الأمم المتحدة

CAT/C/65/D/758/2016

Distr.: General

2019

Arabic

Original: English

لجنة مناهضة التعذيب

اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة

Distr.: General

8 February 2019

Arabic

Original: French

قرار اعتمدته اللجنة بموجب المادة 22 من الاتفاقية، بشأن البلاغ رقم 758/2016 * ** ***

بلاغ مقدم من: آدم هارون (يمثله المحاميان غابرييلا تاو وبوريس فيسكستروم)

الشخص المدعى أنه ضحية: صاحب الشكوى

الدولة الطرف: سويسرا

تاريخ تقديم الشكوى: 8 تموز/يوليه 2016 (تاريخ الرسالة الأولى)

تاريخ اعتماد هذا القرار: 6 كانون الأول/ديسمبر 2018

الموضوع: الترحيل إلى إيطاليا

المسائل الإجرائية : عدم إثبات الادعاءات بأدلة كافية؛ عدم مقبولية الشكوى من حيث الاختصاص الموضوعي

المسائل الموضوعية: خطر التعرض للتعذيب؛ والحق في التعويض؛ والعقوبة أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة

مواد الاتفاقية: 3 و14 و16.

1-1 صاحب الشكوى هو آدم هارون، مواطن إثيوبي مولود في 28 أيلول/سبتمبر 1990. وقد صدر بحقه قرار ترحيل إلى إيطاليا، وهو يعتبر أن تنفيذ القرار سيشكل انتهاكاً من جانب سويسرا للمواد 3 و14 و16 من الاتفاقية. ويمثله المحاميان غابرييلا اتاو وبوريس فيسكستروم، من المركز السويسري للدفاع عن حقوق المهاجرين.

1-2 وفي 13 تموز/يوليه 2016، طلبت اللجنة إلى الدولة الطرف، عن طريق مقررها المعني بالشكاوى الجديدة والتدابير المؤقتة، عدم ترحيل صاحب الشكوى إلى إيطاليا ريثما تنظر اللجنة في شكواه.

الوقائع كما عرضها صاحب الشكوى

2-1 انخرط صاحب الشكوى في العمل السياسي دفاعاً عن قضية جماعة الأورومو الإثنية منذ عام 2005 بعد تعرض شقيقته للقتل شنقاً في جامعة ميكيلي. وفي عام 2006 انضم إلى جبهة تحرير الأورومو، وهي حزب سياسي يناضل من أجل حقوق جماعة الأورومو في إثيوبيا. واضطلع بأنشطة الدعوة والتوعية في صفوف الشباب والفلاحين، وخلال مزاولة دراسته في اختصاص الطب كان هو المسؤول عن الحزب داخل فرع الطلاب بجامعة أرات كيلو. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2006، اعتُقل صاحب الشكوى وأودع في سجن كاليت كارشالي حتى نهاية كانون الثاني/نوفمبر 2008.

2-2 وخلال إقامته في السجن، تعرض لتعذيب شديد شمل أعضاءه التناسلية وبطنه بوجه الخصوص. ويُزعم أن معذبيه استخدموا مقصاً لقطع كيس الصفن وماءً ساخناً لحرق خصيته وأنه تعرض أيضاً للضرب في أسفل البطن وعلى مستوى الأجزاء التناسلية ولغرس شفرة حادة في جنبه الأيمن. ويُدّعى أيضاً أن معذبيه قاموا بإدخال زجاجات في دبره ودفعوا بها داخل المستقيم، وأنه تعرض لضرب مبرح على الظهر وأعقاب القدمين ( ) .

2-3 وفي تاريخ غير محدد، أُفرج عن صاحب الشكوى بسبب تدهور حالته الصحية. وفي نهاية آذار/مارس 2008 تلقى رسالة من الحكومة الإثيوبية تعلمه فيها بأنه سيودع السجن من جديد ما أن تتحسن حالته الصحية.

2-4 وفي 29 حزيران/يونيه 2008، فر صاحب الشكوى من إثيوبيا. ودخل إلى كينيا والسودان ليعبر الصحراء الليبية، ثم في تشرين الثاني/نوفمبر 2008 ركب سفينة في ليبيا وعلى متنها 485 شخصاً آخر لعبور البحر المتوسط. ولم ينج من هذه الرحلة سوى 125 راكباً. وأُنقذ صاحب الشكوى بفضل تدخل عسكريين إيطاليين نقلوه على وجه السرعة على متن مروحية باتجاه مستشفى في روما. ونظراً للتدهور الحاد في حالته الصحية بسبب التجفاف والتلوث بالملح، احتُفظ به في المستشفى لمدة ثلاثة أشهر. وخلال إقامته في المستشفى، لم ينكب الأطباء على مشاكله الصحية الأخرى الناتجة عما تعرض له من تعذيب في إثيوبيا. وفي نهاية فترة إقامته في المستشفى، استمعت إليه السلطات الإيطالية. وما أن تحسنت حالته الصحية نُقل إلى غروسيتو.

2-5 وفي 1 أيار/مايو 2009، تحصل صاحب الشكوى على مركز اللاجئ ومُنح ترخيص إقامة في إيطاليا صالح لمدة خمس سنوات. وجُلب ملفه إلى مركز الشرطة في غروسيتو. ورغم أن حالته الصحية لم تتحسن بعد، تلقى في تاريخ غير محدد أمراً بالمغادرة من المسؤول عن مركز الاستقبال. ولأنه لم يغادر مركز الاستقبال بعد مضي أسبوع على صدور الأمر، استنجدت إدارة المركز بالشرطة لإرغامه على المغادرة. فاضطر إلى العيش في الشارع لمدة ثلاث سنوات ( ) ولم تتوافر لديه أي إمكانية للحصول على الأدوية وعلى الحفاضات التي كان في أمس الحاجة إليها. وطلب، في مناسبات عديدة، الحصول على العلاج في مستشفى غروسيتو، لكن إدارة المستشفى رفضت طلبه في كل مرة بحجة أنه ليس لديه عنوان قار. فاستنجد بالشرطة، لكنها رفضت أن تقدم له أي شكل من أشكال المساعدة.

2-6 ونظراً لحالته الصحية المتدهورة، وإذ كان يؤمن بأنه غير قادر على العيش في إيطاليا بسبب عدم حصوله على أي شكل من أشكال المساعدة، سافر إلى النرويج في آذار/مارس 2012 وتقدم بطلب من أجل اللجوء. وفوراً بعد وصوله، تلقى علاجاً طبياً مكثفاً بسبب حالته الصحية الحرجة. وخلال كامل فترة إقامته في النرويج، اضطر إلى الذهاب إلى المستشفى مرة إلى مرتين كل أسبوع. وطلبت النرويج إلى إيطاليا قبول صاحب الشكوى في إقليمها من جديد. وتلقى صاحب الشكوى ضمانات من السلطات النرويجية مفادها أنه سيتلقى في إيطاليا ما يلزمه من رعاية طبية واجتماعية.

2-7 وعند وصول صاحب الشكوى إلى روما، نقلته السلطات إلى غروسيتو حيث تبين أن الوضع مخالف تماماً للوعود التي قُدمت له في النرويج: وبدلاً من استقباله، بيّنت له السلطات المحلية بوضوح أنه لن يتلقى أي علاج ولن يحصل على مأوى أو إعانة وأن عليه المغادرة. بل والأسوأ من ذلك أن الشرطة افتكت منه الوثائق ( ) التي تسمح له بالإقامة في إيطاليا ولم ترجعها إليه.

2-8 وحيث أدرك صاحب الشكوى أنه لم يعد قادراً على الحصول على أي إعانة بعد أن افتُكت منه الوثائق التي تتيح له الإقامة في إيطاليا، انتقل إلى سويسرا في 18 تموز/يوليه 2012 حيث قدم في اليوم التالي طلباً من أجل الحصول على اللجوء. ومنذ وصوله إلى سويسرا، حظي بالمتابعة الطبية التي تستلزمها حالته الصحية المتدهورة.

2-9 وفي 27 أيلول/سبتمبر 2012، أحال المكتب الاتحادي للهجرة سابقاً - أمانة الدولة للهجرة حالياً - طلباً إلى السلطات الإيطالية من أجل قبول صاحب الشكوى وفق لائحة دبلن الثانية ( ) . ولم يذكر المكتب الاتحادي للهجرة أن صاحب الشكوى قد تعرض للتعذيب أو أنه كان يعاني من مشاكل صحية خطيرة، ولم تعلن السلطات الإيطالية قرارها في المهلة المحددة. وفي 25 تشرين الأول/أكتوبر 2012، أحال صاحب الشكوى إلى المكتب الاتحادي للهجرة تقريراً طبياً من الدكتور ب . ( ) بتاريخ 23 تشرين الأول/أكتوبر 2012 ( ) . وفي 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، أصدر المكتب الاتحادي للهجرة قراراً بعدم الاختصاص وبترحيل صاحب الشكوى إلى إيطاليا. ورفضت المحكمة الإدارية الاتحادية في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 الطعن المقدم من صاحب الشكوى.

