفل بجميع الأشخاص المفقودين في سياق المأساة الوطنية، و ب مساندة جميع الضحايا حتى يتسنى لهم التغلب على هذه المحنة ومنح جميع ضحايا الاختفاء وأصحاب الحق ذوي الصلة الحق في الجبر. وتشير الإحصاءات التي أعدتها دوائر وزارة الداخلية إلى أنه تم إعلان 023 8 حالة اختفاء، وبحث 774 6 ملفاً، وقبول تعويض 704 5 ملفات، ورفض 934 ملفاً وأن عدد الملفات الجاري بحثها يصل إلى 136 ملفاً. وتم دفع تعويض بمبلغ 390 459 371 درهماً جزائرياً لجميع الضحايا المعنيين. وبالإضافة إلى ذلك، يجري دفع مبلغ 683 824 320 1 درهماً جزائرياً في شكل معاش شهري.

4-4 وتشير الدولة الطرف إلى عدم استنفاد سبل الانتصاف المحلية. وتشدد على أهمية التفرقة بين المساعي البسيطة المبذولة لدى السلطات السياسية أو الإدارية، والطعن غير القضائي أمام هيئات استشارية أو هيئات وساطة، والطعن القضائي أمام مختلف الهيئات القضائية المختصة. وتلاحظ الدولة الطرف أنه يتبين من إفادات أصحاب البلاغ ات ( ) أن أصحاب الشكاوى وجَّهوا رسائل إلى السلطات السياسية أو الإدارية، وأبلغوا هيئات استشارية أو هيئات وساطة وأ رسلوا عريضة إلى ممثلين للنيابة العامة (المدعون العامون أو وكلاء الجمهورية) دون اللجوء إلى الطعن القضائي بمعناه الدقيق والاستمرار فيه حتى النهاية باستخدام جميع سبل الانتصاف المتاحة في الاستئناف والنقض. ومن بين هذه السلطات جميعها، لا يحق سوى لممثلي النيابة العامة بموجب القانون فتح تحقيق أولي وعرض المسألة على قاضي التحقيق. وفي النظام القضائي الجزائري، يكون وكيل الجمهورية هو المختص ب تلق ي الشكاوى ويقوم، بحسب الاقتضاء، بتحريك الدعوى العامة. غير أنه لحماية حقوق الضحية أو أصحاب الحق ذوي الصلة، يُجيز قانون الإجراءات الجنائية لهؤلاء الأشخاص تقديم شكوى والادعاء بالحق المدني مباشرة أمام قاضي التحقيق. وفي هذه الحالة، تكون الضحية وليس المدعي العام هي من يحرك الدعوى العامة بعرض الحالة على قاضي التحقيق. وسبيل الانتصاف هذا المشار إليه في المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الجنائية لم يُستخدم في حين أنه كان يكفي أن يحرك الضحايا الدعوى العامة ويُلزموا قاضي التحقيق بالتحقيق، حتى لو كانت النيابة العامة قررت خلاف ذلك.

4-5 وتلاحظ الدولة الطرف أيضاً إشارة أصحاب البلاغ إلى أنه نتيجة لاعتماد الميثاق عن طريق الاستفتاء و اعتماد صكوك تطبيقه، وبخاصة المادة 45 من الأمر الرئاسي 6-1 لم يعد ممكناً اعتبار سبل الانتصاف المحلية الفعالة و ا لمفيدة و الميسرة لأسر ضحايا الاختفاء متاحة في الجزائر. وعلى هذا الأساس، اعتبر أصحاب البلاغ أنفسهم قد أُعفوا من التزام اللجوء إلى الهيئات القضائية المختصة بالحكم مسبقاً على موقفهم وتقديرهم في تطبيق هذا الأمر. لكن الدولة ترى أنه لا يجوز لأصحاب البلاغ التمسك بهذا الأمر ونصوص تطبيقه لتبرئة أنفسهم من مسؤولية عدم الاستفادة من إمكانية رفع الدعاوى القضائية. وتذكِّر الدولة الطرف بالآراء السابقة التي تبنتها اللجنة وذهبت فيها إلى أن "اعتقاد شخص من الأشخاص أو تبنيه لافتراض ذاتي فيما يتعلق بعدم جدوى سبيل انتصاف لا يُعفيه من استنفاد سبل الانتصاف المحلية جميعها" ( ) .

4-6 وتتناول الدولة الطرف بعد ذلك طبيعة ميثاق السلم والمصالحة الوطنية والأسس التي يستند إليها ومضمونه ونصوص تطبيقه. وتشير إلى أنه بموجب مبدأ عدم قابلية السلم للتصرف الذي أصبح حقاً دولياً في السلم، ينبغي للجنة أن تصاحب هذا السلم وتسانده وتساعد في المصالحة الوطنية حتى تتمكن الدول التي تعاني من أزمات داخلية من تعزيز قدراتها. وفي سياق جهد المصالحة الوطنية، اعتمدت الدولة هذا الميثاق الذي ينص الأمر التأسيسي الخاص به على تدابير قانونية تستوجب انقضاء الدعو ى العمومية واستبدال العقوبات أو تخفيضها بالنسبة لكل شخص مدان بأعمال إرهابية أو استفاد من الأحكام المتعلقة باستعادة الوئام المدني، فيما عدا الأشخاص الذين ارتكبوا أو شاركوا في ارتكاب أفعال المجازر الجماعية أو انتهاك الحرمات أو استعمال المتفجرات في الأماكن العمومية. وينص هذا الأمر أيضاً على إجراءات دعم سياسة التكفل بملف المفقودين برفع دعوى لاستصدار حكم قضائي بالوفا ة يمنح ذوي الحقوق من ضحايا المأساة الوطنية الحق في التعويض. وبالإضافة إلى ذلك، وضعت تدابير اجتماعية اقتصادية مثل المساعدات المقدمة لإعادة إدماج كل من تنطبق عليه صفة ضحية المأساة الوطنية في عالم الشغل أو التعويض. وأخيراً، ينص الأمر على تدابير سياسية مثل منع ممارسة النشاط السياسي على كل شخص مسؤول عن الاستعمال المغرض للدين الذي أفضى إلى المأساة الوطنية؛ كما ينص على التصريح بعدم قبول أي متابعة يشرع فيها، بصورة فردية أو جماعية، في حق أفراد قوى الدفاع والأمن للجمهورية، بجميع أسلاكها، بسبب أعمال نفذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات، ونجدة الأمة والحفاظ على مؤسسات الجمهورية.

4-7 وأشارت الدولة الطرف إلى أنه بالإضافة إلى إنشاء صناديق لتعويض جميع ضحايا المأساة الوطنية، وافق شعب الجزائر صاحب السيادة على الشروع في عملية ال مصالحة ال وطنية باعتبارها السبيل الوحيد لتضميد الجراح. وتشدد الدولة الطرف على أن إعلان هذا الميثاق يندرج في إطار الرغبة في تجنب حالات ال مواجهة ال قضائية، والاعترافات الإعلامية وتصفية الحسابات السياسية. ولذا تعتبر الدولة الطرف أن الوقائع التي يدعيها أصحاب البلاغ تغطيها الآلية الداخلية الشاملة للتسوية التي حثت عليها أحكام الميثاق.

