الأمم المتحدة

CCPR/C/106/D/1852/2008

Distr.: General

4 February 2013

Arabic

Original: English

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

البلاغ رقم 1852/2008

آراء اعتمدتها اللجنة في دورتها 106 (15 تشرين الأول/أكتوبر - 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2012)

صاحب البلاغ: بيكرامجيت سينغ (يمثله محام هو السيد ستيفن غروسز)

الشخص المدعي أنه ضحية: صاحب البلاغ

الدولة الطرف: فرنسا

تاريخ البلاغ: 16 كانون الأول/ديسمبر 2008 (تاريخ الرسالة الأولى)

الوثائق المرجعية: قرار المقرر الخاص المتخذ بموجب المادة 97، الذي أحيل إلى الدولة الطرف في 22 كانون الأول/ديسمبر 2008 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء : 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2012

الموضوع: طرد صاحب البلاغ من مدرسة عمومية بسبب ارتدائه الكيسكي (عمامة السيخ)

المسائل الموضوعية: الحق في حرية إظهار الفرد لدينه؛ والحق في الخصوصية؛ وعدم التمييز

المسائل الإجرائية: عدم استنفاد سبل الانتصاف المحلية

مواد العهد: 2 و17 و18 و26

مواد البروتوكول الاختياري: الفقرة 2 (ب) من المادة 5

ال مرفق

آراء اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (الدورة 106)

بشأن

البلاغ رقم 1852/ 2008 *

صاحب البلاغ: بيكرامجيت سينغ (يمثله محام هو السيد ستيفن غروسز)

الشخص المدعي أنه ضحية: صاحب البلاغ

الدولة الطرف: فرنسا

تاريخ البلاغ: 16 كانون الأول/ديسمبر 2008 (تاريخ الرسالة الأولى)

إن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، المُنشأة بموجب المادة 28 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد اجتمعت في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2012،

وقد فرغت من النظر في البلاغ رقم 1852/2008، المقدم إليها من بيكرامجيت سينغ بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،

وقد وضعت في اعتبارها كل المعلومات الكتابية التي أتاحها لها صاحب البلاغ،

تعتمد ما يلي:

آراء بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري

1-1 صاحب البلاغ هو بيكرامجيت سينغ، وهو مواطن هندي من أتباع ديانة السيخ، ولد في الهند في 13 آب/أغسطس 1986. ويدعي أنه ضحية انتهاك فرنسا للمواد 2 و17 و18 و26 من العهد. ويمثله محام هو ستيفن غروسز. وقد دخل العهد والبروتوكول الاختياري الملحق به حيز النفاذ في الدولة الطرف في 4 شباط/فبراير 1981 و17 أيار/مايو 1984، على التوالي.

1-2 وفي 20 آذار/مارس 2009، قررت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ، عن طريق المقرر الخاص المعني بالبلاغات الجديدة والتدابير المؤقتة ، عدم الفصل بين النظر في مقبولية القضية والنظر في أسسها الموضوعية.

الوقائع كما عرضها صاحب البلاغ

2-1 تتعلق الوقائع بالقانون رقم 20 04/228 المؤرخ 15 آذار/مارس 2004 الذي يشمل، وفق اً لمبدأ العلمانية، ارتداء الرموز والملابس التي تظهر الانتماء الديني في المدارس الابتدائية والثانوية العمومية. وقد أدى هذا القانون إلى إدخال المادة L.141-5-1 في قانون التعليم ، وهي تنص على م ا يلي: " يحظر على التلاميذ ارتداء رموز أو ملابس تظهر انتماءاتهم الدينية بطريقة لافتة في المدارس الابتدائية والثانوية العمومية. وبموجب النظام الداخلي، تُسبَق الإجراءات التأديبية بإجراء حوار مع التلميذ".

2-2 وينص التعميم المؤرخ 18 أيار/مايو 2004 المتعلق بتنفيذ القا نون رقم 2004/228 صراحة على أن " القانون لا يشكك في حق التلاميذ في ارتداء الرموز الدينية غير اللافتة". كما ينص على أنه "عندما يصل تلميذ مسجل إلى المدرسة برمز أو ملابس قد تكون محظورة، من الهام الشروع فور اً في حوار مع التلميذ. وينبغي لمدير المدرسة إجراء الحوار بتعاون مع الفريق الإداري والأفرقة التربوية، والاستعانة على وجه الخصوص بالمدرسين الذين يعرفون التلميذ المعني والذين لهم القدرة على المساعدة في حل المشكلة. وهذه مسألة ذات أولوية لكنها لا تستبعد بأي حال من الأحوال أي بديل قد يستنسبه مدير المدرسة في الحالة المحددة".

2-3 وقد بدأ صاحب البلاغ دراسته في ثانوية لويس ميشيل عام 2002. و س ُ مح له في البداية بارتداء غطاء الرأس باتكا (patka) وبعدها، بعد أيلول/سبتمبر 2003 عندما بلغ سن السابعة عشرة، ارتدى الكيسكي. والكيسكي قطعة قماش خفيفة صغيرة وداكنة اللون، كثير اً ما تستخدم كعمامة صغيرة تغطي الشعر الطويل الذي لم يسبق حلقه و الذي ي ُ عتبر مقدس اً في ديانة السيخ ، وكثير اً ما يرتديه الفتيان كمقدمة لارتداء ا لعمامة الأكبر أو بديل لها. وارتداء العمامة مبدأ قاطع وصريح وإلزامي في ديانة السيخ. وهو عنصر أساسي من هوية السيخ: فأن تكون سيخي اً معناه ألا تحلق شعرك، وتبع اً لذلك أن ترتدي عمامة. ولذلك، فإن مطالبة سيخي بنزع عمامته إنما هي بمثابة مطالبته بإتيان المستحيل. ولا يقصد من الكيسكي (مثل العمامة بالنسبة للذكور البالغين) إظهار الدين للخارج، وإنما المقصود منه حماية الشعر الطويل غير الحليق، وهو ما يعتبر جزء اً مقدس اً ومتأصل اً لا يتجزأ من الدين. فالعمامة لا ترتد ى بغية التبشير - إذ أنه مفهوم غريب عن ديانة السيخ.

2-4 وفي أيلول/سبتمبر 2004، قبل بداية السنة الأكاديمية، جرت مناقشات بين مفتشية مدارس سين - سان - دينيس وممثلي جالية السيخ بشأن كيفية تطبيق قانون 15 آذار/مارس على التلاميذ السيخ. وفي أيلول/سبتمبر 2004، وصل صاحب البلاغ إلى المدرسة مرتدي اً الكيسكي كما كان يفعل في السنة السابقة. واعتبر صاحب البلاغ وأسرته ارتداء الكيسكي حل اً وسط اً بين متطلبات تقاليده الإثنية والدينية من جهة، ومبدأ العلمانية من جهة أخرى.

2-5 وفي البداية، حظر مدير الثانوية رسمي اً على صاحب البلاغ دخول المدرسة مرتدي اً الكيسكي. وتقرر هذا الاستبعاد دون اللجوء إلى مجلس تأديبي. وبعد ذلك، في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2004، س ُ مح لصاحب البلاغ بمواصلة دراسته لكن على أن يجلس بمعزل عن الآخرين. وأ ُ رسل إلى مطعم المدرسة، حيث كان يدرس لوحده وحيث كان مساعد مدرس يقدم له الكتب المدرسي ة بناء على طلبه. ولم يتلق أي در وس خلال الأسابيع الثلاثة التي قضاها في المطعم. ويبدو أن هذا العزل الدراسي كان من المقرر أن يستمر بموازاة الحوار المشار إليه في الفقرة 2 من المادة 141-5 -1 من قانون التعليم .

2-6 وفي 18 تشرين الأول/أكتوبر 2004، رفع صاحب البلاغ دعوى لدى المحكمة الإدارية في سيرجي - بونتواز مطالب اً باتخاذ تدابير مؤقتة تسمح له بحضور الفصول الدراسية بصورة عادية أو، على الأقل ، المثول أمام مجلس تأديبي. وفي حكم مؤرخ 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2004، أمرت المحكمة مدير المدرسة الثانوية بعقد مجلس تأديبي. وع ُ قد المجلس كما يجب في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2004 وأصدر قرار الطرد الفوري والنهائي لصاحب البلاغ. وعلل سبب الطرد على النحو التالي: "انتهاك القانون رقم 2004/228 المؤرخ 15 آذار/مارس 2004، من حيث أن التلميذ رفض، بعد مرحلة الحوار، نزع غطاء الرأس الذي يغطي شعره بالكامل، مظهر اً بذلك انتماءه الديني بطريقة لافتة".