2-10 وفي 14 آذار/مارس 2013، أبلغ المكتب الاتحادي للهجرة صاحب الشكوى بأنه تلقى معلومات بتاريخ 13 آذار/مارس 2013 تفيد بأنه حصل على مركز اللاجئ في إيطاليا. ثم ألغى المكتب الاتحادي للهجرة قراره المؤرخ 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 لأن قضية صاحب الشكوى لم تعد تدخل في نطاق تطبيق لائحة دبلن.

2-11 وفي 15 آذار/مارس 2013، أحال الدكتور ب. شهادة طبية إلى دائرة الهجرة في نيوشاتيل، أكد فيها أن صاحب الشكوى يخضع لسلسلة من الفحوص الطبية بسبب ” مشكلة طبية خطيرة “ وأنه غير قادر على السفر. وأكد تقرير طبي صادر عن طبيب متخصص في أمراض المسالك البولية، ومؤرخ 11 آذار/مارس 2013، أن التحليلات التي أجراها صاحب الشكوى تكشف عن بيلة دموية مجهرية حادة تتطلب إجراء فحوص متعمقة. وفي 26 آذار/مارس 2013، وعملاً بالاتفاق الأوروبي بشأن نقل المسؤولية التي تتحملها الدول إزاء اللاجئين، وجه المكتب الاتحادي للهجرة طلباً إلى السلطات الإيطالية لقبول صاحب الشكوى من جديد، فاستجابت للطلب في 22 نيسان/أبريل 2013.

2-12 وفي 25 تموز/يوليه 2013، أُلغيت جلسة الاستماع التي دُعي إليها صاحب الشكوى بسبب عدم وجود متجرم شفوي. وفي 13 آذار/مارس 2014، بعثت كاريتاس نيوشاتيل، بصفتها ممثل صاحب الشكوى، برسالة إلى المكتب الاتحادي للهجرة تطلب فيها استئناف الإجراءات. وفي 27 آذار/مارس 2014، أبلغ المكتب الاتحادي للهجرة صاحب الشكوى بأنه يعتزم إصدار قرار بعدم الاختصاص وبإبعاده إلى إيطاليا، نظراً إلى أنه كان قد حصل على مركز اللاجئ في إيطاليا وأن السلطات السويسرية أتاحت له الفرصة لإبداء رأيه في الموضوع كتابياً. وفي 24 نيسان/أبريل 2014، أحالت كاريتاس نيوشاتيل إلى المكتب الاتحادي للهجرة تقريراً يتضمن الرواية الشخصية لصاحب الشكوى بخصوص مسيرته ومشاكله الصحية وأرفقت بالرسالة شهادة طبية جديدة مؤرخة 21 نيسان/أبريل 2014.

2-13 وتفيد الشهادة الطبية الصادرة عن الدكتور ب. بأن صاحب الشكوى يتابعه نفس الطبيب منذ تشرين الأول/أكتوبر 2012 وأن الطرفين تجمع بينهما صلة علاجية قوية تسمح بتحقيق استقرار الحالة الصحية لصاحب الشكوى. ويؤكد الطبيب أيضاً أن صاحب الشكوى يعاني من حالة اكتئاب حاد بالإضافة إلى المشاكل الصحية الجسدية المذكورة آنفاً ( ) . ويشير التقرير إلى أن ” أزمة الاكتئاب الحالية [كانت قد] ظهرت كنتيجة لانعدام اليقين بخصوص وضعه ك ملتمس لجوء واضطراره إلى التعاطي يومياً مع جسد مشوه “ ( ) ويؤكد أن صاحب الشكوى يجب عليه أن يتردد بكثرة على عيادة الطبيب وأن يتناول الأدوية بانتظام تجنباً لأي تدهور سريع في حالته الصحية. ويشير التقرير أيضاً إلى أن صاحب الشكوى يعاني من حساسيات كثيرة.

2-14 وفي 6 آب/أغسطس 2014، أصدر المكتب الاتحادي للهجرة قراراً بعدم الاختصاص وب ترحيل صاحب الشكوى إلى إيطاليا وخلص إلى أن صاحب الشكوى يمكنه الحصول على العلاج الطبي المناسب لاحتياجاته في إيطاليا. ونظراً لأن السلطات الإيطالية منحته مركز اللاجئ، يمكنها أيضاً أن توفر له الدعم اللازم. وإضافة إلى ذلك ، فإن المشاكل الصحية التي يعاني منها صاحب الشكوى ناتجة عما تعرض له من سوء معاملة في إثيوبيا قبل هجرته ، ومن ثم فهو يتعاطى مع هذه المشاكل منذ أكثر من ست سنوات. زد على ذلك أن ملفه الطبي لا يبين أن حالته الصحية ازدادت تدهوراً. وطعن صاحب الشكوى في هذا القرار وقدم تقريراً طبياً جديداً ( ) وشهادة طبية ( ) ، مؤرخين 18 آب/أغسطس 2014 وكلاهم ا صدر عن الدكتور ب.، إضافة إلى قائمة بالأدوية التي وصفها له الطبيب . وفي إشعار مؤرخ 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2014، أشار المكتب الاتحادي للهجرة إلى أن الطعن الذي تقدم به صاحب الشكوى لا يتضمن عنصراً أو دليلاً جديداً يمكن أن يفضي إلى تغير في رأي المكتب وقرر رفض الطعن ( ) .

2-15 وفي 19 كانون الأول/ديسمبر 2014، قدم صاحب الشكوى ملاحظاته إلى المحكمة الإدارية الاتحادية، مؤكداً أن ترحيله سيشكل انتهاكاً لعديد الأحكام القانونية، منها المادة 14 من الاتفاقية، لأن سويسرا ستحول دون إعادة تأهيله باعتبار أنه لن يحصل على العلاج المتخصص الذي يحتاج إليه في إيطاليا. وكرر تأكيد المعاناة التي لقيها في إيطاليا ومشاكله الصحية والضمانات التي قدمتها إيطاليا إلى النرويج بخصوص الرعاية الصحية، والوعود التي لم تتحقق بعد عودته إلى إيطاليا في عام 2012. وقدم صاحب الشكوى شهادة طبية جديدة صادرة عن الدكتور ب. بتاريخ 16 كانون الأول/ديسمبر 2014 ( ) - وقائمة بالأدوية التي وصفها له الطبيب في عام 2015 مؤكداً أن حالته الطبية لا تزال معقدة وأنه اضطر إلى الذهاب إلى المستشفى على وجه السرعة بعد تناوله دواءً جديداً لم يتحمله.

2-16 وفي 1 آذار/مارس 2016، رفضت المحكمة الإدارية الاتحادية طعن صاحب الشكوى وأكدت قرار ترحيله من سويسرا معتبرةً أن إيطاليا تتوافر لديها هياكل طبية شبيهة بتلك الموجودة في سويسرا وأن ما من شيء يدل على أن إيطاليا سترفض تقديم الرعاية الطبية المناسبة لصاحب الشكوى أو تتخلى عن واجبها تقديم هذه الرعاية.

2-17 وفي 24 نيسان/أبريل 2016، أصدر الدكتور ب. تقريراً طبياً جديداً أكد فيه تدهور الحالة الصحية لصاحب الشكوى ( ) .

الشكوى

3-1 يزعم صاحب الشكوى أن المحكمة الإدارية الاتحادية لم تفصل في مسألة انتهاك أحكام الاتفاقية رغم إثارته لهذه المسألة أمام المحكمة المذكورة. ويفيد بأن بلدية غروسيتو لم تقدم له أي شكل من أشكال الدعم، ما اضطره إلى العيش في ظروف غير صحية وأن هذه الحقيقة لا يمكن إثباتها بأدلة مادية. لكن المعلومات المتاحة تبين كيف أنه لم يحصل على العلاج الطبي الذي كان في أمس الحاجة إليه وأن السلطات الإيطالية لم تراع حالة الضعف الجسدي والنفسي التي كان يعاني منها.

3-2 ويؤكد التقرير الطبي المؤرخ 23 تشرين الأول/أكتوبر 2012 أن صاحب الشكوى تعرض للاعتداء على يد أشخاص كانوا يقيمون معه في نفس الغرفة بمركز ملتمسي اللجوء في سويسرا لأنهم لم يعودوا يتحملون قيامه مرات عديدة خلال الليل بسبب الاضطرابات البولية التي كان يعاني منها نتيجة ما تعرض له من تعذيب. ولهذا السبب، فهو يطلب الحصول على علاج ومتابعة لا يمكن الحصول عليهما في إيطاليا. وفي غياب هذا العلاج، سيجابه ظروف عيش تتنافى مع كرامة البشر.