4-8 وطلبت الدولة الطرف من اللجنة أن تلاحظ أوجه الشبه بين الوقائع والحالات التي وصفها أصحاب البلاغ ات والإطار الاجتماعي السياسي والأمني الذي حدثت فيه؛ وأن تقرر عدم قيام أصحاب البلاغ ات باستنفاد جميع وسائل الانتصاف المحلية؛ وأن تقرر أن سلطات الدولة الطرف فعّلت آلية داخلية لمعالجة الحالات المشار إليها في البلاغات المعروضة على اللجنة وتسويتها تسوية شاملة وفقاً لأحكام خاصة بالسلم والمصالحة الوطنية تتفق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والعهدين والاتفاقيات اللاحقة؛ وأن تخلص إلى اعتبار البلاغات غير مقبولة و أن تطالب أصحاب البلاغ ب ا لطعن بصورة أفضل.

الملاحظات الإضافية التي قدمتها الدولة الطرف بشأن مقبولية البلاغ

5-1 في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2009، أ رسلت الدولة الطرف إلى اللجنة مذكرة إضافية تطرح فيها سؤ ا لاً بشأن ما إذا كانت مجموعة البلاغات الفردية المعروضة على اللجنة لا تشكل بالأحرى إساءة استعمال للإجراءات يقصد به ا أن تنظر اللجنة في مسألة شاملة تاريخية تخرج أسبابها وظروفها عن اختصاص اللجنة. وتشير الدولة الطرف في هذا الصدد إلى أن هذه البلاغات "الفردية" تتناول السياق العام الذي حدثت فيه حالات الاختفاء هذه، و تركز فقط على تصرفات قوات النظام دون أن تشير قط إلى مختلف الجماعات المسلحة التي اتبعت تقنيات تمويه إجرامية لتلصق المسؤولية بالقوات المسلحة.

5-2 وتؤكد الدولة الطرف أنها لن تبدي رأيها بشأن المسائل الموضوعية المتعلقة بالبلاغات المذكورة قبل صدور قرار بشأن مسألة المقبولية ؛ وأن واجب أي هيئة قضائية أو شبه قضائية هو أولاً معالجة المسائل الأولية قبل مناقشة الموضوع. وترى الدولة الطرف أن قرار فرض إخضاع مسائل المقبولية والمسائل المتعلقة بالموضوع لدراسة مشتركة ومتزامنة في هذه الحالة، هو قرار لم يتم التوافق عليه كما أنه يضر بشكل خطير بمعالجة البلاغات المعروضة معالجة مناسبة، سواء من ناحية طبيعتها العامة أو من ناحية خصوصيتها الذاتية. وأشارت الدولة الطرف إلى النظام الداخلي للجنة المعنية ب حقوق الإنسان ( ) . و لاحظت أن المواد المتعلقة بنظر اللجنة في مقبولية البلاغ تختلف عن المواد المتعلقة بالنظر في الأسس الموضوعية و أنه يمكن بالتالي بحث المسألتين بشكل منفصل. وفيما يتعلق بمسألة استنفاد سبل الانتصاف المحلية بصورة خاصة، تؤكد الدولة الطرف أن أياً من البلاغات التي قدمها أصحابها لم يمر بالمس ار القضائي الداخلي الذي كان سيسمح بأن تنظر السلطات القضائية الداخلية فيها. وقد وصلت بضعة بلاغات فقط إلى مستوى غرفة الاتهام، وهي جهة تحقيق من ال درجة ال ثانية موجودة على مستوى المحاكم ( ) .

5-3 وتذكر الدولة الطرف بالآراء السابقة للجنة بشأن واجب استنفاد سبل الانتصاف المحلية، فتؤكد أن مجرد الشك في احتمالات النجاح أو الخوف من التأخير لا يعفي أصحاب البلاغ من استنفاد سبل الانتصاف هذه. وفيما يتعلق بالقول إن سن الميثاق يجعل أي طعن في هذا المجال مستحيلاً، ترد الدولة الطرف بأن عدم اتخاذ أصحاب البلاغ لأي إجراءات لمعرفة الحقيقة بشأن الادعاءات المذكورة لم يسمح حتى الآن للسلطات الجزائرية باتخاذ موقف بشأن نطاق وحدود سريان أحكام هذا الاتفاق. وبالإضافة إلى ذلك، لا يقضي الأمر سوى ب التصريح بعدم قبول الدعاوى المقامة ضد "أفراد قوى الدفاع والأمن للجمهورية" بسبب أعمال تقتضيها مهامهم الجمهورية الأساسية، أي حماية الأشخاص والممتلكات، ونجدة الأمة، والحفاظ على المؤسسات. غير أن أي ادعاء يتعلق بأعمال يمكن أن تنسب إلى قوات الدفاع والأمن ويثبت أنها وقعت خارج هذا الإطار هو ادعاء قابل لأن تحقق فيه الهيئات القضائية المختصة.

5-4 وأخيراً، تؤكد الدولة الطرف من جديد موقفها فيما يتعلق بملا ءم ة آلية التسوية التي أنشأها ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وتشير في هذا الصدد إلى أنه من المثير للدهشة أن بعض أصحاب البلاغات المذكورة قد قبلوا الاستفادة من عملية التصريح بوفاة أقاربهم التي سمحت لهم بالحصول على تعويض وأدانوا هذا النظام في الوقت نفسه.

تعليقات صاحبة البلاغ

6-1 في 29 نيسان/أبريل 2010، أعربت صاحبة البلاغ، عن طريق المحامية، عن رفضها للحجج التي استندت إليها الدولة الطرف فيما يتعلق بالمقبولية . وقبل التطرق إلى المسائل المتعلقة باستنفاد سبل الانتصاف المحلية، ونطاق تطبيق المادة 45 من الأمر، ونطاق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، أشارت صاحبة البلاغ إلى أن الدولة الطرف، بإبدائها ملاحظات عامة ومشتركة بشأن مقبولية 12 بلاغاً من البلاغات المتعلقة بالجزائر التي تنظر فيها اللجنة حالياً، لا تستجيب لشروط اللجنة التي تقضي بأن تقدم الدولة الطرف إجابات محددة وأدلة وجيهة فيما يتعلق بادعاءات صاحبة البلاغ ( ) .

6-2 وأوضحت صاحبة البلاغ أن جميع الاستدعاءات التي تلق ا ها عبد القادر بن عزيزة، ابن الضحية، كانت استدعاءات خطية. غير أن السيد بن عزيزة لم يتمكن من حفظها، لأن الدوائر المعنية قد اح ت فظت بها عند حضوره في المواعيد المحددة. ولم يخطر في بال السيد بن عزيزة الاحتفاظ ب صورة من هذه الوثائق التي لم تحدد سبب استدعائه ولم يرد فيها سوى تاريخ وساعة المقابلة بالإضافة إلى إشارة تفيد أن الاستدعاء يتعلق بقضية ضاوية بن عزيزة . ومع ذلك، يتضمن الملف المعروض على اللجنة النسخ التي في حوزة صاحبة البلاغ.

6-3 وفيما يتعلق باستثناء عدم المقبولية الذي تحتج به الدولة الطرف والذي كان بموجبه على أسرة الضحية أن تلجأ إلى الإجراء المشار إليه في المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الجنائية، ترى صاحبة البلاغ أن ابن الضحية لم يكن في حاجة إلى استخدام هذا الإجراء بما أن العرائض المتعددة المقدمة والشكوى المودعة ضد مجهول لدى الوكيل العام للجمهورية لمحكمة قسنطينة قد أسفرت من ناحية عن تحقيق قامت به الشرطة القضائية ومن ناحية أخرى عن قرار برد الدعوى صادر عن قاضي التحقيق بالدائرة الأولى لمحكمة قسنطين ة . فا لعرائض الت ي وجهها السيد بن عزيزة إلى المدعي العام للمحكمة العسكرية لقسنطينة ، وإلى رئاسة الجمهورية ومختلف الوزارات في حزيران/يونيه وتموز/يوليه 1996 قد أسفرت فيما يبدو عن فتح تحقيق قامت به دوائر الشرطة القضائية بناءً على تعليمات من المدعي العام لمحكمة قسنطينة الذي تلقى هو نفسه أمراً في هذا الشأن من وزارة العدل. وفي 16 آب/أغسطس 1997، استُدعي السيد عبد القادر بن عزيزة إلى مركز شرطة المنطقة الثالثة عشرة للأمن الحضري بولاية قسنطينة . وحينئذ قُدمت إلى السيد بن عزيزة وثيقة تشير إلى أن عمليات البحث التي تمت لم تُسفر عن شيء وأنه لم يتسن تحديد هوية المسؤولين عن اختفاء السيدة بن عزيزة.