2-7 وطعن صاحب البلاغ في قرار المجلس التأديبي أمام رئيس هيئة التعليم في كريتاي ، حيث طعن في شرعية القرار وما ترتب عليه من نتائج، ولا سيما غياب مرحلة الحوار بالمعنى الذي يفهم من القانون؛ وسوء تطبيق القانون وتفسيره فيما يت علق ب نزع غطاء الرأس، من حيث إ ن هذا الأخير يمكن أن يُعتبر متوافق اً مع أحكام القانون؛ وأخير اً لكون المدرسة تطبق القانون بطريقة تضطر صاحب البلاغ إلى التصرف خلاف اً لحرية وجدانه. وفي 10 كانون الأول/ديسمبر 2004، أكد رئيس هيئة التعليم قرار الطرد النهائي لصاحب البلاغ على أساس أن ملابسه تدخل ضمن فئة الأشياء التي ي ُ حظر ارتداؤها في مباني المدارس العمومية بموجب المادةL.141-5 -1.

2-8 وفي 5 شباط/فبراير 2005، رفع صاحب البلاغ دعوى أمام المحكمة الإدارية في ميلون لإلغاء القرار المؤرخ 10 كانون الأول/ديسمبر 2004. ور ُ فضت الدعوى في 19 نيسان/أبريل 2005. ثم قدم صاحب البلاغ طعن اً أمام محكمة الاستئناف الإدارية في باريس، وقد ر ُ فض في 19 تموز/يوليه 2005. ثم طعن بطريق النقض والإبرام أمام مجلس الدولة الذي رفض الطعن في قرار صادر في 5 كانون الأول/ديسمبر 2007. واحتج المجلس بالمادتين 9 و14 من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، قائل اً إنه "بالنظر إلى الأهمية المعلقة على مبدأ العلمانية في المدارس العمومية، فإن عقوبة الطرد النهائي في حق تلميذ لا يمتثل للحظر القانوني المفروض على ارتداء رموز خارجية تظهر انتماءه الديني ليس انتهاك اً غير متناسب لحرية الفكر والوجدان والدين المنصوص عليها في المادة 9 … كما أن العقوبة، المقصود منها تشجيع الالتزام بمبدأ العلمانية في المدارس العمومية دون تمييز بين أديان التلاميذ، ليست مناقضة لمبدأ عدم التمييز المنصوص عليه في أحكام المادة 14 من الاتفاقية الأوروبية". كما خلص مجلس الدولة إلى أن "الحجج التي تفيد أن القرار المطعون فيه يشكل تمييز اً ضد جالية السيخ في فرنسا، بصفتها أقلية إثنية، وانتهاك اً للمادة 14 من الاتفاقية الأوروبية ... وانتهاك اً للمادة 8 من تلك الاتفاقية، هي حجج جديدة في النقض والإبرام ولذلك فهي غير مقبولة".

2-9 وفي السنة التي تلت الطرد، تابع صاحب البلاغ دراسته بالمراسلة عن طريق المركز الوطني للتعليم عن بعد، ثم التحق بجامعة باريس الشرقية، حيث س ُ مح له بارتداء الكيسكي.

الشكوى

3-1 يدعي صاحب البلاغ حدوث انتهاك ل لمادتين 17 (التدخل التعسفي أو غير القانوني في الحياة الخاصة) و18 (حرية الدين)، وحدهما أو بالاقتران مع المادتين 2 و26 من العهد، بحجة أنه تعرض لمعاملة تمييزية على أساس الدين و/أو الأصل الإثني.

3-2 وفيما يتعلق بانتهاك المادة 18، يؤكد صاحب البلاغ أن طرده من المدرسة بسبب ارتداء الكيسكي يشكل انتهاك اً واضح اً وغير مبرر لحقه في حرية الدين، ولا سيما حقه في إظهار دينه. وهذا واضح في صياغة دوافع الطرد: "عدم الامتثال للقانون رقم 2004/228 المؤرخ 15 آذار/مارس 2004، إذ رفض التلميذ نزع غطاء الرأس الذي يغطي شعره، مظهر اً بذلك انتماءه الديني بطريقة لافتة".

3-3 ويؤكد صاحب البلاغ أن تطبيق القانون رقم 2004 / 288 الذي أدى إلى طرده من المدرسة لم يكن مبرر اً استناد اً إلى أي من الأهداف المشروعة المعترف بها في الفقرة 3 من المادة 18. ف السببان اللذان قدّمهما الوزير أمام مجلس الدولة هما: ( أ) أن القانون جاء استجابة لزيادة مقلقة في التوتر المتصل بمطالبات الجاليات، بعد أن أشارت لجنة ستاسي إلى أن النزاعات المتصلة بالهوية يمكن أن تصبح عامل اً للعنف في المدارس؛ (ب) أن القانون حقق أيض اً الهدف المتمثل في حماية حقوق وحريات الآخرين، بحيث أنه سعى إلى حماية التلاميذ، ولا سيما الأصغر سنا ً ، من الضغوط التي يمكن أن تؤثر عليهم لإجبارهم على ارتداء ملابس من شأنها أن تسهل تحديد هويتهم من أول نظرة على أساس انتمائهم الديني.

3-4 ويقر صاحب البلاغ بأنه لو كانت دواعي القلق هذه مثبتة إثبات اً جيداً، لأمكن القول إن ا لمراد بها تحقيق الأهداف المشروعة المتمثلة في حماية النظام العام والحقوق والحريات الأساسية للآخرين. ولكي يكون هدف ما مشروعا ً ، يجب أن يقوم على اعتبارات موضوعية، مثل النظام العام وحريات الآخرين، وليس على رغبة الدولة في إظهار مواطنيها لدينهم من خلال إشارات رمزية محددة تعزو إليها الدولة قيمة رسمية. لكن حتى وإن كان للتدخل "هدف مشروع"، فإنه لم يكن "ضروري اً " على النحو المطلوب بموجب الفقرة 3 من المادة 18، بما أنه لم يلب أي حاجة اجتماعية ملحة. وليست للأسباب التي قدمتها السلطات الفرنسية لتبرير هذا التدخل أهمية في ضوء قلة عدد السيخ في فرنسا، وبالتالي فإنها لا تكفي لتبرير التدخل. وأخيرا ً ، التدخل غير متناسب بتات اً مع الهدف المشروع المنشود.

3-5 ولا يمكن لمبدأ العلمانية أن ينتهك جوهر وروح الحقوق والحريات التي يحميها العهد. وبالرغم من أن الدولة لها ، ولا محالة ، هامش تقدير عند تقييم مدى الحاجة إلى تطبيق مثل هذا المبدأ، فإن هذه المسألة لا بد أن تقع ضمن نطاق اختصاص اللجنة. ونظر اً لكون مبدأ العلمانية لا يشكل غاية في حد ذاته، فلا يمكن اعتباره هدف اً مشروعاً إلا بقدر ما يخدم واحد اً أو أكثر من الأهداف المحددة بشكل مستفيض في الفقرة 3 من المادة 18، إذا فسرت تفسير اً صارما ً .

3-6 ولا يزيد عدد جالية السيخ في فرنسا عن 000 10 شخص. وقد اندمجت الجالية تاريخي اً في البلد بسلام . ولا يوجد ما يوحي بوجود حركات سياسية متطرفة أو حالات تململ في فرنسا يمكن أن تنسب إلى السيخ. ولم تكن هناك أية دواعي قلق من أنشطة أصوليين أو ناشطين سيخ في المدارس، كما لم تكن هناك توترات مجتمعية تؤثر على جالية السيخ أو  توترات تورطت فيها هذه الجالية . وكل ما في الأمر أن السيخ وجدوا أنفسهم متورطين في هذه المشكلة التي لا يد لهم فيها. فإكراه سيخي على نزع الكيسكي يجعل انتماءه الديني أكثر لفتا للانتباه من حيث أنه سيكشف عندها شعره الطويل الذي لم يسبق حلقه، وهو ما يكشف بوضوح هويته السيخية وكذا معتقداته الدينية. وفي ظل هذه الظروف، يبدو الكيسكي وسيلة أكثر تكتما ً ويرقى إلى حل توفيقي، في مقابل العمامة التقليدية الكاملة.

3-7 ولا يمكن اعتبار ارتداء الكيسكي عمل اً تبشيري اً بأي حال. فالجالية السيخية ليست منخرطة في أي محاولة لاستفزاز أفرادها أنفسهم أو أفراد المجتمع الفرنسي قاطبة أو تبشيرهم أو إزعاجهم أو عرقلة حقوقهم.

3-8 وبالرغم من أن الكيسكي يمكن أن ترتديه المرأة كما الرجل، فمن غير الشائع وغير الإلزامي أن ترتديه المرأة. ولذلك لم تظهر مسألة استخدام الكيسكي لحماية الفتيات الصغيرات. ومن ناحية أخرى، لم يثبت أن فتيان السيخ (ناهيك عن فتيان الأديان الأخرى) يشعرون بضغط عندما يرون فتيانا آخرين يرتدون الكيسكي. ولم يد ّ ع أحد أو يثبت أن التلاميذ السيخ أرغموا أو أجبروا على ارتداء الكيسكي. وقد اختار صاحب البلاغ ارتداءه بمحض إرادته. كما لم يد ّ ع أحد أو يثبت أن السماح للتلاميذ السيخ بارتداء الكيسكي في المدرسة (أو في مكان آخر) يشكل خطر اً على السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة للسكان. ولم تقل السلطات الفرنسية إن القضية المعروضة على المحاكم من هذا الصنف. ولم يسبق القول إن الكيسكي كان مصدر توتر في أي مدرسة في فرنسا.