3-3 ومنذ أن بدأ العلاج الطبي في سويسرا، تحسنت حالته الصحية تدريجياً بفضل متابعته المنتظمة لعلاج مناسب لحالته. وإن فقدان صلة العلاج التي أقامها بشكل تدريجي مع طبيبه في سويسرا يمكن أن تعرض حياته للخطر. وكان على الدولة الطرف أن تجري تقييماً شخصياً للخطر ولا تستند في تقديرها للحالة على معلومات عامة وعلى فرضية مفادها أنه سيتمتع مبدئياً بحق العمل والحصول على الاستحقاقات الاجتماعية في إيطاليا. زد على ذلك أن السلطات السويسرية لا تبيّن كيف أن ترخيص الإقامة سيحميه من مختلف أشكال الحرمان والبؤس التي عانى منها خلال الفترات السابقة التي قضاها في إيطاليا.

3-4 وفي ضوء ما تقدم، فإن طرد صاحب الشكوى إلى إيطاليا سيشكل انتهاكاً لمبدأ عدم الرد المكرّس في المادة 3 من الاتفاقية.

3-5 ففي حال ترحيله إلى إيطاليا، سيجد نفسه دون سند وسيواجه من جديد خطر التشرد وسيعيش في حالة فقر مدقع دون إمكانية للحصول على ما يحتاجه من علاج طبي. ونظراً لوضعه كضحية للتعذيب وللإصابات الجسدية والنفسية التي يعاني منها، فإن انعدام إمكانية الحصول على مأوى وعلى العلاج المتخصص الذي يحتاج إليه قد يبلغ مبلغ المعاملة المهينة التي لا تحترم كرامته. لذا، فإن قرار ترحيله يشكل انتهاكاً للمادة 14 من الاتفاقية.

3-6 ونظراً لحالته الهشة جداً، فإن ظروف العيش التي سيتعرض لها في حال ترحيله إلى إيطاليا قد تشكل انتهاكاً للمادة 16 من الاتفاقية.

3-7 ونظراً لأزمة الهجرة غير المسبوقة في البحر الأبيض المتوسط، لم تعد إيطاليا قادرة على الاستجابة لاحتياجات ملتمسي اللجوء، ولا على ضمان حصولهم على الخدمات الأساسية، كالسكن والعلاج الطبي الضروريين. ويشكل هذا الوضع إهانة شديدة لضحايا التعذيب الذين يحتاجون إلى رعاية طبية خاصة. وقد اعترفت بهذا الوضع الخاص مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين ( ) ، وكذلك المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية تاراخيل ضد سويسرا ( ) .

3-8 وخلصت المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين في عام 2013 إلى أن النظام الإيطالي يستند إلى مبدأ مفاده أن الأشخاص المستفيدين من الحماية عليهم أن يدبروا حالهم، وعلى هذا الأساس تخصص لهم السلطات الرسمية عدداً محدوداً جداً من الأماكن في مراكز الاستقبال ( ) . وتقع المسؤولية في مجال المساعدة الاجتماعية على عاتق البلدية وتختلف الاستحقاقات والخدمات من مكان إلى آخر. ولا يتمتع اللاجئون بحق الحصول على الإعانات العامة، في حين يجب على اللاجئين الذين لا يعيلون أسرة أن يدبروا حالهم بأنفسهم ( ) .

ملاحظات الدولة الطرف على المقبولية

4-1 في 26 آب/أغسطس 2016، اعترضت الدولة الطرف على مقبولية البلاغ.

4-2 وحسب المحكمة الإدارية الاتحادية، لم يبين صاحب الشكوى بشكل ملموس أنه سيعيش في ضائقة شديدة وفقر مدقع وأن ظروف عيشه في إيطاليا ستبلغ درجة من المشقة والخطورة بحيث تضفي على معاملته طابعاً لا إنسانياً أو مهيناً. ثم إن المحكمة الإدارية الاتحادية أخذت في الحسبان أيضاً التقارير الطبية التي قدمها صاحب الشكوى وأكدت أن الإعادة القسرية للأشخاص الذين يعانون مشاكل صحية لا تشكل، حسب الاجتهادات السابقة للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، انتهاكاً للمادة 3 من اتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية (الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان) إلا إذا بلغ المرض مرحلة متقدمة ونهائية بح يث تصبح وفاة الشخص المعني وشيكة ( ) . وإن المشاكل الصحية التي يعاني منها صاحب الشكوى لم تبلغ، فيما يبدو، درجة من الخطورة بحيث يصبح معها ترحيله إلى إيطاليا فعلاً يشكل معاملة لا إنسانية أو مهينة.

4-3 وعلاوة على ذلك، يجب إعلان الشكوى غير مقبولة من حيث الاختصاص الموضوعي . فصاحب الشكوى لا يذكر سبباً واحداً ولا يقدم أي دليل يحملان على الاعتقاد بأنه سيواجه خطر التعرض للتعذيب في حال ترحيله إلى إيطاليا. ثم إن أشكال المعاملة التي يثيرها في شكواه لا تدخل في نطاق تطبيق المادة الأولى من الاتفاقية.

4-4 وإضافة إلى ذلك، ففي قضية تراخيل ضد سويسرا التي نظرت فيها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، لم تتعلق الشكوى بأعمال تعذيب بالمفهوم الوارد في اتفاقية مناهضة التعذيب. ولم تؤكد المحكمة قط، في قرارها هذا، أن الترحيل إلى إيطاليا غير مقبول في حالة ملتمسي اللجوء، مثلما أكدت ذلك في قضية م. س. س. ضد بلجيكا واليونان ( ) . ويتبين من الاجتهادات السابقة للمحكمة الأوروبية ومن ممارسة السلطات السويسرية أن نظام اللجوء في إيطاليا لا تشوبه أوجه قصور عامة ( ) . ثم إن القرار الصادر في قضية تاراخيل يتعلق بحالة خاصة، هي طرد أسرة لديها أطفال، ولا يمكن مقارنتها بالقضية الراهنة. وحسب اجتهادات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، إن غير المواطنين الصادر بحقهم قرار طرد لا يمكنهم مبدئياً أن يطلبوا التمتع بحق البقاء في إقليم دولة متعاقدة من أجل الاستفادة من المساعدات والخدمات الطبية والاجتماعية أو غيرها من الإعانات التي تقدمها الدولة التي قررت طردهم. واحتمال أن تتدهور حالة الشخص المعني بدرجة كبيرة في حال طرده، وما يمكن أن ينجر عن ذلك من انخفاض مستوى العمر المتوقع، لا يكفي بحد ذاته لحدوث انتهاك للمادة 3 من الاتفاقية ( ) .

4-5 وفيما يتعلق بادعاءات صاحب الشكوى بموجب المادة 16 من الاتفاقية، خلصت اللجنة في اجتهاداتها السابقة إلى أن الترحيل لا يشكل بحد ذاته معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة إلا في ظروف استثنائية، مثلاً عندما يشكل تنفيذ قرار الطرد بحد ذاته انتهاكاً للمادة 16 نظراً للحالة النفسية الهشة والاضطرابات الخطيرة التي يعاني منها صاحب الشكوى بسبب ما تعرض له من تعذيب وما انطوت عليه أعمال التعذيب من صدمات ( ) . زد على ذلك أن اللجنة اعتبرت أن تفاقم الحالة الصحية الجسدية أو العقلية لفرد ما من جراء الطرد لا يشكل عموماً سبباً كافياً، ما لم توجد عوامل إضافية، يجعل منه ضرباً من ضروب المعاملة المهينة على نحو يشكل انتهاكاً لأحكام المادة 16 ( ) . وفي هذه القضية، لم يقدم صاحب الشكوى دليلاً على وجود ظروف تسمح بالتوصل إلى نتيجة مفادها أن طرده سيشكل في حد ذاته معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة. وبناءً عليه، فإن الادعاء بموجب المادة 16 غير مقبول من حيث الاختصاص الموضوعي .

4-6 أما بخصوص الادعاء بموجب المادة 14 من الاتفاقية، فإن تطبيق نص هذه المادة يقتصر على ضحايا أعمال التعذيب التي ترتكب في إقليم الدولة الطرف أو التي يرتكبها أو يتعرض لها أحد مواطني الدولة الطرف ( ) .

تعليقات صاحب الشكوى على ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية

5-1 في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2016، أكد صاحب الشكوى أن الدولة الطرف لم تعترض على أنه تعرض للتعذيب وأنه يعاني من مشاكل صحية خطيرة، جسدية ونفسية على حد سواء، تستلزم علاجاً طبياً متخصصاً. وبناء عليه، وجب اعتبار حالته الهشة جداً أمراً واقعاً. ثم إن الدولة الطرف لم تنظر في الحالة الرثة وغير المقبولة التي يعاني منها الأشخاص المشمولون بالحماية الدولية في إيطاليا، ولم تراع أهمية الإبقاء على العلاقة العلاجية التي أقامها صاحب الشكوى مع أطبائه في سويسرا لضمان تعافيه وإعادة تأهيله بشكل فعال وتجنب أي تدهور خطير في حالته الصحية.

