الأمم المتحدة

E/C.12/GC/24

ا لمجلس الاقتصادي والاجتماعي

Distr.: General

10 August 2017

Arabic

Original: English

اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

التعليق العام رقم 24 (2017) بشأن التزامات الدول بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في سياق الأنشطة التجارية *

أولا ً- مقدمة

1- تضطلع الأعمال التجارية بدور هام في إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بطرق منها المساهمة في إيجاد فرص العمل وفي التنمية من خلال الاستثمار الخاص. ومع ذلك، عُرضت على اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بانتظام حالاتٌ أثرت فيها أنشطة الشركات سلبا ً على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية نتيجة لعدم قيام الدول بضمان الامتثال، في إطار ولايتها القضائية، للقواعد والمعايير المعترف بها دوليا ً في مجال حقوق الإنسان. ويسعى هذا التعليق العام إلى توضيح واجبات الدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في هذه الحالات، بهدف منع ومواجهة الآثار الضارة للأنشطة التجارية على حقوق الإنسان.

2- وسبق للجنة أن نظرت في الأثر المتنامي للأنشطة التجارية على التمتع بحقوق محددة منصوص عليها في العهد تتعلق بالصحة ( ) ، والسكن ( ) ، والغذاء ( ) ، والماء ( ) ، والضمان الاجتماعي ( ) ، والحق في العمل ( ) ، والحق في التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية ( ) ، والحق في إنشاء النقابات والانضمام إليها ( ) . وبالإضافة إلى ذلك، تناولت اللجنة هذه المسألة في ملاحظات ختامية ( ) على تقارير الدول الأطراف، وفي أول قرار تصدره بشأن بلاغ فردي ( ) . وفي عام 2011، اعتمدت بيانا ً بشأن التزامات الدول المتعلقة بمسؤوليات الشركات في سياق الحقوق المنصوص عليها في العهد ( ) . ويتعين قراءة هذا التعليق العام بالاقتران مع هذه المساهمات السابقة. وهو يأخذ في الاعتبار أيضا ً أوجه التقدم في إطار منظمة العمل الدولية ( ) ومنظمات إقليمية أخرى مثل مجلس أوروبا ( ) . وفي سياق اعتماد هذا التعليق العام، أخذت اللجنة بعين الاعتبار المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان التي أقرها مجلس حقوق الإنسان في عام 2011 ( ) ، فضلا ً عن المساهمات المقدمة بشأن هذه المسألة من هيئات معاهدات حقوق الإنسان وإجراءات خاصة متعددة ( ) .

ثانيا ً- السياق والنطاق

3- لأغراض هذا التعليق العام، تشمل الأنشطة التجارية جميع أنشطة الكيانات التجارية، سواء كان عملها عابرا ً للحدود الوطنية أو كانت أنشطتها محلية خالصة، وسواء كانت ملكيتها خاصة تماما ً أو مملوكة للدولة، وبصرف النظر عن حجمها والقطاع التي تعمل فيه وموقعها وملكيتها وهيكلها.

4- وفي ولايات قضائية معينة، يتمتع الأفراد بإمكانية التظلم مباشرة من الكيانات التجارية عن انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سواء من أجل أن يُفرض على هذه الكيانات الخاصة واجبات (سلبية) بالامتناع عن اتباع مسارات سلوك معينة، أو أن تُفرض عليها واجبات (إيجابية) باعتماد تدابير معينة أو بالمساهمة في إعمال هذه الحقوق ( ) . وهناك أيضا ً عدد كبير من القوانين المحلية المصممة لحماية حقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية محددة، والتي تنطبق مباشرة على الكيانات التجارية، في مجالات مثل عدم التمييز، وتوفير الرعاية الصحية، والتعليم، والبيئة، وعلاقات العمل، وسلامة المستهلك.

5- وبالإضافة إلى ذلك، وبموجب المعايير الدولية، يُتوقع من الكيانات التجارية أن تحترم الحقوق المنصوص عليها في العهد بصرف النظر عما إذا كانت هناك قوانين محلية أو ما إذا كانت القوانين المحلية موضع إنفاذ تام في الممارسة العملية ( ) . وبالتالي يسعى هذا التعليق العام أيضا ً إلى مساعدة قطاع الشركات في الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان وتحمل مسؤولياتها، ومن ثم التخفيف من أي مخاطر تضر بالسمعة قد ترتبط بانتهاكات الحقوق المنصوص عليها في العهد في إطار مجال تأثيرها.

6- ويمكن لهذا التعليق العام أيضا ً أن يساعد منظمات العمال وأصحاب العمل في سياق المفاوضة الجماعية. فهناك عدد كبير من الدول الأطراف التي تتطلب وجود إجراءات في مكان العمل من أجل النظر في تظلمات العمال الفردية أو الجماعية دون أن يكون هناك تهديد بالانتقام ( ) . ويمكن الاعتماد بشكل أكثر انتظاما ً على الحوار الاجتماعي وتوفر آليات التظلم للعمال، وخاصة من أجل تنفيذ المادتين 6 و7 من العهد.

ثالثا ً- التزامات الدول الأطراف بموجب العهد

ألف- الالتزامات المتعلقة بعدم التمييز

7 - أبرزت اللجنة في السابق أن التمييز في ممارسة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كثيرا ً ما يوجد في الميادين الخاصة، بما في ذلك في أماكن العمل وسوق العمل ( ) وفي قطاعي الإسكان والإقراض ( ) . وبموجب المادتين 2 و3 من العهد، يقع على الدول الأطراف التزام بضمان تمتع الجميع دون تمييز بالحقوق المنصوص عليها في العهد ( ) . ويشمل شرط القضاء على أشكال التمييز الرسمية وكذلك الموضوعية ( ) واجب حظر التمييز من قبل الكيانات غير التابعة للدولة في سياق ممارسة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

8- ومن بين الفئات التي كثيرا ً ما تتأثر بشكل غير متناسب بما تحدثه الأنشطة التجارية من أثر ضار، النساء والأطفال والشعوب الأصلية، وخاصة فيما يتعلق بتنمية أو استخدام أو استغلال الأراضي والموارد الطبيعية ( ) ، والمزارعين، والصيادين، وغيرهم من العاملين في المناطق الريفية، والأقليات الإثنية أو الدينية في الأماكن التي تكون فيها هذه الأقليات مستضعفة سياسيا ً . وكثيرا ً ما يتأثر الأشخاص ذوو الإعاقة أيضا ً بشكل غير متناسب بالآثار السلبية للأنشطة التجارية، وخاصة لأنهم يواجهون حواجز معينة في إمكانية الاستفادة من آليات المساءلة والانتصاف. وكما أشارت اللجنة في مناسبات سابقة، فإن ملتمسي اللجوء والمهاجرين غير الموثقين معرضون بشكل خاص لخطر التمييز في سياق التمتع بالحقوق المنصوص عليها في العهد بسبب وضعهم غير المستقر، وبموجب المادة 7 من العهد، يُعد العمال المهاجرون عُرضة بشكل خاص للاستغلال والعمل لساعات طويلة والحصول على أجور غير منصفة والعمل في بيئات خطرة وغير صحية ( ) .