6-4 وفي أيلول/سبتمبر 1996، بالتزامن مع الخطوات التي سبقت الإشارة إليها، قدم السيد بن عزيزة مباشرة إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة قسنطينة شكوى ضد مجهول بخصوص "ا لا ختطاف". وبناءً على هذه الشكوى، فُتح تحقيق قضائي أولي فيما يبدو بناءً على طلب المدعي العام، على نحو ما يؤكده قرار رد الدعوى المؤرخ 4 نيسان/أبريل 2010 والصادر عن دائرة التحقيق الأولى لمحكمة قسنطينة ، و ه و القرار الذي تسلمه السيد بن عزيزة يوم الاثنين 26 نيسان/أبريل 2010 بعد تلقيه إخطاراً بهذا الحكم في 21 نيسان/أبريل 2010. ويشير قرار رد الدعوى المؤرخ 4 نيسان/أبريل 2010 إلى أنه بناءً على طلب فتح تحقيق بشأن اختفاء السيدة بن عزيزة في 17 شباط/فبراير 1999، انتقل أفراد من الدرك إلى محكمة قسنطينة في 11 نيسان/أبريل 1999. وعُرضت نتائج التحقيق الذي قام به أفراد الدرك على وكيل الجمهورية لمحكمة قسنطينة الذي يُذكر أنه شرع في فتح تحقيق تكميلي. وبعد انتهاء التحقيق القضائي، رأى قاضي التحقيق بالدائرة الأولى لمحكمة قسنطينة أنه يتبين من التحقيق ومن دراس ـ ة الملف أن المسؤولين عن الاختف ـ اء ما زالوا مجهولي الهوي ـ ة وأنه لا جدوى في هذه الظروف من متابعة التحقيق، ما أسفر عن صدور قرار برد الدعوى. وهكذا يتبين من العناصر المذكورة آنفاً ومن مضمون قرار رد الدعوى أن قاضي التحقيق قام بفتح تحقيق قضائي بناءً على طلب وكيل الجمهورية بشأن حالة اختفاء السيدة بن عزيزة. وفي هذا السياق، لم يكن من المفيد مطلقاً لأسرة بن عزيزة اللجوء إلى إجراء المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الجنائية الذي كان سيضمن لها التحقيق في الملف بالطريقة نفسها.

6 -5 وترى صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف لم تحترم التزامها بموجب الفقرة 3 من المادة 2 من العهد، بإتاحة سبيل انتصاف مفيد وفعال لأسرة بن عزيزة يتمثل في إجراء تحقيق شامل وسريع ( ) . ورأت أنه لم يتم في هذه الحالة احترام المُهل المعقولة للتحقيق ولم يُجر من ناحية أخرى تحقيق نزيه وشامل وسريع. فقد مرت في الواقع عشر سنوات بين طلب فتح التحقيق في 17 شباط/فبراير 1999 وقرار رد الدعوى المؤرخ 4 نيسان/أبريل 2010. كما أن السيد بن عزيزة تلقى إخطاراً بالحكم بالبريد المسجل في 21 نيسان/أبريل 2010 أي بعد مرور 17 يوماً على صدور هذا الحكم. ونظراً لعدم تلقي السيد بن عزيزة إخطاراً بالحكم وبصدور أمر قضائي برد الدعوى، فلم يكن باستطاعته القيام بأي خطوة إضافية، لأن قانون الإجراءات الجنائية لا يسمح للمدعين بالطعن إلا ضد القرارات القضائية الصادرة عن قاضي التحقيق (المواد 168 و172 و173 من قانون الإجراءات الجنائية). كما أنه بخلاف سماع أقوال أصحاب الشكوى، لم يُبلغ أي عنصر عن عناصر التحقيق إلى الأسرة. ولم يتلق أبناء بن عزيزة أي معلومات تخص ما قد يكون تم من سماع الأشخاص المشتبَه في مسؤوليتهم أو أي شهود آخرين ولا أي نتيجة من نتائج التحقيق. وأخيراً، طُلب من السيد بن عزيزة، في أثناء سماع أقواله، إثبات مسؤولية دوائر ا لأمن في اختفاء والدته، ما يُلقي ظلال الشك الشديد حول فعالية التحقيق ونزاهته.

6-6 وفيما يتعلق بإتاحة سبل الانتصاف من رجال الدولة لضحايا حالات الاختفاء، شددت صاحبة البلاغ على أن هذه السُبل، خلافاً لتأكيدات الدولة الطرف، أصبحت غير متاحة منذ اعتماد المادة 45 من الأمر 6-1. فهذه المادة تنص بوضوح في سطرها الأخير على أنه يجب التصريح بعدم قبول كل بلاغ أو شكوى تُقدم في حق موظفي الدولة بسبب أعمال نُفِّذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات، ونجدة الأمة والحفاظ على مؤسسات الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. وأكدت صاحبة البلاغ أن الحالات الثلاث التي يرد وصفها في المادة 45 من الأمر 6-1 قد صيغت صياغة عامة إلى حد يجعلها تغطي جميع الحالات التي يمكن أن تصدر فيها عن موظفي الدولة تجاوزات خطيرة تجاه الأشخاص، مثل حالات الاختفاء والإعدام خارج نطاق القضاء أو حتى التعذيب. وهكذا، طُلب من عدد من أسر المفقودين التي قدمت على مستوى القضاء شكاوى ضد مجهول و/أو طلبت فتح تحقيق بشأن مصير الشخص الم فقود أن تتوجه إلى لجنة الولاية المكلفة بتطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية للشروع في الإجراءات المتعلقة بالحصول على تعويضات. وأكدت صاحبة البلاغ أن نصوص ميثاق السلم والمصالحة الوطنية وإجراءات التعويض تشكل منذ عام 2006 الرد الوحيد للسلطات على جميع طلبات معرفة الحقيقة التي توجهها الأسر إلى الهيئات القضائية والإدارية. ولذا ففي 21 نيسان/أبريل 2010، وهو يوم تسليم عبد القادر بن عزيزة الإخطار المتعلق بقرار رد الدعوى، ذهب ممثلون عن الدرك الوطني إلى المنزل الذي كانت تسكن فيه السيدة ضاوية بن عزيزة واسمها الأصلي غات ، في 17 شارع بالعايب محمد في قسنطينة . وفي أثناء هذه الزيارة، طلب رجال الدرك من أسرة بن عزيزة التوجه إلى مقر الدرك الوطني في سيدي مبروك بقسنطينة ، وهو ما فعله السيد عبد القادر بن عزيزة في اليوم التالي. وأُبلغ عندئذ أن موضوع هذا الاستدعاء يتعلق بإقناع أسرة بن عزيزة ببدء إجراءات طلب التعويض فيما يتعلق بالسيدة ضاوية بن عزيزة. وفي أثناء هذه المقابلة، أكد السيد عبد القادر بن عزيزة من جديد رغبته في أن تُجري السلطات تحقيقاً فعلياً لكشف مصير والدته كما أكد رفضه لبدء إجراءات الحصول على التعويضات. وطلب السيد عبد القادر بن عزيزة إعطاءه نسخة من المحضر الذي حُرر في نهاية هذه الجلسة لكن طلبه رُفض.

