الأمم المتحدة

CCPR/C/123/D/2662/2015

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

Distr.: General

24 September 2018

Arabic

Original: French

اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

آراء اعتمدتها اللجنة بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، بشأن البلاغ رقم 2662/2015 * **

بلاغ مقدم من: ف. أ. (يمثلها محاميان هما كلير فاكيه وميشيل هنري)

الشخص المدعى أنه ضحية: صاحبة البلاغ

الدولة الطرف: فرنسا

تاريخ تقديم البلاغ: ١٨ حزيران/يونيه ٢٠١٥

الوثائق المرجعية: القرار المتخذ بموجب المادة 97 من النظام الداخلي للجنة، والمحال إلى الدولة الطرف في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 (لم يصدر في شكل وثيقة)

تاريخ اعتماد الآراء: ١٦ تموز/يوليه ٢٠١٨

الموضوع: حظر ارتداء الحجاب في مكان العمل

المسائل الإجرائية: ‬

المسائل الموضوعية: حرية المجاهرة بالدين، والتمييز على أساس الدين ونوع الجنس

مواد العهد: المادتان ١٨ و٢٦

مواد البروتوكول الاختياري: ٢

١- صاحبة البلاغ هي ف. أ.، وهي مواطنة مغربية من مواليد عام 1969. وهي تدعي أن الدولة الطرف انتهكت حقوقها المكفولة بموجب المادتين 18 و26 من العهد. ويمثل صاحبة البلاغ المحاميان كلير فاكيه وميشيل هنري. وقد دخل البروتوكول الاختياري حيز النفاذ في الدولة الطرف في ١٧ أيار/مايو ١٩٨٤.

الوقائع كما عرضتها صاحبة البلاغ

٢-١ ك انت صاحبة البلاغ تعمل منذ عام 1991 أخصائية تربوية للأطفال الصغار في دار حضانة تابعة لرابطة خاصة. ومنذ عام 1994، ترتدي صاحبة البلاغ، بسبب معتقداتها الدينية، خماراً تلفه حول وجهها ويغطي شعرها. وقبيل عودة صاحبة البلاغ من إجازة أمومة في كانون الأول/ديسمبر ٢٠٠٨، أبلغتها مديرة دار الحضانة بأنه لن يسمح لها بالعودة إلى العمل وهي ترتدي الحجاب، عمل اً بأحكام النظام الداخلي لدار الحضانة.

٢-٢ وفي ٩ كانون الأول/ديسمبر ٢٠٠٨، استدعيت صاحبة البلاغ إلى العودة إلى عملها، فذهبت إلى دار الحضانة وهي ترتدي الحجاب كعادتها. وفي رسالة مؤرخة ١٩ كانون الأول/ديسمبر ٢٠٠٨، أُخطرت صاحبة البلاغ بفصلها من عملها بسبب ارتكابها خطأً فادحاً يتمثل في عدم الانصياع للأوامر. وجاء في الرسالة أن أسباب الفصل من العمل تتمثل في انتهاك صاحبة البلاغ النظام الداخلي لدار الحضانة لرفضها خلع " حجابها الإسلامي " ؛ ورفضها مغادرة الحضانة رغم قرار وقفها عن العمل الذي اتخذته مديرة الحضانة كتدبير وقائي؛ و " المشاداة " التي أعقبت هذا الرفض، وفق اً لما ذكرته مديرة الحضانة.

٢-٣ ورفعت صاحبة البلاغ دعوى أمام المحاكم المحلية للحصول على اعتراف من هذه المحاكم بأن إجراء فصلها من العمل إجراء تمييزي ينتهك حريتها في الإجهار بدينها. وفي هذا الدعوى، طعنت صاحبة البلاغ في قانونية مادة النظام الداخلي لدار الحضانة، التي تنص على أن " مبدأ كفالة حرية كل موظف في الوجدان والدين لا يجوز أن يمنع احترام مبدأي الحياد والفصل بين الدين والدولة اللذين يسريان على جميع الأنشطة التي تضطلع بها [الرابطة] " غير أن محكمة العمل في مانت لاجولي قضت، في حكمها الصادر في ١٣ كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٠، بقانونية المادة المعنية من النظام الداخلي للحضانة وقرار فصل صاحبة البلاغ من العمل، وهو حكم أيدته محكمة استئناف فرساي في حكم أصدرته في ٢٧ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١١ في دعوى الاستئناف التي رفعتها صاحبة البلاغ.

٢-٤ ثم رفعت صاحبة البلاغ دعوى طعن بالنقض. فقضت دائرة العمل بمحكمة النقض، في حكم أصدرته في 19 آذار/مارس 2013، بأن مبدأ فصل الدين عن الدولة، الذي تنص عليه المادة الأولى من دستور فرنسا، لا يسري على موظفي القطاع الخاص غير المكلفين بإدارة خدمة من الخدمات العامة وأنه لا يجوز فرض أي قيود على حرية الدين ما لم تبررها طبيعة المهمة الموكولة إلى الموظف وما لم تستوف هذه القيود شروط اً مهنية أساسية وصارمة وما لم تكن متناسبة والهدف المنشود منها. وعلى النقيض مما جاء في الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف في فرساي، خلصت المحكمة إلى أن المادة المعنية من النظام الداخلي للحضانة تفرض قيود اً شاملة وغير محددة على حرية موظفي الحضانة في الدين، ومن ثم، فإن قرار فصل صاحبة البلاغ من العمل استناد اً إلى دافع تمييزي هو قرار باطل.

٢-٥ وفي ٢٧ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٣، أيدت محكمة الاستئناف في باريس مرة أخرى، باعتبارها المحكمة المختصة بالإحالة بعد محكمة النقض، الحكم الذي أصدرته محكمة العمل في مانت لاجولي في 13 كانون الأول/ديسمبر 2010. واستندت المحكمة إلى مفهوم " الشركة القائمة على معتقد " الذي يجيز للشركات الخاصة التي تقدم خدمات عامة، في حالات معينة، أن تؤسس شركات قائمة على معتقد وأن تنص في عقد تأسيس الشركة ونظامها الداخلي على أحكام تلزم موظفيها بالتحلي بالحياد في أداء مهامهم. وخلصت المحكمة أيض اً إلى أن من تبعات واجب الحياد حظر ارتداء أي رمز ديني لافت.