3-9 ولم تقم إدارة المدرسة بأي محاولة للتسوية أو المصالحة، خلاف اً لوزارة التعليم ومفتيشية مدارس سين - سان دينيس التي يبدو أنها دخلت في حوار بناء من أجل التوصل إلى تسوية من شأنها أن تسمح للسيخ بتغطية شعرهم بغطاء خفيف غير لافت من مواد داكنة (يجدونها مقبولة). وإضافة إلى ذلك، فقد كان الاستبعاد كامل اً دون استثناءات لبعض أنواع الدروس، من مثل التربية البدنية.

3-10 ويشعر صاحب البلاغ وكأنه عار ومهان من دون عمامة. فأن ي ُ طلب من سيخي أن يكشف شعره بشكل كامل في مكان عام مرادف لتذكيره باستمرار بالشعور بالخيانة والخزي. ويظهر سياق وتنفيذ القانون رقم 2004/228 أن هذا القانون لم يذكر جالية السيخ وأن أهداف ه لا صلة لها بالمرة بالتلاميذ السيخ الفرنسيين. وقد كان القصد من تقرير ستاسي أولا ً وقبل كل شيء الاستجابة للضغط على صغريات الفتيات المسلمات اللائي ي ُ رغمن على ارتداء غطاء الرأس أو الحجاب ضد إرادتهن، وللمدارس غير المتأكدة من التدابير التي يتعين اتخاذها في ضوء هذا الوضع المربك. ولم يكن الهدف من التقرير هو المنع القانوني لجميع أشكا ل إظهار المعتقد الديني، وهو السبب الذي جعل القانون يسمح بارتداء الرموز الدينية غير اللافتة. لكن بدل اً من تعزيز التعايش السلمي في المدارس، أدى القانون إلى إهانة بعض الأقليات وتنفيرها.

3-11 ويرقى تطبيق القانون على صاحب البلاغ إلى فرض حظر حقيقي وعشوائي للرموز الدينية بشكل غير متناسب ولا ضرورة له. ف عقب إجر اء حوار مع أعضاء جالية السيخ، س ل ّم ت مفتشية مدارس سين - سان - دينيس بوجود إمكانية لرد متناسب (مثل ارتداء غطاء خفيف من لون أسود يسمح للتلاميذ بربط شعرهم لكن كشف آذانهم وجباههم ورقابهم لضمان الأمن في الفصل الدراسي). وقد كانت لتطبيق القانون في هذه الحالة عواقب خطيرة للغاية على صاحب البلاغ الذي طرد من المدرسة وحرم من التدريب كما ح ُ رم من الحصول على أي تعليم أكاديمي آخر في نظام المدارس العمومية.

3-12 وفيما يتعلق بالمادة 17 من العهد، يؤكد صاحب البلاغ أن تطبيق القانون رقم 2004/228 على حالته يشكل انتهاك اً لحقه في احترام خصوصية وشرفه وسمعته، بما في ذلك احترام هويته بوصفه عضو اً في جالية السيخ. فقد كان انتهاك اً لحقه في احترام خصوصيته لأنه لم يعترف بجوانب هامة من هويته وديانت ه السيخية وتقاليده الإثنية أو ييسر له إظهارها أو يسمح له بذلك. ويشير صاحب البلاغ مرة أخرى إلى حجته الواردة أعلاه بشأن التدخل في الخصوصية ومدى ضرورته.

3-13 ويرى صاحب البلاغ أنه كان ضحية للتمييز المباشر وغير المباشر بسبب ديانته السيخية أو هويته الإثنية، وهو انتهاك للمادة 2، ولحقوقه بموجب المادتين 17 و18، وللمادة 26 من العهد. و هو ل م يعامل بنفس الطريقة التي يعامل بها تلاميذ آخرون يرتدون رموز اً دينية غير لافتة، على النحو المنصوص عليه في التعميم. ف صاحب البلاغ يرتدي رمز اً ديني اً غير لافت، تمام اً مثلما قد يرتدي الآخرون صلبان اً من أحجام معقولة ، وما إلى ذلك. كما ط ُ ب ّ ق القانون رقم 2004/228 بطريقة أكثر مواتاة على الطلاب الآخرين الذين يزعم أنهم يرتدون رموز اً (غير دينية). ويقع على عاتق الدولة عبء إثبات أن هذه المعاملة الأقل مواتاة لها مبررات موضوعية ومعقولة . ولم تثبت الحكومة الفرنسية بأي شكل من الأشكال أن هناك ما يبرر تطبيق القانون على صاحب البلاغ أو على التلاميذ السيخ في فرنسا. ولا تشكل التخمينات التي لا تستند إلى أي دليل بأن من شأن ارتداء الكيسكي أن يؤثر على المجتمع التعليمي في المدارس أو يزعجه تبرير اً موضوعي اً ومعقول اً لهذه المعاملة. ولذلك يشكل موقف الحكومة الفرنسية تمييز اً غير مباشر ينتهك المادتين 2 و26.

3-14 وإضافة إلى ذلك، ومن منظور مختلف، كان من باب التمييز غير المباشر تطبيق القانون رقم 2004/228 على صاحب البلاغ. فحتى لو طُبّق القانون على الجميع، فإنه ينتهك الحق في المساواة في المعاملة أيض اً عندما تخفق الدول، دون مبرر موضوعي ومعقول، في توفير معاملة مختلفة لأشخاص تختلف ظروفهم اختلاف اً جوهريا. وبالرغم من أن القانون لم يستهدف التلاميذ السيخ تحديدا ً ، فمن المرجح أن يكون له أثر ضار على نحو غير متناسب على السيخ إذا فسر بطريقة تمنع التلاميذ السيخ من ارتداء الكيسكي في المدرسة. فإجبار الطالب السيخي على إبقاء شعره مكشوف اً لا يؤدي إلى التخلص من الرموز الخارجية التي تربطه بديانت ه وهويته الثقافية والإثنية، بما أن شعره الذي لم يسبق حلقه يرمز إلى هذا الانتماء بالقدر نفسه. وفي ظل هذه الظروف، وبالنظر إلى أن الكيسكي يُرتدى كحل توفيقي بدل اً من العمامة الكاملة، فلا يمكن تبرير رفض السماح بارتدائه تبرير اً موضوعي اً ومعقولا ً . وفي هذه الحالة، أخفقت الحكومة الفرنسية في الأخذ باستثناءات ملائمة من القاعدة لفائدة السيخ، بالرغم من التطمينات التي أعطيت لجالية السيخ.

3-15 ويذكِّر صاحب البلاغ ب أن اللجنة أشارت، في ملاحظاتها الختامية بشأن التقرير الدوري الرابع لفرنسا، إلى القانون رقم 2004/228 بالعبارات التالية:

وتشعر اللجنة بالقلق لأن تلاميذ المدارس الابتدائية والثانوية ممنوعون بموجب القانون رقم 2004/228 الصادر في 15 آذار/مارس 2004 من الحضور في المدارس العامة إذا كانوا يلبسون ما يسمى رموزاً دينية "واضحة". ولم توفر الدولة إلاّ وسائل محدودة - عن طريق التعلم من بعد أو بواسطة الحواسيب - للتلاميذ الذين يعتقدون أن من واجبهم، حسب ما يمليه عليهم ضميرهم وإيمانهم، اعتمار القلنسوة الضيقة (أو الكيبا)، أو وشاح الرأس (الحجاب)، أو العمامة. وبالتالي يمكن إقصاء التلاميذ اليهود والمسلمين والسيخ الذين يطبقون تعاليم دينهم من الحضور في المدارس مع غيرهم من الأطفال الفرنسيين. وتشير اللجنة إلى أنه لا يبدو أن احترام الثقافة العامة العلمانية يتطلب منع ارتداء تلك الرموز الدينية الشائعة الاستخدام (المادتان 18 و26).

ينبغي للدولة الطرف أن تعيد النظر في القانون رقم 2004/228 الصادر في 15 آذار/مارس 2004 في ضوء الضمانات المنصوص عليها في المادة 18 من العهد بشأن حرية الوجدان والدين، بما في ذلك حق الشخص في إظهار دينه على الملأ وفي حياته الخاصة وكذلك ضمان المساواة المنصوص عليه في المادة 26 ( ) .