6-7 وتشير صاحبة البلاغ في الختام إلى أن أحكام نصوص تطبيق الميثاق تفرض على عائلات المفقودين أن تستصدر حكماً يثبت الوفاة كي تكون مؤهلة للحصول على تعويض. وعلاوة على ذلك، لم تجر دوائر الشرطة ولا السلطات القضائية أي تحقيق فعلي في إطار هذا الإجراء لتحديد مصير المفقودة. وفي ظل هذه الظروف، تعتبر صاحبة البلاغ أحكام نصوص تطبيق الميثاق انتهاكًا إضافياً لحقوق عائلات المفقودين وترى أنها لا تعبر البتة عن تكفل كاف لملف المفقودين، إذ إن ذلك يقتضي احترام الحق في معرفة الحقيقة والعدالة والجبر التام إضافة إلى الحفاظ على الذاكرة.

الملاحظات الإضافية المقدمة من الدولة الطرف

7- في 12 نيسان/أبريل 2010، أرسلت الدولة الطرف ملاحظات إضافية تؤكد ما سبق أن أبدته من ملاحظات على مقبولية البلاغ مسألةً مسألة.

المسائل المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

8-1 قبل النظر في أي شكوى ترد في بلاغ ما، يتعين على لجنة حقوق الإنسان، وفقاً للمادة 93 من نظامها الداخلي، أن تبت في مقبولية البلاغ بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد.

8-2 و يتعين على اللجنة أن تتأكد، بموجب الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة ذاتها لا تدرسها هيئة أخرى من هيئات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية. وتلاحظ اللجنة أن فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري قد أخطر باختفاء جدة صاحبة البلاغ في عام 1997. إلاّ أنها تذكّر بأن الإجراءات أو الآليات الخارجة عن نطاق المعاهدات، التي وضعتها لجنة حقوق الإنسان أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة اللذان تتضمن ولايتهما دراسة حالة حقوق الإنسان في بلد أو إقليم ما وتقديم تقارير بهذا الشأن وبشأن الانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان في العالم، لا تندرج ضمن إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية بالمفهوم الوارد في الفقرة 2(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري ( ) . وعلى هذا، فإن اللجنة ترى أن نظر ا لفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في قضية ضاوية بن عزيزة لا يجعل البلاغ غير مقبول بمقتضى هذه المادة ( ) .

8 -3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف ترى أن صاحبة البلاغ لم تستنفد سبل الانتصاف المحلية لأنها وأسرتها لم ينظرا في إمكان عرض القضية على قاضي تحقيق عن طريق الادعاء بالحق المدني . وتحيط اللجنة علماً بالحجة التي قدمتها صاحبة البلاغ ومؤداها أن الشكوى المقدمة ضد مجهول في عام 1996 إلى وكيل الجمهورية أفضت إلى قرار برد الدعوى اتخذه قاضي التحقيق في الدائرة الأولى بمحكمة قسنطينة في 4 نيسان/أبريل 2010؛ وأن قاضي التحقيق أجرى تحقيقاً قضائياً بنـاء على طلب وكيل الجمهورية بشأن قضية اختفاء السيدة بن عزيزة؛ وأن عائلة بن عزيزة لم تكن بحاجة في هذا السياق إلى الأخذ بالإجراء المنصوص عليه في المادتين 72 و73 من قانون الإجراءات الجنائية الذي كان سيسمح بدراسة الملف بنفس الطريقة. وتذكر اللجنة بآرائها السابقة التي ذهبت فيها إلى أن على صاحبة البلاغ استخدام جميع سبل الطعن القضائي كي يستوفي شرط استنفاد جميع سبل الانتصاف المحلية المتاحة، إذا كانت تلك الطعون تبدو مفيدة في القضية موضع النظر وكانت متاحة فعلياً لصاحب البلاغ ( ) . وتذكر اللجنة إضافة إلى ذلك بأن الدولة الطرف ليست ملزمة بإجراء تحقيقات معمقة في الانتهاكات المفترضة لحقوق الإنسان فحسب، سيما عندما يتعلق الأمر بالاختفاء القسري والمساس بالحق في الحياة، بل ملزمة أيضا بالملاحقة الجنائية لكل من يشتبه في أنه مسؤول عن تلك الانتهاكات ومحاكمته ومعاقبته. إن الادعاء بالحق المدني بشأن جرائم خطيرة مثل تلك التي يدعى ارتكابها في القضية محل النظر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحل محل الإجراءات القضائية التي ينبغي أن يتخذها وكيل الجمهورية نفسه. فالشكاوى القضائية وغير القضائية البالغ عددها 17 شكوى التي قدمتها عائلة الضحية على مدى سنتين لم تفض إلى أي محاكمة أو تحقيق معمق وانتهت الشكوى ضد مجهول بعد 10 سنوات إلى رد الدعوى، ما يجعل اللجنة تقرر أن تطبيق سبل الانتصاف المحلية المتاحة قد طالت مدته بدون مسوغ شرعي. وترى اللجنة من ثم أن صاحبة البلاغ وعائلتها قد استنفدا جميع سبل الانتصاف المحلية طبقاً للفقرة 2(ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

8-4 وترى اللجنة أن صاحبة البلاغ أيدت ادعاءاتها بأدلة كافية لأن هذه الادعاءات تثير مسائل تتعلق بالمواد 7 و9 و16 والفقرة 3 من المادة 2 من العهد ، وتعمد اللجنة من ثم إلى النظر في الأسس الموضوعية للبلاغ.

النظر في الأسس الموضوعية

9-1 نظرت اللجنة في هذا البلاغ آخذة في الحسبان جميع المعلومات المكتوبة التي قدمها الطرفان، وفقاً للفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

9-2 ويجدر بالملاحظة أن الدولة الطرف اكتفت بالتأكيد على أن البلاغات التي تدعى مسؤولية الموظفين العموميين أو الذين ي خضعون في عملهم للسلطات العامة عن الاختفاء القسري في الفترة موضع النظر، أي من عام 1993 إلى عام 1998 ، يجب معالجتها في إطار شامل وإعادة وضع الأحداث المدعى وقوعها في السياق الداخلي الاجتماعي السياسي والأمني لفترة كان على الحكومة فيها مواجهة الإرهاب بصعوبة ؛ وأنه لا يمكن بالتالي أن تنظر فيها للجنة في إطار آلية الشكاوى الفردية. و تود اللجنة أن تذكر الجزائر بملاحظاتها الختامية التي أبدتها في دورتها 91 ( ) بآرائها السابقة ( ) التي ذهبت فيها إلى أنه لا يجوز للدولة الطرف أن تحتج بأحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ضد أشخاص يحتجون بأحكام العهد أو قدموا بلاغات إلى اللجنة أو يعتزمون تقديمها. ويبدو للجنة، وفق ما أكدته في ملاحظاتها الختامية الموجهة إلى الجزائر ( ) ، أن الأمر رقم 6-1 دون التعديلات التي أوصت بها اللجنة يعزز الإفلات من العقاب، ومن ثم لا يمكن، في هذه الحالة، أن يتوافق مع أحكام العهد. وترفض اللجنة علاوة على ذلك حجة الدولة الطرف التي تقول إن عدم اتخاذ صاحبة البلاغ أي إجراءات من أجل إلقاء الضوء على الادعاءات المشار إليها لم يسمح للسلطات الجزائرية حتى الآن بأن تتخذ موقفاً من نطاق وحدود انطباق أحكام ذلك الميثاق.