9- وتعد شرائح معينة من السكان أكثر عرضة لخطر التمييز المتعدد الجوانب والأشكال ( ) . فعلى سبيل المثال، كثيرا ً ما تتسبب عمليات الإخلاء والتشريد المرتبطة بالاستثمار في تعرض النساء والفتيات للعنف البدني والجنسي، وعدم حصولهن على تعويضات كافية، وتحملهن لأعباء إضافية تتعلق بإعادة التوطين ( ) . وفي سياق عمليات الإخلاء والتشريد المرتبطة بالاستثمار هذه، تواجه النساء والفتيات المنتميات للشعوب الأصلية التمييز بسبب النوع الجنساني وكذلك بسبب تعريفهن على أنهن من الشعوب الأصلية. بالإضافة إلى ذلك، فإن النساء يُمثَّلن بشكل مفرط في الاقتصاد غير المنظم وتقل احتمالات تمتعهن بأوجه الحماية المتعلقة بالعمل والضمان الاجتماعي ( ) . وفضلا ً عن ذلك، ورغم حدوث بعض التحسن، لا يزال تمثيل النساء ناقصا ً في عمليات صنع القرار في الشركات على مستوى العالم ( ) . ولذلك توصي اللجنة بأن تواجه الدول الأطراف الآثار المحددة للأنشطة التجارية على النساء والفتيات، بمن فيهن المنتميات للشعوب الأصلية، وأن تدرج المنظور الجنساني في جميع التدابير الرامية إلى تنظيم الأنشطة التجارية التي قد تُحدث آثارا ً ضارة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بطرق منها الاسترشاد بالتوجيهات المتعلقة بخطط العمل الوطنية في مجال الأعمال التجارية وحقوق الإنسان ( ) . ويتعين على الدول الأطراف أيضا ً أن تتخذ الخطوات المناسبة، بطرق منها التدابير الخاصة المؤقتة، من أجل تحسين تمثيل المرأة في سوق العمل، بما في ذلك في المستويات العليا للتسلسل الوظيفي بالشركات.

باء- الالتزامات بالاحترام والحماية والإعمال

10- يُنشئ العهد التزامات محددة للدول الأطراف على ثلاثة مستويات هي الاحترام والحماية والإعمال. وتنطبق هذه الالتزامات على الحالات القائمة داخل الإقليم الوطني للدولة وكذلك خارج الإقليم الوطني في الحالات التي قد تمارس الدول الأطراف السيطرة عليها. ويتناول البند الفرعي ثالثا ً - جيم أدناه بشكل منفصل العناصر الخارجة عن الحدود الإقليمية للالتزامات. ويوضح ذلك البند مضمون التزامات الدول، مركزا ً على واجباتها بالحماية، وهي الأهم في سياق الأنشطة التجارية.

11- ويخاطب هذا التعليق العام الدول الأطراف في العهد، ويتناول في هذا السياق سلوك العناصر الفاعلة في القطاع الخاص - بما في ذلك الكيانات التجارية - بشكل غير مباشر فقط. ولكن الدول الأطراف، وفقا ً للقانون الدولي، قد تتحمل المسؤولية المباشرة عن تصرف الكيانات التجارية بالفعل أو الامتناع: (أ) إذا كان الكيان المعني يتصرف في واقع الأمر بناء على تعليمات من تلك الدولة الطرف أو يخضع لسيطرتها أو يتبع توجيهاتها في القيام بالسلوك المحدد موضع النظر ( ) ، وهو ما قد تكون عليه الحال في سياق العقود العامة ( ) ؛ أو (ب) عندما يكون كيان تجاري مخولا ً بموجب تشريعات الدولة الطرف بممارسة بعض عناصر السلطة الحكومية ( ) أو إذا دعت الظروف إلى ممارسةٍ من هذا النوع لمهام حكومية في غياب السلطات الرسمية أو في حالة عدم قيامها بمهامها ( ) ؛ أو (ج) إذا اعترفت الدولة الطرف بهذا السلوك واعتبرته صادرا ً عنها، وبقدر هذا الاعتراف والاعتبار ( ) .

1- الالتزام بالاحترام

12- يتعرض الالتزام باحترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى الانتهاك عندما تمنح الدول الأطراف أولوية لمصالح الكيانات التجارية على الحقوق المنصوص عليها في العهد من دون مبرر مناسب، أو عندما تتبع سياسات تؤثر سلبا ً على هذه الحقوق. وقد يحدث ذلك مثلا ً عندما يؤمر بإجراء عمليات إخلاء قسري في سياق مشاريع الاستثمار ( ) . وتعد القيم والحقوق الثقافية للشعوب الأصلية، المرتبطة بأراضي أجدادها، معرضة للخطر بشكل خاص ( ) . ويتعين أن تحترم الدول الأطراف والأعمال التجارية مبدأ الموافقة الحرة والمسبقة والمستنيرة للشعوب الأصلية فيما يتعلق بجميع المسائل التي يمكن أن تؤثر على حقوقها، بما يشمل أراضيها وأقاليمها ومواردها التي امتلكتها أو شغلتها بصفة تقليدية أو التي استخدمتها أو اكتسبتها بخلاف ذلك ( ) .

13- ويتعين أن تحدد الدول الأطراف أي تعارض محتمل بين التزاماتها بموجب العهد وبموجب معاهدات التجارة أو الاستثمار، وأن تمتنع عن الانضمام لهذه المعاهدات عند وجود أوجه التعارض تلك ( ) ، حسبما يقتضيه مبدأ الطابع الملزم للمعاهدات ( ) . وبالتالي يتعين أن يسبق إبرام هذه المعاهدات إجراء تقييمات للأثر على حقوق الإنسان تأخذ في الاعتبار كلا ً من الآثار الإيجابية والسلبية لمعاهدات التجارة والاستثمار على حقوق الإنسان، بما يشمل مساهمة هذه المعاهدات في إعمال الحق في التنمية. ويتعين تقييم آثار تنفيذ الاتفاقات على حقوق الإنسان بشكل دوري، من أجل إتاحة الفرصة لاعتماد أية تدابير تصحيحية قد يلزم اتخاذها. وينبغي لتفسير معاهدات التجارة والاستثمار السارية حاليا ً أن يأخذ في الاعتبار التزامات الدول في مجال حقوق الإنسان، بما يتوافق مع المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة ومع الطابع المحدد للالتزامات المتعلقة بحقوق الإنسان ( ) . ولا يمكن للدول الأطراف التنصل من التزاماتها بموجب العهد في سياق ما قد تبرمه من معاهدات التجارة والاستثمار. وتُشَجَّع الدول الأطراف على أن تدرج، في المعاهدات المقبلة، بندا ً يشير صراحة إلى التزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان، وأن تضمن مراعاة آليات تسوية المنازعات بين المستثمرين والدولة لحقوق الإنسان عند تفسير معاهدات الاستثمار أو الفصول المتعلقة بالاستثمار في اتفاقات التجارة.

2- الالتزام بالحماية

14- إن الالتزام بالحماية يعني أنه يجب على الدول الأطراف أن تمنع بشكل فعال حالات الإخلال بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في سياق الأنشطة التجارية. ويقتضي ذلك أن تعتمد الدول الأطراف تدابير تشريعية وإدارية وتثقيفية وغيرها من التدابير الملائمة من أجل ضمان الحماية الفعالة من الانتهاكات المتعلقة بالأنشطة التجارية للحقوق المنصوص عليها في العهد، وأن توفر لضحايا هذه الانتهاكات التي ترتكبها الشركات إمكانية الاستفادة من سبل الانتصاف الفعالة.

15- ويتعين أن تنظر الدول الأطراف في فرض جزاءات وعقوبات جنائية أو إدارية، حسب الاقتضاء، حيثما تتسبب الأنشطة التجارية في انتهاكات للحقوق المنصوص عليها في العهد أو حيثما يتسبب عدم التصرف بالعناية الواجبة لتخفيف المخاطر في السماح بحدوث هذه الخروقات؛ وأن تمكِّن ضحايا انتهاكات الحقوق من رفع الدعاوى المدنية ضد الجناة من الشركات واتباع السبل الأخرى الفعالة للمطالبة بالجبر، وخاصة عن طريق تخفيض التكاليف التي يتكبدها الضحايا والسماح بأشكال الانتصاف الجماعي؛ وأن تلغي التراخيص والإعانات المقدمة للأعمال التجارية المخالفة وبالقدر اللازم؛ وأن تراجع قوانين الضرائب ذات الصلة، وعقود المشتريات العامة ( ) ، وائتمانات التصدير، وغير ذلك من أشكال الدعم والامتيازات والمزايا في حالة انتهاك حقوق الإنسان، ومن ثم تربط بين حوافز العمل التجاري ومسؤوليات حقوق الإنسان. ويتعين على الدول الأطراف أن تقوم بصفة دورية باستعراض مدى ملاءمة القوانين، وتحديد الثغرات في الامتثال والمعلومات وكذلك المشاكل الناشئة، وتعالجها ( ) .