٢-٦ ثم رفعت صاحبة البلاغ دعوى طعن أخرى بالنقض، وهي دعوى نظرت فيها المحكمة بكامل هيئتها. غير أن المحكمة حكمت برد الدعوى في ٢٥ حزيران/يونيه ٢٠١٤. ورأت المحكمة أن على الرغم من أنه لا يمكن اعتبار الرابطة بمثابة شركة قائمة على معتقد بالنظر إلى الغرض المتوخى من تأسيسها، فإن محكمة الاستئناف يمكن أن تخلص إلى أن القيود التي فرضتها الرابطة على حرية موظفيها في الإجهار بدينهم هي قيود محددة بما فيه الكفاية تبررها طبيعة المهام التي يؤديها موظفو الرابطة ومتناسبة والهدف المنشود منها وتراعي بشكل فعلي ظروف عمل الرابطة وصغر حجمها، وهي رابطة يتعامل موظفوها، وعددهم 18 موظف اً، تعاملاً مباشر اً مع الأطفال وأولياء أمورهم.

الشكوى

٣-١ ترى صاحبة البلاغ أن الوقائع موضوع الشكوى تشكل انتهاك اً لحقوقها المنصوص عليها في المادتين ١٨ و٢٦ من العهد.

٣-٢ وتدعي صاحبة البلاغ أن القيود المفروضة بموجب المادة المذكورة أعلاه من النظام الداخلي للحضانة هي قيود لا ينص عليها القانون. وفي هذا الصدد، ترى صاحبة البلاغ أن القانون الساري آنذاك لم يكن يجيز للنظم الداخلية للشركات أن تفرض قيود اً من هذا القبيل في ضوء ملابسات هذه القضية. فمبدأ الحياد المنصوص عليه في دستور فرنسا لا ينطبق إلا على دوائر الخدمة العامة التابعة للدولة، وليس على دار حضانة خاصة. وبالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 1121-1 من قانون العمل الذي كان ساريا ً ( ) في تاريخ فصل صاحبة البلاغ من العمل، على ما يلي: " لا يجوز لأي شخص أن يفرض أي قيود على حقوق الأشخاص وعلى الحريات الفردية والجماعية ما لم تبررها طبيعة المهمة الموكولة إلى الموظف وما لم تكن متناسبة والهدف المنشود منها " ، كما تنص المادة 1321-3 على ما يلي: " لا يجوز أن يتضمن النظام الداخلي للشركة: [...] أي أحكام تفرض قيود اً على حقوق الأشخاص وعلى الحريات الفردية والجماعية ما لم تبرر هذه القيود طبيعة المهمة الموكولة إلى الموظف وما لم تكن متناسبة والهدف المنشود منها " . وأخير اً، فإن قانون العمل الساري آنذاك كان يحظر التمييز، ولا سيما التمييز على أساس نوع الجنس أو المعتقد الديني. ووفق اً للسوابق القضائية الراسخة ( ) ، لا يجوز النص في أي نظام داخلي على أحكام تقييدية ما لم تحدد هذه الأحكام " أنه يجب تقييم الالتزامات الناشئة عنها في ضوء طبيعة المهام التي يؤديها الموظفون الخاضعون لهذه الأحكام " ( ) . غير أن النظام الداخلي لدار الحضانة، في هذه القضية، لا يتضمن أي تبرير في هذا الشأن. وتدعي صاحبة البلاغ أن تفسير المحاكم في قضيتها لا يتسق مع ما حكمت به هذه المحاكم نفسها في قضايا سابقة، مما يضفي على القانون طابع اً متقلباً ويمنع العدالة من أن تأخذ مجراها في حالتها. وتخلص صاحبة البلاغ إلى أن القيود التي فرضت عليها هي قيود لا ينص عليها القانون ومنافية لأحكام الفقرة ٣ من المادة ١٨ من العهد.

٣-٣ وتدفع صاحبة البلاغ أيض اً بأن القيود التي فرضت عليها هي قيود غير ضرورية في مجتمع ديمقراطي، لأنه لا يمكن تبريرها بدواعي حماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة. وتشير صاحبة البلاغ إلى أن مجلس الدولة خلص في اجتهاده القضائي إلى أن ارتداء الحجاب لا يُعد بمثابة عمل دعوي ( ) . كما خلص مجلس الدولة إلى أن أي عمل ينطوي على ممارسة ضغوط أو أنشطة دعوية أو تبشيرية يمكن أن يشكل مساس اً بحريات الآخرين وحقوقهم الأساسية. غير أن ارتداء موظفي دار الحضانة رموز اً دينية لا يمنع أولياء أمور الأطفال أبدا من توجيه أطفالهم بحرية في ممارسة حقهم في حرية الوجدان والدين. وتشير صاحبة البلاغ إلى أن الفقرة ٣ من المادة ١٨ تنص أيض اً على ضرورة أن تكون القيود المفروضة متناسبة. وفي هذه القضية، أدى رفض صاحبة البلاغ خلع حجابها إلى فقدانها عملها ووصِف بأنه خطأ فادح، وهو وصف ينطوي على وصم شديد ويحرمها من أي تعويض عن إنهاء عقد عملها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أحكام النظام الداخلي موضوع القضية تفتقر عموم اً إلى الدقة، ومن ثم، فهي أحكام غير متناسبة.

٣-٤ وتدعي صاحبة البلاغ أيض اً أن أحكام المادة ٢٦ من العهد انتُهكت في حقها لأنها لم تستفِد من الحماية من التمييز المنصوص عليها في القانون الوطني ولأن إجراء فصلها من العمل هو إجراء تمييزي. وتشير صاحبة البلاغ إلى أن إجراء فصلها من العمل يستند إلى دافع تمييزي يتصل بمعتقداتها الدينية وأن مادة النظام الداخلي التي طُبقت عليها يترتب عليها أثر تمييزي غير مباشر ينطوي على إجحاف شديد في حق النساء المسلمات دون غيرهن.

ملاحظات الدولة الطرف على مقبولية البلاغ وأسسه الموضوعية

٤-١ أشارت الدولة الطرف، في مذكرة شفوية مؤرخة 4 كانون الثاني/يناير 2016، إلى أنها لا تود الاعتراض على مقبولية البلاغ. وقدمت الدولة الطرف، في مذكرة شفوية مؤرخة 3 أيار/مايو 2016، ملاحظاتها على الأسس الموضوعية للبلاغ.

٤ -٢ وتعرض الدولة الطرف القانون الساري الذي يكفل حرية الدين وعدم التمييز بالإشارة إلى المادة 10 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن المؤرخ 26 آب/أغسطس 1789، وإلى المادتين 1 و2 من الدستور المؤرخ 4 تشرين الأول/أكتوبر 1958، وإلى المادتين 9 و14 من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والبابين الثاني والثالث من قانون العمل.