5-2 وطرد صاحب الشكوى إلى إيطاليا سيشكل معاملة مهينة بالمفهوم الوارد في المادة 16 من الاتفاقية وفعلاً يتنافى مع مبدأ عدم الرد المكرس في المادة 3. وبصفته ملتمس لجوء، فهو ينتمي إلى فئة تعاني من حالة ضعف شديد وتحتاج إلى حماية خاصة ( ) . وقد اعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ( ) واللجنة المعنية بحقوق الإنسان ( ) أن أي إجراء من شأنه أن يعرض ملتمس اللجوء لحالة عوز يمكن أن يشكل انتهاكاً لمبدأ حظر أفعال التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية أو المهينة.

5-3 ولا يقتصر مفهوم الضعف على الأسر التي لديها أطفال صغار السن، بل ينطبق أيضاً على الشباب من الذكور وضحايا التعذيب. فحتى إن لم يتعلق الأمر بأسرة لديها أطفال، فإن صاحب الشكوى هو - كما تبينه الوقائع التي لم تعترض عليها الدولة الطرف - شخص يعيش في ضعف شديد بسبب حالته الصحية الجسدية والنفسية والرعاية الدائمة التي يحتاج إليها.

5-4 ولا تعترض الدولة الطرف على ما أكده صاحب الشكوى من أن ظروف عيش الأشخاص المشمولين بالحماية الدولية في إيطاليا غير مقبولة. فقد أصدرت المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين في آب/أغسطس 2016 تقريراً يؤكد أوجه القصور التي تعتري نظام استقبال اللاجئين في إيطاليا، وخاصة فيما يتعلق بظروف الإيواء ( ) .

5-5 ويدحض صاحب الشكوى ما أكدته الدولة الطرف من أن اللجنة لا تعتبر أن الطرد يشكل معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة إلا في حالات استثنائية، ويرى أن شكواه تبين بوضوح أن حالته تنطوي فعلاً على ظروف ” استثنائية جداً “ تجعل ترحيله إلى إيطاليا إجراءً يشكل انتهاكاً للمادة 16 من الاتفاقية. ويرى أيضاً أن المثال الذي استشهدت به الدولة الطرف، وهو قضية م. م. ك. ضد السويد ، غير وجيه لأن صاحب الشكوى لم يدفع بوجود ” ظروف استثنائية جداً “ وأُعيد إلى بلده الأصلي حيث كان لديه شبكة من العلاقات الأسرية وإمكانية للحصول على العلاج الطبي الذي كان يحتاج إليه.

5-6 وفيما يتعلق بانتهاك المادة 14، يدفع صاحب الشكوى بأن اللجنة ذهبت في اجتهاداتها السابقة وفي تعليقها العام رقم 3(2012) بشأن تنفيذ الدول الأطراف للمادة 14، إلى أن هذه المادة غير مقيدة جغرافياً. فقد اعتبرت اللجنة أن خدمات وبرامج إعادة التأهيل المتخصصة يجب أن تتاح للضحايا الذين يلتمسون اللجوء أو الذين يكونون قد حصلوا على مركز اللاجئ، وعلى كل دولة طرف أن تتحقق من أن ضحايا التعذيب يستفيدون من خدمات فعالة في مجال إعادة التأهيل، وذلك بصرف النظر عن الجهة المسؤولة عن التعذيب. ولما كان صاحب الشكوى يتلقى علاجاً منتظماً ومتخصصاً، فإن الدولة الطرف تفي على أكمل وجه بالتزاماتها الناشئة عن المادة 14. وفي ظل غياب أي فرصة لحصول صاحب الشكوى على خدمات فعالة تتيح إعادة تأهيله في إيطاليا، فإن ترحيله سيشكل انتهاكاً للمادة 14 من الاتفاقية.

5-7 وفي الختام، إن الدولة الطرف لم تجر أي تقييم كافٍ لحالة صاحب الشكوى، لأنها لم تعتبر من الضروري أن تراعي ” الظروف الاستثنائية “ التي تميز حالته.

ملاحظات الدولة الطرف على الأسس الموضوعية

6-1 في 9 كانون الثاني/يناير 2017، قدمت الدولة الطرف ملاحظاتها على الأسس الموضوعية للبلاغ. وحسب تعليق اللجنة العام رقم 1(1997) المتعلق بتنفيذ المادة 3 في سياق المادة 22 من الاتفاقية ( ) ، ينبغي أن يثبت صاحب الشكوى وجود أسباب ” جوهرية “ تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيتعرض لخطر التعذيب في حال عودته إلى البلد الأصل، وأن هذا الخطر ” شخصي ومحدق “ . وينبغي تقدير هذا الخطر بالاستناد إلى عناصر لا تقتصر على مجرد الافتراض أو الشك. حيث يجب أن تكون هناك أسباب أخرى تضفي على الخطر صفة ” الجوهري “ (الفقرتان 6 و7).

6-2 وتهدف المادة 14 من الاتفاقية بالأساس إلى التحقق من أن الضحية ستستعيد كرامتها. وتتمتع الدول الأطراف بسلطة تقديرية لأغراض تنفيذ هذا الحكم. فلا المادة 14 من الاتفاقية، ولا تعليق اللجنة العام رقم 3، يستثنيان إمكانية تعاون الدول الأطراف فيما بينها من أجل ضمان إعادة تأهيل الضحية. فيكفي أن يبدأ الضحية متابعة برنامج لإعادة التأهيل في أسرع وقت ممكن بعد وضع التشخيص من قبل أطباء متخصصين. ولا يحق للضحايا الاستفادة من تدبير خاص من مقدم الخدمات الذي يختارونه في الدولة التي يختارونها.

6-3 وأكد صاحب الشكوى، أمام السلطات الوطنية السويسرية، أنه لم يتمتع في إيطاليا بأي مساعدة من السلطات الحكومية، بل اضطُرَّ إلى العيش في الشارع دون علاج، ويزعم أن السلطات صادرت الوثائق التي تسمح له بالإقامة في إيطاليا. غير أنه لم يقدم أي دليل يدعم مزاعمه هذه. فالأمر يتعلق بمجرد أقوال تفندها الموافقة الصريحة من جانب إيطاليا على قبوله من جديد في ثلاث مناسبات: في 22 نيسان/أبريل 2013، وفي 12 أيار/مايو 2014، وفي 19 أيار/مايو 2016. زد على ذلك أن التقارير والوثائق الأخرى التي استشهد بها صاحب الشكوى فيما يتعلق بحالة اللاجئين في إيطاليا تصف أحداثاً ذات طابع عام ولا تحيل إلى وضعه الشخصي بشكل صريح.

6-4 وتدرك الدولة الطرف أن إيطاليا تواجه صعوبات في توفير المأوى لملتمسي اللجوء. غير أن هذا الوضع لا يشكل انتهاكاً عاماً للمادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ( ) ، حتى عندما يتعلق الأمر بأشخاص يعيشون حالة ضعف وصدر بحقهم قرار بالترحيل ( ) . وتؤكد الاجتهادات السابقة للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان القرارات التي اتخذتها السلطات السويسرية في القضية الراهنة، والتي مفادها أنه لا يوجد أسباب كافية لعدم قبول نقل المسؤولية إلى إيطاليا فيما يتعلق بظروف الإيواء. فقد ذكّرت المحكمة مراراً وتكراراً بأن المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لا يمكن تفسيرها على أنها تتضمن التزاماً يقع على عاتق الدول المتعاقدة بضمان حق في السكن وفي مساعدة مالية لجميع الأشخاص الخاضعين لولايتها القضائية يكفل لهم مستوى معيشة معيناً ( ) .

6-5 وتمكنت إيطاليا من زيادة طاقة الاستيعاب زيادة كبيرة خلال السنوات الأخيرة. ويقدم عدد كبير من المنظمات الخيرية المساعدة المادية أو خدمات المشورة فيما يتعلق بالإجراءات المتبعة أمام السلطات الإيطالية. وأخيراً تحصّل صاحب الشكوى على مركز اللاجئ في 1 أيار/مايو 2009 ومُنح له ترخيص إقامة صالح لمدة خمس سنوات. وبفضل مركز اللاجئ، يمكنه تجديد الترخيص.

6-6 وحتى على افتراض أن ترحيله إلى إيطاليا سيؤدي إلى تغيّر في أوضاعه المعيشية الحالية، فإن صاحب الشكوى لم يبين بشكل موضوعي وملموس أنه سيواجه حالة من الفقر المدقع والعوز المادي وأنه سيُحرم بشكل دائم من كل المساعدات المناسبة من جانب المؤسسات الحكومية أو الخاصة، وأنه سيكون معرضاً لخطر الحرمان بشكل دائم من الحد الأدنى للاحتياجات المعيشية، وأن ظروف عيشه في إيطاليا ستبلغ درجة من المشقة والخطورة، تبلغ معها تلك الظروف مبلغ المعاملة المنافية لأحكام المادة 3 و/أو المادة 14 و/أو المادة 16 من الاتفاقية.