16- وينطوي الالتزام بالحماية على واجب إيجابي باعتماد إطار قانوني يقتضي ممارسة الكيانات التجارية للعناية الواجبة في مجال حقوق الإنسان من أجل تحديد مخاطر انتهاك الحقوق المنصوص عليها في العهد ومنعها والتخفيف منها، وتجنب انتهاك هذه الحقوق، وتبرير الآثار السلبية التي تسببها أو تسهم فيها القرارات والعمليات الخاصة بها، أو بالكيانات التي تسيطر عليها، على التمتع بالحقوق المنصوص عليها في العهد ( ) . ويتعين أن تعتمد الدول تدابير مثل فرض شروط للعناية الواجبة من أجل منع انتهاك الحقوق المنصوص عليها في العهد في سلسلة الإمداد الخاصة بالكيان التجاري ومن قبل المتعاقدين من الباطن، أو الموردين، أو أصحاب حقوق الامتياز، أو غيرهم من الشركاء التجاريين.

17- ويتعين أن تضمن الدول الأطراف القيام، عند الاقتضاء، بإدراج آثار الأنشطة التجارية على الشعوب الأصلية تحديدا ً (وخاصة الآثار الضارة الفعلية أو المحتملة على حقوق الشعوب الأصلية في الأرض والموارد والأقاليم والتراث الثقافي والمعارف التقليدية والثقافة) في تقييمات الأثر على حقوق الإنسان ( ) . وفي سياق ممارسة العناية الواجبة في مجال حقوق الإنسان، يتعين على الأعمال التجارية أن تتشاور وتتعاون بحسن نية مع الشعوب الأصلية المعنية من خلال المؤسسات التي تمثلها من أجل الحصول على موافقتها الحرة والمسبقة والمستنيرة قبل بدء الأنشطة ( ) . وينبغي أن تسمح هذه المشاورات بتحديد الأثر السلبي المحتمل للأنشطة، وتدابير التخفيف من هذا الأثر والتعويض عنه. وينبغي كذلك أن تؤدي إلى تصميم آليات لتقاسم المنافع المتحققة من الأنشطة، حيث إن الشركات ملزمة بواجبها المتمثل في احترام حقوق الشعوب الأصلية في إنشاء آليات تضمن مشاركتها في المنافع المتحققة من الأنشطة التي يتم تطويرها على أراضيها التقليدية ( ) .

18- وتكون الدول قد انتهكت التزامها بحماية الحقوق المنصوص عليها في العهد، مثلا ً ، في حالة عدم منع أو مواجهة سلوك الشركات التجارية الذي يؤدي إلى انتهاك هذه الحقوق، أو الذي يُتوقع أن يؤدي إلى انتهاكها، مثلا ً من خلال خفض معايير الموافقة على الأدوية الجديدة ( ) ، أو في حالة عدم إدراج شرط يتعلق بالترتيبات التيسيرية المعقولة للأشخاص ذوي الإعاقة في العقود العامة، أو منح تراخيص استكشاف الموارد الطبيعية واستغلالها من دون المراعاة الواجبة للآثار الضارة المحتملة لهذه الأنشطة على الفرد وعلى تمتع المجتمعات المحلية بهذه الحقوق، أو إعفاء مشاريع معينة أو مناطق جغرافية بعينها من تطبيق القوانين التي تحمي هذه الحقوق، أو عدم تنظيم سوق العقارات والجهات المالية الفاعلة العاملة في تلك السوق بما يضمن إمكانية حصول الجميع على السكن الملائم الميسور التكلفة ( ) . ويكون ارتكاب هذه الانتهاكات يسيرا ً عندما لا توجد ضمانات كافية لمواجهة فساد المسؤولين العموميين أو الفساد داخل القطاع الخاص، أو عندما تُترك انتهاكات حقوق الإنسان دون انتصاف، نتيجة لفساد القضاة.

19- وأحيانا ً ما يستوجب الالتزام بالحماية وجود تنظيم وتدخل مباشرين. فيتعين أن تنظر الدول الأطراف في اتخاذ تدابير مثل تقييد تسويق سلع وخدمات معينة والإعلان عنها من أجل حماية الصحة العامة، مثل منتجات التبغ ( ) ، تماشيا ً مع الاتفاقية الإطارية بشأن مكافحة التبغ ( ) ، وبدائل لبن الأم، وفقا ً للمدونة الدولية لقواعد تسويق بدائل لبن الأم لعام 1981، والقرارات اللاحقة الصادرة عن جمعية الصحة العالمية ( ) ؛ ومكافحة التنميط المتعلق بأدوار الجنسين والتمييز الجنساني ( ) ؛ وممارسة مراقبة إيجارات المساكن في سوق الإسكان الخاص حسبما تقتضيه حماية حق الجميع في السكن الملائم ( ) ؛ وتحديد حد أدنى للأجور يتسق مع أجر الكفاف والمكافأة المنصفة ( ) ؛ وتنظيم الأنشطة التجارية الأخرى المتعلقة بالحقوق المنصوص عليها في العهد بشأن التعليم والعمل والصحة الإنجابية، من أجل مكافحة التمييز الجنساني بفعالية ( ) ؛ والقضاء تدريجيا ً على أشكال العمل غير الرسمية أو "غير القياسية" (أي غير المستقرة)، التي كثيرا ً ما تؤدي إلى حرمان العمال المعنيين من حماية قوانين العمل والضمان الاجتماعي.

20- ويشكل الفساد إحدى العقبات الرئيسية أمام تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها بفعالية، وخاصة فيما يتعلق بأنشطة الأعمال التجارية ( ) . وهو يقوض أيضا ً قدرة الدولة على تعبئة الموارد من أجل توصيل الخدمات الضرورية لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويؤدي إلى التمييز في إمكانية الحصول على الخدمات العامة لصالح أولئك القادرين على التأثير على السلطات، بطرق منها تقديم الرشاوى أو اللجوء إلى الضغط السياسي. وبالتالي، ينبغي حماية المبلغين عن المخالفات ( ) ، ويتعين إنشاء آليات متخصصة لمكافحة الفساد وضمان استقلاليتها وتزويدها بالموارد الكافية.

21- ويفرض الدور والأثر المتزايدان للعناصر الفاعلة في القطاع الخاص داخل القطاعات العامة تقليديا ً ، مثل قطاع الصحة أو التعليم، تحديات جديدة للدول الأطراف في سياق الامتثال لالتزاماتها بموجب العهد. فالعهد لا يحظر الخصخصة في حد ذاتها، حتى في مجالات مثل توفير المياه أو الكهرباء أو التعليم أو الرعاية الصحية، التي تتسم تقليديا ً بوجود دور قوي للقطاع العام. ولكن يتعين إخضاع مقدمي الخدمات من القطاع الخاص للوائح صارمة تفرض عليهم ما يسمى ب ‍  "التزامات الخدمة العامة": فقد يشمل ذلك، في سياق توفير المياه أو الكهرباء، متطلبات تتعلق بشمولية التغطية واستمرار الخدمة، وسياسات التسعير، واشتراطات الجودة، ومشاركة المستخدم ( ) . وبالمثل، ينبغي أن يُحظر على مقدمي خدمات الرعاية الصحية من القطاع الخاص منع إمكانية الحصول على الخدمات أو العلاجات أو المعلومات الكافية الميسورة التكلفة. وعلى سبيل المثال، في حالة السماح لممارسي العمل الطبي بالاستناد إلى الاستنكاف الضميري في رفض توفير خدمات معينة في مجال الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك الإجهاض، فإنه يتعين عليهم إحالة النساء أو الفتيات اللاتي يطلبن هذه الخدمات إلى ممارس آخر مستعد لتوفير هذه الخدمات، في نطاق جغرافي مقبول ( ) .