٤-٣ وتشير الدولة الطرف إلى أن المبدأ المعتمد في مكان العمل في القطاع الخاص هو حرية الإجهار بالدين. غير أنه يجوز فرض قيود على هذه الحرية، شريطة أن تبررها طبيعة المهمة الموكولة إلى الموظف وتكون متناسبة والهدف المنشود منها. وترصد دائرة تفتيش ظروف العمل والسلطات القضائية مدى امتثال هذه القيود لأحكام القانون رصداً صارماً. ويجوز للموظف، حتى قبل تطبيق أي مادة من مواد النظام الداخلي للشركة عليه، أن يطلب إلى دائرة تفتيش ظروف العمل البت في مدى قانونيتها.

٤- 4 وتشير الدولة الطرف إلى أن موضوع هذه القضية ليس حرية الدين، وإنما حرية الإجهار بالدين، وهي ليست حرية مطلقة ويجوز فرض قيود عليها وفقاً للفقرة ٣ من المادة ١٨ من العهد. وتشير الدولة الطرف أيض اً أن الأفعال موضوع شكوى صاحبة البلاغ ارتكبتها شركة خاصة، ومن ثم، فإن المسألة تكمن في معرفة ما إذا كانت الدولة الطرف قد احترمت التزامها الإيجابي بحماية حق الأفراد في حرية الإجهار بدينهم. وفي هذه القضية، تذكر الدولة الطرف بأن صاحبة البلاغ تمكنت من عرض حججها ومن استخدام جميع سبل الانتصاف التي يتيحها القانون الوطني.

٤-٥ وتعترض الدولة الطرف على ادعاءات صاحبة البلاغ التي مفادها أن القيود التي فرضت عليها هي قيود لا ينص عليها القانون. وترى الدولة الطرف أن مسألة قانونية مادة النظام الداخلي للحضانة التي طبقت على صاحبة البلاغ مسألة لا صلة لها بالشرط الذي يقضي بأن يحدد القانون القيود المفروضة في هذا الحالة. وتضيف الدولة الطرف أن السؤال الوحيد المهم في هذه القضية يتمثل في مدى وجود إطار قانوني منظم للإجراء الذي حمل الرابطة على فصل صاحبة البلاغ من عملها. وبناء على ذلك، ترى الدولة الطرف أن إجراء الفصل موضوع الشكوى يندرج ضمن إطار قانوني تحدده المادتان 1121-1 و1321-3 تحديد اً دقيق اً، وهو إطار يجيز لرب العمل فرض قيود على حرية الموظف شريطة أن تبرر هذه القيود طبيعة المهمة الموكولة إلى الموظف وتكون متناسبة والهدف المنشود منها.

٤- 6 وفيما يخص الادعاءات المتعلقة بإمكانية الاحتكام إلى هذا الإطار القانوني وقابلية التنب ؤ به، تذكر الدولة الطرف، وفق اً للاستنتاجات التي خلصت إليها اللجنة في قضية روس ضد كندا ( ) ، بما يلي: " لا يجوز للجنة أن تعيد تقييم ما خلصت إليه المحكمة العليا من استنتاجات في هذه المسألة، ومن ثم، ترى اللجنة أن القيود المفروضة هي قيود ينص عليها القانون " . وعلاوة على ذلك، تدفع الدولة الطرف بأن المحاكم الوطنية سبق أن بتت في قضية تتصل بالحجاب الإسلامي آنذاك وخلصت إلى أن رفض رب العمل في تلك القضية تبرره طبيعة المهمة الموكولة إلى بائعة يحتم عليها عملها التعامل مع طائفة واسعة من الجمهور من مختلف المعتقدات الدينية ( ) . فقد أقرت محكمة النقض بأنه يجوز لرب العمل أن يفرض على موظفيه ممن يتعاملون مباشرة مع الزبائن ارتداء زي مناسب للمهام المسندة إليهم أو المنتجات المكلفين ببيعها ( ) . وأقرت محكمة الاستئناف في سان دني دو لاريونيون أيض اً بأنه يجوز لرب العمل أن يحظر على موظفيه ارتداء أي زي " مناف تمام اً لسمعة المتجر الذي يعملون به " ( ) . وفي هذه القضية، يتعلق الأمر برابطة صغيرة الحجم يتعامل جميع موظفيها أو يمكن أن يتعاملوا مع الأطفال وأولياء أمورهم. ومن ثم، ترى الدولة الطرف أن محكمة النقض احترمت معايير سوابقها القضائية.

٤-٧ وتدعي الدولة الطرف أيض اً أن القيود التي فرضت على صاحبة البلاغ فرضت عليها لهدف مشروع، ألا وهو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. وتذكر الدولة الطرف بأن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان سبق أن خلصت إلى أن الحجاب الإسلامي لا يعد في حد ذاته " رمز اً ديني اً مستترا ً " وإنما يعد " رمز اً ديني اً قوي اً واضح اً للعيان " ، وأقرت بأن حماية حقوق الآخرين وحرياتهم هي هدف مشروع من القيود التي يفرضها أرباب العمل على حرية الإجهار بالدين في الشركات ( ) . ويتمثل الهدف الذي تنشده الرابطة التي تدير دار الحضانة في القيام بعمل موجه لفائدة الأطفال صغار السن الذين يعيشون في حي فقير وفي السعي إلى إدماج النساء في الحياة الاجتماعية والمهنية، ولتحقيق هذا الغرض، كانت الرابطة تنظم شهري اً اجتماعات تضم نساء الحي لتمكينهن من تبادل آرائهن بشأن الصعوبات التي يواجهنها وإيجاد الحلول المناسبة لها. ومن ثم، أنشئت دار الحضانة لرعاية أطفال صغار السن وتوفير الاستقرار الاجتماعي لهم، وهم أطفال قابلون للتأثر بشدة بالبيئة المحيطة بهم والتفاعل معها ولا يجدر تعريضهم لأشكال تعبير واضحة عن الانتماء الديني. ويحتم عمل موظفي أي دار حضانة عليهم التعامل مع فئة محددة من الجمهور، أي الأطفال وأولياء أمورهم. فقابلية الطفل للتأثر بسرعة بأي إظهار من جانب المربين لمعتقداتهم الدينية، ناهيك عن أي تعبير عنها، يبرر القيود التي فرضت على صاحبة البلاغ. وبناء على ذلك، ترى الدولة الطرف أن مادة النظام الداخلي موضوع البلاغ ترمي إلى حماية حق الأطفال وأولياء أمورهم من أي تأثير ديني آخر.