3-16 كما يستشهد صاحب البلاغ ، في جملة ما يستشهد به ، بالملاحظات الختامية المتعلقة بالتقرير الدوري الثاني لفرنسا التي أشارت فيها لجنة حقوق الطفل إلى ما يلي:

كما تشعر اللجنة بالقلق من أن التشريع الجديد (القانون رقم 2004/228 الصادر في 15 آذار/مارس 2004) بشأن ارتداء الرموز والملابس الدينية في المدارس العامة قد يؤدي إلى نتائج عكسية، نظراً إلى أنه يتجاهل مبدأ مصالح الطفل الفضلى وحقه في التعليم، علاوة على أنه لن يحقق النتائج المرجوّة ...

توصي اللجنة الدولة الطرف بأن تستخدم، عند تقييم آثار هذا التشريع، مدى تمتع الأطفال بحقوقهم المكرسة في الاتفاقية كمعيار أساسي في عملية التقييم، وأن تنظر أيض اً في إيجاد وسائل بديلة، بما في ذلك الوساطة، من أجل الحفاظ على علمانية المدارس العامة مع ضمان عدم انتهاك الحقوق الفردية وعدم استبعاد الأطفال من النظام المدرسي أو المجالات الأخرى أو تهميشهم بفعل هذا التشريع. وقد يكون من الأفضل تناول قواعد الزي المدرسي في نطاق المدارس العمومية نفسها، مع تشجيع الأطفال على المشاركة في هذا الأمر ( ) .

3-17 ويشير صاحب البلاغ إلى الفق رة 10 من التعليق العام رقم 22 (1993) للجنة المعنية بحقوق الإنسان بشأن الحق في حرية الفكر والوجدان والدين ( ) ، ال تي تنص على ما يلي: "وإذا كانت مجموعة من المعتقدات تعامل كإيديولوجية رسمية في الدساتير واللوائح، أو في إعلانات الأحزاب الحاكمة، وما شابه ذلك، أو في الممارسة الفعلية، فإن هذا يجب ألا يؤدي إلى إعاقة الحريات المنصوص عليها في المادة 18 أو أية حقوق أخرى معترف بها بموجب العهد، أو إلى أي تمييز ضد الأشخاص الذين لا يقبلون الإيديولوجية الرسمية أو يعارضونها". ويحاجج صاحب البلاغ بأن إيديولوجية الدولة الطرف، في القضية الحالية، وهي العلمانية، لا ينبغي أن تفرض بطريقة تضعف أو تقيد أو تعيق حقوق المواطنين ذوي المعتقدات الدينية إذا كان القيام بذلك غير متناسب ولا ضرورة له.

3-18 ويطلب صاحب البلاغ إلى اللجنة ما يلي: (أ) أن تعرب عن رأي مفاده أن حقوقه بموجب المواد 17 و18 و2 و26 من العهد قد انتهكت؛ (ب) أن توصي الدولة الطرف باتخاذ التدابير المناسبة لمعالجة الانتهاكات، بما في ذلك تعديل أو إلغاء القانون رقم 2004/228 ودفع تعويض لصاحب البلاغ عن الأضرار المادية والمعنوية ومبلغ لتغطية التكاليف القانونية التي تكبدها أمام المحاكم المحلية وفي الإجراء المعروض على اللجنة.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن مقبولية البلاغ

4-1 في 13 آذار/مارس 2009، قدمت الدولة الطرف ملاحظاتها بشأن مقبولية البلاغ. وهي تشير إلى أن صاحب البلاغ لم يثر أبدا ً أمام المحاكم المحلية مسألة انتهاك أي من أحكام العهد. وبالرغم من صحة القول بأن اللجنة لا تلزم صاحب بلاغ ما بالإشارة إلى مواد محددة من العهد، ف من الهام مع ذلك الإشارة إلى أنه كان ينبغي له الاحتجاج بأحد الحقوق الأساسية المكرسة في العهد. ولم تكن القضية التي رفعها صاحب البلاغ أمام المحاكم المحلية تتعلق إلا بانتهاك مزعوم للاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، لكن بعد قرار مجلس الدولة رفض القضية، لم ي طرح صاحب البلاغ هذه المسألة أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. ولذلك، من الواضح أنه كان يعتقد أن الاجتهاد القضائي للمحكمة الأوروبية لن يكون لصالحه. وتشير الدولة الطرف في هذا الصدد إلى الأحكام الصادرة عن المحكمة في 4 كانون الأول/ديسمبر 2008 في قضيتي دوغرو وكيرفانشي ( ) . وإذا كان صاحب البلاغ يعتقد أن العهد مختلف، ولا سيما المادة 18 منه، التي من المسلم به أن صياغتها تختلف اختلاف اً طفيف اً عن المادة 9 من الاتفاقية الأوروبية والاجتهادات القانونية للجنة بشأن هذه المسألة، فقد كان ينبغي له أن يشير إلى ذلك أمام المحاكم الوطنية في إطار مبدأ التبعية. وفي ظل هذه الظروف، تطلب الدولة الطرف إلى اللجنة أن تعلن عدم مقبولية البلاغ بموجب المادة 2 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

4-2 وفيما يتعلق بالشكوى من انتهاك المادة 17 من العهد، ترى الدولة الطرف أن صاحب البلاغ لم يستنفد جميع سبل الانتصاف المحلية لأنه يقدم هذه الشكوى أمام اللجنة للمرة الأولى. ولم يُتح صاحب البلاغ للمحاكم المحلية فرصةً للبت في الانتهاك المحتمل لحياته الخاصة، بالرغم من أنه كان م مثلاً بمحام. وأمام المحاكم الابتدائية، لم يزد عن الادعاء أن الجزاء الذي وُق ّ ع عليه انتهك المادتين 9 (حرية الفكر والوجدان والدين) و14 (حظر التمييز) من الاتفاقية الأوروبية، وهي ادعاءات رفضتها المحكمة الإدارية في ميلون ومحكمة الاستئناف الإدارية في باريس كلتاهما. وقد أثيرت شكوى انتهاك المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية التي تحمي الحياة الخاصة للأفراد، وحدها أو بالاقتران مع المادة 14، للمرة الأولى أمام مجلس الدولة الذي اعتبرها غير مقبولة. وثمة ممارسة قانونية راسخة في الواقع تقضي بأنه لا يمكن للأطراف، من حيث المبدأ، أن تثير أمام محكمة النقض والإبرام إلا المسائل التي سبق أن أثيرت أمام المحاكم الابتدائية. وإضافة إلى ذلك، فإن المحاججات المتصلة بعدم معرفة الاتفاقية الأوروبية ليست إلزامية، وبالتالي لا حاجة إلى أن تثيرها تلقائي اً المحكمة التي تنظر في إساءة استعمال السلطة. ولذلك فإن هذه المحاججات غير مقبولة إذا كان الاحتجاج بها أمام محكمة النقض يحدث للمرة الأولى. وبناء على ذلك، تطلب الدولة الطرف إلى اللجنة أن تعلن هذا الجزء من البلاغ غير مقبول بموجب المادة 2 من البروتوكول الاختياري.

4-3 وينازع صاحب البلاغ أيض اً بأن طرده النهائي من المدرسة الثانوية حرمه من الحق في التعليم، دون الإشارة إلى أي مادة من العهد. وعلى فرض أنه كان ينوي إثارة هذه الحجة ، ترى الدولة الطرف أنه ينبغي اعتبار هذا الجزء من البلاغ أيضاً غير مقبول بسبب عدم استنفاد سبل الانتصاف المحلية، لأن هذه الشكوى لم تثر أمام المحاكم المحلية.

4-4 وأخيرا ً ، تدعو الدولة الطرف اللجنة إلى اعتبار طلبات صاحب البلاغ بشأن دفع التعويضات غير مقبولة. ف هو لم يقدم أبد اً مثل هذه الطلبات أمام المحاكم المحلية، وبالتالي فهو لم يستنفد سبل الانتصاف المحلية. وعلاوة على ذلك، فإن هذه الطلبات غير المشفوعة حتى بمستندات داعمة تقع في كل الأحوال خارج نطاق اختصاص اللجنة، لأنه بموجب المادة 5 من البروتوكول الاختياري "تقوم اللجنة بإرسال الرأي الذي انتهت إليه إلى الدولة الطرف المعنية وإلى الفرد". وهذ ه طريقة تستخدمها اللجنة لدعوة الدول الأطراف، من حيث المبدأ، إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لتقديم تعويض للضحية. وفي حالات نادرة طلبت اللجنة دفع تعويض لضحية انتهاك نجم عن حالات خاصة جد اً خلاف اً لهذه الحالة (من قبيل حالات الاختفاء القسري)، وحتى عندئذ لم تحدد اللجنة لا مبلغ التعويض ولا الشروط المحددة له، حيث يُترك ذلك للسلطة التقديرية للدولة.