22 - ويساور اللجنة القلق بشكل خاص من أن تقل القدرة على تحمل تكلفة السلع والخدمات اللازمة للتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأساسية نتيجة لتوفيرها من قبل القطاع الخاص، أو أن تتم التضحية بالجودة في سبيل زيادة الأرباح. فقيام القطاع الخاص بتوفير السلع والخدمات اللازمة للتمتع بالحقوق المنصوص عليها في العهد ينبغي ألا يؤدي إلى أن يصبح التمتع بهذه الحقوق مشروطا ً بالقدرة على الدفع، وهو ما قد يُنشئ أشكالا ً جديدة من التفرقة الاجتماعية - الاقتصادية. وتُبين خصخصة التعليم هذا الخطر، حيث يؤدي وجود المؤسسات التعليمية الخاصة إلى جعل التعليم عالي الجودة امتيازا ً لا يقدر على تكلفته إلا الشرائح الأغنى في المجتمع، أو حيث لا يوجد تنظيم كاف لهذه المؤسسات فتقدم شكلا ً من التعليم لا يفي بالمعايير التربوية الدنيا بينما تمنح الدول الأطراف ذريعة مناسبة لعدم الاضطلاع بواجباتها نحو إعمال الحق في التعليم ( ) . كما ينبغي ألا تؤدي الخصخصة إلى إقصاء فئات معينة عانت تاريخيا ً من التهميش، مثل الأشخاص ذوي الإعاقة. ومن ثم، تبقى الدول في كل الأوقات متحملة للالتزام بتنظيم العناصر الفاعلة في القطاع الخاص من أجل ضمان أن تكون الخدمات التي تقدمها هذه العناصر متاحة للجميع، وكافية، وخاضعة للتقييم الدوري من أجل تلبية الاحتياجات المتغيرة للجمهور، ومكيفة لتلك الاحتياجات. وبما أن خصخصة توصيل السلع أو الخدمات اللازمة للتمتع بالحقوق المنصوص عليها في العهد قد تؤدي إلى نقص المساءلة، يتعين اعتماد تدابير من أجل ضمان حق الأفراد في المشاركة في تقييم كفاية توفير هذه السلع والخدمات.

3- الالتزام بالإعمال

23- يقتضي الالتزام بالإعمال أن تتخذ الدول الأطراف الخطوات اللازمة، بأقصى ما يتاح لها من موارد، لتيسير وتعزيز التمتع بالحقوق المنصوص عليها في العهد، وأن توفر بشكل مباشر، في حالات معينة، السلع والخدمات اللازمة لهذا التمتع. وقد يتطلب الاضطلاع بهذه الواجبات قيام الدولة بتعبئة الموارد، بطرق منها إنفاذ نظم ضريبية تصاعدية. وقد يتطلب التماس التعاون مع الأعمال التجارية والدعم منها لإعمال الحقوق المنصوص عليها في العهد والامتثال للمعايير والمبادئ الأخرى لحقوق الإنسان.

24- ويقتضي هذا الالتزام أيضا ً توجيه جهود الكيانات التجارية نحو إعمال الحقوق المنصوص عليها في العهد. وفي سياق تصميم إطار بشأن حقوق الملكية الفكرية، على سبيل المثال، يكون متوافقا ً مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والحق في التمتع بفوائد التقدم العلمي المنصوص عليه في المادة 15 من العهد، يتعين أن تضمن الدول الأطراف ألا تؤدي حقوق الملكية الفكرية إلى منع أو تقييد إمكانية حصول الجميع على الأدوية الأساسية اللازمة للتمتع بالحق في الصحة ( ) ، أو على الموارد المنتجة مثل البذور، التي يعد الحصول عليها بالغ الأهمية بالنسبة للحق في الغذاء ولحقوق المزارعين ( ) . ويتعين أيضا ً أن تعترف الدول الأطراف بحق الشعوب الأصلية في السيطرة على الملكية الفكرية لتراثها الثقافي ومعارفها التقليدية وتعبيراتها الثقافية التقليدية، وأن تحمي هذا الحق ( ) . وفي سياق دعمها للبحوث والتطوير من أجل استحداث منتجات وخدمات جديدة، يتعين على الدول الأطراف أن تستهدف إعمال الحقوق المنصوص عليها في العهد، مثلا ً عن طريق دعم تطوير سلع وخدمات ومعدات ومرافق ذات تصميم عام من أجل النهوض بإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة.

جيم - الالتزامات خارج الحدود الإقليمية

٢٥- شهدت السنوات الثلاثين الماضية زيادةً كبيرة في أنشطة الشركات عبر الوطنية، وتناميا ً في الاستثمار والتدفقات التجارية فيما بين البلدان، ونشوء سلاسل الإمداد العالمية. وبالإضافة إلى ذلك، تزايد إشراك مستثمري القطاع الخاص في المشاريع الإنمائية الكبرى، وغالبا ً ما اتَّخذ ذلك شكل شراكات بين القطاعين العام والخاص قامت بين وكالات حكومية ومستثمرين أجانب من القطاع الخاص. وبفعل هذه التطورات، تكتسي مسألة التزامات الدول خارج حدودها الإقليمية في مجال حقوق الإنسان أهمية خاصة.

٢٦- وقد أكدت اللجنة في بيان صادر عام ٢٠١١ بشأن التزامات الدول الأطراف فيما يتعلق بقطاع الشركات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أن التزامات الدول الأطراف بموجب العهد لا تتوقف عند حدودها الوطنية. فالدول الأطراف ملزمة باتخاذ الخطوات اللازمة لمنع انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها في الخارج شركات تتخذ من إقليمها مقرا ً لها و/أو تخضع لولايتها القضائية (سواء كانت منشأة بموجب قوانينها، أو كان مقرها القانوني أو إدارتها المركزية أو مكان نشاطها الرئيسي يقع في إقليمها الوطني)، من دون انتهاك سيادة الدول المضيفة أو التقليل من التزاماتها بموجب العهد ( ) . وتناولت اللجنة أيضا ً في تعليقاتها العامة السابقة بشأن الحق في الماء ( ) والحق في العمل ( ) ، والحق في الضمان الاجتماعي ( ) ، والحق في التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية ( ) ، وكذلك في سياق نظرها في التقارير الدورية للدول، التزاماتٍ محددة تقع على الدول الأطراف خارج حدودها الإقليمية فيما يتعلق بالأنشطة التجارية.

٢٧- وتحمُّل الدول لهذه الالتزامات خارج حدودها الإقليمية بموجب العهد مردُّه إلى أن الالتزامات المنصوص عليها في العهد لم تُقيَّد بأي قيود لها صلة بالإقليم أو الولاية القضائية. وعلى الرغم من الإشارة في المادة ١٤ من العهد إلى أن الدولة ينبغي أن تكفل إلزامية التعليم الابتدائي "في بلدها ذاته أو في أقاليم أخرى تحت ولايتها"، فإن أحكام العهد الأخرى خلت من أي إشارة من هذا القبيل . وعلاوة على ذلك، تشير المادة ٢ (١) إلى المساعدة والتعاون الدوليين كوسيلة لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومن المناقض لهذه الإشارة القول بجواز امتناع الدولة عن فعل شيء حين يلحق ضررٌ بحقوق الغير في دول أخرى بسبب جهة تتخذ من إقليمها مقرا ً لها و/أو تخضع لولايتها القضائية، وبالتالي لسيطرتها أو سلطتها، أو عندما يُحتمل أن يؤدي سلوك هذه الجهة إلى وقوع ضرر متوقع. فأعضاء الأمم المتحدة تعهدوا فعلاً "بأن يقوموا، منفردين أو مشتركين، بما يجب عليهم من عمل بالتعاون مع الهيئة" لإدراك المقاصد المنصوص عليها في المادة 55 من الميثاق، ويشمل ذلك "أن يشيعَ في العالم احترام [ومراعاة] حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب [العرق أو] الجنس أو اللغة أو الدين" ( ) . وقد أُعرِب عن هذا الواجب دون حصره في نطاق إقليمي، وينبغي أن يُراعى عند تناول نطاق الالتزامات الواقعة على الدول بموجب معاهدات حقوق الإنسان. وتماشيا ً مع الميثاق أيضا ً ، أقرت محكمة العدل الدولية بأن نطاق المعاهدات الأساسية لحقوق الإنسان يتجاوز الحدود الإقليمية، فركزت على موضوعها والغرض منها، وتاريخها التشريعي، وعلى خلو النص من أحكام تحصر النطاق الإقليمي ( ) . كما يحظر القانون الدولي العرفي على الدول السماح باستخدام إقليمها لإلحاق ضرر بإقليم دولة أخرى، وهو أمرٌ اكتسب أهمية خاصة في القانون البيئي الدولي ( ) . وأكد مجلس حقوق الإنسان أن هذا الحظر يشمل قانون حقوق الإنسان، عندما أقر المبادئ التوجيهية بشأن الفقر المدقع وحقوق الإنسان، في قراره  21 / 11 ( ) .