6-7 وإذا ارتأى صاحب الشكوى أنه سيعيش حياة لا تليق بالكرامة البشرية، أو أن هذا البلد لا يفي بالتزامه بمده بما يحتاج من مساعدة، يمكنه حينئذ أن يُطالب بإعمال حقوقه مباشرةً أمام السلطات الإيطالية من خلال اللجوء إلى سبل الانتصاف القانوني المناسبة، و/أو أمام اللجنة، عند الاقتضاء، من خلال رفع شكوى فردية وفقاً لأحكام المادة 22 من الاتفاقية.

6-8 ويُشار إلى أن كل شخص يتواجد في إيطاليا، أياً كان وضعه، يحق له الحصول على الرعاية الطبية الأساسية والطارئة. ويكفل نظام استقبال ورعاية الأشخاص المشمولين بالحماية الحصول على استحقاقات مماثلة لتلك التي يتمتع بها المواطنون الإيطاليون. ومع ذلك، فمن المعلوم أن الاستحقاقات التي يوفرها النظام الإيطالي لا ترقى من حيث نطاقها إلى تلك التي توفرها دول أوروبية أخرى، لكن الاتفاقية لا تُلزم سويسرا بسد الفجوة بين الخدمات التي يوفرها نظامها الصحي الوطني والنظام الإيطالي.

6-9 وتفيد التقارير الطبية بأن الحالة الصحية لصاحب الشكوى تستلزم علاجاً معقداً نسبياً. ومع ذلك، فرغم درجة تعقيد المشاكل الصحية التي يعاني منها صاحب الشكوى، فإن حالته الصحية لم تبلغ درجة من الخطورة يمكن معها استنتاج أن صاحب الشكوى في حالة ضعف شديد تحول دون ترحيله إلى إيطاليا. فإيطاليا لديها الهياكل الأساسية الطبية الضرورية لمعالجة المشاكل التي يعاني منها صاحب الشكوى على النحو الواجب. ويقع على السلطات السويسرية المعنية بتنفيذ قرار ترحيل صاحب الشكوى واجب إبلاغ السلطات الإيطالية بجميع البيانات والمعلومات اللازمة لتوفير الرعاية الضرورية لصاحب الشكوى حال نزوله من الطائرة.

6-10 وفي الختام، لم يقدم صاحب الشكوى أي عناصر منفردة تؤكد وجود أسباب حقيقية تدعو إلى الخوف من تعرضه بشكل حقيقي وشخصي لمعاملة تشكل انتهاكاً لأحكام المادة 3 أو المادة 14 أو المادة 16 من الاتفاقية في حال ترحيله إلى إيطاليا.

تعليقات صاحب الشكوى على ملاحظات الدولة الطرف بشأن الأسس الموضوعية

7-1 في 22 أيار/مايو 2017، أحال صاحب الشكوى تعليقات وقدم تقريراً طبياً بتاريخ 12 أيلول/سبتمبر 2016 ( ) . ويؤكد صاحب الشكوى أن الدولة الطرف لم تطلب أي شكل من أشكال التعاون من السلطات الإيطالية لضمان إعادة تأهيله تأهيلاً فعالاً بالمفهوم الوارد في المادة 14 في حال ترحيله إلى إيطاليا. وفي جميع الأحوال، لا يمكن للدولة الطرف، وفقاً لتعليق اللجنة العام رقم 3، أن تعفي نفسها من واجب التحقق من أن صاحب الشكوى سيحصل على خدمات وبرامج متخصصة لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب الذين يلتمسون اللجوء أو الذين يتمتعون بمركز اللاجئ، وتنقل تلك المسؤولية إلى الجانب الإيطالي.

7-2 ولم تستشهد الدولة الطرف بأي تقرير دعماً لما أكدته من أن إيطاليا لديها الهياكل الأساسية الطبية الضرورية التي تتيح له الاستفادة من العلاج اللازم. بل اكتفت بالإحالة إلى قرارات أصدرتها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وتفيد تقارير عديدة بأن ملتمسي اللجوء في إيطاليا لا يمكنهم الحصول على المأوى ولا على العلاج الطبي. ووفقاً للتقرير الإقليمي الصادر عن المجلس الدولي لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب، لم تضع إيطاليا أي إجراءات خاصة تتيح التعرف على ضحايا التعذيب ( ) .

7-3 ورغم أن صاحب الشكوى لا يستطيع تقديم أدلة تدعم ادعاءاته التي مفادها أن بلدية غروسيتو رفضت أن تقدم له أي شكل من أشكال المساعدة أو الدعم، فإنه قدم رواية مفصلة ومتسقة إلى السلطات السويسرية بيّن فيها الظروف الصعبة التي مر بها في إيطاليا. وقرار السلطات الإيطالية قبوله من جديد في ثلاث مناسبات لا يلغي التجربة التي عاشها في إيطاليا ولا يدحض المعلومات التي تبين أن نظام الاستقبال في إيطاليا يخضع لضغط كبير.

7-4 ويوجد، حسب النتائج التي خلص إليها تقرير المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين الصادر في آب/أغسطس 2016، أوجه قصور عامة تعتري نظام الاستقبال في إيطاليا. فظروف الإيواء تطرح إشكالات كثيرة، والقانون لا يحدد فترة معينة للإقامة المتواصلة في إطار نظام الاستقبال بعد حصول الفرد المعني على الحماية الدولية أو الإنسانية ( ) . وحسب الممثل الخاص للأمين العام لمجلس أوروبا المعني بالهجرة والهاجرين، تفتقر إيطاليا إلى برامج كافية لإدماج الأشخاص المشمولين بالحماية؛ وتظل مسألة الإيواء واحدة من بين أكبر المعضلات التي يعاني منها نظام الاستقبال في إيطاليا، وكثيراً ما تُنتهك الحقوق الأساسية لملتمسي اللجوء بسبب ظروف العيش الرديئة في بعض مراكز الاستقبال ( ) .

7-5 وتفيد تقارير أطباء بلا حدود ( ) . إلى أن عدداً كبيراً من مراكز الإيواء المخصصة لملتمسي اللجوء لا تقدم خدمات الدعم النفسي. وإضافة إلى ذلك، يقلل الاستبعاد الاجتماعي الذي يعاني منه ملتمسو اللجوء ونقص خدمات الترجمة الشفوية والتحريرية بدرجة كبيرة الفرص المتاحة لملتمسي اللجوء للاستفادة من خدمات الصحة. وفي جميع الأحوال، فإن الخدمات الطبية المقدمة في النظام الإيطالي للصحة العامة غير مواتية لعلاج الاضطرابات التي يعاني منها عادة ملتمسو اللجوء واللاجئون، وهي اضطرابات عادة ما تكون مختلفة تماماً عن الاضطرابات التي يعاني منها السكان الإيطاليون ( ) .

7-6 وتثير أوجه القصور التي تعتري نظام الاستقبال في إيطاليا إشكالات كثيرة بالنسبة إلى ملتمسي اللجوء واللاجئين الضعفاء. وقد أصدر مجلس اللاجئين الدانمركي والمنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين، في 9 شباط/فبراير 2017، تقريراً مشتركاً عن حالة الأشخاص الضعفاء الذين يُنقلون إلى إيطاليا بموجب لائحة دبلن الثالثة ( ) . ويستند هذا التقرير إلى ستدراسات حالة إفرادية، ويبين بوضوح كيف أن الأشخاص الذين يُنقلون إلى إيطاليا يتعرضون لخطر انتهاك حقوقهم، ويصف كيفية استقبال السلطات الإيطالية للأسر والأفراد المستضعفين بالتعسفية ( ) .

7-7 وفيما يتعلق بقضية د. ضد المملكة المتحدة وقضية ن. ضد المملكة المتحدة، ال ل تين احتجت بهما الدولة الطرف، يلاحظ صاحب الشكوى أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد وضحت اجتهاداتها السابقة فيما يتعلق بإبعاد الأجانب في حالة صحية حرجة ( ) . ويؤكد من جديد أن السلطات الإيطالية لم تتلق ولم تقدم أي ضمانة بخصوص الرعاية الطبية، وذلك في انتهاك للقانون الأوروبي. ويشير أيضاً إلى قرار صدر عن محكمة العدل في الاتحاد الأوروبي اعتبرت فيه أن الدولة الطرف ” ينبغي أن تكون قادرة أيضاً على التحقق من أن ملتمس اللجوء المعني سيتلقى العلاج حال وصوله إلى الدولة الطرف المسؤولة “ ( ) .