ملاحظات الدولة الطرف بشأن الأسس الموضوعية للبلاغ

5-1 في 23 حزيران/يونيه 2009، قدمت الدولة الطرف ملاحظاتها بشأن الأسس الموضوعية للبلاغ. وأشارت إلى أنه منذ صدور قانون 9 كانون الأول/ديسمبر 1905، تخضع فرنسا لمبدأ ا لفصل بين الكنيسة والدولة، وهو ما يمكِّن الدولة من ضمان حرية ممارسة الدين، وبالتالي حق كل شخص في ممارسة شعائره والانضمام إلى الجمعيات الثقافية، لكن دون اعتراف الدولة بأي دين بعينه. وهذا التصور للفصل، أو العلمانية، يتيح للناس من مختلف الأديان التعايش السلمي، مع الحفاظ على حياد المجال العام. ولذلك فإن الأديان محمية من حيث المبدأ، لأن القيود الوحيدة المفروضة على الممارسات الدينية هي تلك التي تفرضها القوانين السارية على الجميع على قدم المساواة ويفرضها احترام العلمانية وحياد الدولة.

الشكوى من انتهاك المادة 18

5-2 اعت ُ مد القانون رقم 2004/228 عقب مناقشة على الصعيد الوطني، كوسيلة لوضع حد للتوترات والأحداث التي انطلقت شرارتها من ارتداء رموز دينية في مدارس ابتدائية وثانوية عمومية وللحفاظ على حياد التعليم العمومي، لمصلح ة التعددية وحرية الآخرين. فنطاق القانون المذكور والغرض منه محدودان تمام اً. أول اً، الحظر ليس عام اً وإنما يسري فقط على التلاميذ الذين تتراوح أعمارهم بين 6 سنوات و18 سنة المسجلين في المدارس العمومية، وفقط خلال الفترة الزمنية التي يقضونها في مبنى المدرسة. و هو لا يسري على مؤسسات التعليم الخاص أو التعليم العالي. وثاني اً، الحظر ليس منهجي اً وإنما يطال فقط الرموز والملابس الدينية التي من الواضح أنها ت ُ رت َ د ى لسبب ديني والتي ت ُ ظهر انتماءهم الدي ني بشكل لافت. ولذلك يسري الحظر على الرموز التي ي ُ تعرَّف فور اً على أنها ت ُ رتدى لإظهار الانتماء الديني، مثل الحجاب الإسلامي، أي اً كان الاسم الذي يحمله، أو الكيبا ، أو الصلبان المفرطة الكبر بشكل واضح، والرموز التي يمكن استنتاج طابعها الديني من سلوك التلميذ الذي يرتديها . بيد أن الحظر لا يشمل الرموز الدينية غير اللافتة، من مثل صليب صغير أو وسام أو نجمة داود أو كف فاطمة. والقانون لا يصِم أو يفضل أي دين بعينه ولا يتضمن قوائم بالرموز الدينية المحظورة. ولا يزيد التعميم التنفيذي على إيراد أمثلة قليلة كمبادئ توجيهية للرموز الدينية التي لا تفصح عن الانتماء الديني بطريقة لافتة، ولا ينبغي اعتباره قائمة شاملة وحصرية بهذه الرموز. والاقتصار على ذكر الحجاب الإسلامي والكيبا والصلبان المفرطة الكبر بشكل واضح لا يعني القول بأن عمامة السيخ ينبغي استبعادها من القائمة. وفي الاجتهاد القضائي لمجلس الدولة، تتخذ القرارات على أساس كل حالة على حدة للتحقق من تنفيذ إدارات المدارس للقانون ورصد الامتثال لمبدأ المساواة بين الجميع أمام القانون.

5-3 وينص القانون على أن مرحلة الحوار مع مرتكب المخالفة خطوة أولية إلزامية قبل اتخاذ أي إجراءات تأديبية في حقه. وأخير اً، لا ي ُ حرم التلاميذ الذين يوقفون عن الدراسة بموجب هذا القانون من الحصول على التعليم والتدريب. إذ يجب أن ي ُ خطر بحالاتهم رئيس هيئة التعليم أو مفتش التعليم حتى يتسنى تسجيلهم في مدرسة أخرى أو مركز عمومي للتعلم عن بعد. و يجب أن تتاح للتلاميذ دائم اً إمكانية متابعة شكل من التعليم الخاص، أو حتى الديني، تساهم السلطات المحلية في تغطية تكاليفه من الأموال العامة.

5-4 و قد ذكرت الدولة الطرف أثناء نظر اللجنة في تقريرها الدوري ، أن القانون رقم 2004/228 كانت له نتائج إيجابية عموم اً وأنه لم تقع أية حوادث خطيرة. وقد تراجع تدريجي اً عدد التلاميذ الذين التمسوا سبل انتصاف مثيرة للجدل. ولذلك يبدو أن المشكلة الرئيسية ليست عدد الحوادث ولكن درجة التوتر وعدد المطالبات المقدمة من مجموعة دينية معينة.

5-5 وتستشهد الدولة الطرف بالاجتهاد القضائي للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. ويعكس هذا الاجتهاد القضائي الذي يتيح للدول الأطراف في الاتفاقية الأوروبية هامش اً من المناورة اعتزام المحكمة مراعاة الخيارات، ولا سيما الخيارات الدستورية والتشريعية، التي تبنتها الدول المتشبثة بمبدأ العلمانية، وفي الوقت نفسه رصد مدى احترام الحقوق والحريات التي تحميها الاتفاقية.

5-6 وترى الدولة الطرف أن أحكام الفقرة 3 من المادة 18 من العهد قد روعيت في هذه القضية.

(أ ) التدبير المطعون فيه يمتثل للقانون

5-7 للتدبير المطعون فيه ما يلزم من أساس قانوني. فقبل اعتماد القانون، ع ُ قدت مناقشة وطنية شاركت فيها السلطات الدينية والمربون. ونفذت القانون السلطات المختصة بالاستناد إلى تعميمات وأنظمة داخلية، وخضع القانون قبل وبعد تنفيذه ل لاجتهاد القضائي ذ ي الصلة.

(ب ) التدبير المطعون فيه سعى إلى تحقيق هدف مشروع

5-8 كان حظر ارتداء صاحب البلاغ لعمامة السيخ الصغيرة، سعي اً إلى إعمال مبدأ العلمانية الدستوري، وسيلة لصون احترام الحياد في التعليم العمومي والسلم والنظام في المدارس، رهن اً باحترام التعددية وحرية الآخرين. ولا يمكن الطعن في مشروعية هذا المبدأ طعن اً جديا ً . ف إذا كانت هوية صاحب البلاغ لا تتواءم و العلمانية الفرنسية، فله الحرية في متابعة تعليمه في مدرسة خاصة أو حتى دينية، حيث لن يتسبب ارتداء كيسكي السيخ في أي مشكلة. وليست المسألة مسألة فرض وجهة نظر على صاحب البلاغ، وإنما هي إنفاذ القانون العلماني في مباني المدارس العمومية. وقد ساعد قانون عام 2004 على نزع فتيل التوترات التي كان من المحتمل ظهورها في المدارس الابتدائية والثانوية العمومية. وقد تراجع عدد الحوادث المبلغ عنها منذ دخوله حيز النفاد، وهو ما يعكس قبول اً واسع اً. وإجراء الحوار يؤدي وظيفته بشكل جيد بالنظر إلى أن الأغلبية العظمى من الحالات ت ُ سو ّ ى في هذه المرحلة. ومن شأن معاملة الأطفال المنتمين إلى ديانة السيخ معاملة مختلفة أن ت كون منافية لمبدأ المساواة بين الجميع أمام القانون وبالتالي تمييزية.