٤ - ٨ وتعترض الدولة الطرف على ادعاءات صاحبة البلاغ التي مفادها أن القيود التي فرضت عليها غير متناسبة والهدف المنشود منها. وتشدد على أهمية تمتع الدول الأطراف بهامش تقدير معين لتحديد ما إذا كان التدخل في هذه الحرية ضروري اً وإلى أي مدى. وفي هذه القضية، تشير الدولة الطرف إلى أن القيود التي فرضت على صاحبة البلاغ تتعلق فقط بحرية الإجهار بالدين نظراً إلى أنه يتوجب على الموظفين الذين يحتم عليهم عملهم التعامل مع أطفال صغار السن توخي الحيطة في التعبير عن آرائهم الدينية. ولا تسري هذه القيود خارج نطاق أنشطة الحضانة وتقتصر على الأنشطة التي تنطوي على تعامل الموظفين مع الأطفال. ونظراً إلى صغر حجم الحضانة، يمكن لجميع الموظفين أن يتعاملوا مع الجمهور. وتذكر الدولة الطرف أيض اً بقضية مماثلة كانت المدعية فيها كاثوليكية وتعمل في حضانة بروتستانتية، وهي قضية خصلت فيها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى أن حرية الدين لم تنتهك فيها استناد اً إلى مبدأ حرية التعاقد ( ) .

٤-٩ أما فيما يخص ادعاءات صاحبة البلاغ التي مفادها أن فصلها من العمل هو إجراء تمييزي يشكل انتهاكاً لأحكام المادة ٢٦ من العهد، فإن الدولة الطرف تؤكد أن أحكام مادة النظام الداخلي للحضانة لا تؤدي إلى أي تمييز لأنها لا تستهدف أي دين أو أي معتقد فلسفي أو أي اً من الجنسين. ويمكن وصف أحكام هذه المادة من النظام الداخلي بأنها تؤدي إلى تفرقة في المعاملة بين الموظفين الذين يودون الإجهار بمعتقداتهم الدينية ومن لا يودون ذلك. ومع ذلك، تذكر الدولة الطرف بأن اللجنة خلصت في اجتهادها القضائي الثابت إلى أن الحق في المساواة أمام القانون لا يعني أن أي اختلاف في المعاملة يعد ضرب اً من ضروب التمييز، وأن أي تفرقة تستند إلى معايير معقولة وموضوعية لا تعد تمييز اً بالمعنى المقصود في المادة ٢٦ من العهد. وتستند التفرقة في المعاملة التي تنص عليها أحكام النظام الداخلي للحضانة إلى معايير موضوعية لا إلى معايير تعسفية وغير معقولة.

تعليقات صاحبة البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف

٥-١ في رسالة مؤرخة 12 أيلول/سبتمبر 2016، قدمت صاحبة البلاغ تعليقاتها على ملاحظات الدولة الطرف على الأسس الموضوعية للبلاغ.

٥-٢ وتعترض صاحبة البلاغ على تأكيد الدولة الطرف أن السؤال الوحيد المهم فيما يتعلق بقانونية القيود التي فرضت على حقها في المجاهرة بدينها يتمثل في مدى وجود إطار قانوني منظم للإجراء الذي أدى إلى فصلها من عملها. وتؤكد صاحبة البلاغ أن لُب موضوع فصلها من عملها هو البند المذكور من النظام الداخلي للحضانة. ولو كانت المحاكم أعلنت عدم قانونية هذا البند، لكان ذلك قد أدى تلقائي اً إلى بطلان العقوبة التأديبية الشديدة التي فرضت عليها. غير أن أحكام قانون العمل تنص على مبدأ واضح، ألا وهو أن الحرية، بما فيها الحرية الدينية، هي القاعدة، وأن منع ممارسة الحرية هو الاستثناء، ومن ثم، فهو يرتبط ارتباط اً وثيق اً بطبيعة المهمة الموكولة إلى الموظف شريطة أن يكون هذا المنع متناسب اً تمام اً والهدف المنشود منه. وبناء على ذلك، فإن مادة النظام الداخلي المذكورة عارية تمام اً من أي صفة قانونية ومنافية للقانون الساري. وتشير صاحبة البلاغ إلى أن التعديل الذي أدخل مؤخر اً على قانون العمل ( ) ، والذي يجيز إدراج أحكام ترسخ مبدأ الحياد في الأنظمة الداخلية للشركات، يدل على أن هذا الخيار لم يكن متاحاً من قبل. وترى صاحبة البلاغ أنه يمكن التساؤل عن مدى اتساق هذا القانون الجديد مع العهد ومع الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور، ولكن هذه المسألة لم تعرض حتى الآن على المجلس الدستوري لكي يبت فيها.

٥-٣ وتلاحظ صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف أفادت بأن محكمة النقض رأت أن القيود التي فرضت على حريتها في الإجهار بدينها تستوفي المعايير التي يحددها القانون بالاستناد إلى معيار سبق تطبيقه في سابقة قضائية وبعد تقييم حالة صاحبة البلاغ تقييم اً فعلي اً. وفي هذا الصدد، تذكر صاحبة البلاغ بأن محكمة النقض ليست محكمة ابتدائية، ولكنها رأت، في هذه القضية، أن محكمة الاستئناف خلصت، بعد تقييم ظروف عمل الرابطة وصغر حجمها تقييم اً فعلي اً، إلى أن جميع موظفي الحضانة قد يكونوا على اتصال مباشر بالأطفال وأولياء أمورهم، مما يبرر القيود التي فرضت على حرية صاحبة البلاغ في الإجهار بدينها. وتشير صاحبة البلاغ إلى أن محكمة الاستئناف لم تستند في قرارها إلى حجم الرابطة أو عدد موظفيها أو ظروف عملها الفعلية، وإنما استندت إلى التعريف القانوني لمفهوم الشركة القائمة على معتقد الذي يبرر، وفق اً للسوابق القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، سريان مبدأ الحياد على جميع الموظفين العاملين في الشركة. غير أن محكمة الاستئناف سعت إلى تضييق نطاق مادة النظام الداخلي، رغم جميع الأدلة، واعتبرت أن صياغته دقيقة بما فيه الكفاية لفهم أن تطبيقها يقتصر على أنشطة تحفيز الأطفال ذهني اً ورعايتهم داخل مكان العمل وخارجه. غير أن المحكمة لم تنظر قط في ظروف عمل صاحبة البلاغ.