9-3 وتذكر اللجنة بتعريف الاختفاء القسري الوارد في المادة 2 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري المؤرخة 20 كانون الأول/ديسمبر 2006: "... يقصد ﺑ ‘ لاختفاء القسري ‘ الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، و يعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو  إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون " ( ) . وكل فعل من أفعال الاختفاء من هذا النوع هو انتهاك لحقوق عدة ينص عليها العهد، مثل حق كل إنسان في أن يُعترف له بالشخصية القانونية (المادة 16)، وحق كل فرد في الحرية وفي الأمان على شخصه (المادة 9)، والحق في عدم إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملـة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (المادة 7)، وحق كل من سلبت حريته في أن يعامل معاملة إنسانية تحترم الكرامة المتأصلة في الإنسان (المادة 10). ويمكن أن يكون أيضاً انتهاكاً للحق في الحياة (المادة 6) أو تهديداً خطيراً لهذا الحق ( ) .

9-4 وتذكِّر اللجنة بآرائها الثابتة ومؤداها أن عبء الإثبات لا يقع على عاتق صاحب البلاغ وحده، خاصة أنه لا يتساوى دائماً على مع الدولة الطرف في إمكانية الحصول على الأدلة الإثبات وأن المعلومات اللازمة تكون في أغلب الأحيان في حيازة الدولة الطرف فقط ( ) . وتشير الفقرة 2 من المادة 4 من البروتوكول الاختياري ضمنياً إلى أنه يجب على الدولة الطرف أن تحقق بحسن نية في جميع الادعاءات الواردة بشأن انتهاكها وانتهاك ممثليها لأحكام العهد وأن تحيل المعلومات التي تكون في حيازتها إلى اللجنة. وفي الحالات التي يكون فيها صاحب البلاغ قد أبلغ إلى الدولة الطرف ادعاءات مدعومة بأدلة مثل العرائض اﻟ 17 التي قُدمت إلى السلطات الإدارية والقضائية والتي يتوقف فيها أي توضيح إضافي، مثل ردود هذه السلطات نفسها، على المعلومات التي تكون في حيازة الدولة الطرف وحدها، يجوز للجنة اعتبار تلك الادعاءات مبنية على أساس إذا لم تفندها الدولة الطرف بتقديمها أدلة وتوضيحات شافية ( ) .

9-5 وتلاحظ اللجنة في القضية موضع النظر أنه يدعى أن عناصر من الأمن العسكري، كان معظمهم ملثمين ومسلحين، وبعضهم يرتدي زياً رسمياً وآخرون زياً مدنياً، ألقوا القبض على جدة صاحبة البلاغ، البالغ عمرها 68 سنة وقت الواقعة في 2 حزيران/يونيه 1996. وأفيد بأن صاحبة البلاغ وأباها وأعمامها، إضافة إلى الجيران، شهدوا ما جرى. وقيل إنه رغم إنكار دوائر الأمن في مركز الشرطة، رسمياً في اليوم التالي، إلقاءها القبض على جدة صاحبة البلاغ، فإن أفراد الجيش الذي كانوا حاضرين في مكتب المدعي العام لمحكمة المنطقة العسكرية الخامسة بقسنطينة اعترفوا بأنهم يحتجزونها، وأضافوا أنه سيفرج عنها بسرعة. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أي توضيح بخصوص هذه الادعاءات، الأمر الذي تعذر معه إلقاء الضوء على أحداث 2 حزيران/يونيه 1996 وتلك التي تلتها. وتعترف اللجنة بمدى معاناة المرء عندما يحتجز لأجل غير معلوم ويحرم من أي اتصال بالعالم الخارجي. وتذكر اللجنة في هذا السياق بتعليقها العام رقم 20(44) بشأن المادة 7 من العهد حيث توصي الدول الأطراف باتخاذ ترتيبات لمنع عزل السجين عن العالم الخارجي. ولما كانت الدولة الطرف لم تقدم أي توضيح مُرض بشأن اختفاء جدة صاحبة البلاغ، فإن اللجنة ترى أن اختفاء السيدة ضاوية بن عزيزة ينتهك المادة 7 من العهد.

9-6 وتحيط اللجنة علماً أيضاً بالجزع والكرب اللذين أصابا جميع الأقارب المباشرين لجدة صاحبة البلاغ، بمن فيهم أبناء الضحية، بسبب اختفائها منذ 2 حزيران/يونيه 1996. لذا، ترى أن الوقائع المعروضة عليها بشأنهم تكشف عن وجود انتهاك للمادة 7 من العهد ( ) .

9-7 وفيما يتعلق بادعاء انتهاك المادة 9، تشير المعلومات المعروضة على اللجنة إلى أن عناصر من الأمن العسكري ألقوا القبض على جدة صاحبة البلاغ وأن النيابة العامة العسكرية لمحكمة المنطقة العسكرية الخامسة بقسنطينة أكدت احتجاز جدة صاحبة البلاغ في ثكنة تقع وسط قسنطينة . وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تبد رأيها في هذا الادعاء لكنها اكتفت بالتأكيد على أن المفهوم العام للشخص المختفي في الجزائر في الفترة موضع النظر يشير إلى ست حالات مختلفة لا تتحمل الدولة المسؤولية في أي منها. ولم تقدم الدولة الطرف أي توضيح، سوى الاحتمالات المذكورة أعلاه، كي تعفي نفسها من المسؤولية عن اختفاء جدة صاحبة البلاغ أو مسؤولية البحث عن المسؤولين عن ذلك الاختفاء. ونظراً إلى أن الدولة الطرف لم تقدم إيضاحات مقنعة بشأن ادعاءات صاحبة البلاغ التي تؤكد أن إلقاء القبض على جدتها ثم احتجازها وعزلها عن العالم الخارجي كانا تعسفيين أو غير قانونيين، تخلص اللجنة إلى أنه وقع انتهاك للمادة 9 في حالة السيدة ضاوية بن عزيزة ( ) .

9-8 وفيما يخص ادعاء انتهاك المادة 16، تكرر اللجنة آراءها الثابتة ومؤداها أن حرمان شخص ما عمداً من حماية القانون لفترة طويلة يمكن أن يُعتبر رفضا للاعتراف بشخصيته القانونية، ولا سيما إذا كان في عهدة سلطات الدولة عند ظهوره للمرة الأخيرة، وإذا كانت هناك إعاقة منتظمة لجهود أقاربه الرامية إلى الوصول إلى سبل انتصاف فعالة، بما في ذلك المحاكم (الفقرة 3 من المادة 2 من العهد) ( ) . وفي الحالة محل النظر، تشير صاحبة البلاغ إلى أن عناصر من أمن الدولة، بعضهم كان يرتدي زياً رسمياً، قبضوا على جدتها يوم 2 حزيران/يونيه 1996. ولم ترد أي معلومات عن مصيرها حتى الساعة، ولم تتكلل بالنجاح أي من العرائض اﻟ 17 التي قدمت إلى السلطات. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم توضيحات مقنعة عن ادعاءات صاحبة البلاغ التي تؤكد أنها لم تتلق أي أخبار عن جدتها. وترى اللجنة أنه إذا ألقت السلطات القبض على شخص من الأشخاص ولم ترد أي معلومات عن مصيره ولم يُجر أي تحقيق، فإن تقصير السلطات هذا يعني حرمان المختفي من حماية القانون. وتخلص اللجنة من ذلك إلى أن الوقائع المعروضة عليها في هذا البلاغ تكشف عن انتهاك للمادة 16 من العهد فيما يتعلق السيدة ضاوية بن عزيزة.