٢٨- وتترتب على الدولة الطرف التزامات خارج حدودها الإقليمية عندما يكون بإمكانها التأثير في حالات تحدث خارج إقليمها، بما يتفق مع الحدود التي يفرضها القانون الدولي، عن طريق مراقبة أنشطة الشركات التي تتخذ من إقليمها مقرا ً لها و/أو تخضع لولايتها القضائية، ويمكنها بالتالي الإسهام في التمتع الفعلي بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية خارج إقليمها الوطني ( ) . وفي هذا الصدد، تحيط اللجنة علما ً أيضا ً بالتعليق العام رقم 16 (2013) الصادر عن لجنة حقوق الطفل والمتعلق بالتزامات الدول بشأن أثر قطاع الأعمال التجارية على حقوق الطفل ( ) ، وكذلك بمواقف هيئات معاهدات حقــوق الإنسان الأخــرى ( ) .

١- الالتزام بالاحترام خارج الحدود الإقليمية

٢٩- يقضي الالتزام بالاحترام خارج الحدود الإقليمية بأن تمتنع الدول الأطراف عن الوقوف عائقا ً ، بشكل مباشر أو غير مباشر، دون تمتع الأشخاص الموجودين خارج أراضيها بالحقوق المنصوص عليها في العهد. وفي إطار هذا الالتزام، يجب على الدول الأطراف أن تضمن ألا تحول دون امتثال دولة أخرى لالتزاماتها بموجب العهد ( ) . ولهذا الواجب أهمية بالغة في التفاوض على اتفاقات التجارة والاستثمار أو المعاهدات المالية والضريبية وإبرامها، وكذلك في التعاون القضائي ( ) .

٢- الالتزام بالحماية خارج الحدود الإقليمية

٣٠- يقضي الالتزام بالحماية خارج الحدود الإقليمية بأن تتخذ الدول الأطراف الخطوات اللازمة لمنع ومعالجة أي انتهاك للحقوق المنصوص عليها في العهد يقع خارج أراضيها من جرَّاء أنشطة كيانات تجارية يمكن لها أن تمارس رقابتها عليها، لا سيما في حالات انعدام سبل الانتصاف المتاحة للضحايا أمام المحاكم المحلية للدولة التي وقع فيها الضرر، أو عدم فعالية هذه السبل.

٣١- ويشمل هذا الالتزام أي كيانات تجارية يمكن للدول الأطراف أن تمارس رقابتها عليها، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الساري ( ) . ويجوز للدول أن تسعى إلى تنظيم عمل الشركات التي تتخذ من إقليمها مقرا ً لها و/أو تخضع لولايتها القضائية، بما يتماشى مع النطاق المقبول لهذه الولاية القضائية بموجب القواعد العامة للقانون الدولي: ويشمل ذلك الشركات التي تأسست بموجب قوانينها أو التي يوجد مقرها القانوني أو إدارتها المركزية أو مكان نشاطها الرئيسي في إقليمها الوطني ( ) . ويجوز للدول الأطراف أيضا ً أن تستخدم الحوافز دون فرض الالتزامات على نحو مباشر، من قبيل إدراج أحكام في العقود العامة تعطي الأفضلية للكيانات التجارية التي تملك آليات قوية وفعالة تولي العناية الواجبة لحقوق الإنسان، من أجل المساهمة في حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية داخل البلد وخارجه.

٣٢- وفي حين أن الدول الأطراف لا تُحمَّل عادةً مسؤولية مباشرة، على الصعيد الدولي، عن انتهاك للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ناجم عن سلوك كيان خاص (باستثناء الحالات الثلاث المشار إليها في الفقرة ١١ من هذا التعليق العام)، فإن الدولة الطرف تكون قد أخلَّت بالتزاماتها بموجب العهد إذا أظهر الانتهاك المرتكب أن الدولة لم تتخذ تدابير معقولة كان يمكن أن تمنع ما حدث. ويمكن أن تتحمل الدولة مسؤولية في هذه الظروف حتى لو كانت هناك أسباب أخرى أسهمت في وقوع الانتهاك ( ) ، وحتى لو لم تتوقع الدولة وقوعه، شريطة أن يكون توقع الانتهاك ممكنا ً على نحو معقول ( ) . ففي ضوء المخاطر المرتبطة بالصناعة الاستخراجية، على سبيل المثال، وهي مخاطر موثقة توثيقا ً جيدا ً ، يتعين إيلاء العناية الواجبة على نحو خاص عندما يتعلق الأمر بمشاريع التعدين ومشاريع تطوير الصناعة النفطية ( ) .

٣٣- كما ينبغي للدول الأطراف، في إطار الاضطلاع بواجبها في الحماية، أن تطلب من الشركات بذل قصارى جهدها لضمان احترام الحقوق المنصوص عليها في العهد من قبل الكيانات التي قد تؤثر تلك الشركات في سلوكها، مثل الشركات التابعة (بما في ذلك جميع الكيانات التجارية التي تستثمر فيها، سواء كانت مسجلة بموجب قوانين الدولة الطرف أو بموجب قوانين دولة أخرى) أو الشركاء التجاريين (بمن فيهم الموردون، وأصحاب حقوق الامتياز، والمتعاقدون من الباطن). وينبغي إلزام الشركات، التي توجد مقارها في إقليم الدول الأطراف و/أو تخضع لولايتها القضائية، ببذل العناية الواجبة لكشف ومنع ومعالجة انتهاكات الحقوق المنصوص عليها في العهد التي تُرتكب من فروعها ومن شركائها التجاريين، أينما كانت مقارهم ( ) . وتؤكد اللجنة أن فرض التزامات العناية الواجبة هذه له آثار على الحالات التي تقع خارج الأقاليم الوطنية لهذه الدول بما أنه ينبغي منع أو معالجة الانتهاكات المحتملة للحقوق المنصوص عليها في العهد في سلاسل الإمداد العالمية أو في مجموعات الشركات المتعددة الجنسيات، لكن ذلك لا يعني أن تمارس الدول المعنية الولاية القضائية خارج حدودها الإقليمية. ولا بد من وضع إجراءات مناسبة للرصد والمساءلة من أجل ضمان فعالية المنع والإنفاذ. وقد تشمل هذه الإجراءات إلزام الشركات بالإبلاغ عن سياساتها وإجراءاتها لضمان احترام حقوق الإنسان، وتوفير الوسائل الفعالة للمساءلة عن انتهاك الحقوق المنصوص عليها في العهد ولجبر الضرر الناجم عنها.

٣٤- وفي الحالات العابرة للحدود الوطنية، تتطلب المساءلة الفعالة والوصول إلى سبل الانتصاف تعاونا ً دوليا ً . وتشير اللجنة في هذا الصدد إلى التوصية التي وردت في التقرير المتعلق بالمساءلة وإتاحة سبل الانتصاف لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان ذات الصلة بمؤسسات الأعمال، الذي أعدته مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بناء على طلب مجلس حقوق الإنسان ( ) ، وهي توصية تدعو الدول إلى "اتخاذ خطوات، مسترشدة في ذلك بهذه التوجيهات" (المرفقة بالتقرير)، "من أجل تحسين فعالية التعاون العابر للحدود بين وكالات الدولة والهيئات القضائية فيما يتعلق بإنفاذ القانون العام والقانون الخاص في إطار نظم القانون المحلي" ( ) . وينبغي تشجيع الاستعانة بالاتصال المباشر بين أجهزة إنفاذ القانون لأغراض المساعدة المتبادلة من أجل إتاحة إمكانية تسريع الإجراءات، لا سيما في مقاضاة مرتكبي الجرائم الجنائية.