7-8 وفي الختام، يؤكد صاحب الشكوى أن الدولة الطرف لم تجر تقييماً فردياً كافياً لحالة صاحب الشكوى. ويزعم أنه بيَّن بوضوح أن حالته ” استثنائية للغاية “ بالمفهوم الوارد في الاجتهادات القانونية الدولية السابقة باعتباره ضحية من ضحايا التعذيب يحتاج إلى علاج طبي محدد لا يمكنه الحصول عليه في إيطاليا وأن انقطاع الصلة العلاجية بينه وبين أطبائه في سويسرا سينجر عنها ضرر لا يمكن إصلاحه بسبب حالته الصحية الحرجة للغاية. وفي غياب أي ضمانات فيما يتعلق بحصوله على الرعاية الطبية ونظراً لأوجه القصور الخطيرة التي تعتري النظام الصحي في إيطاليا وتحول دون حصول ملتمسي اللجوء والمشمولين بالحماية في إيطاليا على العلاج الطبي اللازم، لن يتسنى لصاحب الشكوى الاستفادة من خدمات فعالة تتيح إعادة تأهيله. وبناءً عليه، فإن طرده إلى إيطاليا سيشكل انتهاكاً للمواد 3 و14 و16 من الاتفاقية.

المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

8-1 قبل النظر في أي شكوى ترد في بلاغ ما، يجب أن تقرر اللجنة ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب المادة 22 من الاتفاقية. وقد تأكدت اللجنة، وفق مقتضيات الفقرة 5(أ) من المادة 22 من الاتفاقية، من أن المسألة نفسها لم تُبحث ولا يجري بحثها حالياً في إطار أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية.

8-2 وتذكر اللجنة بأنه لا يمكنها، وفقاً للفقرة 5(ب) من المادة 22 من الاتفاقية، أن تنظر في أي بلاغ يرد من فرد ما إلا إذا تأكدت من أنه قد استنفد جميع سبل الانتصاف المحلية المتاحة. وتلاحظ اللجنة، في هذه القضية، أن الدولة الطرف لم تقدم ما يثبت أن صاحب الشكوى لم يستنفد جميع سبل الانتصاف المحلية المتاحة، ولم تعترض على مقبولية الشكوى.

8-3 وتلاحظ اللجنة أن صاحب الشكوى رفع شكواه حتى لا يطرد إلى إيطاليا، بلد اللجوء الأول، ولهذا الغرض يزعم أن الدولة الطرف ستنتهك التزاماتها بموجب المادة 3 من الاتفاقية إن هي طردته إلى إيطاليا. وتعتبر اللجنة أن ادعاءات صاحب الشكوى بموجب المادتين 14 و16 من الاتفاقية لا تشكل مطالبات قائمة بذاتها، ولكنها تندرج ضمن نطاق المزاعم التي أعرب عنها فيما يتعلق بحالته الشخصية دعماً لمطالبته بموجب المادة 3 ( ) .

8-4 ويتبين أيضاً من الدفوع المقدمة من الدولة الطرف أنها تعترض على مقبولية الشكوى من حيث الاختصاص الموضوعي ، حيث إنها تعتبر أن أشكال المعاملة التي يحتج بها صاحب الشكوى تخرج عن نطاق تطبيق المادة 3 من الاتفاقية.

8-5 وتشير اللجنة أولاً إلى أن الفقرة الفرعية 3 من المادة 25 من الدستور الاتحادي السويسري تنص على أنه ” لا يجوز رد أي شخص إلى أراضي دولة يتعرض فيها لخطر التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية “ . وتلاحظ اللجنة أن دفع الدولة الطرف بعدم المقبولية لا يتوافق مع النص الوارد في دستورها الذي يوسع صراحة نطاق مبدأ عدم الرد ليشمل المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية. وتشير اللجنة أيضاً إلى أن المادة 25 من الدستور السويسري تتوافق مع التفسير السائد في إطار مجموعة الاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها الدولة الطرف والتي ينبغي للجنة الرجوع إليها بغية تفسير المادة 3 من الاتفاقية.

8-6 وتذكر اللجنة بأن الاتفاقية تنص في ديباجتها على أن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة يشكل تعدياً على كرامة البشر. وبناءً عليه، فإن الإشارة إلى المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة في ديباجة الاتفاقية، تحيل في حقيقة الأمر إلى المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وهذه الإشارات الصريحة سمحت للجنة، في تعليقها العام رقم 2(2007) المتعلق بتنفيذ الدول الأطراف للمادة 2، أن توضح كيف أن الالتزامات الناشئة عن الاتفاقية، بما في ذلك الالتزامات المنصوص عليها في المادة 3، تنطبق على أعمال التعذيب وغيره من الأعمال التي تشكل عقوبة أو معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة، وأنه لا يمكن، مثلما أعلنت اللجنة في السابق، عدم التقيد بأحكام المادة 16 من الاتفاقية ( ) . وتلاحظ اللجنة أن هذا التفسير تؤيده غالبية الاتفاقيات الدولية التي تؤكد الطابع المطلق للحظر المفروض على كل من التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، رغم التمييز المصطلحي الذي تقيمه هذه الاتفاقيات بين المفهومين. وتشير اللجنة إلى أن الأمر كذلك في إطار اتفاقيات جنيف لعام 1949 ( ) والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 ( ) . ويصدق ذلك أيضاً على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ( ) - سواء في تعريف الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب - وفي القانون الأساسي للمحكمة الجنائية ليوغوسلافيا السابقة ( ) . وتذهب الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 إلى أبعد من ذلك، حيث إن المادة 33 من الاتفاقية (حظر الطرد أو الرد) تهدف إلى منع أي خطر على الحياة، ومن ثم تجمع المفهومين في صيغة عامة واحدة ( ) . وتلاحظ اللجنة أيضاً أن الاتفاقية لا تقلل من الالتزامات التي تقع على عاتق الدولة الطرف بموجب صكوك أخرى تتعلق بحقوق الإنسان تكون الدولة طرفاً فيها، ولا سيما الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تعد الدولة المدعى عليها طرفاً فيها ( ) ، والتي لا تشكل استثناءً بل تجمع أيضاً المفهومين في إطار تفسير مادتها 3. وفي هذا السياق، تؤكد اللجنة أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تذكر بشكلٍ منهجي الطابع الآمر لمبدأ عدم الرد، ومن ثم منع نقل ملتمس لجوء إلى دولة يواجه فيها خطر التعرض للتعذيب ولسوء المعاملة ( ) . وتوضح مجموعة هذه القواعد أن القانون الدولي يوسع نطاق تطبيق مبدأ عدم الرد ليشمل الأشخاص المعرضين لمخاطر أخرى غير خطر التعذيب ( ) .

8-7 وفي ضوء هذه العناصر، تعتبر اللجنة أن الدفوع التي قدمتها الدولة الطرف للاعتراض على مقبولية البلاغ يجب رفضها وترى أن صاحب الشكوى لم يبين أن الوقائع، كما عرضها هو، تثير مسائل منفصلة تدخل في نطاق المادتين 14 و16 من الاتفاقية، وتقرر الشروع في النظر في الأُسس الموضوعية للادعاءات المقدمة بموجب المادة 3 من الاتفاقية.

النظر في الأسس الموضوعية

9-1 نظرت اللجنة في الشكوى آخذة في الاعتبار جميع المعلومات التي أتاحها لها الطرفان وفقاً لأحكام الفقرة 4 من المادة 22 من الاتفاقية.

9-2 وتذكر اللجنة أولاً بأن لائحة دبلن الثالثة تقوم على أساس مبدأ مفاده أن طلب اللجوء يجب أن تنظر فيه سلطات الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي التي تلقت أول طلب لجوء (الطلب تنظر فيه دولة عضو واحدة). غير أن الفقرة 2 من المادة 3 من اللائحة المذكورة توضح أنه قد يتعذر نقل ملتمس اللجوء إلى بلد اللجوء الأول ” لوجود أسباب جوهرية تدعو إلى الاعتقاد بأنه يوجد في هذه الدولة العضو أوجه قصور عامة تعتري إجراءات اللجوء وظروف استقبال ملتمسي اللجوء يمكن أن ينشأ عنها خطر التعرض لمعاملة لا إنسانية أو مهينة “ . ونظراً لهذه العناصر، وفي ضوء المادة 3 من الاتفاقية، تلاحظ اللجنة أن هامش التقدير المتروك للدول في إطار تطبيق لائحة دبلن يملي إجراء دراسة فردية لكل حالة واستبعاد اتخاذ وتنفيذ أي قرار فردي بالطرد في الحالات التي يواجه فيها الشخص المعني خطراً حقيقياً ومحدقاً بالتعرض لمعاملة أو عقوبة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو لعمل من أعمال التعذيب. وقد اعتمدت هيئات عديدة أخرى معنية بحماية حقوق الإنسان تفسيراً شبيهاً بهذا. فاللجنة المعنية بحقوق الإنسان خلصت، في القرار الذي اتخذته في قضية ياسين ضد الدانمرك ، إلى أن قراراً فردياً يُتخذ تطبيقاً للائحة دبلن يمكن أن ينطوي على انتهاكٍ لحقوق ملتمسي اللجوء المكفولة لهم بموجب المادة 7 من العهد. وتذكر اللجنة أيضاً بالاجتهادات السابقة للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي خلصت، في قرار صادر بتاريخ 21 كانون الثاني/يناير 2011 في قضية م. س. س. ضد بلجيكا واليونان ، إلى حدوث انتهاك للمادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان بسبب قرار الترحيل الذي اتخذته الدولة الطرف تطبيقاً للائحة دبلن. ولهذا السبب، فإن القرارات التي تتخذها السلطات الوطنية يمكن أن تكون محل دراسة من قِبل اللجنة إذا تبين أنها تتنافى مع أحكام المادة 3 من الاتفاقية.