٥- 4 وتعرب صاحبة البلاغ كذلك عن اعتراضها على تأكيد الدولة الطرف أنه توجد سوابق قضائية راسخة يمكن الاستدلال منها على جواز فرض قيود من هذا القبيل على حق الفرد في إظهار دينه. وترى صاحبة البلاغ أن الأحكام القضائية التي استشهدت بها الدولة الطرف تتصل بقضايا تختلف اختلاف اً شديد اً عن قضيتها وأن معظمها يتصل بقيود فردية تبررها طبيعة المهام الموكولة إلى الموظفين والغرض المنشود وليس بقيود شاملة كالقيود التي فرضت عليها. وعلاوة على ذلك، فإن الأحكام الصادرة عن محكمة النقض التي أشارت إليها الدولة الطرف تتعلق بحرية الفرد في ارتداء الزي الذي يختاره، وهي حرية لا تدخل في فئة الحريات الأساسية، على النقيض من حرية إظهار الدين. وتضيف صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف أشارت إلى حكمين ( ) يتعلقان بأحد الرموز الدينية، غير أنهما حكمان منعزلان انتقدهما الفقه القانوني ولم تؤيدهما محكمة النقض. وتذكر صاحبة البلاغ بأن محكمة النقض قررت أن تحيل إلى محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي ( ) مسألة ما إذا كان يمكن تبرير حظر ارتداء الرموز الدينية برغبة عملاء الشركة، حرص اً على مصلحتها، مما يدل على عدم وجود سوابق قضائية راسخة في هذا الموضوع.

٥-٥ أما فيما يخص الهدف المشروع المنشود من هذه القيود، فترى صاحبة البلاغ أنه لا يمكن البرهنة في هذه القضية على وجود ضرورة ملحة تستوجب التزام الحياد الكامل والدائم صوناً لحرية وجدان الأطفال واحتراماً للأسلوب التربوي الذي اختاره لهم أولياء أمورهم، فالأطفال الملتحقون بالحضانة هم أطفال في سن الثالثة من العمر أو دونها، وهم يعيشون في بيئة تتسم بالتنوع الإثني والثقافي ومعتادون على رؤية آبائهم وأمهاتهم وأقاربهم يتردون أزياءً تعبر عن أصولهم الإثنية. وتشمل هذه الأزياء، بالنسبة إلى كثير من هؤلاء الأطفال، الحجاب، وهم لا يستطيعون، في هذه السن، تمييز ما إذا كان هذا الزي إسلامياً أم لا. وتضيف صاحبة البلاغ أن دار الحضانة تتولى رعاية أطفال اً أكبر سن اً لفترة محددة أو بشكل استثنائي، وأن أولياء أمور هؤلاء الأطفال وأمهاتهم لم يذكروا أو يلمحوا قط إلى أن مبدأ الحياد المفروض على موظفي الرابطة هو سبب انضمامهم إليها، لأن هذا المبدأ يرد في النظام الداخلي للرابطة وليس في عقد تأسيسها. وترى صاحبة البلاغ أن تلميح الدولة الطرف في ملاحظاتها إلى أنه لا ينبغي لامرأة محجبة أن تتعامل مع أطفال الحضانة هو تلميح مروع للغاية.

٥-٦ وفيما يتعلق بتناسب القيود المفروضة والهدف المنشود منها، تلاحظ صاحبة البلاغ أن الدولة الطرف رأت أن القيود التي فرضت عليها متناسبة بالنظر إلى المهام الموكولة إليها. غير أن صاحبة البلاغ تشير إلى أن هذا التأكيد لا يرد في قرارات المحاكم الفرنسية التي لم تنظر في المهام الموكولة إليها ولا في حالتها الفردية. وتشير أيض اً إلى أنها فصلت من عملها دون أي محاولة تسوية من جانب رب عملها ودون أن يتسبب حجابها في أي مشكلة.

٥-٧ وفيما يتعلق بحجة الدولة الطرف التي مفادها أن صاحبة البلاغ اختارت ممارسة مهنتها في هذه الرابطة بمحض إرادتها وأنها كانت على علم بأحكام النظام الداخلي للحضانة، تشير صاحبة البلاغ إلى أن الدولة الطرف تستند في حجتها إلى حكم صادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لا صلة له بهذه القضية لأنه يتعلق بدار حضانة بروتستانتية، وهي شركة قائمة على معتقد، بينما لا تدخل دار الحضانة التي كانت تعمل فيها في هذه الفئة. وترفق صاحبة البلاغ تقرير اً عن تأثير كراهية الإسلام على المرأة في فرنسا ( ) .

الملاحظات الإضافية المقدمة من الدولة الطرف

٦-١ قدمت الدولة الطرف، في مذكرة شفوية مؤرخة ١ كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٦، ملاحظاتها الإضافية على البلاغ.

٦-٢ وتعترض الدولة الطرف على تفسير صاحبة البلاغ لإصلاح قانون العمل بموجب القانون المؤرخ ٨ آب/أغسطس ٢٠١٦. وتؤكد الدولة الطرف أن هذا التعديل يتماشى مع المبادئ التي حددتها المادتان 1121-1 و1321-3 من قانون العمل، اللتين كانتا ساريتين وقت وقوع الأحداث موضوع البلاغ، واللتين كانتا تجيزان منذ ذلك الحين تقييد التعبير عن الحريات، ولا سيما حرية الدين، في حالات معينة. وبناء على ذلك، فإن القيود التي تنص عليها أحكام المادة المذكورة من النظام الداخلي للرابطة تستند إلى أساس قانوني في الإطار القانوني المعمول به قبل سن قانون ٨ آب/أغسطس ٢٠١٦، الذي يكتفي بتحديد الظروف التي يمكن أن تنص فيها الأنظمة الداخلية للشركات على مواد من هذا القبيل.

القضايا والإجراءات المعروضة على اللجنة

النظر في المقبولية

٧-١ قبل النظر في أي ادعاء يرد في بلاغ ما، يجب على اللجنة، وفقاً للمادة 93 من نظامها الداخلي، أن تحدد ما إذا كان البلاغ مقبولاً أم لا بموجب البروتوكول الاختياري.

٧-٢ وقد تأكدت اللجنة، وفقاً لما تقتضيه الفقرة (2)(أ) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، من أن المسألة نفسها لم تُبحث وليست قيد البحث في إطار أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية. ‬

٧- 3 وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تطعن في مقبولية البلاغ. وتلاحظ اللجنة أيض اً أن دعوى الطعن التي رفعتها صاحبة البلاغ رُدت وأن صاحبة البلاغ استنفدت من ثم كُل سبل الانتصاف المحلية المتاحة. وبناء على ذلك، ترى اللجنة أن أحكام الفقرة (2)(ب) من المادة 5 من البروتوكول الاختياري لا تمنعها من النظر في هذا البلاغ.

٧-٤ وترى اللجنة أيضاً أن صاحبة البلاغ دعمت ادعاءاتها بما يكفي من الأدلة المطلوبة لأغراض المقبولية. وبناءً على ذلك، تعلن اللجنة مقبولية البلاغ من حيث ما يثيره من مسائل في إطار المادتين 18 و26 من العهد وتشرع، من ثم، في النظر في أسسه الموضوعية.

النظر في الأسس الموضوعية ‬

٨-١ نظرت اللجنة في هذا البلاغ آخذة في اعتبارها جميع المعلومات التي أتاحها لها الطرفان، وفقاً لأحكام الفقرة 1 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري.