٣٥- فتحسين مستوى التعاون الدولي من شأنه أن يحد من احتمالات تنازع الولاية القضائية السلبي والإيجابي، الذي قد تنجم عنه حالة من عدم اليقين القانوني ومفاضلة المتقاضين بين المحاكم، أو تعذر انتصاف الضحايا. وترحب اللجنة، في هذا الصدد، بأي جهود ترمي إلى اعتماد صكوك دولية يمكن أن تعزز التزام الدول بالتعاون من أجل تحسين المساءلة وإتاحة سبل الانتصاف لضحايا انتهاكات الحقوق المنصوص عليها في العهد في الحالات العابرة للحدود الوطنية. ويمكن الاستلهام من صكوك مثل اتفاقية منظمة العمل الدولية لعام 2006 ، بشأن العمل البحري، السارية منذ عام ٢٠١٣، والتي تضع نظاما ً يتألف من تشريعات وطنية منسقة وإجراء ا ت التفتيش التي تتخذها دول العلم ودول الميناء بناء على شكاوى البحارة على متن السفن حين ترسو السفينة في ميناء أجنبي؛ أو من اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن العمال المنزليين لعام 2011 (رقم 189)، وتوصيتها بشأن العمال المنزليين لعام 2011 (رقم 201). ‬

٣- الالتزام بالإعمال خارج الحدود الإقليمية

٣٦- تبين المادة ٢ (١) من العهد أن الدول الأطراف يُنتظر منها أن تتخذ إجراءات جماعية، بما في ذلك في إطار التعاون الدولي، من أجل المساعدة في إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأشخاص الموجودين خارج إقليمها الوطني ( ) .

٣٧- ويقتضي هذا الالتزام بالإعمال، الذي يتوافق مع المادة ٢٨ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( ) ، أن تسهم الدول الأطراف في تهيئة بيئة دولية تتيح إعمال الحقوق المنصوص عليها في العهد. وتحقيقا ً لهذه الغاية، يجب على الدول الأطراف أن تتخذ الخطوات اللازمة في تشريعاتها وسياساتها، بما في ذلك اتخاذ تدابير في مجال العلاقات الدبلوماسية والخارجية، للمساعدة في تهيئة هذه البيئة والارتقاء بها. وينبغي للدول الأطراف أيضا ً تشجيع الجهات الفاعلة في قطاع الأعمال التجارية التي يمكنها التأثير في سلوكها على ضمان ألا تقوض جهود الدول التي تمارس فيها نشاطها والرامية إلى الإعمال الكامل للحقوق المنصوص عليها في العهد - بسبل منها، على سبيل المثال، اللجوء إلى خطط التهرب الضريبي أو تجنب دفع الضريبة في البلدان المعنية. ولمكافحة ممارسات تجنب الضرائب التي تلجأ إليها الشركات عبر الوطنية، ينبغي أن تكافح الدول ممارسات التسعير التحويلي وتعمل على ترسيخ التعاون الدولي في المسائل الضريبية، وأن تبحث إمكانية فرض الضرائب على مجموعات الشركات المتعددة الجنسيات على أساس اعتبارها تمثل شركة واحدة، وأن تفرض البلدان المتقدمة حدا ً أدنى من ضريبة الدخل على الشركات في فترة انتقالية. وخفض معدلات الضرائب على الشركات بهدف جذب المستثمرين فقط يشجع على دخول السباق إلى القاع الذي ينتهي بتقويض قدرة جميع الدول على حشد الموارد محليا ً لإعمال الحقوق المنصوص عليها في العهد. وتتعارض هذه الممارسة بطبيعتها مع واجبات الدول الأطراف في العهد. وقد يؤثر الإفراط في حماية السرية المصرفية ووضع قواعد متساهلة بشأن الضريبة على دخل الشركات في قدرة الدول التي تمارَس فيها الأنشطة الاقتصادية على الوفاء بالتزامها بتعبئة أقصى قدر ممكن من الموارد المتاحة لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ( ) .

رابعا ً - سبل الانتصاف

٣٨- ينبغي للدول الأطراف، لدى اضطلاعها بواجب الحماية، أن تهيئ الأطر التنظيمية والسياساتية المناسبة وأن تعمل على إنفاذ تلك الأطر. ولذلك، يجب وضع آليات فعالة للرصد والتحقيق والمساءلة ضماناً للمساءلة ولإمكانية الوصول إلى سبل الانتصاف، التي يفضل أن تكون قضائية، لمن انتهكت حقوقهم المنصوص عليها في العهد في سياق الأنشطة التجارية. وينبغي للدول الأطراف أن تبلغ الأفراد والجماعات بحقوقهم وبسبل الانتصاف التي يمكنهم اللجوء إليها فيما يتصل بالحقوق المنصوص عليها في العهد في سياق الأنشطة التجارية، مع الحرص بوجه خاص على إتاحة إمكانية حصول الشعوب الأصلية على المعلومات والإرشادات، بما في ذلك تقييمات أثر هذه الأنشطة على حقوق الإنسان ( ) . وينبغي أيضا ً أن تزود المؤسسات التجارية بما يلزم من معلومات وتدريب ودعم، لضمان اطلاعها على الواجبات التي تتحملها الدول بموجب العهد ( ) .

ألف - المبادئ العامة

٣٩- يجب على الدول الأطراف أن توفر سبل الانتصاف المناسبة للمتضرِّرين، أفرادا ً وجماعات، وأن تضمن مساءلة الشركات ( ) . ويفضل أن يتجسد ذلك في ضمان إمكانية الوصول إلى هيئات قضائية مستقلة ومحايدة: فقد أكدت اللجنة أن "السبل الأخرى المستخدمة [لضمان المساءلة] يمكن أن تصبح غير فعالة ... إذا لم تعزز أو تكمّل بسبل انتصاف قضائية" ( ) .

٤٠- وتقدم المبادئ التوجيهية بشأن سبل الانتصاف لضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني ( ) إشارات مفيدة فيما يتعلق بالتزامات الدول التي تنبع من الالتزام العام بإتاحة الوصول إلى سبل انتصاف فعالة. وينبغي للدول، على وجه الخصوص، أن تتخذ جميع التدابير اللازمة لمنع انتهاكات الحقوق؛ وأن تُجري، في حال لم تكن هذه التدابير الوقائية مجدية، تحقيقا ً شاملا ً في الانتهاكات، وتتخذ الإجراءات المناسبة ضد الجناة المزعومين؛ وأن تتيح للضحايا إمكانية الوصول فعلياً إلى العدالة، بغض النظر عمن يكون المسؤول النهائي عن الانتهاك؛ وأن تـوفر للضحايا سبل انتصاف فعالة، تشمل الجبر.

٤١- وإعمال الحقوق المنصوص عليها في العهد إعمالا ً كاملا ً يُحتِّم أن تكون سبل الانتصاف متاحة وفعالة وسريعة. ويتطلب ذلك وجوب تمكين طالبي جبر الضرر من الضحايا من الوصول الفوري إلى سلطة عامة مستقلة. ويجب أن تكون هذه السلطة مخولة البت في وقوع انتهاك من عدمه وإعطاء الأمر بوقف الانتهاك وجبر الضرر الناجم. ويمكن أن يكون الجبر في شكل رد الحق والتعويض وإعادة التأهيل والترضية وضمان عدم التكرار ( ) ، ويجب أن تراعى فيه آراء المتضررين. ولضمان عدم التكرار، قد يتطلب سبيل الانتصاف الفعال إدخال تحسينات على التشريعات والسياسات التي ثبت أنها غير فعالة في منع الانتهاكات.