(ج ) التدبير المطعون فيه متناسب مع الغرض منه

5-9 قصدُ القانون رقم 2004/228 من حظر الرموز أو الملابس التي تظهر الانتماء الديني بشكل لافت لا يعبر عن رد على اضطرابات أو رغبة في التبشير. بل على العكس من ذلك، كان الغرض من القانون هو تلطيف التشريع، إذ كان صعب التطبيق على نحو خاص وأدى إلى تفسيرات تختلف من مدرسة إلى أخرى، وذلك بسبب اعتماده إلى حد كبير على تقييم سلوك التلميذ أو وجود تهديدات للنظام العام. فالتدبير متناسب مع الغرض منه. فهو ، أول اً، لا يسري إلا على المدارس العمومية. وثانيا ً ، ي ُ لزم القانون بمباشرة الحوار. وفي هذه الحالة بعينها، أجرى مدير الثانوية العديد من المقابلات، وكذا رئيس هيئة التعليم ومفتش المدارس. وفي 6 أيلول/سبتمبر 2004، اتخذ قرار بوضع صاحب البلاغ في غرفة للدراسة تحت إشراف مدرّس . وثالثا ً ، لم يتخذ قرار طرده نهائيا ً إلا كملاذ أخير. فقد تعذر التوصل إلى تسوية ورفض صاحب البلاغ بإصرار التوقف عن ارتداء عمامة أو عمامة صغيرة خلال الأنشطة المدرسية الإلزامية. ووضع صاحب البلاغ هو نفسه حدا ً لمرحلة الحوار برفعه دعوى أمام المحكمة الإدارية في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2004 يطلب فيها قبوله من جديد في المدرسة، وإلا عقد مجلس تأديبي. وفي ظل هذه الظروف، لا يمكن للقاضي إلا أن يسلم بعدم وجود اتفاق ويأمر مدير الثانوية بعرض القضية على المجلس التأديبي للمدرسة. ومن أصل مائة أو ما يقارب مائة تلميذ سيخي يتابعون الدراسة في منطقة كريتاي التي تضم أناس اً من مختلف الطوائف الدينية، لم يقدم سوى ثلاثة تلاميذ، أحدهم هو صاحب البلاغ، دعوى استئناف بعد رفضهم التوقف عن ارتداء العمامة. وفي ضوء استمرار الخلاف، قدم مفتش المدارس ثلاثة مقترحات: (أ) التسجيل في المركز الوطني للتعلم عن بعد إلى جانب التعليم المنزلي؛ (ب) التسجيل في مدرسة خاصة متعاقدة مع الدولة في ظل أوضاع دراسية وتعليمية مماثلة للمدرسة العمومية؛ (ج) التسجيل في مدرسة خاصة غير متعاقدة مع الدولة. واختارت أسر التلاميذ الثلاثة المعنيين التعلم عن بعد. وتمكن صاحب البلاغ من مواصلة دراسته، بما فيها الجامعية، وفق اً للبرنامج الرسمي دون حاجة إلى تغيير طريقته في اللباس. وبالتالي، فإنه لا يمكن القول إنه كانت لتطبيق القانون آثار خطيرة ونهائية على حالته.

5-10 وفي ضوء ما ورد أعلاه، تخلص الدولة الطرف إلى أن صاحب البلاغ لم يقع ضحية لانتهاك المادة 18 من العهد، إذ لا بد أنه كان يدرك مخاطر الطرد بسبب ارتداء الكيسكي غير القانوني، وقد بُرِّر التشريع استناد اً إلى المبدأ الدستوري المتمثل في العلمانية والحريات الأساسية للآخرين في مجال التعليم العمومي، وكانت الوسائل المستخدمة متناسبة مع الغايات المنشودة .

الشكوى من انتهاك المادة 17

5-11 كررت الدولة الطرف تأكيد أن التدبير المطعون فيه ليس تعسفي اً ولا غير قانوني. وعلاوة على ذلك، لم تنازع إدارة المدرسة ولا هيئة التدريس أبد اً في "حرمة " شعر صاحب البلاغ في نظره، ولا شككت في حقه في إبقائه على حاله. ولا تستطيع الدولة الطرف أن توافق على محاجة صاحب البلاغ بأنه تنبغي معاملة التلاميذ السيخ بطريقة مختلفة عن التلاميذ المسلمين أو اليهود أو الكاثوليك. وإضافة إلى أن هذا النهج يمكن أن يتعارض مع مبدأ المساواة أمام القانون، ويكون بالتالي تمييزي اً، فإن من شأنه أن يفضي إلى تخلي الدولة عن حيادها وإبدائها رأي اً في مشروعية المعتقدات الدينية وأشكال التعبير عنها. وفي هذه الحالة بالذات، لم تزد الإدارة وبعدها القاضي عن إجراء تقييم موضوعي لما إذا كان الرمز الذي يظهر الانتماء الديني و الذي يرتديه صاحب البلاغ لافت اً أم لا. ولم يترتب عن تقييمهما أي تدخل في عقيدته أو أي حكم بشأن ارتداء العمامة أو العمامة الصغيرة. ومن ثم تخلص الدولة الطرف إلى أن صاحب البلاغ لم يقع ضحية لانتهاك المادة 17 من العهد.

الشكوى من انتهاك المادتين 2 و26

5-12 تدفع الدولة الطرف بأن صاحب البلاغ لم يقع ضحية لانتهاك المادتين 2 و26 من العهد. فهو لم يتعرض لأي شكل من أشكال التمييز لأن القانون يتعلق بجميع الرموز الدينية اللافتة، بغض النظر عن الدين الذي تنتمي إليه. ولا يقدم صاحب البلاغ أدلة على وقوع أي تمييز غير مباشر ناشئ عن القانون رقم 2004/228. ولذلك لا تستطيع الدولة الطرف قبول حججه التي ربما تنطوي على ضرورة السماح باستثناء على أساس الانتماء إلى دين بعينه، مما ينتهك أحكام العهد. ولا يعود إلى اللجنة أن تقرر ما إذا كانت لعمامة السيخ أهمية دينية "أكثر" من الحجاب الإسلامي أو الكيبا وما إذا كان ينبغي للقانون بالتالي أن يستثني فقط التلاميذ المنتمين إلى ديانة السيخ. وعلى عكس مزاعم صاحب البلاغ، لم ي ُ عط إطلاقا ً أي تطمين ب هذا المعنى للسكان السيخ. وقد ناقشت الحكومة هذه المسألة مع ممثلي السيخ و ممثلي الديانات الأخرى، من أجل توضيح بنود ونطاق القانون وإيجاد حلول توفيقية.

تعليقات صاحب البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف

6-1 في 28 آب/أغسطس 2009، قدم صاحب البلاغ تعليقات على ملاحظات الدولة الطرف بشأن مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية.

6-2 ف فيما يتعلق بملاحظات الدولة الطرف التي تزعم فيها أن سبل الانتصاف المحلية لم تستنفد ، فقد أصدر مجلس الدولة حكمه بصفته المحكمة العليا. ولذلك لم تكن هناك إمكانية لسبل انتصاف قانونية أخرى. ولقد سبق لصاحب البلاغ أن قدم أمام المحاكم المحلية أساس اً جميع الشكاوى التي قدمها إلى اللجنة منذ بدء الإجراءات القانونية. وإذا كانت هناك أية حالات إغفال في هذا الصدد، فهي طفيفة وبسيطة، بالنظر إلى أن المسائل الموضوعية التي تستند إليها الدعاوى لم تكن أبد اً موضع شك. ولم يكد يُطعَن في الوقائع كما عرضها صاحب البلاغ. ولا أهمية لكون صاحب البلاغ قد أشار تحديدا ً إلى حقوقه بموجب الاتفاقية الأوروبية خلال الدعاوى المحلية وليس إلى ما يعادلها من حقوق منصوص عليها في العهد. وهي متطابقة إلى حد كبير. وقد كان الحق في التعليم دائم اً في صلب هذه الدعوى.

6-3 وأخير اً، لا يوجد إلزام بتحريك الدعاوى إذا كان محكوم اً عليها بالفشل. وفي ضوء حكم مجلس الدولة، لا يمكن في الواقع القول - والدولة الطرف لا تقول ذلك - بوجود إمكانية للتوصل إلى نتيجة مختلفة لو أن صاحب البلاغ أثار المسائل التي تقول الدولة الطرف إنه لم يثرها.

6-4 وعملاً بالفقرة 3 من المادة 2 من العهد، يقع على الدولة الطرف التزام ضمان وسيلة انتصاف فعالة لصاحب البلاغ، بما في ذلك التعويض. وقد كان الاستئناف أمام المحاكم المحلية ذا طابع إداري وكان هدفه إبطال التدابير المطعون فيه. وبعد أن أكدت المحاكم المحلية قانونية الطرد النهائي لصاحب البلاغ، لم يعد من الممكن رفع دعوى ل لمطالبة بالتعويض.

6-5 وفيما يتعلق بملاحظات الدولة الطرف بشأن الأسس الموضوعية للبلاغ، يحاجج صاحب البلاغ بأن إيديولوجية الدولة الطرف، وهي العلمانية، لا ينبغي أن تفرض بطريقة تضعف أو تقيِّد أو تعيق حقوق المواطنين الذين لهم معتقدات دينية مختلفة كلما كان فعل ذلك غير متناسب وغير ضروري. ولم ينظر الاجتهاد القضائي الأوروبي في مدى ضرورة وتناسب القانون رقم 2004/228 على النحو الذي طبق به في قضية جاسفير سينغ ضد فرنسا ( ) . ولم تقدم الدولة الطرف مبررات حقيقية، لا في قضية جاسفير سينغ أمام المحكمة الأوروبية ولا في القضية الراهنة.