٨-٢ وتلاحظ اللجنة ادعاء صاحبة البلاغ أن قرار فصلها من العمل بسبب ارتكابها خطأ فادح اً لرفضها خلع حجابها الإسلامي أثناء عملها في الحضانة قد انتهك حقها في حرية الإجهار بدينها بموجب المادة ١٨ من العهد لأنه تقييد غير متناسب لا ينص عليه القانون ولا تقتضيه الضرورة في مجتمع ديمقراطي. وتحيط اللجنة علم اً برأي الدولة الطرف الذي مفاده أن القيود التي فرضت على حرية صاحبة البلاغ في الإجهار بدينها هي قيود ينص عليها القانون ومتناسبة والهدف المشروع المتمثل في حماية حريات الآخرين وحقوقهم الأساسية، أي حرية الوجدان والدين للأطفال الملتحقين بدار الحضانة وأولياء أمورهم.

٨-٣ وتذكّر اللجنة، على النحو المبين في ا لفقرة ٤ من تعليقها العام رقم ٢٢ (١٩٩٣) بشأن الحق في حرية الفكر والوجدان والدين المتعلق بالمادة ١٨ من العهد، بأن حرية الإجهار بالدين تشمل ارتداء ملابس أو أغطية رأس مميزة. وتشير اللجنة أيض اً إلى أن ارتداء الحجاب الذي يغطي الشعر كلي اً أو جزئي اً هو ممارسة معهودة لدى عدد من النساء المسلمات اللواتي يعتبرن الحجاب جزء اً لا يتجزأ من الإجهار بمعتقدهن الديني. وتلاحظ اللجنة أن هذا هو الحال بالنسبة لصاحبة البلاغ، ومن ثم، ترى أن منع صاحبة البلاغ من ارتداء الحجاب في مكان العمل يشكل تدخل اً في ممارستها لحقها في حرية الإجهار بدينها.

٨-٤ وبناء على ذلك، يتعين على اللجنة أن تبت فيما إذا كان تقييد حرية صاحبة البلاغ في الإجهار بدينها أو معتقدها (الفقرة 1 من المادة ١٨ من العهد) يتسق مع المبادئ المنصوص عليها في الفقرة ٣ من المادة ١٨ من العهد، أي أن هذا التقييد يجب أن يكون منصوص اً عليه في القانون وضروري اً لحماية الأمن، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية. وتذكر اللجنة، على نحو ما جاء في الفقرة 8 من تعليقها العام رقم 22، بأنه " ينبغي تفسير الفقرة 3 من المادة 18 تفسيراً دقيقا ً : فلا يسمح بفرض قيود لأسباب غير محددة فيها، حتى لو كان يسمح بها كقيود على حقوق أخرى محمية في العهد، مثل الأمن القومي. ولا يجوز تطبيق القيود إلا للأغراض التي وضعت من أجلها، كما يجب أن تتعلق مباشرة بالغرض المحدد الذي تستند إليه وأن تكون متناسبة معه. ولا يجوز فرض القيود لأغراض تمييزية أو تطبيقها بطريقة تمييزية " .

٨- 5 وفي هذه القضية، تلاحظ اللجنة أن صاحبة البلاغ أفادت بأن القيود التي فرضت عليها هي قيود لا ينص عليها القانون، لأن قانون العمل الساري آنذاك لم يكن يجيز النص على أحكام تقييدية، كالأحكام التي طبقت عليها، في النظم الداخلية للشركات. وتلاحظ اللجنة أيض اً حجة الدولة الطرف التي مفادها أن المادتين 1121-1 و1321-3 تنصان على إمكانية إدراج أحكام تقييدية بناء على شروط معينة، وهي شروط ترى الدولة الطرف أنها استوفيت في هذه القضية. وتحيط اللجنة علم اً أيض اً بأنه لا يوجد في ملف القضية ما يشير إلى أن النظام الداخلي لدار الحضانة لم يُعتمد وفق اً للقوانين السارية أو ما يسمح بالخلوص إلى ذلك. ومن ثم، لا يمكن للجنة أن تخلص إلى أن القيود التي فرضت على صاحبة البلاغ ليست قيود اً ينص عليها القانون.

٨-٦ وبناء على ذلك، ترى اللجنة أن المسألة المعروضة عليها تتمثل في تحديد ما إذا كانت القيود التي فرضت على صاحبة البلاغ " ضرورية لحماية الأمن أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية " ، وفقاً لأحكام الفقرة 3 من المادة 18 من العهد. وفي هذا الصدد، تذكر اللجنة بأن هذه القيود، وفق اً لما جاء في الفقرة 8 من تعليقها العام رقم ٢٢ " يجب أن تتعلق مباشرة بالغرض المحدد الذي تستند إليه " . وتشير اللجنة أيض اً إلى المعايير التي حددتها المقررة الخاصة المعني بحرية الدين أو المعتقد لتقييم مدى احترام مبدأ التناسب احترامها عند الاعتراض على قيود من هذا القبيل (انظر E/CN.4/2006/5، الفقرة 58).

٨-٧ وفي ضوء ما تقدم، تحيط اللجنة علم اً بحجة الدولة الطرف التي مفادها أن هذه القيود فرضت على صاحبة البلاغ لهدف مشروع يتمثل في حماية حقوق وحريات الأطفال وأولياء أمورهم. وتفهم اللجنة من هذه الحجة أنها تشير إلى حماية حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية، على نحو ما تنص عليه الفقرة 3 من المادة ١٨ من العهد. وتلاحظ اللجنة أيض اً أن الدولة الطرف تستند إلى السوابق القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في دفعها بأن الحجاب الإسلامي " ليس رمز اً ديني اً مستترا ً " وإنما هو " رمز ديني خارجي قوي " ؛ وأن " دار الحضانة أنشئت لرعاية أطفال صغار السن وتوفير الاستقرار الاجتماعي لهم، وهم أطفال قابلون للتأثر بشدة بالبيئة المحيطة بهم والتفاعل معها وليس هناك ما يدعو إلى تعريضهم إلى أشكال تعبير واضحة عن الانتماء الديني " . وتلاحظ اللجنة أيض اً أن صاحبة البلاغ أفادت بأن الأفعال التي تشكل مساس اً بحريات الآخرين وحقوقهم الأساسية هي الأفعال التي تنطوي على ممارسة ضغوط أو أنشطة دعوية أو تبشيرية، غير أن الحجاب لا يندرج ضمن هذه الأفعال ولا يمنع الآباء والأمهات بأي حال من الأحوال من توجيه أطفالهم في ممارسة حريتهم في الوجدان والدين. وتلاحظ اللجنة أيض اً حجة صاحبة البلاغ التي مفادها أن اشتراط تحلي موظفي دار الحضانة بالحياد التام والدائم ليس ضروري اً لصون حرية وجدان الأطفال والأسلوب التربوي الذي اختاره لهم آباؤهم وأمهاتهم لأن آباءهم وأمهاتهم لم يذكروا أو يلمحوا قط إلى أن شرط الحياد المفروض على موظفي الرابطة هو سبب انضمامهم إليها، لا سيما وأن هذا المبدأ يرد في النظام الداخلي لدار الحضانة وليس في عقد تأسيس الرابطة. وأخير اً، تلاحظ اللجنة أن صاحبة البلاغ ترى أن ملاحظات الدولة الطرف تشير فيما يبدو إلى أنه لا ينبغي لامرأة محجبة أن تتعامل مع الأطفال أبدا وأنها ترى أن هذا موقف مروع.