9-9 واحتجت صاحبة البلاغ بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد التي تقضي بأن تكفل الدول الأطراف لجميع الأفراد سبل انتصاف ميسرة وفعالة ومشمولة بالنفاذ للدفاع عن هذه الحقوق. وترى اللجنة من المهم أن تنشئ الدول الأطراف آليات قضائية وإدارية مناسبة للنظر في الشكاوى التي تشير إلى انتهاكات للحقوق. وتذكر بتعليقها العام 31(80) التي تشير بالخصوص إلى أن تقاعس دولة طرف عن التحقيق في ادعاءات بحدوث انتهاك قد يفضي، في حد ذاته، إلى انتهاك قائم بذاته للعهد . وتشير المعلومات التي بحوزة اللجنة في الحالة موضع النظر إلى أنه لم يُتَح لصاحبة البلاغ سبل انتصاف فعالة. وتخلص إلى أن الوقائع المعروضة عليها تثبت وجود انتهاك للفقرة 3 من المادة 2 من العهد، مقترنة بالفقرة 1 من المادة 6 وبالمواد 7 و9 و16 في حالة جدة صاحبة البلاغ، إضافة إلى انتهاك للفقرة 3 من المادة 2 من العهد، مقترنة بالمادة 7 في حالة صاحبة البلاغ وعائلتها.

10- وترى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، وهي تتصرف بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أن الوقائع المعروضة عليها تكشف انتهاكاً للمواد 7 و9 و16 و للفقرة 3 من المادة 2 مقترنة بالمادة 6، الفقرة 1، والمادة 7 والمادة 9 والمادة 16 من العهد في حالة جدة صاحبة البلاغ؛ والمادة 7 وا لفقرة 3 من المادة 2، مقترنتين بالمادة 7 في حالة صاحبة البلاغ وأبيها وأعمامها.

11- ويتعين على الدولة الطرف، بموجب الفقرة 3(أ) من المادة 2 من العهد، أن تضمن لصاحبة البلاغ سبل انتصاف فعالة تتمثل بالخصوص في إجراء تحقيق معمق وسريع في اختفاء جدتها وإبلاغها، وفق الأصول، بنتائج تحقيقاتها وتعويض صاحبة البلاغ تعويضاً كافياً، هي وأبوها وأعمامها، عما أصابهم من انتهاكات. وترى اللجنة أن واجب الدولة الطرف لا يقتصر على إجراء تحقيقات متعمقة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان المدعى وقوعها، لا سيما حين يتعلق الأمر بحالات الاختفاء القسري وأعمال التعذيب، بل يشمل أيضاً ملاحقة كل شخص يفترض أنه مسؤول عن هذه الانتهاكات جنائياً ومحاكمته ومعاقبته ( ) . والدولة ملزمة أيضاً بالسهر على منع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل.

12- وإذ تضع اللجنة في اعتبارها أن الدولة الطرف، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، قد أقرت باختصاص اللجنة في تحديد ما إذا كان هناك انتهاك للعهد، وأنها تعهدت بموجب المادة 2 من العهد، بأن تكفل لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والمشمولين بولايتها الحقوق المعترف بها في العهد وبأن تضمن لهم سبيل تظلم فعالاً ومشمولاً بالنفاذ في حالة ثبوت وقوع انتهاك، فإنها تود أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون 180 يوماً، معلومات عما اتخذته من تدابير لوضع آراء اللجنة موضع التنفيذ. كما تطلب اللجنة إلى الدولة الطرف أن تنشر آراء اللجنة.

[ اعتُمد بالإسبانية والإنكليزية والفرنسية، علماً بأن النص الفرنسي هو النص الأصلي، وسيصدر لاحقاً ب الروسية والصينية والعربية كجزء من تقرير اللجنة السنوي إلى الجمعية العامة. ]

تذييل

رأي فردي مخالف جزئيا قدمه السيد فابيان سالفيولي

1- أيدتُ عموماً قرار اللجنة في قضية بن عزيزة ضد الجزائر (البلاغ رقم 1588/2007)، لكن يؤسفني عدم الموافقة على بعض الاعتبارات التي أخذَت بها والاستنتاجات التي خلصَت إليها بشأن جوانب عدة من جوانب المقبولية ومعالجة وتقييم الانتهاكات المحتملة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وسأعرض في الفقرات التالية الاستدلالات التي أدت بي إلى إبداء رأي فردي مخالف جزئياً.

أولاً - صفة "الضحية" لعائلة السيدة ضاوية بن عزيزة وفقاً للبروتوكول الاختياري وصفتها التمثيلية

2- لاحظت اللجنة، بحق في نظري، وجود انتهاكات للحقوق المنصـوص عليها في المادة 7 وفي الفقرة 3 من المادة 2، مقترنتين بالمادة 7، ليس فقط بخصوص صاحبة البلاغ، وهي حفيدة السيدة ضاوية بن عزيزة، بل أيضاً بخصوص أبيها وأعمامها، وهم أبناء السيدة بن عزيزة التي تعرضت للاختفاء القسري. ووفقاً لآراء اللجنة التي تؤكد عليها باستمرار، يؤدي الاختفاء القسري لشخص من الأشخاص إلى انتهاكات للحقوق التي يتمتع بها أقاربه ( ) . ومن المسلم به أن مفهوم العائلة، من زاوية تطبيق صك قانوني يتعلق بحقوق الإنسان، لا يكيَّف بالضرورة بحسب النظام القانوني الداخلي للدول وإلا وجدنا أنفسنا أمام مجموعة من القواعد المختلفة باختلاف التشريعات الوطنية؛ إنه مفهوم يحيل إلى "الروابط العاطفية" الفعلية والملموسة التي كانت تربط الشخص الذي تعرض للاختفاء القسري بأشخاص آخرين كان يسكن معهم أو كانت له معهم علاقات محبة عائلية متينة.

3- ووفقاً للبروتوكول الاختياري وتفسير اللجنة إياه، يجب، لتقديم بلاغ فردي، أن يكون الشخص ضحية لانتهاك أو يمثل ضحيةً لذلك الانتهاك. ويجب تحليل الحكم الوارد في المادة 2 من البروتوكول في ضوء موضوع وغاية هذه المادة والعهد نفسه، مع التساؤل أيضاً عن "إعمال " هذه القاعدة. ومن المؤكد أن النظام المطبق على البلاغات الفردية المقدمة إلى اللجنة يستبعد احتمال "الدعوى الجماعية"؛ ومن الواضح أيضاً أن المقصود إبعاد البلاغات المقدمة باسم أشخاص لا يرغبون في أن ترفع قضيتهم إلى الاختصاص الدولي ولا يعطون إذنهم لهذا السبب.