٤٢- وبسبب طريقة التنظيم التي تعتمدها مجموعات الشركات، عادة ما تتهرب الكيانات التجارية من المسؤولية بالاحتماء وراء ما يسمى ستار الشركة، إذ تسعى الشركة الأم إلى التَمَلّص من المسؤولية عن أفعال فروعها حتى عندما تكون قادرة على التأثير في سلوك هذه الفروع. ومن العقبات الأخرى التي تمنع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها كيانات تجارية من الوصول فعليا ً إلى سبل الانتصاف، صعوبة الحصول على المعلومات والأدلة لإثبات الادعاءات، حيث كثيرا ً ما تكون هذه المعلومات والأدلة في حوزة الشركة المدعى عليها؛ وعدم توافر آليات الجبر الجماعي عندما تكون الانتهاكات واسعة النطاق ومنتشرة؛ وغياب المساعدة القانونية وغيرها من ترتيبات التمويل التي تكفل القدرة على الاستمرار في المطالبات من الناحية المالية.

٤٣- وهناك عوائق محددة تعترض وصول ضحايا انتهاكات الشركات عبر الوطنية إلى سبل الانتصاف الفعالة. فبالإضافة إلى صعوبة إقامة الدليل على وقوع الضرر أو وجود علاقة سببية بين سلوك الشركة المدعى عليها الخاضعة لولاية قضائية معينة والانتهاك الذي ترتب عنه في ولاية قضائية أخرى، غالبا ً ما تكون المنازعات القضائية عبر الوطنية باهظة التكلفة إلى حد لا يمكن تحمله، وتستغرق وقتا ً طويلا ً ، وينطوي جمع الأدلة وتنفيذ الأحكام الصادرة في دولة ما في دولة أخرى على تحديات معينة في ظل عدم وجود آليات قوية للمساعدة القانونية المتبادلة. وفي بعض الولايات القضائية، قد يشكل مبدأ رفض المحكمة النظر في الدعوى ، وهو مبدأ يجيز للمحكمة الامتناع عن ممارسة الاختصاص القضائي إذا كان اللجوء إلى محكمة أخرى متاحا ً للضحايا، عقبة فعلية تحد من قدرة الضحايا المقيمين في دولة ما على طلب الإنصاف من محاكم الدولة التي يوجد فيها مقر مؤسسة الأعمال التجارية المدعى عليها. ويظهر من الممارسة العملية أن الدعاوى غالباً ما تُرد، عملا ً بهذا المبدأ، إلى ولاية قضائية أخرى دون أن يُضمن بالضرورة وصول الضحايا إلى سبل انتصاف فعالة في الولاية القضائية البديلة.

٤٤- ومن واجب الدول الأطراف اتخاذ الخطوات اللازمة للتغلب على هذه التحديات من أجل منع إنكار العدالة وضمان الحق في سبل انتصاف وجبر فعالة. ويقتضي ذلك من الدول الأطراف إزالة العقبات الموضوعية والإجرائية والعملية التي تعيق الوصول إلى سبل الانتصاف، بطرق منها إرساء نظم لتحديد مسؤولية الشركة الأم أو مجموعة الشركات، وتوفير المساعدة القانونية وغيرها من برامج التمويل للمدعين، وإتاحة إمكانية إقامة دعاوى جماعية تتعلق بحقوق الإنسان ودعاوى الصالح العام، وتيسير الوصول إلى المعلومات ذات الصلة وجمع الأدلة في الخارج، بما في ذلك إفادات الشهود، والسماح بتقديم تلك الأدلة في إطار الإجراءات القضائية. وينبغي أن يكون الاعتبار المتعلق بمدى توفر وواقعية سبيل انتصاف فعال في الولاية القضائية البديلة من الاعتبارات الحاسمة في القرارات القضائية التي تعتمد استنادا ً إلى مبدأ رفض المحكمة النظر في الدعوى ( ) . وينبغي ألا تستعمل الشركات إجراءات التقاضي لثني الأفراد أو الجماعات عن ممارسة الحق في اللجوء إلى سبل الانتصاف، استعمالا ً تعسفيا ً ، كادعاء الإضرار بسمعة الشركة، بما يدفعهم إلى العزوف عن ممارسة حقهم المشروع في اللجوء إلى تلك السبل.

٤٥- وينبغي للدول الأطراف أن تيسر الوصول إلى المعلومات ذات الصلة عن طريق وضع قوانين للإفصاح الإلزامي واستحداث قواعد إجرائية تتيح للضحايا الكشف عن الأدلة التي تكون في حوزة المدعى عليه . وقد يكون تحويل عبء الإثبات مبررا ً في الحالة التي تقتصر فيها المعرفة، كليا ً أو جزئيا ً ، بالوقائع والأحداث المتصلة بتسوية دعوى ما، على الشركة المدعى عليها ( ) . وينبغي تحديد الظروف التي يجوز فيها الاحتجاج بحماية الأسرار التجارية وغيرها من الأسباب التي يُستند إليها في رفض الإفصاح تحديداً دقيقاً، دون المساس بحق جميع الأطراف في محاكمة عادلة. وفضلا ً عن ذلك، فإن من واجب الدول الأطراف وهيئاتها القضائية ووكالات إنفاذ القوانين فيها أن تتعاون فيما بينها من أجل تعزيز عملية تبادل المعلومات ومستوى الشفافية، ومنع إنكار العدالة.

٤٦- وينبغي أن تضمن الدول الأطراف وصول الشعوب الأصلية إلى سبل الانتصاف الفعالة، القضائية منها وغير القضائية، عن أي انتهاك لحقوقها الفردية والجماعية. وينبغي أن تراعي سبل الانتصاف هذه ثقافات الشعوب الأصلية وأن تكون ميسرة لها ( ) .

٤٧- وتُذكِّر اللجنة بأن جميع الأجهزة والوكالات الحكومية في الدول الأطراف، بما في ذلك السلطة القضائية ووكالات إنفاذ القانون، مقيدة بالالتزامات المنصوص عليها في العهد. وينبغي أن تضمن الدول الأطراف إلمام السلطة القضائية، لا سيما القضاة والمحامون، بالالتزامات المرتبطة بالأنشطة التجارية، المنصوص عليها في العهد، وتمَكُّنَ هذه السلطة من ممارسة مهامها باستقلالية تامة.

٤٨- وأخيرا ً ، توجه اللجنة انتباه الدول الأطراف إلى التحديات التي يواجهها المدافعون عن حقوق الإنسان ( ) . فقد نما إلى علم اللجنة مرارا ً أن أشخاصا ً يسعون إلى حماية حقوقهم أو حقوق الآخرين التي يكفلها العهد، لا سيما في سياق المشاريع الاستخراجية والإنمائية، تعرضوا لتهديدات واعتداءات ( ) . وبالإضافة إلى ذلك، كثيراً ما يكون قادة النقابات وحركات الفلاحين، وزعماء الشعوب الأصلية، والناشطون المناهضون للفساد، عرضة للمضايقات. وينبغي أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير اللازمة لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان وعملهم. وينبغي أن تمتنع عن عرقلة عملهم بملاحقتهم جنائيا ً أو بأي وسيلة أخرى.

باء - أنواع سبل الانتصاف

٤٩- إن ضمان مساءلة الشركات عن انتهاكات الحقوق المنصوص عليها في العهد يتطلب الاستناد إلى أدوات مختلفة. فارتكاب أخطر الانتهاكات للعهد يُرتِّب مسؤولية جنائية على الشركات و/أو الأفراد الذين تعزى إليهم هذه الانتهاكات. ولعل من الضروري توعية سلطات الادعاء العام بدورها في صون الحقوق المنصوص عليها في العهد. وينبغي أن تتاح للضحايا الذين انتُهِكت حقوقهم المنصوص عليها في العهد إمكانية الاستفادة من تدابير الجبر كلما كانت هذه الحقوق معرضة للخطر، سواء ترتبت على ذلك مسؤولية جنائية أم لا ( ) .