٨-٨ وتلاحظ اللجنة كذلك أن الدولة الطرف لا توضح سبب تنافي الحجاب مع الاستقرار الاجتماعي ومع الرعاية التي تروج لها دار الحضانة. وتلاحظ اللجنة أيض اً أن الحجج التي ساقتها الدولة الطرف لا تفسر سبب تنافي الحجاب مع الغرض الذي تنشده الرابطة التي تدير دار الحضانة والذي يتمثل في القيام بعمل موجه لفائدة الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة الذين يعيشون في حي فقير، والسعي في الوقت ذاته إلى إدماج نساء الحي في الحياة الاجتماعية والمهنية، لا سيما وأن أحد الأهداف التي تنشدها الرابطة يتمثل في تمكين النساء اقتصادي اً واجتماعي اً وثقافي اً، دون تمييز على أساس الرأي السياسي أو المعتقد. وتندرج إعادة إدماج صاحبة البلاغ، بصرف النظر عن رأيها الديني، في إطار هذا الهدف. وأخير اً، ترى اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم مبررات كافية تتيح الخلوص إلى أن ارتداء الحجاب من قبل مربية عاملة في الحضانة يشكل مساس اً بحقوق الأطفال الملتحقين بالحضانة وأمهاتهم وأبائهم وحرياتهم الأساسية.

٨-٩ أما فيما يخص مدى تناسب هذا التدبير، فتحيط اللجنة علم اً بما ساقته الدولة الطرف من حجج شددت فيها على أهمية تمتع الدول الأطراف بهامش تقدير معين لتحديد ما إذا كان التدخل في هذه الحرية ضروري اً وإلى أي مدى؛ وأن القيود المفروضة على العاملين في الحضانة لا تسري خارج نطاق أنشطة الحضانة وأنها تقتصر على الأنشطة التي تنطوي على تعامل الموظفين مع الأطفال. غير أن اللجنة تلاحظ أيض اً إفادة صاحبة البلاغ، التي ترتدي الحجاب منذ عام 1994، حتى في مكان العمل، بأن القيود التي فرضت عليها ليست متناسبة لأنها أدت، لا لسبب إلا لرفضها خلع حجابها، إلى فصلها من عملها لارتكابها " خطأ فادحاً " ، وهو صف ينطوي على وصم شديد وحرمان من أي تعويض عن إنهاء عقد العمل. وتلاحظ اللجنة أن المعلومات التي قدمتها الدولة الطرف لا تتيح الخلوص إلى أن منع ارتداء الحجاب في ملابسات هذه القضية يمكن أن يسهم في تحقيق الأهداف التي تنشدها دار الحضانة ولا إلى عدم وصم طائفة دينية بعينها. وتذكر اللجنة بأنه لا يمكن اعتبار ارتداء الحجاب في حد ذاته بمثابة عمل دعوي. ومن ثم، ترى اللجنة أن القيود التي فرضت على صاحبة البلاغ وأسلوب تطبيقها لا يتناسبان والهدف المنشود منها. وفي ضوء ما تقدم، ترى اللجنة أنه لا يمكن اعتبار إلزام صاحبة البلاغ بخلع حجابها أثناء وجودها في دار الحضانة وفصلها من عملها لارتكابها خط اً فادح اً بسبب رفضها القيام بذلك بمثابة إجراءين متوافقين مع المبادئ المنصوص عليها في الفقرة 3 من المادة 18 من العهد. وبناء على ذلك، تخلص اللجنة إلى أن القيود التي يفرضها النظام الداخلي للحضانة وتطبيقها يشكلان انتهاك اً لحرية صاحبة البلاغ في الدين وإخلال اً بأحكام المادة 18 من العهد.

٨-١٠ وتلاحظ اللجنة أن صاحبة البلاغ تدعي انتهاك أحكام المادة 26 من العهد في حقها لأن فصلها من العمل يستند إلى إحدى مواد النظام الداخلي التي تنص على أحكام مجحفة للغاية وغير متناسبة في حق النساء المسلمات اللواتي يخترن ارتداء الحجاب، ومن ثم، فهو إجراء تمييزي. وتحيط اللجنة علماً أيض اً بحجج الدولة الطرف التي مفادها أن الأفعال موضوع شكوى صاحبة البلاغ هي أفعال ارتكبتها مؤسسة خاصة؛ وأن السؤال الوحيد المطروح يتمثل في معرفة ما إذا كانت الدولة الطرف قد وفت بالتزامها الإيجابي في حماية حق الأفراد في حرية المجاهرة بدينهم؛ وأن المادة المذكورة من النظام الداخلي لدار الحضانة لا تؤدي إلى أي تمييز لأنها لا تستهدف أي دين أو معتقد فلسفي أو أي اً من الجنسين، وإنما تؤدي إلى تفرقة في المعاملة بين الموظفين الذين يودون الإجهار بمعتقداتهم الدينية ومن لا يودون ذلك. وأخير اً، تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف تشير إلى أن هذه التفرقة في المعاملة هي تفرقة موضوعية وليست تعسفية أو غير معقولة.

٨-١١ وتذ كر اللجنة بتعليقها العام رقم 18 (1989) بشأن عدم التمييز، الذي تعرف الفقرة 7 منه التمييز على أنه " أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد أو تفضيل يقوم لأي سبب، كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك، مما يستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف لجميع الأشخاص، على قدم المساواة، بجميع الحقوق والحريات أو التمتع بها أو ممارستها " وتذكر اللجنة بأن حظر التمييز ينطبق على القطاعين العام والخاص وأن انتهاك أحكام المادة ٢٦ يمكن أن ينجم عن الأثر التمييزي لقاعدة أو تدبير محايدين ظاهري اً ولا يقصد منهما التمييز ( ) . غير أن أي تفرقة بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك، على النحو المبين في العهد، لا تشكل تمييز اً ما دامت مستندة إلى معيار معقول وموضوعي وكانت لهدف مشروع، على نحو ما ينص عليه العهد.