9-3 وفي القضية الراهنة، ووفقاً للعناصر الوارد ذكرها آنفاً، يتعين على اللجنة أن تقرر ما إذا كانت الدولة الطرف بترحيلها صاحب الشكوى إلى إيطاليا ستنتهك التزامها بموجب المادة 3 من الاتفاقية بعدم طرد أو رد شخصٍ إلى دولة أخرى إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

9-4 ويتعين على اللجنة أن تقدر ما إذا كانت توجد أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأن صاحب الشكوى سيواجه شخصياً خطر التعرض للتعذيب أو سوء المعاملة في حال ترحيله إلى إيطاليا. ولهذا الغرض، وعملاً بأحكام الفقرة 2 من المادة 3 من الاتفاقية، يجب على اللجنة أن تراعي جميع العوامل ذات الصلة، وبخاصة وجود نمط ثابت من الانتهاكات الفادحة أو الصارخة أو الجماعية لحقوق الإنسان.

9-5 وتشير اللجنة إلى تعليقها العام رقم 4(2017) بشأن تنفيذ المادة 3 من الاتفاقية في سياق المادة 22، ومفاده أن يكون هناك التزام بعدم الرد كلما كانت هناك ” أسباب حقيقية “ تدعو إلى الاعتقاد بأن الشخص المعني سيكون في خطر التعرض للتعذيب في دولة يواجه الترحيل إليها، سواء كفرد أو كعضو في مجموعة قد تكون في خطر التعرض للتعذيب في بلد المقصد، وأن الممارسة التي تتبعها اللجنة في هذا السياق تقضي بتأكيد وجود ” أسباب حقيقية “ كلما كان خطر التعذيب ” متوقعاً وشخصياً وقائماً وحقيقياً “ ( ) . وتذكر أيضاً بأن عبء الإثبات يقع على عاتق صاحب الشكوى الذي يجب عليه أن يعرض قضية وجيهة، أي أن يقدم حججاً مدعومة بأدلة تبين أن خطر التعرض للتعذيب متوقع وقائم وشخصي وحقيقي. ولكن عندما يكون صاحب الشكوى في وضعٍ يجعله غير قادر على تفصيل قضيته، فإن عبء الإثبات ينعكس ويكون على الدولة الطرف المعنية أن تحقق في الادعاءات وتتحقق من صحة المعلومات التي تستند إليها الشكوى ( ) . وتولي اللجنة أهمية كبيرة للنتائج الوقائعية التي تخلص إليها أجهزة الدولة الطرف المعنية، إلا أنها غير ملزمة بتلك النتائج. فاللجنة تُجري تقييماً حراً للمعلومات المتاحة لها وفقاً للفقرة 4 من المادة 22 من الاتفاقية، مع مراعاة جميع الظروف ذات الصلة بكل قضية ( ) .

9-6 وتشير اللجنة كذلك إلى أنه ينبغي للدول الأطراف أن تنظر في ما إذا كانت أشكال سوء المعاملة الأخرى التي يكون شخصٌ صدر بحقه قرار بالطرد مهدداً بخطر التعرض لها يرجح أن تتغير لتشكل ضرباً من ضروب التعذيب قبل إجراء تقييم لكل حالة تتعلق بمبدأ عدم الرد ( ) . وفي هذا الصدد، ترى اللجنة أن الألم أو المعاناة الشديدين لا يمكن دائماً تقييمهما بصورة موضوعية. فالأمر يتوقف على العواقب الجسدية و/أو النفسية السلبية التي تسببها أعمال العنف أو سوء المعاملة التي يتعرض لها الشخص المعني، مع مراعاة كل الظروف المتصلة بكل حالة، بما في ذلك طبيعة معاملة الضحية ونوع جنسها وسنها وحالتها الصحية وضعفها وأية أوضاع أو عوامل أخرى ( ) .

9-7 وفي هذه القضية، تحيط اللجنة علماً بدفع صاحب الشكوى الذي مفاده أنه في حال ترحيله إلى إيطاليا قد لا يحصل هناك على مأوى ولا على العلاج الطبي والنفسي المتخصص اللذي يحتاج إليه مؤكداً أن هذه الاحتياجات ضرورية في حالته هو بوصفه ضحية من ضحايا التعذيب. وقدم صاحب الشكوى تقارير عديدة تشرح الظروف المزرية التي يلقاها ملتمسو اللجوء في إيطاليا وتشير بوجه الخصوص إلى طاقة الاستيعاب غير الكافية في مراكز إيواء ملتمسي اللجوء ولا سيما أولئك الذين صدر بحقهم قرار بالترحيل تطبيقاً للائحة دبلن، وظروف العيش المتدنية في تلك المراكز والفرص المحدودة المتاحة أمام ملتمسي اللجوء للحصول على العلاج الطبي والعلاج النفسي المتخصصين. ويزداد هذا الوضع صعوبة في غياب أي إجراء مناسب يسمح بالتعرف بشكل منهجي على ضحايا التعذيب. ورغم أن الدولة الطرف أكدت أنها ستبلغ السلطات الإيطالية بالحالة الصحية لصاحب الشكوى قبل ترحيله، تلاحظ اللجنة أن الطلب الذي تقدمت به السلطات السويسرية عملاً بأحكام لائحة دبلن الثانية، المؤرخ 27 أيلول/سبتمبر 2012، لا يحتوي على أي معلومات تتعلق بالحالة الصحية لصاحب الشكوى ولا بالعلاج المطلوب، ولا تبين أن صاحب الشكوى كان قد تعرض للتعذيب.

9-8 ورغم أن المحكمة الإدارية الاتحادية في سويسرا لم تجادل في كون صاحب الشكوى من ضحايا التعذيب وأقرت بأن حالته الصحية تستوجب علاجاً بالأدوية معقداً نسبياً وتدابير داعمة أخرى، فقد اعتبرت أنها لا تتوافر لديها معلومات كافية تتيح التحقق من أن إيطاليا سترفض تقديم الرعاية الطبية المناسبة لصاحب الشكوى أو ستتخلى عن واجبها تقديم مثل هذه الرعاية. واعتبرت أيضاً أن صاحب الشكوى لم يبين بشكل ملموس أنه سيعيش في حالة فقر مدقع وعوز مادي أو أنه سيحرم بشكل دائم من جميع أشكال المعونة التي تقدمها المؤسسات الحكومية أو الخاصة.

9-9 وترى اللجنة أن الدولة الطرف مطالبة بإجراء تقييم فردي للخطر الشخصي والحقيقي الذي سيواجهه صاحب الشكوى في إيطاليا، مراعية في ذلك، بوجه الخصوص، حالة الضعف الشديد لصاحب الشكوى بوصفه ضحية من ضحايا التعذيب وملتمس لجوء، بدلاً من أن تستند في تقييمها إلى افتراض مفاده أن صاحب الشكوى باستطاعته أن يحصل على العلاج الطبي المناسب ( ) .

9-10 وتحيط اللجنة علماً بأن صاحب الشكوى اضطر إلى العيش في الشارع لمدة ثلاثة أشهر قبل أن يغادر إيطاليا باتجاه النرويج حيث تلقى، مباشرة بعد وصوله، ونظراً لحالته الصحية السيئة، علاجاً طبياً مكثفاً. ثم، وبعد أن أكدت له السلطات النرويجية أنه سيلقى الرعاية اللازمة بعد عودته إلى إيطاليا، لم يحصل صاحب الشكوى على أي شكل من أشكال المعونة أو المساعدة من قبل السلطات الإيطالية. وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف تعترف بخطورة المشاكل الصحية التي يعاني منها صاحب الشكوى، وهي حالة تؤكدها تقارير طبية عديدة قدمها خلال الإجراءات. وتلاحظ أيضاً دفع صاحب الشكوى الذي مفاده أنه في غياب المأوى والعلاج الطبي والنفسي المتخصص، لن تتاح له فرصة لإعادة تأهيله على أكمل وجه بصفته ضحية من ضحايا التعذيب ( ) .