6-6 وفيما يتعلق بالشكاوى المقدمة في إطار المادة 18، لم يجادل صاحب البلاغ في أن التدابير منصوص عليها في القانون. كما أنه يوافق على أن من شأن تلك التدابير أن تكون مشروعة إذا كان لها هدف مشروع وكانت متناسبة مع هذا الهدف. بيد أن الدولة الطرف لم تثبت هذه التبريرات في الملابسات الخاصة لهذه القضية. ولم تقدم الدولة الطرف أي دليل على أن جالية السيخ تشكل تهديد اً للسلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة، أو أن الحقوق الأساسية للآخرين تأثرت بأي شكل من الأشكال، بسبب ارتداء العمامة أو الكيسكي أو أي غطاء آخر من أغطية الرأس. ولا تستطيع دولة من الدول أن تعلن أن لمبدأ أو سياسة رسمية هدف اً مشروع اً عندما لا يقوم دليل على وجود هدف وأثر ملموس، مثل الاضطرابات المدنية أو الإجرام أو انتهاك حقوق الآخرين. ومبدأ حرية الدين ليس مقابل العلمانية. فالعلمانية تسود بصرف النظر عن الكيفية التي يمكن تطبيقها بها وفق اً للمادة 18. ويجب أن يعطى لعدم وجود أية أخطار تهدد النظام العامة أو الصحة العامة أو السلامة العامة أو الحقوق الأساسية للآخرين ما يلزم من اعتبار عند تقييم مدى الحاجة إلى اتخاذ تدابير بموجب الفقرة 3 من المادة 18. فالارتباك الوحيد الذي طال جالية السيخ في فرنسا هو ذلك الذي تسبب فيه القانون رقم 2004/228.

6-7 وعندما لا تكون هناك مخاطر محددة نتيجة إظهار صاحب البلاغ لدينه أو معتقداته، ينبغي للجنة توخي الحذر قبل أن تخلص إلى وجود حاجة إلى التدخل في هذه المسائل. وتحاول الدولة الطرف أن تظهر أن التدخل محدود من ثلاثة أوجه: أنه لا يحدث إلا في المدارس العمومية حصر اً؛ ولا يؤثر إلا على التلاميذ الذين تتراوح أعمارهم بين 6 سنوات و18 سنة؛ وأنه يقتصر على الرموز التي تظهر الانتماء الديني بطريقة لافتة. ومع ذلك لم تثبت الدولة الطرف، في هذه القضية، أن التدخل كان ضروري اً. وبما أن شعر صاحب البلاغ غير الحليق يكشف أنه من السيخ، ف لا يمكن تصور نشوء التزام عن ذلك عدا ضرورة تغطية الشعر بشكل غير لافت، كما فعل، وذلك بغطاء خفيف داكن اللون في شكل الكيسكي . وهذا حل توفيقي لم يتلق التقدير الذي يستحق.

6-8 وتركز الدولة الطرف تركيز اً كبير اً على شرط الحوار المنصوص عليه في القانون. ولا أهمية لهذا الشرط ما دام موقف الحكومة بعدم وجود إمكانية للتسوية واضح اً. ويظهر تقرير التقييم الذي نشر بعد سنة من بدء سريان القانون أنه كان له أثر كبير على جالية السيخ في فرنسا. فقد ط ُ رد خمسة أطفال. والتلاميذ الذين لم يتعرضوا للتوقيف عن الدراسة كانوا صغارا ً جدا ً وعلى استعداد لوضع ثوب على شعرهم، بينما الآخرون إما ذهبوا إلى المدرسة حاسري الرأس أو تابعوا الدروس بالمراسلة أو قصّوا شعرهم . وإذا لم يرفع التلاميذ السيخ إلا عدد اً قليل اً من القضايا من منذ اعتماد القانون، فيرجح أن سبب ذلك هو أن القانون قي َّ د حقهم في التعليم الفرنسي إذا لم يحلقوا شعرهم، أو لأنهم لم يكن أمامهم بديل آخر قابل للتطبيق (بما أن التعليم الخاص ليس في متناول الجميع) عدا الانصياع لقانون صارم. وفي هذه القضية بعينها، ثبت أن التعلم عن بعد صعب بالنسبة لصاحب البلاغ وليس بأي وجه من الوجوه بنفس مستوى التعليم في المدرسة التي است ُ بعد منها. ونتيجة لذلك، كان عليه إعادة السنة الأخيرة في مدرسة كاثوليكية، مما أدى إلى فقدانه سنة دراسية.

6-9 ويحاجج صاحب البلاغ، في معرض كلامه عن الشكاوى المقدمة في إطار المادة 17، ب أن ديان ته توجب إبقاء الشعر نظيف اً ومرتب اً كعلامة على الاحترام وعدم تركه سائباً ومنفوش اً ، وبما أنه لم يسبق له أن حلق شعر رأسه فإن هذا يكفي في حد ذاته ل جعل انتما ئه إلى ديانة السيخ أمر اً واضح اً بصرف النظر عما إذا كان مغطى الرأس أم لا.

6-10 وفيما يتعلق بالشكاوى المقدمة في إطار المادتين 2 و26، يدعي صاحب البلاغ أن القانون كان له أثر ضار على السيخ وبعض الديانات الأخرى. فخلاف اً للسيخية (أو اليهودية أو الإسلام) لا تلزم المسيحية (الديانة الرئيسية في فرنسا) بارتداء رموز. وفي الواقع، لا يضر القانون بالتالي إلا بالسيخ وأتباع الديانات الأخرى ، غير المسيحية ، التي تلزم بارتداء الرموز التي يصنفها القانون على أنها لافتة. واللجنة مدعوة إلى الخلوص إلى أن القانون رقم 2004/228، وإن كان محايد اً في الظاهر، هو في الواقع قانون تمييزي بشكل غير مباشر في الواقع. ولذلك، يجب على الدولة الطرف أن تبرر هذا الأثر التمييزي. كما يجب عليها أن تثبت أن هذا القانون يسعى إلى تحقيق هدف مشروع وأن الأثر التمييزي متناسب مع هذا الهدف. وفي هذه القضية، لم يكن التدبير التمييزي لا موضوعي اً ولا معقول اً.

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

7-1 قبل النظر في أي ادعاء يرد في بلاغ ما، يجب على اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، وفقاً للمادة 93 من نظامها الداخلي، أن تبت في ما إذا كان البلاغ مقبولاً بموجب البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد.

7-2 وقد تأكدت اللجنة من أن المسألة نفسها ليست قيد النظر في إطار إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية، وفق ما تتطلبه الفقرة 2 (أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

7-3 وفيما يتعلق بمسألة استنفاد سبل الانتصاف المحلية، تحيط اللجنة علم اً بأن صاحب البلاغ التمس الانتصاف القانوني أمام جميع السلطات الإدارية والقضائية المختصة، بما فيها مجلس الدولة ، وأن هذا الأخير خلص إلى أن القرار المطعون فيه استئنافي اً لم يسئ تفسير المادتين 9 و14 من الاتفاقية الأوروبية. و لأغراض البروتوكول الاختياري، تشير اللجنة إلى أن صاحب بلاغ ما ليس ملزم اً بالاستشهاد بمواد محددة من العهد أمام المحاكم المحلية، وإنما فقط إثارة الحقوق الأساسية المحمية بموجب العهد. وتلاحظ اللجنة أن صاحب البلاغ ادعى أمام المحاكم المحلية وقوع انتهاك ل لحق في حرية الدين ومبدأ عدم التمييز، وهما محميان بموجب المواد 2 و18 و26 من العهد. ولذلك ليس في الفقرة 2 (ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري ما يمنع اللجنة من النظر في الأسس الموضوعية للقضية.

7-4 وفيما يتعلق بالشكوى من انتهاك المادة 17 من العهد، تلاحظ اللجنة أن صاحب البلاغ لم يثر مسألة انتهاك حقه في الخصوصية إلا خلال الطعن بالنقض والإبرام أمام مجلس الدولة. ولذلك أعلن المجلس أن سبيل الانتصاف غير مقبول، وفق اً للقانون المحلي. وفي هذه الظروف، ترى اللجنة أن سبل الانتصاف المحلية المتعلقة بالانتهاك المزعوم للمادة 17 من العهد لم تستنفد، وبالتالي تعلن عد م مقبولية الشكوى بموجب الفقرة 2 (ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

7-5 وترى اللجنة أن ادعاءات صاحب البلاغ في إطار المادتين 18 و26 تستوفي جميع معايير المقبولية و لذلك تشرع اللجنة في النظر في الأسس الموضوعية.