٨-١٢ وتلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف أشارت إلى أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان اعتبرت الحجاب الإسلامي " رمز اً ديني اً قويا ً " . غير أن اللجنة تلاحظ أن الدولة الطرف لم توضح المعيار الذي استخدمته المحكمة لكي تتوصل إلى هذا الاستنتاج. وفي هذه القضية، تلاحظ اللجنة أن محكمة الاستئناف في باريس خلصت في حكمها الصادر في ٢٧ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٣ إلى أن مادة النظام الداخلي للحضانة " تنص على وجه الخصوص على حظر ارتداء أي رمز ديني لافت " ( ) . وتلاحظ اللجنة أيض اً حجة صاحبة البلاغ التي مفادها أن مادة النظام الداخلي التي طبقت عليها ينجم عنها أثر تمييزي غير مباشر، وأن تقرير رابطة مكافحة معاداة الإسلام في فرنسا، الذي أرفقته صاحبة البلاغ ببلاغها، يشير إلى منشور صادر عن وزارة التعليم الوطنية جاء فيه أن التمييز بين الرموز الدينية " اللافتة " أو " البارزة " وبين الرموز الدينية الأخرى يطال الحجاب أو الخمار الإسلامي دون غيره ( ) . وتذكر اللجنة بأنها أشارت في ملاحظاتها الختامية على التقرير الدوري الخامس لفرنسا إلى القيود المفروضة على حرية الإجهار بالدين أو المعتقد التي تؤثر بشكل خاص في الفتيات والأشخاص الذين يعتنقون أديان اً بعينها، وبأنها أعربت في الوقت ذاته عن قلقها من احتمال أن يؤدي تأثير هذه القوانين في فئات معينة تشعر بالاستبعاد والتهميش إلى نتائج ع كس ية قد تتعارض والهدف المنشود منها ( ) . وتخلص اللجنة إلى أن القيود التي يفرضها النظام الداخلي تؤثر تأثير اً غير متناسب على النساء المسلمات، مثل صاحبة البلاغ، اللواتي يخترن ارتداء الحجاب، مما يشكل معاملة تمييزية.

٨-١٣ وبناء على ذلك، يجب على اللجنة أن تبت فيما إذا كانت المعاملة التمييزية التي تعرضت لها صاحبة البلاغ مشروعة الهدف بموجب العهد وما إذا كانت تستوفي معياري المعقولية والموضوعية. وتلاحظ اللجنة حجة الدولة الطرف التي مفادها أن القيود التي فرضت على حرية صاحبة البلاغ وفصلها من العمل يستندان إلى النظام الداخلي لدار الحضانة وإلى قانون العمل، وأن أحكام النظام الداخلي لا تنطوي على تمييز لأنها لا تستهدف أي دين أو معتقد أو أي جنس بعينه وإنما تهدف حماية الأطفال من التعرض لأي تأثير ديني آخر. وتؤكد الدولة الطرف بعبارات عاملة أن هذه المعاملة التمييزية تستند إلى معاير موضوعي وليس أي معاير تعسفي أو غير معقول، دون أن تقدم تفسير اً كافي اً للسبب الذي يجعل ارتداء صاحبة البلاغ الحجاب يمنعها من أداء مهامها ودون أن تنظر في مدى تناسب هذا الإجراء. ومع ذلك، تلاحظ اللجنة أن صاحبة البلاغ فصلت من عملها دون تعويض عن إنهاء عقدها بسبب ارتدائها الحجاب، ودون تقديم أي تبرير مرض للسبب الذي يجعل هذا الحجاب يمنعها من أداء مهامها، ودون تقييم مدى تناسب هذا الإجراء. وبناء على ذلك، ترى اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم أدلة كافية تدعم وجود هدف مشروع من فصل صاحبة البلاغ من عملها بسبب ارتدائها الحجاب أو تناسب هذا الإجراء مع ذلك الهدف. وبناء على ذلك، تخلص اللجنة إلى أن فصل صاحبة البلاغ من عملها استناد اً إلى النظام الداخلي للحضانة، الذي ينص على وجوب تحلي الموظفين بالحياد في ادائهم مهامهم، وإلى قانون العمل، لا يستند إلى معاير معقول وموضوعي ويشكل، من ثم، تمييز اً متعدد الجوانب على أساس نوع الجنس والدين، في انتهاك لأحكام المادة 26 من العهد.

٩- واللجنة، إذ تتصرف بموجب الفقرة 4 من المادة 5 من البروتوكول الاختياري، ترى أن الوقائع المعروضة عليها تكشف عن انتهاك لحقوق صاحبة البلاغ المكفولة بمو جب المادتين 18 و26 من الع ه د .

١٠- ووفق اً لأحكام الفقرة 3(أ) من المادة 2 من العهد، يقع على عاتق الدولة الطرف التزام بتوفير سبيل انتصاف فعال لصاحبة البلاغ. ويعني ذلك أنه يجب على الدولة الطرف أن تمنح الأشخاص الذين انتُهكت حقوقهم المكفولة بموجب العهد تعويض اً كامل اً عما أصابهم من ضرر. والدولة الطرف ملزمة، في هذه القضية، بجملة أمور، منها ما يلي: تعويض صاحبة البلاغ تعويض اً كافي اً واتخاذ تدابير الترضية المناسبة، بما في ذلك تعويضها عن فقدان عملها بدون أن تتلقى أي تعويض عن إنهاء عقدها، وسداد أي تكاليف قانونية تكبدتها، وتعويضها عن أي خسارة غير نقدية تكبدتها بسبب وقائع هذه القضية. والدولة الطرف ملزمة أيض اً باتخاذ كافة التدابير اللازمة لمنع حدوث أي انتهاكات مماثلة في المستقب ل .

١١- وبما أن الدولة الطرف اعترفت، بانضمامها إلى البروتوكول الاختياري، باختصاص اللجنة في البت في حدوث أي انتهاك للعهد أم لا، وأن الدولة الطرف تعهدت، عملاً بالمادة 2 من العهد، بضمان تمتع ج ميع الأفراد الموجودين في أراضيها أو الخاضعين لولايتها القضائية بالحقوق المعترف بها في العهد وبإتاحة سبل انتصاف فعالة وقابلة للإنفاذ في حال ثبوت حدوث انتهاك للعهد، فإن اللجنة تود أن تتلقى من الدولة الطرف، في غضون 180 يوماً، معلومات عما اتخذته من تدابير لوضع آراء اللجنة موضع التنفيذ. ‬ ويرجى من الدولة الطرف أيض اً نشر هذه الآراء .