9-11 وتلاحظ اللجنة أيضاً أن الدولة الطرف اكتفت بالقول إن إيطاليا وافقت على قبوله من جديد في ثلاث مناسبات - دون أن تجري أي تحليل للتجربة التي مرّ بها صاحب الشكوى في إيطاليا - واعتبرت أن صاحب الشكوى ستتاح له عند الاقتضاء إمكانية لرفع شكوى ضد الدولة المتلقية في حال عدم احترام حقوقه. وإضافة إلى ذلك، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تراع في أي مرحلة أن إيطاليا كانت قد قدمت ضمانات إلى النرويج ولكنها لم تحترمها عندما عاد صاحب الشكوى إلى إيطاليا في عام 2012، ولم تتخذ أي تدبير للتحقق من أن صاحب الشكوى سيتلقى فعلاً خدمات إعادة التأهيل المناسبة لاحتياجاته في إيطاليا بما يمكنه من ممارسة حقه في إعادة التأهيل بصفته ضحية من ضحايا التعذيب. وفي ضوء ما تقدم، تعتبر اللجنة أن الدولة الطرف لم تقم بدراسة منفردة ومتعمقة للتجربة الشخصية التي مرّ بها صاحب الشكوى بصفته ضحية من ضحايا التعذيب ولم تقيم التبعات المتوقعة لقرار ترحيله القسري إلى إيطاليا. وبناء عليه، تعتبر اللجنة أن ترحيل صاحب الشكوى إلى إيطاليا سيشكل انتهاكاً للمادة 3 من الاتفاقية.

10- لذا، تخلص لجنة مناهضة التعذيب، وهي تتصرف بموجب الفقرة 7 من المادة 2 من الاتفاقية، إلى أن طرد صاحب الشكوى إلى إيطاليا سيشكل انتهاكاً للمادة 3 من الاتفاقية.

11- وترى اللجنة، وفقاً لأحكام المادة 3 من الاتفاقية، أن الدولة الطرف مطالبة بالتراجع عن ترحيل صاحب الشكوى بالقوة إلى إيطاليا. ووفقاً لأحكام الفقرة 5 من المادة 118 من نظامها الداخلي، تدعو اللجنة الدولة الطرف إلى موافاتها، في غضون 90 يوماً اعتباراً من تاريخ إحالة هذا القرار إليها، بمعلومات عن التدابير التي ستتخذها متابعةً للملاحظات الواردة أعلاه.

مرفق

رأي فردي (مخالف) لعضو اللجنة عبد الوهاب الهاني

1- بيّن صاحب الشكوى أن الوقائع تثير مسائل منفصلة تدخل في نطاق المواد 3 و14 و16. وتبني الدولة الطرف تعليلها على التعليق العام القديم رقم 1(1997) المتعلق بتنفيذ المادة 3 في سياق المادة 22 من الاتفاقية الذي أصبح باطلاً بعد إلغائه وتعويضه بالتعليق العام رقم 4(2017) المتعلق بتنفيذ المادة 3 من الاتفاقية في سياق المادة 22 ( ) . وقد وسعت اللجنة منذئذ نطاق الحماية الممنوحة بموجب المبدأ المطلق لعدم الرد (المادة 3) في حال وجود خطر بالتعرض للمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (المادة 16) والمساس بالحق في التعويض (المادة 14) ( ) ، برفضها دفع الدولة الطرف بعدم جواز قبول الشكوى من حيث الاختصاص الموضوعي ، وذلك بالاستناد إلى تعليقاتها العامة رقم 4 ( ) ، ورقم 2 ( ) ، ورقم 3 ( ) .

2- لذلك، لم يكن من المستصوب الإشارة إلى قرار سابق ( ) ، ينطوي على معنى مخالف وأثر معاكس، اتُّخذ في إطار التعليق العام القديم رقم 1. ويصدق هذا خصوصاً إذا اعتبرنا أن التذكير، دون موجب، بمنطوق القرار ( ) في الإشارة الخاطئة الواردة في الفقرة 8-3 ( ) ، لم يكن وجيهاً.

3- ومن باب الخطأ والعبث أيضاً أن توسع اللجنة نطاق مبدأ عدم الرد، فتخلص إلى وقوع انتهاك للمادة 3، استناداً إلى خطر التعرض لسوء المعاملة (المادة 16) والمساس بالحق في التعويض (المادة 14)، دون أن تخلص في الوقت نفسه إلى وقوع انتهاك لهاتين المادتين اللتين تتضمنان أحكاماً جوهرية مستقلة.

4- والحظر المطلق للرد مبدأٌ يهدف إلى ” منع [ حدوث ال ضرر الذي لا يمكن إصلاحه ] لا [ إلى ] إصلاح الضرر بعد حدوثه “ ( ) . ويصح هذا أيضاً في سياق منع أي انتهاك للمادتين 14 و16. ” [ من ] غير المعقول، طبعاً، انتظار أن يحدث الضرر للإحاطة علما بوقوعه “ ( ) .

5- وينبغي للجنة أن تفسر الاتفاقية ” [ مع مراعاة ] ال تهديدات والقضايا والممارسات الناشئة “ ( ) . وهي تستند في تفسيرها إلى جملة قواعد، منها قواعد اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 ( ) . فقبل البحث عن معايير أخرى ذات صلة، وطنية ودولية ( ) ، كان أجدر باللجنة أن تبدأ بتفسير ( ) الفقرة 1 من المادة 16.

6 - و ” المعنى العادي “ ، في اللغات الأصلية الست، لعبارة ” بوجه خاص “ الواردة في الفقرة 1 من المادة 16، الذي يوسّع نطاق تنفيذ ” الالتزامات المنصوص عليها في المواد 10 و11 و12 و13 “ لا يقتصر على هذه القائمة التي لا يراد منها أن تكون شاملة أو تقييدية. وترى اللجنة أ ن الالتزامات المنصوص عليها في الم واد 2 إلى 15 إ لزامي ة من حيث تطبيقها على التعذيب وإساءة المعامل ة ( ) .

7- وإضافة إلى ذلك، تحيل الاتفاقية في ديباجتها إلى أربعة مراجع، تصلح جميعاً لاستخدامها مراجع تفسيرية، ما يعني أن على اللجنة أ ن تراعي الاجتهادات السابقة للجنة المعنية بحقوق الإنسان. ويتعين على اللجنة أيضاً أن تراعي إعلان عام 1975 بشأن حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

8- وتسمح الأعمال التحضيرية بتجسيد العلاقة بين التعذيب وإساءة المعاملة في سياق تطبيق مبدأ عدم الرد ( ) . وفي حالة وجود تعارض بين الالتزامات التعاهدية الدولية للدولة الطرف وترتيباتها القانونية الإقليمية، فإن اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات تحيل إلى ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على أن الأسبقية ( ) ، تكون للالتزامات الناشئة عن المبادئ المكرسة في الميثاق، وفي هذا السياق المبادئ المنصوص عليها في المادة 55 تحديدا ً ، التي تكرسها الديباجة. وتؤكد الاتفاقية أسبقيتها على أي معاهدة أخرى للتسليم أُبرمت أو من المقرر إبرامها بين دول أطراف ( ) . وقد دأبت اللجنة على نقد الاتفاقات والتسويات الثنائية والإقليمية التي تؤثر تأثيراً سلبياً في تنفيذ الاتفاقية ( ) .

9- ولا يدعي صاحب الشكوى، في إطار مطالبته بموجب المادة 14، مساساً بحقه في التعويض في سويسرا، بل يزعم أن سويسرا ستخل بالتزاماتها في حال ترحيله إلى إيطاليا ويطالب بتدبير وقائي نظراً لحالته الشخصية الهشة جداً ( ) ، ونظراً أيضاً للأوضاع الحرجة التي يواجهها ملتمسو اللجوء، وبخاصة ضحايا التعذيب ( ) . فسويسرا لا يمكنها أن تحمِّل دولةً طرفاً أخرى المسؤولية عن الالتزامات الناشئة لها عن المادة 14 من الاتفاقية ( ) .

10- وفي ظل هذه الظروف الخاصة، لم تبيّن الدولة الطرف أنها أجرت تقييماً فردياً لحالة صاحب الشكوى، نظراً لضعفه الشديد بوجه خاص، والتجربة التي عاشها في الماضي، واحتياجاته الخاصة من التعويض. كما لم تجر تقييماً لحالته في ضوء الأوضاع السائدة في البلد الذي سيُرحَّل إليه. وبناءً عليه، فإن الدولة الطرف ستنتهك المواد 3 و14 و16 من الاتفاقية في حال ترحيل صاحب الشكوى إلى إيطاليا.

11- وكان على اللجنة أن تخلص إلى هذه النتيجة دون غموض غير معقول.