النظر في الأسس الموضوعية

8-1 نظرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في هذا البلاغ في ضوء جميع المعلومات التي أتاحها لها الطرفان ، على نحو ما هو منصوص عليه في الفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

8-2 ويجب على اللجنة أن تبت في ادعاء صاحب البلاغ أن طرده من المدرسة بسبب ارتدائه الكيسكي يمثل انتهاك اً لحقه في حرية الدين، وخاصة حقه المنصوص عليه في المادة 18 من العهد في إظهار دينه. ويرى صاحب البلاغ أن هذا الإجراء غير مبرر لأن الدولة الطرف لم تقدم أي دليل على أن جالية السيخ تشكل تهديد اً للسلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة، أو أن الحريات الأساسية للغير قد تأثرت بأي حال من الأحوال من ارتداء العمامة، الكيسكي ، أو غيره من أغطية الرأس. وفي هذا الصدد، تحيط اللجنة علم اً بتأكيد الدولة الطرف أن القانون رقم 2004/228 صدر عقب مناقشة جرت على الصعيد الوطني كوسيلة لوضع حد للتوترات والحوادث التي اندلعت نتيجة ارتداء رموز دينية في المدارس الابتدائية والثانوية وللحفاظ على حياد التعليم العمومي حرصاً على التعددية وحرية الآخرين. وكان الغرض من القانون هو تعديل الحالة التي كان عليها القانون من قبل، إذ كان من الصعوبة بمكان تطبيق القانون الذي أدى إلى تفسيرات تختلف من مدرسة إلى أخرى، بسبب اعتماده إلى حد كبير على تقييم سلوك التلاميذ أو حدوث تهديدات للنظام العام. وتحيط اللجنة علم اً أيض اً برأي الدولة الطرف القائل بأن التدبير المطعون فيه كان يسعى بذلك إلى تحقيق هدف مشروع، وهو السعي إلى إعمال مبدأ (العلمانية) الدستوري، صون اً لاحترام الحياد في التعليم العمومي والسلم والنظام في المدارس. وتحيط اللجنة علم اً كذلك بتأكيد الدولة الطرف أن التدبير المطعون فيه كان متناسب اً مع الهدف المنشود ، ما دام لا يسري إلا على المدارس العمومية وي ُ لزم بمباشرة حوار بين التلميذ والسلطات المدرسية. وفي هذه القضية تحديد اً، أجرى مدير الثانوية ورئيس هيئة التعليم ومفتش المدارس عدة مقابلات مع صاحب البلاغ قبل طرده النهائي.

8-3 وتذكّر اللجنة بتعليقها العام رقم 22 بشأن المادة 18 من العهد وترى أن الحرية في إظهار الدين تشمل ارتداء ملابس أو أغطية رأس مميزة. وكون ديانة السيخ ت ُ لزم أتباعها الذكور بارتداء العمامة في المجال العام وهو أمر لا جدل فيه. وي ُ عتبر ارتداء العمامة واجب اً ديني اً للرجل، كما أنه مرتبط بهوية الشخص. وعليه، تعتبر اللجنة أن ارتداء صاحب البلاغ لعمامة أو كيسكي فعل اً ذا دوافع دينية، بحيث أن حظر ارتدائه بموجب القانون رقم 2004/228 يشكل قيد اً على ممارسة الحق في حرية الدين.

8-4 ومن أجل البت في هذا البلاغ، تركز اللجنة على مدى توافق تطبيق القانون ، في ظل الملابسات الخاصة لهذا البلاغ ، مع المادة 18 من العهد.

8-5 ويجب على اللجنة أن تحدد ما إذا كانت الفقرة 3 من المادة 18 من العهد تسمح بالتقييد المفروض على حرية صاحب البلاغ في إظهار دينه أو معتقداته (الفقرة 1 من المادة 18). ومن مسؤولية اللجنة، على وجه الخصوص، أن تبت فيما إذا كان هذا التقييد ضروري اً ومتناسب اً مع الغاية المرجوة، على النحو الذي حددته الدولة الطرف. وتؤكد اللجنة من جديد أنه يجوز للدولة أن تقيد حرية إظهار دين من الأديان إذا كانت ممارسة ذلك تضر بالهدف المعلن المتمثل في حماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة، أو حقوق الغير وحرياتهم الأساسية.

8-6 وتقر اللجنة بأن مبدأ (العلمانية) هو في حد ذاته وسيلة تسعى من خلالها الدولة الطرف إلى حماية الحرية الدينية لجميع سكانها، وأن اعتماد القانون رقم 2004/228 قد جاء رداً على حوادث فعلية للتدخل في الحرية الدينية للتلاميذ، بل وتهديد سلامتهم البدنية في بعض الأحيان. ولذلك، تعتبر اللجنة أن القانون رقم 2004/228 يخدم الأغراض ذات الصلة بحماية حقوق الآخرين وحرياتهم والنظام العام والسلامة العامة. وعلاوة على ذلك، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لا تنازع في أن (العلمانية) بطبيعتها ت ُ لزم المستفيدين من الخدمات الحكومية بتفادي ارتداء رموز أو ملابس دينية لافتة في المباني الحكومية عامة، أو في المباني المدرسية خاصة. بل إن القانون اعت ُ مد استجابة لبعض الحوادث الراهنة.

8-7 وفي هذه القضية، تحيط اللجنة علم اً بقول صاحب البلاغ الذي لم تطعن فيه الدولة الطرف، وهو أن ارتداء ذكور السيخ للكيسكي أو العمامة ليس مجرد رمز ديني، وإنما عنصر أساسي من هويتهم ومبدأ ديني ملزم. وتحيط اللجنة علم اً أيض اً بتفسير الدولة الطرف بأن حظر ارتداء رموز دينية لا يشمل إلا الرموز والملابس التي ت ُ ظهر الانتماء الديني بشكل لافت، و من ثم فهو لا يشمل الرموز الدينية غير اللافتة، وأن مجلس الدولة يتخذ قراراته في هذا الصدد على أساس كل حالة على حدة. ومع ذلك، ترى اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أدلة دامغة على أن صاحب البلاغ قد شكل، بارتدائه الكيسكي ، تهديد اً لحقوق وحريات التلاميذ الآخرين أو النظام في المدرسة. وترى اللجنة أيض اً أن عقوبة الطرد النهائي للتلميذ من المدارس العمومية لم يكن متناسب اً وأدى إلى آثار خطيرة على التعليم الذي يحق لصاحب البلاغ أن يتلقاه، مثل أي شخص في سنه، في الدولة الطرف. واللجنة غير مقتنعة بأن الطرد كان ضروري اً وأن الحوار بين السلطات المدرسية وصاحب البلاغ قد أخذ في الاعتبار حق اً مصالحه وظروفه الخاصة. وعلاوة على ذلك، فرضت الدولة الطرف جزاء ً مؤذي اً على صاحب البلاغ، لا بسبب سلوك شخصي نتجت عنه مخاطر ملموسة وإنما لمجرد أنه يدخل ضمن فئة واسعة من الأشخاص الذين تتحدد هويتهم بسلوكهم الديني. وفي هذا الصدد، تحيط اللجنة علم اً بتأكيد الدولة الطرف أن التوسيع الشديد لفئة الأشخاص الممنوعين من الامتثال لواجباتهم الدينية يبسِّط إدارة هذه السياسة التقييدية. ومع ذلك، ترى اللجنة أن الدولة الطرف لم تثبت ما يسوغ اعتبار التضحية بحقوق هؤلاء الأشخاص أمر اً ضروري اً أو متناسب اً مع الفوائد المحققة. ولكل هذه الأسباب، تخلص اللجنة إلى أن طرد صاحب البلاغ من مدرسته لم يكن ضروري اً بموجب الفقرة 3 من المادة 18 و قد انته ك حقه في إظهار دينه كما أنه يشكل انتهاك اً للمادة 18 من العهد.

8-8 وإذ رأت اللجنة أن هناك انتهاكاً للمادة 18 من العهد، فإنها لن تنظر في الادعاء المتعلق بحدوث انتهاك منفصل لمبدأ عدم التمييز الذي تضمنه المادة 26 من العهد ( ) .

9- وترى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، إذ تتصرف بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أن الوقائع التي عُرضت عليها تكشف عن انتهاك للمادة 18 من العهد.

10- ووفقاً للفقرة 3 من المادة 2 من العهد، فإن الدولة الطرف ملزمة بأن توفر لصاحب البلاغ سبل انتصاف فعالة، بما في ذلك دفع تعويض ملائم. والدولة الطرف ملزمة أيض اً بمنع حدوث انتهاكات مماثلة في المستقبل، كما ينبغي لها مراجعة القانون رقم 2004/228 في ضوء التزاماتها بموجب العهد، ولا سيما المادة 18.

11- وإذ تضع اللجنة في اعتبارها أن الدولة الطرف اعترفت، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، بأن اللجنة مختصة لتحديد ما إذا كان هناك انتهاك للعهد أم لا وأنها، وفقاً للمادة 2 من العهد ، التزمت بضمان الحقوق المعترف بها فيه لجميع الأفراد المقيمين في إقليمها والخاضعين لولايتها وبتأمين سبل انتصاف فعالة وواجبة التنفيذ عند ثبوت حالة انتهاك، فإن اللجنة تود أن تتلقى من الدولة الطرف، في مهلة 180 يوماً، معلومات عن التدابير المتخذة لتفعيل هذه الآراء. كما أن الدولة الطرف مدعوة إلى تعميم آراء اللجنة.

[اعتُمدت بالإسبانية والإنكليزية والفرنسية، علماً بأن النص الإنكليزي هو النص الأصلي. وستصدر لاحقاً بالروسية والصينية والعربية كجزء من تقرير اللجنة السنوي إلى الجمعية العامة.]