4- وعلى هذا، يجب عدم افتراض أن الأمر كذلك عندما يكون مقدم البلاغ من الأقارب المباشرين وعندما يكون، كما في القضية موضع النظر، هو الابنة التي فعلت ذلك باسم أبيها وأعمامها بسبب الاختفاء القسري لأمهم. وحسب الوقائع التي عرضتها صاحبة البلاغ، والتي أشارت إليها اللجنة في آرائها، شرعت "عائلة بن عزيزة" في إجراءات عدة وقد كانت تلتمس، يائسةً، أخباراً عن السيدة ضاوية بن عزيزة إلى درجة جعلت أبناءها يمثلون أمام المدعي العام للمحكمة العسكرية التابعة للمنطقة العسكرية الخامسة بقسنطينة ، وجعلت أحدهم يعرض أن يحل محل أمه في السجن. لا أرى إذن سبباً لأن تحرمهم اللجنة من صفة الضحية لمجرد عدم وجود توكيل أو غيره من المستندات الخطية التي تسمح لهم بالشروع في إجراءات أمام الاختصاص الدولي.

5- ولحسن الحظ، لم تقف اللجنة من هذه المسألة موقفاً، من قبيل إعلان عدم إتمام إجراءات شكلية لا علاقة لها على الإطلاق بظروف القضية، كان سيناقض موضوع وهدف العهد والبروتوكول ويفرغهما من مضمونهما. وما دام هناك تقيد بمبدأ المواجهة، بمعنى إتاحة إمكانية كبيرة للرد لكل طرف للرد على حجج الخصم ولا يوجد ما يحول دون الدفاع بفعالية عن الدولة المدعى عليها، فإن اللجنة لا يمكنها، ولا يجوز لها، أن تضحي بإقامة العدل ولا بتحقيق أهداف العهد. وفي الحالة موضوع الدراسة، لم تشكك الدولة الطرف قط في حق صاحبة البلاغ المشروع في تمثيل أبيها وأعمامها باعتبارهم ضحايا. وفي ظل هذه الظروف يكفي اللجنة أن تتحقق من أن هؤلاء هم فعلاً ضحايا أي أن حقاً أو أكثر من حقوقهم المنصوص عليها في العهد قد انتهكت.

6- والأمر كان سيختلف لو كان مقدم البلاغ غريباً عن العائلة أو - في النزاع الحالي - لو لم يكن هناك سبب كاف في البلاغ لاستنتاج أن العائلة قد عانت - حقًّا وصدقًا – الجزع والألم إزاء مصير السيدة ضاوية بن عزيزة. وللهيئة الدولية حرية تقييم جميع الأدلـة ولا يمكن أن تتشابه طريقة عملها مع طريقة عمل الهيئات القضائية الوطنية التي كثيراً ما تناقض فيها العدالة الرسمية العدالة المادية في نهاية الأمر.

ثانياً - اختصاص اللجنة في استنتاج وجود انتهاكات لمواد لم تُذْكر في البلاغات

7- منذ انضمامي إلى ( ) اللجنة، ما فتئت أؤكد أن على اللجنة، في حال عدم إشارة صاحب البلاغ تحديداً إلى انتهاك لمادة أو عدة مواد في العهد، ألا تحد بنفسها اختصاصها وتحجم عن الإشارة إلى انتهاكات أخرى إن كانت الوقائع تثبتها. ووفقاً للنظام الداخلي ( ) ، تستطيع الدولة المدعى عليها في بلاغ عرض حججها ضد الشكوى المرسلة إليها، من حيث المقبولية والموضوع على السواء؛ ومن ثم فإن مبدأ المواجهة يحظى بالاحترام التام في الإجراءات المتاحة للبلاغات التي يقدمها أفراد بمقتضى البروتوكول الاختياري الأول، ولذا لم يُحرم أي من طرفي النزاع من الدفاع.

8- ومبدأ المحكمة أدرى ب القانون ، المتبع عالمياً ودون خلاف في السوابق القضائية الدولية العامة ( ) ، لا سيما عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان ( ) ، ي فسح للجنة المعنية ب حقوق الإنسان المجال لكي لا ت تقيد بالادعاءات القانونية المقدمة في بلاغ ما عندما تبين الوقائع المشروحة والمثبتة في إجراءات المواجهة بوضوح انتهاك حكم لم يذكره المشتكي . فإذا كان ت هذه هي الحال، فإن على اللجنة أن ت درج الانتهاك بشكل سليم في إطار القانون .

9- وبالمثل فإن سلطات الحماية الممنوحة للجنة، ضماناً لبلوغ الغايات التي يرمي إليها العهد، تجيز لها أن تحكم بأن على الدولة الطرف التي ثبتت مسؤوليتها أن تضع حداً لكل آثار الانتهاك، وتضمن فعلياً عدم تكرار هذا الأمر، وتقدم تعويضاً عن الأضرار المتكبدة .

10- وفي ذات السياق، لا أوافق على الفقرة 8-4 من القرار المتخذ في هذه القضية، وهي الفقرة التي كان ينبغي، دون المساس بسائر الآراء، أن تشير صراحة إلى أن الشكوى تتضمن جوانب تندرج في إطار المادة 6 من العهد. فلا أرى سبباً يجعل اختفاء قسرياً حدث في عام 1996 كما هو الحال هنا، لا يثير مسائل تتعلق بالحق في الحياة، في الوقت الذي لا توجد فيه أي معلومات عن الضحية بعد مضي أربعة عشر عاما على احتجازها التعسفي.

11- فقد ناقضت اللجنة نفسها على مدى السنين في هذه المسألة؛ وقضية السيدة بن عزيزة التي تعنينا هنا تبين تماما عدم اتساقها. فهي، من جهة، لا تشير إلى الانتهاك المحتمل للمادة 6 من العهد لأن صاحبة البلاغ لم تحتج به ، ومن جهة أخرى، تلاحظ أن الفقرة 3 من المادة 2، مقترنةً بالمادة 6، الفقرة 1، والمواد 7 و9 و16، قد انتهكت على نحو يضر بالسيدة ضاوية بن عزيزة، وأن الفقرة 3 من المادة 2، مقترنةً بالمادة 7، قد انتهكت على نحو يضر بصاحبة البلاغ وعائلتها (الفقرة 9-9).

12- والحق أن صاحبة البلاغ لم تحتج بكثير من هذه "الانتهاكات المشتركة" للفقرة 3 من المادة 2 التي لاحظتها اللجنة. فصاحبة البلاغ لم تحتج مباشرة إلا بانتهاك واحـد مستقل للفقرة 3 من المادة 2. فإلى أي حد تملك اللجنة أهلية "إعادة تفسير" الحجج القانونية للأطراف؟

13- وهناك شيء آخر ينبغي إلغاؤه من تفكير اللجنة، وهو تفسيرها المتذبذب لقدرتها على التطبيق القانوني للعهد دون وجود تدليل قانوني تبعاً لما إذا كان صاحب البلاغ يمثله أو لا يمثله محام. وعلى اللجنة أن تعالج جميع البلاغات بنفس الطريقة وألا تحسب حساباً لمستوى الاستعداد القانوني لمن يتوجهون إليها. فمثلاً إذا كانت الوقائع المعروضة عليها في قضية من القضايا أعمال تعذيب واضحة وكان ذلك ثابتاً في الملف لكن دون تقديم صاحب البلاغ تدليلاً قانونياً، فإن على اللجنة أن تنظر في الوقائع بموجب المادة 7 بصرف النظر عما إذا كان صاحب البلاغ يحصل أو لا يحصل على مساعدة قانونية. والدولة ليست محرومة من الدفاع عن نفسها. فهي تعترض على الوقائع والأدلة ويمكنها أن تقول ما تشاء بشأن التدليل القانوني، لكن تطبيق القانون، وبالتحديد أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، من صلاحيات اللجنة.