٥٠- كما ينبغي للدول الأطراف أن تنظر في استخدام الجزاءات الإدارية لردع الكيانات التجارية عن السلوك الذي يؤدي إلى انتهاك الحقوق المنصوص عليها في العهد أو قد يؤدي إلى انتهاكها. فعلى سبيل المثال، يمكن للدول أن تنص، في أنظمة المشتريات الحكومية التي تضعها، على حجب العقود العامة عن الشركات التي لم تقدم معلومات عن الآثار الاجتماعية أو البيئية لأنشطتها أو التي لم تتخذ تدابير تضمن بذل العناية الواجبة لتجنب أي آثار سلبية على الحقوق المنصوص عليها في العهد أو لتخفيف هذه الآثار. ويمكن أيضا ً رفض منح ائتمان التصدير وغيره من أشكال الدعم الحكومي لتلك الشركات في مثل هذه الظروف. وفي السياقات التي تتجاوز الحدود الوطنية، يمكن تضمين معاهدات الاستثمار أحكاما ً تنص على رفض حماية المستثمر الأجنبي التابع للطرف الآخر، الذي أتى سلوكا ً أدى إلى انتهاك الحقوق المنصوص عليها في العهد ( ) .

١- سبل الانتصاف القضائية

٥١- غالبا ً ما يتم جبر الضرر عن انتهاكات الحقوق المنصوص عليها في العهد في إطار دعوى فردية تُرفع ضد الدولة، سواء بالاستناد إلى العهد نفسه أو إلى الأحكام الدستورية أو التشريعية المحلية التي تشمل الضمانات المنصوص عليها في العهد. ولكن إذا كان ارتكاب الانتهاك منسوبا ً إلى كيان تجاري على نحو مباشر، ينبغي تمكين الضحايا من مقاضاة هذا الكيان إما مباشرة استنادا ً إلى العهد في الولايات القضائية التي تعتبر أن العهد يفرض التزامات تسري تلقائيا ً على الجهات الفاعلة في القطاع الخاص، أو استنادا ً إلى تشريع محلي يدرج العهد في النظام القانوني الوطني. وفي هذا الصدد، تؤدي سبل الانتصاف المدنية دورا ً هاما ً في ضمان وصول ضحايا انتهاكات الحقوق المنصوص عليها في العهد إلى العدالة.

٥٢- وقد يقتضي وصول الشعوب الأصلية فعليا ً إلى العدالة اعتراف الدول الأطراف، في الإجراءات القضائية، بما تعارفت عليه هذه الشعوب من قوانين وتقاليد وممارسات وبملكيتها العرفية للأراضي والموارد الطبيعية ( ) . وينبغي أن تضمن الدول الأطراف أيضا ً استخدام لغات الشعوب الأصلية و/أو المترجمين الفوريين في المحاكم وتوافر الخدمات القانونية والمعلومات عن سبل الانتصاف بلغات الشعوب الأصلية ( ) ، فضلا ً عن توفير التدريب لموظفي المحاكم بشأن تاريخ الشعوب الأصلية وتقاليدها القانونية وقواعدها العرفية.

٢- سبل الانتصاف غير القضائية

٥٣- لا ينبغي عموما ً النظر إلى سبل الانتصاف غير القضائية كبديل عن الآليات القضائية (التي تظل في الكثير من الأحيان ضرورية للحماية فعليا ً من انتهاكات معينة للحقوق المنصوص عليها في العهد)، ومع ذلك فإن بإمكانها أن تسهم في توفير سبل انتصاف فعالة للضحايا الذين انتهكت جهاتٌ فاعلة في قطاع الأعمال التجارية حقوقهم المنصوص عليها في العهد، وفي ضمان المساءلة عن هذه الانتهاكات. وينبغي تنسيق هذه الآليات البديلة بشكل ملائم مع الآليات القضائية المتاحة، فيما يتعلق بالجزاءات وبتعويض الضحايا على حد سواء.

٥٤- وينبغي أن تستعين الدول الأطراف بطائفة واسعة من الآليات الإدارية وشبه القضائية، التي يتولى كثير منها بالفعل تنظيم جوانب من النشاط التجاري والفصل فيها في العديد من الدول الأطراف، مثل مفتشيات ومحاكم العمل، وهيئات حماية المستهلك والبيئة، وسلطات الرقابة المالية. وينبغي أن تبحث الدول الأطراف الخيارات الممكنة لتوسيع نطاق ولاية هذه الهيئات أو إنشاء أُخرى تملك صلاحية تلقي الشكاوى المتعلقة بانتهاك الشركات المزعوم لحقوق معينة منصوص عليها في العهد، والبت في هذه الشكاوى، والتحقيق في الادعاءات وفرض الجزاءات والقيام بما يلزم لاتخاذ تدابير لجبر ضرر الضحايا وإنفاذها. وينبغي تشجيع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان على وضع الهياكل المناسبة داخل هيئاتها لرصد التزامات الدول فيما يتعلق بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان، ويمكن أن تُخوَّل هذه المؤسسات صلاحية تلقي الادعاءات المقدمة من ضحايا سلوك الشركات.

٥٥- وينبغي أن توفر الآليات الحكومية غير القضائية حماية فعلية لحقوق الضحايا. وحيثما تنشأ هذه الآليات غير القضائية البديلة، ينبغي أن تستوفي أيضا ً خصائص تضمن تمتعها بالمصداقية والقدرة على الإسهام فعليا ً في منع الانتهاكات وجبر الضرر الناجم عنها ( ) ؛ وينبغي أن يكون اللجوء إلى هذه الآليات متاحا ً للجميع وأن تكون قراراتها نافذة.

٥٦- وينبغي إشراك الشعوب الأصلية المعنية في وضع الآليات غير القضائية الخاصة بالضحايا من أبناء هذه الشعوب من خلال مؤسساتها التمثيلية. وكما هو الحال بالنسبة لسبل الانتصاف القضائية، ينبغي أن تتصدى الدول الأطراف للعقبات التي تعيق وصول الشعوب الأصلية إلى الآلية، بما في ذلك الحواجز اللغوية ( ) .

٥٧- وعلاوة على ذلك، ينبغي أن تتاح سبل الانتصاف غير القضائية في السياقات التي تتجاوز الحدود الوطنية أيضا ً . ومن الأمثلة على ذلك إمكانية وصول الضحايا الموجودين خارج إقليم الدولة إلى مؤسسات حقوق الإنسان أو أمناء المظالم في تلك الدولة، وكذلك إلى آليات تقديم الشكاوى المنشأة في إطار المنظمات الدولية، مثل جهات الاتصال الوطنية التي تعمل وفق المبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي المتعلقة بالمؤسسات المتعددة الجنسيات.

خامسا ً - التنفيذ

٥٨- إن ضمان ممارسة الأنشطة التجارية وفقا ً للشروط المنصوص عليها في العهد يقتضي من الدول الأطراف بذل جهود متواصلة. ودعماً لهذه الجهود، ينبغي لخطط العمل أو الاستراتيجيات الوطنية، التي يُتوقع أن تعتمدها الدول الأطراف لضمان الإعمال التام للحقوق المنصوص عليها في العهد، أن تتناول بشكل محدد مسألة دور الكيانات التجارية في الإعمال التدريجي لهذه الحقوق.

٥٩- وعقب اعتماد المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، اعتمد العديد من الدول أو المنظمات الإقليمية خطط عمل بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان ( ) . وهذا تطور يبعث على الرضا، خصوصا ً إذا كانت خطط العمل هذه تضع أهدافا ً محددة وملموسة، وتُعيِّن مسؤوليات مختلف الجهات الفاعلة، وتحدد الإطار الزمني والوسائل اللازمة لاعتمادها. وينبغي أن تتضمن خطط العمل المتعلقة بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان مبادئ حقوق الإنسان، بما في ذلك المشاركة الفعالة والمجدية، وعدم التمييز والمساواة بين الجنسين، والمساءلة والشفافية. وينبغي رصد التقدم المحرز في تنفيذ خطط العمل هذه، كما ينبغي أن تركز هذه الخطط بنفس القدر على جميع فئات حقوق الإنسان، بما في ذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفيما يتعلق بشرط المشاركة في تصميم هذه الخطط، تشير اللجنة إلى الدور الأساسي الذي يمكن، بل ينبغي، أن تؤديه المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني في إعمال الحقوق المنصوص عليها في العهد في سياق أنشطة الأعمال التجارية، إعمالاً كاملاً.