14- وفي القضايا الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، قد تجري المساعدة القانونية بطرق شتى حسب السياق التاريخي وحسب الاختصاص الفعلي في القانون الدولي. فليس للجنة أن تحسب حساباً لهذه الطرق، وجميع الشكاوى يجب أن تعالج بنفس الطريقة، سواء أكان صاحب البلاغ قد وكّل محامياً حاصلاً على شهادة أم لا. ولا يجوز لها أن تبتعد عن الأدلة على الوقائع التي يقدمها صاحب البلاغ، وعليها أن تراعي كما يجب ما تقدمه إليها الدولة المعنية من ردود. ولا يحق للجنة أن تتخلى عن سلطة البت فيما إذا كانت الوقائع ثابتة أو غير ثابتة؛ فإن ثبتت، فعليها أن تبت فيما إذا كانت تمثل انتهاكاً أو عدة انتهاكات للعهد.

15- ثم إن اللجنة، إن لم تأخذ بهذا الموقف، فستستمر في التناقض بدراسة انتهاكات للحقوق لم يحتج بها، تارةً، مثلما حدث مؤخراً، وبتقييد صلاحياتها، تارة أخرى، كما هي حال القضية محل النظر لسبب واحد هو عدم وجود تدليل قانوني، في حين أن جميع الوقائع تشير بوضوح إلى احتمال وجود انتهاكات للمادة 6 من العهد.

الاختفاء القسري والمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

16- لما كان من المسلم به أن اللجنة مؤهلة لإدراج القضية المعروضة عليها في إطار القانون بصرف النظر عن الحجج القانونية للأطراف، فإنه يبدو لي أنه كان على اللجنة في قضية السيدة بن عزيزة أن تستنتج أن الدولة مسؤولة عن انتهاك المادة 6 من العهد، على نحو أضر بالسيدة ضاوية بن عزيزة.

17- وتقول اللجنة في تعليقها العام رقم 6 ( ) إن الدول الأطراف تتخذ تدابير محددة وفعالة لمنع الاختفاء وتوفر رسائل وإجراءات فعالة لإجراء تحقيقات معمقة في حالات المختفين في ظروف قد تنطوي على انتهاك للحق في الحياة. ولا يمكن أن تقتصر هذه التدابير الملموسة على توفير سبل انتصاف فعالة في حالة الاحتجاز التعسفي، بل يجب أيضاً تجنب قيام الموظفين العموميين بأي عمل قد يفضي إلى اختفاء قسري بمقتضى واجب ضمان الحق في الحياة.

18- وفي الحالة موضوع الدراسة، تؤكد صاحبة البلاغ أن عناصر من أمن الدولة، بعضهم يرتدي زياً رسمياً، ألقوا القبض على جدتها في 2 حزيران/يونيه 1996 وأنها لم تتلق أي أخبار عن مصيرها وأن جميع العرائـض اﻟ 17التي قدمتها إلى السلطات لم تأت بنتيجة. ولما كانت الدولة الطرف لم تقدم توضيحات مرضية عن ادعاءات صاحبة البلاغ التي تؤكد أنها لم تتلق أي معلومات عن جدتها، كان على اللجنة أن تستنتج أن الوقائع التي عرضت عليها تكشف عن انتهاك للفقرة 1 من المادة 6 لأن الدولة الطرف لم تف بالالتزام بـضمان حياة السيدة ضاوية بن عزيزة.

19- ولهذا الالتزام بـضمان جميع الحقوق المنصوص عليها في العهد ثلاثة جوانب. فأولاً، تنص الفقرة 1 من المادة 2 على الالتزام بضمان ممارسة الحقوق دون أي تمييز، وهي بذلك تحدد المبدأ البديهي المتمثل في عدم التمييز. أما الجانب الثاني، فتوضحه الفقرة 3 من المادة نفسها التي تشير إلى سبل الانتصاف الفعالة التي ينبغي أن تتاح لكل شخص انتهك حق من حقوقه المنصوص عليها في العهد. وأما الجانب الثالث فهو حماية كل حق على حدة.

20 - وليس من الضروري أن يوضح المرء في كل مرة، بالنسبة إلى جميع الحقوق المنصوص عليها في العهد، أن الدولة ملزمة بأن تضمن تلك الحقوق؛ ومن غير المعقول القول إن الالتزام ب الضمان يقتصر على الالتزام ب عدم ممارسة التمييز وتوفير سبل انتصاف فعالة عند وجود انتهاك . إن الالتزام ب الضمان، في حد ذاته غير موثَّق هو الآخر في الفقرة 2 من المادة 2 التي تتحدث عن اعتماد تدابير تشريعية أو غير تشريعية من شأنها إنفاذ الحقوق الواردة في العهد. و هذه القاعدة تكرس مبدأي الانتصاف الفعال والتطبيق ال مباشر لحقوق ال إنسان، وهما مبد آ ن لا ينفصلان عن الالتزام العام بالضمان، دون استنفاده مع ذلك.

21- ومن المنطقي القول بوجود التزام بضمان كل حق من الحقوق المنصوص عليها في العهد ولكل شخص يخضع لولاية الدولة. ومن الناحية القانونية يندرج هذا الالتزام، في حد ذاته، في الأحكام التي يوضح كل منها تحديداً أحد الحقوق المنصوص عليها في العهد.

22- وبناء عليه، فقد انتهكت الفقرة 1 من المادة 6 من العهد في الحالة موضوع الدراسة لأن الدولة لم تضمن حق السيدة ضاوية بن عزيزة في الحياة؛ وهذا لا يعني بالضرورة أنه يمكن تأكيد وفاة السيدة بن عزيزة لأن ذلك لا يتضح من الملف. وعلى الدولة أن تعيد إقرار هذا الحق وأن تتخذ من ثم جميع التدابير اللازمة بحيث تستعيد الضحية الحياة والحرية على حد سواء. وفي غضون ذلك، يمكن أن تسمح الدولة لأقرباء الضحية برفع الدعاوى المدنية اللازمة، وبخاصة فيما يتعلق بمسائل التركة والأموال التي تنشأ من الاختفاء القسري وليس من وفاة مفترضة.

23- إن اللجنة، على مدى حياتها الاجتهادية، صادفت قضايا عدة تتعلق بالاختفاء القسري مقترنةً بانتهاك المادة 6 من العهد، الأمر الذي أضر بالضحايا ( ) ، دون معرفة ما جرى بالفعل يقيناً. لكن هذا لم يمنعها في بعض تلك القضايا، بما فيها القضية محل النظر، من عدم الأخذ بهذا الاستدلال، وهو أمر يؤسف له ( ) . ثم إن التطور التدريجي للقانون الدولي لحقوق الإنسان يفرض منطقيا على الهيئات الدولية المكلفة بإنفاذ هذه الحقوق التزاماً بعدم تفسير معايير الحماية التي ربما سبق التوصل إليها تفسيراً قانونياً في اتجاه رجعي. ويؤمل أن تعود اللجنة إلى الأخذ بمفاهيم أكثر "توفيراً للضمانات" بعد تفسيرٍ للعهد يتوافق مع موضوعه وغايته سواء من الناحية الإجرائية أو من حيث الموضوع. وسيسمح ذلك للدول ذات النية الحسنة بأن تتخذ التدابير المنتظرة منها لإتاحة جبر عادل لضحايا الانتهاكات المرتكبة والوفاء من ثم بالوعود التي قطعتها في النظام الدولي أمام العالم.

(توقيع) فابيان سالفيولي

[ حرر بالإسبانية والإنكليزية والفرنسية، علماً بأن النص الإسباني هو النص الأصلي. وسيصدر لاحقاً أيضاً بالروسية والصينية والعربية كجزء من تقرير اللجنة السنوي إلى الجمعية العامة.]